بسم الله الرحمن الرحيم
المبحث العاشر:
مستقبل مدينة القدس ومقترحات حل القضية:
أولاً: الخطاب العربي وقضية القدس:
1. جامعة الدول العربية وقضية القدس:
أ. تعددت قرارات جامعة الدول العربية بشأن قضية القدس، وإذا كانت القمة العربية بدأت تجتمع بشكل متكرر، منذ عام 1964، وتدرس قضية القدس، ضمن المشاكل والقضايا المعروضة عليها، إلا أن قرارات مجلس الجامعة تضمنت القرار الرقم 201، الصادر، في 8 أبريل 1950، بضرورة الإبقاء على الحالة الديموجرافية لمدينة القدس كما كانت عليه في 29 نوفمبر 1948.
كذلك صدر القرار الرقم 202، في عام 1950، للحفاظ على نسبة ملكية الأراضي في مدينة القدس بين عناصر السكان العرب واليهود، كما كانت عليها في نوفمبر 1948.
وأيضاً صدر القرار الرقم 304، في العام نفسه، بوجوب المحافظة على الأوقاف المرصودة لخدمة المؤسسات الدينية والخيرية والثقافية القائمة في مدينة القدس.
وفي عام 1952، صدر القرار الرقم 467 لحث الدول العربية على معارضة نقل وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى القدس.
ب. أصدر مجلس الجامعة العربية قراره الرقم 707، لعام 1954، بتشكيل لجنة إعمار المسجد الأقصى والصخرة المشرفة ، وفي 17 نوفمبر 1957، صدر القرار الرقم 1390، الذي يؤكد مساهمة الدول أعضاء الجامعة العربية في نفقات الإعمار، ودعوة الدول الإسلامية للمساهمة فيها.
وفي 29 أبريل 1992، أصدر مجلس الجامعة قراره الرقم 5166، لدعم الأوقاف الإسلامية في مدينة القدس، وإعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة.

ولذلك شكلت لجنة تضم أعضاء من:
الأردن، وتونس، والمملكة العربية السعودية، والسودان، وفلسطين، ومصر، والمغرب، بهدف دراسة وإقرار المشروعات التي ستعرضها الجهات الأردنية المختصة، بشأن ترميم وصيانة المعالم الدينية داخل الحرم القدسي، وكذلك إعداد موازنة متكاملة لتمويل المشروعات المقررة.
ج. في 13 سبتمبر 1992، أصدر مجلس الجامعة العربية قراره الرقم 5216، والخاص بتقديم الدعم المالي الفوري لمدينة القدس، وإنشاء صندوق خاص لهذا الغرض، تسهم فيه الحكومات والقطاعات الشعبية العربية، لتمكين المواطنين الفلسطينيين من الحفاظ على ممتلكاتهم وأراضيهم، ومنع سلطات الاحتلال من المزيد من المصادرة والاستيلاء على هذه الممتلكات.
كذلك تضمن القرار إنشاء لجنة وزارية للتحرك السياسي وشرح الموقف العربي تجاه مدينة القدس.
وفي مارس 1994، أكد مجلس الجامعة العربية، في دورته العادية، عروبة القدس، ورفضه جميع المحاولات، التي استهدفت هويتها الإسلامية.
وفي 6 مايو 1996، وخلال جلسة طارئة لوزراء الخارجية العرب، أدان مجلس الجامعة قرار الحكومة الإسرائيلية، الخاص بمصادرة الأراضي العربية في القدس الشرقية وخارجها. وطالبت جامعة الدول العربية مجلس الأمن بعدم الاعتراف بالقرارات الإسرائيلية.
د. أدانت جامعة الدول العربية قرار مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والداعي إلى نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، حيث أعلن مجلس الجامعة في بيانه الصادر في 25 أكتوبر 1995 أن القرار الأمريكي يعد إخلالاً بالمواقف الأمريكية الرسمية المتعاقبة والرافضة للقرار الإسرائيلي منذ عام 1967.
