أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52691 العمر : 72
| موضوع: باب التكبير الثلاثاء 18 أكتوبر 2022, 8:08 pm | |
| باب التكبير (1121) رَوَى الْقَلْبَ ذِكْرُ اللهِ فَاسْتَسْقِ مُقْبِلاَ وَلاَ تَعْدُ رَوْضَ الذَّاكِرِينَ فَتُمحِلاَ هذا البيت مقفي مثل أول القصيدة وأول سورة الرعد والأنبياء وغيرها وهو حسن كما نبهنا عليه في شرح الذي في أول الرعد وروى القلب ريه يقال روى من الماء يروي على وزن رضى يرضى ويقال في مصدره أيضا ريا وريا بفتح الراء وكسرها نص عليه الجوهري ولما جعل ذكر الله تعالى ريا للقلب أمر بالازدياد من الري فاتبع ذلك اللفظ المجاز ما يناسبه فقال فاستسق أي اطلب السقي مقبلا على ذلك أي أكثر من الذكر والتمس محله ومواضعه ولا تعد أي ولا تتجاوز رياضه والروض جمع روضة فتمحلا أي فتصادف محلا فلا يحصل ري ولا شرب وأشار بذلك وما يأتي بعده إلى أحاديث كثيرة جاءت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضل ذكر الله تعالى والحث عليه وهي مفرقة في الصحيحين وغيرهما، وقد جمع جعفر الغرياني الحافظ فيه مصنفا حسنا وما أحسن ما قال بلال بن سعيد وهو من تابعي أهل الشام الذكر ذكران ذكر الله باللسان حسن جميل وذكر الله عند ما أحل وحرم أفضل وكيف لا يكون ذكر الله تعالى روى للقلب وقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول، إن لكل شيء صقالة وإن صقالة القلوب ذكر الله تعالى أخرجه الحافظ البيهقي في كتاب الدعوات، وأما تعبيره عن مجالس الذكر بالروض فلما جاء في حديث جابر بن عبد الله قال خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال، يا أيها الناس إن لله تعالى سرايا من الملائكة تقف وتحل على مجالس الذكر فارتعوا في رياض الجنة قلنا أين رياض الجنة يا رسول الله قال مجالس الذكر فاغدوا وروحوا في ذكر الله واذكروه بأنفسكم من كان يحب أن يعلم كيف منزلته من الله عز وجل فلينظر منزلة الله عنده فإن الله تبارك وتعالى ينزل العبد حيث أنزله من نفسه أخرجه البيهقي في كتاب الدعوات وشعب الإيمان، وأخرجه الغرياني وأخرج أيضا في معناه أحاديث كثيرة منها عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر من ذكر الله عز وجل (1122) وَآثِرْ عَنِ الآثَارِ مَثْرَاةَ عَذْبِهِ وَمَا مِثْلُهُ لِلْعَبدِ حِصْناً وَمَوْئِلاَ حسن غريب وعن أبي هريرة قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إن لله ملائكة سيارة فضلاء يلتمسون مجالس الذكر فإذا أتوا على قوم يذكرون الله تعالى جلسوا فأظلوهم بأجنحتهم ما بينهم وبين السماء الدنيا فإذا قاموا عرجوا إلى ربهم فيقول تبارك وتعالى وهو أعلم من أين جئتم فيقولون جئنا من عند عباد لك يسبحونك ويحمدونك ويهللونك ويكبرونك ويستجيرونك من عذابك ويسألونك جنتك فيقول الله تعالى وهل رأوا جنتي وناري فيقولون لا فيقول فكيف لو رأوهما فقد أجرتهم مما استجاروا وأعطيتهم ما سألوا فيقال إن فيهم رجلا مر بهم فقعد معهم فيقول وله فقد غفرت إنهم القوم لا يشقى بهم جليسهم وعن الحارث الأشعري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال، إن الله تعالى أوحى إلى يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن أن لا يشركوا بالله شيئا وإذا قمتم إلى الصلاة فلا تلتفتوا وأمركم بالصيام والصدقة وضرب لكل واحدة مئلا ثم قال وأمركم بذكر الله تعالى كثيرا ومثل ذلك كمثل رجل طلب العدو سراعا من أثره حتى أتى حصنا حصينا فأحرز نفسه فيه وكذلك العبد لا ينجوا من الشيطان إلا بذكر الله عز وجل، وعن أبي الدرداء قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها من درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا وما ذاك يا رسول الله قال ذكر الله عز وجل أخرجه البيهقي في كتاب الدعوات ففي ذلك تفسير قوله وما مثله للعبد حصنا وموئلا أي وما للعبد مثل الذكر نافعا له هذه المنفعة المشار إليها في الحديث ونصب حصنا وموئلا على التمييز أي ما للعبد حصن وموئل مثل الذكر ويجوز نصبهما على الحال أي مشبها حصنا وموئلا هنا اسم مكان أي موضعا يؤول إليه أي يرجع ويأوى فيه وكل ذلك استعارات حسنة وقد سبق في أول القصيدة تفسير الموئل بالمرجع وهو بهذا المعنى فكل ما تستند إليه فهو موئل لك ولا يجوز نصب حصنا على أنه خبر ما النافية على لغة أهل الحجاز لاختلاف المعنى حينئذ لأنه كان يفيد ضد المقصور من هذا الكلام (1123) وَلاَ عَمَلٌ أَنْجى لَهُ مِنْ عَذَابِهِ غَدَاةَ الْجَزَا مِنْ ذِكْرِهِ مُتَقَبَّلاَ له أي للعبد ولهاء في عذابه وذكره لله تعالى وغداة الجزاء يعني يوم القيامة - لأن النجاة المعتبرة هي المطلوبة ذلك اليوم فنصب غداة على الظرف وقصر الجزاء ضرورة ومتقبلا حال من الذكر فإنه إن لم يكن متقبلا لم يفد الذكر شيئا وضمن هذا