منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة ص الآيات من 30-35

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة ص الآيات من 30-35 Empty
مُساهمةموضوع: سورة ص الآيات من 30-35   سورة ص الآيات من 30-35 Emptyالسبت 13 فبراير 2021, 12:00 am

وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (٣١) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (٣٢) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (٣٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

من عجائب السياق القرآني في ذكر داود وسليمان أنهما يشتركان في مسألة واحدة، فلو نظرتَ إلى أول آية ذكرت سيدنا داود تجدها في سورة البقرة في قوله تعالى: (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ..) (البقرة: 251).

وآخر ذكر له هنا في سورة (ص): (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ..) (ص: 30).

كذلك أول ذِكْر لسيدنا سليمان ورد في سورة البقرة في قوله تعالى: (وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ..) (البقرة: 102).

وآخر ذكر له في سورة (ص) في قوله تعالى: (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ) (ص: 34).

قوله تعالى: (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ..) (ص: 30) الوهْب: عطاءٌ بلا مقابل، فإنْ قُلْتَ: فالإنجاب كله يُعَدُّ بلا مقابل، نعم لكن الخالق سبحانه يهبك ذاتاً، ثم يزيد عليها هبة أخرى هي الصفات التي تتوفر للذات، مثل: الملك والحكمة وغيرها؛ لذلك الذين يطلبون الأشياء على غير مَظانِّها من الأسباب يطلبونها بالهبة، كما في قوله تعالى: (وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ..) (ص: 35).

وقوله تعالى: (فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً) (مريم: 5-6).

فسيدنا زكريا حين طلب من الله الولد كان شيخاً كبيراً، وكانت امرأته عاقراً، فالأسباب كلها ليست مُواتية وليست صالحة للإنجاب، لذلك طلبها على سبيل الهبة من الله، لا بالقانون والأسباب.

وإنْ كانت الأسبابُ في ذاتها هبةً إلا أنها هبة عامة، لكن ما يلحق الذات من الصفات الخاصة تُعَدُّ هبة خاصة.

وقوله تعالى: (نِعْمَ ٱلْعَبْدُ..) (ص: 30) نعرف أن نِعْم تُقَالُ للمدح، والمدح هنا بالصفة العقدية، وهي العبودية لله تعالى.

وسبق أنْ قلنا: إن كلمة عبد وعبودية كلمة ممقوتة عند الناس ولهم الحق في مَقْتها، لأن العبودية للبشر يأخذ فيها السيدُ خَيْر عبده، لكن العبودية لله تعالى يأخذ العبد من خير سيده، فهذه هي العبودية الحقة التي تُعَدُّ عِزَّاً للعبد ورفعة.

لذلك لما تجلى الحق سبحانه على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- بنعمة الإسراء والمعراج، قال: (سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ..) (الإسراء: 1) فكأن عبوديته لربه هي التي أوصلْته إلى هذه المنزلة.

لذلك -ولله المثل الأعلى- الرجل صاحب الصنعة (أسطى) أو معلم وتحت يده صبيان، يُقرِّب منهم المخلص الذي يُحسن صنعته، ويجيد الخضوع له والطاعة والخدمة، لذلك يختصه بمواهبه، ولا يضِنُّ عليه بخفايا الصَّنْعة ودقائقها، ويعطيه خصوصيات لا يعطيها لغيره.

ومع أنه -عليه السلام- كان مَلِكاً إلا أن ربه مدحه بصفة العبودية (نِعْمَ ٱلْعَبْدُ..) (ص: 30) ثم بيَّن لنا مَناط المدح بالعبودية، فقال (إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص: 30) يعني: رجَّاع إلى الله إنْ هفت نفسه هفوة أنَّبَ نفسه عليها، ورجع إلى ربه، ويتوب إليه، لذلك يقول تعالى في بيان التوبة: (إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ..) (النساء: 17).

