منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 شرح الحديث رقم (39)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

شرح الحديث رقم (39) Empty
مُساهمةموضوع: شرح الحديث رقم (39)   شرح الحديث رقم (39) Emptyالجمعة 01 يوليو 2011, 9:57 pm

ح39: حديث ابن عباس: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان...) ج هق
------------------------------

شرح الحديث رقم (39) Dhq3hz11

39- عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُما, أَنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي: الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)).
حديثٌ حسَنٌ رواه ابنُ ماجَه والبيهقيُّ وغيرُهما.
-------------------------------
شرح فضيلة الشيخ : محمد حياة السندي.
-------------------------------
(1) الشرح :

(عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عنهُمَا، أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ): ((إنَّ اللهَ)) الَّذِي أَعْطَانِي مَا لَمْ يُعْطِ أَحَدًا غَيْرِي مِن الكَرَامَاتِ ((تَجَاوَزَ)) تَشْرِيفًا لي ((عَنْ أُمَّتِي)) التي أَجَابَتْنِي بالإيمانِ ((الخَطَأَ))وهُوَ: أَنْ يَقْصِدَ بِفِعْلِهِ شَيئًا فَيُصَادِفَ غَيْرَ مَا قَصَدَ.
((وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)) أَيْ: مَا فَعَلُوهُ مِنَ السيِّئَاتِ خَطَأً أو نِسْيَانًا أَوْ إِكْرَاهًا مُعْتَبَرًا شَرْعًا، فَلاَ يُؤَاخِذُهُم بِهِ يومَ القيامةِ، تَفَضُّلاً مِنْهُ وَتَكَرُّمًا وَإِجْلاَلاً، لِحَبِيبِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
-----------------------------
المنن الربانية لفضيلة الشيخ:
سعد بن سعيد الحجري

-----------------------------
الحديثُ التاسعُ وَالثلاثونَ

عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)) حديثٌ حسَنٌ.

موضوعُ الحديثِ : موانعُ التَّكليفِ

المفرداتُ: (1) ((إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ)): أيْ عَفَا وَرَفَعَ وَلمْ يُؤَاخِذْ، وَالمُرَادُ أَنَّهُ غَفَرَ لهم وَعَفَا عَنْهُمْ. وَهذا مِنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ وَمَنِّهِ؛ لِعِلْمِهِ بِضَعْفِهِمْ وَحَاجَتِهِمْ وَنَقْصِهِمْ.

((لِي)): أيْ لأَجْلِي وَتَعْظِيمِ أَمْرِي وَرِفْعَةِ قَدْرِي، وَقدْ قَالَ تَعَالَى:{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4].

وَمِنْ رِفْعَةِ قَدْرِهِ الشفاعةُ العُظْمَى، وَهوَ أَوَّلُ مَنْ يُفْتَحُ لهُ بابُ الجنَّةِ، وَأُعْطِيَ خَمْساً لمْ يُعْطَهُنَّ غَيْرُهُ، وَصَلَّى بالأنبياءِ، وَعُرِجَ بهِ إِلى مكانٍ لمْ يَصِلْ إِليهِ مخلوقٌ غيرُهُ، وَخَصَائِصُهُ كَثِيرَةٌ.

(2) ((أُمَّتِي)) الأُمَّةُ؛ أي: الجماعةُ، وَهم جماعةُ الإِجابةِ الذينَ سَمِعُوا الأمرَ فَقَامُوا بهِ، وَتَرَكُوا النَّهْيَ وَحَذِرُوا مِنْهُ وَاتَّبَعُوا الصِّرَاطَ المستقيمَ، وَكانَ لهم في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.

وَأُمَّةُ الإِجابةِ أَفْضَلُ الأُمَمِ؛ إِذْ هيَ وَسَطٌ بينَ الأنبياءِ وَبينَ الأُمَمِ، وَهم عُدُولٌ، قَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة: 143].

(3) ((الخَطَأُ)): ضِدُّ العَمْدِ، وَهوَ أنْ يَفْعَلَ الشيءَ يَظُنُّ صَوَابَهُ فَيَتَبَيَّنُ ضِدُّ قَصْدِهِ، كَأَنْ يُرِيدَ قَتْلَ كَافِرٍ فَيَقْتُلَ مُسْلِماً، فهذا لا حَرَجَ لهُ عَلَيْهِ فيهِ، وَلكنْ يُؤَدِّي الدِّيَةَ وَالكَفَّارَةَ، وَرُفِعَ الحَرَجُ؛ لقولِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286].

قَالَ تَعَالَى: ((قَدْ فَعَلْتُ)).

وَمِن الخَطَأِ: قَتْلُ النفسِ المعصومةِ خَطَأً، فَلا يُقْتَلُ بذلكَ؛ لأنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ ذلكَ، وَلوْ قَصَدَ ذلكَ لكانَت النفسُ بالنَّفْسِ، وَكذلكَ مَن اجْتَهَدَ في القِبْلَةِ وَأَخْطَأَ لم يُعِدْ، وَمَنْ أَخْطَأَ في الصلاةِ لِجَهْلِهِ لَمْ يُعِدْ، وَحَدِيثُ المُسِيءِ، وَهوَ خَلاَّدُ بنُ رَافِعٍ الذي أَعَادَ الصلاةَ ثلاثَ مَرَّاتٍ، ثمَّ عَلَّمَهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفِيَّةَ الصلاةِ كَامِلَةً، وَلمْ يَأْمُرْهُ بإِعادةِ الصلواتِ المَاضِيَةِ.

(4) ((النِّسْيَانُ)): (النسيانُ) يُطْلَقُ على مَعْنَيَيْنِ:

الأوَّلُ: الذُّهُولُ عَن الشيءِ.

الثاني: التركُ للشيءِ.

والمرادُ بهِ هنا: الذُّهُولُ عَن الشيءِ، أيْ: غَفْلَةُ القلبِ، فهذا لا يُؤَاخَذُ بهِ؛ لأنَّهُ لا قَصْدَ فيهِ. وَمِنْ ذلكَ مَنْ نَسِيَ وَاجباً مِن الصلاةِ سَجَدَ للسَّهْوِ وَصَحَّتْ صَلاتُهُ، وَمَنْ نَسِيَ سُنَّةً فَصَلاتُهُ صَحيحةٌ، وَمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِياً في رمضانَ فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ، وَمَنْ نَسِيَ صلاةً فَلْيُصَلِّهَا مَتَى ذَكَرَهَا.

(5) ((ومَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)): الإِكراهُ: هوَ إِلْزَامُ الشخصِ بما لا يُرِيدُ، وَهوَ مِنْ مَوَانِعِ التكليفِ.

فمَنْ أُكْرِهَ على الكُفْرِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإِيمانِ فلا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمنْ أُكْرِهَ على تَرْكِ وَاجِبٍ فلا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيَقْضِي إِذا زَالَ الإِكراهُ.

وَمِنْ ذَلِكَ قِصَّةُ الحَجَّاجِ بنِ عِلاطٍ الذي قَدِمَ مَكَّةَ عَامَ خَيْبَرَ، وَقالَ لأهلِ مَكَّةَ: إِنَّ اليهودَ انْتَصَرُوا على الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَرَادَ بذلكَ أَخْذَ مَالِهِ فَأَخَذَ مَالَهُ كُلَّهُ، وَأَخْبَرَ العبَّاسَ بِنَصْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَلَبَ منهُ ألاَّ يُخْبِرَ بذلكَ إِلاَّ بَعْدَ عِدَّةِ أَيَّامٍ.

فَائِدَةٌ:

مَوانِعُ التَّكْلِيفِ ثلاثةٌ:

1- الجهلُ، وَضِدُّهُ العِلْمُ. وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ المُسِيءِ صَلاتَهُ.

2- النِّسْيَانُ، وَضِدُّهُ التَّذْكِيرُ وَالقصدُ. وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ: ((مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا)).

3- الإِكْرَاهُ، وَضِدُّهُ الاختيارُ، وَدَلِيلُهُ قولُ اللهِ تَعَالَى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل:106].

