سورة الشورى والزخرف والدخان
(1018)
وَيُوحى بِفَتْحِ الْحَاءِ (دَ)انَ وَيَفْعَلُونَ غَيْرُ (صِحَابٍ) يَعْلَمَ ارْفَعْ (كَـ)ـماَ (ا)عْتَلاَ
يريد كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله - ومن فتح الحاء بني الفعل لما لم يسم فاعله ورفع اسم الله تعالى على الابتداء أو بفعل مضمر كما تقدم في (يسبح له) - (رجال)، في سورة النور ومعنى دان انقاد وأطاع وقيل يقال دان الرجل إذا عز ويفعلون بالغيب لأن قبله - يقبل التوبة عن عباده - وبالخطاب ظاهر وتقدير النظم وغيب يفعلون قراءة غير صحاب فحذف المضاف من المبتدأ والخبر للعلم بهما، وأما يعلم المختلف في رفع ميمه ونصبه فهو - ويعلم الذين يجادلون -  ولا خلاف في رفع ويعلم ما تفعلون - لأنه عطف على - يقبل التوبة ويعفو - ويعلم - وأما المختلف فيه فرفعه على الاستئناف والذي بعده فاعل أو مفعول فهذه قراءة ظاهرة فلهذا قال فيها كما اعتلا وقراءة النصب مشكلة أجود ما تحمل عليه ما قاله أبو عبيد قال وكذلك نقرؤها بالنصب على الصرف كالتي في آل عمران (ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين)، قلت معنى الصرف أن المعنى كان على جهة فصرف إلى غيرها فتغير الإعراب لأجل الصرف وتقديره أن يقال كان العطف يقتضي جزم - ويعلم - في الآيتين لو قصد مجرد العطف وقد قريء به فيهما شاذا لكن قصد معنى آخر فتعين له النصب وهو معنى الاجتماع أي يعلم المجاهدين والصابرين معا أي يقع الأمران مقترنا أحدهما بالآخر ومجرد العطف لا يتعين له هذا المعنى بل يحتمله ويحتمل الافتراق في الوجود كقولك جاء زيد وعمرو يحتمل أنهما جاءا معا ويحتمل تقدم كل منهما على الآخر وإذا ذكر بلفظ المفعول معه كان وقوع الفعل منهما معا في حالة واحدة فكذا النصب في قوله ويعلم أفاد الاجتماع فلهذا أجمع على النصب في آية آل عمران قال الزمخشري فيها - ويعلم الصابرين - نصب بإضمار أن والواو بمعنى الجمع كقولك لا تأكل السمك وتشرب اللبن، قلت والعبارة عن هذا بالصرف هو تعبير الكوفيين ومثله لا يسعني شيء ويضيق عنك أي لا يجتمع الأمران ولو رفعت الواو للعطف تغير المعنى فهذا الجمع معنى مقصود وضع النصب دليلا عليه فكذا النصب في - ويعلم الذين يجادلون في آياتنا - أي يقع إهلاكهم والعلم معا مقترنين، واعتراض النحاس على أبي عبيد في تسويته بين الآيتين وقال - ويعلم الصابرين - جواب لما فيه النفي فالأولى به النصب وهذا وهم ليس هو بجواب للنفي بل المعنى على ما ذكرناه ولو كان جوابا لما ساغت قراءة الحسن بالجزم، وقال الزجاج النصب على إضمار أن لأن قبلها جزاء تقول ما تصنع أصنع مثله وأكرمك على معنى وأن أكرمك وإن شئت وأكرمك بالرفع على معنى وأنا أكرمك ويجوز وأكرمك جزما، قلت النصب في هذا المثال على ما قررناه من معنى الجمعية أي أصنعه مكرما لك فالنصب يفيد هذا المعنى نصا والرفع يحتمله على أن تكون الواو للحال ويحتمل الاستئناف، وقال الزمخشري ما قاله الزجاج فيه نظر لما أورده سيبويه في كتابه قال واعلم أن النصب بالفاء والواو في قوله إن تأتني آتك وأعطيك ضعيف وهو نحو من قوله، وألحق بالحجاز فأستريحا، فهذا يجوز وليس بحد للكلام ولا وجهه إلا أنه في الجزاء صار أقوى قليلا لأنه ليس بواجب أن يفعل إلا أن يكون من الأول فعل فلما ضارع الذي لا يوجبه كالاستفهام ونحوه أجازوا فيه هذا على ضعفه قال ولا يجوز أن تحمل القراءة المستفيضة على وجه ضعيف ليس بحد الكلام ولا وجهه ولو كانت من هذا الباب لما أخلى سيبويه منها كتابه وقد ذكر نظائرها من الآيات المشكلة، قلت النصب بالواو في هذا المعنى ليس بضعيف بل هو قوى بدليل الإجماع على نصب ما في آل عمران وأما بالفاء فضعيف لأن الفاء لا تفيد ما تفيده الواو من معنى الجمعية فلهذا كانت قراءة من قرأ في آخر البقرة يحاسبكم به الله فيغفر - بالنصب شاذة وقد أنشد الأعشى في بيتين نصب ما عطف بالواو لهذا المعنى، (ومن يغترب عن أهله لا يزل يرى وتدفن منه الصالحات)، مع أنه لا ضرورة إلى النصب فالرفع كان ممكنا له فما عدل إلى النصب إلا لإرادة هذا المعنى وهذا النصب بالواو لهذا المعنى كما يقع في العطف على جواب الشرط يقع أيضا في العطف على فعل الشرط نحو إن تأتني وتعطيني أكرمك قال أبو علي فينصب تعطيني وتقديره إن يكن إتيان منك وإعطاء أكرمك، قلت مراده أن يجتمعا مقترنين ولو أراد مجرد وقوع الأمرين معرضا عن صفة الجمعية لكان الجزم يفيد هذا المعنى فقد اتضحت ولله الحمد قراءة النصب على هذا المعنى من العطف - إن يشإ يسكن الريح - فتقف السفن أو إن يشأ يعصف الريح فيغرقها وينج قوما بطريق العفو عنهم ويحذر آخرين بعلمهم ما لهم من محيد، فإن قلت كيف يوقف العفو على الشرط وهذا الكلام خارج مخرج الامتنان ولهذا قيده بقوله عن كثير ولو كان معلقا على المشيئة لأطلق العفو عن الكل نحو - ولو شاء الله لجمعهم على الهدى، قلت إنما علقه على الشرط ليتبين أنه إنما يفعل ذلك بمشيئته وإرادته لا بالاستحقاق عليه وأما ويعلم فإن جعلنا الذين بعده فاعلا سهل دخوله في حيز الشرط وإن جعلناه مفعولا فالمعنى يعلمه واقعا نحو إلا لنعلم من يتبع الرسول - أي نبقيهم على الكفر ولا يسهل لهم الإيمان - حتى يؤتوا -  ولهذا للإشكال قال ابن القشيري رحمهما الله في تفسيره ويعف معطوف على المجزوم من حيث اللفظ لا من حيث المعنى قال وقريء ويعفو بالرفع، قلت فيكون مستأنفا ويعلم عطف عليه إن كان مرفوعا ونظيره في هذه السور - فإن يشأ الله يختم على قلبك ثم استأنف فقال - ويمحو الله الباطل ويحق - الحق - وبعضهم جعل يمح مجزوما عطفا على يختم واستدل بأنه كتب في المصحف بغير واو فيكون الاستئناف بقوله ويحق كقوله في براءة - ويتوب الله على من يشاء - ويجوز أن تكون قراءة القراء ويعف بغير واو لمعنى الأخبار المستأنف وحذف الواو ليس للجزم بل للتخفيف كما تحذف الألف والياء لذلك فالجميع حرف علة والواو أثقلها فالحذف لها أقيس وأولى قال الفراء كل ياء أو واو تسكنان وما قبل الياء مكسور وما قبل الواو مضموم فإن العرب تحذفها وتجتريء بالضمة من الواو وبالكسرة من الياء قال أبو علي حذفت الألف كما حذفت الياء وإن كان حذفهم لها أقل منه في الياء لاستحقاقهم لها وذلك في نحو قولهم أصاب الناس جهد ولوتر ما أهل مكة عليه وقولهم حاش لله ورهط ابن المعلى فحذفها في الوقف للقافية كما حذفت الياء وقد حذفوا من لم يك ولا أدر قلت وفي القرآن - يوم يأتي وما كنا نبغي - وإذا كان الأمر كذلك فحذف الواو من يعفو أولى لأنها أثقل وليشاكل ما قبله من المجزوم فهو كما قالوا في صرف - سلاسلا وقواريرا - كما يأتي وكما