معنى: (بِجَهَالَةٍ) (النساء: 17) يعني: لم يخطط لها ولم يرتب للمعصية، وإذا حدثتْ منه لا يفرح بها ولا يجاهر، بل يحزن ويلوم نفسه: (فَأُوْلَـٰئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) (النساء: 17-18).

وضربنا مثلاً لهذين النوعين بطلاب العلم الذين كانوا يسافرون في بعثات علمية إلى فرنسا، فكان منهم المستقيم الملتزم بمنهج الله، لكن تفاجئه إحدى الفتيات المنحرفات ليلاً، وتعرض نفسها عليه، وتظل تغريه حتى يرتكبَ معها الفاحشة، هذا فعلها بجهالة ودون قَصْد أو تدبير، على خلاف الآخر الذي يسعى إلى الفاحشة ويتتبع عناوين أصحابها، وهذا هو الذي يقصد المعصية ويسعى إليها.

وكلمة (أَوَّابٌ) (ص: 30) يعني: كثير الأَوْبة والرجوع، فهي صيغة مبالغة بمعنى رجَّاع إلى الحق، فهو لم يفرح بالمعصية، وإنما ندم عليها وتدارك خطأه وصوَّب طريقه، بدليل قوله تعالى بعدها: (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ) (ص: 31).

العشيّ: ما بعد الظهر إلى المغرب، وعرض عليه مثل العرض العسكري الذي يستعرض فيه القائد جنوده وقواته.

ومعنى (ٱلصَّافِنَاتُ..) (ص: 31) جمع صَافِن، وهو الجَواد العريق الأصيل، وتستطيع أنْ تلاحظ الجواد الأصيلَ من وقفته، فهو لا يقف على أربع، إنما على ثلاث في رشاقة، وكأنه على أُهبة الاستعداد.

ومعنى (ٱلْجِيَادُ) (ص: 31) جمع: جَوَاد وهو القوي السريع، فلما عُرِضَتْ على سيدنا سليمان الصافناتُ الجيادُ من خَيْلِه وقواته، قال (إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ) (ص: 32) قالوا: الخير هنا يُرَاد به الخيل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الخيل مَعْقُود بنواصيها الخيرُ إلى يوم القيامة".

وقال: "خَيْر ما ربيت فرس تُمسك عَنَانه، حتى تسمع كل صيحة تطير إليها".

لذلك لما أمرنا ربنا أنْ نستعدَّ لأعداء الدين والمنهج، قال: (وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ..) (الأنفال: 60) أي: قوة عامة.

ثم خَصَّ الخيل، فقال: (وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ..) (الأنفال: 60).

فلما عُرِضَتْ الخيل على سليمان قال (إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي..) (ص: 32) يعني: حباً ليس للتباهي والخيلاء، كالذين يُربُّون الخيل للمظهر ودخول السباق وذياع الصيت، إنما أحببتها حباً صادراً عن ذِكْر ربي وذكر منهج ربي، الذي أمر بإعداد الخيل والرباط والقوة التي تستطيع أنْ تفرض منهج الله في الأرض.

(حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ) (ص: 32) الفاعل هنا مستتر، والفاعل حين يأتي مستتراً لا بد أنْ يكون له مرجع كما تقول: جاءني رجل فأكرمتهُ يعني: أكرمتُ الرجل المذكور.

وقوله: (تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ) (ص: 32) مشهود في الشمس حين تغيب، فالمعنى حتى توارت الشمس وغابت.

وقالوا: إنه فاتته صلاة العشي لانشغاله باستعراض الخيل، فلما فاتَتْه الصلاة (رُدُّوهَا عَلَيَّ..) (ص: 33) أي: الخيل، أرجعوها إليَّ (فَطَفِقَ..) (ص: 33) شرع (مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ) (ص: 33).

