ليلة النصف من شعبان والبدع التي جاءت فيها
ليلة النصف من شعبان من مواسم البدع، وما يذكر فيها من أدعية مشهورة أو صلوات مخصوصة فهو من البدع الحادثة في الدين، وإذا اتفق لبعض العباد إحياؤها فلا ينافي ذلك كون صلاتها وكل ما يعملونه فيها بدعة مذمومة زاد في قبحها جعْلها شعارًا دينيًا.
من بدع ليلة النصف من شعبان:
يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: إن اتخاذ هذه الليلة موسمًا من مواسم الدين من البدع الحادثة في القرون المتوسطة، والدعاء المختص بهذه الليلة الذي يطلب فيه من الله تعالى أن يمحو من أم الكتاب شقاوة من كتبه شقيًّا…الخ ابتدعه أحد الجهال وما يقولونه في فضائل الليلة غير صحيح، وما يقولونه من أن ليلة النصف من شعبان هي الليلة التي فيها قال الله تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (الدخان: 4) غير صحيح، والثابت أن هذه هي ليلة القدر المجهولة وأن الأمر الحكيم هو أمر الوحي والشريعة ؛ لأنها الليلة التي نزل فيها الكتاب المبين.
ومن بدع ليلة النصف من شعبان ومنكراتها الدعاء المعروف الذي لم ينزل الله به من سلطان، والصلاة التي يروون استحبابها فيها من البدع باتفاق المحدثين والفقهاء ولا عبرة بذكر الغزالي إياها في (الإحياء) بصيغة الضعف فإنها مكذوبة لا ضعيفة.
حديث إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها:
وما ورد في ليلة النصف من شعبان حديث ابن ماجه عن علي: (إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها)، وهو حديث ضعيف إلا أن العُبَّاد عملوا به من زمن طويل وأكثر الفقهاء على أن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال المشروعة في جنسها؛ لأنها إذا لم تصح لم يكن العامل قد جاء بمنكر.
وقد زاد فيه عبد الرزّاق في مصنفه:
(فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له، ألا من مسترزق فأرزقه حتى يطلع الفجر). قالوا أي ينزل أمره أو ملك بإذنه.
أورد في شرح الإحياء ما ورد في شعبان من الأحاديث وقول المحدثين في وضعها واختلاقها، ثم قال ما نصه:
وقال الحافظ أبو الخطاب بن دحية في (العلم المشهور):
حديث ليلة النصف من شعبان موضوع. قال أبو حاتم: محمد بن حبان بن مهاجر يضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث أنس فيها موضوع أيضًا لأن فيه إبراهيم بن إسحق. قال أبو حاتم: كان يقلب الأخبار ويسرق الحديث وفيه وهب بن وهب القاضي أكذب الناس). ا.هـ
وقال التقي السبكي في (تقييد التراجيح):
الاجتماع لصلاة ليلة النصف من شعبان ولصلاة الرغائب بدعة مذمومة. ا.هـ
وقال النووي:
هاتان الصلاتان بدعتان موضوعتان منكرتان قبيحتان ، ولا تغتر بذكرهما في كتاب القوت والإحياء ، وليس لأحد أن يستدل على شرعيتهما بقوله صلى الله عليه وسلم : ( والصلاة خير موضوع ) ؛ فإن ذلك يختص بصلاة لا تخالف الشرع بوجه من الوجوه ، وقد صح النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة اهـ.
قلت: وقد ذكر التقي السبكي في تفسيره أن إحياء ليلة النصف من شعبان يكفر ذنوب السنة وليلة الجمعة تكفر ذنوب الأسبوع وليلة القدر تكفر ذنوب العمر اهـ.
إحياء ليلة النصف من شعبان بصلاة ست ركعات:
وقد توارث الخلف عن السلف في إحياء هذه الليلة بصلاة ست ركعات بعد صلاة المغرب ، كل ركعتين بتسليمه يقرأ في كل ركعة منها بالفاتحة مرة والإخلاص ست مرات ، وبعد الفراغ من كل ركعتين يقرأ سورة ( يس ) مرة ويدعو بالدعاء المشهور بدعاء ليلة النصف ، ويسأل الله تعالى البركة في العمر ثم في الثانية البركة في الرزق ثم في الثالثة حسن الخاتمة ، وذكروا أن مَن صلى هكذا بهذه الكيفية أُعطي جميع ما طلب ، وهذه الصلاة مشهورة في كتب المتأخرين من السادة الصوفية ، ولم أَرَ لها ولا لدعائها مستندًا صحيحًا في السنة ؛ إلا أنه من عمل المشايخ، وقد قال أصحابنا إنه يكره الاجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالي المذكورة في المساجد وغيرها.
صفة إحياء ليلة النصف من شعبان:
وقال النجم الغيطي في صفة إحياء ليلة النصف من شعبان بجماعة إنه قد أنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز ، منهم عطاء وابن أبي مليكة وفقهاء أهل المدينة وأصحاب مالك، وقالوا ذلك كله بدعة ولم يثبت في قيامها جماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه شيء.
واختلف علماء الشام على قولين:
أحدهما: استحباب إحيائها بجماعة في المسجد، وممن قال بذلك من أعيان التابعين خالد بن معدان وعثمان بن عامر ووافقهم إسحق بن راهويه.
والثاني: كراهة الاجتماع لها في المساجد للصلاة وإليه ذهب الأوزاعي فقيه الشام ومفتيهم اهـ .يعني بقوله (أصحابنا) الحنفية.
وإذا اتفق لبعض عباد التابعين إحياؤها وزاد عليهم المتأخرون دعاءها وسائر البدع التي ذكرها ابن الحاج في (المدخل) فهل ذلك ينافي كون صلاتها وكل ما يعملونه فيها بدعة مذمومة؟ كلا، إنها بدعة زاد في قبحها جعْلها شعارًا دينيًا.
من أرشيف إسلام أونلاين
جزاهم الله خير الجزاء.