رووا رجعن مأزورات غير مأجورات ولما لم يمكن صورة الجزم في ميم ويعلم حركت بالحركات الثلاث وذكر الزمخشري لقراءة النصب وجها آخر فقال هو عطف على تعليل محذوف تقديره لينتقم منهم ويعلم الذين يجادلون ونحوه في العطف على التعليل المحذوف غير عزيز في القرآن منه قوله تعالى - ولنجعله آية للناس - وقوله - وخلق الله السموات والأرض بالحق -  ولتجزى كل نفسي بما كسبت - قلت ومثله - وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون ولتنذر أم القرى ولكن كل هذه المواضع ذكر فيها حرف التعليل بعد الواو ولم يذكر في ويعلم الذين، وقال ابن القشيري في تفسيره في بعض المصاحف وليعلم باللام فهذا يقوي قراءة النصب ويؤيد الوجه الذي ذهب إليه الزمخشري
(1019)
بِمَا كَسَبَتْ لاَ فَاءَ (عَمَّ) كَبِيرَ في كَبَائِرَ فِيها ثُمَّ فِي النَّجْمِ (شَـ)ـمْلَلاَ
سقطت الفاء من فيها في المصحف المدني والشامي وثبتت في مصاحف العراق ووجه دخولها تضمين ما في قوله وما أصابكم من مصيبة معنى الشرط وهي بمعنى الذي وإذا تضمن الذي معنى الشرط جاز دخول الفاء في حيزه وجاز حذفها وأما كبائر الإثم بالجمع فظاهر وقراءة الإفراد تقدم لها نظائر فهو في اللفظ إفراد يراد به الجمع لأنه للجنس واختار أبو عبيد الجمع فإن الآثار التي تواترت كلها بذكر الكبائر لم نسمع لشيء منها بالتوحيد ومعنى شملل أسرع
(1020)
وَيُرْسِلَ فَارْفَعْ مَعْ فَيُوحِي مُسَكِّناً (أَ)تَانَا وَأَنْ كُنْتُمْ بِكَسْرٍ (شَـ)ـذَا الْعُلاَ
أي فارفع الفعلين ألا أن فيوحي لما كان لا تظهر فيه علامة الرفع ألحق ذلك قوله مسكنا وهو حال من فاعل ارفع أي ارفعه مسكنا له فهو مثل قوله ناصبا كلماته بكسر لما كان المعلوم من النصب أن علامته الفتح بين هناك أن علامته الكسر ورفع يرسل على تقدير أو هو يرسل والنصب بإضمار أن فيكون عطفا على وحيا عطف مصدر على مثله من جهة المعنى وقوله فيوحي عطف على يرسل رفعا ونصبا وانتهى الخلاف في حروف عسق - وليس فيها من ياآت الإضافة شيء وإنما فيها زائدة واحدة وهي - ومن آياته الجوار - أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو وفي الحالين ابن كثير ثم تمم البيت بذكر حرف من سورة الزخرف وهو (أن كنتم قوما مسرفين)، تقرأ أن بالفتح والكسر فالفتح ظاهر على التعليل أي لأن كنتم والكسر على لفظ الشرط قال الزمخشري هو من الشرط الذي يصدر عن المستدل بصحة الأمر المتحقق لثبوته كما يقول الأجير إن كنت عملت فوفني حقي وهو عالم بذلك ولكنه يخيل في كلامه أن تفريطك في الخروج عن الحق فعل من له شك في الاستحقاق مع وضوحه استجهالا له قال الفراء تقول أسبك أن حرمتني تريد إذ حرمتني وتكسر إذا أردت إن تحرمني ومثله (ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم)، بكسر أن وبفتح ومثله (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا)و(أن لم يؤمنوا)، والعرب تنشد قول الفرزدق (أتجزع أن أذنا قبيبة جزنا)، وأنشدوني (أنجزع أن بان الخليط المودع)، وفي كل واحد من البيتين ما في صاحبه من الكسر والفتح وقول الناظم وإن كنتم مبتدأ وشذا العلا خبره وبكسر في موضع الحال من المبتدأ وإن كان منونا وإن كان مضافا إلى مثله فهو الخبر
(1021)