يعني: يمسح على سُوق الخيل وأعناقها دلالةً على إكرامها والاهتمام بها، وخصَّ السُّوق والأعناق من الخيل لأنها أكرمُ ما فيها، فالأعناق بها الأعراف، والسُّوق أداة الحَمْل والجري، والمعنى أنه سُرَّ منها فمسح بيده على السُّوق والأعناق.

بعض المفسرين لهم رأي آخر، قالوا: المسح هنا يُراد به أنه أراد قَتْلها وذبْحها؛ لأنها أَلْهَتْهُ عن الصلاة، وهذا الكلام أقربُ إلى الإسرائيليات؛ لأن الخيل لم تشغله، بل هو الذي شغلها وشغل الدنيا كلها من حوله، فما ذنب الخيل؟

والعجيب أن في الإسرائيليات أشياء كثيرة تقدح في نبوة الأنبياء في بني إسرائيل، وكثيراً ما نراهم يتهمون أنبياءهم بما لا يليق أبداً بالأنبياء، والعلة في ذلك أن الذي يسرف على نفسه وهو تابع لدين يريد أنْ يلتمس فيمن جاءه بهذا الدين شيئاً من النقيصة ليبرر إسرافه هو على نفسه، من هنا اتهموا أنبياءهم وخاضوا في أعراضهم.



سورة ص الآيات من 30-35 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة ص الآيات من 30-35 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة ص الآيات من 30-35   سورة ص الآيات من 30-35 Emptyالسبت 13 فبراير 2021, 12:02 am

وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (٣٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الفتنة معناها الاختبار، والفتنة في ذاتها ليست مكروهة، إنما المكروه أنْ تُخفق فيها وتفشل في خوضها، فماذا عليك لو فتناك.

يعني: اختبرناك ونجحتَ في الاختبار؟

وأصل الفتنة من فتنة الذهب لتنقيته، فالذهب منه المخلوط بمواد أخرى، ونريده ذهباً إبريزاً صافياً فماذا نفعل؟

نصهر الذهب في النار ليخرج منه الخبث إلى أن يصير خالصاً نقياً، كذلك تفعل الفتنة بالناس تمحِّصهم لتبين الجيد من الرديء.

وقد فتن الله سليمان كما فتن من قَبْل أباه داود -عليهما السلام- في مسألة المحراب.

ومعنى: (وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً..) (ص: 34) الكرسي هو العرش الذي يجلس عليه الملك، والجسد هو قالب الكائن الحي.

ويقال لهذا القالب (جسد) إذا كان خالياً من الروح، وللمفسرين في هذه الآية عدة أقوال: قالوا: إن سيدنا داود كان له ولد آخر غير سليمان، إلا أنه كان ولداً فاسداً مثل ولد نوح، فاحتال هذا الولدُ وقام بانقلاب على سليمان، حتى أخذ المُلْكَ منه، وظل مَلِكاً مدة طويلة، فلما أراد الحق سبحانه أنْ يعيد سليمان إلى مُلْكه ألقى هذا الولد الفَاسِد على كرسي عرشه جسداً هامداً لا حركة فيه، يعني: بعد أنْ كان مَلِكاً مُطاعاً مُسيطراً صار لا يسيطر حتى على نفسه وجوارحه.

بعد ذلك خرجتْ عليه رعيته فقتلوه، وجاء بعده سليمان.

وقالوا: إن سيدنا سليمان كان لديه جَوَارٍ كثيرات.

فقال: سأطوف الليلة على سبعين جارية، وآت من كل واحدة بولد فارس يركب فرسه في سبيل الله، يعني: المسألة كلها كانت في الخير وفي الله، إلا أنه لم يقدم المشيئة ولم يقُلْ: إنْ شاء الله، فلم تَلِدْ منهن إلا جارية واحدة، ولدتْ له جسداً لا حركةَ فيه ولا تصرُّفَ؛ لأن المؤمن مُطالب بأنْ يقدم مشيئة الله إذا عزم على شيء في المستقبل، كما قال سبحانه: (وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ..) (الكهف: 23-24).