الفوائِدُ:

1- تَكْرِيمُ اللهِ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2- شَرَفُ الأُمَّةِ بشَرَفِ نَبِيِّهَا.
3- تَفْضِيلُ هذهِ الأُمَّةِ على غَيْرِهَا.
4- رَحْمَةُ اللهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ.
5- فَضْلُ أُمَّةِ الإِجابةِ.
6- رَفْعُ الحَرَجِ حالَ الخَطَأِ.
7- ضَعْفُ الإِنسانِ وَنَقْصُهُ.
8- لا عِصْمَةَ لِبَشَرٍ إِلاَّ الرُّسُلَ.
9- المُؤَاخَذَةُ في العملِ بالقصدِ.
10- عَفْوُ اللهِ تَعَالَى عَن الناسِ.
11- النِّسْيَانُ مِنْ صفاتِ الإِنسانِ.
12- النسيانُ مِنْ موانعِ التكليفِ.
13- عدمُ مُؤَاخَذَةِ المُكْرَهِ.
14- الإِكراهُ مَانِعٌ مِنْ موانعِ التكليفِ عندَ طُمَأْنِينَةِ القلبِ.
15- أهَمِّيَّةُ القلبِ في العملِ.
16- طَلاقُ المُكْرَهِ لا يَقَعُ.
------------------------
شرح فضيلة الشيخ:
ناضم سلطان المسباح

-------------------------
(1) مَنْزِلَةُ الحديثِ:

قالَ النَّوويُّ: (وهذا الحديثُ اشتملَ علَى فوائدَ وأمورٍ مهمَّةٍ، لو جُمعَتْ بلغَتْ مُصَنَّفًا لا يحتملُهُ هذا الكتابُ).

وقالَ ابنُ حجرٍ الهيتميُّ: (وهو عامُّ النَّفعِ؛ لوقوعِ الثَّلاثةِ في سائرِ أبوابِ الفقهِ، عظيمُ الوقعِ، يصلحُ أن يُسَمَّى نصفَ الشَّريعةِ؛ لأنَّ فعلَ الإنسانِ الشَّاملَ لقولِهِ:إمَّا أن يصدرَ عن قصدٍ واختيارٍ وهو العمدُ مع الذِّكْرِ اختيارًا.

أوْ لا عن قصدٍ واختيارٍ وهو الخطأُ أو النِّسيانُ أو الإكراهُ، وقد عُلِمَ مِن هذا الحديثِ صريحًا، أنَّ هذا القسمَ معفوٌّ عنه، ومفهومًا: أنَّ الأوَّلَ مؤاخَذٌ بهِ، فهو نصفُ الشَّريعةِ باعتبارِ منطوقِهِ، وكلُّهَا باعتبارِهِ مع مفهومِهِ).

فالحديثُ عظيمُ المنزلةِ كما بيَّنَ النَّوويُّ وابنُ حجرٍ؛ لأنَّهُ يؤصِّلُ قاعدةً عظيمةً يَعْتَمِدُ عليها الفقهاءُ في فَتاواهُمْ.

التَّجاوُزُ عن الخطأِ:

(2) قولُهُ عليهِ السَّلامُ: ((إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ))

- الخطأُ: ضدُّ العمدِ وهو ما لم يتعمَّدْ، مثلُ أن تقتلَ إنسانًا بفعلِكَ مِن غيرِ أن تَقْصِدَ قتلَهُ، فالمخطِئُ هو أن يقصدَ بفعلِهِ شيئًا فيصادفَ غيرَ ما قصدَ.

وممَّا يشهدُ مِن الذِّكرِ الحكيمِ للحديثِ قولُهُ جلَّ وعلا:
{لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}.
وقولُهُ سبحانَهُ: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}.

وقولُهُ عليهِ السَّلامُ: ((إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطأَ فَلَهُ أَجْرٌ)).

فهذهِ النُّصوصُ الكريمةُ تدلُّ علَى أنَّ اللهَ رفعَ الإثمَ والحرجَ والمؤاخذةَ في الآخرةِ عن المخطِئِ، وهذا مِن فضلِهِ ومَنِّهِ وكرمِهِ وعدلِهِ ولطفِهِ بهذه الأمَّةِ.

- رفعُ الحرجِ والإثمِ عن المخطِئِ لا يعني عدمَ ترتيبِ أحكامِ خطئِهِ، فمثلاً إذا قتلَ المسلمُ خطَأً هناك أحكامٌ تَترتَّبُ علَى قتلِهِ نصَّ عليها القرآنُ.

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}.

ولكنْ مِن حيثُ إثباتُ حكمٍ علَى المخطِئِ أو عدمُهُ، يجبُ النَّظرُ في المسألةِ والاطِّلاعُ علَى أدلَّتِهَا وفَهْمِ العلماءِ فيها، ثمَّ بعدَ ذلكَ يصدرُ الحكمُ؛ لأنَّ هناك أمورًا لا تترتَّبُ علَى المخطِئِ فيها أحكامٌ.

مثلُ: مَن شربَ خمرًا ظانًّا أنَّها شرابٌ غيرُ مسْكِرٍ، فهذا لا حدَّ عليهِ ولا تعزيرَ، إلَى غيرِهَا مِن المسائلِ الكثيرةِ الَّتِي علَى هذا المنوالِ.

وهناك أمورٌ تترتَّبُ عليها أحكامٌ:

مثلُ: ما ذكرْنَا في قتلِ الخطأِ.
ومثلُ: لو أتلفَ مالَ غيرِهِ بالخطأ فهو ضامنٌ لِمَا أتلفَ، إلَى غيرِهَا مِن المسائلِ الكثيرةِ.

التَّجاوزُ عن النَّاسِي:

- النِّسيانُ: ضدُّ الذِّكرِ والحفظِ، وهو أن يكونَ ذاكرًا لشيءٍ فينساهُ عندَ الفعلِ.
والنَّاسِي رفعَ اللهُ عنه كذلك الحرجَ والمؤاخذةَ والإثمَ.
وممَّا يشهدُ للحديثِ قولُهُ جلَّ وعلا:
{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}.
- رفعُ الإثمِ والحرجِ عن النَّاسِي لا ينافي أن يترتَّبَ
علَى النِّسيانِ حكمٌ، فمثلا مَن صلَّى دونَ وضوءٍ فلا بدَّ مِن الإعادةِ، ومَن تركَ الصَّلاةَ المكتوبةَ نسيانًا حتَّى خرجَ وقتُهَا فيجبُ عليهِ أن يصلِّيَهَا إذا ذكَرَ، وذلك لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَ لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلاَّ ذَلِكَ))، {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي}.

وهناك خِلافٌ بينَ العلماءِ في كثيرٍ مِن القضايا فيما يَترتَّبُ علَى النَّاسِي مِن أحكامٍ فمنهُمْ: مِن يثبُتُ عليهِ حكمٌ.
ومنهم: مِن لا يثبُتُ.
والفصلُ في هذا هو: الدَّليلُ، فإذا صحَّ الدَّليلُ في إثباتِ حكمٍ قلْنَا به، وإذا لم يوجَدْ توقَّفْنَا.

فمثلاً: مالكٌ رحمَهُ اللهُ يرَى أنَّ مَن أكَلَ ناسيًا في رمضانَ عليهِ الإعادةُ، ورسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَلاَ يُفْطِرْ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ رَزَقَهُ اللهُ))، فهنا نقولُ بأنَّهُ لا حكمَ علَى النَّاسِي، وصومُهُ صحيحٌ وذلك لثُبوتِ النَّصِّ، وإمامُ دارِ الهجرةِ مَعذورٌ في ذلك لأنَّهُ مُجتَهِدٌ وله أجرٌ علَى اجتهادِهِ، ولعلَّ الدَّليلَ لم يَصِلْ إليهِ.

التَّجاوزُ عن الْمُكْرَهِ:

يقالُ: أكرهتـُهُ علَى كذا، إذا حملتَهُ عليهِ قهرًا.
والكرهُ: المشقَّةُ.
والكرهُ: القهرُ.
وقيلَ: بالفتحِ الإكراهُ، وبالضمَّ: المشقَّةُ.
وقيلَ: لغتانِ.
وممَّا يَشهدُ للحديثِ مِن الذِّكرِ الحكيمِ قولُهُ تَعالَى: {مَنْ كَفَرَ بِاللهِ بَعْدَ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}.
هذه الآيَةُ نَزَلَتْ في عَمَّارِ بنِ ياسرٍ؛ لأنَّهُ قالَ كلمةً مُكْرَهًا، فنفَى اللهُ عنه الحرجَ والمؤاخذةَ والإِثمَ في ذلِكَ.