البيت حديثا روى مرفوعا وموقوفا، أما المرفوع فعن ابن عمر في الحديث الذي سبق في أوله، صقالة القلوب ذكر الله تعالى قال بعد ذلك وما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله تعالى قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع وأما الموقوف ففي آخر الحديث الذي سبق أوله ألا أنبئكم بخير أعمالكم، قال وقال معاذ بن جبل ما عمل آدمي من عمل أنجى له من عذاب الله تعالى من ذكر الله تعالى أخرجهما البيهقي من كتاب الشعب والدعوات الكبير وأخرجه الفريابي في كتابه عن معاذ وزاد قالوا ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل قال لا ولو ضرب بسيفه زاد في رواية حتى ينقطع ثلاثا قال الله تعالى - (ولذكر الله أكبر) - والله أعلم. (1124) ومَنْ شَغَلَ الْقُرْآنُ عَنْهُ لِسَانَهُ يَنَلْ خَيْرَ أَجْرِ الذَّاكِرِينَ مُكَمَّلاَ جعل الشيخ رحمه الله تفسير هذا البيت الحديث الذي أخرجه الترمذي عن أبي سعيد قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول الرب عز وجل، من شغله القرآن عن ذكري ومسئلتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وفضل كلام الله تعالى على سائر الكلام كفضل الله على خلقه قال هذا حديث حسن غريب وقد ذكر طريق هذا الحديث وتكلم عليه الحافظ المقريء أبو العلا الهمذاني في أول كتابه في الوقف والابتداء وقال من شغله قراءة القرآن وفي آخره أفضل ثواب السائلين وفي رواية من شغله القرآن في أن يتعلمه أو يعلمه عن دعائي ومسئلتي وذكره أبو بكر بن الأنباري في أول كتاب الوقف أيضا وأخرجه البيهقي أيضا وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن الله تعالى يقول من شغله ذكري عن مسئلتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، قال البيهقي وكذا رواه البخاري في التاريخ، قلت فبان من مجموع هذه الروايات أن الاشتغال بالذكر يقوم مقام الدعاء وأن قراءة القرآن من جملة الاشتغال بالذكر بل هو أفضل وإليه أشار الناظم بقوله خير أجر الذاكرين ومكملا حال إما من خير وإما من أجر وقد نص الإمام الشافعي -رضي الله عنه- على ذلك فقال أستحب أن يقرأ القرآن يعني في الطواف لأنه موضع ذكر والقرآن من أعظم الذكر والهاء في قوله عنه يجوز أن تعود على الذكر يعني ومع ما ذكرنا من فضيلة الذكر فمن اشتغل عنه بالقرآن فهو أفضل ويجوز أن تعود على من أي من كف لسانه عنه أي أذاه لأن أكثر كلام الإنسان عليه لا له فإذا اشتغل بالقرآن أو الذكر انكف عما يتوقع منه الضرر فصح معنى عنه بهذا التفسير، وفي الحديث عن أم حبيبة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر وذكر الله وفي الكتاب المذكور للحافظ أبي العلا عن أبي هريرة مرفوعا أعبد الناس أكثرهم تلاوة للقرآن وفيه عن أنس مرفوعا أفضل العبادة قراءة القرآن وتلاوة القرآن أحب إلي قال أبو يحيى الحمامي سألت سفيان الثوري عن الرجل يقرأ القرآن أحب إليك أم يغزو قال يقرأ القرآن فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال، خيركم من تعلم القرآن وعلمه، قلت هذا حديث صحيح أخرجه البخاري وقد جمع الحافظ أبو العلا طرقه في أول كتاب الوقف المذكور قال عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول رأيت رب العزة في المنام فقلت يا رب ما أفضل ما يتقرب به المتقربون إليك فقال كلامي يا أحمد فقلت يارب بفهم أو بغير فهم فقال بفهم وبغير فهم، قلت فكل هذا مما يوضح لنا أن تلاوة القرآن من أعظم الذكر كما قال الشافعي -رضي الله عنه- لأنه يجمع الذكر باللسان وملاحظة القلب أنه يتلوا كلام الله عز وجل ويؤجر عليه بكل حرف عشر حسنات على ما ثبت في أحاديث أخر (1125) وَمَا أَفْضَلُ الأَعْمَالِ إِلاَّ افْتِتَاحُهْ مَعَ الْخَتْمِ حِلاًّ وَارْتِحاَلاً مُوَصَّلاَ أي افتتاح القرآن مع ختمه أي حاله ختمه للقرآن يشرع في أوله فقوله موصلا حال من الضمير في افتتاحه العائد على القرآن أي في حال وصل أوله بآخره وقوله حلا وارتحالا من باب المصدر المؤكد لنفسه لأن الحل والارتحال المراد بهما افتتاحه مع الختم فهو نحو له على ألف درهم عرفا وأشار بذلك إلى حديث روى من وجوه عن صالح عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن ابن عباس قال قال رجل يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل قال الحال المرتحل أخرجه أبو عيسى الترمذي في أبواب القراءة في أواخر كتابه فقال حدثنا نصر بن على الجهضمي قال حدثنا الهيثم بن الربيع حدثني صالح المري فذكره ثم قال هذا حديث غريب لا نعرفه عن ابن عباس إلا من هذا الوجه حدثنا محمد بن بشار حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا صالح المري عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يذكر فيه عن ابن عباس قال وهذا عندي أصح يعني أنه