لأنك حين تقول: سأفعل غداً كذا وكذا، فقد حكمتَ على فعل لا تملك عنصراً واحداً من عناصره، فأنت لا تضمن بقاء نفسك إلى أنْ تفعل، ولا تضمن تغيُّر الأحوال وتغيُّر الأسباب، فحين تعلِّق فعلَك على مشيئة الله إنما تحفظ كرامتك وتبرئ نفسك من الكذب، فقد شئتَ ولكن الله لم يَشَأْ.

ويبدو أن المُلْكَ أغرى سليمان، فداخله شيء من الزَّهْو؛ لأنه متحكم في عوالم الإنس والجن والطير والحيوان ومُطَاع من الكون كله من حوله، لذلك لم يقُلْ إنْ شاء الله، فجازاه الله بذلك.

وقال آخرون: إن سليمان -عليه السلام- أنجب ولداً، وأن الجن أرادتْ به سوءاً؛ لأنها خافت أنْ يفعل بها كما يفعل سليمان، فأرادوا قتله، فما كان من سليمان إلا أنْ رفعه فوق السحاب يرضع من المزْن، فكأنه -عليه السلام- أراد أنْ يفر من قدر الله.

وقالوا: إن الجسد هو سليمان نفسه؛ لأن الإنسان العادي، جعله الله يتحكَّم في جوارح نفسه حين يريد اللهُ ذلك، فيقوم بمجرد أنْ يريد القيام، ويتحرك بمجرد أنْ يريدَ الحركةَ دون أنْ يعرفَ هو نفسه ماذا يجري في أعضائه ومفاصله، فكأن الله تعالى يعطي الإنسان مثلاً في نفسه؛ ليقرب له المسائل المتعلقة بالحق في إطار(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ..) (الشورى: 11).

فإذا كنتَ أنت أيها المخلوق تفعل ما تشاء، وتنفعل لك جوارحك وتطاوعك بمجرد الإرادة، ودون : أنْ تأمرها بشيء فهل تستبعد هذا في حقِّ الخالق سبحانه، حين يقول: (إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) (يس: 82).

إن الحق سبحانه يقول للشيء: كُنْ.

أما أنت فلا تقول: كُنْ وقد أراحك الله منها، وجعل الأعضاء تطاوعك دون أمر منك، لأنك لو أمرتَها ما استجابتْ لك، هي تستجيب للخالق سبحانه، فإذا أراد الخالق سبحانه سَلبك هذه القدرة، فتريد أنْ تحرك يدك فلا تستطيع؛ لينبهك إلى أنها موهوبة لك، ليستْ ذاتية فيك.

الحق سبحانه وهب سيدنا سليمان القدرةَ على السيطرة على جوارح ذاته، ثم عَدَّى هذه القدرة إلى السيطرة على الآخرين من جنسه ومن غير جنسه، وجعل له سيطرةً على الكون كله، ينفعل له ويجاوبه، يعني: المسألةُ كانت استعلاءً في التسلُّط على جنود الله.

ويبدو أن سليمان -عليه السلام- داخله شيء في نفسه، فأراد الحق سبحانه أنْ يلفته إلى أن هذه القدرة ليستْ ذاتية فيك، إنما هي موهوبة لك، أسلبها حين أشاء، فلا تستطيع السيطرة على جوارحك ولا السيطرة على الآخرين، وألقاه الله فترة جسداً على كرسيه لا يقدر على شيء، ولا يأمر بشيء.

فما دامتْ هذه النعمة موهوبةً من الله الذي أعطاك مُلْكاً لا ينبغي لأحد من بعدك، فلابُدَّ أنْ تظل مُتمسِّكاً بحبله، لاجئاً دائماً إلى مَنْ ملَّككَ هذا الملْكَ.

