ومن العلماء مَنْ حسَّن حديثه –مع التسليم بقول من ضعَّفه-؛ استنادًا إلى وجود شاهدٍ لحديثه؛ كما فعل الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/ 321، ط. دار الكتب العلمية)، وقال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" (5/ 204، ط. مكتبة القدسي): [وثقه أحمد بن صالح، ورد على من تكلم فيه] اهـ. وقال (8/ 185): [وثقه يحيى القطان وغيره] اهـ. وأمَّا الحافظ الذهبي فقد وصفه في "سير أعلام النبلاء" (6/ 411، ط. مؤسسة الرسالة)؛ فقال: [الإمام، القدوة، شيخ الإسلام، أبو أيوب الشعباني، الإفريقي، قاضي إفريقية، وعالمها، ومحدثها، على سوء في حفظه] اهـ.
على أنه لم يصفه أحدٌ من المتقدمين –كما تبيَّن- بسوء الحفظ.
ووالد ابن عبد الحكم هو: عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن ليث المصري، نقل ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (5/ 106) قولَ الحافظ أبي زرعة: ثقة، وقول الحافظ أبي حاتم: [صدوق] اهـ. وقال الخليلي في "الإرشاد في معرفة علماء الحديث" (1/ 263، ط. مكتبة الرشد): [ثقة مشهور] اهـ. توفي سنة 214هـ.
وإسماعيل هو ابن عياش بن سليم العنسي الحمصي، إمام حافظ، قال البخاري: إذا حدث عن أهل بلده فصحيح، وإذا حدث عن غيرهم ففيه نظر، وقال يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" (2/ 424، ط. مؤسسة الرسالة): [تكلم قوم في إسماعيل، وإسماعيل ثقة عدل أعلم الناس بحديث الشام، ولا يدفعه دافع، وأكثر ما تكلموا قالوا: يغرب عن ثقات المدنيين والمكيين] اهـ. ونقل الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (1/ 323، ط. مطبعة دائرة المعارف النظامية) قولَ يزيد بن هارون: [ما رأيت أحفظ من إسماعيل بن عياش ما أدري ما سفيان الثوري] اهـ. وقولَ أبي بكر بن أبي خيثمة: سئل يحيى بن معين عن إسماعيل بن عياش فقال: [ليس به في أهل الشام بأس والعراقيون يكرهون حديثه] اهـ. وقال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (8/ 312، ط. مؤسسة الرسالة): [الحافظ، الإمام، محدث الشام، بقية الأعلام] اهـ. توفي سنة 181هـ.
ومسلم بن يسار هو أبو عثمان الطُّنبُذي -بضم الطاء وسكون النون وضم الموحدة والذال معجمة؛ كما ضبطه الحافظ ابن حجر في "تبصير المنتبه بتحرير المشتبه" (3/ 871، ط. المكتبة العلمية)-، روى له مسلم في "صحيحه"، قال العجلي في "معرفة الثقات" (504 رقم 1997، ط. دار الباز): [تابعي ثقة] اهـ. وذكره ابن حبان في "الثقات" (5/ 390، ط. دائرة المعارف العثمانية)، وقال في "مشاهير علماء الأمصار" (196 رقم 947، ط. دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع): [من جلة المصريين] اهـ. وقال الذهبي في "الكاشف" (2/ 261، ط. دار القبلة للثقافة الإسلامية): [ثقة] اهـ. توفي سنة 110هـ. وهذا حديثٌ مرسَلٌ حسن؛ أرسله ثقة من القرون المفضلة.
وأخرج ابن عبد الحكم أيضًا في "فتوح مصر والمغرب" (ص: 22) عن موسى بن أيَّوب الغافقيِّ، عن رجل من الزبد أن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم مرض، فأغمى عليه ثم أفاق، فقال: «اسْتَوْصُوا بِالْأُدْمِ الْجُعْدِ»، ثم أغمى عليه الثانية ثم أفاق، فقال مثل ذلك، قال: ثم أغمى عليه الثالثة فقال مثل ذلك، فقال القوم: لو سألنا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم من الأدم الجعد! فأفاق، فسألوه فقال: «قِبْطُ مِصْرَ؛ فَإِنَّهُمْ أَخْوَالٌ وَأَصْهَارٌ، وَهُمْ أَعْوَانُكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ، وَأَعْوَانُكُمْ عَلَى دِينِكُمْ» قالوا: كيف يكونون أعواننا على ديننا يا رسول الله؟ قال: «يَكْفُونَكُمْ أَعْمَالَ الدُّنْيَا وَتَتَفَرَّغُونَ لِلْعِبَادَةِ؛ فَالرَّاضِي بِمَا يُؤْتَى إِلَيْهِمْ كَالْفَاعِلِ بِهِمْ، وَالْكَارِهُ لِمَا يُؤْتَى إِلَيْهِمْ مِنَ الظُّلْمِ كَالْمُتَنَزِّهِ عَنْهُمْ». وهذا حديث جيِّد الإسناد؛ فموسى بن أيوب الغافقي [ت153هـ] من خيار المصريين؛ كما قال ابن حبان في "مشاهير علماء الأمصار" (ص: 298، ط. دار الوفاء)، وذكره في "الثقات" (7/ 455، ط. دائرة المعارف العثمانية) فقال: [موسى بن أيوب الغافقي من أهل مصر، يروي عن جماعة من التابعين، روى عنه أهل مصر] اهـ. وأخرج الدوري عن ابن معين في "تاريخه" (4/ 429، ط. مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي) عن ابن معين أنه قال فيه: [موسى بن أيوب الغافقي ثقة] اهـ. وقال أحمد بن حنبل: [شيخ روَوْا عنه] اهـ. كما في "سؤالات أبي داود للإمام أحمد" (ص 243 رقم 249، ط. مكتبة العلوم والحكم)، وقال العجلي في "معرفة الثقات" (443 رقم 1654، ط. دار الباز): [مصري، لا بأس به] اهـ. وقال الحافظ الذهبي في "الكاشف" (2/ 302، ط. دار القبلة): [ثقة فقيه] اهـ. وقال في "المغني في الضعفاء" (2/ 682، ط. تحقيق د. نور الدين عتر): [موسى بن أيوب الغافقي عن عمه عن علي: أنكر حديثه ابنُ معين، ووثقه أيضًا] اهـ. وقال الحافظ أبو زرعة العراقي في "تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل" (ص: 319، ط. مكتبة الرشد): [موسى بن أيوب بن عامر الغافقي روى عن عقبة بن عامر الجهني مرسلًا ذكره في التهذيب] اهـ. وقال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (7/ 402، ط. دائرة المعارف النظامية): [وثقه ابن معين وأبو داود] اهـ. روى له أبو داود، والنسائى، وابن ماجه.
وأخرج ابن هشام في "السيرة النبوية" (1/ 6، ط. شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي)، والزبير بن بكار في "المنتخب من كتاب أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم" (ص: 60، ط. مؤسسة الرسالة)، ومن طريق ابن هشام ابنُ عبد الحكم في "فتوح مصر والمغرب" (ص 22، مكتبة الثقافة الدينية) من طريق عبد الله بن وهب، عن ابن لهيعة، عن عمر مولى غُفْرة، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اللهَ اللهَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ، أَهْلِ الْمَدَرَةِ السَّوْدَاءِ، السُّحْمِ الْجِعَادِ؛ فَإِنَّ لَهُمْ نَسَبًا وَصِهْرًا»، وهو حديث حسن؛ فإن عمر مولى غُفْرة [المتوفى 145هـ] قال فيه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (5/ 426، ط. دار الكتب العلمية): [كان ثقة كثير الحديث ليس يكاد يسند. وهو يرسل أحاديثه. أو عامتها] اهـ. وأخرج ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (6/ 119، ط. دار إحياء التراث العربي) عن أحمد بن حنبل: [ليس به بأس ولكن أكثر حديثه مراسيل] اهـ. وقال البخاري في "التاريخ الكبير" (6/ 169، ط. دائرة المعارف العثمانية): [قال عيسى بن يونس: أدرك ابن عباس، رضي الله عنهما] اهـ. وقال العجلي في "معرفة الثقات" (359 رقم 1238، ط. دار الباز): [مدني، ثقة، رجل صالح] اهـ. وقال ابن منده في "فتح الباب في الكنى والألقاب" (210 رقم 1715، ط. مكتبة الكوثر): [حدث عن: أنس بن مالك، ونافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما] اهـ. وقال ابن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال" (6/ 69): [عمر مولى غفرة ليس هو بكثير الحديث وقد روى عنه الثقات، وهو ممن يكتب حديثه] اهـ. وقال الحافظ الذهبي في "الكاشف" (2/ 64، ط. دار القبلة للثقافة الإسلامية): [يقال أدرك ابن عباس، سمع أنسًا وابن المسيب] اهـ. روى له أبو داود، والترمذي.