قالَ القرطبيُّ: (أجمعَ أهلُ العلمِ أنَّ مَن أُكْرِهَ علَى الكفرِ حتَّى خشيَ علَى نفسِهِ القتلَ، أنَّهُ لا إثمَ عليهِ إن كَفَرَ وقلبُهُ مطمئِنٌّ بالإيمانِ، ولا تَبِينُ منه زوجتُهُ ولا يُحكَمُ عليهِ بحكمِ الكفرِ، هذا قولُ مالكٍ والكوفيِّينَ والشَّافعيِّ).

وكذلكَ يشهدُ للحديثِ:{لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}.
قالَ ابنُ عبَّاسٍ: (وهو أن يَتكلـَّمَ بلسانِهِ وقلبُهُ مطمئنٌّ بالإيمانِ).
وقالَ القرطبيُّ: (وقيلَ: إنَّ المؤمنَ إذا كانَ قائمًا بين الكفَّارِ فله أن يداريَهُمْ باللسانِ إذا كانَ خائفًا علَى نفسِهِ وقلبُهُ مطمئنٌّ بالإيمانِ).
والتَّقيَةُ لا تحلُّ إلاَّ مع خوفِ القتلِ أو القطعِ أو الإيذاءِ العظيمِ.
فهذه النُّصوصُ مِن كتابِ ربِّنَا تنفي المؤاخذةَ والحرجَ علَى الْمُكْرَهِ بقولٍ أو فعلٍ.

- المكرَهُ الَّذي لا اختيارَ له بالكلِّيَّةِ ولا قدرةَ له علَى الامتناعِ.
مثلُ: مَن حُمِلَ كرهًا وأُدْخِلَ في مكانٍ حَلَفَ ألا يَدْخُلَهُ.
أو: أُضْجِعَتْ ثمَّ زُنِيَ بها مِن غيرِ قدرةٍ لَهَا علَى الامتناعِ، فهذا لا إثمَ ولا مُؤاخذةَ عليهِ بالاتِّفاقِ، ولا يَترتَّبُ عليهِ حِنْثٌ في يمينِهِ.

- المكرَهُ الذي هو مختارٌ مِن وجهٍ وغيرُ مختارٍ مِن وجهٍ آخرَ.
مثلُ:مَن أُكرِهَ بضربٍ أو غيرِهِ حتَّى فعلَ، فهذا الفعلُ يتعلَّقُ بهِ التَّكليفُ؛ لأنَّ بإمكانِهِ ألاَّ يفعلَ ولكنَّ غرضَهُ مِن الفعلِ دفعُ الضَّررِ عن نفسِهِ لا الفعلُ نفسُهُ.

في مثلِ هذه الحالةِ مِن الإكراهِ اختلفَتْ أنظارُ أهلِ العلمِ:
- الإكراهُ في الأفعالِ فيهِ تفصيلٌ:

فمثلاً: لو أكرِهَ زيدٌ مِن النَّاسِ علَى قتلِ عمرٍو مِن النَّاسِ، فلا يحلُّ له أن يقتلَهُ.

قالَ القرطبيُّ: (أجمعَ العلماءُ علَى أنَّ مَن أُكرِهَ علَى قتلِ غيرِهِ أنَّهُ لا يجوزُ له الإقدامُ علَى قتلِهِ، ولا انتهاكُ حرمتِهِ بجلدٍ أو غيرِهِ، ويصبرُ علَى البلاءِ الَّذِي نزلَ بهِ، ولا يحلُّ لهُ أن يفديَ نفسَهُ بغيرِهِ، ويسألُ اللهَ العافيَةَ في الدُّنيا والآخرةِ).

وجمهورُ أهلِ العلمِ يرَوْنَ أنَّهُمَا يشتركانِ في وجوبِ القَوَدِ: المكرَهُ والمكرِهُ؛ وذلك لاشتراكِهِما في القتلِ، وهذا ما ذهبَ إليهِ مالكٌ والشَّافعيُّ، وهو المشهورُ عن أحمدَ، ولو أُكْرِهَ علَى الزِّنا خلافٌ بينَ العلماءِ:
فمنهُمْ: مَن أجازَ لهُ الفعلَ:
ومنهُمْ: مَن حرَّمَ عليهِ ذلكَ، وقالُوا: لا يجوزُ له أن يقدِمَ علَى ذلك بأيِّ حالٍ مِن الأحوالِ، وهذا ما ذهبَ إليهِ الحنابلةُ.
وقالَ ابنُ العربيِّ: الصَّحيحُ أنَّهُ يجوزُ الإقدامُ علَى الزِّنا ولا حدَّ عليهِ خلافَ مَنْ ألزَمَهُ ذلك.

أمَّا الإكراهُ في غيرِ القتلِ والزِّنَا مِن محرَّماتِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
فقد ذهبَ جمهورُ الفقهاءِ إلَى إباحةِ ذلك للمكرَهِ، ولكنْ يَضمنُ ما يُتْلفُ مِن مالِ الغيرِ، ويقومُ بالأحكامِ المترتِّبَةِ علَى الفعلِ الَّذي قامَ بهِ إن وُجِدَتْ.

الإكراهُ في الأقوالِ:

ذَهَبَ جُمهورُ العلماءِ منهم: مالكٌ، والشَّافعيُّ، وأحمدُ، إلَى أنَّهُ يباحُ لمَن أُكْرِهَ علَى أيِّ قولٍ له أن يقولَهُ، ولا حرجَ ولا إثمَ عليهِ؛ لأنَّ اللهَ أجازَ التَّلفُّظَ بكلمةِ الكفرِ الَّتي هي أعظمُ ذنبٍ عُصِيَ اللهُ به، فمنْ بابٍ أولَى جوازُ قولِ ما دونَ الكفرِ.

والإكراهُ في الأقوالِ متصوَّرٌ في جميعِ الأقوالِ في العقودِ والأيمانِ والنُّذورِ وغيرِهَا.
--------------------------
جامع العلوم والحكم للحافظ:
عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي

-------------------------
(1) هذا الحديثُ خَرَّجَهُ ابنُ مَاجَهْ منْ طريقِ الأَوْزَاعِيِّ عنْ عطاءٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَخَرَّجَهُ ابنُ حِبَّانَ في (صَحِيحِهِ)، والدَّارَقُطْنِيُّ، وعندَهُمَا: عن الأَوْزَاعِيِّ، عنْ عطاءٍ، عنْ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وهذا إسنادٌ صحيحٌ في ظاهرِ الأمرِ، وَرُوَاتُهُ كُلُّهُم مُحْتَجٌّ بهم في (الصَّحِيحَيْنِ).
وقدْ خَرَّجَهُ الحَاكِمُ وقالَ: (صحيحٌ على شَرْطِهِمَا).
كذا قالَ، ولَكِنْ لهُ عِلَّةٌ.

وقدْ أَنْكَرَهُ الإِمامُ أحمدُ جِدًّا وقالَ: ليسَ يُرْوَى فيهِ إلا عن الحَسَنِ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلاً.

وقيلَ لأحمدَ: إنَّ الوليدَ بنَ مُسْلِمٍ رَوَى عنْ مالكٍ عنْ نافعٍ عن ابنِ عُمَرَ مِثْلَهُ، فَأَنْكَرَهُ أَيْضًا.

