أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الباب الخامس والستون في ذكر البحار وما فيها من العجائب وذكر الأنهار والآبار الإثنين 28 نوفمبر 2022, 8:11 pm | |
| الباب الخامس والستون في ذكر البحار وما فيها من العجائب وذكر الأنهار والآبار وفيه فصول الفصل الأول في ذكر البحار روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: لما أراد الله تعالى أن يخلق الماء خلق ياقوتة خضراء لا يعلم طولها وعرضها إلا الله سبحانه وتعالى، ثم نظر إليها بعين الهيبة، فذابت وصارت ماء فاضطرب الماء، فخلق الريح ووضع عليها الماء، ثم خلق العرش ووضعه على متن الماء وعليه قوله تعالى: وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ «2». واعلم أن بحر الظلمات «3» لا يدخله شمس ولا قمر، وإن بحر الهند خليج منه «4» ، وبحر اللاذقية خليج منه «5» ، وبحر الصين خليج منه، وبحر الروم خليج منه «6» ، وبحر فارس خليج منه «7» ، وكل هذه البحار التي ذكرتها أصلها من البحر الأسود الذي يقال له البحر المحيط «8» ، وأما بحر الخزر «9» وبحر خوارزم «10» ، وبحر أرمينية «11» ، والبحر الذي عند مدينة النحاس، وغير ذلك من البحار الصغار فهي منقطعة عن البحر الأسود «12» ، ولذلك ليس فيها جزر ولا مد. وقيل سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الجزر والمد، فقال: هو ملك عال قائم بين البحرين إن وضع رجله في البحر حصل له المد، وإذا رفعها حصل له الجزر «13» . وقيل: إنما سمي البحر الأسود لأن ماءه في رأى العين كالحبر الأسود، فإن أخذ منه الإنسان في يده شيئا رآه أبيضا صافيا إلا أنه أمرّ من الصبر مالح شديد الملوحة، فإذا صار ذلك الماء في بحر الروم تراه أخضر كالزنجار، والله تعالى يعلم لأي شيء ذلك. وكذلك يرى في بحر الهند خليج أحمر كالدم، وبحر أصفر كالذهب، وخليج أبيض كاللبن تتغير هذه الألوان في هذه المواضع، والماء في نفسه أبيض صاف، وقيل: إن تغيّر الماء بلون الأرض.
وأما ما يخرج من البحر من السمك وغيره فقد روي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ساحل البحر، وأمّر علينا أبا عبيدة رضي الله تعالى عنه نتلقىّ عير قريش، وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة نمصها ثم نشرب عليها الماء، فتكفينا يومنا إلى الليل، فأشرفنا على ساحل البحر، فرأينا شيئا كهيئة الكثيب الضخم، فأتيناه، فإذا هو دابة من دواب البحر تدعى العنبر «14» ، فأقمنا شهرا نأكل منها، ونحن ثلاثمائة حتى سمنّا، ولقد رأيتنا نغترف من الدهن الذي في وقب عينيها بالقلال، ونقطع منه القطعة كالثور، ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينها، وأخذ ضلعا من أضلاعها، فأقامها، ثم رحّل أعظم بعير معنا، فمر من تحتها وتزودنا من لحمها، فلما قدمنا المدينة ذكرنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال: هو رزق أخرجه الله لكم، فهل معكم شيء من لحمها، فتطعمونا، فأرسلنا له منه، فأكله. وقيل: يخرج من البحر سمكة عظيمة، فتتبعها سمكة أخرى أعظم منها لتأكلها فتهرب منها إلى مجمع البحرين «1» ، فتتبعها، فتضيق عليها مجمع البحرين، لعظمها وكبرها، فترجع إلى البحر الأسود، وعرض مجمع البحرين مائة فرسخ، فتبارك الله رب العالمين. وقال صاحب تحفة الألباب: ركبت في سفينة مع جماعة، فدخلنا إلى مجمع البحرين، فخرجت سمكة عظيمة مثل الجبل العظيم، فصاحت صيحة عظيمة لم أسمع قط أهول منها ولا أقوى، فكاد قلبي ينخلع، وسقطت على وجهي أنا وغيري، ثم ألقت السمكة نفسها في البحر، فاضطرب البحر اضطرابا شديدا، وعظمت أمواجه، وخفنا الغرق، فنجانا الله تعالى بفضله، وسمعت الملاحين يقولون هذه سمكة تعرف بالبغل قال: ورأيت في البحر سمكة كالجبل العظيم، ومن رأسها إلى ذنبها عظام سود كأسنان المنشار كل عظم أطول من ذراعين وكان بيننا وبينها في البحر أكثر من فرسخ، فسمعت الملاحين يقولون: هذه السمكة تعرف بالمنشار إذا صادفت أسفل السفينة قصمتها نصفين، ولقد سمعت أنا من يقول أن جماعة ركبوا سفينة في البحر، فأرسوا على جزيرة فخرجوا إلى تلك الجزيرة، فغسلوا ثيابهم واستراحوا ثم أوقدوا نارا ليطبخوا، فتحركت الجزيرة، وطلبت البحر، وإذا بها سمكة «2» ، فسبحان القادر على كل شيء لا إله إلا هو، ولا معبود سواه. وقيل: إن في البحر سمكة تعرف بالمنارة لطولها يقال: إنها تخرج من البحر إلى جانب السفينة، فتلقي نفسها عليها، فتحطمها، وتهلك من فيها، فإذا أحس بها أهل السفينة صاحوا وكبروا وضجوا وضربوا الطبول ونقروا الطسوت والسطول والأخشاب لأنها إذا سمعت تلك الأصوات ربما صرفها الله تعالى عنهم بفضله ورحمته. وقال الشيخ عبد الله صاحب تحفة الألباب: كنت يوما في البحر على صخرة، فإذا أنا بذنب حية صفراء منقطة بسواد طولها مقدار باع فطلبت أن تقبض على رجلي، فتباعدت عنها، فأخرجت رأسها كأنها رأس أرنب من تحت تلك الصخرة، فسللت خنجرا كبيرا كان معي فطعنت به رأسها، فغار فيه، فلم أقدر على خلاصه منها، فأمسكت نصابه بيدي جميعا وجعلت أجره حتى ألصقتها بباب الجحر، فتركت الجحر، وخرجت من تحت الصخرة، فإذا هي خمس حيات في رأس واحد، فتعجبت من ذلك، وسألت من كان هناك عن اسم هذه الحية فقال: هذه تعرف بأم الحيات، وذكروا أنها تقبض على الآدمي في الماء، فتمسكه حتى يموت وتأكله، وأنها تعظم حتى تكون كل حية أكثر من عشرين ذراعا وأنها تقلب الزوارق، وتأكل من قدرت عليه من أصحابها، وأن جلدها أرق من جلد البصل، ولا يؤثر فيها الحديد شيئا «3» . قال: ورأيت مرة في البحر صخرة عليها شيء كثير من النارنج الأحمر الطري الذي كأنه قطع من شجرة، فقلت في نفسي: هذا قد وقع من بعض السفن، فذهبت إليه، فقبضت منه نارنجة، فإذا هي ملتصقة بالحجر، فجذبتها، فإذا هي حيوان يتحرك ويضرب في يدي، فلففت يدي بكم ثوبي، وقبضت عليه وعصرته، فخرج من فيه مياه كثيرة، وضمر، فلم أقدر أن أقلعه من مكانه، فتركته عجزا عنه، وهو من عجائب خلق الله تعالى، وليس له عين ولا جارحة إلا الفم، والله سبحانه وتعالى أعلم لأي شيء يصلح ذلك. قال: ولقد رأيت يوما على جانب البحر عنقود عنب أسود كبير الحب أخضر العرجون كأنما قطف من كرمه، فأخذته، وكان ذلك في أيام الشتاء، وليس في تلك الأرض التي كنت فيها عنب، فرمت أن آكل منه، فقبضت على حبة منه، وجذبتها، فلم أقدر أن أقلعها من العنقود حتى كأنها من الحديد قوة وصلابة، فجذبتها جذبة أقوى من الأولى، فانقشرت قشرة من تلك الحبة كقشر العنب وفي داخلها عجم كعجم العنب، فسألت عن ذلك، فقيل لي: هذا من عنب البحر ورائحته كرائحة السمك. وفي البحر أيضا حيوان رأسه يشبه رأس العجل، وله