وفاة الفقيه والمؤرخ الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام 27 من ذي القعدة 1423هـ (2002م):• اسم الكاتب: اسلام ويبالشيخ عبد الله البسام رحمه الله فقيه معاصر وقاض ومؤرخ ومدون لسير العلماء النجديين.
كان رحمه الله متبحراً في علوم الشريعة متضلعاً في علوم الفقه والحديث مرجعاً في علوم التاريخ والسير والتراجم والأنساب.
نال من العلم ما شهدت له به رحاب حلقات العلم في المسجد الحرام والندوات والمؤتمرات، وما ظهرت آثاره في مصنفاته الجليلة والمتنوعة.
تميَّز الشيخ البسام بالجمع بين الأصالة العلمية ومواكبة العصر الحديث واستنباط الأحكام المناسبة لنوازله وما يستجد فيه من المسائل الكثيرة والمتشعبة في غير شطط في الحكم، ولا شذوذ في الرأي.
اسمه:أبو عبد الرحمن عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح بن حمد بن محمد بن حمد بن إبراهيم البسام، وأسرة آل بسام من قبيلة بني تميم، وهم من سكان عنيزة.
مولده ونشأته:ولد في بلدة أسرته مدينة عنيزة في القصيم عام 1346هـ، وبعد سن التمييز أدخله والده كتاتيب بلده، وأشهر كتَّاب دخله هو كتَّاب الشيخ عبد الله بن محمد القرعاوي رحمه الله تعالى، فلما سافر شيخه عبد الله القرعاوي عن عنيزة إلى جنوب المملكة العربية السعودية شرع بالقراءة على والده، فأكمل عليه حفظ القرآن الكريم، وأخذ عنه –مع شقيقه صالح– مبادئ علم الفقه بكتاب (أخصر المختصرات) ومبادئ علم النحو في (العمريطية نظم الأجرومية)، وكانا أيضاً يدرسان عليه في التفسير والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي والفقه والنحو.
وكان والده مرجعاُ في السيرة النبوية، والتاريخ الإسلامي، والأنساب والأخبار، ويحفظ من الأشعار والأخبار الشيء الكثير، فاستفاد منه في ذلك فوائد جليلة، وكان عند والده مكتبة طيبة استفاد منها كثيراً كل هذا في سن الصبا، وكان والده يبين له فضل العلم وفضل أهله، وكان يكرر عليه قوله (تأتيني عالماً أفضل عندي من كنوز الأرض) فترغيبه وحثه له هو الحافز الذي دفعه إلى التعلم.
ثم إن الشيخ كان من زملاء الشيخ العلامة ابن عثيمين في سلك الطلاب الملازمين عند الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي –رحمه الله-، فصار يحضر دروسه ولا يفوته منها شيء واستمر عنده لمدة ثمان سنوات أو أكثر.
إلى الحجاز:حدثت في حياة الشيخ البسام انعطافة وذلك عندما رحل للحج سنة 1946م، وهناك زار الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع رئيس دار التوحيد الشهيرة حينها، وتباحث معه فأعجب الشيخ بن مانع به وطلب منه الالتحاق بدار التوحيد في الطائف التي أمر بها الملك عبد العزيز وجلب لها علماء من الأقطار الإسلامية الأخرى، فالتحق البسام بها وهناك وجد علوماً أخرى غير التي اعتاد أهل نجد على تلقيها، حيث درس المنطق والأدب والمناظرة والبلاغة والعلوم الرياضية وكان فيها علماء مصريون من الأزهر، وأثناء دراسته كان إماماً وخطيباً في جامع العزيزية بالطائف.
تخرج الشيخ من دار التوحيد عام (1370هـ) والتحق بكلية الشريعة وكلية اللغة العربية بمكة المكرمة وقد ضمتا إلى بعضهما البعض، وهناك تلقى العلوم على أساتذة مشاهير مثل محمد أبو شهبة وعبد الخالق عضيمة وإبراهيم زيدان كما درس البلاغة على الداعية والمفسر المصري الشهير محمد متولي الشعراوي.
وفي كلية الشريعة بمكة زاد اهتمامه لقربه من المسجد الحرام، وحلقات الدروس فيه، فصار يتردد بين شيوخه في الكلية، وبين حلقات الدروس في المسجد الحرام.
تخرج الشيخ من كلية الشريعة عام 1374هـ بعد إتمام الدراسة بها في المدة المقررة أربع سنين.
وفي أثناء دراسته بالكلية كلف بمراقبة الكتب بميناء جدة، حيث كان يعمل يومين في الأسبوع في ميناء جدة قادما من مكة لهذا الغرض، وهو الرقابة على الكتب الوافدة للبلد وإجازة أو منع الكتب المخالفة.