وذُكِرَ لأبي حاتمٍ الرَّازِيِّ حَدِيثُ الأَوْزَاعِيِّ وحديثُ مالكٍ، وقيلَ لهُ: إنَّ الوليدَ رَوَى أيضًا عن ابنِ لَهِيعَةَ عنْ موسَى بنِ وَرْدَانَ عنْ عُقْبَةَ بنِ عامرٍ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، فقالَ أبو حَاتِمٍ: هذهِ أحاديثُ مُنْكَرَةٌ، كَأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ، وقالَ: لمْ يَسْمَع الأَوْزَاعِيُّ هذا الحديثَ منْ عطاءٍ، وإنَّمَا سَمِعَهُ منْ رَجُلٍ لمْ يُسَمِّهِ، أَتَوَهَّمُ أنَّهُ عبدُ اللَّهِ بنُ عَامِرٍ، أوْ إسماعيلُ بنُ مُسْلِمٍ، قالَ: وَلا يَصِحُّ هذا الحديثُ، ولا يَثْبُتُ إِسْنَادُهُ.

قُلْتُ: وقدْ رُوِيَ عن الأَوْزَاعِيِّ عنْ عطاءٍ عنْ عُبيدِ بنِ عُمَيرٍ مُرْسَلاً منْ غيرِ ذِكْرِ ابنِ عَبَّاسٍ.
وَرَوى يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عن ابنِ جُرَيْجٍ قالَ: قالَ عطاءٌ: بَلَغَنِي أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُِمَّتِي عَنِ الْخَطَأِ، وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)). خَرَّجَهُ الجُوزَجَانِيُّ، وهذا المُرْسَلُ أَشْبَهُ.

وقدْ وَرَدَ منْ وجهٍ آخَرَ عن ابنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، رَوَاهُ مسلمُ بنُ خالدٍ الزِّنْجِيُّ عنْ سعيدٍ العَلافِ، عن ابنِ عَبَّاسٍ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((تُجُوِّزَ لأُِمَّتِي عَنْ ثَلاثٍ: عَنِ الْخَطَأِ، وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)). خَرَّجَهُ الجُوزَجَانِيُّ.
وسعيدٌ العَلافُ: هوَ سعيدُ بنُ أبي صالحٍ.

قالَ أحمدُ: هوَ مَكِّيٌّ، قِيلَ لهُ: كيفَ حَالُهُ؟ قالَ: لا أَدْرِي، وما عَلِمْتُ أَحَدًا رَوَى عنهُ غيرَ مُسْلِمِ بنِ خَالِدٍ.

قالَ أحمدُ: وليسَ هذا مَرْفُوعًا، إِنَّمَا هوَ عن ابنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ. نَقَلَ ذلكَ عنهُ مُهَنَّا، ومُسْلمُ بنُ خَالِدٍ ضَعَّفُوهُ. ورُوِيَ منْ وجهٍ ثالثٍ منْ روايَةِ بَقِيَّةَ بنِ الوليدِ عنْ عَلِيٍّ الهَمْدَانِيِّ، عنْ أبي جَمْرَةَ، عن ابنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا. خَرَّجَهُ حَرْبٌ. وروايَةُ بَقِيَّةَ عنْ مشايخِهِ المجاهيلِ لا تُسَاوِي شَيْئًا.

ورُوِيَ منْ وَجْهٍ رَابِعٍ، خَرَّجَهُ ابنُ عَدِيٍّ منْ طريقِ عبدِ الرحيمِ بنِ زيدٍ الْعَمِّيِّ عنْ أبيهِ، عنْ سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعبدُ الرحيمِ هذا ضَعِيفٌ.
وقدْ رُوِيَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منْ وُجُوهٍ أُخَرَ.

وقدْ تَقَدَّمَ أنَّ الوليدَ بنَ مُسْلِمٍ رَوَاهُ عنْ مالكٍ عنْ نافعٍ عن ابنِ عمرَ مَرْفُوعًا، وَصَحَّحَهُ الحاكمُ وَغَرَّبَهُ، وهوَ عندَ حُذَّاقِ الحُفَّاظِ باطلٌ على مالكٍ، كما أَنْكَرَهُ الإِمامُ أَحْمَدُ وأبو حَاتِمٍ، وَكَانَا يَقُولانِ عن الوليدِ: إنَّهُ كثيرُ الخَطَأِ.

وَنَقَلَ أبو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ عنْ أبي داودَ قالَ: رَوَى الوليدُ بنُ مُسْلِمٍ عنْ مالكٍ عَشَرَةَ أَحَادِيثَ ليسَ لها أَصْلٌ، منها عنْ نافعٍ أربعةٌ.

قُلْتُ: والظاهرُ أَنَّ منها هذا الحديثَ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
وَخَرَّجَهُ الجُوزَجَانِيُّ منْ روايَةِ يزيدَ بنِ ربيعةَ، سَمِعْتُ أَبَا الأشعثِ يُحَدِّثُ، عنْ ثَوْبَانَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنِ الْخَطَأِ، وَالنِّسْيَانِ، وَمَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ)). وَيَزِيدُ بنُ رَبِيعَةَ ضَعِيفٌ جِدًّا.

وَخَرَّجَ ابنُ أبي حَاتِمٍ منْ روايَةِ أبي بكرٍ الهُذَلِيِّ، عنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُِمَّتِي عَنْ ثَلاثٍ: عَنِ الْخَطَأِ، وَالنِّسْيَانِ، وَالاسْتِكْرَاهِ)).

قالَ أبو بكرٍ: فَذَكَرْتُ ذلكَ للحسنِ، فقالَ: أَجَلْ، أَمَا تَقْرَأُ بِذَلِكَ قُرْآنًا: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]. وأبو بكرٍ الهُذَلِيُّ مَتْرُوكُ الحَدِيثِ.

وَخَرَّجَهُ ابنُ مَاجَهْ، ولكنْ عنْدَهُ عنْ شَهْرٍ، عنْ أبي ذرٍّ الغِفَارِيِّ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)). وَلَمْ يَذْكُرْ كلامَ الحسنِ.

وأمَّا الحديثُ المُرْسَلُ عن الحسنِ، فَرَواهُ عنهُ هشامُ بنُ حسَّانَ، وَرَوَاهُ منصورٌ وعَوْفٌ عن الحسنِ منْ قولِهِ لمْ يَرْفَعْهُ، وَرَوَاهُ جعفرُ بنُ جَسْرِ بنِ فَرْقَدٍ عنْ أبيهِ، عن الحسنِ، عنْ أبي بَكْرَةَ مَرْفُوعًا. وَجَعْفَرٌ وأبوهُ ضَعِيفَانِ.

قالَ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ: ليسَ لهذا الحديثِ إِسْنَادٌ يُحْتَجُّ بهِ، حَكَاهُ البَيْهَقِيُّ.

وفي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ): عنْ سعيدِ بنِ جُبيرٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ قالَ: لَمَّا نَزَلَ قولُهُ تَعَالَى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، قالَ اللَّهُ: (قدْ فَعَلْتُ).
وعن العلاءِ، عنْ أبيهِ، عنْ أبي هريرةَ، أنَّها لَمَّا نَزَلَتْ قالَ: نَعَمْ، وليسَ واحدٌ منهما مُصَرِّحًا بِرَفْعِهِ.

وَخَرَّجَ الدَّارَقُطْنِيُّ منْ روايَةِ ابنِ جُرَيْجٍ عنْ عطاءٍ، عنْ أبي هريرةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، وَمَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ، إِلا أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ أَوْ يَعْمَلُوا))، وهوَ لفظٌ غريبٌ.

وقدْ خَرَّجَهُ النَّسَائِيُّ ولمْ يَذْكُر الإِكراهَ، وكذا رَوَاهُ ابنُ عُيَيْنَةَ عنْ مِسْعَرٍ، عنْ قتادةَ، عنْ زُرَارَةَ بنِ أَوْفَى، عنْ أبي هُريرةَ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَادَ فيهِ: ((وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ))، خَرَّجَهُ ابنُ مَاجَهْ.

وقدْ أُنْكِرَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ على ابنِ عُيَيْنَةَ، ولمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ.
والحديثُ مُخَرَّجٌ منْ روايَةِ قتادةَ في (الصَّحِيحَيْنِ)، والسُّنَنُ والمَسَانِيدُ بِدُونِهَا.

ولْنَرْجِعْ إلى شَرْحِ حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ المرفوعِ.
(2) فقولُهُ: ((إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ)) إلى آخرِهِ، تَقْدِيرُهُ: إنَّ اللَّهَ رَفَعَ لي عنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، أَوْ تَرَكَ ذلكَ عنهم؛ فإنَّ (تَجَاوَزَ) لا يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ.
(3) وقولُهُ: ((الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)).
فأمَّا الخطأُ والنسيانُ: فقدْ صَرَّحَ القرآنُ بالتَّجَاوُزِ عنْهُمَا، قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة: 286].
وقالَ: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأَتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5].