أنياب كأنياب السباع، وجلده له شعر كشعر العجل، وله عنق وصدر وبطن، وله رجلان كرجل الضفدع، وليس له يدان «1» يعرف بالسمك اليهودي، وذلك أنه إذا غابت الشمس ليلة السبت يخرج من البحر، ويلقي نفسه في البر ولا يتحرك، ولا يأكل، ولو قتل، ولا يدخل البحر حتى تغيب الشمس ليلة الأحد، فيحنئذ يدخل البحر ولا تلحقه السفن لخفته وقوته وجلده يتخذ منه نعل لصاحب النقرس، فلا يجد له ألما ما دام ذلك الجلد عليه، وهو من العجائب. وقيل: إن في بحر الروم سمكا طويلا طول السمكة مائة ذراع، وأكثر، وله أنياب كأنياب الفيل تؤخذ وتباع في بلاد الروم، وتحمل إلى سائر البلاد، وهي أحسن، وأقوى من أنياب الفيل «2» ، وإذا شق الناب منها يظهر فيه نقوش عجيبة، ويسمونه الجوهر، ويتخذون منه نصبا للسكاكين، وهو مع قوته وحسن لونه ثقيل الوزن كالرصاص. وفي البحر أيضا سمك يسمى الرعاد إذا دخل في شبكة، فكل من جر تلك الشبكة أو وضع يده عليها أو على حبل من حبالها تأخذه الرعدة حتى لا يملك من نفسه شيئا كما يرعد صاحب الحمى، فإذا رفع يده زالت عنه الرعدة، فإن أعادها عادت إليه الرعدة «3» ، وهذا أيضا من العجائب، فسبحان الله جلت قدرته. وقال صاحب تحفة الألباب: حدثني الشيخ أبو العباس الحجازي قال: حدثني رجل يعرف بالهاروني من ولد هارون الرشيد أنه ركب سفينة في بحر الهند، فرأى طاووسا قد خرج من البحر أحسن من طاووس البر وأجمل ألوانا. قال: فكبر بالحسنة فجعل يسبح وينظر لنفسه، وينشر أجنحته، وينظر إلى ذنبه ساعة، ثم غاص في البحر «4» . وفي البحر دابة يقال لها: الدرفين «5» تنجي الغريق لأنها تدنو منه حتى تضع يده على ظهرها، فيستعين بالإتكاء عليها، ويتعلق بها، فتسبح به حتى ينجيه الله بقدرته، فسبحان من دبّر هذا التدبير اللطيف، وأحكم هذه الحكمة البالغة. وزعموا أن السمك يتجه نحو الغناء والصوت الحسن، ويصبو لسماعه. وربما قيل إن بعض الصيادين يحفرون في البحر حفائر، ثم يجلسون، فيضربون بالمعازف وآلات الطرب، فيجتمع السمك، ويقع في تلك الحفائر. وقيل: إن الدرفين وأنواع السمك إذا سمعت صوت الرعد هربت إلى قعر البحر، وقيل: إن خيل البحر توجد بنيل مصر، وهي صفة خيل البر. وقيل: إنها تأكل التماسيح وربما خرجت فرعت الزرع، وإذا رأى أهل مصر أثر حوافرها حكموا أن ماء النيل ينتهي في طلوعه إلى ذلك المكان. وقيل: إن في البحر المحيط شيئا يتراءى كالحصون، فيرتفع على وجه الماء ويظهر منه صور كثيرة، ويغيب، ومن عجيب ما حكي أن فيه جزيرة فيها ثلاث مدن عامرة، وهي كثيرة الأمطار، وأهلها يحصدون زرعها قبل جفافه لقلة طلوع الشمس عندهم ويجعلونه في بيت ويوقدون حوله النيران حتى يجف. وعجائبه لا تحصى، ولا يمكن حصرها. ويقال: إن الإسكندر لما سار إلى بحر الظلمات مر بجزيرة بها أمة رؤوسهم مثل رؤوس الكلاب يخرج من أفواههم مثل لهب النار، وخرجوا إلى مراكبه، وحاربوه، ثم تخلص منهم وسار، فرأى صورا متلونة بألوان شتى وسمكا طوله مائة ذراع، وأكثر، وأقل، فسبحان الله تعالى ما أكثر عجائب خلقه. ويقال أنه مر في بعض الجزائر على قصر مصنوع من البلور على قلعة محكمة البناء وحولها قناديل لا تطفأ، ومن جزائر البحر جزيرة القمر «6» يقال إن بها شجرا طول الشجرة مائتا ذراع، ودور ساقها مائة وعشرون ذراعا، وبها طوائف من السودان عرايا الأبدان يلتحقون