فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ٣٥
خواطر محمد متولي الشعراوي
معنى: {فَلاَ تَهِنُواْ..} [محمد: 35] لا تضعفوا في مواجهة الأعداء لأنكم أمامهم في معركة، ولو لمسوا فيكم بوادر الضعف لتجرأوا عليكم وطمعوا فيكم، ومن مظاهر الضعف أن تدعوهم إلى المسالمة والموادعة {وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ..} [محمد: 35] فتصرفوا من هذا المنطلق، ومن هذا الاعتقاد أنكم الأعلوْنَ عليهم.
ولم لا {وَٱللَّهُ مَعَكُمْ..} [محمد: 35] يُقوِّيكم ويحمي ظهوركم، وهو سبحانه الركن الشديد الذي لا يخذل أبداً مَنْ لجأ إليه، وهو صاحب هذا المنهج الذي تقاتلون من أجله، فكيف يتخلى عنكم أو يُسلمكم لأعدائكم؟!
إذن: إذا حميَ الوطيس واشتدَّتْ الحرب فاثبتوا، ولا ترهبكم منهم عدة ولا عدد ولا حيلة ولا مكر، لأن الله معكم.
لذلك في قصة سيدنا موسى عليه السلام لما كاد فرعون أنْ يلحقه هو وجنوده، حتى كان البحر من أمامه وجنود فرعون من خلفه، وقال أحد جنود موسى: { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [الشعراء: 61] ماذا قال موسى؟ { قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [الشعراء: 62] قالها بملءِ فيه وهو واثق من نصر الله.
ونفهم من قوله تعالى: {وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ..} [محمد: 35] نهى عن أن نطلب نحن السلام ولا نرفع نحن الراية البيضاء، بل نتركهم يطلبون هم، لذلك يقول سبحانه في الآية الأخرى: { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا.. } [الأنفال: 61] ذلك لأنهم يفهمون أن السلام من طرفكم ضعفٌ واستسلام، وأيضاً لا تطلبون السلام لأنكم الأعلون والأعز والأقوى.
{وَٱللَّهُ مَعَكُمْ..} [محمد: 35] ومَنْ كان في معية الله يخلع الله عليه من صفاته، أرأيتم في قصة الغار كيف وقفوا على فتحة الغار، حتى قال الصِّديق: "يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما".
وما دام الله ثالثهما، فهم في معيته تعالى، وما دام الله لا تدركه الأبصار، فكذلك مَنْ كان في معيته لا تدركه الأبصار.
معنى {وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35] وتر الشيء يعني: فقده، والمعنى: لن ينقصكم من أجور أعمالكم شيئاً، بل سيُوفِّيكم إياها وزيادة.