من حديث زرارة وليس له صحة إلا من حديث ابن عباس وكيف ما كان الأمر فمدار الحديث على صالح المري وهو وإن كان عبدا صالحا فهو ضعيف عند أهل الحديث قال البخاري في تاريخه هو منكر الحديث وقال النسائي صالح المري متروك الحديث، ثم على تقدير صحته فقد اختلف في تفسيره فقيل المراد به ما ذكره الفراء على ما يأتي بيانه وقيل بل هو إشارة إلى تتابع الغزو وترك الإعراض عنه فلا يزال في حل وارتحال وهذا ظاهر اللفظ إذ هو حقيقة في ذلك وعلى ما أوله به الفراء يكون مجازا وقد رووا التفسير فيه مدرجا في الحديث ولعله من بعض رواته، قال أبو محمد بن قتيبة في آخر غريب الحديث له في ترجمة أحاديث لا تعرف أصحابها جاء في الحديث أي الأعمال أفضل قال الحال المرتحل قيل ما الحال المرتحل قال الخاتم والمفتتح، قال ابن قتيبة الحال هو الخاتم للقرآن شبه برجل سافر فسار حتى إذا بلغ المنزل حل به كذلك تالي القرآن يتلوه حتى إذا بلغ آخره وقف عنده والمرتحل المفتتح للقرآن شبه برجل أراد سفرا فافتتحه بالمسير قال وقد يكون الخاتم المفتتح أيضا في الجهاد وهو أن يغزو ويعقب وكذلك الحال المرتحل يريد أنه يصل ذلك بهذا، قلت هذا هو الظاهر من تفسير هذا اللفظ لوجهين، أحدهما حمل اللفظ على حقيقته فيكون التفسير الأول الذي ذكره ابن قتيبة في الحديث من كلام بعض الرواة وهو مفصول من الحديث ولهذا لم يكن في كتاب الترمذي إلا قوله الحال المترحل من غير تفسير وكان السائل عن التفسير بعض الرواة لبعض فأجابه المسئول بما وقع له وتقدير الحديث عمل الحال المرتحل وحذف المضاف لدلالة السؤال عليه، الوجه الثاني أن المحفوظ في الأحاديث الصحيحة غير ذلك فإنه سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أفضل الأعمال فقال إيمان بالله ثم جهاد في سبيله ثم حج مبرور، وفي حديث آخر الصلاة لوقتها ثم بر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله، وقال لأبي أمامة عليك بالصوم فإنه لا مثل له وفي حديث آخر واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، وإذا فسر الحال المرتحل بمتابعة الغزو وافق قوله ثم جهاد في سبيله أي أنه من أفضل الأعمال كنظائر لذلك يعبر عن الشيء لأنه الأفضل أي هو من جملة الأفضل أي المجموع في الطبقة العليا التي لا طبقة أعلى منها وهذا المعنى قد قررناه في مواضع من كتبنا (1126) وَفِيهِ عَنِ الْمَكينَ تَكْبِيرُهُمْ مَعَ الْخَوَاتِمِ قُرْبَ الْخَتْمِ يُرْوى مُسَلْسَلاَ أي وفي القرآن أو في ذلك العمل الذي عبر عنه بالحل والارتحال وهو وصل آخر كل ختمة بأول أخرى على ما سيأتي بيانه في عرف القراء وقوله عن المكين جمع مك كما قال في مواضع كثيرة ومك ومراد مكي بياء النسب ولكنه حذفها ضرورة عند العلم بها تخفيفا وقد قرأ في الشواذ - هو الذي بعث في الأمين - كأنه جمع أم قال الزمخشري في تفسيره وقريء في الأمين بحذف ياء النسب قلت ومثل قول عقبة الأسدي (وأنت امرؤ في الأشعرين مقاتل)، وقول لقيط الإيادي (زيد الفنا حين لا في الحارثين معا)، كأنهما جمع أشعر وحارث وإنما هما جمع أشعري وحارثي، وقد ذكرت هذين البيتين في ترجمة عامر بن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري وترجمة المهلب بن أبي صفرة في مختصري تاريخ دمشق وقوله تكبيرهم أي تكبير المكيين أي وفي القرآن تكبير المكيين مع الخواتم جمع خاتمة يعني خواتم السور إذا قرب ختم القرآن في قراءة القاريء على ما سيبين في موضعه قال مكي في التبصرة والتكبير سنة كانت بمكة ولا يعتبر في التكبير قراء مكة ابن كثير ولا غيره كانوا لا يتركون التكبير في كل القراءات من خاتمة والضحى قال ولكن عادة القراء الأخذ بالتكبير لابن كثير في رواية البزي خاصة ومن المصنفين من حكى التكبير لجميع القراء في جميع سورة القرآن ذكره أبو القاسم الهذلي في كتابه الكامل وذكره أيضا الحافظ أبو العلاء وقوله يروي مسلسلا أي يروي التكبير رواية مسلسلة على ما هو المسلسل في اصطلاح المحدثين أنبأنا القاضي أبو القاسم الأنصاري أنبأنا عبد الله الفراوي أنبأنا أبو بكر البيهقي سماعا وأجازة أنبأنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو يحيى محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ الإمام بمكة في المسجد الحرام أنبأنا أبو عبد الله محمد بن علي بن زيد الصائغ أنبأنا أحمد بن محمد بن القاسم عن أبي بزة قال سمعت عكرمة بن سليمان يقول قرأت على إسمعيل بن عبد الله بن قسطنطين فلما بلغت والضحى قال لي كبر عند خاتمة كل سورة وإني قرأت على عبد الله بن كثير فلما بلغت والضحى قال كبر حتى تختم وأخبره عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد وأمره بذلك وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك وأخبره ابن عباس أن أبي بن كعب أمره بذلك وأخبره أبي بن