الأربعون في عشرة النساء
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الطبعة الأولى
1436 هـ 2015 م
حقوق الطبع لكل مسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا وحبيبنا ورسولنا محمد بن عبد الله الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومَنْ تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد:
فإن من أجل النِّعَم التي أنعم اللهُ بها على عباده أن جعل من الرجل سكناً للمرأة وجعل المرأة سكناً للرجل فقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} سورة الروم (21).
والناظر في شريعة الأسلام مقارنة بغيرها من الشرائع فلن يجد شريعة أنصفت المرأة ولا رفعت منزلتها مثلها أبدا", لأنهاحفظت حقها, "أمًّا، وأختًا، وزوجةً", بل وجعلتها ركناً ركين من أركان المجتمع, وقد أمرنا اللهُ في كتابة بحُسن معاملتهن ومعاشرتهن بالمعروف, وجعل ذلك حق واجب فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)} النساء.
"لقد كانت الجاهلية العربية -كما كانت سائر الجاهليات من حولهم- تعامل المرأة معاملة سيئة.. لا تعرف لها حقوقها الإنسانية، فتنزل بها عن منزلة الرجل نزولاً شنيعاً، يدعها أشبه بالسلعة منها بالإنسان.
وذلك في الوقت الذي تتخذ منها تسلية ومتعة بهيمية، وتطلقها فتنة للنفوس، وإغراء للغرائز، ومادة للتشهي والغزل العاري المكشوف.. فجاء الإسلام ليرفع عنها هذا كله، ويردها إلى مكانها الطبيعي في كيان الأسرة وإلى دورها الجدي في نظام الجماعة البشرية.
المكان الذي يتفق مع المبدأ العام الذي قرره في مفتتح هذه السورة: «الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ، وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها، وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً»..
ثم ليرفع مستوى المشاعر الإنسانية في الحياة الزوجية من المستوي الحيواني الهابط إلى المستوي الإنساني الرفيع، ويظللها بظلال الاحترام والمودة والتعاطف والتجمل وليوثق الروابط والوشائج، فلا تنقطع عند الصدمة الأولى، وعند الانفعال الأول.
وكان بعضهم في الجاهلية العربية -قبل أن ينتشل الإسلام العرب من هذه الوهدة ويرفعهم إلى مستواه الكريم- إذا مات الرجل منهم فأولياؤه أحق بامرأته، يرثونها كما يرثون البهائم والمتروكات! إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها وأخذوا مهرها -كما يبيعون البهائم والمتروكات!- وإن شاءوا عضلوها وأمسكوها في البيت، دون تزويج، حتى تفتدي نفسها بشيء.
وكان بعضهم إذا توفي عن المرأة زوجها جاء وليه فألقى عليها ثوبه، فمنعها من الناس، وحازها كما يحوز السَّلب والغنيمة! فإن كانت جميلة تزوجها وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها، أو تفتدي نفسها منه بمال!
فأمَّا إذا فاتته فانطلقت إلى بيت أهلها قبل أن يدركها فيلقي عليها ثوبه، فقد نجت وتحررت وحمت نفسها منه!
وكان بعضهم يطلق المرأة، ويشترط عليها ألا تنكح إلا مَنْ أراد حتى تفتدي نفسها منه، بما كان أعطاها.. كله أو بعضه! وكان بعضهم إذا مات الرجل حبسوا امرأته على الصبي فيهم حتى يكبر فيأخذها!
وكان الرجل تكون اليتيمة في حجره يلي أمرها، فيحبسها عن الزواج، حتى يكبر ابنه الصغير ليتزوجها، ويأخذ مالها! وهكذا. وهكذا. مما لا يتفق مع النظرة الكريمة التي ينظر بها الإسلام لشقي النفس الواحدة ومما يهبط بإنسانية المرأة وإنسانية الرجل على السواء.
ويحيل العلاقة بين الجنسين علاقة تجار، أو علاقة بهائم! ومن هذا الدرك الهابط رفع الإسلام تلك العلاقة إلى ذلك المستوي العالي الكريم، اللائق بكرامة بني آدم، الذين كرمهم الله وفضلهم على كثير من العالمين.
فمن فكرة الإسلام عن الإنسان، ومن نظرة الإسلام إلى الحياة الإنسانية، كان ذلك الارتفاع، الذي لم تعرفه البشرية إلا من هذا المصدر الكريم.
حَرَّمَ الإسلام وراثة المرأة كما تورث السلعة والبهيمة، كما حَرَّمَ العضل الذي تسامه المرأة، ويتخذ أداة للإضرار بها -إلا في حالة الإتيان بالفاحشة، وذلك قبل أن يتقرر حد الزنا المعروف- وجعل للمرأة حريتها في اختيار من تعاشره ابتداءً أو استئنافاً، بكراً أم ثيباً مطلقةً أو متوفى عنها زوجها.
وجعل العشرة بالمعروف فريضة على الرجال -حتى في حالة كراهية الزوج لزوجته ما لم تصبح العشرة متعذرة- ونسم في هذه الحالة نسمة الرجاء في غيب الله وفي علم الله، كي لا يطاوع المرء انفعاله الأول، فيبت وشيجة الزوجية العزيزة.
فما يدريه أن هنالك خيراً فيما يكره، هو لا يدريه، خيراً مخبوءاً كامناً، لعله إن كظم انفعاله واستبقى زوجه سيلاقيه.