وفي (الصَّحِيحَيْنِ): عنْ عمرِو بنِ العاصِ، سَمِعَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ)).
وقالَ الحسنُ: لَوْلا مَا ذَكَرَ اللَّهُ منْ أمْرِ هذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ -يَعْنِي:

داوُدَ وسليمانَ- لَرَأَيْتُ أَنَّ القُضاةَ قدْ هَلَكُوا؛ فإنَّهُ أَثْنَى على هذا بِعِلْمِهِ، وعَذَرَ هذا باجتهادِهِ.
يَعْنِي قولَهُ: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 78] الآيَةَ.

وأمَّا الإِكراهُ: فَصَرَّحَ القرآنُ أيضًا بالتَّجَاوُزِ عنهُ، قالَ تَعَالَى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106].

وقالَ تَعَالَى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمرانَ:28] الآيَةَ.
ونَحْنُ نَتَكَلَّمُ إنْ شاءَ اللَّهُ في هذا الحديثِ في فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: في حُكْمِ الخَطَأِ والنِّسْيَانِ.
يتبع إن شاء الله...


شرح الحديث رقم (39) 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48988
العمر : 72

شرح الحديث رقم (39) Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح الحديث رقم (39)   شرح الحديث رقم (39) Emptyالجمعة 01 يوليو 2011, 10:07 pm

والثاني: في حُكْمِ الإِكْرَاهِ.
الفصلُ الأوَّلُ: في الخطأِ والنِّسْيَانِ

الخطأُ: هوَ أنْ يَقصِدَ بِفِعْلِهِ شَيْئًا، فيُصادِفُ فِعْلُهُ غيرَ ما قَصَدَهُ، مثلُ: أنْ يَقْصِدَ قَتْلَ كافرٍ، فَيُصَادِفُ قَتْلُهُ مُسْلِمًا.
والنِّسْيَانُ: أنْ يكونَ ذاكرًا لِشَيْءٍ، فَيَنْسَاهُ عندَ الفعلِ.
وكلاهُمَا مَعْفُوٌّ عنهُ، بمعنَى أنَّهُ لا إِثْمَ فيهِ، ولكنْ رَفْعُ الإِثمِ لا يُنَافِي أنْ يَتَرَتَّبَ على نسيانِهِ حُكْمٌ.

كما أنَّ مَنْ نَسِيَ الوضوءَ وَصَلَّى ظَانًّا أنَّهُ مُتَطَهِّرٌ، فلا إثمَ عليهِ بذلكَ، ثمَّ إنْ تَبَيَّنَ أنَّهُ كانَ قدْ صَلَّى مُحْدِثًا فإنَّ عليهِ الإِعادةَ.

ولوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ على الوضوءِ نِسْيَانًا، وقُلْنَا بِوُجُوبِهَا، فهلْ يَجِبُ عليهِ إعادةُ الوضوءِ؟ فيهِ رِوَايَتَانِ عن الإِمامِ أحمدَ.
وكذا لوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ على الذَّبِيحَةِ نِسْيَانًا، فيهِ عنهُ رِوَايَتَانِ، وأكثرُ الفُقَهَاءِ على أنَّها تُؤْكَلُ.

ولوْ تَرَكَ الصلاةَ نِسْيَانًا، ثمَّ ذَكَرَ، فإنَّ عليهِ القضاءَ، كما قالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةٍ، أَوْ نَسِيَهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، لا كَفَّارَةَ لَهَا إِلا ذَلِكَ))، ثمَّ تَلا: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14].
ولوْ صَلَّى حَامِلاً في صلاتِهِ نَجَاسَةً لا يُعْفَى عنها، ثمَّ عَلِمَ بها بَعْدَ صلاتِهِ أوْ في أَثْنَائِهَا فَأَزَالَهَا، فَهَلْ يُعِيدُ صَلاتَهُ أمْ لا؟ فيهِ قَوْلانِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عنْ أحمدَ.

وقدْ رُوِيَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ خَلَعَ نَعْلَيْهِ في صلاتِهِ وَأَتَمَّهَا وقالَ: ((إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا أَذًى))، ولمْ يُعِدْ صَلاتَهُ.
ولوْ تَكَلَّمَ في صلاتِهِ نَاسِيًا أنَّهُ في صلاةٍ، ففِي بُطْلانِ صلاتِهِ بذلكَ قَوْلانِ مشهورانِ، هما روايتانِ عنْ أحمدَ.
ومذهبُ الشافعيِّ: أنَّها لا تَبْطُلُ بذلكَ.

ولوْ أَكَلَ في صَوْمِهِ نَاسِيًا، فالأكْثَرُونُ على أنَّهُ لا يَبْطُلُ صِيَامُهُ؛ عَمَلاً بقولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ)).
وقالَ مالكٌ: عليهِ الإِعادةُ؛ لأِنَّهُ بمنزلةِ مَنْ تَرَكَ الصلاةَ نَاسِيًا.
والجمهورُ يقولونَ: قدْ أَتَى بِنِيَّةِ الصيامِ، وإنَّمَا ارْتَكَبَ بَعْضَ محظوراتِهِ نَاسِيًا، فيُعْفَى عَنْهُ.

ولوْ جَامَعَ نَاسِيًا، فهلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الأَكْلِ نَاسِيًا أمْ لا؟
فيهِ قَوْلانِ:
أحدُهُمَا: وهوَ المشهورُ عنْ أحمدَ، أنَّهُ يَبْطُلُ صِيَامُهُ بذلكَ، وعليهِ القضاءُ.
وفي الكَفَّارَةِ عنهُ رِوَايَتَانِ.

والثاني: لا يَبْطُلُ صَوْمُهُ بذلكَ، كالأَكْلِ، وهوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وحُكِيَ روايَةً عنْ أحمدَ.
وكذا الخلافُ في الجِمَاعِ في الإِحرامِ نَاسِيًا:

هلْ يَبْطُلُ بهِ النُّسُكُ أمْ لا؟
ولوْ حَلَفَ لا يَفْعَلُ شيئًا، فَفَعَلَهُ نَاسِيًا لِيَمِينِهِ، أوْ مُخْطِئًا ظَانَّا أنَّهُ غيرُ المَحْلُوفِ عليهِ، فهلْ يَحْنَثُ في يمينِهِ أمْ لا؟ فيهِ ثلاثةُ أقوالٍ، هيَ ثلاثُ رواياتٍ عنْ أحمدَ:

أحدُهَا: لا يَحْنَثُ بكلِّ حالٍ، ولوْ كانت اليمينُ بالطَّلاقِ والعَتَاقِ.
وَأَنْكَرَ هذهِ الروايَةَ عنْ أحمدَ الخَلالُ وقالَ: هيَ سَهْوٌ منْ نَاقِلِهَا.

وهوَ قولُ الشافعيِّ في أحدِ قولَيْهِ، وإسحاقَ، وأبي ثَوْرٍ، وابنِ أبي شَيْبَةَ.
وَرُوِيَ عنْ عطاءٍ، قالَ إسحاقُ: وَيُسْتَحْلَفُ أنَّهُ كَانَ نَاسِيًا لِيَمِينِهِ.
والثاني: يَحْنَثُ بكلِّ حالٍ.
وهوَ قولُ جماعةٍ مِن السَّلفِ ومالكٍ.
والثالثُ: يُفَرَّقُ بينَ أنْ يكُونَ يَمِينُهُ بطلاقٍ أوْ عَتَاقٍ، أوْ بغيرِهِمَا.
وهوَ المشهورُ عنْ أحمدَ، وقولُ أبي عُبَيْدٍ.
وكذا قالَ الأَوْزَاعِيُّ في الطلاقِ، وقالَ: إنَّما الحديثُ الذي جَاءَ في العفوِ عن الخطأِ والنسيانِ، ما دَامَ نَاسِيًا وَأَقَامَ على امْرَأَتِهِ فلا إِثْمَ عليهِ، فَإِذَا ذَكَرَ فعليهِ اعْتِزَالُ امْرَأَتِهِ؛ فإنَّ نِسْيَانَهُ قدْ زَالَ.