كعب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره بذلك قال الحاكم في كتابه المستدرك على الصحيحين هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، قلت وأنبأنا به أعلى من هذا أبو اليمن الكندي أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن علي بن أحمد بن عبد الله سبط أبي منصور الحياط أنبأنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن عبد الله بن النقور أنبأنا أبو طاهر المخلص أنبأنا يحيى بن محمد ابن صاعد أنبأنا البزي فذكره، قال الحافظ أبو العلاء الهمداني لم يرفع التكبير أحد من القراء إلا البزي فإن الروايات قد تطارقت عنه برفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ومدار الجميع على رواية البزي كما ذكرناه ثم أسند عن البزي قال دخلت على الشافعي -رضي الله عنه- إبراهيم بن محمد وكنت قد وقفت عن هذا الحديث يعني حديث التكبير فقال له بعض من عنده إن أبا الحسن لا يحدثنا بهذا الحديث فقال لي يا أبا الحسن والله لئن تركته لتركت سنة نبيك قال وجاءني رجل من أهل بغداد ومعه رجل عباسي وسألني عن هذا الحديث فأبيت أن أحدثه إياه فقال والله لقد سمعناه من أحمد بن حنبل عن أبي بكر الأعين عنك فلو كان منكرا ما رواه وكان يجتنب المنكرات ثم أسند الحافظ أبو العلاء الروايات الموقوفة فأسند عن حنظلة بن أبي سفيان قال قرأت على عكرمة بن خالد المخزومي فلما بلغت والضحى قال لي هيها، قلت وما تريد بهيها قال كبر فإني رأيت مشايخنا ممن قرأ على ابن عباس فأمرهم ابن عباس أن يكبروا إذا بلغوا والضحى وأسند عن إبراهيم بن يحيى بن أبي حية التميمي قال قرأت على حميد الأعرج فلما بلغت والضحى قال لي كبر إذا ختمت كل سورة حتى تختم فإني قرأت على مجاهد فأمرني بذلك وقال قرأت على ابن عباس -رضي الله عنه- فأمرني بذلك وفي رواية أنبأنا حميد الأعرج قال قرأت على مجاهد القرآن فلما بلغت - ألم نشرح لك صدرك - قال لي كبر إذا فرغت من السورة فلم أزل أكبر حتى ختمت القرآن ثم قال مجاهد قرأت على ابن عباس فلما بلغت هذا الموضع أمرني بالتكبير فلم أزل أكبر حتى ختمت وقال أيضا حدثني حميد الأعرج عن مجاهد قال ختمت على ابن عباس تسع عشرة ختمة فكلها يأمرني فيها أن أكبر من سورة ألم نشرح ثم أسند الحافظ أبو العلا عن شبل بن عباد قال رأيت محمد بن عبد الله ابن محيصن وعبد الله بن كثير الداري إذا بلغا ألم نشرح كبرا حتى يختما ويقولان رأينا مجاهدا فعل ذلك وذكر مجاهد أن ابن عباس كان يأمره بذلك ثم أسند عن قنبل حديث النبال حدثنا عبد المجيد عن ابن الجريح عن مجاهد أنه كان يكبر من أول والضحى إلى الحمد قال ابن جريح وأرى أن يفعله الرجل إماما كان أو غير إمام قال أبو يحيى ابن أبي ميسرة ما رفعه أحد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- غير ابن أبي بزة ولو كان أحد رفعه غيره لكان الواجب اتباعه إذ كان أمرا من النبي -صلى الله عليه وسلم- قال الحافظ أبو العلا فأما الرواية والإجماع في ذلك فعن عبد الله ابن عباس ومجاهد وقد روى عن علي -رضي الله عنه- أنه كان يقول إذا قرأت القرآن فبلغت بين المفصل فاحمد الله وكبر بين كل سورتين وفي رواية فتابع بين المفصل في السور القصار واحمد الله وكبر بين كل سورتين ثم ذكر الحافظ أبو العلا عن البزي بإسناده أن الأصل في التكبير أن النبي -صلى الله عليه وسلم- انقطع عنه الوحي وقد اختلف في سبب ذلك وفي قدر مدة انقطاعه فقال المشركون قلى محمدا ربه فنزلت سورة والضحى فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- الله أكبر وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكبر إذا بلغ والضحى مع خاتمة كل سورة حتى يختم قال أبو الحسن بن غلبون فلما قرأها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبر حتى ختم شكرا لله تعالى لما كذب المشركون فيما زعموه وقال الشيخ في شرحه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الله أكبر تصديقا لما أنا عليه وتكذيبا للكفار وذكر عن أبي عمر والداني بسنده إلى البزي قال قال لي محمد بن إدريس الشافعي -رضي الله عنه- إن تركت التكبير فقد تركت سنة من سنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال وروى بعض علمائنا عن الحسن بن محمد بن عبد الله ابن أبي يزيد القرشي قال صليت بالناس خلف المقام بالمسجد الحرام في التراويح في شهر رمضان فلما كان ليلة الختمة كبرت من خاتمة والضحى إلى آخر القرآن في الصلاة فلما سلمت التفت وإذا أنا بأبي عبد الله محمد ابن إدريس الشافعي -رضي الله عنه- قد صلى ورائي فلما بصرني قال لي أحسنت أصبت السنة قال أبو الطيب عبد المنعم ابن غلبون وهذه سنة مأثورة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن الصحابة والتابعين وهي سنة بمكة لا يتركونها ألبتة ولا يعتبرون رواية البزي ولا غيره قال ومن عادة القراء في غير مكة أن لا يأخذوا بها إلا في رواية البزي وحدها (1127) إِذا كَبَّروا في آخِرِ النَّاسِ أَرْدَفُوا مَعَ الْحَمْدِ حَتَّى الْمُفْلِحونَ تَوَسَّلاَ الضمير في كبروا للمكيين بين في هذا البيت آخر مواضع التكبير وكان قد أجمل ذلك في قوله مع الخواتم قرب الختم وفي البيت الآتي يبين أول ذلك ومفعولا أردفوا محذوفان أي أردفوا التكبير مع قراءة سورة الحمد قراءة أول سورة البقرة حتى يصلوا إلى قوله - وأولئك هم المفلحون - وهذا يعبر عنه بعض المصنفين بأنه أربع آيات ويعبر عنه آخرون بأنه خمس آيات ووجه ذلك الاختلاف في لفظ ألم فعدها الكوفي آية ولم يعدها غيره وحكى الناظم لفظ القرآن بقوله حتى المفلحون وتوسلا مفعول من أجله أي تقربا إلى الله تعالى بطاعته وذكره ولا تكبير بين الحمد والبقرة قال مكي يكبر في أول كل سورة من - ألم نشرح - إلى أول الحمد ثم يقرأ الحمد فإذا تم لم يكبر وابتدأ بالبقرة من غير تكبير فقرأ منها خمس آيات قال وروى أن أهل مكة كانوا يكبرون في آخر كل ختمة من خاتمة والضحى لكل القراء لابن كثير وغيره سنة نقلوها عن شيوخهم لكن الذي عليه العمل عند القراء أن يكبروا في قراءة البزي عن ابن كثير خاصة وبذلك قرأت قال وحجته في التكبير أنها رواية نقلها عن شيوخه من أهل مكة في الختم يجعلون ذلك زيادة في تعظيم الله عز وجل مع التلاوة لكتابه والتبرك بختم وحيه وتنزيله والتنزيه له من السوء لقوله - وربك فكبر - ولتكبروا الله - وكبره تكبيرا - ولذكر الله أكبر - قال وحجته في الابتداء في آخر ختمه بخمس آيات من البقرة أنه اعتمد في ذلك على حديث صحيح مروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل أي الأعمال أفضل فقال الحال المرتحل يعني الذي ارتحل من ختمة أتمها ويحل في ختمة أخرى أي يفرغ من ختمة ويبتديء بأخرى وعلى ذلك أدرك أهل بلدة مكة قلت قد سبق الكلام على هذا الخبر وبيان ضعفه فلا يغتر بقول مكي إنه صحيح وأحسن من عبارته عبارة أبي الحسن ابن غلبون قال فإذا قرأ قل أعوذ برب الناس كبر ثم قرأ فاتحة الكتاب وخمسا من سورة البقرة لأنه يقال أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمى من فعل ذلك الحال المرتحل كما حدثني أبي رحمه الله وساق الحديث عن صالح المزي عن قتادة عن زرارة عن ابن عباس أن رجلا قام إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله فقال الحال المرتحل فقال يا رسول الله وما الحال المرتحل قال فتح القرآن وختمه صاحب القرآن يضرب من أوله إلى آخره ومن آخره إلى أوله كلما حل ارتحل قال فقيل إنه -صلى الله عليه وسلم- يعني بذلك أنه يختم القرآن ثم يقرأ فاتحة الكتاب وشيئا من البقرة في وقت واحد قلت أصل الحديث ضعيف كما سبق ثم زاد بعضهم فيه التفسير غير منسوب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فحملناه على أن بعض رواته المذكورين في سنده فسره على ما وقع له في معناه وهذا الحديث قد بين فيه أن المفسر له هو النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي زيادة غير معروفة فقد روى الأهوازي هذا التفسير بعينه ولم يقل في الحديث يا رسول الله ثم ولو صح هذا الحديث والتفسير لكان معناه الحث على الإكثار من قراءة القرآن والمواظبة عليها فكلما فرغ من ختمة شرع في أخرى أي إنه لا يضرب عن القراءة بعد ختمة يفرغ منها بل تكون قراءة القرآن دأبه وديدنه وفي رواية أخرى أخرجها الأهوازي في كتاب الإيضاح الحال المرتحل الذي إذا ختم القرآن رجع فيه ثم هذا الفعل من التكبير وقراءة الحمد إلى المفلحون مروي عن ابن كثير نفسه مأخوذ به عن طريق البزي وقنبل على ما سنوضحه قال أبو الطيب ابن غلبون ولم يفعل هذا قنبل ولا غيره من القراء أعني التكبير وهذه الزيادة من أول سورة البقرة في قراءة الختمة سوى البزي وحده قال أبو الفتح فارس ابن أحمد ولا نقول إن هذا سنة ولا أنه لا بد لمن ختم أن يفعله فمن فعله فحسن جميل ومن ترك فلا حرج قال صاحب التيسير وهذا يسمى الحال المرتحل وفي جميع ما قدمناه أحاديث مشهورة يرويها العلماء يؤيد بعضها بعضا تدل على صحة ما فعله ابن كثير قلت لم يثبت شيء من ذلك وأكثر ما في الأمر أن ابن كثير كان يفعله والحديث المسند في ذلك هو في بيان سند قراءة ابن كثير أي أخذ ابن كثير عن درباس عن ابن عباس عن أبي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيه وقرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- على أبي فالسند المذكور إنما هو لبيان ذلك ثم قرأ في آخر الحديث وأنه كان إذا قرأ قل أعوذ برب الناس افتتح من الحمد ثم قرأ البقرة إلى وأولئك هم المفلحون ثم دعا بدعاء الختم ثم قال يعني بذلك ابن كثير والله أعلم.