والإسلام الذي ينظر إلى البيت بوصفه سكناً وأمناً وسلاماً، وينظر إلى العلاقة بين الزوجين بوصفها مودةً ورحمةً وأنساً، ويقيم هذه الآصرة على الاختيار المطلق، كي تقوم على التجاوب والتعاطف والتحاب.. هو الإسلام ذاته الذي يقول للأزواج: «فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً»..
كي يستأني بعقدة الزوجية فلا تفصم لأول خاطر، وكي يستمسك بعقدة الزوجية فلا تنفك لأول نزوة، وكي يحفظ لهذه المؤسسة الإنسانية الكبرى جديتها فلا يجعلها عرضة لنزوة العاطفة المتقلبة، وحماقة الميل الطائر هنا وهناك..".
قال ابن كثير في تفسيره:
"وَقَوْلُهُ: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أَيْ: طيِّبُوا أَقْوَالَكُمْ لَهُنَّ، وحَسّنُوا أَفْعَالَكُمْ وَهَيْئَاتِكُمْ بِحَسَبِ قُدْرَتِكُمْ، كَمَا تُحِبُّ ذَلِكَ مِنْهَا، فَافْعَلْ أَنْتَ بِهَا مِثْلَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [الْبَقَرَةِ: 228] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُم لأهْلي".
وَكَانَ مِنْ أَخْلَاقِهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ جَمِيل العِشْرَة دَائِمُ البِشْرِ، يُداعِبُ أهلَه، ويَتَلَطَّفُ بِهِمْ، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته، ويُضاحِك نساءَه، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يُسَابِقُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ يَتَوَدَّدُ إِلَيْهَا بِذَلِكَ.
قَالَتْ: سَابَقَنِي رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَسَبَقْتُهُ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ أحملَ اللَّحْمَ، ثُمَّ سَابَقْتُهُ بَعْدَ مَا حملتُ اللحمَ فَسَبَقَنِي، فَقَالَ: "هذِهِ بتلْك".
وَيَجْتَمِعُ نِسَاؤُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَبِيتُ عِنْدَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَيَأْكُلُ مَعَهُنَّ الْعَشَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، ثُمَّ تَنْصَرِفُ كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى مَنْزِلِهَا.
وَكَانَ يَنَامُ مَعَ الْمَرْأَةِ مِنْ نِسَائِهِ فِي شِعَارٍ وَاحِدٍ، يَضَعُ عَنْ كَتِفَيْه الرِّداء وَيَنَامُ بِالْإِزَارِ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ يَدْخُلُ مَنْزِلَهُ يَسْمُر مَعَ أَهْلِهِ قَلِيلًا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، يُؤانسهم بِذَلِكَ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الْأَحْزَابِ: 21]..
وقال السعدي:
"وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما، فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها في ذلك الزمان والمكان، وهذا يتفاوت بتفاوت الأحوال.
{فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} أي: ينبغي لكم -أيها الأزواج- أن تمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهن، فإن في ذلك خيرًا كثيرًا، من ذلك امتثال أمر الله، وقبولُ وصيته التي فيها سعادة الدنيا والآخرة.
ومنها أن إجباره نفسَه -مع عدم محبته لها- فيه مجاهدة النفس، والتخلق بالأخلاق الجميلة.
وربما أن الكراهة تزول وتخلفها المحبة، كما هو الواقع في ذلك.
وربما رزق منها ولداً صالحاً نفع والديه في الدنيا والآخرة.
وهذا كله مع الإمكان في الإمساك وعدم المحذور.
فإن كان لا بد من الفراق، وليس للإمساك محل، فليس الإمساك بلازم.
وقد جاءت سُنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم- مليئة بالأحاديث والآثار تحثنا على حسن العشرة والمعاشرة للنساء, فاخترت منها أربعين حديثا صحيحاً ،علماً أني قد أفردت كتاباً بعنوان: "المائة النسائية" وشرحتها في المهذب في شرح "المائة النسائية" ذكرت أكثر من مئة موضوع من السنة النبوية حول النساء وعشرتهن وبيان طبيعتهن.
وأصل هذه الأربعين كتاب "الأربعون العطرة في حسن العشرة" جمع أبي عبدالرحمن حاتم بن محمد شلبي الدمياطي المصري" حفظه الله، وقد ساقها بإسنادها من عنده.. والكتاب يضيع بهذا السند الطويل جدا.. ولم يضع لأي حديث منها عنواناً خاصًّا به.. ولم يشرح كلمة واحدة منها.. فتغدو هذه الأربعين بالشكل الذي عملها قليلة الفائدة.
وأمَّا عملي في الكتاب:
1- قمت بإخراج هذه الأحاديث من مصادرها الرئيسة.
2- قمت بتخريج الحديث والحكم عليه باختصار.
3- ذكرت غريب الحديث.
4- ذكرت أهم ما يُرشد إليه الحديث.
5- ذكرت عنواناً لكل حديث.
أسأل الله تعالى أن ينفع به جامعه وقارئه وناشره والدَّال عليه في الدارين.
الباحث في القرآن والسُّنَّة:
علي بن نايف الشحود
شمال حمص المحررة
27 رجب 1436 هـ
الموافق 16 / 5 / 2015 م