وفي أثناء دراسته أيضاً طلب الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ رئيس القضاة في ذلك الوقت من مدير المعارف الشيخ محمد بن عبدالعزيز المانع أن يرشح أربعة من البارزين من طلاب كلية الشريعة ليكونوا مدرسين في الحرم المكي فكان الشيخ عبدالله البسام أحد المرشحين فمارس التدريس بالحرم منذ عام 1372هـ .
مناصبه وأعماله:لَمَّا تخرَّج من الدراسة الجامعية عام 1374هـ عمل ما يلي:
- القضاء:- فكان أولاً قاضياً في القضايا الجزئية المستعجلة في مكة.
- ثم رئيساً للمحكمة الكبرى بالطائف، عام 1387هـ بأمر من الشيخ محمد بن ابراهيم، وحاول الشيخ عبد الله بن حميد أن يبقى البسام في مكة ليدرس في الحرم لكن الأمر نفذ.
- ثم قاضياً في محكمة تمييز الأحكام الشرعية للمنطقة الغربية التي مقرها مكة المكرمة عام1391هـ.
- ثم رئيساً لمحكمة التمييز بمكة المكرمة 1400هـ، وقام بها حتى تمت مدة عمله النظامي، ثم مدد له سنة، ثم تقاعد عام 1417هـ.
ولا شك أنه مشوار حافل يجعل الشيخ البسام من الرعيل الاول من القضاة في السعودية ويجعله أيضا شاهدا على مسيرة القضاء في السعودية.
- التدريس في المسجد الحراممارس التدريس بالحرم منذ عام 1372هـ وهو طالب بكلية الشريعة.
قضى الشيخ رحمه الله أكثر من خمسين عاماً في المسجد الحرام يلقي دروسه الفقهية وخاصة في كتاب الروض المربع، ولم تنقطع دروسه إلا مدة رئاسته لمحكمة الطائف ثلاث سنوات أو إجازات يقضيها خارج مكة، وإلا قبيل وفاته بثلاث سنوات حينما أثقل كاهله المرض، كانت حلقات درسه بين المغرب والعشاء.
وكان لدروسه قبول واسع وشهرة كبيرة لما فيها من فوائد، ولأنها تصلح لطبقات المجتمع كافة، وكان بعض منها ينقل عبر الإذاعة، كما كان يشارك في برامج الإفتاء في الإذاعة والتلفاز.
-عضويته في المجامع والهيئات واللجان- عين عضواً في المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، والتابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي
- عين عضواً في مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية.
- عين عضواً في المجلس الأعلى لدار الحديث الخيرية بمكة.
- عين رئيساً للجمعية الخيرية لمساعدة الشباب على الزواج في مكة المكرمة.
- رئيساً للمكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في جدة.
- رئيساً لمجلس إدارة المستودع الخيري بمكة المكرمة
- عضواً في هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية.
- عضو مجمع الاعجاز العلمي للكتاب والسُّنَّة.
- عضو في لجنة تحديد الحرم المكي.
نماذج من مؤلفاتهأفنى الشيخ عمره في العلم تعلما وتعليما وإرشاداً وأثرى المكتبات بمؤلفاته المفيدة في فنون عديدة.
وهذه نماذج من أشهرهاتيسير العلّام شرح عمدة الأحكام:هو كتاب شهير وضع له القبول وحظي بإقبال واسع وطبع عدة مرات ودرِّس للطلبة في المعاهد العلمية الشرعية وترجم إلى عدة لغات.
يحتوي متن "عمدة الأحكام" للحافظ عبد الغني المقدسي على نخبة منتقاة من أصح أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، اختارها من صحيح البخاري وصحيح مسلم، ورتبها على الأبواب الفقهية، لتكون عوناً على أخذ المسائل من أدلتها الصحيحة.
شرحه الشيخ شرحاً تميز بسهولة أسلوبه، فقد راعى في شرحه هذا الإيجاز وطرح الخلافات الفقهية الكثيرة ولم يعول إلا على المشهور منها ولم يلتزم بالمذهب الحنبلي في اختياراته الفقهية - مع أنه حنبلي المذهب في الأساس، وكان حريصاً على شرح الكلمات الغامضة بمقابلاتها في العربية المعاصرة، كما حرص على تقديم مقاييس الأوزان والأكيال كما تستخدم في العصر الحديث.
واستخرج من الحديث ما يدل عليه من الأحكام والآداب، ثم يذكر ما قوي من خلاف العلماء، مع ذكر أدلتهم ومآخذهم، مع حرصه على بيان حكمة التشريع وجمال الإسلام وسمو أهدافه، وجليل مقاصده من وراء هذه النصوص.