، وقد قال أبو طالب صاحب أحمد ابن حنبل سألت أحمد إذا قرأ قل أعوذ برب الناس يقرأ من البقرة شيئا قال لا يقرأ فلم يستحب أن يصل ختمه بقراءة شيء ولعله لم يثبت فيه عنده أثر صحيح يصير إليه ذكره شيخنا أبو محمد ابن قدامة في كتابه المغنى وذكر أبو الحسن ابن غلبون وغيره رواية عن الأعمش عن إبراهيم قال كانوا يستحبون إذا ختموا القرآن أن يقرءوا من أوله آيات، قلت ولكل من المذهبين وجه ظاهر (1128) وَقَالَ بِهِ الْبَزِّيُّ مِنْ آخِرِ الضُّحى وَبَعْضٌ لَهُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ وَصَّلاَ اتبع في ذلك ما في كتاب التيسير من نسبة ذلك إلى البزي وحده على ما حكاه أبو الطيب ابن غلبون وابنه أبو الحسن ولا يختص ذلك بالبزي عند جماعة من مصنفي كتب القراءات بل هو مروي عن قنبل كما هو مروي عن البزي لكن شهرته عن البزي أكثر وعنه انتشرت الآثار في ذلك على ما سبق بيانه وقوله به أي بالتكبير بين بهذا البيت أول مواضع التكبير التي أجملها في قوله قرب الختم فأكثر أهل الأداء على أنه من آخر والضحي وهو الصحيح لأن الآثار في ذلك ألفاظها كما سبق مصرحة في بعض الروايات بألم نشرح وذلك آخر والضحى وفي بعضها إطلاق لفظ والضحى وهو يحتمل الأول والآخر فيحمل هذا المطلق على ذلك التقييد ويتعين الآخر لذلك قال أبو الحسن ابن غلبون اعلم أن القراء أجمعوا على ترك التكبير من سورة والضحي إلا البزي وحده فإنه روى عن ابن كثير أنه يكبر من خاتمة والضحى إلى آخر القرآن ثم روى عن أبي الحسن اللغوي أجازة قال أخبرنا ابن مجاهد حدثنا عبد الله بن سليمان حدثنا يعقوب ابن سفيان حدثنا الحميد حدثنا سفيان حدثنا إبراهيم ابن أبي حية أنبأنا حميد عن مجاهد قال ختمت على ابن عباس بضعا وعشرين ختمة كلها يأمرني أن أكبر من ألم نشرح وبه عن سفيان قال رأيت حميد الأعرج يقرأ والناس حوله فإذا بلغ والضحى كبر إذا ختم كل سورة حتى يختم ولم يذكر صاحب التيسير التكبير إلا من آخر والضحى فقول الناظم وبعض له أي للبزي وصل التكبير من آخر سورة والليل يعني من أول والضحى فهذا الوجه من زيادة هذه القصيدة وهو قول صاحب الروضة قال روى البزي التكبير من أول سورة والضحى إلى خاتمة الناس ولفظه الله أكبر تبعه الزينبي عن قنبل بلفظ التكبير وخالفه في الابتداء به فكبر من أول سورة ألم نشرح قال ولم يختلفوا أنه منقطع مع خاتمة الناس وحكى ابن الفحام وجها عن السوسي أنه يكبر من أول ألم نشرح إلى خاتمة النص والله أعلم. وقال الحافظ أبو العلا كبر البزي وابن فليح وابن مجاهد وابن الصلت عن قنبل من فاتحة والضحى وفواتح ما بعدها من السور إلى سورة الناس وكبر الباقون من فاتحة ألم نشرح إلى سورة الناس قال وأجمعوا على ترك التكبير بين خاتمة الناس وبين الفاتحة إلا ما رواه فلان عن قنبل زاد بعضهم قراءة أربع آيات من أول البقرة، قلت وهكذا حكى الهذلي أن التكبير إلى أول قل أعوذ برب الناس وقال بعضهم إلى خاتمتها فقول الناظم إذا كبروا في آخر الناس اتبع فيه قول صاحب التيسير وهو يوهم أنه متفق عليه عند كل من يردف ذلك بقراءة الفاتحة وشيء من أول البقرة بل فيه الاختلاف كما ترى (1129) فَإِنْ شِئْتَ فَاقْطَعْ دُونَهُ أَوْ عَلَيْهِ أَوْ صِلِ الْكُلَّ دُونَ الْقَطْعِ مَعْهُ مُبَسْمِلاَ ذكر في هذا البيت حكم التكبير في اتصاله بالسورة الماضية أو بالبسملة التي من السورة الآتية فنقل ثلاثة أوجه كلها متجهة وهي مذكور في التيسير وغيره أحدها أنه يقطع آخر السورة من التكبير أي لا يصل التكبير بآخر السورة فهذا معنى قوله فاقطع دونه أي دون التكبير وهذا اختيار صاحب الروضة والحافظ أبي العلاء وهو الذي اختاره لما فيه من الفصل بين القرآن وغيره وقال صاحب الروضة اتفق أصحاب ابن كثير على أن التكبير منفصل من القرآن لا يخلط به وقال أبو العلاء الحافظ أجمعوا غير المطوعي والفحام على الوقف في آخر كل سورة ثم الابتداء بالتكبير متصلا بالتسمية فأما المطوعي والفحام فإنهما خيرا بين الوقف على آخر السورة ثم الابتداء بالتكبير وبين وصل آخر السورة بالتكبير قال والفصل أولى، قلت لما ذكرته وينبني على ذلك أن يختار فصل التكبير أيضا من التسمية على المذهب الأصح وهو أن البسملة في أوائل السور من القرآن على ما قررنا في كتاب البسملة ووجه ذلك ما ذكره صاحب الروضة من أن التكبير منفصل من القرآن لا يخلط به ولا يكون وصل التكبير بالبسملة أولى إلا على رأي من لا يراها من القرآن في أوائل السور فيكون حكمها وحكم التكبير واحدا كلاهما ذكر الله تعالى مأمور به فاتصاله أولى من قطعه الوجه الثاني أنه يصل التكبير بآخر السورة ويقف عليه ثم يبتديء بالبسملة وهذا معنى قوله أو عليه يعني أو تقطع على التكبير ومأخذ هذا الوجه أن التكبير إنما شرع في أواخر السور فهو من توابع السورة الماضية لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما كبر لما تليت عليه سورة والضحى