وَيَنْشَأُ فِي ضّمٍّ وَثِقْلٍ (صِحاَبُهْ) عِبَادُ بِرَفْعِ الدَّالِ فِي عِنْدَ (غَـ)ـلْغَلاَ
أي ضم الياء وشدد الشين ويلزم من ذلك فتح النون ومعنى ينشأ بالفتح والتخفيف يربي وينشأ يربي كلاهما ظاهر ولفظ بالقراءتين في - عباد الرحمن - وعند الرحمن - ونص على حركة الدال لأن اللفظ لا ينبى عنها أي عباد مرفوع الدال يقرأ في موضع عند والتعبير عن الملائكة بأنهم عباد الرحمن ظاهر وأما عبارة عند فأشار إلى شرف منزلتهم وقد جاء في القرآن التعبير عنهم بكل واحد من اللفظين - بل عباد مكرمون إن الذين عند ربك لا يستكبرون - ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته - وغلغل من قولهم تغلغل الماء في النبات إذا تخلله وقد غلغلته أنا والمعنى أن عباد تخلل معناه معنى عند فكان له كالماء للشجر لا بد للشجر منه فكذا صفة العبودية لا بد منها لكل مخلوق وإن اتصف بإطلاق ما يشعر برفع المنزلة كلفظ عند وما أشبهها
(1022)
وَسَكِّنْ وَزِدْ هَمْزاً كَوَاوٍ أَؤُشْهِدوا (أَ)مِيناً وَفِيهِ الْمَدُّ بِالْخُلْفِ (بَـ)ـلَّلاَ
أشهدوا مفعول وسكن يعني سكن الشين المفتوحة من قوله تعالى - أشهدوا خلقهم - وزد بعد همزة الاستفهام همزة مسهلة كالواو أي همزة مضمومة مسهلة بين بين كما يقرأ - أؤنبئكم - فيكون أصله أشهدوا أي حضروا ثم دخلت عليه همزة الاستفهام التي بمعنى الإنكار فهو من معنى قوله تعالى - (ما أشهدتهم خلق السموات والأرض) - الآية وعن قالون خلاف في المد بين هاتين الهمزتين وهو يمد بلا خلاف بين الهمزتين من كلمة مطلقا ومعنى بلل قلل وقراءة الباقين من شهدوا بمعنى حضروا ثم دخلت على الفعل همزة الإنكار وفي معنى هذه الآية قوله سبحانه في سورة والصافات منكرا عليهم، (أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون)
(1023)
وَقُلْ قَالَ (عَـ)ـنْ (كُـ)ـفْؤٍ وَسَقْفاً بِضَمِّهِ وَتَحْرِيكِهِ بِالضَّمِّ (ذَ)كَّرَ (أَ)نْبَلاَ
يعني - قل أو لو جئتكم - قرأه حفص وابن عامر - قال - على الخبر أي قال النذير وقراءة الباقين على حكاية ما أمر به النذير أي قلنا له إذ ذاك قل لهم هذا كلام وتقدير البيت وقل يقرأ ثم قال وسقفا بضمه أي بضم السين وتحريك القاف جمعا قال أبو علي سقف جمع سقف كرهن ورهن قال وسقف واحد يدل على الجمع ألا ترى أنه قد علم بقوله - لبيوتهم - أن لكل بيت سقفا قال أبو عبيد ولم تجد مثال فعل بجمع على فعل غير حرفين سقف وسقف ورهن ورهن، قلت وأجمعوا على إفراد التي في النحل (فخر عليهم السقف من فوقهم)، (وجعلنا السماء سقفا محفوظا)، وقوله ذكر أنبلا أي نبيلا أي ذكر هذا اللفظ في حال نبله أو ذكر شخصا نبيلا أي أفهمه أنه أحد الحرفين المجموعين على هذا الوزن
(1024)
وَ(حُـ)ـكْمُ (صِحَـ)ـابٍ قَصْرُ هَمْزَةِ جَاءَنَا وَأَسْوِرَةً سَكِّنْ وَبِالْقَصْرِ عُدِّلاَ
الحاء من وحكم رمز أبي عمرو وقد سبق استشكاله والتنبيه عليه في مواضع يريد - حتى إذا جاءنا قال - فقراءة القصر على أن الجائي واحد وهو الذي عشى عن ذكر الرحمن عز وجل وقراءة المد على أن الجائي اثنان هو وقرينه وهو القائل لقرينه - يا ليت بيني وبينك - الآية وأسورة جمع سوار كأخمرة في جمع خمار وأساورة جمع الجمع وأجمع أساور وهو لغة في السور وهو موافق لقوله -  يحلون فيها من أساور - فهو بالهاء وبغير الهاء واحد والله أعلم.
(1025)
وَفِي سَلَفاً ضَمًّا (شَـ)ـرِيفٍ وَصَادُهُ يَصُدُّونَ كَسْرُ الضَّمِّ (فِـ)ـى (حَـ)ـقِّ (نَـ)ـهْشَلاَ
أي ضما قاريء شريف يريد ضم السنن واللام قالوا هو جمع سليف كرغف في جمع رغيف وبفتح السين واللام جمع سالف كخدم في جمع خادم وكلاهما بمعنى واحد وقال أبو علي سلف جمع سلف مثل أسد وأسد ووثن ووثن وسلف اسم من أسماء الجمع كخدم وطلب وحرس وكذلك المثل يراد به الجمع فمن ثم عطف على سلف في قوله - فجعلناهم سلفا مثلا - واختار أبو عبيد قراءة الفتح وقال هي التي لا تكاد العامة تعرف غيرها لأن الآثار التي نقلتها الفقهاء إلينا إنما بقفا فيها كلها السلف كذلك ذكرهم معاد ويبدأ ولم يسمع فى شيء منها السلف وقوله وصاد يصدون قال الشيخ الهاء في وصاده إضمار على شربطة التفسير قلت يكون قوله يصدون بدلا من الضمير كما تقول ضرب زيدا ومررت به زيد ويجوز أن يكون على التقديم وللتأخير أي ويصدون صاده كما قيل نحو ذلك في قوله تعالى - ومن وراء إسحاق يعقوب - على قراءة من رفع يعقوب أن التقدير ويعقوب من وراء إسحاق وقوله كسر إما مبتدأ ثان أو بدل اشتمال والعائد على يصدون محذوف أي كسر الضم منه أو كسر ضمه على قيام الألف واللام مقام الضمير نحو - مفتحة لهم الأبواب أي أبوابها وقد سبق معنى في حق نهشلا في سورة النساء وكسر الصاد وضمها في يصدون هنا لغتان مثل الخلاف في كاف يعكفون وراء يعرشون وهو من الصديد الذي هو الجلبة والصياح والضجيج وقيل الضم من الصدود الذي هو الإعراض قال أبو علي لو كانت من هذا لكان إذا قومك عنه يصدون ولم يكن منه وجوابه أن المعنى من أجل هذا المثل صدوا عن الحق وأعرضوا عنه وقرأت بخط ابن مجاهد في معاني القرآن يصدون منه وعنه سواء وقال الفراء العرب تقول يصد ويصد مثل يشد ويشد وينم وينم لغتان
(1026)
ءَآلِهةٌ كُوفٍ يُحَقِّقُ ثَانِياً وَقُلْ أَلِفاً لِلْكُلِّ ثَالِثاً ابْدِلاَ
يريد آلهتنا خير أم هو - فيها ثلاث همزات ثنتان مفتوحتان والثالثة ساكنة فأجمع على إبدالها ألفا لسكونها وفتح ما قبلها واختلف في الثانية فحققها الكوفيون على أصلهم في باب الهمزتين من كلمة وسهلها الباقون بين بين على أصولهم في قراءة - آمنتم - وحفص يسقط الأولى من - آمنتم - وأثبتها هنا والكلام في التحقيق والتسهيل والإبدال وعدم المد بين الهمزتين كما سبق في مسئلة - ءآمنتم - في الأصول وقوله ءآلهة مبتدأ وكوف خبره أي قراءة كوف ثم بينها بقوله يحقق ثانيا أي ثاني حروفه وإنما قال ذلك لأنه يمكن اتزان البيت بقراءة آلهة على لفظ التسهيل وهذا مما استدل به على أن الهمزة المسهلة برنة المحققة ويجوز أن يكون كوف مبتدأ ثانيا وما بعده خبره والجملة خبر الأول وقوله ألفا ثاني مفعولي أبدل والمفعول الأول هو مرفوع أبدل العائد على ءآلهة وثالثا نصب على التمييز من ذلك الضمير على قول من أجاز تقديم التمييز على عاملة أي أبدل هذا اللفظ ثالثا أي ثالث حروفه أبدل ألفا فيكون تقدير هذا النظم أبدل ثالثا ألفا كما لو قلت ريد كسى رأسا قلنسوة ولو قال ثالثه أبدلا لكان أظهر ووصل همزة القطع جائز للضرورة وفي عبارة الناظم نقل حركة همزة أبدل إلى التنوين فانضم وانحذف الهمزة كما يقرأ ورش - غرووا - أولئك مأواهم - وقد سبق شرح مثل هذا البيت في باب الهمزتين من كلمة