وحَكَى إبراهيمُ الحَرْبِيُّ إِجْمَاعَ التابِعِينَ على وُقُوعِ الطلاقِ بالنَّاسِي.
ولوْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فإنَّ عليهِ الكفَّارةَ والدِّيَةَ بنَصِّ الكتابِ، وكذا لوْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ خَطَأً يَظُنُّهُ أنَّهُ مالُ نَفْسِهِ.

وكذا قالَ الجمهورُ في المُحْرِمِ يَقْتُلُ الصَّيْدَ خَطَأً، أوْ نَاسِيًا لإِحرامِهِ، أنَّ عليهِ جَزَاءَهُ. ومنهم مَنْ قالَ: لا جَزَاءَ عليهِ، إلا أنْ يكونَ مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ؛ تَمَسُّكًا بظاهرِ قولِهِ عزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} الآيَةَ [المائدة:95].
وهوَ روايَةٌ عنْ أحمدَ.

وأجابَ الجمهورُ عن الآيَةِ بأنَّهُ رَتَّبَ على قَتْلِهِ مُتَعَمِّدًا الجزاءَ وانتقامَ اللَّهِ تَعَالَى، ومجموعُهُمَا يَخْتَصُّ بالعامدِ، وإذا انْتَفَى العَمْدُ انْتَفَى الانتقامُ، وبَقِيَ الجَزَاءُ ثَابِتًا بدليلٍ آخَرَ.
والأظهرُ -واللَّهُ أَعْلَمُ- أنَّ النَّاسِيَ والمُخْطِئَ إنَّما عُفِيَ عنهما بمعنَى رَفْعِ الإِثمِ عنهما؛ لأنَّ الإِثمَ مُرَتَّبٌ على المقاصدِ والنيَّاتِ، والنَّاسِي والمُخْطِئُ لا قَصْدَ لَهُمَا، فلا إِثْمَ عليهما.
وأمَّا رَفْعُ الأحكامِ عنهما فليسَ مُرَادًا منْ هذهِ النصوصِ، فَيُحْتَاجُ في ثُبُوتِهَا وَنَفْيِهَا إلى دليلٍ آخَرَ.

الفصلُ الثاني: في حُكْمِ المُكْرَهِ

وهوَ نوعانِ: أحدُهُما: مَنْ لا اخْتِيَارَ لهُ بالكُلِّيَّةِ، ولا قُدْرَةَ لهُ على الامتناعِ، كمَنْ حُمِلَ كَرْهًا وأُدْخِلَ إلى مكانٍ حَلَفَ على الامتناعِ مِنْ دخولِهِ، أوْ حُمِلَ كَرْهًا وَضُرِبَ بهِ غَيْرُهُ حتَّى ماتَ ذلكَ الغَيْرُ، ولا قُدرةَ لهُ على الامتناعِ، أوْ أُضْجِعَتْ ثُمَّ زُنِيَ بِها منْ غيرِ قُدرةٍ لها على الامتناعِ.

فهذا لا إثمَ عليهِ بالاتِّفَاقِ، ولا يَتَرَتَّبُ عليهِ حِنْثٌ في يَمِينِهِ عندَ جمهورِ العلماءِ.

وقدْ حُكِيَ عنْ بعضِ السلفِ -كَالنَّخَعِيِّ- فيهِ خلافٌ، وَوَقَعَ مِثْلُهُ في كلامِ بعضِ أصحابِ الشَّافعيِّ وأحمدَ.

والصحيحُ عندَهُم أنَّهُ لا يَحْنَثُ بحالٍ.
ورُوِيَ عن الأَوْزَاعِيِّ في امرأةٍ حَلَفَتْ على شيءٍ، وَأَحْنَثَهَا زَوْجُهَا كَرْهًا، أنَّ كَفَّارَتَهَا عليهِ.

وعنْ أحمدَ روايَةٌ كذلكَ، فيما إِذَا وَطِئَ امْرَأَتَهُ مُكْرَهَةً في صِيَامِهَا أوْ إِحْرَامِهَا، أنَّ كَفَّارَتَهَا عليهِ.

والمشهورُ عنهُ أنَّهُ يَفْسُدُ بذلكَ صومُهَا وَحَجُّهَا.
والنوعُ الثاني: مَنْ أُكْرِهَ بِضَرْبٍ أوْ غيرِهِ حتَّى فَعَلَ.

فهذا الفعلُ يَتَعَلَّقُ بهِ التَّكليفُ؛ فإنَّهُ يُمْكِنُهُ أنْ لا يَفْعَلَ، فهوَ مُخْتَارٌ للفعلِ، لكنْ ليسَ غَرَضُهُ نَفْسَ الفعلِ، بلْ دَفْعَ الضَّررِ عنهُ، فهوَ مُخْتَارٌ مِنْ وَجْهٍ غيرُ مُخْتَارٍ منْ وجهٍ؛ ولهذا اخْتَلَفَ النَّاسُ: هلْ هوَ مُكَلَّفٌ أمْ لا؟

واتَّفَقَ العلماءُ على أنَّهُ لوْ أُكْرِهَ على قَتْلِ معصومٍ لمْ يُبَحْ لهُ أنْ يَقْتُلَهُ؛ فإنَّهُ إنَّما يَقْتُلُهُ باختيارِهِ افْتِدَاءً لنفسِهِ من القتلِ، هذا إجماعٌ مِن العلماءِ المُعْتَدِّ بهم.

وكانَ في زمنِ الإِمامِ أحمدَ يُخَالِفُ فيهِ مَنْ لا يُعْتَدُّ بهِ.
فإذا قَتَلَهُ في هذهِ الحالِ فالجمهورُ على أنَّهما يَشْتَرِكَانِ في وُجُوبِ القَوَدِ: المُكْرِهُ والمُكْرَهُ؛ لاشْتِرَاكِهِمَا في القتلِ.

وهوَ قولُ مالكٍ والشافعيِّ في المشهورِ وأحمدَ.
وقيلَ: يَجِبُ على المُكْرِهِ وَحْدَهُ؛ لأنَّ المُكْرَهَ صارَ كالآلةِ، وهوَ قولُ أبي حنيفةَ وأحدُ قَوْلَي الشَّافِعِيِّ.

ورُوِيَ عنْ زُفَرَ كالأوَّلِ، ورُوِيَ عنهُ أنَّهُ يَجِبُ على المُكْرَهِ لِمُبَاشَرَتِهِ، وليسَ هوَ كالآلةِ؛ لأنَّهُ آثِمٌ بالاتِّفاقِ.
وقالَ أبو يُوسُفَ: لا قَوَدَ على واحدٍ منهما.
وَخَرَّجَهُ بعضُ أصحابِنَا وَجْهًا لَنَا من الرِّوايَةِ: لا تُوجِبُ فيها قَتْلَ الجماعةِ بالواحدِ، وَأَوْلَى.
ولوْ أُكْرِهَ بالضَّربِ ونحوِهِ على إِتْلافِ مالِ الغيرِ المعصومِ، فَهَلْ يُبَاحُ لهُ ذلكَ؟ فيهِ وجهانِ لأَِصْحَابِنَا.
فإنْ قُلْنَا: يُبَاحُ لهُ ذلكَ، فَضَمِنَهُ المَالِكُ، رَجَعَ بما ضَمِنَهُ على المُكْرِهِ.

وإنْ قُلْنَا: لا يُبَاحُ لهُ ذلكَ، فالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا مَعًا كالقَوَدِ.
وقيلَ: على المُكْرَهِ المُبَاشِرِ وَحْدَهُ، وهوَ ضَعِيفٌ.
ولوْ أُكْرِهَ على شُرْبِ الخمرِ أوْ غيرِهِ من الأفعالِ المُحَرَّمَةِ، ففي إِبَاحَتِهِ بالإِكراهِ قَوْلانِ: أحدُهما: يُبَاحُ لهُ ذلكَ؛ اسْتِدْلالاً بقولِهِ تَعَالَى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النُّور:33].

وهذهِ نَزَلَتْ في عبدِ اللَّهِ بنِ أُبَيٍّ ابنِ سَلُولَ، كانَتْ لهُ أَمَتَانِ يُكْرِهُهُمَا على الزِّنَى، وهما يَأْبَيَانِ ذلكَ.

وهذا قولُ الجمهورِ؛ كالشافِعِيِّ وأبي حنيفةَ، وهوَ المشهورُ عنْ أحمدَ.

ورُوِيَ نحوُهُ عن الحسنِ، ومكحولٍ، ومسروقٍ، وعنْ عمرَ بنِ الخطَّابِ ما يَدُلُّ عليهِ.
وأهلُ هذهِ المقالةِ اخْتَلَفُوا في إكراهِ الرَّجُلِ على الزِّنَى، فمِنْهُمْ مَنْ قالَ: يَصِحُّ إكراهُهُ عليهِ، ولا إِثْمَ عليهِ.
وهوَ قولُ الشافعيِّ، وابنِ عَقِيلٍ منْ أصحابِنَا.

وَمِنْهُمْ مَنْ قالَ: لا يَصِحُّ إِكْرَاهُهُ عليهِ، وعليهِ الإِثمُ والحَدُّ.
وهوَ قولُ أبي حنيفةَ ومَنْصُوصُ أحمدَ، ورُوِيَ عن الحسنِ.
والقولُ الثاني: أنَّ التُّقْيَةَ إنَّما تكُونُ في الأقوالِ، ولا تُقْيَةَ في الأفعالِ، ولا إِكْرَاهَ عليها. رُوِيَ ذلكَ عن ابنِ عَبَّاسٍ، وأبي العاليَةِ، وأبي الشَّعْثَاءِ، والربيعِ بنِ أنسٍ، والضَّحَّاكِ، وهوَ رِوَايَةٌ عَنْ أحمدَ، ورُوِيَ عنْ سُحْنُونٍ أَيْضًا.

وعلى هذا، لوْ شَرِبَ الخَمْرَ، أوْ سَرَقَ مُكْرَهًا، حُدَّ.

وعلى الأوَّلِ، لوْ شَرِبَ الخمرَ مُكْرَهًا، ثمَّ طَلَّقَ أوْ أَعْتَقَ، فهلْ يكونُ حُكْمُهُ حُكْمَ المختارِ لِشُرْبِهَا أمْ لا؟ بلْ يكونُ طلاقُهُ وعَتَاقُهُ لَغْوًا؟ فيهِ لأصحابِنَا وَجْهَانِ.

وَرُوِيَ عن الحسنِ فيمَنْ قيلَ لهُ: اسْجُدْ لِصَنَمٍ وإلا قَتَلْنَاكَ، قالَ: إنْ كانَ الصَّنَمُ تُجَاهَ القبلةِ فَلْيَسْجُدْ وَيَجْعَلْ نِيَّتَهُ لِلَّهِ، وإنْ كانَ إلى غيرِ القبلةِ فلا يَفْعَلْ وإنْ قَتَلُوهُ.
قالَ ابنُ حَبِيبٍ المَالِكِيُّ: وهذا قَوْلٌ حَسَنٌ.

قالَ ابنُ عَطِيَّةَ: وما يَمْنَعُهُ أنْ يَجْعَلَ نِيَّتَهُ للَّهِ وإنْ كانَ لِغَيْرِ القبلةِ، وفي كِتَابِ اللَّهِ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]، وفي الشرعِ إِبَاحَةُ التَّنَفُّلِ للمُسَافِرِ إلى غيرِ القبلةِ؟

وأمَّا الإِكراهُ على الأقوالِ، فَاتَّفَقَ العلماءُ على صِحَّتِهِ، وأنَّ مَنْ أُكْرِهَ على قَوْلٍ مُحَرَّمٍ إِكْرَاهًا مُعْتَبَرًا، أنَّ لهُ أنْ يَفْتَدِيَ نَفْسَهُ بهِ، ولا إِثْمَ عليهِ، وقدْ دَلَّ عليهِ قولُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106].
وقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمَّارٍ: ((إِنْ عَادُوا فَعُدْ))، وكانَ المشركونَ قدْ عَذَّبُوهُ حتَّى يُوَافِقَهُم على ما يُرِيدُونَهُ من الكُفْرِ، فَفَعَلَ.

وأمَّا ما رُوِيَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ وَصَّى طائفةً منْ أصحابِهِ وقالَ: ((لا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَإِنْ قُطِّعْتُمْ وَحُرِّقْتُمْ))، فالمرادُ الشِّرْكُ بالقُلوبِ، كما قالَ تَعَالَى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لُقْمَان:15].

وقالَ تَعَالَى: {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ} [النحل: 106].
وَسَائِرُ الأقوالِ يُتَصَوَّرُ عليها الإِكراهُ، فإذا أُكْرِهَ بغيرِ حقٍّ على قولٍ من الأقوالِ، لمْ يَتَرَتَّبْ عليهِ حُكْمٌ مِن الأحكامِ، وكانَ لَغْوًا؛ فإنَّ كلامَ المُكْرَهِ صَدَرَ منهُ وهوَ غيرُ راضٍ بهِ؛ فلذلكَ عُفِيَ عنهُ ولمْ يُؤَاخَذْ بهِ في أحكامِ الدُّنيا والآخرةِ، وبهذا فَارَقَ النَّاسِيَ والجاهلَ، وسَوَاءٌ في ذلكَ العُقُودُ كالبيعِ والنِّكَاحِ، أو الفُسُوخُ كالخُلْعِ والطَّلاقِ والعَتَاقِ، وكذلكَ الأَيْمَانُ والنُّذُورُ. وهذا قولُ جمهورِ العلماءِ، وهوَ قولُ مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ.

وفَرَّقَ أبو حنيفةَ بَيْنَ ما يَقْبَلُ الفَسْخَ عِنْدَهُ وَيَثْبُتُ فيهِ الخيارُ كالبيعِ ونحوِهِ، فَقَالَ: (ا يَلْزَمُ معَ الإِكراهِ)، وما ليسَ كذلكَ كالنِّكاحِ والطلاقِ والعَتَاقِ والأَيْمَانِ، فَأَلْزَمَ بها معَ الإِكراهِ.
ولوْ حَلَفَ لا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَفَعَلَهُ مُكْرَهًا، فَعَلى قولِ أبى حنيفةَ يَحْنَثُ.

وأمَّا على قولِ الجمهورِ، ففيهِ قَوْلانِ:
أحدُهما: لا يَحْنَثُ، كما لا يَحْنَثُ إذا فُعِلَ بهِ ذلكَ كَرْهًا، ولمْ يَقْدِرْ على الامتناعِ كما سبقَ، وهذا قولُ الأكثرينَ منهم.

والثاني: يَحْنَثُ هَا هُنَا؛ لأنَّهُ فَعَلَهُ باختيارِهِ، بخلافِ ما إذا حُمِلَ ولمْ يُمْكِنْهُ الامتناعُ. وهوَ روايَةٌ عنْ أحمدَ وقولٍ للشافعيِّ.

ومِنْ أصحابِهِ -وهوَ القَفَّالُ- مَنْ فَرَّقَ بينَ اليَمِينِ بالطَّلاقِ والعَتَاقِ وغيرِهِما، كما قُلْنَا نحنُ في النَّاسِي، وَخَرَّجَهُ بعضُ أصحابِنَا وَجْهًا لنا.

ولوْ أُكْرِهَ على أداءِ مَالِهِ بغيرِ حقٍّ، فباعَ عَقَارَهُ لِيُؤَدِّيَ ثَمَنَهُ، فَهَلْ يَصِحُّ الشِّراءُ منهُ أمْ لا؟ فيهِ روايتانِ عنْ أحمدَ.

وعنهُ روايَةٌ ثالثةٌ: إنْ بَاعَهُ بثَمَنِ المِثْلِ اشْتُرِيَ منهُ، وإنْ بَاعَهُ بِدُونِهِ لمْ يُشْتَرَ منهُ، ومَتَى رَضِيَ المُكْرَهُ بِمَا أُكْرِهَ عليهِ لحُدوثِ رَغْبَةٍ لهُ فيهِ بعدَ الإِكراهِ، والإِكراهُ قائمٌ، صَحَّ ما صَدَرَ منهُ من العُقُودِ وغيرِهَا بهذا القصدِ.