بورق الشجر وهو ورق يشبه ورق الموز لكنه أسمك وأعرض وأنعم، ويقال: إن هذه الجزيرة بالقرب من نيل مصر، وإن هذه الأمة التي بها يتمذهبون بمذهب الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه، وهم في غاية اللطافة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالقرب منهم معدن الذهب والياقوت وبها الفيلة البيض وحيوانات مختلفة الأشكال من الوحوش وغيرهما، وبها العود القماري والآبنوس والطواويس، وبها مدن كثيرة. ومنها جزيرة الواق «1» خلف جبل يقال له: اصطفيون داخل البحر الجنوبي، ويقال إن هذه الجزيرة كانت ملكتها امرأة، وإن بعض المسافرين وصل إليها ودخلها ورأى هذه الملكة، وهي جالسة على سرير، وعلى رأسها تاج من ذهب وحولها أربعمائة وصيفة كلهن أبكار، وفي هذه الجزيرة من العجائب شجر يشبه شجر الجوز، وخيار الشنبر ويحمل حملا كهيئة الإنسان، فإذا انتهى سمع له تصويت يفهم منه واق واق، ثم يسقط، وهذه الجزيرة كثيرة الذهب حتى قيل إن سلاسل خيمهم ومقاود كلابهم وأطواقها من الذهب. ومنها جزيرة الصين يقال: إن بها ثلاثمائة مدينة ونيفا سوى القرى والأطراف وأبوابها اثنا عشر بابا، وهي جبال في البحر بين كل جبلين فرجة، وهذه الجبال تمر بها المراكب مسيرة سبعة أيام، وإذا جاوزت السفينة الأبواب سارت في ماء عذب حتى تصل إلى الموضع الذي تريده، وفيها من الأودية والأشجار والأنهار ما لا يمكن وصفه، فتبارك الله رب العالمين. وقيل: إن الاسكندر لما فرغ من بناء سده حمد الله تعالى وأثنى عليه ثم نام، وإذا بحيوان عظيم صعد من البحر إلى أعلى وسد الأفق، فظن من حول الملك أنه يريد ابتلاعهم، ففزعوا، فانتبه، فقال: ما لكم؟ فقالوا له؟ انظر ما حل بنا، فقال: ما كان الله ليأخذ نفسا قبل انقضاء أجلها، وقد منعني من العدو فلا يسلط عليّ حيوانا من البحر. قال: فإذا بالحيوان قد دنا من الملك، وقال: أيها الملك أنا حيوان من هذا البحر، وقد رأيت هذا السد بني وخرب سبع مرات، ولم يزد على ذلك، ثم غاب في البحر، فتبارك من له هذا الملك العظيم، لا إله إلا هو العزيز الحكيم. وقيل: إن بجزيرة النسناس باليمن مدينة بين جبلين وليس لها ماء يدخل فيها إلا من المطر، وطولها نحو ستة فراسخ، وهي حصينة ذات كروم ونخيل، وأشجار، وغير ذلك، وإذا أراد إنسان الدخول فيها حثى على وجهه التراب، فإن أبى إلا الدخول خنق أو صرع، وقيل: إنها معمورة بالجان، وقيل: بخلق من النسناس، ويقال: إنهم من بقايا عاد الذين أهلكهم الله بالريح العقيم، وكل واحد منهم شق إنسان، ونقل عن بعض المسافرين أنه قال: بينما نحن سائرون إذ أقبل علينا الليل فبتنا بواد، فلما أصبح الصباح سمعنا قائلا يقول من الشجرة: يا أبا بجير الصبح قد أسفر، والليل قد أدبر، والقناص قد حضر، فالحذر الحذر. قال: فلما ارتفع النهار أرسلنا كلبين كانا معنا نحو الشجرة، فسمعت صوتا يقول: ناشدتك. قال، فقلت لرفيقي: دعهما. قال: فلما وثقا بنا نزلا هاربين، فتبعهما الكلبان وجدّا في الجري، فأمسكا شخصا منهما قال: فأدركناه وهو يقول: الويل لي مما به دهاني ... دهري من الهموم والأحزان قفا قليلا أيها الكلبان ... إلى متى إليّ تجريان قال: فأخذناه ورجعنا، فذبحه رفيقي وشواه، فعفته ولم آكل منه شيئا، فتبارك الله ما أكثر عجائب خلقه. لا إله إلا هو ولا معبود سواه.
