أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة غافر الآيات من 32-35 الأحد 11 يوليو 2021, 6:45 pm | |
| وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٣) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
يوم الأحزاب كان في الدنيا، أما يوم التناد فيوم القيامة، فكأنه حذَّرهم بيوم الأحزاب من المصائب التي تأتيهم في دنياهم، ثم حذرهم بيوم الجزاء يوم القيامة فقال: (وَيٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ) (غافر: 32) والتناد تفاعل يعني: تناديني وأناديك، والتنادي يوم القيامة سيكون من وجوه عدة، يقول تعالى: (يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) (الإسراء: 71) وهذا أول نداء، يقول: يا أمة محمد، يا أمة عيسى، يا أمة موسى.. إلخ أو أن ينادي بعضهم بعضاً.
وقد ذكر الحق سبحانه صوراً متعددة من هذه النداءات، فقال سبحانه: (وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً) (الأعراف: 44).
وقال: (وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ..) (الأعراف: 50).
وقال: (وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ..) (الأعراف: 48) وأصحاب الأعراف جماعة استوت حسناتهم وسيئاتهم ولم يدخلوا الجنة، ومع ذلك يشمتون في الكفار.
أو: أن التناد ليس من مناداة بعضنا لبعض، إنما هو من الفعل (ندَّ) يعني: بعُد وشرد، يعني: يوم التناد يوم تشرد مني وأشرد منك، وهذا مثل قوله تعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) (عبس: 34-36) والمراد: يفر منهم وهم كذلك يفرون منه، فكلٌّ يهرب من الآخر لانشغاله بنفسه.
لكن ماذا يقصد الرجل المؤمن بذلك؟
قالوا: يريد أن يقول لهم: إنْ كنتم تظاهرون بعضاً على الباطل في الدنيا فاعلموا أنكم ستفرون من بعض في الآخرة (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) (غافر: 33).
وتأمل هنا حبكة الأداء القرآني، فحينما يأتي بلفظ يحمل معنيين أو يجمع بين معنيين يأتي بما يدل على كل منهما، فهنا مثلاً قال (يَوْمَ ٱلتَّنَادِ) (غافر: 32) بمعنى المناداة.
وقال: (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) (غافر: 33) بمعنى الفرار، فجمع بين المعنيين في كلمة (التناد).
ومن ذلك أيضاً قوله تعالى في سورة الرحمن(ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) (الرحمن: 6) فالشمس والقمر مخلوقات علوية، والشجر أرضي وبينهما كلمة (النجم) ولها معنيان: الأول: المتبادر إلى الذِّهْن هو النجم العالي في السماء من جنس الشمس والقمر، والآخر (النجم) بمعنى: العُشْب الذي لا ساقَ له، وهو جنس الشجر.
وقوله: (مَا لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (غافر: 33) (مِنْ عَاصِمْ) يعني: لا أحد يستطيع أن يمنعكم من الله، ولا يدفع عنكم بأساً إنْ نزل بكم (وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (غافر: 33) يعني: من يحكم الله بضلاله لا يهديه أحد..
لماذا؟
قالوا: لأن الله تعالى سيعينه ويُمكنه من الضلال.
لذلك قلنا: إذا أحبَّ العبدُ شيئاً قال الله لعبده: أحببته يا عبدي سأبليك به، كمن مات له عزيز مثلاً فحزن عليه حزناً شديداً وبالغ فيه واستمرأ الحزن، فيقول الله له: أحببتَ الحزن وعشقته، سوف أزيدك منه، كلما تقادم جددته لك.
لذلك قال أهل المعرفة: أغلقوا أبواب الحزن بمسامير الرضا، لأنكم إنْ ألفتم الحزن وعشقتموه أدامه الله عليكم، لأنه سبحانه ربكم والمتولي لأموركم، ويعطي كلاً منكم بُغْيته، حتى الكافر الذي أحب الكفر وعده الله أنْ يعينه عليه، لذلك يختم على قلبه بحيث لا يدخله الإيمان ولا يخرج منه الكفر.
ثم يستمر الرجل المؤمن من آل فرعون في نصحه لقومه فيقول: (وَلَقَدْ جَآءَكُـمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيِّنَاتِ...). |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة غافر الآيات من 32-35 الأحد 11 يوليو 2021, 6:47 pm | |
| وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (٣٤) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
لَمَّا جاء يوسف عليه السلام لم يكُنْ في زمنه فرعونٌ على مصر، إنما كان هناك ملك هو العزيز، لذلك لَمَّا تقرأ قصة سيدنا يوسف عليه السلام لا تجد ذكراً لفرعون أبداً كما في قصة سيدنا موسى، ولَمَّا عرفنا أحداث التاريخ المتعاقبة واستطعنا أن نُرجع الأحداث إلى أزمانها عرفنا أن يوسف كان في فترة ملوك الرعاة (الهكسوس)، وهؤلاء بعد أنْ دخلوا مصر قضوا على حكم الفراعنة وألغوا الفرعونية وجعلوا أنفسهم ملوكاً، لذلك يقول في القصة: (وَقَالَ ٱلْمَلِكُ) (يوسف: 43) ولم يقُل فرعون.
ولَمَّا عادتْ الفرعونيةُ مرة أخرى أخذوا يضطهدون بني إسرائيل لأنهم كانوا يُناصرون الملك ويؤيدونه.
قوله (بِٱلْبَيِّنَاتِ) (غافر: 34) أي: الآيات الواضحات الدالة على صدقه في البلاغ عن الله (فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُـمْ بِهِ) (غافر: 34) أي: تشكُّون في صدق رسالته (حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ) (غافر: 34) يعني: مات (قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً) (غافر: 34) قالوا: ذلك لأنهم ينكرون الرسالة، فهم في أنفسهم منافقون (كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ) (غافر: 34) يعني: متجاوز للحد (مُّرْتَابٌ) (غافر: 34) شَاكٌّ في الرسالة مُكذِّب لها. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة غافر الآيات من 32-35 الأحد 11 يوليو 2021, 6:48 pm | |
| الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
وهل هناك جدل في الله وله سلطان يؤيد؟
قالوا: نعم الجدل المقصود جدلٌ في الله.
يعني: في أمر الله للإثبات، وجدل من المقابل لنفيه.
وقلنا: إن الآيات تأتي على معانٍ ثلاثة: آيات كونية تدل على طلاقة قدرة الخالق سبحانه، وآيات لإثبات صِدْق الرسل في البلاغ عن الله وهي المعجزات وآيات القرآن التي تحمل الأحكام.
ففي أيِّ هذه الأنواع كانوا يجادلون؟
أولاً: جادلوا في آيات المعجزات وقالوا عنها سحر، والرد على هذا الادعاء سهل، إذ نقول لهم: الذي سحر الناس فآمنوا به، لماذا لم يسحركم أنتم أيضاً لتؤمنوا به وعندها تنتهي المسألة؟
كذلك جادلوا في آيات الأحكام..
لماذا؟
لأن كل حكم يُنزله الله على عباده يمنع طغيان جيل في جيل أو فرد في فرد، وهذا ينافي مصلحة أهل التسلط والكبرياء في الأرض: (تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص: 83).
أما الآيات الكونية التي تثبت قدرة الخالق سبحانه كالشمس والقمر والنجوم وغيرها فليست مجالاً للجدل, لذلك لم يجادلوا فيها.
ومعنى (كَبُرَ مَقْتاً) (غافر: 35) أي: أن هذا الجدل في آيات الله بغير حقٍّ جدلٌ ممقوت يبغضه الله بغضاً كبيراً، ويبغضه الذين آمنوا الذين يحرصون على دين الله وتقوية دواعي الإيمان به في النفوس.
(كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُـلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) (غافر: 35) معنى (يَطْبَعُ) أي: يختم على قلبه.
والمتكبر: هو الذي يفتعل الكبر ويدعيه وليس عنده مبرراته، فهو يتكبر بلا رصيد عنده للكبر.
لذلك ورد الحديث القدسي الذي يوضح هذه المسألة، ويقسم المجتمع الإيماني إلى اثني عشر قسماً، ست منها في المحبوبية: منها ثلاثة للمحبوبية العليا، وثلاثة للمحبوبية الأقل.
وستٌّ أيضاً للمبغضين منها ثلاثة للمبغضين، وثلاثة للمبغضين أقلّ، فانظر في أيِّها يكون المتكبر.
قال تعالى في الحديث القدسي: "أحب ثلاثاً وحبي لثلاث أشدّ: أحب الفقير المتواضع وحبي للغني المتواضع أشدّ، وأحب الشيخ الطائع وحبي للشاب الطائع أشدّ، وأحب الغني الكريم وحبي للفقير الكريم أشدّ، وأبغض ثلاثاً وبغضي لثلاث اشدّ: أبغض الغني المتكبر وبغضي للفقير المتكبر أشدّ، وأبغض الشاب العاصي وبغضي للشيخ العاصي أشدّ، وأبغض الفقير البخيل وبغضي للغني البخيل أشدّ".
ففي ضوء هذا الحديث نتعلم أن المجتمع الإيماني ينبغي أن يكون غنيه متواضعاً، وفقيره كريماً، وشبابه طائعاً.
هذه صورة أرقى المجتمعات وأعلاها يأتي بعده في المرتبة مجتمع: فقيره متواضع، وغنيه كريم، وشيخه طائع.
إذن: قلنا إن المتكبر مَنْ يتكبّر وليس عنده مبررات الكبر، فماذا لو كان عنده مبررات الكبر؟
نقول: إنْ كان عنده مبررات الكبر فإنه ينقصه أنه يتكبر بشيء غير ذاتي فيه ومن الممكن أنْ يُسلب منه، كمن يتكبر بعافيته فقد يسلبها الله منه لأنها عَرَضٌ زائل عنك، ثم إن المتكبر حينما يرى مَنْ هو أكبر منه يتضاءل في كبريائه، ولو أنه رأى ببصيرته كبرياء ربه لما تكبَّر. |
|