وعندما أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن بنائها، مستوطنة في جبل أبي غنيم جنوب القدس، إضافة إلى إصرارها على استمرار فتح النفق الموجود في محيط الحرم الشريف ومنع الفلسطينيين من الدخول إلى مدينة القدس الشريف، طالبت الجامعة العربية في بيانها الصادر في فبراير 1997 كلاً من: مجلس الأمن، وراعيي السلام، سرعة التحرك ومواجهة عمليات الاستيطان الإسرائيلية، وخاصة في مدينة القدس.

هـ. كان هناك ارتباط وثيق بين القرارات، التي كان يتخذها مجلس الجامعة، وقرارات القمم العربية، والتي بدأت تشكل ظاهرة متكررة منذ بداية عام 1964:
(1) أكد مؤتمر القمة الأول، الذي عُقد بالقاهرة، خلال الفترة من 13-16 يناير 1964، ضرورة إنشاء كيان فلسطيني، يجمع إرادة شعب فلسطين، ويقيم هيئة تطالب بحقوقه. ولقد تحقق الكثير من قرارات مؤتمر القمة العربي الأول، وكان أهمها انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في القدس، في 28 مارس 1964، والذي قرر إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية.
(2) وفي مؤتمر القمة العربي الثاني، الذي عُقد في الإسكندرية، خلال الفترة من 5-11 سبتمبر 1964، حدد الهدف القومي في تحرير فلسطين من الاستعمار الصهيوني، والالتزام بخطة العمل العربي المشترك.
(3) وفي مؤتمر القمة الثالث بالدار البيضاء، خلال الفترة من 13-18 سبتمبر 1965، أقرت الخطة الموحدة للدفاع عن القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة.
(4) وخلال مؤتمر القمة العربي الرابع، الذي عُقد بالخرطوم، خلال الفترة من 29 أغسطس إلى أول سبتمبر 1967، إثر الهزيمة العربية، اتفق القادة والملوك والرؤساء العرب على توحيد جهودهم لإزالة آثار العدوان، وتحقيق انسحاب القوات الإسرائيلية من جميع الأراضي التي احتلتها، بعد الخامس من يونيه 1967.
وذلك في إطار المبادئ التي تلتزم بها الدول العربية، والمتمثلة في عدم الصلح مع إسرائيل، أو الاعتراف بها، وعدم التفاوض معها، والتمسك بحق الشعب الفلسطيني في وطنه.
(5) بعد مرحلة من التعثر العربي، الناتجة عن الخلافات البينية العربية، عقد مؤتمر القمة العربية الخامس في الرباط، خلال الفترة من 16-23 ديسمبر 1969، حيث طالب المؤتمر دعم الثورة الفلسطينية بكل الطاقات العربية، وكذلك دعم الصمود العربي في الأراضي المحتلة مادياً ومعنوياً، إلا أن الخلافات العربية كان لها دور أساسي في عدم صدور بيان ختامي للمؤتمر.
(6) وخلال الفترة من 22-25 سبتمبر 1970، عُقد مؤتمر القمة العربية الاستثنائي، لبحث الوضع المتفجر بين قوات المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني، وخُصص هذا المؤتمر لإنهاء النزاع الأردني ـ الفلسطيني، وتحقيق المصالح المؤقتة.
(7) وبعد ذلك، توقفت القمم العربية قرابة أربع سنوات متعاقبة، حيث عُقدت القمة السادسة في مدينة الجزائر، خلال الفترة من 26-28 نوفمبر 1973، لتقويم نتائج حرب أكتوبر من الجانب السياسي.
(8) عُقد مؤتمر القمة العربية السابع في الرباط، خلال الفترة من 26-30 أكتوبر 1974، والذي أكد أن منظمة التحرير الفلسطينية، هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
كما خصص دعماً مالياً، سنوياً، قُدر بحوالي 2.3 مليون دولار، لدول المواجهة ومنظمة التحرير الفلسطينية. وأكد المؤتمر أن الهدف المرحلي للعمل العربي، هو التزام جميع الدول العربية بالحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية، ولا يجوز لأي طرف عربي قبول أي محاولة لتحقيق أي تسوية سياسية جزئية، انطلاقاً من قومية القضية ووحدتها.
(9) عٌقد مؤتمر القمة الثامن بالقاهرة، خلال الفترة من 25-26 أكتوبر 1976، بعد تفاقم الخلافات العربية، وتوقيع مصر اتفاقية فصل القوات الثانية في سيناء عام 1975، وتفجر الحرب الأهلية في لبنان، وتدخل المقاومة الفلسطينية الموجودة في الأراضي اللبنانية في هذا الصراع، وخلال هذا المؤتمر، شكلت قوات ردع عربية تحملت سورية أعباءها.
(10) وخلال الفترة من 2-5 نوفمبر 1978، عُقد مؤتمر القمة العربي التاسع ببغداد، إثر توقيع الرئيس محمد أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد. ولقد أكد المؤتمر ضرورة الالتزام بمقررات مؤتمرات القمة العربية السابقة، وخاصة المؤتمرين السادس والسابع، والتي حددت الهدف المرحلي العربي المتمثل في تحرير جميع الأراضي العربية المحتلة وتحرير مدينة القدس، وعدم القبول بأي وضع من شأنه المساس بسيادة العرب الكاملة على المدينة، وأن قضية فلسطين هي قضية العرب جميعاً.
كما أكد المؤتمر عدم قبوله اتفاقيتي كامب ديفيد، وكذلك رفض كل ما يترتب عليهما من آثار سياسية واقتصادية وقانونية.
وكان نتيجة لإصرار مصر على توقيع اتفاقيتي كامب ديفيد، أن قرر وزراء الخارجية العرب تطبيق قوانين المقاطعة على الشركات والمؤسسات والأفراد المصريين، الذين سيتعاملون مع إسرائيل بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
(11) في مدينة تونس، عقد مؤتمر القمة العاشر، خلال الفترة من 20-22 نوفمبر 1979.
ولقد أدان المؤتمر، للمرة الأولى، السياسة الأمريكية المؤيدة لإسرائيل، كما أكد أن الوجود الإسرائيلي في الأراضي العربية هو جوهر الصراع، وأن الأمة العربية معنية وملتزمة بالنضال من أجل القضية الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة الأخرى.
(12) وفي عمان، عقد مؤتمر القمة الحادي عشر، خلال الفترة من 25-27 نوفمبر 1980، حيث تقرر خلالها قطع جميع العلاقات مع أي دولة تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أو تنقل سفارتها إليها، كما تقرر إنشاء قيادة عسكرية عربية مشتركة، وكذلك دراسة إنشاء مؤسسة عربية للتصنيع الحربي.
(13) وخلال الفترة من 6-9 سبتمبر 1982، استؤنفت جلسات مؤتمر القمة العربية الثانية عشرة، والتي كانت قد عقدت جلسة واحدة يوم 25 نوفمبر 1981، وأشير من خلاله إلى مشروع الأمير فهد بن عبدالعزيز، ومشروع الرئيس الحبيب بورقيبة.
وخلال هذا المؤتمر، أقرت مبادئ عدة، منها: ضرورة انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها عام 1967، بما فيها القدس العربية، وكذلك إزالة جميع المستعمرات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي العربية بعد عام 1967، مع ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس
و. استمرت القمم العربية تدعم القضية الفلسطينية إلى أن كانت قمة القاهرة 1990، والتي عُقدت أساساً لمواجهة الغزو العراقي للكويت.
ومع الانتفاضة الفلسطينية في نهاية سبتمبر 2000، عُقدت قمة القاهرة 2000، والتي كانت دعماً للموقف الفلسطيني.
وخلالها تقرر عقد القمة العربية سنوياً.
ومن ثم، عُقدت القمة الدورية الأولى في عمان عام 2001، وخلالها صدر إعلان عمان، حيث طالب بمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين ونشر قوات حماية دولية.
كما أدان محاولات طمس هوية مدينة القدس، حيث أكد القادة والزعماء العرب تمسكهم بقرارات مجلس الأمن المتعلقة بمدينة القدس الشريف، والتي تؤكد بطلان جميع الإجراءات التي اتخذتها وتتخذها إسرائيل لتغيير معالم المدينة.
وطالبت دول العالم بعدم نقل سفاراتها إلى القدس، وجددوا موقفهم من قطع جميع العلاقات مع الدول التي تنقل سفاراتها إلى القدس، أو تعترف بها عاصمة لإسرائيل.
ز. في إطار التناقضات الإقليمية والدولية وتزايد التوتر في الشرق الأوسط، عُقدت القمة العربية الدورية الثانية في دورتها الرابعة عشرة العادية عام 2002.
وأعلن القادة العرب، خلالها، إدانتهم للحرب التدميرية الشاملة التي تشنها القوات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية.
ولقد أكد القادة العرب استمرار تمسكهم بقرارات مجلس الأمن المتعلقة بمدينة القدس، وخاصة القرارات الأرقام 252/1968، و267/1969، و465/1980، و478/1980، والتي تؤكد بطلان الإجراءات الإسرائيلية لتغيير معالم المدينة.
كما أعلن القادة العرب عن موافقتهم لمبادرة السلام العربية القائمة على أساس السلام العادل والشامل، كخيار إستراتيجي للدول العربية، ويستوجب التزاماً مقابلاً تؤكده إسرائيل.
وطالبت المبادرة في شكلها النهائي إسرائيل، بإعادة النظر في سياستها التوسعية وأن تجنح للسلم.
كما طالبت بانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة.
وأوضحت المبادرة السلمية أنه عند تحقيق المطالب العربية العادلة، فإنه يمكنهم اعتبار انتهاء النزاع العربي ـ الإسرائيلي، إلا أن الموقف الإسرائيلي الرافض لهذه المبادرة يعد بداية لدخول الصراع مرحلة جديدة.

2. المملكة العربية السعودية وقضية القدس:
تعددت جهود المملكة العربية السعودية، بشأن قضية القدس، سواء كان في الإطار الإقليمي أو الدولي، كذلك قدمت المملكة الدعم المادي والمعنوي لدول المواجهة مع إسرائيل في مراحل صراعها المختلفة، وكذلك قدمت الدعم للجانب الفلسطيني.
ويتمثل الموقف السعودي، حيال القضية الفلسطينية بصفة عامة، وقضية القدس بصفة خاصة، في إعلان المبادئ الثمانية المقترحة كأساس لحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وهي المبادئ التي عرضها الأمير فهد بن عبدالعزيز في 9 أغسطس 1981، والتي عُرفت بمشروع الأمير فهد، والتي تمثلت في الآتي:
أ. انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967، بما فيها القدس العربية.
ب. إزالة المستعمرات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي العربية بعد عام 1967.
ج. ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة.
د. تأكيد حق الشعب الفلسطيني وتعويض من لا يرغب في العودة.
هـ. تخضع الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية، تحت إشراف الأمم المتحدة، ولمدة لا تزيد على بضعة أشهر.
و. قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس.
ز. تأكيد حق دول المنطقة بالعيش بسلام.
ح. تقوم الأمم المتحدة أو بعض الدول الأعضاء فيها بضمان تنفيذ هذه المبادئ.
ولقد استمرت جهود المملكة العربية السعودية، لإظهار المخططات الإسرائيلية الداعية إلى إغفال الحق العربي في المدينة المقدسة، حيث نددت دائماً بالمشروعات الرامية إلى تهويد القدس وزيادة الاستيطان بها.
كما قدمت المملكة حوالي ثلاثين مليون دولار أمريكي، لإنشاء مساكن للفلسطينيين بالقدس.
كما كان هناك مواقف حاسمة وحازمة للمملكة العربية السعودية، تجاه المذابح الإسرائيلية التي ارتكبتها في القدس، والتي أعقبت عملية فتح النفق تحت أساسات المسجد الأقصى.
وطالبت المملكة مجلس الأمن والمجتمع الدولي، بالعمل على إنهاء الأعمال الإسرائيلية غير الشرعية الموجهة ضد المسجد الأقصى.
لم تتوقف جهود المملكة العربية السعودية على الدعم الفلسطيني فقط، بل قدم الأمير فهد بن عبدالعزيز مشروع فهد للسلام في 7 أغسطس 1981، وتضمن المشروع مبادئ حل قضية القدس، وتمثلت في الآتي:
أ. انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967 بما فيها القدس العربية.
ب. ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة.
ج. قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
قبل عقد القمة العربية ببيروت في مارس 2002، أعلن ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير عبدالله بن عبدالعزيز مبادرة سلام، في مقابلة صحفية، أجراها الصحفي الأمريكي توماس فريدمان.
ولقد طُرحت هذه المبادرة من منطلق استمرار المملكة العربية السعودية المحرك الأساسي لجهود التسوية للصراع العربي ـ الإسرائيلي، ودعمها لجميع المبادرات التي طُرحت، إلا أن هذه المبادرة تندرج في إطار جهود عربية متواصلة لإثبات أن خيار السلام هو الخيار الإستراتيجي العربي، ولقد تضمنت المبادرة المبادئ الآتية:
أ. انسحاب إسرائيل من المناطق التي احتلتها عام 1967، وهي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس والجولان.
ب. الانسحاب مقابل التطبيع الكامل والشامل.
ج. الدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
مما سبق، يتضح أن تزامن طرح المبادرات السعودية، كان في إطار نشوب حروب إقليمية في المنطقة.
وإن المبادرة السعودية الأولى للأمير فهد، والمبادرة السعودية الثانية للأمير عبدالله، كانتا بهدف استعادة الحقوق العربية بصفة عامة، والأراضي المحتلة بصفة خاصة، ومنها القدس الشريف.
وكان ذلك، اتساقاً مع السياسة السعودية تجاه الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
وإذا كان مؤتمر القمة العربية في فاس، والذي عُقد في 25 نوفمبر 1981، لم يعتمد مشروع الأمير فهد، بل أرجأ ذلك حتى لا يؤدي إلى انقسامات داخل المؤتمر، حيث عارضت كل من: سورية، والعراق، وليبيا هذا المشروع، إلا أن الموقف العربي من مبادرة الأمير عبدالله عام 2002، قد أيدته الدول العربية كافة، ونوقش في مؤتمر قمة بيروت 2002، بل أعلن كمبادرة عربية للسلام.
وعلى الرغم من الموقف العربي من هذه المبادرة والتأييد الكامل لها، إلا أن الموقف الإسرائيلي كان له توجهات، تبنى التوجه الأول الأحزاب المعارضة والتي أيدت هذه المبادرة نظراً إلى أن الدولة التي قدمتها لها وزنها السياسي والاقتصادي والعقائدي في المنطقة، ما يمنحها ثقلاً عربياً وإقليمياً ودولياً، أما التوجه الثاني المعارض لهذه المبادرة فكان الأقوى والأكبر قدرة على حسم مصير هذه المبادرة والذي يتمثل في حكومة شارون وجميع الأحزاب اليمينية والأحزاب الدينية المتطرفة، التي أعلنت رفضها الانسحاب إلى حدود 1967، وكذلك رفض إعادة فصل الجزء الشرقي من القدس، واستمرار التمسك بأن القدس ستظل موحدة وعاصمة لإسرائيل.

3. الجهود المصرية وقضية القدس:
تعددت المبادرات المصرية الهادفة إلى تحقيق السلام في الشرق الأوسط وإنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي، فكان هناك مبادرة السادات الأولى في 4 فبراير 1971، والتي أكدت على إمكانية تحقيق السلام في المنطقة بعد استعادة الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967.
وفي 16 أكتوبر 1973، أعلن الرئيس أنور السادات مبادرته الثانية والتي تمسك خلالها بضرورة استعادة واحترام الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة الأرقام 242، 338.
وفي 20 نوفمبر 1977، وأثناء قيام السادات بزيارته للقدس، طالب بالانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، كما تضمن إطار السلام بين مصر وإسرائيل، والموَقَّع في 17 سبتمبر 1978 بكامب ديفيد، ضرورة انسحاب إسرائيل الكامل من الضفة الغربية وقطاع غزة.
وفي أول مارس 1985، طرح الرئيس حسني مبارك مبادرته للسلام، والتي طالب خلالها بعقد اجتماع أردني ـ فلسطيني ـ إسرائيلي في القاهرة أو واشنطن، للتفاوض حول تحقيق السلام، مع عقد مؤتمر دولي لإضفاء شرعية دولية على أي اتفاق محتمل تشترك فيه الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن.
وفي 6 يونيه 1990، طرح الرئيس حسني مبارك خطة للسلام ذات نقاط عشر، تركزت أساساً على ضرورة تنفيذ قراري مجلس الأمن رقمي 242 و338، والسماح لسكان القدس الشرقية بالمشاركة في أي عمليات انتخابية، على أن تقبل إسرائيل نتائج هذه الانتخابات.
يتجسد الموقف المصري ـ الشعبي والرسمي، تجاه قضية القدس، في الخطاب السياسي، الذي أعلن، منذ اقتحام شارون للحرم القدسي الشريف في 28 سبتمبر 2000، وما أعقب ذلك من تداعيات.
ولقد واكب الخطاب السياسي المصري مختلف التطورات، حيث تحددت المواقف الأساسية للرؤية المصرية، تجاه قضية القدس، خلال الخطاب السياسي الذي ألقاه الرئيس حسني مبارك أمام مجلسي الشعب والشورى في 17 ديسمبر 2000، حيث كشف الخطاب مخطط عملية اقتحام الحرم القدسي، بوصفها مناورة لتهرب إسرائيل من مسؤولياتها، بشأن تنفيذ اتفاقيات التسوية، ومحاولة ترويج مقترحات وأفكار، تهدف سلب عروبة القدس، وتتمثل أبعاد الخطاب السياسي المصري تجاه مدينة القدس في الآتي:
أ. السيادة الفلسطينية على القدس الشرقية بكاملها.
ب. السيادة الفلسطينية على القدس القديمة داخل الأسوار بجميع مقدساتها وأحيائها عدا الحي اليهودي، ورفض أي سيادة مشتركة أو جزئية على المسجد الأقصى وقبة الصخرة ومسجد عمر بن الخطاب وقبة المعراج وحائط البراق وساحة المسجد الأقصى وكنيسة القيامة ومهد المسيح وأديرة إبراهيم والروم الأرثوذكس ويوحنا المعمدان والعذراء وكنيستي المخلص والعذراء، وبذلك يعود الحي الأرمني في القدس القديمة إلى السيادة الفلسطينية.
ج. تكون القدس بحدودها الحالية وبشطريها الشرقي والغربي مدينة مفتوحة، ويكون لسكانها وزوارها حق التنقل بين مزاراتها، كما تتكامل خدماتها البلدية دون المساس بالسيادة الفلسطينية على القدس الشرقية وحق الدولة الفلسطينية في اتخاذها عاصمة لها.
د. تأمين حرية وصول اليهود إلى حائط البراق من باب المغاربة أو باب الخليل أو كليهما معاً، مع احتفاظ الفلسطينيين بجميع أوجه السيادة.
هـ. قبول فتح السفارات الأجنبية في شطري المدينة بعد إبرام اتفاق التسوية النهائية في فلسطين.
من سياق الخطاب السياسي المصري بشأن القدس، يتضح حرص مصر على السيادة الفلسطينية على القدس الشرقية والحرم القدسي الشريف، كما تتضح المسؤولية التي حملتها مصر للعالم العربي والإسلامي باعتبار أن قضية القدس ليست قضية فلسطينية فحسب ولكنها قضية عربية إسلامية، كما رفضت مصر دوماً عمليات الحفر تحت الحرم، حيث استنكر الخطاب السياسي المصري دعاوى إسرائيل بشأن البحث عن هيكل سليمان تحت المسجد الأقصى، حيث يؤكد العلماء المسلمون والعرب أن الهيكل قد بُني بعد بناء الحرم، فكيف إذاً يكون الهيكل تحت الحرم، كما رفض الخطاب المصري ما كان يُعلن عن السيادة تحت الأرض لطرف وفوق الأرض لطرف آخر، كذلك ترفض المطالبة بالسيادة الإلهية لأنها تزيد القضية تعقيداً، وخاصة أن السيادة الإلهية لله سبحانه وتعالى على الكون كله وغير مقبول قصرها على القدس فقط.

4. الموقف الفلسطيني:
أ. الموقف الرسمي:
يعاني الشعب الفلسطيني الاحتلال الاستيطاني، وهو أسوأ أنواع الاحتلال، ولكنه مستمر في المقاومة، السلبية والإيجابية، لقوات الاحتلال.
غير أنها مقاومة، لا يمكنها، وحدها، تحرير الأراضي الفلسطينية، وفي مقدمتها القدس.
وكانت قمة العمل البطولي الفلسطيني، عبر الانتفاضة الفلسطينية، التي أجبرت الإسرائيليين على الإسراع في البحث عن مخرج لفشلهم في قمع الانتفاضة، التي استقطبت إعجاب العالم.
ارتكز الموقف الفلسطيني على مقررات المجلس الوطني الفلسطيني، عام 1988، والقاضي بإقامة الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشرقية، وهو الموقف الفلسطيني المعلن، حتى الآن.
شكلت اتفاقيات مدريد وأوسلو منعطفاً رئيسياً، بالنسبة إلى قضية القدس.
وقد أصدر الجانب الأمريكي، في هذا السياق، ما أُطلق عليه "رسالة التطمينات" إلى الجانب الفلسطيني (اُنظر ملحق رسالة التطمينات الأمريكية إلى الفلسطينيين).
واتفق الجانبان على إرجاء مناقشة وضع القدس إلى ما بعد المرحلة الانتقالية، أي إلى المرحلة النهائية.
وقد عارض ذلك التأجيل عدد من المفكرين الفلسطينيين والعرب، من منظور أنها خدعة إسرائيلية، لتأجيل هذه المناقشة أطول فترة ممكنة، حتى يمكن إسرائيل الإسراع في فرض الأمر الواقع في المدينة.
وعلى الجانب الآخر، ينبغي ألاّ يُنظر إلى التأجيل على أنه تفريط من السلطة الوطنية الفلسطينية، فالمفاوضات كانت عسيرة، وكان المطلوب، في تلك المرحلة، مجرد موطئ قدم في فلسطين، ليبدأ الفلسطينيون منه رحلة الألف ميل.
من هنا، كانت الرؤية إلى الحل الوسط، وهي رؤية عميقة جداً، لو أُحسن التخطيط لها.
وعلى الرغم من الموقف الإسرائيلي المتعنت، الذي يقابله موقف رسمي فلسطيني معلن، كما ذكرنا، فهناك اتجاهات قوية داخل السلطة الفلسطينية، تشير إلى إمكانية الموافقة على إقامة العاصمة الفلسطينية في القدس الشرقية، في إطار القدس الموحدة، أو المفتوحة، على أن تكون عاصمة لدولتَي إسرائيل وفلسطين، من خلال ترتيبات يُتفق عليها.

وفي هذا السياق، تُشير الرؤية الحالية للسلطة الوطنية إلى إبراز الثوابت الآتية:
(1) رفض تدويل القدس.
(2) رفض إقامة مدينة جديدة، يطلق عليها القدس، لتكون عاصمة لفلسطين.