فرأى صاحب هذا الوجه أن وصله بآخر السورة والقطع عليه أولى لتبين الغرض بذلك وهذا لا يتجه إلا تعريفا على القول بأن أول مواضع التكبير آخر الضحى فإن قلنا هو مشروع من أولها فهو للسورة الآتية فيتجه القول الأول واختار صاحب التيسير هذا الوجه وبدأ به فيه وهو وصل التكبير بآخر السورة لكنه خير بين الوقوف عليه ووصله بالبسملة قال والأحاديث الواردة عن المكيين بالتكبير دالة عليه لأن فيها مع وهي تدل عن الصحبة والاجتماع وقال في غير التيسير على ما نقله الشيخ في شرحه الحذاق من أهل الأداء يستحبون في مذهب البزي أن يوصل التكبير بآخر السورة من غير قطع ولا سكت على آخرها دونه ويقطع عليه ثم يقرأ بعد ذلك بسم الله الرحمن الرحيم موصلا بالسورة الثانية إلى آخر القرآن ومنع مكي من هذا الوجه فقال في التبصرة ولا يجوز أن تقف على التكبير دون أن تصل بالبسملة وقال في الكشف ليس لك أن تصل التكبير بآخر السورة وتقف عليه الوجه الثالث أن يوصف التكبير بآخر السورة وبالبسملة وهذا هو المراد من قوله أوصل الكل واختار هذا الوجه أبو الطيب ابن غلبون وابنه أبو الحسن ومكي مع تجويز غيره قال أبو الطيب وهو المشهور من هذه الوجوه وبه قرأت وبه آخذ وقال ابنه أبو الحسن واعلم أن القاريء إذا أراد التكبير فإنه يكبر مع فراغه من آخر السورة من غير قطع ولا سكت في وصله ولكنه يصل آخر السور بالتكبير ثم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم وهو الأشهر الجيد إذ لم يذكر في شيء من الحديث فصل ولا سكت بل ذكر في حديث ابن عباس مع وهي تدل على الصحبة والاجتماع، قلت ولا ضرورة إلى هذه المضايقة فالمعية حاصلة وإن قطع على آخر السورة بوقفة يسيرة فلا يراد بالمعية في مثل ذلك إلا الاتصال المعروف في القراءة كما أن وقوف القاريء على مواضع الوقف من أواخر الآي وغيرها لا يخرجه ذلك عن اتصال قراءته بعضها ببعض فإذا ليس الأولى إلا الوجه الأول وهو فصل السورة من التكبير لما ذكرناه وفصل التكبير من البسملة مبني أيضا على ما ذكرناه من الخلاف في البسملة قال صاحب التيسير ولا يجوز القطع على التسمية إذا وصلت بالتكبير وهذا صحيح وقد مضى شرح ذلك في آخر باب البسملة وهو قوله ومهما تصلها مع أواخر سورة فلا تقفن فلا فرق بين وصلها بآخر السورة أو بالتكبير أما إذا لم تصلها بالتكبير بل وقفت عليه فإنه يجوز لك أن تقف على البسملة أيضا كما إذا وقفت على آخر سورة وقد وقع لي في التكبير ثلاث احتمالات عليها تخرج هذه الوجوه كلها أحدها أن التكبير من توابع السورة الماضية فعلى هذا وصله بها أولى الثاني أنه من مقدمات السورة الآتية فعلى هذا قطعه من الأولى ووصله بالثانية أولى والثالث أنه ذكر مشروع بين كل سورتين من هذه السور فعلى هذا يجوز وصله بهما وقطعه عنهما فمن كبر من أول والضحى لحظ الوجه الثاني ومن كبر من آخرها لحظ الأول وعلى هذا يبين الخلاف في انتهاء التكبير إلى أول الناس أو آخرها، فإن قلت فما وجه من كبر من أول الضحى وكبر آخر الناس، قلت كأنه أعطى لسورة الناس حكم ما قبلها من السور إذ كل سورة منها بين التكبيرتين وليس التكبير في آخر الناس لأجل أول الفاتحة لأن الختمة قد انقضت ولو كان للفاتحة لشرع التكبير بين الفاتحة والبقرة ولم يفعله هؤلاء لأن التكبير للختم لا لافتتاح أول القرآن والله أعلم.، وقوله معه مبسملا أي مبسملا مع التكبير فنصب مبسملا على الحال من فاعل صل الكل (1130) وَمَا قَبْلَهُ مِنْ سَاكِنٍ أَوْ مُنَوَّنٍ فَلِلسَّاكِنَيْنِ اكْسِرْهُ فِي الْوَصْلِ مُرْسَلاَ المذكور في هذا البيت مفرع على قولنا إن التكبير يوصل بآخر السورة وهو معنى قوله في الوصل ومعنى مرسلا مطلقا أي الحكم في الكسر مطلقا في النوعين أما إذا قلنا لا يوصل وهو الوجه المختار كما سبق فلا حاجة إلى ما في هذا البيت والذي بعده فإن الكسر يبتديء بفتح همزته وكذا إن قلنا إن التهليل يشرع قبل التكبير ووصلناه بآخر السورة فلا يتغير أمر مما يتعلق بأواخر السور لأن أول التهليل حرف متحرك وأول التكبير همز وصل قبل ساكن فهمزة الوصل تسقط في الدرج فيبقى الساكن فينظر في أواخر السور وهي على أربعة أقسام ما آخره متحرك أو هاء ضمير وهذان القسمان يأتي ذكرهما في البيت الآتي وذكر في هذا البيت قسمين ما آخره ساكن وما آخره تنوين فالذي آخره ساكن الضحى ألم نشرح اقرأ والذي آخره تنوين العاديات القارعة الهمزة الفيل قريش النصر تبت الإخلاص فحكم هذين القسمين كسر ما قبل التكبير لالتقاء الساكنين وهذان القسمان كقسم واحد لاتحاد حكمهما ولأن سكون التنوين كسكون غيره وإنما أراد أن ينص على ساكن مرسوم حرفا في الخط وساكن يثبت لفظ لا خطا وهو التنوين ونزل تغيير أوآخر هذه السورة لأجل ساكن أول التكبير منزلة تغييره إذا وصل آخر سورة بأول أخرى على قراءة حمزة فإن تنوين آخر والعاديات يكسر وكذا ورش إذا وصل ويفتح آخر الضحى ويكسر آخر اقرأ بإلقاء حركة همزة ما بعدهما عليهما والله أعلم. (1131) وَأَدْرِجْ عَلَى إِعْرَابِهِ مَا سِوَاهُماَ وَلاَ تَصِلَنْ هَاءَ الضَّمِيرِ لِتُوصَلاَ يعني ما سوى الساكن والمنون وهو المحرز أنزله على إعرابه أي وصله على حركته سواء كانت فتحة كآخر التين والماعون والفلق أو كسرة كآخر القدر والتكاثر والعصر والكافرين والناس أو ضمة كآخر الكوثر ولم يكن والزلزلة ولكن هاتان السورتان آخرهما هاء الضمير فلا يصلها لأجل الساكن بعدهما على ما تمهد في شرح قوله ولم يصلوها مضمر قبل ساكن فإذا لم تصلها وصلت ولم تقطع لأن ذلك يدل على علمك وفضلك وإن وصلتها قطعت لدلالة ذلك على الجهل فما أحلى ما وافقه ولا تصلن لتوصلا والنون في ولا تصلن للتأكيد قوله وادرج من قولهم أدرجت الكتاب أي طويته وأدرجت الدلو إدراجا إذا متحتها ومتح من باب نفع يقال متحت الدلو إذا استخرجتها برفق فكأن القارئ إذا قرأ كلمة وتعداها إلى غيرها قد أدرجها وطواها وقوله على إعرابه أي حركة إعرابه وفي حركات أواخر السور المذكورة ما هو حركة إعراب كآخر القدر والتكاثر والعصر والماعون والكوثر والناس وباقيها حركة بناء كالتين ولم يكن والزلزلة والكافرين والفلق فلم يرد بقوله إعرابه إلا مجرد الحركة وكان يغنيه عن ذلك أن يقول وادرج على تحريكه ما سواهما (1132) وَقُلْ لَفْظُهُ اللهُ أَكْبَرْ وَقَبْلَهُ لأَحْمَدَ زَادَ ابْنُ الْحُبَابِ فَهَيْللاَ أي لفظ التكبير وسكن الراء من أكبر حكاية للفظ المكبر لأنه واقف عليه فهذا هو المختار في لفظة التكبير قال ابن غلبون والتكبير اليوم بمكة الله أكبر لا غير كما ذكرنا في الأحاديث التي تقدمت وهو مشهور في رواية البغي وحده وقال مكي الذي قرأت وهو المأخوذ به في الأمصار الله أكبر لا غير وقوله وقبله يعني قبل التكبير لأحمد يعني البزي زاد بن الحباب وهو أبو علي الحسن ابن الحباب بن مخلد الدقاق قرأ على البزي وروى عنه التهليل قبل التكبير وقوله فهيللا أي فقال لا إله إلا الله والأصل أن يقال فهللا وأنما الياء بدل من أحد حرفي التضعيف نحو قولهم تطنيت يقال قد أكثرت من الهيللة أبدلت الياء من عين الكلمة لتكرير اللامات حكى أبو عمرو الداني في كتاب التيسير عن الحسن بن الحباب قال سألت البزي عن التكبير كيف هو فقال لي لا إله إلا الله والله أكبر قال الداني وابن الحباب هذا من الإتقان والضبط وصدق اللهجة بمكان لا يجهله أحد من علماء هذه الصنعة وبهذا قرأت على أبي الفتح وقرأت على غيره بما تقدم وحكى عن ابن الحباب أيضا أبو طاهر ابن أبي هاشم ذكره الحافظ أبو العلاء فقال لا إله إلا الله والله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم (1133) وَقِيلَ بِهذَا عَنْ أَبِي الْفَتْحِ فَارِسٍ وَعَنْ قُنْبُلْ بَعْضٌ بِتَكْبِيرِهِ تَلاَ أي بما نقله ابن الحباب وهو معنى قول الداني وبهذا قرأت على أبي الفتح وقال في غير التيسير حدثنا أبو الفتح شيخنا حدثنا عبد الباقي بن الحسن حدثنا أحمد بن صالح عن ابن الحباب عنهم يعني بالتهليل قال أبو عمرو وبذلك قرأت على فارس أعني بالتهليل والتكبير وأبو الفتح هذا هو فارس بن أحمد بن موسى بن عمران الضرير الحمصي سكن مصر قال الداني في تاريخ الفراء أخذ القراءة عرضا وسماعا عن غير واحد من أصحاب ابن مجاهد وابن شنبوذ وغيرهم ثم قال لم يلق مثله في حفظه وضبطه وحسن تأديته وفهمه بعلم صناعته واتساع روايته مع ظهور نسكه وفضله وصدق لهجته وسمعته يقول ولدت بحمص سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مائة وتوفي رحمه الله بمصر في ما بلغني سنة إحدى وأربع مائة وقد ذكره أبو عمرو الداني أيضا في أرجوزته التي نظمها في علم القراءة فقال، (ممن أخذت عنهم ففارسوا وهو الضرير الحاذق الممارس)، (أضبط من لقيت للحروف وللصحيح السائر المعروف)، وجميع ما ذكرناه مأخوذ به في رواية البزي وأما قنبل فلم يذكر له صاحب التيسير تكبيرا وقال في غيره وقد قرأت أيضا لقنبل بالتكبير وحده من غير طريق ابن مجاهد قال وبغير تكبير آخذ في مذهبه فقول الشاطبي، (وعن قنبل بعض بتكبيره)، من زيادات هذه القصيدة على ما في التيسير والهاء في تكبيره عائد على البزي أي وبعض الشيوخ تلا عن قنبل بمثل تكبير البزي ويحتمل أن تكون الهاء عائدة على قنبل أو على بعض ولكن قوة المعنى على ما ذكرناه أولا وقد حكى صاحب الروضة التهليل أيضا عن قنبل فقال وروى قنبل في غير رواية الزينبي عنه التهليل والتكبير من أول سورة ألم نشرح إلى خاتمة الناس ولفظه لا إله إلا الله والله أكبر وكذلك حكى الحافظ أبو العلاء التهليل والتكبير للبزي ولقنبل وحكى الهذلي صاحب الكامل رواية عن قنبل في تقديم التسمية على التكبير وهذا مما يقوى أن التكبير للسورة الآتية لا للسابقة وإن كان وجها بعيدا والله أعلم. |
|