كان الشيخ عبدالله البسام رحمه الله يقول: أرجو من الله عزوجل أن يجعل كتابي (تيسير العلام شرح عمدة الأحكام) مفتاحاً لي إلى دخول الجنة، لقد نفع الله بكتابه الكثير، واشتهر الشيخ رحمه الله به، وصار من العلم الذي ينتفع به صدقة جارية بعد وفاته رحمه الله.
توضيح الأحكام في شرح بلوغ المرام:ومن كتبه الشهيرة أيضاً التي لاقت قبولاً واسعاً كتابه: «توضيح الأحكام في شرح بلوغ المرام» وهو من أدق الشروح لكتاب بلوغ المرام للحافظ ابن حجر، اهتم شارحه باستنباط الأحكام الفقهية مع ترجيح الرأي الأصح دليلًا، وإيراد بعض قرارات هيئة كبار العلماء ومجمع الفقه الإسلامي، بحيث أصبح هذا الشرح جامعًا بين الأصالة والمعاصرة.
فتميَّز هذا الكتاب بالبحث في القضايا المعاصرة، وبذل الشيخ جهداً كبيراً في تحريرها، وبيان أحكامها، وما صدر فيها عن المجامع الفقهية، وما أفتى به العلماء المعاصرون، وإن هذه الميزة لتجعل للكتاب أهمية كبيرة، ومكاناً للصدارة بين أمثاله.
علماء نجد خلال ثمانية قرونأصدر الشيخ كتابه الموسوعي «علماء نجد خلال ستة قرون» عام 1398هـ في ثلاثة أجزاء ثم كانت طبعته الثانية تحت عنوان «علماء نجد خلال ثمانية قرون» وصدر في ستة مجلدات عام 1419هـ.
تراجم الطبعة الأولى بلغت 338 ترجمة، أمَّا الثانية فقد حوت 900 ترجمة.
هذا الكتاب يعد مرجعاً تاريخياً وعلمياً مهماً للتعرف على الحالة الدينية والاجتماعية والسياسية في فترة تمتد من القرن العاشر أو التاسع إلى وقتنا المعاصر وقد أودع البسام فيه آراءه وأفكاره في الأنساب والتاريخ والأحداث السياسية التي مرت بها نجد.
وقد أجاد تفرد بهذا الكتاب رحمه الله فإقليم نجد كما ذكر في كتابه إقليم مهمل متروك، لم يعن به المؤرخون ولا أصحاب السير؛ وذلك لأسباب سياسية وجغرافية متعددة ولذا فقد كان جمع المادة العلمية صعبا جدا، فهي مشتتة بين أوراق متناثرة عند هذا وذاك، وأخبار متناقلة يرويها الأجداد للأحفاد، ولكن الشيخ رحمه الله استطاع بمعونة الله له أن يجمع من ذلك ما ملأ ثلاثة مجلدات كبار في الطبعة الأولى، وستة مجلدات أكبر في الطبعة الثانية.
مؤلفاته:كانت مؤلفات الشيخ تتميز بسهولة العبارة ووضوح الأسلوب كما كانت تعكس علما غزيراً، ونظرا ثاقبا، وعقلية فقهية مؤصلة، و لم تشغل الشيخ الوظائف والارتباطات الرسمية عن التأليف النافع.
فمن هذه المؤلفات نذكر منها:1 - مجموعة محاضرات وبحوث ألقاها في مواسم رابطة العالم الإسلامي.
2 - تيسير العلام شرح عمدة الأحكام «جزآن» طبع عام 1380هـ.
3 - خلاصة الكلام على عمدة الأحكام عام 1382هـ .
4 - " تقنين الشريعة " أضراره ومفاسده عام 1379هـ .
6 - علماء نجد خلال ثمانية قرون «ستة أجزاء».
7 - القول الجلي في زكاة الحلي طبع عام 1410هـ .
8 - الاختيارات الجليلة في المسائل الخلافية.
9 - الدين الإسلامي كفيل بتحقيق المصالح.
10 - توضيح الأحكام في شرح بلوغ المرام في سبعة مجلدات.
11 - الفقه المختار موسوعة فقهية.
12 - مجموعة تواريخ نجدية وأنساب.
13 - حاشية على عمدة الفقه.
14 - تنبيه ذوي الأبصار عن ما في كتاب الآثار المحمدية من الأضرار.
15 - نيل المآرب تهذيب عمدة الراغب.
16 - شرح على كشف الشبهات.
وفاته:توفي الشيخ عن عمر ناهز (77) عاماً، في ضحى يوم الخميس الموافق 27 /11/ 1423هـ إثر سكتة قلبية، وصُلي على الشيخ في المسجد الحرام بمكة المكرمة بعد صلاة الجمعة.
فرحم الله الشيخ وأسكنه فسيح جناته.