أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: 2ـ أسرة أبي سلمة السبت 23 يناير 2021, 9:57 pm | |
| 2ـ أسرة أبي سلمة*بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد...
فلما كان الدين عظيمًا في نفوس المسلمين الأوائل بذلوا في سبيله النفس والنفيس، والهجرةُ المباركةُ من مكة إلى المدينة كانت صورةً مشرقةً ومشرفةً سجلت للمهاجرين مقامات الشرف ومشاهد الكرامة، حيث تركوا ديارهم وأوطانهم، وهجروا أهلهم وعشائرهم، وهاجروا بأنفسهم متجشمين الصعاب والمخاطر الصِّلاب أفرادًا وأسرًا ومجموعات. وكان من أشد الأسر بلاءً في الهجرة أسرة أبي سلمة -رضي الله عنهم- إذ تقول أم سلمة: "ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة".
وتقصُّ علينا السيرة العطرة هذا المصاب العظيم، حيث خرج أبو سلمة بزوجته وولده، وقد حملهما على بعيرٍ له يقوده، فاعترضه بنو المغيرة -وهم أهل أم سلمة- فقالوا: هذه نفسك غلبتَنا عليها، فعلام تأخذ ابنتنا تسير بها في البلاد؟ فأخذوها منه ومعها ولدها الصغير.
وجاء أهل أبي سلمة بنو عبد الأسد وقالوا لبني المغيرة: والله لا ندع ابننا عندها وقد أخذتموها من صاحبنا أبي سلمة، فتجاذبوا الولد فيما بينهم حتى انخلع ذراعه، وأخذه أجداده لأبيه بنو عبد الأسد، فلم يملك أبو سلمة إلا أن يهاجر بنفسه تاركا خلفه هذه المآسي الدامية، والأحزان المفجعة، ولكنها على أية حال لم تعطل أبا سلمة عن الهجرة.
وبقيت أم سلمة عند أهلها مثخَنةً بالجراح، تعاني من ألم الحرمان من الهجرة، ومرارة فَقْد الصحبة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتقاسي من فِراق زوجها، وتأسى على جرح وليدها، وقومُها غلاظٌ شدادٌ لا يرحمونها.
سنةٌ تقريبا لم يكتحل جفنها بنوم، ولم ينقطع لها دمع، حتى مر بها يومًا أحد أبناء عمومتها، فَرَقَّ لحالها، وقال لأهلها: ألا ترحمون هذه المسكينة؟ فرّقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها.
فأذنوا لها بالهجرة، فركبت بعيرها، وردّ عليها بنو عبد الأسد ولدها الصغير، واتخذت من المدينة المنورة مقصدا، ومن الأهوال والمخاطر مركَبًا، رجاءَ أن تنال من رضا الله -تعالى- وصحبة رسوله -صلى الله عليه وسلم- منزلا.
وهكذا قدّم الأوائل أروع الأمثلة لافتداء الدين والتضحية في سبيله؛ ليعرف المتأخرون طريقهم إلى سعادة الدنيا والاخرة، ولقد وجدها الأولون في الدنيا، فأمُّ سلمة بعد وفاة زوجها أبي سلمة، تزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأيّةُ سعادةٍ في أن تصير أم سلمة زوجًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وواحدةً من نساء بيت النبوة، وأُمًّا من أمهات المؤمنين، وأعدّ الله لهم في الآخرة أجرًا كريمًا.
رضيَ الله عن آل أبي سلمة، وعن المهاجرين والأنصار، ورزقَنا الله حبهم في الدنيا، وصحبتهم يوم يقوم الناس للملك العزيز الغفار.
|
|