هذا هوَ المشهورُ عندَ أصحابِنَا.

وفيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أنَّهُ لا يَصِحُّ أيضًا، وفيهِ بُعْدٌ.

وأمَّا الإِكراهُ بِحَقٍّ، فهوَ غيرُ مانعٍ مِنْ لُزومِ ما أُكْرِهَ عليهِ، فلوْ أُكْرِهَ الحَرْبِيُّ على الإِسلامِ فَأَسْلَمَ صَحَّ إِسْلامُهُ، وكذا لوْ أَكْرَهَ الحاكمُ أَحَدًا على بَيْعِ مالِهِ لِيُوَفِّيَ دَيْنَهُ، أوْ أَكْرَهَ المُؤْلِيَ بعدَ مُدَّةِ الإِيلاءِ وامتناعِهِ مِن الْفَيْئَةِ على الطلاقِ، ولوْ حَلَفَ لا يُوَفِّي دَيْنَهُ، فَأَكْرَهَهُ الحاكمُ على وَفَائِهِ، فإنَّهُ يَحْنَثُ بذلكَ؛ لأنَّهُ فَعَلَ ما حَلَفَ عليهِ حقيقةً على وَجْهٍ لا يُعْذَرُ فيهِ.

ذَكَرَهُ أصْحَابُنَا، بخلافِ ما إذا امْتَنَعَ من الوفاءِ، فَأَدَّى عنهُ الحاكمُ، فإنَّهُ لا يَحْنَثُ؛ لأنَّهُ لمْ يُوجَدْ منهُ فِعْلُ المحلوفِ عليهِ.
-----------------------------
شرح معالي الشيخ:
صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ (مفرغ)

------------------------------
القارئ:

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) حديث حسن، روه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما.

الشيخ:

هذا الحديث -أيضاً- فيه بيان فضل الله - جل وعلا -ورحمته بالمؤمنين.

قال فيه عليه الصلاة والسلام: ((إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه))وفي قوله: ((إن الله تجاوز لي)): ما يُفهم أنّ هذا من خصائص هذه الأمة، فغيرنا من الأمم إذا هم العبد بحسنة لم تكتب له حسنة، وإذا هم بسيئة فتركها لم تكتب له حسنة، وكذلك في خصائص كثيرة؛ ومنها التجاوز عن الخطأ والنسيان، فرحِمَ الله -جل وعلا- هذه الأمة بنبيها صلى الله علية وسلم فتجاوز لها عن الخطأ والنسيان.

ولما نزل قول الله -جل وعلا- في آخر سورة البقرة: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} شقَّ ذلك على الصحابة رضوان الله عليهم جداً حتى نزلت الآية الأخرى وهي قوله -جل وعلا-: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} فدعى بها الصحابة -رضوان الله عليهم- فقال الله -جلا وعلا-: (قد فعلت).

فقوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} وقول الله -جل وعلا-: (قد فعلت) هو في معنى هذا الحديث بل هذا الحديث في معنى الآية فدلَّ ذلك على أن من أخطأ فإنه لا إثم عليه، ومن نَسِيَ فلا إثم عليه، لكن هذا مختص بالحكم التكليفي.
أما الحكم الوضعي فإنه يؤاخذُ بخطأه وبنسيانه؛ ما يتعلق بالضمانات فإذا أخطأ، فقتل مؤمناً خطأً فإنه يؤاخذ بالحكم الوضعي عليه بالدية وما يتبع ذلك.

وأما الإثم فإنه لا إثم عليه لأنه أخطأ وكذلك إذا أخطأ فاعتدى على أحد في ماله أو في جسمه أو في أشباه ذلك؛ فإنه لا إثم عليه من جهة حق الله جلا وعلا أما حق العباد في الحكم الوضعي فإنهم مؤاخذون به، يعني أن الآية والحديث دلاّ على التجاوز فيما كان في حق الله؛ لأن الله هو الذي تجاوز، وتجاوزه -جل وعلا- عن حقه -سبحانه وتعالى- وهذا هو المتعلق بالحكم التكليفي كما هو معروف في بحثه في موضعه في علم أصول الفقه، والخطأ غير النسيان وكذلك الإكراه، ما يكره عليه -أيضاً- يختلف عنهما.
فالخطأ: إرادةُ الشيء وحصولُ غيره من غير قصدٍ لذلك.

والنسيان: الذهول عن الشيء، والإكراه: أو قوله: ((ما استكرهوا عليه)) يعني ما أكرهوا عليه فعملوا شيئاً على جهة الإكراه، فالله -جل وعلا- قال: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من ربهم..} الآية في سورة النحل، وهذا فيه من حيث التفريعات الفقهية مباحث كثيرة نطويها طلباً للاختصار.
-----------------------
العناصر
-----------------------
حديث ابن عباس رضي الله عنهما -مرفوعاً-: (إن الله تجاوز لي عن أمتي...)
تخريج حديث ابن عباس
نقد إسناد حديث ابن عباس
نقد متن الحديث
موضوع حديث ابن عباس
منزلة حديث ابن عباس
المعنى الإجمالي لحديث ابن عباس
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لي عن أمتي)
معنى (التجاوز)
ما تفيده كلمة (لي) من أن هذا التجاوز من خصائص هذه الأمة
معنى (الأمة)
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان...)
تعريف (الخطأ)
تعريف (النسيان)
إطلاقات (النِّسْيَان)
حكم الخطأ والنسيان
التجاوز عن المخطئ والناسي
موارد الخطأ والنسيان
مسألة: حكم من جامع في نهار رمضان ناسياً
شرح قوله: صلى الله عليه وسلم: (... وما استكرهوا عليه)
بيان معنى (الإكراه)
أدلة التجاوز عن المكره
موارد الإكراه
أنواع الإكراه
مسائل في الإكراه:
حكم الإكراه على إتلاف مال معصوم
حكم الإكراه على شرب الخمر
حكم من أَكره حالفاً على الحنث
حكم الإكراه على الطلاق
حكم الشراء من المكره على البيع
مَوانِعُ التَّكْلِيفِ
من فوائد حديث ابن عباس رضي الله عنهما
------------------------
الأسئلة
-------------------------
س1: خرّج حديث ابن عباس رضي الله عنهما معرّجاً بالنظر في إسناده.
س2: ما معنى (التجاوز) لغة وشرعاً؟
س3: بين ما تفيده كلمة (لي) وبـيِّن ما تفيده إضافتها؟
س4: ما الفرق بين (الخطأ) و (النسيان)؟
س5: بين إطلاقات النسيان وما المراد في هذا الحديث منها؟
س6: هل التجاوز عن المخطئ والناسي يعني عدم ترتب أي حكم على فعله؟
س7: بين حكم النسيان وبين الواجب على صاحبه فيما يلي:
أ- من صلى من غير طهارة.
ب- من ترك التسمية على الوضوء.
ج- من ترك التسمية على الذبيحة.
د- من أكل في صومه.
هـ- من جامع فينهار رمضان.
س8- ما معنى (الإكراه) لغة وشرعاً؟
س9: اذكر بعض الأدلة الواردة في التجاوز عن المكره؟
س10: ما حد الإكراه الذي يعذر به؟
س11: متى يجوز للإنسان أن يفعل ما أكره عليه؟
س12: اذكر مثالاً للإكراه الذي للمكره فيه نوع اختيار؟
س13: ما حكم الشراء من المكرَه على البيع؟
س14: ما هي موانع التكليف التي ترفع المآخذة؟
س15: عدد بإيجاز بعض الفوائد المستنبطة من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.


شرح الحديث رقم (39) 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
شرح الحديث رقم (39)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» شرح الحديث رقم (48)
» شرح الحديث رقم (49)
» شرح الحديث رقم (31)
» الحديث رقم (09)
» شرح الحديث رقم (47)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الــحــــديث الـنبــــوي الـشــــريف :: شروح الأربعون النووية :: شرح مجموعة من العلماء-
انتقل الى: