ذكر ما قيل من الشعر يوم أحد
شعر هبيرة
قال ابن إسحاق: وكان مما قيل من الشعر في يوم أحد، قول هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم.
قال ابن هشام: عائذ: ابن عمران بن مخزوم:
ما بال همٍّ عميد بات يطرقـنـي بالودّ من هند إذ تـعـدو عـواديهـا
باتت تعاتبني هند وتـعـذلـنـي والحرب قد شغلت عني مـوالـيهـا
مهلا فلا تعذليني إن من خلـقـي ما قد علمت وما إن لست أخفـيهـا
مساعفٌ لبني كعب بما كـلـفـوا حمَّال عبءٍ وأثـقـالٌ أعـانـيهـا
وقد حملتُ سلاحي فوق مشترف ساطٍ سبوحٍ إذا تـجـري يبـاريهـا
كأنه إذ جـرى عـير بـفـدفـدة مكدِّمٌ لاحقٌ بـالـعـون يحـمـيهـا
من آل أعوج يرتاح الـنـدى لـه كجذع شعراء مستعـل مـراقـيهـا
أعددته ورقاق الحدِّ مـنـتـخـلا ومارِنا لـخـطـوبٍ قـد ألاقـيهـا
هذا وبيضاء مثل النهى محـكـمة نيطت عليَّ فما تبـدو مـسـاويهـا
سقنا كنانة من أطراف ذي يمـن عرض البلاد على ما كان يزجـيهـا
قالت كنانة: أنَّى تذهبون بـنـا؟ قلنا: النخيل، فأمُّوها ومن فـيهـا
نحن الفوارس يوم الجر من أحـد هابت معد فقلنا نـحـن نـأتـيهـا
هابوا ضرابا وطعنا صادقا خذمـا مما يرون وقد ضمَّت قـواصـيهـا
ثمت رحنا كأنـا عـارض بـرد وقام هام بني النـجـار يبـكـيهـا
كأن هامهم عند الوغـى فِـلَـقٌ من قيض ربدٍ نفته عـن أداحـيهـا
أو حنظل ذعذعته الريح في غصن بالٍ تعاوره مـنـهـا سـوافـيهـا
قد نبذل المال سحَّاً لا حساب لـه ونطعن الخيل شزرًا في مـآقـيهـا
وليلةٍ يصطلى بالفرث جـازرهـا يختصُّ بالنقرى المثـرين داعـيهـا
وليلةٍ مـن جـمـادى ذاتِ أنـديةٍ جَرْبَاً جماديَّةٍ قـد بِـتُّ أسـريهـا
لا ينبح الكلب فيها غـير واحـدة من القَريس ولا تَسري أفـاعـيهـا
أوقدت فيها لذي الضَّرَّاء جاحمة كالبرق ذاكيةَ الأركان أحمـيهـا
أوثني ذاكم عـمـروٌ ووالـدُه من قبله كان بالمثنى يغـالـيهـا
كانوا يبارون أنواء النجوم فمـا دنت عن السورة العليا مساعيهـا
ما أجابه به حسَّان
قال ابن إسحاق: فأجابه حسَّان بن ثابت، فقال:
سقتم كنانة جهلا من سفاهتـكـم إلى الرسول فجند الله مـخـزيهـا
أوردتموها حياض الموت ضاحية فالنار موعدها، والقتـل لاقـيهـا
جمَّعتُموها أحابيشاً بلا حـسـبٍ أئمَّة الكفر غرَّتكـم طـواغـيهـا
ألا اعتبرتم بخيل الله إذ قتـلـت أهل القليب ومن ألقـينـه فـيهـا
كم من أسير فككناه بـلا ثـمـن وجزَّ ناصـيةٍ كـنـا مـوالـيهـا
قال ابن هشام: أنشدنيها أبو زيد الأنصاري لكعب بن مالك:
قال ابن هشام: وبيت هبيرة بن أبي وهب الذي يقول فيه:
وليلة يصطلى بالفرث جازرها يختص بالنقرى المثرين داعيهـا
ويروى لجنوب، أخت عمرو ذي الكلب الهذلي، في أبيات لها في غير يوم أحد.