وحرصاً من السلطة الوطنية على عدم إتاحة الفرصة لإسرائيل، لدق أسفين في العلاقات الأردنية ـ الفلسطينية، بعد الاتفاق الإسرائيلي ـ الأردني، على وضع الأماكن المقدسة تحت الإشراف الأردني.
فمع أن السلطة الوطنية، لا توافق على هذا الاتفاق، إلاّ أنها جمّدت إثارة خلافٍ حوله، في الوقت الحالي، حفاظاً على علاقتها الإستراتيجية المهمة بالأردن، وحتى لا تُمَكِّن إسرائيل من تحقيق هدفها.
تلك هي المواقف الرسمية المعلنة، وغير المعلنة، للسلطة الوطنية الفلسطينية.
غير أن هناك أفكاراً أخرى، غير رسمية لبعض المفكرين الفلسطينيين، الذين يمكن تصنيفهم في جانبين متكاملين وليسا متضادين: وهما الجانب المتطرف، الذي يطالب بكل شيء، والجانب الواقعي، الذي يطالب بالحد الأقصى الممكن.

ب. مقترحات غير رسمية:
(1) رؤية السيد فيصل الحسيني:
"إذا كنا نسعى إلى حل مشكلة القدس، علينا إلغاء التقسيم، والبدء في البحث عن حل.
والحل الصحيح هو مدينة مفتوحة، يشعر كلا الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، أنها عاصمة له، عاصمة تعاون، بدلاً من أن تكون عاصمة إسرائيلية معزولة".
وتشكل هذه الرؤية تناولاً واقعياً للمشكلة من منظور المعايشة.
كما تكتسب أهميتها من كون السيد فيصل الحسيني، أحد العناصر الفلسطينية المعتدلة والمقبولة دولياً، ومن ثم، فهو يتمتع بالمصداقية، لكونه يشغل، كذلك، منصب المسؤول عن ملف القدس في السلطة الوطنية الفلسطينية، فضلاً عن أنه مقدسيٌّ.
ويعد رأي السيد فيصل الحسيني رأياً جريئاً، إلى حدّ ما، وربما يوافق بعض الآراء، على الجانب الآخر.

(2) رؤية الدكتور أحمد صدقي الدجاني:
تتميز رؤية الدجاني بأنها رؤية شاملة، تتناول القدس، في إطار القضية الفلسطينية، من خلال ما يشير إليه من حل ديموقراطي، بديل من الحل العنصري، إذ يرى: "أن القدس عاصمة فلسطينية، لفلسطين التي هي وطن لشعبها العربي الفلسطيني، أحد شعوب الأمة العربية.
وأن ما يهددها، يهدد الوطن العربي كله. وهي قضية وطن وأرض، وقضية تحرير.
وفلسطين وطن واحد لشعب واحد، فيه مسلمون ونصارى ويهود.
ولم تكن قط وطناً لشعبين، فاليهودية دين، وليست قومية، بينما الصهيونية مركز استعمار استيطاني عنصري.
فإذا كان الغزو الصهيوني، العنصري الاستعماري، قد بدأ بالتسلل، فالتغلغل، فالاحتلال، فالضم، فالاغتصاب، وصولاً إلى التهويد، فإن التحرير يبدأ بصمود الشعب الفلسطيني، فممارسة مقاومة الاحتلال، فتصعيد هذه المقاومة بروح الفداء، وصولاً إلى الحل الديموقراطي، الذي هو بديل الحل العنصري الصهيوني.
ومن ثم، فإن علينا أن نستذكر آلية التحرير، كما استذكرنا آلية التهويد".
ويكتسب هذا الرأي أهميته من كون د. الدجاني، يشغل منصب رئيس المجلس الأعلى للتربية والثقافة والعلوم، الفلسطيني، كما أنه أحد المفكرين الفلسطينيين المثقفين.

منقول من:
المبحث العاشر Mokate17
يتبع إن شاء الله...