(1027)
وَفِي تَشْتَهِيهِ تَشْتَهِي (حَقُّ صُحْبَةٍ) وَفِي تُرْجَعُونَ الْغَيْبُ (شَـ)ـايَعَ (دُ)خْلُلاَ
اختلف المصاحف الأئمة في هذه الكلمة فكتبت الهاء في مصاحف المدينة والشام وحذفت من غيرها ووجه القراءتين ظاهر لأن الجملة صلة ما وحذف العائد من الصلة إلى الموصول جائز والغيب في قوله - وعنده علم الساعة وإليه ترجعون - شايع دخللا قبله وهو - فذرهم يخوضوا - والخطاب على الالتفات واختار أبو عبيد الغيب
(1028)
وَفِي قِيلَهُ اكْسِرْ وَاكْسِرِ الضَّمَّ بَعْدُ (فِـ)ـي (نَـ)ـصِيرٍ وَخَاطِبْ تَعْلَمُونَ (كَـ)ـمَا (ا)نْجَلاَ
هكذا وقع في الرواية في جميع النسخ وفي - قيله - اكسر اللام وهو سهو والصواب على ما مهده في خطبته أن تكون اخفض لأنها حركة إعراب ثم قال واكسر الضم يعني في الهاء وهذا على بابه لأنه حركة بناء وإنما قال في الثانية اكسر الضم وقال في الأولى اكسر ولم يقل اكسر الفتح لأن الفتح ضد الكسر فكفى الإطلاق والضم ليس ضدا للكسر فاحتاج إلى بيان القراءة الأخرى وقوله بعد أي بعد ذلك الكسر وقوله في نصير في موضع الحال أي كائنا في رهط نصير أي في جملة قوم ينتصرون لتوجيه القراءتين فوجه الجر العطف على لفظ الساعة في قوله - وعنده علم الساعة - و - قيله - أي وعلم قيله وقيل الواو في وقيله للقسم وجوابه - إن هؤلاء - وأما النصب فعطف على موضع الساعة فإنه في موضع نصب أي يعلم الساعة ويعلم قيله وقيل عطف على - سرهم ونجواهم - وقيل هو نصب على المصدر أي وقال قيله أي شكا شكواه والقيل والقول واحد ومنه قول كعب بن زهير، (يسعى الوشاة جنابتها وقيلهم إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول)، ذكر الوجهين الأخيرين الأخفش والفراء وذكر هذه الأوجه الثلاثة أبو علي وسبقه إليها الزجاج واختار العطف على موضع الساعة وصدق لأن الجر عطف على لفظها فيتحد معنى القراءتين وذكر النحاس وجهين آخرين أن يكون عطفا على مفعول محذوف أي ورسلنا يكتبون ذلك وقيله أو وهم يعلمون الحق وقيله واختار أبو عبيد قراءة النصب قال لكثرة من قرأ بها ولصحة معناها إنما هي في التفسير - أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم - ونسمع - قيله يا رب - وقال النحاس القراءة البينة بالنصب من جهتين إحداهما أن المعطوف على المنصوب يحسن أن يفرق بينهما وإن تباعد ذلك لانفصال العامل والمعمول فيه مع المنصوب وذلك في المخفوض إذا فرقت بينهما قبيح والجهة الأخرى أن أهل التأويل يفسرون الآية على معنى النصب قال والهاء في قيله تعود إلى النبي محمد أو إلى عيسى بن مريم عليهما السلام، قلت وإذا كان المعنى يصح على عطف وقيله المنصوب على مفعول - وهم يعلمون - المحذوف أي إلا من شهد بالحق وهم يعلمونه ويعلمون قيله فيجوز أن يقال إن القراءتين عطف على بالحق النصب على الموضع والجر على اللفظ والذي شهد بالحق ذكر في التفسير أنهم الملائكة والمسيح وعزير عليهم السلام وقال الزمخشري بعد حكايته للوجوه الثلاثة المتقدمة والذي قالوه ليس بقوي في المعنى مع وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما لا يحسن اعتراضا ومع تنافر اللفظ وأقوى من ذلك وأوجه أن يكون الجر والنصب على إضمار حرف القسم وحذفه، قلت أما على قراءة الجر فواضح جوازه وقد تقدم ذكرنا له وأما على قراءة النصب فغلط لأن حرف القسم موجود وهو الواو فلا نصب مع وجودها والله أعلم.، ثم قال وخاطب - تعلمون - يعني الذي هو آخر السورة ووجه الخطاب فيه والغيب ظاهر وقد سبقت نظائرهما والله أعلم.
(1029)
بِتَحْتِي عِبَادِي الْيَا وَيَغْلِي (دَ)ناَ (عُـ)ـلاً وَرَبُّ السَّموَاتِ اخْفِضُوا الرَّفْعَ (ثُـ)ـمَّلاَ
أي هاتين الكلمتين في سورة الزخرف الياء يعني ياء الإضافة المختلف في فتحها وإسكانها الأولى - من تحتي أفلا تبصرون - فتحها نافع والبري وأبو عمرو والثانية - يا عبادي لا خوف عليكم - فتحها في الوصل أبو بكر وسكنها في الحالين نافع وأبو عمرو وابن عامر وحذفها الباقون في الحلين وفيها زائدة واحدة واتبعون هذا صراط أثبتها في الوصل أبو عمره وحده ثم ذكر الخلاف في آخر سورة الدخان فقال ويغلي يعني كالمهل تغلي في البطون قرأه بالتذكير ابن كثير وحفص أي يغلي الطعام والباقون بالتأنيث أي تغلي الشجرة وعلا حال أو تمييز أي دنا ذا علاء أو دنا علاه والخفض في - رب السموات - في أول السورة على البدل من قوله - رحمة من ربك - والرفع على الابتداء وخبره - لا إله إلا هو - أو يكون خبر مبتدأ محذوف أي هو رب السموات وثملا حال من فاعل اخفضوا أي مصلحين وقد تقدم
(1030)
وَضَمَّ اعْتِلُوهُ اكْسِرْ (غِـ)ـنىً إِنَّكَ افْتَحُوا (رَ)بِيعاً وَقُلْ إِنِّي وَلِي الْيَاءُ حُمِّلاَ
أي ذا غنى والضم والكسر في تا - فاعتلوه - لغتان وهو القود بعنف والفتح في - ذق إنك - أي لأنك أنت والكسر ظاهر وهما على وجه التهكم والاستهزاء وربيعا حال أي ذوي ربيع أو ذا ربيع على أن يكون حالا من الفاعل أو المفعول والربيع النهر الصغير فحسن من جهة اللفظ قوله افتحوا ربيعا والألف في آخر حملا ضمير يرجع إلى إني ولي والياء بالنصب مفعول ثان لجملا أي أتت ياء الإضافة المختلف فيها فيهما أراد - إني آتيكم بسلطان - فتحها الحرميان وأبو عمرو - وإن لم تؤمنوا لي - فتحها ورش وحده وفيها زائدتان - أن ترجمون - وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون - أثبتهما في الوصل ورش وحده وقلت فيهما مع - الجوار - في الشورى - واتبعوني - في الزخرف، (وواتبعوني والجوار وترجمون فاعتزلون زائدات لدى العلا).