سورة الحجر
(802)
وَرُبَّ خَفِيفٌ (إِ)ذْ (نَـ)ـمَا سُكِّرَتْ (دَ)نَا تَنزَّلُ ضَمُّ التَّا لِشُعْبَةَ مُثِّلاَ
يريد (ربما يود الذين كفروا)، التخفيف والتشديد فيها لغتان ومعنى نما بلغ من قول الشاعر (من حديث نمى إلى عجيب)، أو من نمى المال إذا زاد لأن لفظة - رب - فيه لغات كثيرة وسكرت بالتخفيف أي حبست من قولهم وسكرت النهر وبالتشديد يجوز أن يكون من هذا شدد للكثرة وأن يكون بمعنى حيرت من السكر ويجوز أن يقرأ في البيت مخففا ومشددا والتخفيف أولى ليطابق الرمز بعده والتشديد قد يوهم من قلت معرفته بهذا النظم أنه من باب وباللفظ استغنى عن القيد فيقرأ لابن كثير بالتشديد وإنما هو مقيد بما تقدمه من ذكر التخفيف كقوله (وفصل إذ ثنى وفي أحصن عن نفر العلا)، استغنى عن تقييدهما بالقيد المذكور قبل كل واحد منهما وكذا في هذه السورة - منجوك - وقدرنا - وقوله - ما تنزل الملائكة - بضم التاء ظاهر وبفتحها على حذف إحدى التاءين أصله تتنزل الملائكة والله أعلم.
(803)
وَبِالنُّونِ فِيهاَ وَاكْسِرِ الزَّايَ وَانُصِبِ الْمَلائِكَةَ المَرْفُوعَ عَنْ (شَـ)ـائِدٍ عُلاَ
أي واقرأ بالنون في هذه الكلمة موضع التاء واكسر الزاي فيصير - ينزل - على وزن يحول ويلزم من ذلك نصب الملائكة لأنه مفعول به ومن قرأ بالتاء رفع الملائكة لأنه فاعل على قراءة من فتح التاء ومفعول ما لم يسم فاعله على قراءة من ضمها ولم ينبه على ضم النون وكان الأولى أن يذكره فيقول وبالنون ضما أي ضم ولا حاجة إلى قوله فيها لأنه معلوم وقوله المرفوع نعت الملائكة لأنه لفظ وقوله عن شائد علا أي ناقلا له عن عالم هذه صفته أي عن من بنى المناقب العلا ورفعها وحصليا بعلمه ومعرفته ولا خلاف في تشديد الزاي هنا وقد تقدم في البقرة
(804)
وَثُقِّلَ لِلْمَكِّيِّ نُونُ تُبَشِّرُونَ وَاكْسِرْهُ (حِرْمِيَّا) وَمَا الْحَذُفُ أَوَّلاَ
قراءة الجماعة ظاهرة النون مفتوحة لأنها العلامة لرفع الفعل ومن كسرها قدر أصل الكلمة تبشرنني بنونين وياء الضمير المفعولة فحذف نافع نون الوقاية كما حذفها في  -  أتحاجوني في الله - وأدغم ابن كثير نون علامة الرفع فيها كقراءة الجماعة في - أتحاجوني - ثم حذف نافع وابن كثير الياء كما حذفت في نظائره من رءوس الآي نحو - عقاب - و - متاب -  وأبقيا كسرة النون دالة على الياء المحذوفة وقوله حرميا حال من فاعل واكسره أي قارئا يقرؤه الحرمي أو من مفعوله لأنه فعل منسوب إلى الحرمي وقد سبق معنى وما الحذف أولا في سورة الأنعام يعني أن من قرأ بالتخفيف مع الكسرة وهو نافع حذف إحدى النونين وليس الحذف في الأولى منهما بل في الثانية توفيرا على الفعل علامة رفعه والتقدير وما وقع الحذف أولا ولو قال الأول على تقدير وما المحذوف الأول من التنوين لكان جائزا
(805)
وَيَقْنَطُ مَعْهُ يَقْنَطُونَ وَتَقْنَطُوا وَهُنَّ بِكَسْرِ النُّونِ (رَ)افَقْنَ (حُـ)ـمِّلاَ
يريد - قال ومن يقنط من رحمة ربه - وفي الروم - (إذا هم يقنطون) - وفي الزمر - (لا تقنطوا من رحمة الله) -  فتح النون فيها وكسرها لغتان فماضي المفتوح قنط بالكسر وماضي المكسور قنط بالفتح وهي أفصح اللغتين وقد أجمعوا على الفتح في الماضي في قوله تعالى في الشورى - (من بعد ما قنطوا) - وحملا جمع حامل وقوله ويقنط مبتدأ ومعه يقنطون خبره أي هذه الكلمات اجتمعت واتحد لحكم فيها ثم ابتدأ مبينا حكمها فقال هن بكسر النون وفتحها ولو قال موضع وهن جميعا لكان أحسن وأظهر معنى والله أعلم.
(806)
وَمُنْجُوهُمْ خِفٌّ وَفِي الْعَنْكَبُوتِ تُنْجِيَنَّ (شَـ)ـفَا مُنْجُوكَ (صُحْبَتُـ)ـهُ (دَ)لاَ
أي ذو خف أي خفيف أراد - إنا لمنجوهم أجمعين - لننجينه وأهله - إنا منجوك وأهلك - التخفيف والتثقيل فيها من أنجى ونجى كأنزل ونزل وهما لغتان خفف الثلاثة حمزة والكسائي ووافقهما أبو بكر وابن كثير على تخفيف منجوك ولو قال لمنجوهم خفف باللام بدل الواو لكان أحسن حكاية لما في الحجر ولا حاجة إلى واو فاصلة لظهور الأمر كما قال بعد ذلك قدرنا بها والنمل وقد مضى معنى دلا في مواضع وفيه ضمير راجع إلى لفظ صحبة لأنه مفرد وهو كما سبق في الرعد صحبة تلا والله أعلم.
(807)
قَدَرْنَا بِهَا وَالنَّمْلِ (صِـ)ـفْ وَعِبَادِ مَعْ بَناتِي وَأَني ثُمَّ إِنِّيِ فَاعْقِلاَ
يريد - إلا أمرأته قدرناها - وفي النمل التخفيف والتشديد فيهما أيضا لغتان واستغنى بقيد التخفيف في منجوهم عن القيد فيهما كما سبق في - سكرت - وهو من التقدير لا من القدرة ومثل ذلك سيأتي في الواقعة والمرسلات والأعلى ثم ذكر ياءات الإضافة وهي أربع  - بناتي إن كنتم - فتحها نافع وحده - عبادي إني أنا - وقل إني أنا النذير - فتح الثلاث الحرميان وأبو عمرو.