أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة الزخرف الآيات من 71-75 الجمعة 26 نوفمبر 2021, 11:11 pm | |
| يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٧١) تفسير الآية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
الحديث هنا عن نعيم الجنة، والصحاف: جمع صحفة وهي (الطبق) الواسع الذي تأكل فيه الأسرة كلها، والأكبر منها قصعة، والأكبر من القصعة جفنة، لذلك ورد في الحديث الشريف أن رسول الله أخبر عن ابن جدعان أنه كان له جَفنة، كبيرة حتى أنه كان يُستظلُّ بظلها من حَرِّ الشمس.
وفي قصة سيدنا سليمان والجن الذي سخَّره الله لخدمته، قال تعالى: (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ..) (سبأ: 13).
كذلك في الجنة صحاف لكن من ذهب.
(وَأَكْوَابٍ) (الزخرف: 71) جمع كوب، وهو إناء يُشرب فيه ليستْ له عُرْوة، وهناك الأباريق جمع إبريق، وهو إناء يُشرب فيه له عروة وفتحة من أعلى، وهناك الكأس وهي الكوب إذا كان ملآناً بالشراب.
(وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ) (الزخرف: 71) هذا وَصْف مُوجز للمتعدِّد الذي يطول المقام بذكر تفاصيله، فالذي يُقدَّم في هذه الصحاف وفي هذه الأكواب مما تشتهيه الأنفسُ من الطعام والشراب، هذا من حيث الطعم.
(وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ) (الزخرف: 71) يعني: لونه رائقٌ لك جميل في عينك، مجرد النظر إليه فيه لذة، فما بالك بطعمه ومذاقه، لذلك حينما تستضيف مثلاً عزيزاً لديك تقول له: ماذا تحب أن تأكل.
لماذا؟
لتصنع له ما يشتهيه وما تميل إليه نفسه.
يعني: المسألة ليست (حشو بطن) فحسب.
وتلحظ أنه ذكر الصِّحاف أولاً، ثم الأكواب، لأن الإنسانَ عادة يأكل ثم يشرب، ففيها ترتيب للأهمية.
وذكر لذة الأعين بالطعام، لأنك تجد بالنظر إليه متعة ربما تفوق متعةَ الأكل، لذلك قال تعالى في موضع آخر: (ٱنْظُرُوۤاْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ) (الأنعام: 99) فجمع إلى لذة الطعام لذة النظر إليه.
وقوله: (وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (الزخرف: 71) لأن هذه دارُ بقاء وخلود، ليس فيها موت، وليس فيها انقطاعٌ للنعمة فلا تفوتك النعمة ولا تفوتها، يعني: لذة صافية لا ينغِّصها شيء، كما قال تعالى: (لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ) (الواقعة: 33) لأنها عطاء الله، وعطاءُ الله دائمٌ لا ينقطع. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الزخرف الآيات من 71-75 الجمعة 26 نوفمبر 2021, 11:12 pm | |
| وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) تفسير الآية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
قوله (أُورِثْتُمُوهَا) (الزخرف: 72) أخذتموها إرثاً، والإرث يكون بعد موت صاحبه كالميت يموت ويترك ملكه وتركته لمن بعده من أولاده وأقاربه، إذن: هؤلاء يملكون التركة بدون عقد وبدون ثمن، لكن ورثوا مَنْ؟
يقول تعالى في آية أخرى: (أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَارِثُونَ * ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (المؤمنون: 10-11) قالوا: الحق سبحانه وتعالى حين خلق الخَلْق أحصاه عدداً وكتب في الميقات الأزلي كل شيء، وقد صحَّ أن القلم قد جَفَّ على ذلك.
ولَمَّا سُئِلَ المأمون: ما شُغل ربك الآن وقد صَحَّ أن القلم قد جَفَّ؟
قال: أمور يُبديها ولا يبتديها، يرفع أقواماً، ويخفض آخرين.
قالوا في مسألة الإرث هذه أن المؤمنين في الجنة ورثوا الكافرين وأخذوا أماكنهم في الجنة، لأن الحق سبحانه جعل لكل إنسان مكاناً في الجنة ومكاناً في النار، حتى إنْ جاء كُلُّ الخَلْق مؤمنين طائعين كانت لهم أماكن تكفيهم في الجنة، وكذلك إنْ كفروا جميعاً وُجدتْ لهم أماكن في النار.
فساعة يدخل أهلُ النار النارَ تخلُو أماكنهم في الجنة فيجعلها الحق سبحانه من حَقِّ المؤمنين ويُورثهم إياها تفضُّلاً منه وتَكَرُّماً أولاً، ثم جزاء تفوقهم في الإيمان والعمل الصالح في الدنيا.
لذلك قال: (أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (الزخرف: 72) فالعمل الصالح إذن هو المعوّل الأساس في دخول الجنة، وفي إرث أماكن أهل النار.
ونلاحظ في مسألة الإرث أنه ينقل ملكية الشيء من المورِّث إلى وارثه، ويكون هذا الإرث حلالاً للوارث بصرف النظر عن مصدره من أين، من حلال أو من حرام، فلو أن رجلاً كسب مالاً من حرام فيتحمَّل هو وزره وحده ويُطوَّق به يوم القيامة.
فإن انتقل إلى الوارث كان بالنسبة له حلالاً لا شيء عليه فيه، لأن المسؤولية هنا لا تتعدى، وقد حسم سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه المسألة لما قال: "شرّكم مَنْ ماتَ بشرٍّ، وتركَ عياله بخير“.
لذلك الوارث ليس له أنْ يسأل عن مصدر هذا المال الذي ورثه، فهو مثل الزوجة لا تسأل زوجها عن مصدر النفقة التي يدفعها لها، ومثل الولد دون البلوغ ليس له أنْ يسألَ والده من أين يأتي بالمال الذي ينفقه عليه.
لكن للولد ذلك لما يبلغ ويصبح قادراً على الكسب، فله أنْ يسأل لأنه أصبح قادراً على الكسب من الحلال بنفسه.
ذلك قياساً على قوله تعالى: (وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) (النور: 59) فبعد البلوغ لم يبْق له حَقٌّ على أبيه، بل انتقل الحقُّ منه لأبيه إلا أنْ يتفضل الأب.
وقلنا: إن قضية تفضُّل الأب عندنا أثَّرتْ بالسلب على اقتصادياتنا، لأن حنان الآباء الزائد وتدليلَ الأولاد جعل فترة الطفولة تمتدُّ في شبابنا إلى سِنِّ الخامسة والعشرين بل والثلاثين، والولد فيها عَالةٌ على أبيه يريد منه كل شيء، حتى الشقة والجهاز والزواج، ركن الشباب عندنا إلى الراحة وألقوْا بالمسئولية على الآباء، وهذا يضيع علينا طاقات كثيرة لا تُستغل.
لذلك تفوَّق علينا الغرب في هذه المسألة، ففي مثل هذه السِّنِّ يخرج الشابُّ عندهم إلى الحياة وإلى ساحة العمل، ويتحمَّل مسؤوليته بنفسه، ويستقل كليةً عن الأسرة، صحيح أنهم وقعوا في خطأ في هذا الموضوع أنهم سَوَّوْا بين الفتى والفتاة، لأن الفتاة لها وَضْع آخر، لذلك هنا نحتضنها إلى أنْ تتزوج، فلا تخرج من بيت أبيها إلا إلى بيت زوجها. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الزخرف الآيات من 71-75 الجمعة 26 نوفمبر 2021, 11:13 pm | |
| لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (٧٣) تفسير الآية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
سبق أنْ ذكر الحق سبحانه الطعام والشراب في الجنة وأنها في صِحَاف وفي أكواب وهذه معروفة للعرب، وهنا يذكر أن من نِعَم الجنة الفاكهة، والعرب لم تكُنْ تعهد الفاكهة ولا تعرف الكثير منها، لذلك خَصَّ الفاكهة بعد ذكر الطعام والشراب، والفاكهة بعد الطعام والشراب دليل على الرفاهية والمتعة التامة، والفاكهة من التفكّه.
يعني: ليست من الضروريات بل من الرفاهية (فنطظية يعني).
الحق سبحانه وتعالى أعطانا ضروريات الحياة من المأكل والمشرب والملبس، ثم زادنا ما نُرفِّه به حياتنا، اقرأ مثلاً: (يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ..) (الأعراف: 26) فاللباس الذي يُواري السوءة من الضروريات ورياش للزينة والترفَه، ثم نبَّه إلى ما هو أهمّ من اللباس المادي، إنه اللباس المعنوي الذي يسترك في دنياك وأُخْراك، إنه لباسُ التقوى.
وبعد أنْ أعطانا الحق سبحانه صورة موجزة لأهل الجنة وبعض ما فيها من نعيم ليعطينا المقابل لتتضح الصورة أكثر، وهذه سِمَة من سمات الأسلوب القرآني، لأن النفسَ حين تذكر لها ما تنبسط له، ثم تذكر ما تنقبض له يظهر لها الفرق، مثل قوله تعالى: (إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) (الانفطار: 13-14).
وهنا يقول تعالى: (إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ...). |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الزخرف الآيات من 71-75 الجمعة 26 نوفمبر 2021, 11:13 pm | |
| إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (٧٤) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥) تفسير الآية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
الحق سبحانه يقرر لنا حقائق ثلاث عن المجرمين: أنهم خالدون في العذاب فهو عذاب ممتدٌّ لا نهاية له، ثم: (لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ..) (الزخرف: 75) يعني: لا يُخفف عنهم: (وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) (الزخرف: 75) يعني: متحسِّرون يائسون من النجاة، يائسون من الخير لا أملَ عندهم في الخروج منها، وهكذا جمع عليهم كلَّ جوانب الألم والحسرة واليأس وقَطْع الرجاء. |
|