وبناءً على ذلك فإن أمْرَ عمر مولى غُفْرة ليس ببعيد عن الدرجة العليا من التوثيق؛ فهو حسن الحديث ما دام لم يخالف غيره؛ إذ هو مقبولٌ غير متهم بكذب ولا في بمغموزٍ في عدالته، كما أن بعض أئمة الحديث عده من التابعين، وهم أهل القرون المفضلة الموسومين بالعدالة ما لم يثبت في حقم خلاف ذلك، ومراسيلهم حسنة؛ ولا سيما في أحاديث الفضائل؛ كما هو مذهب جماهير المحدِّثين والعلماء.
ومن ذلك: ما أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (6/ 314، ط. دائرة المعارف العثمانية)، وابن عبد الحكم في "فتوح مصر والمغرب" (ص: 342-343، ط. مكتبة الثقافة الدينية)، وعمر بن شبة في "تاريخ المدينة" (3/ 1116، ط. على نفقة السيد حبيب محمود)، ويعقوب بن سفيان الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (1/ 330، ط. مؤسسة الرسالة)، وأبو زرعة الدمشقي في "الفوائد المعللة" (ص: 160، ط. مكتبة الإمام الذهبي)، والبزار في "مسنده" (6/ 287، ط. مكتبة العلوم والحكم)، وابن قانع في "معجم الصحابة" (2/ 202، ط. مكتبة الغرباء الأثرية)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (8/ 315، ط. دار الحرمين)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 495، ط. دار الكتب العلمية)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (45/ 492-493، ط. دار الفكر)، واللفظ للحاكم، عن أبي شريح عبد الرحمن بن شريح، عن عميرة بن عبد الله المعافري، عن أبيه، عن عمرو بن الحَمِق الخُزَاعيِّ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «سَتَكُونُ فِتْنَةٌ أَسْلَمُ النَّاسِ فِيهَا -أَوْ قَالَ: لَخَيْرُ النَّاسِ فِيهَا- الْجُنْدُ الْغَرْبِيُّ» فلذلك قدمت مصر. قال الحاكم: [هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه] اهـ. قال الحافظ الذهبي في تعليقه على "المستدرك": [صحيح] اهـ.
وهذا الحديث لم ينفرد به أبو صالح عبد الله بن صالح الجهني، كاتب الليث عن أبي شريح، بل تابعه كلٌّ من الإمام عبد الله بن وهب، وحسبك به، وعمران بن عطية الجذامي. وليس في الإسناد ما يعاب؛ فلقد روى عن عميرة بن عبد الله المعافري أكثرُ من واحد؛ حيث روى عنه: أبو شريح عبد الرحمن بن شريح، وعبد الله بن عياش القتباني؛ كما ذكر ابن ماكولا في "الإكمال" (6/ 278، ط. دار الكتب العلمية) فارتفعت جهالة عينه، وأما حاله فهو على الأصل من السلامة والعدالة مما أثبتاه سابقًا لأصحاب القرون المفضلة؛ حيث لم يثبت في حقه خلاف ذلك، ولم يصحح الحاكم والذهبي حديثه إلا وقد عرفاه وارتفعت لديهما جهالته؛ والحاكم من أوسع أئمة الإسلام رواية، وكان قد كتب عن ألفي شيخ، أو زيادة. وأما والده عبد الله المَعَافِرِيُّ فهو إما صحابي، أو من كبار التابعين، أهل القرن الأول، المشهود لهم بالصدق والفضل.
ولقد توبع عميرة المعافري في هذا الحديث؛ فلقد أخرج الحافظ أبو زرعة الدمشقي في "الفوائد المعللة" (ص: 160، ط. مكتبة الإمام الذهبي) من طريق عبد الله بن صالح، نا أبو شريح عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني، عن عميرة بن ناجية، عن أبيه، عن عمرو بن الحمق رضي الله عنه. وفي رواية عمر بن شبة لهذا الحديث: أنه قام عند المنبر بمصر -وذاك عند فتنة عثمان رضي الله عنه- فقال: أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، خَيْرُ النَّاسِ فِيهَا الْجُنْدُ الْغَرْبِيُّ» وأنتم الجند الغربي، فجئتكم لأكون فيما أنتم فيه، قال الليث: فكان معهم في أشرِّ أمورهم. ولقد توبع والد عميرة في هذا الحديث؛ تابعه جبير بن نفير؛ فلقد أخرج البخاري في "التاريخ الكبير" (6/ 314) بسند صحيح من طريق حيوة عن بقية عن بُحَيْرٍ عن خالد حدثنا جُبَير: أن عُمَرَ الحَمِقِيَّ حدثه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قال البخاري: وَلا يَصِحُّ عُمَر. وهذا إسنادٌ صحيحٌ متصل لا مطعن فيه؛ ورجاله ثقات، والخطأ من أحد رواته في اسم الصحابي لا ينزل بهذا الراوي عن مرتبة التوثيق العليا؛ وقد كان شعبة يخطئ في الأسماء؛ وفهم ذلك أهل الحديث في كل العصور وقرروه في كتبهم، من ذلك ما قاله الحافظ ابن عديٍّ في "الكامل في ضعفاء الرجال" (7/ 105): [إنَّ الثقة، وإن كان ثقة، فلا بدَّ فإنه يَهِم في الشيء بعد الشيء] اهـ.
وأخرجه نعيم بن حماد في "الفتن" (1/ 54، ط. مكتبة التوحيد) من طريق الوليد، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تَكُونُ فِتْنَةٌ تَشْمَلُ النَّاسَ كُلَّهُمْ، لَا يَسْلَمُ مِنْهَا إِلَّا الْجُنْدُ الْغَرْبِيُّ»، وهو صحيح مرسل؛ أرسله ثقة من القرون المفضلة (53- 128هـ)، وإنما ارتقى من مرتبة الحسن إلى الصحة لمتابعاته التي ذكرناها، ومرسلات يزيد جيدة؛ ولا سيما وهو يقول فيما نقله أبو داود السجستاني في "رسالته إلى أهل مكة" (ص: 30، ط. دار العربية): [إذا سمعت الحديث فانشده كما تنشد الضالة، فإن عرف وإلا فدعه] اهـ. وكما قال الحافظ أبو زرعة العراقي في "تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل" (ص: 53، ط. مكتبة الرشد): [المرسل إنما تظهر فائدته إذا كان المُرسِل محتجًّا به] اهـ. ويزيد بن أبي حبيب تابعيٌّ مصري إمامٌ كبير مُفْتٍ عالِم ثقةٌ جليل لم يختلف في ذلك أحد. فهذا الحديث صحيح، بالإضافة إلى أن له متابعةً وشاهدًا على ما بيَّنَّا.
وأخرج البزار في "مسنده" (10/ 79، ط. مكتبة العلوم والحكم)، والطبراني في "مسند الشاميين" (3/ 262-263، ط. مؤسسة الرسالة)، وعبد الجبار الخولاني في "تاريخ داريا" (ص: 49، ط. مطبعة البرقي)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (1/ 71، ط. دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع) عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّكُمْ سَتُجَنِّدُونَ أَجْنَادًا؛ جُنْدًا بِالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ وَالْيَمَنِ». قال البزار: [وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحسن من حديث أبي الدرداء هذا، وقد روي عن غير أبي الدرداء نحو من هذا الكلام وذكرنا حديث أبي الدرداء رضي الله عنه لجلالته وحسن إسناده] اهـ.
وقال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" (4/ 30، ط. دار الكتب العلمية): [رواه البزار والطبراني من حديث أبي الدرداء بإسنادٍ حسن] اهـ. وقال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" (10/ 58، ط. مكتبة القدسي): [وفيهما سليمان بن عقبة، وقد وثقه جماعة، وفيه خلاف لا يضر، وبقية رجاله ثقات] اهـ. وقال الإمام السيوطي في "حسن المحاضرة" (1/ 16، ط. دار إحياء الكتب العربية): [سند صحيح] اهـ. وقال في "الدر المنثور" (3/ 528، ط. دار الفكر): [أخرجه البزار والطبراني بسندٍ حسن] اهـ.
ولقد ذَكَر المقريزي في "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" (1/ 46، ط. دار الكتب العلمية) عن تبيع بن عامر الكلاعيِّ قال: [أقبلت من الصائفة فلقيت أبا موسى الأشعريَّ رضي الله عنه فقال لي: من أين أنت؟ فقلت: من أهل مصر، قال: من الجند الغربيِّ؟ فقلت: نعم، قال: الجند الضعيف؟ قال: قلت: أهو الضعيف؟ قال: نعم، قال: أما إنه ما كادهم أحد إلا كفاهم الله مؤنته، اذهب إلى معاذ بن جبل حتى يحدَّثك، قال: فذهبت إلى معاذ بن جبل رضي الله عنه فقال لي: ما قال لك الشيخ؟ فأخبرته، فقال لي: وأيُّ شيء تذهب به إلى بلادك أحسن من هذا الحديث، أكتبت في أسفل ألواحك؟ فلما رجعت إلى معاذ رضي الله عنه أخبرني أن بذلك أخبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.
ومن ذلك أيضًا: ما أخرجه أبو العرب التميمي في "طبقات علماء إفريقية" (ص: 11، ط. دار الكتاب اللبناني) عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لا يَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي بِالْمَغْرِبِ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَرَوْا يَوْمًا قَتَامًا، فَيَقُولُونَ: غُشِيتُمْ، فَيَبْعَثُونَ خَيْلَهُمْ يَنْظُرُونَ، فَيَرْجِعُونَ إِلَيْهِمْ، فَيَقُولُونَ: الْجِبَالُ سُيِّرَتْ فَيَخِرُّونَ سُجَّدًا، فَتُقْبَضُ أَرْوَاحُهُمْ». وأخرج أيضًا من طريق يحيى بن عون، قال: حدثنا أبو زكرياء الحفري -في ترتيب المدارك: الجعفري-، قال: حدثنا أبو معمر عباد بن عبد الصمد، قال: حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «سَتُجَنِّدُونَ أَجْنَادَكُمْ، وَخَيْرُ أَجْنَادِكُمُ الْجُنْدُ الْغَرْبِيُّ».
وأخرج ابن عبد الحكم في "فتوح مصر والمغرب" (ص 21) من طريق عبد الملك بن مسلمة، ويحيى بن عبد الله بن بكير، عن ابن لهيعة. والدولابي في "الكنى والأسماء" (2/ 573، ط. دار ابن حزم) من طريق يونس بن عبد الأعلى قال: أنبأ ابن وهب قال: أخبرني ابن لهيعة.
ورواه ابن لهيعة عن ابن هبيرة، أن أبا سالم الجيشانيَّ سفيان بن هانئ، أخبره أن بعض أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم، أخبره أنه سمع رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم، يقول: «إِنَّكُمْ سَتَكُونُونَ أَجْنَادًا، وَإِنَّ خَيْرَ أَجْنَادِكُمْ أَهْلُ الْغَرْبِ مِنْكُمْ؛ فَاتَّقُوا اللهَ فِي الْقِبْطِ؛ لَا تَأْكُلُوهُمْ أَكْلَ الْحَضِر»، والحَضِر هو الذي يتحين طعام الناس حتى يحضُره، وفي رواية: «أَكْلَ الْخَضِر»؛ وهو النبات الغضُّ.
وأخرج مسلم في "صحيحه" عن سعد بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ على الْحَقِّ حتى تَقُومَ السَّاعَةُ».
ومصنفو كتب التاريخ من كبار المحدثين والمؤرخين وأئمتهم قد أوردوا هذه الأحاديث في كتبهم؛ وذلك في مقام الاحتجاج بها على فضائل مصر.