|
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الخامس والستون في ذكر البحار وما فيها من العجائب وذكر الأنهار والآبار الإثنين 28 نوفمبر 2022, 8:12 pm | |
| الفصل الثاني في ذكر الأنهار والآبار والعيون قال الله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ «2» . وقال المفسرون: هو المطر، ومعنى سلكه أدخله في الأرض، وجعله عيونا ومسايل ومجاري كالعروق في الجسد، فمن الأنهار ما هو من الأمطار المجتمعة، ولهذا ينقطع عند فراغ مادته، ومنها ما ينبع من الأرض، وأطول ما يكون من الأنهار ألف فرسخ، وأقصره عشرة فراسخ إلى اثنين وثلاثة، وبين ذلك، وكلها تبتدىء من الجبال وتنتهي إلى البحار والبطائح، وفي ممرها تسقي المدن والقرى وما فضل منها ينصب في البحر المالح ويختلط به، ولا يمكن استيفاء عددها لكنا نشير إلى بعضها فنقول. النيل المبارك: ليس في الأنهار أطول منه لأنه مسيرة شهرين في بلاد الإسلام، وشهرين في بلاد النوبة، وأربعة في الخراب، وقيل: إن مسافته من منبعه إلى أن ينصب في البحر الرومي ألف وسبعمائة فرسخ وثمانية وأربعون فرسخا. قال ذلك صاحب مباهج الفكر ومناهج العبر «3». واختلف في زيادته، فقيل إن الأنهار والعيون تمده في الوقت الذي يريده الله تعالى. وفي الحديث: «إنه من أنهار الجنة» ، وقال أهل الأثر: إن الأنهار التي من الجنة تخرج من أصل واحد من قبة في أرض الذهب، ثم تمر بالبحر المحيط، وتشق فيه. قالوا ولولا ذلك لكانت أحلى من العسل وأطيب رائحة من الكافور. نهر الفرات: يوجد بأرض أرمينية. فضائله كثيرة، والنيل أصدق حلاوة منه، وبه من السمك الأبيض ما تكون الواحدة قنطارا بالدمشقي، وطول هذا النهر من حين يخرج من عند ملطية إلى أن يأتي إلى بغداد ستمائة وثلاثون فرسخا، وفي وسطه مدن وجزائر تعد من أعمال الفرات. جيحون: نهر عظيم تتصل به أنهار كثيرة، ويمر على مدن كثيرة حتى يصل إلى خوارزم، ولا ينتفع به شيء من البلاد سوى خوارزم لأنها منسفلة عنه، ثم يصب في بحيرة بينها وبين خوارزم ستة أيام، وهو يجمد في الشتاء خمسة أشهر، والماء يجري من تحت الجمد، فيحفر أهل خوارزم منه لهم أماكن ليستقوا منها، وإذا اشتد جموده مروا عليه بالقوافل والعجل المحملة، ولا يبقى بينه وبين الأرض فرق ويعلوه التراب ويبقى على ذلك شهرين. سيحون: نهر عظيم. قيل: إن مبدأه من حدود الترك ويجري حتى يتصل ببلاد الفرغانة، وربما يجتمع مع جيحون في بعض الأماكن. الدجلة: نهر بغداد. وله أسماء غير ذلك وماؤه أعذب المياه بعد النيل، وأكثرها نفعا. قيل: مقداره ثلاثمائة فرسخ، وفي بعض الأوقات يفيض حتى قيل إنه يخشى على بغداد الغرق منه، وهو نهر مبارك كثيرا ما ينجو غريقه. حكي إنه وجد به غريق فيه الروح، فلما أفاق سألوه عن حاله، فأخبرهم أنه لما غلب على نفسه رأى كأن أحدا يحمله ويصعد به، وروي في الأثر أن الله تعالى أمر دانيال عليه الصلاة والسلام أن يحفر لعباده ما يستقون منه وينتفعون به، فكان كلما مر بأرض ناشده أهلها أن يحفر ذلك عندهم إلى أن حفر دجلة والفرات. وأما الأنهار الصغار فكثيرة ولكنا نذكر منها طرفا فنقول: نهر حصن المهدي: قال صاحب تحفة الألباب: إنه بين البصرة والأهواز، وإنه يرتفع منه في بعض الأوقات شيء يشبه صورة الفيل، ولا يعرف أحد شأنه. نهر أذربيجان: قيل إن بالقرب منه نهرا يجري فيه الماء سنة، ثم ينقطع ثمان سنين، ثم يعود في التاسعة، وقيل إنه ينعقد حجرا ويستعمل منه اللبن ويبنى به. وقيل إن في تلك الأرض بحيرة تجف فلا يوجد فيها ماء ولا سمك، ولا طين سبع سنين، ثم يعود الماء والسمك والطين، فتبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير. نهر صقلاب: يجري فيه الماء يوما واحدا في كل أسبوع، ثم ينقطع ستة أيام. نهر العاصي: بأرض حماة. وقيل: بحمص وهو نهر معروف. وفيه يقول بعضهم: مدينة حمص كعبة القصف أصبحت ... يطوف بها الداني ويسعى لها القاصي «1» بها روضة من حسنها سندسية ... تعلق في أكناف أذيالها العاصي «2» نهر العمود: بأرض الهند عليه شجرة نابتة من حديد، وقيل من نحاس وتحتها عمود من نحاس وقيل: من حديد طوله من فوق الماء نحو عشرة أذرع وعرضه ذراع، وعلى رأسه ثلاث شعب مسنونة محدودة، وعنده رجل يقرأ كتاب الله تعالى، ويقول: يا عظيم البركة طوبى لمن صعد هذه الشجرة وألقى بنفسه على هذا العمود، فيدخل الجنة، وقال أهل تلك الناحية: من يريد ذلك فيصعد على تلك الشجرة ويلقي نفسه، فيتقطع. نهر باليمن: قال صاحب تحفة الألباب: إنه عند طلوع الشمس يجري من المشرق إلى المغرب، وعند غروبها يجري من المغرب إلى المشرق. نهر ببلاد الحبشة والسودان: يجري إلى المشرق يشبه النيل في زيادته ونقصانه وأرضه بها الخصب والبركة وبها شجر كالأراك يحمل ثمرا كالبطيخ داخله شيء يشبه القند في الحلاوة، ولكن فيه بعض حموضة وهذا النهر يجري في بلادهم ثمانية أشهر، ثم ينصب في البحر المحيط فسبحان من دبّر هذا التدبير، وأحكم هذه الصنعة. لا إله إلا هو الحكيم الخبير.
|
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الخامس والستون في ذكر البحار وما فيها من العجائب وذكر الأنهار والآبار الإثنين 28 نوفمبر 2022, 8:12 pm | |
| الفصل الثالث في ذكر الآبار قال مجاهد: كنت أحب أن أرى كل شيء غريب، فسمعت أن ببابل بئر هاروت وماروت، فسرت إليها، فلما وصلت إلى ذلك المكان وجدت عنده بيوتا، فدخلت في بعضها، فوجدت شخصا، فسلمت عليه، فرحب بي وسألني عن حاجتي، فذكرت له غرضي فأمر يهوديا يذهب معي، فيوقفني على البئر، ويطلعني على الملكين. قال، فسرنا إلى البئر، ففتح سردابا ونزلنا، فأمرني أن لا أذكر اسم الله تعالى. قال: فلما رأيت الملكين رأيت شيئا كالجبلين العظيمين منكسين على رؤوسهما الحديد من أعناقهما إلى ركبهما. قال مجاهد: فلما رأيت ذلك ذكرت الله تعالى. قال: فاضطربا اضطرابا شديدا حتى كادا يقطعان السلاسل. قال، ففر اليهودي، فتعلقت به، فقال: أما أمرتك أن لا تذكر اسم الله تعالى كدنا والله نهلك. بئر برهوت: بقرب حضر موت، وهي التي قال النبي صلى الله عليه وسلم إنها مجمع أرواح الكفار، قال علي كرم الله وجهه: أبغض البقاع إلى الله تعالى بئر برهوت ماؤها أسود منتن تأوي إليها الكفار، والموكل بها ملك يسمى دومة. بئر عسفان: ماؤها يستشفى به. قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم تفل فيها. قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما: كنا نغسل المريض منها، فيعافى. وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ منها. بئر معروفة بأرض حلب: خاصيتها أنها إذا شرب منها المكلوب زال كلبه ما لم يجاوز الأربعين. وبنيسابور آبار كثيرة، وهي معادن الفيروزج، وإنما يمنع الناس عنها كثرة عقاربها. وبأرض فارس بئر ينبع منها ماء في وقت من السنة، فيرتفع على وجه الأرض لمحة واحدة ويجري، فينتفع به في سقي الزرع، ثم يعود إلى ما كان، وعجائب الله كثيرة لا تكاد تنحصر. لا إله إلا الله ولا معبود سواه. |
|