شعر كعب بن مالك في الرد على هبيرة
قال ابن إسحاق: وقال كعب بن مالك يجيب هبير بن أبي وهب أيضاً:
ألا هل أتى غسان عنا ودونـهـم من الأرض خرق سيره متنعـنـع
صحار وأعلام كان قـتـامـهـا من البعد نقع هامـد مـتـقـطـع
تظل به البزل العراميس رزحـاً ويخلو به غيث السنـين فـيمـرع
به جيف الحسرى يلوح صليبهـا كما لاح كتان التجار الـمـوضـع
به العين والآرام يمشين خلـفـه وبيض نعام قيصـنـه يتـقـلَّـع *
مجالدنا عن ديننـا كـل فـخـمة مدرَّبة فيها القـوانـس تـلـمـع
وكل صموت في الصوان كأنهـا إذا لُبست نهَيٌ من المـاء مـتـرع
ولكن ببدر سائلوا مـن لـقـيتـم من الناس والأنباء بالغيب تـنـفـع
وإنا بأرض الخوف لو كان أهلها سوانا لقد أجلوا بليل فـأقـشـعـوا
إذا جاء منا راكب كـان قـولـه أعدوا لما يزجي ابن حرب ويجمـع
فمهما يهم الناس مـمـا يكـيدنـا فنحن له من سائر الـنـاس أوسـع
فلو غيرنا كانت جميعا تكيده البرية قد أعـطـوا يدا وتــوزعـــوا
نجالد لا تبقى عـلـينـا قـبـيلة من الناس إلا أن يهابوا ويفظـعـوا
ولما ابتنوا بالعرض قال سراتنـا علام إذا لم تمنع العـرض نـزرع
وفينا رسول الله نـتـبـع أمـره إذا قال فينا القـول لا نـتـطـلـع
تدلىَّ عليه الروح من عنـد ربـه ينزَّل من جو الـسـمـاء ويرفـع
نشاوره فيما نردي وقـصـرنـا إذا ما اشتهى أنا نطـيع ونـسـمـع
وقال رسول الله لما بـدوا لـنـا ذروا عنكم هول المنيَّات واطمعـوا
وكونوا كمن يشرى الحياة تقربـاً إلى مـلـك يحـيا لـديه ويرجـع
ولكن خذوا أسيافكم وتـوكـلـوا على الله إن الأمر لـلـه أجـمـع
فسرنا اليهم جهرة في رحالـهـم ضحيا علينا البيض لا نـتـخـشَّـع
بملمومة فيها السَّنَـورُّ والـقـنـا إذا ضربوا أقـدامَـهـا لا تَـوَرَّع
فجئنا إلى موج من البحر وسطـه أحابيس منهم حـاسـر ومـقـنَّـع
ثلاثة آلاف ونـحـن نَـصِــيَّةٌ ثلاث مئينٍ إن كـثـرنـا وأربـع
نغاورهم تجري المنـية بـينـنـا نشارعهم حوض المنايا ونـشـرع
تهادى قسيُّ النبع فينـا وفـيهـم وماهو إلا اليثربـي الـمـقـطَّـع
ومنجوفة حـرمـيَّة صـاعـدية يذرُّ عليها السَّمّ سـاعة تـصـنـع
تصوب بأبدان الـرجـال وتـارة تمر بأعراص البصار تـقـعـقـع
وخيل تراها بالفضاء جراد كأنهـا صبـا فـي قـــوة يتـــريع
فلما تلاقينا ودارت بنا الـرحـى وليس لأمر حمـه الـلـه مـدفـع
ضربناهم حتى تركنا سـراتـهـم كأنهم بالقـاع خـشـب مـصـرع
لدن غـدوة حـتـى استفـقنا عـشـية كأن ذكانا حر نار تلـفع
ورحنا وأخرانا بطاء كأننا أُسودٌ على لحم بـبـيشة ظلع
فنلـنـا ونال القوم منا وربما فعلـنـا ولكـن ما لدى الله أوسع
ودارت رحانا واستدارت رحاهـم وقد جعلوا كل من الشر يشـبع
ونحن أناس لا نـرى الـقتل سبة على كل من يحمي الزمار ويمنع
جلاد على ريب الحادث لا نرى عل هالك عينـا لنـا الدهـر تدمع
بنـو الحرب لا نعيا بشـيء نـقوله ولا نحن مما جرت الحرب نجزع
بنو الحرب إن نظفر فلسـنا بفحش ولا نحن من أظفارها نتـوجـع
وكنـا شهابـا يتقي النـاس حـره ويفرح عنه من يليه ويسـفــع
فخرت على ابن الزبعرى وقد سـرى لكم طلب مـن آخر الليل متبـع
فسل عنك في علـيا مـعد وغيرها من الناس من أخزى مقاما وأشـنع
ومن هو لم تترك له الحرب مفخرًا ومن خده يوم الـكريهة أضـرع
شددنـا بحول الله والـنصر شدةً علكيم وأطراف الأسـنَّة شـرع
تكر القنـا فـيكـم كـأن فروعها عزالى مـزدا مـاؤها يتـهـزع
عمدنــا إلـى أهل اللواء ومن يطر بذكر اللواء فهو في الحمد أسـرع
فخانوا وقد أعطوا يداً وتخـاذلـوا أبى الله إلا أمره وهو أصنـع
قال ابن هشام: وكان كعب بن مالك قد قال:
مجالدنا عن جذمنا كل فخمة
فقال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: أيصلح أن تقول: مجالدنا عن ديننا؟
فقال كعب: نعم؛ فقال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: فهو أحسن.
فقال كعب: مجالدنا عن ديننا.
ما قاله ابن الزبعرى
قال ابن إسحاق: وقال عبدالله بن الزبعرى في يوم أحد:
يا غراب البين اسمعتَ فقل إنما تنطق شيئاً قـد فـعـل
إن للخير وللـشـر مـدى وكلا ذلـك وجـه وقـبـل
والعطيات خساس بينـهـم وسواء قبر مـثـرٍ ومـقـل
كل عـيش ونـعـيم زائل وبنات الدهر يلعـبـن بـكـل
أبلغن حسَّـان عـنـي آية فقريض الشعر يشفي ذا الغلل
كم ترى بالجر من جمجمة وأكـف قـد أُتِـرَّت ورجـل
وساربيلَ حسَّـانَ سُـرِيَتْ عن كُماة أهلكوا في المنتزل
كم قتلنا مـن كـريم سـيد ماجد الجدين مقـدام بـطـل
صادق النجدة قـرم بـارع غير ملتاث لدى وقع الأسـل
فسل المهراس من ساكنه؟ بين أقحاف وهام كالـحـجـل
ليت أشياخي ببدر شـهـدوا جزع الحزرج من وقع الأسل
حين حكَّت بقباءٍ بركـهـا واستحرَّ القتل في عبد الأشل
ثم خَفوُّا عند ذاكم رُقَّـصـاً رقص الحفَّان يعلو في الجبل
فقتلنا الضعف من أشرافهم وعدلنا ميل بدر فـاعـتـدل
لا ألوم النـفـس إلا أنـنـا لو كررنا لفعلنا المفـتـعـل
بسيوف الهند تعلوا هامهـم عَلَلاً تعلوهم بـعـد نـهـل
إجابة حسَّان له
فأجابه حسَّان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه: قال:
ذهبت يا ابن الزبعرى وقعة كان منا الفضل فيها لو عَدَل
ولقد نلتم ونلنـا مـنـكـم وكذاك الحرب أحـيانـا دول
نضع الأسياف في أكتافكـم حيث نهوى عللاً بعد نـهـل
نخرج الأصبح من أستاهكم كسلاح النِّيب يأكلن العـصـل
إذ تولُّون على أعقـابـكـم هُرَّباً في الشِّعب أشباه الرسل
إذ شددنـا شـدة صـادقة فأجأناكم إلى سفح الـحـبـل
بخناطيل كأمـذاق الـمـلا من يلاقوه من النـاس يهـل
ضاق عنَّا الشِّعب إذ نجزعه وملأنا الفرط منه والرجـل
برجال لستم أمـثـالـهـم أُيِّدُوا جبريل نصراً فـنـزل
وعلونا يوم بدر بالـتـقـى طاعة الله وتصديق الرسـل
وقتلنا كل رأس مـنـهـم وقتلنا كل جحـجـاح رفـل
وتركنا فـي قـريش عـورة يوم بـدر وأحـاديث الـمـثـل
ورسول الله حـقـاً شـاهـد يوم بدر والتنـابـيل الـهـبـل
في قريش من جموع جمعـوا مثل ما يجمع في الخصب الهمل
نحن لا أمثالكم وُلْدَ اسـتـهـا نحضر الناس إذا البـأس نـزل
قال ابن هشام: وأنشدني أبو زيد الأنصاري: (وأحاديث المثل) والبيت الذي قبله.
وقوله: في قريش من جموع جمعَّوا، عن غير ابن إسحاق.
شعر لكعب يبكي به حمزة وقتلى أحد
قال ابن إسحاق: وقال كعب بن مالك: يبكي حمزة بن عبدالمطلب، وقتلى أحد من المسلمين
نَشجْتَ وهل لك من منشـجِ وكنت متى تذكـر تـلـجـج
تذكُّر قومٍ أتـانـي لـهـم أحاديث في الزمـن الأعـوج
فقلبك من ذكرهم خـافـق من الشوق والحزن المنضِـج
وقتلاهم في جنان النـعـيم كرام المداخل والـمَـخـرَج
بما صبروا تحت ظلّ اللِّواء لواء الرسول بذي الأضـوج
غداة أجابت بـأسـيافـهـا جميعا بنو الأوس والخـزرج
وأشياع أحمـد إذ شـايعـوا على الحق ذي النور والمنهج
فما برحوا يضربون الكمـاة ويمضون في القسطل المرهج
كذلك حتى دعاهم مـلـيك إلى جـنة دوحة الـمـولـج
فكلهم مات حـر الـبـلاء على ملة الـلـه لـم يحـرج
كحمزة لما وفى صـادقـا بذي هبة صـارم سـلـجـج
فلاقاه عبد بـنـي نـوفـل يبربر كالـجـمـل الأدعـج
فأوجره حربة كالشـهـاب تلهب في اللهب الـمـوهـج
ونعمان أوفى بـمـيثـاقـه وحنظلة الخـير لـم يحـنـج
عن الحق حتى غدت روحه إلى منزل فاخـر الـزبـرج
أولئك لا من ثوى مـنـكـم من النار في الدرك المرتـج
ما أجابه به ضرار
فأجابه ضرار بن الخطاب الفهري فقال
أيجزع كعـب لأشـياعـه ويبكي من الـزمـن الأعـوج
عجيج المذكي رأي إلـفـه تروح في صـادر مـحـنـج
فراح الـروايا وغـادرنـه يعجعج قـسـرا ولـم يحـدج
فقولا لكعب يثني الـبـكـا وللنيء من لحـمـه ينـضـج
لمصرع إخوانه في مكـرٍّ من الخيل ذي قسطل مرهـج
فيا ليت فهـرا وأشـياعـه وعتبة في جمعنـا الـسـورج
فيشفوا النفوس بأوتـارهـا بقتلى أصيبت من الـخـزرج
وقتلى من الأوس في معرك أصيبوا جميعا بـذي الأضـوج
ومقتل حمزة تحت اللـواء بمـطـرد مـارن مـخـلـج
وحيث انثنى مصعب ثـاويا بضربة ذي هـبة سـلـجـج
بأحد وأسـيافـنـا فـيهـم تلهب كاللـهـب الـمـوهـج
غداة لقيناكم فـي الـحـديد كأسد البراح فلـم تـعـنـج
بكل مجلِّحة كـالـعـقـاب وأجرد ذي مـيعة مـسـرج
فدسناهم ثم حتى انـثـنـوا سوى زاهق النفس أو محـرج
قال ابن هشام: وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لضرار.
وقول كعب ذي النور والمنهج عن أبي زيد الأنصاري.