لذلك، يُرْوَى أنه -عليه السلام- ركب مرة البساط، وسارتْ به الريح كما يشاء، وفجأة مال به البساط، وكاد أنْ يُوقعه فأمره أنْ يستوي به.

فقال له البساط: أُمِرْنَا أنْ نطيعك ما أطعتَ الله.

إذن: فتناه لأننا مَلَّكناه مُلْكاً لا ينبغي لأحد من بعده، لكن لا نريد له أنْ يطغى أو ي تعالى، والحق سبحانه لا يكذب كلامه، وقد قال سبحانه: (كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ) (العلق: 6-7).

وسليمان -عليه السلام- إنسان، فأراد الحق سبحانه أنْ يُثبت لنا أن الإنسان تملَّك في جوارحه، وتملَّك فيمن حوله، وتملَّك في جنس آخر غير جنسه، لكن هذا كله ليس ذاتياً فيه، بل هو موهوب له؛ بدليل أن الله سلبه هذا المُلْك في لحظة ما، وألقاه على كُرسيه جسداً لا أمرَ له ولا نهيَ ولا سلطانَ على شيء.

فلما فهم سليمان المسألة آبَ ورجع (ثُمَّ أَنَابَ) (ص: 24) يعني: رجع إلى ما كان عليه قبل التجربة التي مَرَّ بها.

يعني: رجع وعاد إلى الجسد الذي فيه روح، أو أناب ورجع إلى الله وعرف السبب فالمعنى يحتمل المعنيين: أناب في السبب، أو أناب في المسبب.

والجسد هو الجِرْم والهيكل الظاهري الذي لا روحَ فيه، والذي قال الله عنه: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ..) (الحجر: 29) أي: الجسد، ومنه قوله تعالى في قصة السامري: (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ..) (طه: 88) يعني: هيكل العجل وصورته الظاهرية، لكن بدون روح.

فإنْ قَلْتَ: فهل يحدث هذا من الرسل؟

يعني: هل يخطئ الرسول ويُصحِّح له؟

نعم، العيب أنْ يصحح لك المسَاوي لك، إنما ليس عيباً أنْ يصحح لك الأعلى، فماذا فيها إنْ كان الذي يُصحِّح لسليمان ربه عز وجل لا أنت.

إذن: من الشرف أنَّ الله يُعدِّل لسليمان، لذلك لما عَدَّلَ الحق سبحانه الحكم لنبيه محمد، فقال: (يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ..) (التحريم: 1).

وقال: (عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ * أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ) (عبس: 1-2) فهل استنكف رسول الله أنْ يُعدِّل له ربه؟

لا لم يستنكف بدليل أنه -صلى الله عليه وسلم- هو الذي أبلغ هذا التعديل وأخبرنا به، وأنا لا أخبر إلا بما فيه شَرفٌ لي.



سورة ص الآيات من 30-35 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة ص الآيات من 30-35 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة ص الآيات من 30-35   سورة ص الآيات من 30-35 Emptyالسبت 13 فبراير 2021, 12:04 am

قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

هذه الآية تعطينا لقطةً من لقطات قصة سيدنا سليمان على نبينا وعليه الصلاة والسلام، ولسيدنا سليمان في قَصَصه لقطات متعددة، كل لقطة تمثل عبرةً من العبر، وعظةً من العظات، وموقفاً من مواقف سيدنا سليمان في أمر دعوته.

وأول لقطة في القصة مع أبيه داود -عليه السلام- حينما حكم في الحرث أي: الزرع، وكان الزرع لرجل فجاءت غنم رجل آخر فأكلت الزرع، وقد حكى لنا الحق سبحانه قصة الحكم الذي حكمه داود، والأمر الذي انتهى إليه الحكم من استدراك على حكم داود من كلام ولده سليمان.

وصوَّبَ الله الحكمين، وقال سبحانه: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً..) (الأنبياء: 78-79).

معنى: (نَفَشَتْ فِيهِ..) (الأنبياء: 78) يعني: انتشرت فيه الغنم وأكلته، فلمَّا عُرِض الأمر على داود قضى بأنْ يأخذَ صاحبُ الزرع الغنَم.

فلما علم سليمان بهذا الحكم ردَّه.

وقال: بل نعطي الأرض لصاحب الغنم ليزرعها حتى تعود كما كانت، ونعطي الغنم لصاحب الأرض يستفيد منها، ثم يعود كل حقٍّ إلى صاحبه، فكأن الله تعالى ألهم سليمان صحة الحكم ليستدرك على أبيه داود، فانظر كيف كانت قداسة كلمة السماء مع كلمة أهل الأرض، وبعد ذلك صوَّب الله تعالى الحكمين، وقال: (وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً..) (الأنبياء: 79).

إذن: فاستدراك هيئة تحكم على هيئة حكمت ليس عيباً في الأولى، وإنما هذا فهم فَهْماً حكم بمقتضاه، وذلك فَهم فَهْماً آخر حكم بمقتضاه، لذلك نجد في المحاكم الحكم الابتدائي والاستئنافي، وبعد ذلك حكم النقض، فهل حكم الاستئناف يطعن في الحكم الابتدائي، أو حكم النقض يطعن في حكم الاستئناف؟

لا.

لأن الحكم الأعلى يراعي شيئاً فاتَ صاحب الحكم الأدنى، فلا غضاضةَ في هذا.

ونحن حين نستعرض القصة نجد المفسرين لم يُظهروا لنا حجة داود في الحكم الذي قضى به، ولا حجة سليمان في الحكم الذي قضى به، وبالاستقراء.

قلنا: الزرع قديماً لم يكُنْ في أرض محكرة مملوكة للناس، إنما كانت الأرض على المشاع، ففي أي مكان تبذر الحب وتسقيه السماء حتى يثمر فتأخذه ثمره دون أنْ تمتلك أرضه، يعني: من سبق إلى أيِّ حقل زرعه.

إذن: الملكية كانت للزرع فحسب لا للأرض، فعلى هذا قام حكم سيدنا داود، وما دامت الأرض ليست مملوكة لصاحب الزرع فالمسألة زرع وغنم.

أما سيدنا سليمان فرأى أن الزرع يمثل كما نقول وَضْع يد على الأرض، ووَضع اليد يبيح الملكية، فأبقى لصاحب الملك ملكه في الأرض، فحكم بأنْ يأخذ صاحبُ الأرض الغنم ينتفع بها وأن يأخذ صاحب الغنم الأرض يزرعها إلى أنْ تعود كما كانت، ثم يأخذ كل منهما ماله.

إذن: كان لكل منهما مَلْحظ، وبناءً عليه حكم لذلك؛ فقال تعالى في حقهما: (وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً..) (الأنبياء: 79).

اللقطة الأخرى هي الفتنة التي وقعتْ لسيدنا سليمان، وقلنا: إن الأصل في كلمة الفتنة هي صَهْر المعدن وإحراقه في النار ليخرج منه الخَبَث والشوائب، فيصير نقياً وتزداد صلابته، ثم أُطْلِقَتْ الفتنة على مطلق الامتحان الذي يُميِّز الجيد من الرديء في البشر، فهي بمعنى الابتلاء.

ولو نظرتَ إلى الفتنة لوجدتها شائعة في خَلْق الله جميعاً، فكل واحد من الخَلْق فاتن ومفتون، بمعنى أن الغني فتنة للفقير، والفقير فتنة وابتلاء للغني، فالغني يُبتلَى بالفقير، أيضنّ عليه بالنعمة أم يعطيه منها؟

أيحتقره لفقره أم يحترم قدر الله فيه؟

كذلك يبتلي الفقير بالغني، أيحسده لغناه ويعترض على قدر الله بالفقر؟

أم يصبر ويتمنى الزيادة لغيره.

كذلك الحال في القوي والضعيف، وفي الصحيح والسقيم، وفي الجاهل والمتعلم.. إلخ، إذن: كلٌّ مِنَّا فاتنٌ ومفتون، المهم مَنْ يفوز، ومن ينجح في هذا الابتلاء؟

وهذا المعنى أوضحه الحق سبحانه في قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً..) (الفرقان: 20) قالوا: كلمة بعض هنا ليستْ تحديداً لشخص بعينه، إنما هي جزء من كل متساو، لكن مُبْهم فيه، كما في قوله تعالى: (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً..) (الزخرف: 32).

فأيُّنا مرفوع وأيُّنا مرفوع عليه؟

قالوا: كل منَّا مرفوع في شيء ومرفوع عليه في شيء آخر، فالناس كلهم إذن سواء، أنت لك مجال تجيده وتبدع فيه، فأنت مرفوع في هذا المجال، ولك مجال آخر لا تجيده ولا تعرف فيه شيئاً، فغيرك مرفوع عليك فيه، لأنه يُجيد ما لا تجيده أنت.

وهذه المسألة تأتي من استطراق المواهب في الخَلْق، لأنهم جميعاً عباد الله، وليس منهم مَنْ هو ابن الله، ولا مَنْ بينه وبين الله قرابة أو نسب، لذلك نثر الحق سبحانه فضله على عباده جميعاً، ووزّع بينهم المواهب بالتساوي؛ لأن الله تعالى لو جعل إنساناً مجمعَ خير وفضائل ما احتاجَ أحدٌ إلى أحد.

والله يريد للعباد أن تتشابك أيديهم، وأنْ يتعاونوا في حركة الحياة، فالقوي يحتاج للضعيف، والضعيف يحتاج للقوي، العَالِم يحتاج للجاهل، والجاهل يحتاج للمتعلم.

وهكذا يرتبط الناس ارتباطَ حاجةٍ، لا ارتباطَ تفضُّل.

وسبق أنْ أوضحنا هذه المسألة بالباشا أو العظيم الذي يعود من عمله، فيجد مجاري البيت مسدودة، ويشم في بيته رائحة كريهة، فيسرع إلى عامل المجاري لينقذ الموقف، وربما ركب سيارته وذهب إليه في مكان عمله، بل وترجاه أنْ يأتي معه، فالعامل في هذه الحالة مرفوع، والباشا مرفوع عليه.

وأذكر زمان عندنا في ميت غمر في (بورصة) مقهى اسمها (باباه)، العمال هناك عملوا ثورة وقالوا: لا يصح أن العامل يخدم غيره، ولا يصح أنْ يمسح أحذية الخَلْق، لماذا يا ناس؟

قالوا: لأن في ذلك مهانةً ومَذَلةً فقلنا لهم: إذن نمسح نحن لأنفسنا، وفعلاً عملنا إضراباً واشترى كل منا علبة ورنيش، وصار يمسح الحذاء لنفسه، وبعد فترة جاء هؤلاء إلى البورصة وضَجُّوا من البطالة وقِلَّة الرزق، وراحوا يرجُونَ الناس العودة إلى ما كانوا عليه.

بعدها ناقشناهم.

وقال بعض الإخوان لأحدهم: بالله أنت حين تسألني سؤالاً وأجيبك عليه: هل آخذ منك جُعْلاً على الإجابة؟

قال: لا.

لو عرفت كم كلفني هذا الجواب من عمري وجدِّي واجتهادي، ومن تعب أهلي في تربيتي لعرفت أنني كنتُ أيامها مُسخَّراً لك كما أنك مُسخَّر لي الآن، لكنكم نظرتُمْ لنا في وقت راحتنا، ونظرتم إلى أنفسكم وقت عملكم، إذن: القسمة متساوية وكُلٌّ منا مُسخَّر للآخر، والمسألة ليس فيها إهانة ولا مَذلَّة، بل هو التكامل في حركة الحياة.

لذلك قال الحق سبحانه بعدها: (أَتَصْبِرُونَ..) (الفرقان: 20) يعني: أتصبرون على فتنة بعضكم ببعض، حتى الرسل فُتِنوا بالكفار يؤذونهم ويضطهدونهم، وفُتِن الكفار بالرسل.

إذن: من النعم أن الله تعالى وزَّعَ المواهب في الكون كله، ووزَّع فضله على الخَلْق: (فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ..) (النحل: 71).

نعود إلى سيدنا سليمان ونقول: ما يدرينا أن الملْك والنبوة معاً أغرت سليمان، فوجد في نفسه شيئاً من ذلك، فأراد الله أنْ يُصحح له خواطره في نفسه، لأنه يريده لمهمة أعلى مما هو فيه الآن؛ لذلك مَرَّ بهذه التجربة، ووجد نفسه على كرسيه جسداً لا يستطيع الحركة.

لذلك سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان دائماً مُؤدَّباً مع ربه ومع الخَلْق، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أستغفرك من كل عمل أردتُ به وجهك فخالطني فيه ما ليس لك".

معنى هذا أن الأنبياء يمكن أنْ يخالطهم شيء، وأنهم يمكن أنْ يُبْتَلُوا، لكن ممن يكون الابتلاء من الله الذي أرسلهم، والابتلاء يكون تصحيحاً لمسار المبتلَى، وليس كرهاً له لا سمحَ الله.

كذلك ابتلى اللهُ سيدنا سليمان، لأنه يعده لأمر أسمى من هذا، هو ملْك في ظاهر الملك، إنما ربه يريد أن يُعدِّه ليعطيه شيئاً من الملكوت.

لما عاد سليمان -عليه السلام- وأناب إلى ربه، قال (رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ) (ص: 35) يعني: استغفر ربه مما وقع فيه من الغرور.

يعني: ربِّ اغفر لي ما سبَّب أن تجعلني جسداً.

وكأنه قال: يا رب، لقد ابتليتني بالملك والنبوة، وهذه مسألة لم تحدث لأحد من قبلي فاغتررت بها، فهَبْ لي مُلْكاً أعظم منه لا ينبغي لأحد من بعدي وسوف أوفي هذه المرة ولن أغتر، وكأنه يقول لربه: يا ربّ جربني وأعطني فرصة أخرى، فلما دعا سليمان هذا الدعاء أجابه ربه وأعطاه ما طلب.

لذلك احترم سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعوة أخيه سليمان، فقد ورد في الحديث الشريف: أن الشيطان عَرض لرسول الله وهو يصلي ليشغله عن صلاة، فأمسك به رسول الله وهَمَّ أنْ يربطه في سارية المسجد يلهو به صبيان المدينة، لكنه -صلى الله عليه وسلم- تذكّر دعاء أخيه سليمان (رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ..) فلم يفعل تقديراً لسليمان عليه السلام.

ومعنى (ٱلْوَهَّابُ) (ص: 35) صيغة مبالغة، تدل على كثرة الوهب وقلنا: الهبة عطاء بلا مقابل، والمعنى أن من ضمن ما تهبه يا رب الملك، وهذا يعني أن الملْك لا يناله أحد بمجهوده ومهارته، إنما هو هبة من الله، فالله هو الذي يهَبُ الملْك ووهبه حتى للكافر الذي حَاجّ إبراهيم في ربه، كما قال سبحانه: (أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ..) (البقرة: 258).

وقال سبحانه: (قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ..) (آل عمران: 26).



سورة ص الآيات من 30-35 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة ص الآيات من 30-35
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة ص الآيات من 16-20
» سورة طه الآيات من 005-010
» سورة طه الآيات من 086-090
» سورة سبأ الآيات من 21-25
» سورة يس الآيات من 16-19

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: ص-
انتقل الى: