توصيات الندوة الطبية الفقهية الثانية لهذا العام
بعنوان:
فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وما يتعلق به من معالجات طبية وأحكام شرعية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتمهم محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومَنْ تبعه بإحسان إلى يوم الدين...
وبعد:
فنظراً لازدياد عدد الإصابات والوفيات نتيجة تفشي جائحة الكورونا يوماً بعد يوم في كلّ أنحاء العالم،
وبناءً على انتشار هذا المرض عقد مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي،
الندوة الطبية الفقهية الثانية لهذا العام بعنوان:
“فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وما يتعلق به من معالجات طبية وأحكام شرعية”
بواسطة الفيديو عن بُعد بتاريخ 23 شعبان ١٤٤١هـ، الموافق 16 أبريل ٢٠٢٠م،
وتحدَّث خلال الندوة الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي:
الدكتور يوسف العثيمين،
مبيناً أن الندوة تتيح فرصة للتوفيق بين آراء العلماء في ميادين الطب والشريعة،
بغية صياغة موقف متناغم،
يساهم في دعم مشروع صُنَّاع القرار في الدول الأعضاء،
نظراً لأن جائحة كورونا تهدد البشرية دون فرق بين لون أو جنس أو مُعتقد.
وألقى معالي الدكتور صالح بن حميد،
المستشار بالديوان الملكي السعودي،
رئيس المجمع،
كلمة تحدَّث فيها عن أهمية دور مجمع الفقه الإسلامي الدولي،
الذي تولى تركيز القواعد الفقهية الطبية منذ نشأته،
والتصدي إلى المسائل الحادثة المستجدة،
ومن بينها المسائل الشرعية المتعلقة بفيروس كورونا المستجد،
على ضوء الأحكام الطبية.
كما ألقى معالي أمين مجمع الفقه الإسلامي الدولي:
الأستاذ الدكتور عبدالسلام العبادي
كلمة بَيَّن فيها مسار الندوة.
ومِنْ ثَمَّ تولَّى معالي رئيس المجمع إدارة الندوة،
التي حضرها أعضاء مجلس المجمع،
وعدد من الأطباء المختصين والعلماء الشرعيين،
وبعد مُداخلات ثرية جرت مناقشتها من الوجهتين الطبية والشرعية،
وبعد الاستماع للمشاركين من الأطباء والفقهاء،
ومن خلال البحوث والعروض التي قدموها،
وقد استمرت الندوة من الساعة الحادية عشرة صباحاً،
حتى الساعة الثانية والنصف ظهراً،
متضمنة استراحة لصلاة الظهر،
من الساعة الواحدة الى الواحدة والنصف.
وقد توصلّت الندوة إلى تشكيل لجنة صياغة للتوصيات،
التي ستخرج بها الندوة تتكوَّن من كل من:
1. معالي الأستاذ الدكتور عبدالسلام داود العبادي،
أمين مجمع الفقه الإسلامي الدولي (رئيساً).
2. معالي الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو،
عضو المجمع، وزير الدولة للشؤون الدبلوماسية بجمهورية غينيا،
والمستشار الدبلوماسي لفخامة رئيس الجمهورية (عضواً).
3. سعادة الأستاذ الدكتور عبدالله الجودي،
استشاري طب المجتمع،
رئيس لجنة الأخلاقيات بمستشفى الملك فهد الجامعي بالخبر (عضواً).
4. سعادة الأستاذة الدكتورة إلهام باجنيد،
أستاذ الفقه وأصوله بقسم الشريعة والدراسات الإسلامية،
جامعة الملك عبدالعزيز بجدة (عضواً).
5. فضيلة الدكتورة ميادة حسن،
أستاذ الفقه وأصوله المشارك في جامعة الملك فيصل (عضواً).
6. فضيلة الدكتور عبدالقاهر قمر،
مدير إدارة الموسوعات والمعاجم والتقريب بين المذاهب بالمجمع (عضواً).
7. فضيلة الدكتور إسماعيل جيباجي،
مدير إدارة الدراسات والبحوث بالمجمع (عضواً).
8. فضيلة الدكتور محمد مصطفى شعيب،
رئيس قسم الفتوى بالمجمع (عضواً).
وقد انتهت اللجنة إلى التوصيات التالية وهي تشمل البُعدَين الطبي والفقهي:
التعريف بالمرض:
مرض الفيروس التاجي 2019 المعروف اختصاراً بكوفيد 19 هو التهاب في الجهاز التنفسي بسبب فيروس تاجي جديد،
وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية رسمياً أن هذا الوباء جائحة عالمية في 11 مارس 2020م.
ويظن أن الفيروس حيواني المنشأ في الأصل،
ولكن الحيوان الخازن غير معروف حتى الآن بشكل مؤكد،
وهناك شبهات حول الخفاش وآكل النمل،
وأمَّا انتقاله من إنسان لآخر فقد ثبت أنه واسع الانتشار.
وتتراوح العدوى بين حامل الفيروس من دون أعراض إلى أعراض شديدة.
تشمل الحُمَّى والسُّعال وضيق التنفس (في الحالات المتوسطة إلى الشديدة)؛ قد يتطوَّر المرض خلال أسبوع أو أكثر من معتدل إلى حاد.
ونسبة كبيرة من الحالات المرضية تحتاج إلى عناية سريرية مُرَكَّزة؛
ومعدل الوفيات بين الحالات المشخصة بشكل عام حوالي 2% إلى 3%،
ولكنها تختلف حسب البلد وشدة الحالة.
ولا يوجد لقاح متاح لمنع هذه العدوى.
وتبقى تدابير مكافحة العدوى هي الدعامة الأساسية للوقاية:
(أي غسل اليد وكظم السعال، والتباعد الجسدي للذين يعتنون بالمرضى بالإضافة إلى ما يسمى بالتباعد الاجتماعي بين الناس).
والمعرفة بهذا المرض غير مكتملة وتتطور مع الوقت؛
علاوة على ذلك:
فمن المعروف أن الفيروسات التاجية تتحوَّل وتتجمَّع في كثير من الأحيان،
وهذا يمثل تحد مستمر لفهمنا للمرض وكيفية تدبير الحالات السريرية.
ومن المعلوم أن الشريعة الإسلامية وأحكامها تمتاز بصفات عديدة من أهمهما:
رفع الحرج والسماحة والتيسير ودفع المشقة وقلة التكاليف،
وإذا وجد ما يصعب فعله ووصل الأمر إلى درجة الضرورة،
فقد شرع الله تعالى رخصاً تبيح للمكلفين ما حُرِّمَ عليهم،
وتسقط عنهم ما وجب عليهم فعله حتى تزول الضرورة،
وذلك رحمة من الله بعباده وتفضلاً وكرماً.
ففي الفقه الإسلامي قواعد فقهية مهمة حاكمة لأوقات الأزمات، من أهمها:
قاعدة رفع الحرج والسماحة،
وقاعدة المشقة تجلب التيسير،
وإذا ضاق الأمر اتسع،
وقاعدة الأخذ بالرخص أولى من العزيمة حفظاً للنفوس،
وقاعدة لا ضرر ولا ضرار،
وقاعدة التصرف على الرعية منوط بالمصلحة،
وقاعدة للإمام تقييد المباح في حدود اختصاصه مراعاة للمصلحة العامة.
لذلك كان هنالك ضرورة لحماية النفس وصحة الإنسان،
فيجب على المسلمين أن يحافظوا على أنفسهم بقدر المُستطاع من الأمراض،
وقد أوجبت الشريعة الإسلامية إنقاذ الأرواح والأنفس من الهلاك،
وجعلت إنقاذ النفس حقا لكل فرد،
بالوقاية من الأمراض والأسقام قبل حدوثها،
وبالتداوي بعد حدوثها.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (عبادَ اللهِ! تداووا، فإنَّ اللهَ تعالَى لم يضع داءًا إلا وضع له الدواءَ إلا داءً واحدًا الهرَمُ) [في روايات متقاربة عند البخاري ومسلم وأحمد وأبي داود والترمذي والنسائي والبيهقي]،
إذ إن الحفاظ على النفس البشرية من مقاصد الشريعة الأساسية،
والتي تشمل:
حفظ النفس
حفظ الدين،
وحفظ العقل،
وحفظ النسل،
وحفظ المال،
قال سبحانه وتعالى: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) (سورة المائدة، 32).
كما يحق لجهات الاختصاص إلزام الناس بعلاجات معينة،
ويحق لها القيام بإسعافات وتدخلات طبية خاصة بالجائحة،
ذلك أن: “مما تقتضيه عقيدة المسلم أن المرض والشفاء بيد الله عزَّ وجل،
وأن التداوي والعلاج أخذ بالأسباب التي أودعها الله تعالى في الكون،
وأنه لا يجوز اليأس من روح الله أو القنوط من رحمته،
بل ينبغي بقاء الأمل في الشفاء بإذن الله.”
انظر: قرار المجمع رقم: 67 (5/7) بشأن العلاج الطبي في دورته السابعة التي عقدت في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية.
لذلك يرفض الإسلام ما يسمى بمناعة القطيع أو الجمهور،
والذي يدعو لترك انتشار المرض أولاً،
والذي سيهلك به الذين يستحقون الهلاك،
من كبار سن ومن الذين تعدَّدت أمراضهم،
لأن في ذلك تقاعس عن المُعالجة المطلوبة شرعاً.
ويجوز للدول والحكومات فرض التقييدات على الحرية الفردية بما يحقق المصلحة:
سواء من حيث منع الدخول إلى المدن والخروج منها،
وحظر التجوّل أو الحجر على أحياء محددة،
أو المنع من السفر،
أو المنع من التعامل بالنقود الورقية والمعدنية،
وفرض الإجراءات اللازمة للتعامل بها،
وتعليق الأعمال والدراسة وإغلاق الأسواق،
كما إنه يجب الالتزام بقرارات الدول والحكومات بما يسمى بالتباعد الاجتماعي،
ونحو ذلك مما من شأنه المساعدة على تطويق الفيروس ومنع انتشاره،
لأن تصرّفات الإمام منوطة بالمصلحة،
عملاً بالقاعدة الشرعية التي تنص على أن:
(تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة).
النظافة في الإسلام عبادة وقُربة والأدلة على ذلك كثيرة:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ) [سورة المائدة: 6].
قال سبحانه تعالى: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [سورة البقرة: 222].
وقال تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) [سورة المدثر: 4].
وقال صلى الله عليه وسلم: (الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ) [مسلم].
ولذلك يجب الالتزام بأحكام النظافة الشخصية العامة،
والاحتياطات الخاصة بهذه الجائحة ومنها:
غسل اليدين بالماء والصابون ولبس الكمامات والقفازات،
والالتزام بالتوجيهات الصحية الصادرة من الجهات المسؤولة واجب شرعاً للتوقي من الفيروس،
ويجوز استخدام المعقمات المشتملة على الكحول في تعقيم الأيادي وتعقيم الأسطح والمقابض وغيرها،
حيث إن “مادة الكحول غير نجسة شرعا”،
انظر: قرار المجمع رقم 210 (6/ 22) بشأن الاستحالة والاستهلاك في المواد الإضافية في الغذاء والدواء في دورته الثانية والعشرين التي عقدت في دولة الكويت.
أن عزل المريض المصاب بالفيروس واجب شرعاً كما هو معروف،
وأمَّا بخصوص المشتبه بحمله للفيروس،
أو ظهرت عليه أعراض المرض أثناء الحجر المنزلي،
فيجب عليه التقيد بما يسمى بالتباعد الاجتماعي عن أسرته،
والمخالطين له من عامة الناس،
وكذلك مَنْ ظهرت عليه أعراض المرض،
لا يجوز له أن يخفي ذلك عن السلطات الطبية المختصة،
وكذلك عن المخالطين له،
كما ينبغي على مَنْ يعرف مُصاباً غير آبه بالمرض،
أن يُعلم الجهات الصحية عنه،
لأن ذلك يؤدي إلى انتشار هذا المرض واستفحال خطره،
وعليه تنفيذ كل ما يصدر عن السلطات الطبية المختصة،
وعليها أن تُعَزِّر مَنْ أصيب بهذا المرض وأخفاه،
قال الله تعالى: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [سورة البقرة: 195].
وقال سبحانه وتعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [سورة النساء: 29].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها) [البخاري].
وقال عليه الصلاة والسلام: (لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ) [أبو داوود وابن ماجة ومالك والحاكم والبيهقي].