| دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 02 سبتمبر 2020, 6:45 pm | |
| التدابير العلمية في الهجرة النبــوية بقلم الدكتور: نظمي خليل أبو العطا غـفــر الله له ولوالديه وللمسلمــين
من الأمراض الخطيرة التي هدَّت كيان الأمَّة الإسلامية حالة الاتكالية الغيبية الصُّوفية التي بذرت في التربة الإسلامية فوجدت نفوساً جاهلة غير قادرة على الأخذ بالأسباب العلمية، كما ساعدت الجاهليات المتجذرة في نفوس بعض البلدان التي فتحها المسلمون، هذه التوجُّهات الغيبية الجاهلة ساعدت تلك الجاهليات والنفوس الخبيثة على تدعيم الاتكالية الغيبية الخطيرة، فضاعت الأمَّة، وهدمت حضارتها العلمية وحَلَّ محلها الحضارة الانهزامية التي دعت ما لقصير لقصير وما لله لله.
وأذكر أنني سافرت في سفر طويل بالسيارة فوجدتُ العجب العُجاب وجدت مهندسين ومعلمين لم يأخذوا بالأسباب العلمية في تجهيز سياراتهم وكان السبب الرئيس في هذا المسلك العجيب هو حالة الاتكالية العجيبة، وخاصة اننا كنا سنمر على بيت الله الحرام ومسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فظنوا أن هذا يسمح لهم بعدم الأخذ بالأسباب العلمية والاتكال على أنهم قاصدون البيت الحرام ومسجد المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وقال لي أحدهم تعطلت سيارتي (بسبب عدم صيانتها وصلاحيتها للسفر الطويل)، فدعوتُ رسول الله فسارت السيارة، قلت له لقد أخطأت انك دعوت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من دون الله، وأنك لم تأخذ بالأسباب، فلا أظن أن هذا سبب إصلاح السيارة وسيرها.
الهجرة والتدابير النبوية العلمية: 1 - بدأ التخطيط العلمي للهجرة بعرض النبي -صلى الله عليه وسلم- نفسه على الوافدين إلى مكة وعقد بيعة العقبة الأولى والثانية وبايعهم المصطفى -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في المنشط والكسل والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وألا تأخذهم في الله لومة لائم، وأن ينصروه ويمنعوه إذا قدم إليهم بما يمنعون منه أنفسهم وأزواجهم.
2 - أرسل المصطفى -صلى الله عليه وسلم- مصعب بن عمير ليعلمهم وليمهد البيئة في المدينة المنورة لقدوم المصطفى -صلى الله عليه وسلم- والمهاجرين.
3 - ألمح المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر بالهجرة قائلا: "على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي" وهنا استعد أبو بكر للصحبة وحبس نفسه على الهجرة.
4 - أمر جبريل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة الهجرة بأن يترك بيته هذه الليلة فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه، وهذا قمة الأخذ بالأسباب الدنيوية.
5 - تجهيز البعيرين بعلفهما مدة كافية (أربعة أشهر) حتى يتحملا مشقة السفر ووعورة الطريق.
6 - اختيار الدليل الخبير بالطريق حتى ولو كان كافراً، المهم أن يكون عالماً بالطريق أميناَ، في سلوكه وأخلاقه، وهذا ما أثبتته نتائج الأحداث، فقد سار بهم الدليل في طريق وعرة، بعيدة عن مدارك الكفار والمشركين، حيث استأجر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر رجلا من بني الديل، وهو من بني عبد بن عدي هادياً خريتا -والخريت الماهر في الهداية- فدفعا إليه راحلتيهما صبح ثلاث وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق الساحل كما ورد في البخاري.
7 - دبر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من يبيت في فراشه، فلم يترك الفراش خالياً، حتى لا تبعث مكة في طلب النبي صلى عليه وسلم فور اكتشاف خروجه، حتى إذا اكتشفوا ذلك يكون المصطفى -صلى الله عليه وسلم- قد دبر أمر نفسه، كما أختار المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لذلك رجلاً شجاعاَ شاباً فتياً قوياَ مخلصاَ صادقاَ شجاعاً، هو الإمام علي -رضي الله عنه-، حتى لا يخاف من الأعداء ويأتي بحركة مغايرة للمطلوب، وهكذا ظهرت العلمية في أعلى صورها وأجل معانيها في التدابير السابقة واللاحقة بإذن الله.
8 - خرج المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من بيته مقنعاَ في وقت الظهيرة حيث الحر والقيلولة، وهجوع الناس في ديارهم اتقاء الحر الهاجرة، ومن يعش في القرى والصحراء يعرف خلو الطرقات من المارة في هذا الوقت.
9 - وعندما وصل المصطفى -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت أبي بكر قال له: (أخرج من عندك) خوفا من وجود من لا يؤتمن على السر من الخدم والزوار وغيرهم، فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت وأمي يا رسول الله وقد أثبتت النتائج صدق تصور أبي بكر في أبنائه وحُسن تربيتهم.
10 - تجهيز المأكل والمشرب والظهر وإعداده للرحيل ومشاركة أولاد أبي بكر في الأمر ليستشعروا عظم العمل، ويعذروا والدهم لتركه إياهم.
11 - تجهيز الميزانية المالية المطلوبة للرحلة و مشاركة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في تكاليف الراحلة وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- (بالثمن) عندما عرض أبو بكر عليه إحدى الراحلتين.
12 - تحديد مكان اللجوء السريع والاختفاء عن الأنظار فلجأ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- غار ثور، وقد حدد المصطفى -صلى الله عليه وسلم- مدة ثلاثة أيام للاختباء فيه حتى يهدأ الطلب من مكة، وتكف عن الملاحقة لقناعتها انها عاجزة عن اللحاق به.
13 - الخروج من الباب الخلفي لبيت أبي بكر، فلم يخرج من الباب الرئيس للبيت إمعاناً في الأخذ بالأسباب.
14 - كتمان الخبر عن الجميع ما عدا آل أبي بكر وسيدنا علي والدليل وتوزيع المهام عليهم.
15 - تكليف عامر بن فهيرة مولى أبي بكر ومحل ثقته أن يتأتي بغنم أبي بكر ليلاَ فيتزود الركب من حليبها ولحمها وتقوم بمحو آثار الأقدام من الطريق المأهول إلى الغار.
16 - تكليف عبد الله بن أبي بكر بمهمة الإعلام والتغطية الميدانية لكفار مكة، ونقل صورة ميدانية حقيقية لما يدور في مكة على أن يأتي كل يوم بحصاده الإخباري.
17 - عند الخروج من الغار اختار المصطفى صلى الله وسلم طريق الساحل، ولم يمض الركب في الطريق المعتاد وقد أثبتت النتائج حسن هذا التدبير.
18 - دخول " أبي بكر " أولا إلى الغار لتهيئته للقائد حتى لا يصاب بأذى، وهذا قمة العلمية وما يفعله الرؤساء حاليا لأن الحفاظ على القيادة يحفظ المسيرة.
أما أبو بكر فهو فرد من المسلمين لا تموت الدعوة في مهدها بموته.
19 - أرسل الله العنكبوت لينسج خيطاً مادياً إمعاناً في الأخذ بالأسباب العلمية في التخفية، وتعليماً للمسلمين في التمويه والأخذ بالأسباب المادية من نواميس الله في الخلق.
20 - تحييد أمر سراقة وتبشيره بأساور كسرى والتمكين مع إعطائه درساً مادياً في الإيمان عندما ساخت أقدام فرسه في الرمال فكان أول النهار طالباً لرسول الله والفدية وفي آخر النهار مدافعاَ ومخذلاً عنه، وصارفاً للكفار ومثبطاً لهم عن الاستمرار في البحث عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.
21 - عندما وصل المصطفى -صلى الله عليه وسلم- إلى خيمة أم معبد وبيت المرأة الأخرى طلب منهما شاة ليحلبها ويجلس على ضرعها، وهذا يؤكد أخذ الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالأسباب المتاحة من الكائنات الحية وتأكيد علمي عملي على أن الحياة لا تتولد إلا من الحياة.
22 - تجنب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- مواطن العملاء فقصد بيتا متفرداً عن الحي ولما أخبرته المرأة بمكان عظيم القوم وأشارت عليه أن يذهب إليه لم يفعل ذلك، وهذا موقف علمي عملي فإن زعماء قريش قد أرسلوا إلى زعماء القبائل وأغروهم بمكافأة مالية من الإبل إن هم أتوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحيطة والحذر ولم يذهب.
23 - لم يميز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نفسه عن أبي بكر في اللباس والهيئة حتى أن أهل المدينة لم يفرقوا بينهما عندما وصلا إليها، وفي هذا زيادة في عدم جذب الأنظار للمصطفى -صلى الله عليه وسلم- في الطريق.
هذه كانت بعض التدابير العلمية في الهجرة النبوية تثبت أن ديننا دين العلمية الواقعية التجريبية، وأن ما يدعيه البعض من الصوفية أنهم تخطوا الحواجز المادية هو ضرب من الجهل بماهية الإسلام وواقعيته وعلميته وتسخير ونواميس الله في الخلق لصالح الإنسان وباقي المخلوقات الحية في الكرة الأرضية.
وهذا درس خاص لشباب المسلمين يعلمهم الأخذ بالأسباب العلمية في حياتهم الدراسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وعدم التواكل على أسباب لم يبذلوا جهدا فيها، وإذا فعلنا ذلك أصبحنا قادة خلقية تطبيقةً عمليةً في هذه الحياة الدنيا كما كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الثلاثاء 08 سبتمبر 2020, 2:19 am | |
| التورية عند الضرورة الكناية والتورية في الإجابة على أسئلة الأعداء أو الخصوم دون التصريح، للحفاظ على الكُليَّات الخمس، أو واحدة منها -وهي: النفس، والدين، والعرض، والنسل، والمال- لنفسه، أو لغيره: أمر لا يُعَدُّ كَذِبًا، عند الضرورة لذلك.
وعدم استعمال هذا الأسلوب -عند استشعار الحرج فيه، أحياناً - قد يؤدى إلى ضرر أفدح منه.
وهو درس واضح في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- بعامة.
كما هو واضح في الدروس التي تستفاد من هجرته، -صلى الله عليه وسلم-، على النحو التالي: ففي البخاري.. "عن أنس بن مالك --رضي الله عنه-- قال: أقبل نبي الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، وهو مُرْدِفٌ أبا بكر، وأبو بكر: شيخٌ يُعْرَفُ، ونبيُّ الله -صلى الله عليه وسلم-: شَابٌ لا يُعْرَفُ، قال: فيلقي الرجل أبا بكر، فيقول: يا أبا بكر مَنْ هذا الرَّجُل الذي بين يديك..؟ فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل، قال: فيحسب الحاسب.. أنه إنما يعني الطريق، وإنما يعني سبيل الخير "53".
وليس صمت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإقراره لتورية أبا بكر هذه: هي المستند الشرعي فيها فقط، وإن كانت كافية... بل: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في طبقات ابن سعد -كان قد قال له: "ألْهِ النَّاسَ عَنِّي" "55".
وهو درس جد عظيم.. حيث يبيح للمضطر -ويرشده إلى- وسيلة ينجو بها، أو يحمي بها غيره، من الهلاك أو الإيذاء، وفي نفس الوقت يتيح له عدم الوقوع تحت غائلة الكذب.
وليس هذا ترخصاً في الدِّين، أو استهانة بأحكامه، أو تلاعباً بتعاليمه، بل هو التشريع الذي يحفظ النَّفْسَ أو الدِّينَ، أو العِرْضَ، أو النَّسل، أو المال للمرء ذاته، أو لغيره، مِمَّنْ تضطره الظروف والأحوال أن لا يُفشي لهم سراً، أو يذيع لهم خبراً، إذ يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إن في المعاريض: لمندوحة عن الكذب" "56".
بل إن الذي يستفيد من هذا الدرس، ويستعمله -عند الضرورات أو النَّوازل- لا ينجو بنفسه، أو يحمي غيره، من ضرر مُحَقَّقٌ، فقط: إنَّمَا يُثَابُ على ذلك أيضاً.
ففي حديث عبد الله بن عمر --رضي الله عنهما--، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يُسلمه، ومَنْ كان في حاجة أخيه: كان الله في حاجته، ومَنْ فَرَّجَ عن مسلم كُرْبَةً: فَرَّجَ اللهُ عنه كُرْبَةً من كُرُبات يوم القيامة" "57".
كل ذلك: بشرط أن لا يكون كتمان هذا السر والتورية عنه، لا يسبب ضرراً للمسلمين -أفراداً كانوا أو جماعات- أو لبلادهم؛ إذ أن دفع الضرر عنهم: أولى وأوجب من قدسية كتمان السر والتورية عنه.
حيث إنه ما صار سراً، ولا وجب التورية عنه إلا خوفاً من: كيد الأعداء، أو بطش الخصوم وإيذائهم للفرد أو للجماعة، أو للأمة.
والمقصود من حفظ هذا السر أو التورية عنه -كما هو معلوم- حماية النفس أو الغير من أفراد المسلمين، أو جماعاتهم، أو الأمَّة بأسرها.
إنَّ الدُّعَاة إلى الله: لا بد وأن يكونوا على قدر من الوعي والنَّباهة، وحضور البديهة، وحدة الذاكرة لدرجة تجعلهم يدركون حجم الخطر، ويقدرون على خداع عدوهم، والإفلات من بين يديه، أو النجاة من إيذائه، وبطش طغيانه، دون استعمال أسلوب الكذب الصراح إلا عند الضرورة القصوى، التي لا تُجدي فيها كناية، ولا تنفع فيها تورية" "58".
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الثلاثاء 08 سبتمبر 2020, 2:24 am | |
| الحكمة من استئجاره -عليه الصلاة والسلام- دليلاً لطريق الهجرة تاريخ الفتوى 7 رجب 1423هـ 14-09-2002م
السؤال مَنْ الذي سار مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليلة الهجرة هو وأبوبكر.. مَنْ هذا الرجل؟
الفتوى الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه...
أما بعد: فإن هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مليئة بالدروس والعظات والعبر، وكذلك سيرته كلها؛ بل وحياته كلها، فعلى المسلم أن يتعلم من ذلك ما يدعوه إلى محبته -صلى الله عليه وسلم-، فإن ذلك واجب على المسلم، ولا يكمل إيمانه حتى يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحَبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين، ومن نفسه التي بين جنبيه.
ففي الصحيحين عن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحَبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين".
وفي هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان بصحبته أبوبكر -رضي الله عنه- -كما أشار السائل- وكان معهما عبد الله بن أريقط الدؤلي وكان مشركاً ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استأجره ليدله على الطريق وكان خريتاً ماهراً.
وبعض الروايات تقول: إن عامر بن فهيرة مولى أبي بكر كان بصحبتهما وكان يخدمهما، وكان قد أسلم قبل ذلك، والمتأمِّل في هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي أخذه لكافة الاحتياطات اللازمة يعلم أن المسلم يجب عليه أن يأخذ بالأسباب ثم بعد ذلك يتوكل على الله تعالى، كما فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال لأبي بكر: "ما ظنُّك باثنين اللهُ ثالثهما". رواه البخاري ومسلم.
وكان بإمكانه ألا يتخذ سبباً وهو على يقين بأن الله ناصره، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- مشرع لأمته فيبين لهم أنه لابد من الأخذ بالأسباب، ولهذا السبب استأجر ذلك الرجل المشرك عبد الله بن أريقط ليدله على الطريق. والله أعلم. المفتي:... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الثلاثاء 08 سبتمبر 2020, 2:47 am | |
| الدَّاعية المُطارد الخطيب: عائض القرني الخطبة الأولى أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمدٍ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الجيل الموحد، يا حملة المبادئ، أيتها الكتيبة المقدسة: نقف هذا اليوم نحيي بملء القلوب والأجفان والأسماع رسولنا، نحييه في أول العام الهجري، وهو رجل الهجرة الأول، نعيش اليوم مع الأطفال في أيام طرد هو من أطفاله، ونعيش اليوم منعمين في الدور والقصور، في أيام شرد من دوره، ونعيش اليوم مرفهين سعداء، في أيام عاشها هو كلها أسى، وكلها لوعة، يقدم رأسه وروحه من أجل لا إله إلا الله.
إنها الهجرة، وعنوان الخطبة: (الداعية المطارد). طارده أقاربه وأرحامه وأصهاره، فما سبب المطاردة؟ لأنه يحمل مبدأ الإنقاذ، لماذا طورد؟ أمن أجل أنه أتى لينهب الأموال، ويسفك الدماء، ويحتل الأراضي، ويبتز المعطيات؟ لا.. من أجل أنه أتى لينقذ الإنسان، ليخرج الإنسان من الظلمات إلى النور؟
هذا حديث الهجرة، أغلقت فئة أبوابها في وجه الابن البار، وأنذرته في خلال أربع وعشرين ساعة أن يغادرها، ولا يبقى في ساحتها. عجيب.. ولد في ربوعها، ترعرع في تلالها، شرب ماءها، استنشق هواءها، وتقول له مكة: اخرج، إلى أين؟ لا ندري، وليتهم تركوه ليخرج سالماً معافى، لكن يريدون أن يخرجون جثة، أو يحبسوه ويقيدوه بالحديد، أو ينفوه من الأرض: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) الأنفال: 30. تخفيت من خصمي بظل جناحه...***... فعيني ترى خصمي وليس يراني فلو تسأل الأيام عني ما درت...***... وأين مكاني ما عرفن مكاني
دخل في غرفة علي أو في بيته هو، وطوقه الكفرة الفجرة؛ لأنه يهدد مصالحهم التي بنيت على الظلم، ولأنه يصادر شهواتهم، ولأنه لا يطاوعهم في نزواتهم.
إن أهل الباطل قديماً وحديثاً يرون في حملة المبادئ، وفي رواد الحق، خصماء على طوال الطريق؛ لأنهم يقولون لهم: لا، في كل معصية، وفي كل شهوة، وفي كل نزوة، طوقوا بيته بالسيوف المشرعة، وتحروا متى يخرج ليفتكوا به، وهنا تأتي الشجاعة، ليست الشجاعة التي يبديها الناس، من أجل أراضيهم ومزارعهم ومناصبهم، الأنوف الحمراء التي تغضب للجيوب والبطون، السيوف المسلولة من أجل التراب والطين، أما محمد -عليه الصلاة والسلام-، فيقدم رأسه من أجل مبدئه، يتحدى الشمس أن تهبط في يمينه، والقمر أن ينزل في يساره، والله لو نزلت الشمس ونزل القمر، ما تزحزح خطوة واحدة، حتى تعلن لا إله إلا الله أصالتها في الأرض.
طوقوه، وأتاه جبريل، أخبره قائلاً: الخصوم خارج البيت، يريدون قتلك، فيقول: إن الله معنا، لله درك، ولله در الشجاعة المتناهية.
ولله در الروح العالية: يا قاتل الظلم ثارت هاهنا وهنا ... فضائح أين منها زندك الواري الشمس والبدر في كفيك لو نزلت ... ما أطفأت فيك ضوء النور والنار أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة ... يذوب في ساحها مليون جبار
فخرج من البيت بلا سيف، وهم بالسيوف، وخرج بلا رمح، وهم بالرماح والعار، وأخذ حفنة من التراب، فألقى الله النوم عليهم فناموا، وسقطت سيوف الخزي والعار من أيديهم، فخرج ونثر التراب والغبار على رؤوس الفجار، وهو يقول: (وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون) يس: 9.
نقف اليوم بعد هذا الحدث، بأربعة عشر قرناً لنأخذ دروساً: أولاً: درس التوكل على الله، وتفويض الأمر له، وصدق اللجأ، فلا كافي إلا الله، يقول سبحانه على لسان أحد أوليائه: (وأفوّض أمري إلى الله إن الله بصيرٌ بالعباد * فوقاه الله سيئات ما مكروا) غافر: 44-45. ويقول سبحانه وتعالى لرسوله: (ويخوّفونك بالذين من دونه) الزمر: 36. وكل من دون الله فهو تحته ودونه وعبد له، فلا قيمة له، ولا وزن ولا تأثير. والناس اليوم يحملون صدق التوكل والانتصار بالله في أذهانهم، لا في حياتهم وتصرفاتهم، إنهم أجبن من كل شيء، وأجبن ما يكون عندما تهدد لا إله إلا الله.
إن قضية الوظائف قد استعبدت البشر، والمناصب، والموائد، والجاهات، والشارات؛ إنها تستبعد الحر الشجاع، فتجعله ذليلاً جباناً، لا يقول كلمة الحق (تعس عبد الدينار، والدرهم، والقطيفة، والخميصة) 1
إن محمداً -عليه الصلاة والسلام-؛ أراد أن يبني جيلاً قوياً شجاعاً، يقدم الواحد منهم رأسه لمبدئه، وروحه لمنهجه، ولكن طال الأمد وقست القلوب، وانطمس المنهج، وأصبحت الأمة تعيش خواءً عقدياً، أخوف ما تكون من البشر، انظر إليهم، والله إن البشر عندهم أخوف إليهم من رب البشر، فكم يخافون، كم يجبنون، وكم يصيب أحدهم الزلزلة والرعدة من تهديد بسيط يتعرض لوظيفته، أو لمنصبه، أو لدخله ورزقه، ولا يرزق إلا الله، ولا يخلق إلا الله: (واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً) الفرقان: 3.
إن قصة الهجرة، يتجلى فيها التوكل، كأحسن ما يتجلى في أي صورة وفي أي موقف، يدخل الغار، ويتكرر لنا حديث الغار، ونعيد دائماً حديث الغار؛ لأن أول التاريخ بدأ من الغار، والنور انبعث من الغار، فمن يمنعه -عليه الصلاة والسلام-، أين موكبه، أين أقواس النصر التي تحف الناس، أين الجنود المسلحة التي تحمي عظماء الناس وكبراءهم، وهم أقل خطراً وأقل شأناً منه، لا جنود، لا حراسة، لا سلاح، لا مخابرات، لا استطلاع.
وإذا العناية لاحظتك عيونها *** نم فالحوادث كلهن أمان
فيقول أبو بكر، يا رسول الله والله لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لرآنا، فيتبسم -عليه الصلاة والسلام-، والتبسم في وجه الموت أمر لا يجيده إلا العظماء، حتى يقول المتنبي يمدح عظيماً، لا يستحق أن يكون جندياً في كتيبة محمد -عليه الصلاة والسلام-...
وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ووجهك وضاحٌ وثغرك باسم
يتبسم -عليه الصلاة والسلام- ويقول: (ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما) 2 هل يغلب هؤلاء الثلاثة، أم تكون الدائرة على أعدائهم، إذا كان الله ثالثهما، فمن المغلوب؟ من هو الخاسر في الجولة؟ من هو المنهزم في آخر المعركة؟ ويقول -عليه الصلاة والسلام-، لأبي بكر مواسياً له: (لا تحزن إن الله معنا) 3 بعلمه -سبحانه وتعالى- وهي معية الحفظ والتأييد والتسديد لأوليائه، المعية التي صاحبت إبراهيم -عليه السلام-، وهو يهوي بين السماء والأرض، في قذيفة المنجنيق إلى النار، فيقول له جبريل: ألك إليّ حاجة؟ فيقول: أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم: حسبنا الله ونعم الوكيل، فكانت النار برداً وسلاماً.
والمعية التي صاحبت موسى راعي الغنم، الذي يحمل عصاه، ولا يجيد اللغة أن ينطقها، ويدخل إيوان الظالم السفاك المجرم فرعون، حرس فرعون أكثر من ثلاثين ألفاً، الدماء تسيل في البلاط الملكي الظالم، موسى يلتفت ويقول: يا رب: (إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى) طه: 5.
فيعلمه الله درس التوحيد والتوكل: (لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى) طه: 46. إنني معكما أسمع وأرى، نواصي العباد بيديه، رؤوس الطغاة في قبضته، مقاليد الحكم بيمينه، لا يصرف متصرف إلا بقدرته.
يطارد سراقة محمداً -عليه الصلاة والسلام-، فلا يلتفت، يقرأ القرآن ولا يلتفت؛ لأن الله معه، يدعو على سراقة، فيصبح سراقة مهدداً بالموت فيقول: يا محمد، اكتب لي أماناً على حياتي، أنت الآن محميّ، وأنا مهدد، بالله لا تقتلني.
فرّ من الموت، وفي الموت وقع!!.
محمد -عليه الصلاة والسلام- يتبسم، ويقول: (يا سراقة، كيف بك إذا سُوّرت بسواري كسرى؟) أين كسرى؟! امبراطور فارس، ديكتاتور الشمال، المجرم السَّفاك، فيضحك سراقة كأنه ضربٌ من الخيال، هذا يستولي على امبراطوريات الدنيا!! هذا يلغى مملكة العالم!! وهو لا يستطيع أن ينجو بنفسه، وبالفعل تم ذلك، ودُكدك الظلم، وفتح الشمال، ورفرفت لا إله إلا الله على الإيوان.
ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ... ولا رمى الروم إلا طاش راميها وخالد في سبيل الله مشعلها ... وخالد في سبيل الله مذكيها وما أتت بقعة إلا سمعت بها ... الله أكبر تسري في نواحيها
الثاني: من دروس الهجرة: أن الله يحفظ أولياءه، نعم يؤذون، ويضطهدون، ويحبسون، ويقدمون رؤوسهم رخيصة لله، ولكن ينتصرون، لأن العاقبة للمتقين: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار) غافر: 51-52.
والنتيجة الحتمية، أنهم هم المنتصرون في آخر المطاف، وأن الباطل مهما انتفش، ومهما علا، ومهما كبر، فإنه كما قال سبحانه: (فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) الرعد: 15.
الباطل له صولة، والحق له دولة، والعاقبة للمتقين، وتكفل الله أن يحفظ دعائم هذا الدين، والمتمسكين به، والمنضوين تحت لوائه، فمهما تعرضوا له من الإساءات، والاضطهاد والإقصاء، والاستخذاء، فإنه لا يزيدهم إلا إصراراً على مبادئهم، وشمماً وقوة.
الثالث من دروس الهجرة:
عالم التضحيات والبذل، تحقق في سيرته، -عليه الصلاة والسلام-، لكن ما فعلت أنا، وماذا فعل أنت لهذا الدين؟ ماذا قدمنا؟ ومحمد -عليه الصلاة والسلام-، شغله الشاغل، أنفاسه، خواطره، أفكاره، أمواله، أهله، روحه، لله، يقول في أحد مواقفه: (والذي نفس محمد بيده؛ لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل) 4
هاجر من مكة مطروداً، أغلقت مكة أبوابها في وجهه، ووقف في حمراء الأسد، يخاطب مكة، فبينه وبين مكة كلام رقيق مشوق.
إذا ترحّلت عن قوم وقد قدروا....ألا تفارقهم فالراحلون همُ يا من يعز علينا أن نفارقهم....وجداننا كل شيء بعدكم عدمُ
يقول لمكة: (والذي نفسي بيده إنك من أحب بلاد الله إلى قلبي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت) 5 ثم تدمع عيناه ويذهب، بناته أمامه، يضربن، فلا يستطيع أن يدفع عنهن الظلم، يوضع السلا على رأسه وهو ساجد فلا يتحرك، وهم يضحكون، ثم تأتي فاطمة --رضي الله عنه-ا- فتلقي السلا عن ظهره، فلما قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصلاة قال: (اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد). قال عبد الله: فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر6.
فصلى الله وسلم وبارك عليك يا رسول الله... تباع غُرفه في مكة، بعقد يتولاه عقيل بن أبي طالب، أعمامه يكذبونه أمام الناس، يحثى التراب عليه، يطارد بعيداً بعيداً، يشج رأسه، ويدمى أصبعه، وتكسر رباعيته، فيصبر ويحتسب، يريدون إغلاق صوته، فيزداد الصوت، أقوى، وأعظم، وأعمق، وأأصل، فيصل إلى المدينة فإذا الدنيا تتحدث عنه.
ولولا اشتعال النار فيما جاورت...ما كان يعرف طيب نفح العود وإذا أراد الله نشر فضيلة...طويت أتاح لها لسان حسود
هكذا العظمة، وهكذا الريادة.. وينصت العالم له، ويسمعون كلمته، ويقويه الله بجند من عنده، وتحف به الملائكة.
وقاتلت معنا الأملاك في أحد...تحت العجاجة ما حادوا وما انكشفوا سعدٌ وسلمان والقعقاع قد عبروا...إياك نعبد من سلسالها رشفوا
إذاً التضحية هكذا، أن تقدم دمك، ومالك، ودموعك، ووقتك للإسلام، وإلا الركعات والتسبيحات، التي يمتن بها كثير من الناس، ولكنهم لا يحترقون على الدين ولا يغضبون لانتهاك محارم إياك نعبد وإياك نستعين، فهؤلاء لا يستطيعون أن يتقدموا معك خطوة، لنصرة لا إله إلا الله، هذا عالم آخر.
الرابع من الدروس: ماذا قدمنا للعام الهجري المنصرم، ذهب من أعمارنا عام، مات فيه قوم، وعاش قوم، واغتنى قوم، وافتقر قوم، وتولى قوم، وخلع قوم، فماذا قدمنا للإسلام؟ ولك أن تتعجب معي، وإن تعجب، فعجب فعلهم في هجرة محمد -عليه الصلاة والسلام-، أين هي الصحف الصباحية؟ أين هي الشاشة؟ أين صحفٌ لا تحيي محمداً -عليه الصلاة والسلام-، كتابها حسنة من حسناته، كتابها متطفلون على مائدته، كتابها أحرار لما أخرجهم من الرقّ؛ رق الوثنية والعبودية لغير الله، بلاد ما أشرقت عليها شمس إلا بدعوته، ولا تحييه!! لا كلمة، ولا عموداً صغيراً، ولا زاوية تحيي المصلح العظيم.
والله لقد قرأت أخباراً عن كلاب، حدثت لها وقائع ومصائب في الغرب وترجموا لها، لكن محمداً -عليه الصلاة والسلام-، لا يجد من يترجم له.
ونقول للكتبة وللمحررين وللنخبة المثقفة -كما تزعم- ولأهل الكلمة، ولأبناء الفكر، لا عليكم: (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) محمد: 38.
لا عليكم إن بخلتم بأقلامكم على محمد -عليه الصلاة والسلام-، وعلا صفحاتكم الفنية كواكب الفن وشموس الغناء، فعندنا جيلٌ الآن، أعلن توجهه إلى الله، جيل كتب الهجرة بدموعه، وحفظ المسيرة بقلبه، وأصبح حب محمد -عليه الصلاة والسلام-، يجري في دمه.
عندنا جيل كعدد الذر، كلهم والله يتمنى اليوم قبل غد، أن يقتل في سبيل الله، من أجل مبادئ محمد -عليه الصلاة والسلام-، هذا أثره -عليه الصلاة والسلام- علينا، وهذا موقفنا من دعوته ورسالته، تُبحث الأفكار إلا فكره!!
وتدرس المناهج إلا منهجه!! ويتكلم عن الشخصيات إلا شخصيته، ورأيت في صحيفة زاوية، خصّصتها للأعلام والمشاهير ولوفياتهم.
إنهم مشاهير السفك والنهب في العالم؟ مشاهير القتل والإبادة، واستخذاء الشعوب، أما المحرر الأول، أما إنسان عين الكون، أما الرجل الذي أصلح الله به الأمة، فلا كلام، ولا ترجمة!! فبماذا يعتذر هؤلاء أمامه -عليه الصلاة والسلام- غداً.
ولا يفهم فاهم، أو يزعم زاعم؛ أني أريد أن ننشئ له عيد هجرة، فالإسلام لا يقر هذا، ولا عيد ميلاد، فالإسلام لا يؤمن بهذا، ولا أن نجتمع في زوايا، وفي خلايا، وفي جوانب، لنرقص كما يرقص المخذولون المتهوكون، بالنشيد والتصفيق، فتحيته ليست هكذا.
تحيته؛ أن نطهر بلاده مما طهرها هو، فتكون بلاداً مقدسة، تحيته أن نسير على خطواته، وأن نقتفي منهجه، وأن نضحي لمبدئه، أعظم مما يضحي الثوريون العرب، والماركسيون العرب، والاشتراكيون العرب، للأقزام الملاعين، وللنخبة المخذولين، وللأصنام المبعدين.
تحيتنا له؛ أن نقف مع سنته، وننشرها في الأرض: (بلغوا عني ولو آية) 7
(نضر الله امرئً سمع مني مقالة، فوعاها، فأدَّاها كما سمعها، فرُبَّ مُبَلَّغٍ أوعى من سامع) 8 إن عالَم البادية، الذي كان يسجد للحجر ويجمع التمر على صورة صنم، ويصلي له، ويأتي إلى الوثن الذي تبول عليه الكلاب والثعالب، ويدعوه أن يشفي مريضه لهو عالَم ضال.
رب يبول الثعلبان برأسه *** قد ضل من بالت عليه الثعالب
فمن الذي حرر البشرية من هذا؟ إنه محمد -عليه الصلاة والسلام-؟ وإن العجب العجاب، أن تحتفل جهات متعددة بنظافة البيئة، محاضرة في نظافة البيئة، ومحاضرة في فن السياحة، ومحاضرة في أدب الاصطياف، ولم يبق إلا محاضرة رابعة في بيطرة البقر، وما هو علاج البقر، ومن هم الأبطال الذين يعالجون الأبقار من أمراضها.
علي نحت القوافي من معادنها *** وما علي إذا لم تفهم البقر
لماذا لم تعد محاضرة بعنوان: أثر رسالته -عليه الصلاة والسلام- على العالم؟ لماذا لا يأتي هؤلاء المحللون والمنظرون بمحاضرة عن: (الإسلام وحاجة العالم إليه)، (نحن والقرآن)، (ماذا قدمنا للعالم)، (أثر لا إله إلا الله في حياة الإنسان) أما هذه المحاضرات التي شبع منها الناس، ومجتها الآذان، وأصبحنا نصاب بغثيان من سماعها وتردادها، فوالله إنها شغل للأوقات، وإنها تسويد للصحف، وإنها مجٌ للأسماع، ورداءة على القلوب.
هذا هو المهاجر الأول، هذا هو الداعية المطارد من أجل مبدئه، وهذه الصحف، وهذه الأقلام، ولكم أن تحكموا: (بل الإنسان على نفسه بصيرة * ولو ألقى معاذيره) القيامة: 14-15.
(يا أيها الإنسان ما غرّك بربك الكريم * الذي خلقك فسوّاك فعدلك) الانفطار: 6-7.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وحجة الله على الهالكين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أيها المسلمون: في مثل هذا الشهر، طورد داعية أول، أخٌ له -عليه الصلاة والسلام-، نهجهُ نهجه، ومسيرته مسيرته، ودعوته دعوته، إنه موسى عليه السلام: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيراً) الفرقان: 31.
لا يبعث نبي، إلا وقد هيأ الله طاغية هناك يتربص به، ولا يحمل رائد من رواد الدعوة مبدأ، إلا ويتهيأ له ظالم يرصده، سنة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، في هذا الشهر خرج موسى مطروداً من مصر، يطارده فرعون المجرم؛ بستمائة ألف مقاتل: فاستخف قومه فأطاعوه الزخرف: 54.
قطيع الضأن، الشعوب التي لا تفهم إلا الخبز، ولا تفهم إلا الأكل، ولا تفهم إلا ثقافة القِدْر والجيب والبطن، تصفق للطاغية، وتحثوا على رأس الداعية، الشعوب المهلهلة، المهترية، المتهالكة من داخل، طاردت موسى، يريدون قتله؛ لأنه يريد أن يحررهم، ويقولون: لا، يريد أن يخرجهم من الظلمات إلى النور، ويقولون: لا، يريد أن يرفع رؤوسهم، ويقولون: لا، اصطدم بالبحر، الجيش وراءه والموت والبحر أمامه، إلى أين يا رب؟ إلى الله.
التفت موسى ودعا، والله قريب: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي) البقرة: 186.
بنو إسرائيل ولولوا، الخونة خافوا، الجبناء ارتعدوا، انهارت حوله الكتائب، يا موسى: (إنا لمدركون) الشعراء: 61.
يتبسم موسى؛ كما تبسم محمد -صلى الله عليه وسلم- في الغار: (كلا إن معي ربي سيهدين) الشعراء: 62.
قالوا له كما ذكر بعض أهل السير: أين يهديك وفرعون خلفك، والبحر أمامك؟! هذه ورطة لا حل لها، هذا مضيق لا مخرج منه في عرف البشر، (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (62) سورة الشعراء ويتلقى الأمر في الحال، لا تتأخر اضرب بعصاك البحر، بسم الله، ضرب البحر، انفجر البحر، انفلق، ظهر لهم طريق، مشى موسى، ومشى بنو إسرائيل، وأتى المجرم يريد أن يجرب آخر جولة له في عالم الضياع، وفي مصارع الطغاة، والطغاة لهم مصارع؛ إما أن تلعنهم القلوب، وهم يسيرون على الأرض، وهذا مصرع، وإما أن يّشدخون كما شدخ هذا، وهذا مصرع، إما أن يدّخر الله لهم ناراً، وهذا مصرع.
ووصل فرعون وجنوده، ونجي موسى، وقال الله للبحر اجتمع فاجتمع، وكانت نهاية المجرم، دخل الطين في فمه، فلما أصبح في وقت ضائع قال: (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) يونس: 90. فيقول الله: (آلآن) يونس: 91.
في هذه اللحظة أيها المجرم الخسيس!! بعد أن فعلت من الأفاعيل ما تشيب له الرؤوس، لا، ونجى الله موسى، والحدث أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يشارك أخاه في فرحة الفلاح والانتصار، ويشارك زميله في هذا اليوم الأغر، يوم عاشوراء، ولذلك تضامن معه، وتكاتف هو وإياه.
وجد بني إسرائيل، اليهود الخونة الجبناء، في خيبر والمدينة، يصومون عاشوراء، قال: (ما هذا اليوم قالوا يوم نجى الله فيه موسى قال: نحن أولى بموسى منكم) 9 موسى قريبنا، موسى حبيبنا، نحن حملة منهج موسى، لا أنتم يا خونة العالم، ويا حثالة التاريخ، ويا أبناء القردة والخنازير، فصامه وقال -عليه الصلاة والسلام- عن هذا اليوم، كما في صحيح مسلم: (إني أرجو من الله أن يكفر السنة الماضية) 10
ومن السنة أن تصوم يوماً قبله، أو يوماً بعده؛ اليوم التاسع والعاشر من هذا الشهر، أو اليوم العاشر والحادي عشر من هذا الشهر، يقول -عليه الصلاة والسلام-: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر) 11 فشكر الله لموسى دعوته ومنهجه وبذله وتضحيته، وشكر الله لمحمد -عليه الصلاة والسلام-، بذله وشجاعته وتضحيته من أجل هذه الأمة، وشكر الله لكل من سار على منهجه -عليه الصلاة والسلام-، وضحى من أجل مبادئه، وبذل من أجل دعوته، وساهم في رفع رسالته.
أسأل الله أن يجمعنا بمحمد -عليه الصلاة والسلام-، وبإبراهيم وبموسى وعيسى، وبالأخيار الطيبين، وبالشهداء الصالحين، وبالأبرار الصديقين، وبالشجعان الباذلين، في مقعد صدق عند رب العالمين.
أيها الناس: صلوا على الداعية المطارد، والمهاجر الأول، والرسول الأعظم، والهمام الإمام، -عليه أفضل الصلاة والسلام-،؛ ما ترقرق الغمام، وما جنح الظلام، وما أفشي السلام، وما كان في قلوبنا وفي أذهاننا إمام،، ما فاحت الأزهار، وما تمايلت الأشجار، وما تدفقت الأنهار، وما كور النهار في الليل والليل في النهار،، ما تألقت عين لنظر، وما تحرقت أذن لخبر، وما هتف ورقٌ على شجر، وعلى آله وصحبه.
اللهم انصر دينك، ومنهجك، اللهم اجعله عاماً مباركاً، عاماً ينتصر فيه الدين، وترتفع فيه إياك نعبد وإياك نستعين. وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) الأحزاب: 56.
ويقول -عليه الصلاة والسلام-: (مَنْ صلى عليَّ صلاة، صلى اللهُ عليه بها عشراً) 12
اللهم صل على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين. المصدر: http: http://alminbar.al-islam.com/Default.aspx?ActionSpeachDetails&mediaItURL3336&subsubID -------------------- 1 - أخرجه البخاري (7/175). 2 - أخرجه البخاري (4/190). 3 - أخرجه البخاري (4/190). 4 - أخرجه البخاري (1/14)، ومسلم (2/16)، رقم (1876). 5 - أخرجه الترمذي (5/679) رقم (3925) وقال: حسن غريب صحيح، ورقم (3926) وقال: حسن غريب من هذا الوجه. وابن ماجه (2/1037) رقم (3108)، والدارمي (2/311) رقم (2510). 6 - أخرجه البخاري (1/131، 132) ومسلم (3/1418) رقم (1794). 7 - أخرجه البخاري (4/145). 8 - أخرجه أبو داود (3/322) رقم (3660)، والترمذي (5/33) رقم (2656) وقال: حديث حسن، ورقم (2657) وقال: حسن صحيح رقم (2658)، وابن ماجه (1/85). رقم (231، 232) وصححه الألباني كما في صحيح الجامع رقم (6763 – 6766). 9 - أخرجه البخاري (2/251). 10 - أخرجه مسلم (2/819) رقم (1162). 11 - أخرجه مسلم (2/798) رقم (1134). 12 - أخرجه مسلم (1/288) رقم (384). |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الثلاثاء 08 سبتمبر 2020, 3:14 pm | |
| الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر في الغار قال ابن إسحاق (فلما أجمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخروج أتى أبا بكر بن أبي قحافة فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ثم عمدا إلى غار بثور - جبل بأسفل مكة فدخلاه وأمر أبو بكر ابنه عبد الله بن أبي بكر أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر، وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره ثم يريحها عليهما، يأتيهما إذا أمسى في الغار.
وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما.
قال ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم أن الحسن بن أبي الحسن البصري قال انتهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر إلى الغار ليلاً، فدخل أبو بكر -رضي الله عنه- قبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتلمس الغار لينظر أفيه سبع أو حية يقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنفسه).
الذين قاموا بشؤون الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الغار: قال ابن إسحاق: (فأقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الغار ثلاثاً ومعه أبو بكر وجعلت قريش فيه حين فقدوه مائة ناقة لمن يرده عليهم.
وكان عبد الله بن أبي بكر يكون في قريش نهاره معهم يسمع ما يأتمرون به وما يقولون في شأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر.
وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر -رضي الله عنه- يرعى في رعيان أهل مكة، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر فاحتلبا وذبحا، فإذا عبد الله بن أبي بكر غدا من عندهما إلى مكة، اتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم حتى يعفي عليه حتى إذا مضت الثلاث وسكن عنهما الناس أتاهما صاحبهما الذي استأجراه ببعيريهما وبعير له وأتتهما أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- بسفرتهما، ونسيت أن تجعل لها عصاما فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فإذا ليس لها عصام فتحل نطاقها فتجعله عصاما، ثم علقتها به).
لِمَ سُمِّيَتْ أسماءُ بذات النطاقين؟ فكان يُقال لأسماء بنت أبي بكر ذات النِّطاق لذلك. قال ابن هشام: وسمعت غير واحد من أهل العلم يقول ذات النِّطاقين. وتفسيره: أنَّها لَمَّا أرادت أن تعلق السُّفرة شقَّت نطاقها باثنين فعلّقت السُّفرة بواحد وانتطقت بالآخر.
راحلة النبي -صلى الله عليه وسلم-.. قال ابن إسحاق: (فلما قرب أبو بكر -رضي الله عنه- الراحلتين إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدم له أفضلهما، ثم قال اركب فداك أبي وأمي; فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "إني لا أركب بعيراً ليس لي".
قال فهي لك يا رسول الله بأبي أنت وأمي، قال "لا، ولكن ما الثمن الذي ابتعتها به"؟ قال كذا وكذا، قال "قد أخذتها به"، قال هي لك يا رسول الله، فركبا وانطلقا.
وأردف أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- عامر بن فهيرة مولاه خلفه ليخدمهما في الطريق).
حديث الغار وهو غار في جبل ثور، وهو الجبل الذي ذكره في تحريم المدينة، وأنها حرام ما بين عير إلى ثور وهو وهم في الحديث لأن ثوراً من جبال مكة، وإنما لفظ الحديث عند أكثرهم ما بين عير إلى كذا، كان المحدث قد نسي اسم المكان فكنى عنه بكذا.
وذكر قاسم بن ثابت في الدلائل فيما شرح من الحديث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما دخله وأبو بكر معه أنبت الله على بابه الراءة قال قاسم وهي شجرة معروفة فحجبت عن الغار أعين الكفار.
وقال أبو حنيفة الراءة من أغلاث الشجر وتكون مثل قامة الإنسان ولها خيطان وزهر أبيض تحشى به المخاد، فيكون كالريش لخفته ولينه لأنه كالقطن.
ترى ودك الشريف على لحاهم *** كمثل الراء لبده الصقيع
وفي مسند البزار: أن الله تعالى أمر العنكبوت فنسجت على وجه الغار وأرسل حمامتين وخشيتين فوقعتا على وجه الغار وأن ذلك مما صد المشركين عنه وأن حمام الحرم من نسل تينك الحمامتين وروي أن أبا بكر -رضي الله عنه- حين دخله وتقدم إلى دخوله - قبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليقيه بنفسه رأى فيه جحرا فألقمه عقبه لئلا يخرج منه ما يؤذي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي الصحيح عن أنس قال قال أبو بكر -رضي الله عنه- لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهما في الغار (لو أن أحدهم نظر إلى قدمه لرآنا، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "ما ظنك باثنين الله ثالثهما".
وروي أيضاً أنهم لَمَّا عمي عليهم الأثر جاءوا بالقافة فجعلوا يقفون الأثر حتى انتهوا إلى باب الغار وقد أنبت الله عليه ما ذكرنا في الحديث قبل هذا، فعندما رأى أبو بكر -رضي الله عنه- القافة اشتد حُزنه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: (إن قتلت فإنما، أنا رجل واحد وإن قتلت أنت هلكت الأمَّة، فعندها قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "(لا تحزن إن الله معنا)"، ألا ترى كيف قال لا تحزن ولم يقل لا تخف؟
لأن حزنه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شغله عن خوفه على نفسه ولأنه أيضاً رأى ما نزل برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من النصب وكونه في ضيقة الغار مع فُرقة الأهل ووحشة الغُربة وكان أرق الناس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأشفقهم عليه فحزن لذلك.
وقد روي أنه قال: (نظرت إلى قدمي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الغار وقد تفطرتا دماً، فاستبكيت، وعلمت أنه -عليه السلام- لم يكن تعود الحفاء والجفوة) وأمَّا الخوف فقد كان عنده من اليقين بوعد الله بالنصر لنبيه، ما يُسَكِّنُ خوفه وقول الله تعالى: "فأنزل اللهُ سكينته عليه"، قال أكثر أهل التفسير يريد على أبي بكر وأمَّا الرسول فقد كانت السَّكينة عليه وقوله: "وأيده بجنود لم تروها" الهاء في أيده راجعة على النبي والجنود الملائكة أنزله عليه في الغار فبشروه بالنصر على أعدائه فأيَّدهُ ذلك وقوَّاه على الصبر (و) قيل: "أيده بجنود لم تروها"، يعني: يوم بدر وحنين وغيرهما من مشاهد.
وقد قيل الهاء راجعة على النبي عليه السلام في الموضعين جميعاً وأبو بكر تبعٌ له فدخل في حُكم السَّكينة بالمعنى، وكان في مصحف حفصة فأنزل الله سكينته عليهما، وقيل إن حزن أبي بكر كان عندما رأى بعض الكفار يبول عند الغار فأشفق أن يكونوا قد رأوهما، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- "(لا تحزن فإنهم لو رأونا لم يستقبلونا بفروجهم عند البول ولا تشاغلوا بشيء عن أخذنا)"، والله أعلم.
معيَّة الله مع رسوله وصاحبه وانتبه أيها العبد المأمور بتدبر كتاب الله تعالى لقوله: (إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنَّ الله معنا) (التوبة: 40) كيف كان معهما بالمعنى، وباللفظ أمَّا المعنى فكان معهما بالنصر والإرفاد والهداية والإرشاد وأمَّا اللفظ فإن اسم الله تعالى كان يذكر إذا ذكر رسوله وإذا دعي فقيل يا رسول الله أو فعل رسول الله ثم كان لصاحبه كذلك يقال يا خليفة رسول الله وفعل خليفة رسول الله فكان يذكر معهما، بالرسالة وبالخلافة ثم ارتفع ذلك فلم يكن لأحد من الخلفاء، ولا يكون.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الثلاثاء 08 سبتمبر 2020, 5:33 pm | |
| السابقون الأولون من المهاجرين مضى رسول الله صلى عليه وسلم بأمر الله، رغم ما لقي من قومه من الخلاف والأذى، فآمنت به خديجة بنت خويلد، وصدقت بما جاءه من الله، وآزرته على أمره، وكانت أول من آمن بالله وبرسوله، وصدقت بما جاء به، فخفف الله بذلك عن نبيه -صلى الله عليه وسلم- لا يسمع شيئا مما يكرهه من رد عليه وتكذيب له، فيحزنه ذلك، إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها تثبته وتخفف عليه، وتصدقه وتهون عليه أمر الناس، رحمها الله تعالى1.
قال ابن إسحاق: 'ثم كان أول ذكر من الناس آمن برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وصلى معه وصدق بما جاء من الله تعالى، علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن هاشم، رضوان الله وسلامه عليه، وهو يومئذ ابن عشر سنين، ونعمة الله أنه كان في حجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل الإسلام2.
أخرج الحافظ أبو الحسن الطرابلسي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: خرج أبو بكر -رضي الله عنه- يريد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- –وكان له صديقاً في الجاهلية- فلقيه، فقال: يا أبا القاسم أفقدت من مجالس قومك واتهموك بالعيب لآبائها وأمهاتها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إني رسول الله أدعوك إلى الله، فلما فرغ من كلامه أسلم أبو بكر، فانطلق عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما بين الأخشبين3 أحَدٌ أكثر سروراً منه بإسلام أبي بكر.
ومضى أبو بكر فراح لعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص فأسلموا، ثم جاء... بعثمان بن مظعون، وأبي عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف، وأبي سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم فأسلموا -رضي الله عنهم-4.
1- الصاحب والمصحوب: لقد آثر الله تعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- بنعمه بالقدر الذي يجعله أهلاً لحمل رايته والتحدُّث باسمه بل ويجعله أهلاً لأن يكون خاتم رسله، ومِنْ ثَمَّ كان فضلُ الله عليه عظيماً، جعلت أفئدة الناس تهوي إليه، وترى فيه المصحوب المُربي والمُعلِّم، والصديق؛ مما جعل سادة قريش يُسارعون إلى كلماته ودينه: "أبو بكر" و"طلحة" "والزبير" و"عثمان" و"عبد الرحمان بن عوف" و"سعد بن أبي وقاص" متخلين بهذه المُسارعة المؤمنة عن كل ما كان يحيطهم به قومهم من مجد وجاه، متقبلين –في نفس الوقت- حياة "تمور موراً شديداً بالأعباء وبالصعاب وبالصراع".
ما الذي جعل ضعفاء قومه يلوذون بحماه ويهرعون إلى رايته ودعوته وهم يبصرونه أعزل من المال ومن السلاح ينزل به الأذى ويطارده الشر في تحد رهيب، دون أن يملك -عليه الصلاة والسلام- له دفعا؟! ما الذي جعل جبار الجاهلية -عمر بن الخطاب- وقد ذهب ليقطف رأسه العظيم بسيفه- يعود ليقطف بنفس السيف رؤوس أعدائه ومُضطهديه؟!
ما الذي جعل المؤمنين به يزيدون ولا ينقصون ومن حوله يلتفون، وهو الذي يهتف فيهم صباح مساء لا أملك لكم نفعاً ولا ضراً ولا أدري ما يُفعل بي ولا بكم؟
ما الذي ملأ قلوبهم يقيناً وعزماً؟!
إنه محمد بن عبد الله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المصحوب، رأوا طهره وعظمته، وأمانته واستقامته، وشجاعته وسموه وحنانه، رأوا عقله وبيانه، رأوا سمو الحياة يسري في أوصال قلوبهم عندما بدأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفيض عليها من قلبه المرحوم برحمة الله ونبوته.
رأوا ذلك وأضعافه لا من وراء قناع بل مواجهة وتمرساً وبصراً وبصيرةً.
فكانوا الصاحبين، بحق حملوا مبادئ الدعوة، وعبير الدعاة، وصدق التعاليم وعظة المعلمين ونور الرسالة، ورحمة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-.
فكانوا النواة الأولى لبناء جماعة المسلمين، عليهم قامت أمة الإسلام دعوة ودولة، حموها بأنفسهم وبأموالهم وبذلوا في سبيلها كل غال ورخيص.
والعلماء أمناء الرسل وورثتهم، ورثوا الصحبة وفقه التربية يربون ويعلمون في كل عصر ومصر ما ورثوه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أخلاق رفيعة وسمات جليلة، فيعلمون بالقدوة والشهود بين ظهراني الناس يضيء ظلامهم وتفيض قلوبهم رحمة بالأمة صبراً ومُصابرةً.
2- كيف أثمرت الصحبة؟ آمن الصحابة الأولون برسول -صلى الله عليه وسلم- وكانت المحاضن التربوية أساس البناء في دار الأرقم بن أبي الأرقم تلقوا الإيمان غضا طريا يتلو ما أنزل إليهم من ربهم من الآيات وهي حديثة عهد من الله تغرس الإيمان في القلوب وتزرع الأمل في الأنفس ذكراً وتعلماً ومدافعة للواقع المستبد بكل من يقول ربي الله، صدقاً وتصديقاً، شرفاً واعتزازاً بالانتماء إلى هذه الدعوة المحمدية، استيعاباً وفهماً ودعوةً وجهاداً وفتحاً.
3- السابقون الأولون: علمنا ربنا الكبير المتعال أن ندعو للسابقين ونحبهم ونجلهم لأنهم كانوا بحق الوعاء الذي حوى الدين ودافعوا عنه، بذلوا في سبيله المهج والمقل، هجروا المال والبنين والعشيرة، أقبلوا على ربهم إقبالا منقطع النظير، فهم سادة هذه الأمة وزهرتها فاستحقوا بذلك شرف السبق والسمو، يقول الله تعالى يعلمنا "للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله، أولئك هم الصادقون ' (الحشر، الآية 8).
ويقول سبحانه عز وجل: والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم" (الحشر، الآية 10).
وهذه الصورة النظيفة الرضية الواعية تبرز أهم ملامح التابعين كما تبرز أخص خصائص الأمَّة المسلمة على الإطلاق في جميع الأوطان والأزمان.
هؤلاء الذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار سمة نفوسهم أنها تتوجه إلى ربها في طلب المغفرة، لا لذاتها ولكن كذلك لسلفها للذين سبقوا بالإيمان، وفي طلب براءة القلب عن الفعل للذين آمنوا على وجه الإطلاق، ممن يربطهم معهم رباط الإيمان، مع الشعور برأفة الله ورحمته ودعائه بهذه الرحمة وتلك الرأفة "ربنا إنك رؤوف رحيم"5.
4- دعاء الرابطة: السابقون الأولون من المؤمنين مدحهم الله تعالى في كتابه ونالوا محبة خاصة من رسوله -صلى الله عليه وسلم- من أصحابه رضوان الله عليهم، وهذه المحبة تسري إلى كل مؤمن لا تحجبه لا الأمصار ولا الأزمان تنتظم في عقد الولاية بين المؤمنين.
"تتجلى الآصرة القوية الوثيقة التي تربط أول هذه الأمَّة بآخرها، وآخرها بأولها، في تضامن وتكافل وثواب وتعاطف وشعور... وشيجة القربى العميقة التي تتخطى الزمان والمكان والجنس والنَّسب، وتستقر وحدها في القلوب، تحرك المشاعر خلال القرون الطويلة، فيذكر المؤمن أخاه المؤمن بعد القرون المتطاولة كما يذكر أخاه الحي، في إعزاز وكرامة وحُبٍّ ويحسب السلف حساب الخلف، ويمضي الخلف على آثار السلف، صفاً واحداً وكتيبةً واحدةً على مرار الزمان واختلاف الأوطان، تحت راية الله تغذ السير صعداً إلى الأفق الكريم متطلعة إلى ربها الواحد الرؤوف الرحيم"6.
هذه هي قافلة الإيمان، الموكب النوراني والعقد الفريد الغالي، هذا هو وعاء الإيمان وإنها لعائلة كريمة إنه لدعاء كريم.
5- الدروس والعبر: هؤلاء هم السابقون الأولون من المهاجرين، أول مَنْ صَدَّقَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأول مَنْ صَلَّى من الأمَّة المُحمديَّة، وفي قصصهم عِبَرٌ لأولي الألباب نذكر منها: 1- دور المرأة المؤمنة في تحمل أعباء الدعوة، فقد كانت خديجة -رضي الله عنه-ا الملجأ الدافئ الذي يخفف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبناء قريش ومكرها وتعنتها وجهلها و كذا فإن أزواج الدعاة يمثلن المحضن الذي يأوي إليه الداعي الصادق بعد مكابدة الواقع ومعاناة الناس وابتلاء الظالمين.
لأنه إذا استقر الإيمان بالقضية العظمى قضية تبليغ الرسالة في قلب المرأة، فلنعلم أنها يمكن أن تيسر لزوجها كثيرا مما عسر، وتهون عليه كثيرا مما عظم، وتجعله دائم العطاء.
2- العناية بالأطفال والصغار، تربى سيدنا علي كرم الله وجهه في كنف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ صغره وكان أول ذكر أسلم، فقد كان عمره عشر سنين.
إن العناية بالأطفال والشباب لأمانة عظيمة، بواسطتها يرسخ الإيمان في القلوب، وتتقوى العقيدة في الأفئدة، فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يولي ابن عمه عناية كبرى، ويعلمه الصلاة، ويتابعه ويجالسه حتى يستوي عوده ويخرج منه الرجل المجاهد، والولي المجاهد، والخليفة العادل -رضي الله عنه-، لا بد للحركة الإسلامية من إيلاء الاهتمام الأكبر بالأطفال فإنهم أمل الأمة ومستقبلها.
3- أثر الصحبة الصالحة: إن للصحبة الصالحة الأثر الأول في ثبوت الإيمان في القلوب، وإن لحظات التقاء الصاحب بالمصحوب لأكبر دليل على ذلك وإليك بعضه: أ- عاد أبو بكر من رحلة التجارة وأبلغه القوم أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- يزعم أنه يوحى إليه فأجابهم إن قال فقد صدق فما أن حط عنه عناء السفر حتى أقبل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- متأكدا من ذلك فما أن سمع من النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى فاضت عيناه وقبل صاحبه الذي ما تردد في النطق بأعظم كلمة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله.
ب- لقد توفرت في أبي بكر خصال عظيمة جعلته خير ناقل لأثر الصحبة، كان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر فحسن مجالسته هذا كان سببا في إسلام السابقين فجاء بهم إلى المصحوب الأعظم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلموا وصلوا.
4- التبليغ الصادق: إن بشاشة الإيمان حين تخالط القلوب ما تلبث أن تتحول إلى طاقة لا تقهر فما يحمله المؤمن المقبل على ربه من مشاعر بعمق الحقيقة التي يراها، وحلاوة يجدها في روحه حتى يسعى بكل ما أوتي من جهد ووقت وإمكانات إلى تبليغ كلمة الله والدعوة إليه.
فهذا أبو بكر -رضي الله عنه- يبارك الله تعالى صحبته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيدعو عثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، فكانوا هم السابقين الذين ذكروا الله تعالى في أنفسهم لذلك ذكرهم الله تعالى في حياتهم في الملإ الأعلى وذكرهم في كل من جاء من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، إنهم السابقون.
ومن حقهم علينا أن ندعو الله لهم في ورد الرابطة فإن لهم أجر عملهم وأجر من عمل بعملهم إلى يوم القيامة ولقد آثر الله تعالى على أيديهم دعوة الثلة الأولى من الجماعة المباركة التي حملت النور إلى العالم فأسلم على أيديهم أبو عبيدة بن الجراح، وأبو سلمة والأرقم بن أبي الأرقم، وعثمان بن مظعون وأخواه قدامة وعبد الله وسعيد بن زيد وغيرهم ومن النساء فاطمة بنت الخطاب، وأسماء بنت أبي بكر وعائشة بنت أبي بكر.
- لائحة المراجع: 1- السيرة ابن هشام. 2- حياة الصحابة، الكاندهلوي. 3- في ظلال القرآن، سيد قطب.
الهوامش: 1. السيرة النبوية لابن هشام ج1/ ص 240. 2 نفسه. ص 245/1. 3. هما جبلان مطيفان بمكة، والأخشيب كل جبل خشن غليظ. 4. حياة الصحابة، الكاندهلوي، ج1 ص 45. 5. في ظلال القرآن، سيد قطب، ج 6 ص 3526. 6. نفسه، ج 6/ ص 3527. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الثلاثاء 08 سبتمبر 2020, 5:36 pm | |
| السِّرِّيَّة طريقُ النَّجَاح يقول عمر بن عبد العزيز، -رضي الله عنه-: "القلوب أوعية، والشفاه أقفالها، والألسن مفاتيحها؛ فليحفظ كل إنسان مفتاح سره" "52".
غالباً: ما تكون السِّرِّيَّة بالأمر: عوناً على قضائه، وطريقاً جيداً لإتمامه، وأسلوباً نافعاً لإنجاحه.
وهذه السِّرِّية الواعية النافعة المتعقلة، نلحظها درساً هاماً -عملياً- واضحاً كل الوضوح، في حادث الهجرة النبوية.
وبيان ذلك على النحو التالي: أ -لم يعلم بحادث الهجرة -حين الخروج- سوى علي بن أبي طالب بسبب دوره المطلوب، وأبو بكر لأنه الصاحب فيها والرفيق، وآل أبي بكر للتغطية، والدور المطلوب كذلك، وعامر بن فهيرة بسبب دوره كذلك، وعبد الله بن أريقط، الأجير المُشرك، لدوره المعروف، وليس هؤلاء بالعدد الكثير بالنسبة لهذا الحدث الجليل.
ب -طلب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يختلي وينفرد بأبي بكر حين أراد مفاتحته في أمر الهجرة، فعن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: أنها قالت "أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالهاجرة، في ساعة كان لا يأتي فيها، قالت: فلما دخل، تأخر له أبو بكر عن سريره، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي "أسماء" بنت أبي بكر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أخرج عني من عندك، فقال يا رسول الله.. إنهما ابنتاي، وما ذاك فداك أبي وأمي..؟ "53".
ولو لم يوثقهما أبو بكر، ولو لم يؤكد للنبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا القول أنهما على مستوى عال من كتمان الأمر، وصيانته: لما تحدث النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمر الهجرة أمامهما.
وقد أثبتت أحداث الهجرة المبكرة، صدق تزكية أبي بكر لهما، وأنه لا دخل للعاطفة -بل الدخل لحسن التربية- في هذه التزكية، فيما قامت به السيدة أسماء بنت أبي بكر مما لا يتسع له المقام، وهو مبسوط في كتب السيرة؛ وقد نتعرض لبعضه فيما يلي.
ج -ذهاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر في ساعة، لا تكاد ترى فيها أحداً في شوارع مكة أو شعابها من قيظ الشمس وشدة الحَرِّ، متقنعاً -كما في رواية البخاري- متخفياً "53".
وكذلك: عدم خروجهما من باب البيت الأمامي، بل من خوخة -باب صغير خلفي- في ظهر البيت، حتى لا يراهما -إن وجد- أحَدٌ.
د - عدم إعلام النبي -صلى الله عليه وسلم- لأحد من هؤلاء الذين علموا إلا في اللحظات الأخيرة، صيانة للسر من ذيوعه، وصيانة لهم من مخاطر كتمانه.
وهذا درس يرينا: منزلة السِّرِّ، ومكانة كتمانه، وإذا كانت صيانة السِّرِّ وعدم إفشائه واجِبٌ إسلاميٌ مطلوبٌ، وأدّبٌ إسلاميٌ مَرغُوبٌ بصفةٍ عامَّةٍ، فهو في أمور الدعوة أولى وأوجب، سواء كان منك أو من غيرك، لك أو لغيرك.
فهذا يوسف عليه السلام، فيما يحكيه الله تعالى عن والده يعقوب صلوات الله وسلامه عليهما، وهو يقول له مُعلماً إيَّاهُ أهمية السِّرِّ ووجوب صيانته (يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدًا) "54".
ويقول علي -رضي الله عنه-: "سِرَّكَ أسيرك، فإذا تكلمت به: صِرْتَ أسيره" "52".
ويقولون: مَنْ حَصَّنَ سِرَّهُ، فله بذلك خصلتان: الظفر بحاجته، والسلامة من السطوات "52".
وليس الأمر في ذلك خاص بالأفراد فقط.
بل هو عام: في الأفراد، والأسر، والجماعات، والدول؛ إذ كل منهم ينبغي أن يحتفظ بالسر، ولا يطلع عليه أحداً.
وإن كبرى الدول وصغراها لترصد من ميزانياتها، وأموالها، الشيء الكثير من أجل الإنفاق على وسائل الاحتفاظ بأسرارها، وصيانتها من أن يعرفها أحد، وفي الوقت نفسه: لتعرف أسرار أعدائها، وتكشف عن مخبوء نواياهم، إمَّا للنيل منهم، أو رغبة في صيانة نفسها، وحماية شعوبها، من كيدهم وعدوانهم.
وما ذاك: إلا لأهمية هذه الأسرار -لديها، أو لدى غيرها- وخطورتها.
والعاقل: مَنْ استطاع أن يكتم السِّرَّ ويحتفظ به، لا أن يُفشيه ويُذيعه، ومَنْ لا سِرَّ له: لا عقل له.
ومن لا يستطيع أن يحفظ سره: لا أمانة ولا أمان له، ولا ينبغي أن يوكل إليه أمر، أو تستند إليه مهمة، أو يكلف بواجب.
وكم من إظهار سر: أراق دم صاحبه، ومنعه من بلوغ مآربه، ولو كتمه لأمن ضرره وسطوته. "52".
ومن الخطأ البَيِّنِ: ما يظنه البعض من أن كتمان السر أمر مطلوب بالنسبة لأناس بعينهم، وهو على غيرهم كلأ مباح؛ حيث إن السر ما سمي بذلك إلا لطلب عموم كتمانه.
ولذا يُقال: "انفرد بسرِّك.. لا تودعه حازماً فيزل، ولا جاهلاً فيخون". "54".
وما قد يفعله البعض، مما يحكيه الأحنف بن قيس، إذ يقول: " يضيق صدر الرجل بسره، فإذا حدث به أحدا قال أكتمه علي" "52"، وبذلك: سرعان ما يذيع وينتشر.
والعاقل من تمثل بقول كعب بن سعد الغنوي، إذ يقول: ولست بمبد للرجال سريرتي ولا أنا عن أسرارهم بسؤول
وقد أطلنا في التعقيب على هذا الدرس: لأن أمناء الأسرار -كما يقولون- أقل وجوداً من أمناء الأحوال، وحفظ الأموال أيسر من كتمان الأسرار، لأن إحراز الأموال بالأبواب والأقفال، وإحراز الأسرار بارزة يذيعها لسان ناطق، ويشيعها كلام سابق، وحمل الأسرار أثقل من حمل الأموال، فإن الرجل يستقل بالحمل الثقيل فيحمله ويمشي به، ولا يستطيع كتم السر، وإن الرجل يكون سره في قلبه: فيلحقه من القلق والكرب ما لا يلحقه من حمل الأثقال، فإذا أذاعه استراح قلبه، وسكن خاطره، وكأنما ألقى عن نفسه حملاً ثقيلاً" "52".
ومن هنا: تكمن خطورة الأسرار، ويثقل حفظها، وتسهل إذاعتها.
والداعية الواعي: من يكون على قدر المسئولية، وعلى مستوى الفهم والامتثال لهذا الدرس في حفظ السر.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 12:58 am | |
| السيرة النبوية معلمة النهج الذي أعز السلف من خطب الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.
أمَّا بعد فيا عباد الله ها هي ذي فاتحة العام الهجري الجديد، تمر بالعالم الإسلامي يتيمة في أسرتها، غريبة في عالمها، لا تشعر بانقضاء ذلك العام الذي مضى، ودخول العام الجديد الذي أقبل، إلاّ قلة يسيرة ثم يسيرة من الناس، أما عامة أهل المجتمع والعالم الإسلامي ففي شغل شاغل عن الهجرة وعامها، وفي شغل شاغل عن بداية هذه السنة ونهايتها، وفي شغل شاغل عن عِبَرِ هذا العام وعظاته، يمر آخر هذا العام كما يقبل أوله، في مجتمعه في أسرته بين أهله يتيماً غريباً، بل أكثر من غريب، أين هي الاحتفالات والاهتمامات التي ما زلنا نتذكر أصداءها بمناسبات مشابهة مرت؟ أين هو الطنين والرنين؟ أين هي المشاعر الجياشة التي تهتاج في نفوس المسلمين لذكرى هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما جرّته معها من ذيول العِبَر والعِظات والدروس والانتصارات؟ لكن هذا هو حال عالمنا الإسلامي، وهذا هو حال الأسرة الإسلامية بخوض هذا العالم الذي يتماوج بالهرج والمرج كما تلاحظون، ومَعْلَمَة الهجرة ما هي أيها الإخوة؟ مَعْلَمَة الهجرة هي معلمة ولادة الدولة الإسلامية التي تجددت ببعثة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هجرة المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، هي مَعْلَمَة تاريخ هذه الأمة، بهذه المعلمة نحصي التاريخ ونعده من ألف بائه إلى نهايته، هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هي الفيصل القاسم والحاسم، بين ماضٍ من الفقر المدقع وآتٍ من الغنى الذي لفت نظر العالم أجمع، معلمة الهجرة هي الفيصل الحاسم بين ماضٍ من الشتات والتفرق والتشرذم والتخاصم، وبين آتٍ من الوَحدة والتماسك التي غدت مضرب المثل، معلمة الهجرة هي الفاصل الحاسم بين ماضٍ من الضعف والمهانة وآتٍ من القوة والعزة التي كانت مضرب المثل في العالم، تلك هي معلمة الهجرة التي أكرم الله بها هذه الأمة من خلال شخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي المعلمة التي خلد بيان -عز وجل- حديثه عنها في قوله: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) (الأنفال: 8/30).
فما هي نسبة العالم الإسلامي اليوم إلى هذه المعلمة التي أعزّتهم بعد ذل، ووحّدتهم بعد شتات، وأغنتهم بعد فقر، فانظر إلى العالم الإسلامي اليوم فتجده معرضاً عن هذا النسب، متجاهلاً لهذا الدرس، متجاهلاً بهذه القيمة كلها، أليس هذا هو واقع العالم الإسلامي اليوم؟ هل هنالك من مبالغة إن قلت: إن هذه المعلمة تمر بنا اليوم في نهاية عام مضى، ومقتبل عام جديد، تمر بنا يتيمة في أسرتها، غريبة في عالمها، ليس هنالك أي مبالغة لو أن هذه الأمة كانت أمينة على معاني الهجرة، يبقي غناها الذي ورَّثته إياها الهجرة النبوية الشريفة، ولبقيت عزتها التي ورَّثتها إياها الهجرة النبوية الشريفة، ولبقيت وحدتها التي ورَّثتها إياها الهجرة النبوية الشريفة، ولكن لما خلع العالم الإسلامي متجسداً في مظهر حكامه وأكثر أهله، لما خلعوا هذا الشرف وألقوه وراءهم ظهرياً، قال لهم الله: لقد أسلمتكم إلى ماتشاؤون، كانت العبرة التي يأخذها المسلمون من السلف الصالح من الهجرة عبرةٍ إيجابية، واليوم غدت العبرة التي نأخذها من الهجرة - وياللأسف - عبرة سلبية، بكل معنى الكلمة، سَلْ أكثر من تريد أن تسألهم من المسلمين اليوم عن اسم هذا الشهر الذي يمر بهم من الأشهر الهجرية، لن يستطيع أن يعطيك جواباً إلاّ بعد أن يعود فيتعلم ثم يخبر، بل لو سألتهم عن العام الهجري الذي يمرون به لن يعطيك جواباً، لأنه غريب عن عامه الهجري، معانق لذلك العام الأخر، أليس هذا هو الواقع المرئي؟
وأصغِ جيداً إلى أجهزة الإعلام في العالم الإسلامي كله، تَجِدْ كيف أن اسم العام الهجري يمر ذليلاً ولا يمكن أن يذل عند الله غريباً، ولا يمكن أن يكون غريباً في سماوات الله عز وجل يتيماً، ولا يمكن أن يكون يتيماً في ميزان الله عز وجل، لكنه يتيم اليوم بقرار من العالم الإسلامي الذي قضاه في حق نفسه، من هنا أيها الإخوة حاقت بنا المهانة التي نتأفف منها، ولو أننا فكرنا وقدرنا وتأملنا لوجدنا -يقيناً وبدون ريب- أن الغرب ليس هو الذي أبرم قضاءه الجائر في حقنا أن يذلنا ويهيننا ويقطع أوصالنا، ولكننا -نحن المسلمين- الذين أبرمنا هذا الحكم في حق أنفسنا، ثم إن الغرب جاء لينفذ ما قد قضيناه نحن، نحن الذين قضينا والغرب هو الذي ينفذ هذا هو الواقع، قال لنا عدونا في الغرب: دعوا حضارتكم الإسلامية، وتعالوا فاتبعوا الحضارة التي تملأ رحب العالم ألقاً، قلنا: نعم، لكم ما تطلبون، وهذا هو الحق، قال لنا الغرب الذي يعادينا ويحقد علينا وعلى كل شيء في تاريخنا: دعوكم من الإسلام الذي تقادم عهده، طوِّروه وبدِّلوه وغيِّروه، وتعالوا إلى النظم العجيبة العلمية والعلمانية التي تورثكم عزة ما بعدها عزة، قلنا: نعم، لكم ما تريدون حباً وكرامة، فعلنا ما يقول، قال لنا العدو الذي يفيض قلبه حقداً علينا وعلى تاريخنا وديننا: دعوكم من محور الدينِ الجامع هنالك محاور أخرى كثيرة متطورة تجمع الأمة وتقيم الوحدة، هناك محاور القوم، محاور وحدة اللغة ووحدة المصير، وما إلى ذلك، دعوكم من الدين الذي يثير عليكم الأقليات المختلفة، قلنا: حباً وكرامة، هذا هو الحق، سرنا وراءهم تماماً أذلاء خاضعين، كلما وُجِّه إلينا تعليم من تعليماتهم، رفعنا أيدي الاستسلام المهينة لهم، وقلنا: نعم، حباً وكرامة.
فلماذا نستنكر إذا جاءت النتيجة الطبيعية لهذا كله؟ لماذا نستنكر إذا جاء هذا العدو بعد هذا كله، فقطع أوصالنا، ومزق كياناتنا، وسحقنا، وأقام المذابح للقضاء علينا، ولتطهير الجيوب الإسلامية في مجتمعاتنا؟ لماذا تنكرون النتيجة الطبيعية للمقدمات التي أنتم كنتم أبطالها، وأنتم الذين قررتموها، والمقدمات المنطقية لا بد أن ونتائجها المنطقية، أما هجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فكانت ولا تزال تقول لنا من وراء حواجز القرون: تعالوا إلى النهج الذي أعز أسلافكم، وأنا الكفيل بأنه سيعزكم اليوم، تعالوا فالتزموا بما التزم به أولئك الذين أعرضوا عن الدنيا في سبيل الله، أعرضوا عن الوطن في سبيل العقيدة، أرأيتم كيف أن الهجرة أعادت إليهم الوطن عندما بقيت لهم العقيدة، تعالوا أفعلْ بكم هذا النصر ذاته، أحقق لكم هذا الأمر ذاته، أعرضتم.
قالت لنا الهجرة ببليغ البيان: تعالوا فكونوا أمناء على معنى الهجرة كما كان أسلافكم، أمناء عليها تستغنون بعد فقر، يبقَ لكم ماضي غناكم، ويضيف الله -عز وجل- إليه غنىً جديداً، أرأيتم إلى أسلافكم الفقراء يوم نفضوا أيديهم من الدنيا كلها؟ من البساتين والعقارات والأموال المنقولة وغير المنقولة، في سبيل الهجرة، من أجل العقيدة، من أجل المبدأ، أرأيتم كيف أن الله أعاد إليهم الأموال، وأعاد إليهم أضعاف أضعاف أضعافها؟
ها أنا ذا إن كنتم أمناء على هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعانيها أضمن لكم الغنى بعد الفقر، أعيد إليكم مجدكم السابق، أعرضتم عن ذلك كله، أهابت بنا هجرة رسول الله وَيْحَكُمْ التفتوا إليَّ، هذا هو معين عزكم، هذا هو مصدر قوتكم، من هنا تستطيعون أن تدخلوا الرعب في قلوب أعدائكم، ونظرنا فلم نجد أذاناً تصغي إلى هذا الكلام بشكل من الأشكال، بل رأينا مَعْلَمَة الهجرة تخب فيما بيننا يتيمة في عالمها الإسلامي من شرقه إلى غربه، غريبة في هذا العالم من شماله إلى جنوبه، كلنا يلاحظ هذا المعنى أيها الأخوة، فهل بقي لنا لسان يعتب على الله؟
إذا كنا نسمع أو نرى ما الذي يحدث بإخوة لنا هنا أو هناك، ما ينبغي أن نكون متجاهلين لجرائمنا إلى هذا الحد، نجرم في حق أنفسنا ثم نعتب على الله، نحكم على أنفسنا بالانتحار، بالذل بالضيعة بالفرقة بالهوان، ثم نعتب على الله، لماذا سلط علينا هؤلاء الناس أو أولئك، قلت لكم أيها الإخوة: لا والله ليس هناك عدو يملك أن يقضي بحكم بحق العالم الإسلامي، لكن العالم الإسلامي هو الذي قضى بملء اختياره وحريته، بأن يحكم على نفسه بالانتحار المهين البطيء الذليل، ثم جاء العدو منفذ، نحن الذين حكمنا، وجاء العدو ينفذ ما قد حكمنا به، وخير الكلام ما قل ودل، ولا أجدني في هذا الموقف أمام هذه العبرة التي تمر بنا أو نمر بها، لا أجدني أستطيع أن أقول مزيداً على هذا الكلام.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 1:16 am | |
| القيم والتحوُّلات الاجتماعية في القرآن الكريم الشيخ زكريا داوود يمثل القرآن الكريم منبع الحكم والقيم والمعارف وهو الذي أسَّسَ حضارة وحَدَّدَ لها مصدر المعرفة لِمَا كان وما سوف يكون وما هو مؤمل أن يكون، فالقرآن كنص موحى للرسول -صلى الله عليه وسلم- كان المُحرِّك لمسيرة المجتمع الإسلامي في إبعاده القيمية والثقافية والسياسية والاجتماعية، فقد كانت معرفة النص وتفسيره تنتج وعياً للجماعة وللفرد؛ للجماعة لتتحرَّك نحو تفعيل قيم الشهود، وللفرد لأداء دوره في تحقيق المسؤولية.
ان كل قيم التغيير والتجديد في تاريخنا كانت تتخذ من القران منطلقاً، وقد تكون بعض دعوات التجديد الفكري والاجتماعي أصابت بعض الهدف أو أخطأته، لكن الرغبة كانت قوية في جعل القرآن وعياً متجدداً مع الزمن من خلال استحضار بصائره وما يهدي إليه.
ونحن هنا نسعى كي نتوصل لوعي قرآني للتحوُّلات الاجتماعية كما يرسمها القرآن، ومن مناهج قراءة القضايا على ضوء القرآن هوما يطلق عليه المنهج الموضوعي في قراءة النص القرآني منهجاً توظيفياً أي انه يقرأ النص من خلال الضرورة الواقعية عبر استخدام أدوات المنهج اللغوي والتاريخي والفقهي والعقلي، فهو منهج يوظف كل الأدوات المعرفية من أجل الحصول على نتيجة اقرب لأهداف النص ولمبتغاه.
التحوُّل في القران الكريم ليس ظاهرة استثنائية، بل هو قانون ثابت يجري في كل زمن ومكان، فالكون يجري وفق قانون التغير والتحول، فليس ثمة غير الله في الحياة من لا يحكمه هذا القانون: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)، والتحوُّل كمفهوم هو سُنَّةٌ عامَّةٌ تجري في خلق الله، والقرآن عندما يتحدَّث عن التحوُّل يلفت الأنظار والعقول إلى كونه دليلاً على القدرة والعظمة الإلهية، لان التحوُّل دليل على تكاملية نظام الخالق وعلى حكمة الخالق.
يقول تعالى وهو يصف التحوُّل الذي يحدث في السماوات والأرض: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) (30) سورة الأنبياء.
وكذا عندما يتحدث عن التحوُّل الذي يقع على الإنسان، فإن هذا التحوُّل لا يتوقف حتى يصل الإنسان الى نهاية العمر، وفي سورة الحج يتحدث ربنا عن التحوُّلات التي يمر بها الإنسان منذ البدء والى المنتهى، ويعتبر التحوُّل هنا دليلاً على القدرة والعظمة والبعث فيقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (5) سورة الحج.
وفي آيات عديدة يلفت الله الإنسان إلى سُنَّة التحوُّل والتغيُّر، وأنها جارية في كل الخلق دون استثناء، وقد يستطيع الإنسان أن يرى التغير الحادث في الطبيعة في بعض جوانبها، وقد لا يراه في كثير من الجوانب، لكن عدم الرؤية ليس دليلاً على العدم.
وعندما يتحدث عن مسيرة الإنسان وحركته في الحياة فان قانون التغير والتبدل يتحكم في هذه المسيرة بدرجة يستحيل الانفكاك عنها، فتارة يتحدث عن المفهوم العام للتحول فيقول: (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (19) سورة العنكبوت، وعندما يتحدث عن تفصيل لسُنّة التحول في المجتمعات يقول: (ان يمسسكم قرح فقد مسّ القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس)، وعندما يتعرض المفسرون لهذه الآية كصاحب تفسير الأمثل يقول: "يشير الله سبحانه إلى واحدة من السنن الإلهية وهي انه قد تحدث في حياة البشر حوادث حلوة أو مرة لكنها غير باقية ولا ثابتة مطلقا، فالانتصارات والهزائم والغالبية والمغلوبية والقوة والضعف كل ذلك يتغير ويتحول وكل ذلك يزول ويتبدل فلا ثبات ولا دوام لشيء منها، ولكي تصبح هذه السُّنَّة والقانون واضحاً في عقلية المؤمنين والناس عامة يأمرنا الله سبحانه وتعالى بدراسة حياة الأمم والتمعن في الحوادث الماضية، فيقول: (قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ) (137) سورة آل عمران"، ومما يلفت النظر هنا هو التعبير القرآني يفعل الأمر سيراً والسير كمفهوم واقعي يدل بحد ذاته على تحول، فالسير هو تحول من مرحلة إلى أخرى، وقد ورد الأمر بالسير في القرآن الكريم 7 مرات، كل ذلك لمعرفة سُنَّة التغير والتحول في الحياة، وحتى يأخذ الإنسان العبرة ويبني حياته وفقاً لهذه السُّنَّة.
ومن خلال الآيات التي تحدثت عن التحول كسُنَّةٍ من السُّنَنِ الإلهية، يمكننا أن نخلص إلى تعريف وتوضيح لهذا المفهوم وهو: كل تبدل يحدث في الأبنية الاجتماعية في الوظائف والقيم والأدوار والمواقع الاجتماعية في فترة محددة من الزمن إذا قيس التبدل بما قبله، وقد يكون التحول عامَّاً يشمل كل الشرائح والوظائف والقيم والأدوار والمواقع، وقد يكون تحولاً محدوداً بقسم منها، ويمكن أن يكون التحول إيجابياً وقد يكون سلبياً.
إن الحياة تسير في كل جوانبها وفق قوانين تنظم حركة وصيرورة الأشياء، والتبدل رغم كونه سنة عامة إلا انه يحدث عبر ذات القانون العام، ويختلف التحول في الطبيعة المادية عنه في المجتمعات الإنسانية، ففي الطبيعة قد تفقد بعض العناصر التي لا تنفك عنها التحولات في المجتمعات البشرية.
ويمكننا من خلال الآيات القرآنية أن نحدد الصفات التي تحدد التحوُّلات الاجتماعية بما يلي: الصفة الأولى: عمومية التحول يتسم التحول الاجتماعي بصفة العمومية، فلا يمكن توصيف تحول بكونه اجتماعي لكونه يطال بعض أفراد المجتمع، فالتحول هو ظاهرة عامة تطال أفرادا كثيرين، مما يؤدي بالتالي الى تغيرات في السلوكيات وفي القيم وفي المواقع، فالسنن الاجتماعية تجري على الجميع من دون استثناء، فالابتلاء والمحن والتمحيص والاستدراج والإملاء والاستبدال والعذاب وبعثة الرسل وبسط الرزق والتقدير والخصب والجدب والتأييد والخذلان والنعمة والحرمان، وغيرها من السنن الإلهية عندما تتحقق شروط حدوثها في المجمع فهي تطال الجميع، فالابتلاء والفتنة سنة عامة جارية في جميع الخلق دون تحيز أو استثناء.
الصفة الثانية: استمرار السنة في الزمان وعدم توقفها سنن الله في خلقه ليست ظاهرة عابرة، بل قانون ثابت ودائم، وهذه الديمومة تؤهل الإنسان وتحثه على التكيف مع حركة التحولات الاجتماعية، فبدون الثبات والسنن لا يمكن للإنسان أن يستوعب ويعي التحول، وعندها لا يكون قادرا على تطوير سلوكه ومجمل حياته، لان التقدم والتطور ناتج عن وعي السنن وتوظيفها ايجابيا في تصحيح الحياة الاجتماعية، والقران المجيد لا يؤكد ثبات هذه السنن وديمومتها فحسب، ولكنه يحولها في الوقت نفسه إلى دافع حركي داينامثلي يفرض على الجماعة المدركة الملتزمة أن تتجاوز مواقع الخطأ التي قادت الجماعات البشرية السابقة إلى الدمار (1)، والآيات التالية تلقي الضوء على هذه الصفة، (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) (62) سورة الأحزاب، والآيات الأخرى (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) (43) سورة فاطر.
ويفسر المرجع المدرسي -دام ظله- هذه الآية بقوله: "سُنَّةُ الله لن تتغير حتى يوم القيامة، فهذه من الحتميات الإلهية، والتحويل هو تحويل الشيء إلى غيره، وسنة الله المتمثلة بنصر الرُّسُل، سُنَّةً أبدية محتومة، كما أن الظروف الطبيعية تحتمها، لأن الكفر يسير ضد التيار العام للطبيعة، بينما تنتصر رسالات الله، لأنها تتحرك باتجاه التيار الطبيعي للحياة، كما أنها تتوافق مع الفطرة" (2).
وأمَّا الروايات التي تحدثت عن جريان السُّنَنِ في هذه الأمَّة كما جرت في الأمم السابقة فهي عديدة، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ الشِّبْرَ بِالشِّبْرِ وَالذِّرَاعَ بِالذِّرَاعِ وَالْبَاعَ بِالْبَاعِ حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ دَخَلَ جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ"، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى قَالَ "مَنْ إِذاً" رواه أحمد بسند صحيح، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ وَبَاعًا بِبَاعٍ، حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ دَخَلَ جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمْ، وَحَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ جَامَعَ أُمَّهُ لَفَعَلْتُمْ". رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ الْبَاهِلِىِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَيُنْقَضَنَّ عُرَى الإِسْلاَمِ عُرْوَةً عُرْوَةً فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِى تَلِيهَا وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضاً الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلاَةُ" أخرجه أحمد بسند صحيح (3).
الصفة الثالثة: إنسانية سُنَن التحوُّل والتبدُّل والتغيُّر التحول والتغير سنة مطرّدة في الحياة ولا تنفك الموجودات بأنواعها من صفات التحول، لكن الأمر الفارق بين التحول الاجتماعي وما يحدث في الطبيعة، إن الأول يحدث فيه التحول بصورة إرادية وواعية، أما التحول في الطبيعة والجمادات فانه يحدث بشكل قسري وجبري، وهنا يحقق الإنسان سبقا على ما لا يعقل، وهنا يتحقق التمايز بينه وبين غيره، ويمثل التحول نحو الأفضل والأحسن قانوناً أساسياً من قوانين الكون وغريزة ثابتة في فطرة الإنسان، فالإنسان بفطرته لا يرغب أن يتساوى يوماه، بل انه في حالة بحث دائم عن التكامل والتقدم نحو الأفضل.
وهذا الإحساس عند الإنسان هو من العوامل الأساسية التي تحرك عجلة التاريخ وتشجع نحو التغيير الاجتماعي، فالتغيير في المجتمع هو فعل الإنسان من خلال تحقيق إرادته، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ) (11) سورة الرعد و (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا) (16) سورة الجن (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا) (59) سورة الكهف، فهذه السنن التي ذكرتها النصوص القرآنية واضحة أنها تتحقق بفعل إرادة الإنسان وليست سننا قسرية جبرية كالإحراق بالنسبة للنار، فهنا مواقف ايجابية للإنسان تمثل حريته واختياره وتصميمه وهذه المواقف تستتبع ضمن علاقات السنن التاريخية جزاءاتها المنابة وتستتبع معلوماتها المناسبة (4).
وتنعكس النزعة الإنسانية للتحوُّل الاجتماعي في إشكال وصور يتمظهر بها. ويمكن أن نوجز تلك الصور والأشكال في التالي: 1- التحول في القيم الاجتماعية: تلك القيم التي تؤثر بطريقة مباشرة في مضمون الأدوار الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي، حيث ان لكل مجتمع نمطان من القيم: الأول: الأهداف العليا: وهي قيم إنسانية ثابتة ومطلقة. الثاني: تتصل بظروف هذا المجتمع والمتغيرات التي تطرأ عليه، وهما مما يشكلان روح المجتمع (5).
2- التحول في محتوى النظام الاجتماعي: النظم والأبنية التي يقوم عليها النظام الاجتماعي قد تكون عرضة للتغير، وذلك لأنها بالأساس صناعة الإنسان، كأن يتحول المجتمع من الديكتاتورية إلى الديمقراطية والشورى، ومن الملكية العامة الى المؤسسات والشركات الخاصة، وبالطبع مثل التغير في النظام الذي يحكم جماعة ما يؤدي إلى تغير في المراكز المواقع للعديد من الأفراد، ويمكن توصيف هذا التحول بكونه تقدم او تطور في بنى هذا النظام الاجتماعي، كما حدث في مجتمع المدينة المنورة في بداية الهجرة النبوية، ففي سورة المنافقون يتحدث ربنا عن رؤية المنافقين للتحول الاجتماعي ويرد زعمهم أنهم لا يزال بإمكانهم ممارسة أدوارهم ونفوذهم في هذا المجتمع الذي تحولت النظم والأبنية فيه نحو تحقيق سيادة قيم أخرى هي قيم الإسلام: (يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (8) سورة المنافقون.
3- التحول في مواقع أفراد المجتمع وقد يحدث التحول في مراكز الأشخاص في المجتمع بصورة طبيعية ويجري ضمن سنة التغير الجبرية، فلا يملك الإنسان الإرادة في التغيير ولا يمكنه الوقوف في وجه هذا التحول، كان يكون تغير المواقع في المجتمع بفعل الوفاة والموت، فهي سنة طبيعية ولا يملك الإنسان حرية الاختيار حيالها، (فإذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)، وقد يحدث التحول في المراكز الاجتماعية والأدوار نتيجة إرادة الإنسان وفعله، وأبرز أمثلته هو ما تحدثه المجتمعات الديمقراطية التي يسودها نظام التمثيل الانتخابي، فيذهب رئيس ويأتي آخر، وتتسلسل عملية التغيير والتحول في المواقع من القمة للقاعدة، وكما يحدث في المجتمعات التي تنتصر فيها رسالة السماء كما لاحظنا ذلك في مجتمع المدينة المنورة في بداية الهجرة النبوية.
وعلى ذلك فان التحوُّل -كما ذكرنا- تارة يأخذ شكل التطور والتقدم، أي التبدل للأفضل والأحسن، وتارة أخرى يأخذ شكلاً تراجعياً أي نحو الأسوأ، ويمكن تسمية التحوُّل نحو الأفضل انه تقدم وتطور وتكامل، كان يتحوَّل المجتمع من نظم وقيم الاستبداد إلى مناخات الحرية والديمقراطية وممارسة حق التعبير من خلال تعديل النظم والقيم والقوانين، والعكس كذلك فالتحوُّل نحو الديكتاتورية والاستبداد هو تحول نحو الأسوأ، ويمكننا تسمية هذا بالتخلف وهو يستبطن الوقوف أو السير خلاف السُّنَّة، لأن سُنَنَ اللهِ الجارية في المجتمع تحثُّهُ على التطوير والتكامل لأنها الفطرة التي جبل عليها الإنسان، فالله يريد الكمال ويدعونا إليه، والإسلام الدين الكامل: (اليوم أكملت لكم دينكم)، يطلب منا الرُّقيّ لمستواه في تفكيرنا وسلوكنا، حتى يمكننا أن نحقق معنى تكامليته في حياتنا، لان تكامل الدين في القيم والنظم والأحكام يشكل حافزاً قوياً نحو تحقيق هذه التكاملية في حياتنا كبشر، فبقدر ما نحقق من تلك القيم في ذواتنا نصل للكمال، وبالعكس؛ بقدر ما نخالف تلك القيم والنظم والأحكام نكرس التخلف ونسير خلاف السُّنَّة.
ولذلك يكرس المنهج القرآني قيمة التطلع نحو الكمال في نفس الإنسان ويتدرَّج معه في ثلاث مراحل هي: الأولى: استثارة فطرته التي انطوت على التسامي والتطلع. الثانية: فك الأغلال التي تمنعه من تحقيق تطلعاته. الثالثة: تذكيره وتعليمه بقائمة التطلعات السامية التي يمكنه بلوغها.
إن فطرة التسامي مغروزة في ضمير البشر وداعية له أبداً إلى العروج إلى الأعلى، وإنما تدس هذه الفطرة في ركام الوساوس والأوهام والأفكار الشيطانية، فلا تعد ترفعه نحو الأسمى، أو يضل صاحبها السبيل فيرى في الحرص على الدنيا والبغي على الناس تسامياً وعروجاً.
وهنا نتساءل ما هي قيم التحوُّل نحو الأفضل؟ يبدأ منطلق التحول نحو النهضة من خلال منظومة القيم باعتبارها تتضمن معايير الحكم على الأشياء والحوادث والسلوكيات والغايات، وفي القرآن الكريم يمكننا أن نلمح هذا التوجه بوضوح في العديد من آياته وبالأخص الآيات التي تحدثت عن السُّنَنِ، كما في سورة الفتح التي تحدَّثت عن قيمة طاعة المجتمع للرسول -صلى الله عليه وسلم- وكيف أن تحقيق هذه القيمة أدَّى لحصول وضع أفضل من السابق وهو النصر والفتح والتحوُّل نحو تنشيط حاكمية المسلمين على غيرهم، وبالعكس حدث للفئات التي تخلّفت والذين سمَّاهم القرآن (المُخَلَّفِينَ)، والقرآن عندما يتحدَّث عن هذه الفئة يربط في النهاية الفعل بالجزاء، فإذا كان التسليم والطاعة لله والرسول -صلى الله عليه وسلم-، هي صفتهم فإن النتيجة تكون الأجر الحسن، أي تطور وتكامل على ارض الواقع وبين فئات المجتمع الإسلامي: (قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (16) سورة الفتح. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 1:29 am | |
| الهجرة رحلة اليقين وركوب الأسباب عبد الخالق برزيزوي... دروس وعبر ودلالات كثيرة يقف عندها القارئ في سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، التي تروي أحداث الهجرات التي أذن بها الله للرسول -صلى الله عليه وسلم- ولصحابته.
أقف على بعض المشاهد التي تعكس صورة جلية ليقين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته في الله، يقين رافق الرعيل الأول من المسلمين منذ الهجرة الأولى إلى الحبشة، وسيج هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة.
قال ابن إسحاق: فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يصيب أصحابه من البلاء، وما هو فيه من عافية بمكانه من الله ومن عمه أبي طالب، وأنه لا يقدر أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء، قال لهم: لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه" (1)
فلما اشتد ظلم قريش واضطهادهم على المسلمين بمكة، أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسلمين بأن يهاجروا إلى الحبشة، وهي بلاد بعيدة ودونها مسافة طويلة، ومشقة وعبور صحراء وركوب بحر ومجازفة.. كيف إذن أمن المسلمون بأن الخير قد يكتب لهم في تلك الرحلة؟ وفي المُقام والمكوث بين قوم ليسوا قومهم، وفي جوار ملك لا يدين بدينهم، دين الإسلام الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقد اضطهدهم قومهم وبنو جلدتهم وأنزلوا بهم أشد أصناف التعذيب والتنكيل والأذية المادية الجسمية والمعنوية النفسية؟
كيف يطمئنون على أرواحهم وأبنائهم إذا تركوا ديارهم ومتاعهم وأموالهم وخرجوا إلى ما يمكن اعتباره مجهولا وعدما؟ كان اليقين والثقة والتسليم لأمر الله ورسوله هو عدتهم وعتادهم، كان الصحابة رضوان الله عليهم يعلمون أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- لا ينطق عن الهوى، وأن ما أمرهم به وحي وإذن من الله تعالى، إذ قال لهم: " إن بها ملكا لا يظلم عنده أحد " كانت هذه الكلمات كافية لتبعث في قلوبهم الأمن والاطمئنان واليقين بأن الله مانعهم وبأن أمره بالغ لا محالة.
لم يترددوا رضوان الله عليهم، ولم يلتفتوا، بل سمعوا وأطاعوا ولبوا!
هذا مبدأ التصديق وعربون اليقين في موعود الله ورسوله بأن ينصر دعوته، فهل اطمأن الصحابة المهاجرون إلى ذلك ثم تجاهلوا كل الأسباب والسنن التي جعلها الله تكليفا شرعيا وجب على المسلمين الأخذ بها والعمل بمقتضياتها؟
كلا! فقد اتخذ الصحابة كل أسباب الحيطة والحذر وخرجوا مستخفين متسللين في هجرتهم، بل حتى لما جاء عمرو بن العاص يكلم النجاشي في أمر المسلمين ويغري بهم عنده ويسأله أن يسلمه إياهم ليرجع بهم إلى قومهم " فهم أدرى بهم " بادر المسلمون إلى إعمال الجهد ومدافعة الباطل بالحجة، وانتصب جعفر بن عبد المطلب عم الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وبسط للملك النجاشي أمر الإسلام، هذا الدين الجديد وتلا عليه من القرآن كتاب الله، وحاج عمرو بن العاص ولم يأل جهدا في موافقة ما أخبرهم به الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن النجاشي لا يظلم عنده أحد!
فيقينه وتصديقه -رضي الله عنه-، دفعاه إلى الإصرار على توضيح ما أشكل على الملك النجاشي وعلى بيان حقيقة ما يدعو إليه الإسلام وبطلان دعاوى عمرو بن العاص وقومه.
الصورة الثانية أستقيها من هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف حيث كان يخرج إلى القبائل ليعرض عليها نفسه ويبلغهم دعوة الإسلام ويطلب منهم نصره وإيواء دعوته.
هنا كذلك نلتقي مع درس آخر في يقين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ربه، ذلك اليقين الذي نفذ إلى قلبه -عليه الصلاة والسلام- وقذف فيه الاطمئنان والتفاؤل وحسن الظن في الله تعالى.
قال ابن إسحاق: " ولما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لم تكن تنال منه في حياة عمه أبي طالب، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف، يلتمس النصرة من ثقيف، والمنعة بهم." (2)
عرض نفسه -عليه الصلاة والسلام- على أشراف ثقيف فكان ردهم منكرا من القول والفعل، حيث تركوه وأغروا به سفهائهم يرمونه بالحجارة وبأسوأ الكلام، وهو -عليه الصلاة والسلام- لا يبالي ولا يهتم " إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي " (3)
فقد تيقن بأن الله كفاه أذاهم وبأنه تعالى سيظهر دينه ولو كره المشركون..
أما الصورة الثالثة والأخيرة في رحلة هذه الهجرات، فألتقطها من هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينة رفقة أبي بكر -رضي الله عنه-.
قال ابن إسحاق: " وكان أبو بكر -رضي الله عنه- رجلاً ذا مال، فكان حين استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الهجرة، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تعجل لعل الله يجد لك صاحباً، قد طمع أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إنما يعني نفسه، حين قال ذلك، فابتاع راحلتين، فاحتبسهما في داره، يعلفهما إعداداً لذلك". (4)
وحينما أذن الله للرسول -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة "..ورغم يقينه الكامل –عليه الصلاة والسلام- بأن الله معه يرعاه ويسدد خطاه، لم يتعجل الحركة، ولم يرتجل الخطوات كان عليه أن يخطط للهجرة، مستخدما كل ما وهب من إمكانات الفكر والبصيرة والإرادة.لأنه بهذا وحده يستحق نصر الله ووعده... وإلا فلأي شيء منحنا الله بصائر وعقولاً وحرية وقدرة على التحرك والتخطيط؟" (5)
فراح أبو بكر في يقينه وتصديقه المعهودين يُعِدُّ العُدَّةَ لتلك الرِّحلة، ويرتب المراحل ويوزع الأدوار على أبنائه وبناته، ويجهز أسباب وشروط الهجرة من عناصر بشرية ومن رواحل وأموال تعينهم في خروجهم.
يقين وإعداد للأسباب، لم يمنعه -رضي الله عنه- تصديقه وثقته في أمر استبقاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- له، وتأخير هجرته حتى يجد الله له صاحبا، لم يمنعه ذلك من اتخاذ الأسباب وركوب سنن الله في التهييء والتخطيط لذلك الحدث الذي سيقلب ميزان القوة لصالح الفئة المؤمنة ويغير مجرى التاريخ البشري.
راحلتان ودليل مشرك وبعض الزاد أتت به أسماء بنت أبي بكر، هذا كل ما أعده أبو بكر وأله لهذه الرحلة الطويلة في الزمان والمكان، رحلة سيكتب لها النجاح والظفر وستكون بداية عهد ومرحلة جديدة بكل المقاييس، أرض ووطن جديدان، بنية وتركيبة اجتماعية تحكمها قوانين ومواثيق وأعراف جديدة، سياسة وحكم جعل لهما الله شرعة ومنهاجا جديدين.
"ومعاً استكملا الخطة ووضعا الأسباب، وتركا –من ثم– مصيرهما ومصير الدعوة لله، صانع المصائر ومقدر الأقدار... التسلل من شباك خلفي على غفلة من قريش.. التوجه جنوبا على طريق اليمن واللجوء إلى إحدى مغارات جبل ثور هناك التوقف عن السير ثلاثة أيام ريثما تخف محاولات القرشيين المستميتة في البحث عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- " (6)
ومن غار ثور رأى أبو بكر بأم عينيه نعال المشركين المطاردين عند أسفل الغار.فارتعد فرقا على رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وعلى مصير الدعوة ن فهمس لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: "لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا".
ويجيء رد الرسول -صلى الله عليه وسلم- كله يقين واطمئنان: "يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟" ثم يأتي كلام الله تعالى يؤكد حمايته لنبيه وصاحبه: "إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيَّدَهُ بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم" (7)
ومن دروس اليقين أيضاً، ما فعله أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- حينما خرج مهاجراً مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد "...احتمل ماله كله، ومعه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف" (8) فلما دخل أبو قحافة والد أبي بكر -رضي الله عنه- على أحفاده بعد خروج أبيهم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ".. والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه، قالت -أسماء بنت أبي بكر- قلت كلا يا أبت (وكان قد ذهب بصره) إنه قد ترك لنا خيراً كثيراً، قالت: فأخذت أحجارا فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها...ثم وضعت عليها ثوبا، ثم أخذت بيده، فقلت: يا أبت ضع يدك على هذا المال، قالت: فوضع يده عليه، فقال: لا بأس، إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم، ولا والله ما ترك لنا شيئا ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك" (9)
ثقة ويقين كاملين في أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا وبأنه تعالى يرزق عباده المتقين من حيث لا يحتسبون، أخذ -رضي الله عنه- المال كله لينفقه في سبيل الله وترك الله لعياله.
وهذا سراقة بن مالك بن جُعثُم لما خرج في طلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد عمت عينه وملأتها المائة ناقة هبة من يرده -عليه الصلاة والسلام- إلى قومه، فلما رأى تعثر فرسه مرة تلو الأخرى، والرسول -عليه الصلاة والسلام- ماض في طريقه مهاجرا في سبيل الله، موقنا بأن العاقبة للمتقين، لا يلتفت، وأبو بكر رغم ذلك، وأخذا بالأسباب،لا ينفك يأتيه مرة عن اليمين ومرة عن شماله الكريمة ومرة أمامه وأخرى وراءه يحميه بنفسه وجسده خوفا عليه من طالبيه، أيقن سراقة بأنه لن يدرك الرسول صلى الله عليه ولن يصله بأذى، فتولى عنه بعد أن أخذ منه -عليه الصلاة والسلام- عهدا، ولم يخبر قريشا بشيء من أمره (10) سيرة ابن هشام ج 2 ص 490مازال واقعنا في مجمله بين طرفي نقيض، فمن جهة نجد من يؤمن بأنه سيكون للإسلام وللمسلمين شأن كبير لكنه قاعد ينتظر أن يفعل به وله دون أن يحدث نفسه بفعل أو بذل أو جهد من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل والنهوض بهذه الأمة نحو استقبال موعود الله ورسوله في التمكين والاستخلاف في الأرض، هذا يميت علبنا ديننا ويعطل سنة الله في الكون وفي الأنفس، إذ لابد من اقتران تدبير العباد بإرادة وتدبير رب العباد.
ومن جهة أخرى هناك من يعيش واقعا ميؤوسا قانطا لا يرى من أمر الإسلام وأهله إلا السواد يغشيه ليل حالك لا يكاد يتبين منه خيط بياض ولا ومضة نور.. أقعدته هو الآخر غلبة الاستكبار العالمي وصولته وما يظهره من قوة وعنف وبأس، مقابل تراجع وانبطاح أنظمتنا العربية والإسلامية أمامه واقتفائها سننه.
إن التاريخ يعيد نفسه، فأسباب النصر والتمكين وشروطه ومقتضياته لا تتغير ولا تتبدل، فتلك سُنَّةُ الله، ولن تجد لسُنَّةِ الله تبديلاً.
المتغير هو الزمان والأحوال والظروف والوسائل وتقدير الأولويات وترتيبها.فلنأخذ بالثوابت كاملة غير منقوصة ولا مجزأة، فالثقة في الله واليقين فيه تعالى والاعتماد عليه واستمطار النصر والمدد منه سبحانه، لا يمكن أن نأخذ منه ونترك، بل لابد من إتمام كل ذلك وإجماله.
ثم نتدرج في إتيان الأسباب ونقدم ونؤخر في ترتيب الأولويات حسب الظروف والمتاح، ونعد من الجهد والطاقة والإمكانيات ما يبلغه الوسع وبعد ذلك لا نلام.
هكذا ينبغي أن نتعلم اليقين وهكذا أيضا ينبغي أن نتعلم الإتيان بالأسباب والأخذ بها في كل أمر الدعوة، وقبل ذلك و أثناءه وبعده لا نبرح نسأل الله التأييد والعون والمعية.
لن يبرح المسلمون مقعدهم من الذل والهوان والتأخر ما تجاهلوا ضرورة الجمع بين اليقين والثقة الكاملة في موعود الله ورسوله في ظهور الإسلام على الدين كله وفي سيادة أمته على الأمم كلها، وبين النزول إلى الأرض ومعالجة الواقع والتخطيط والتدبير بما يقتضيه ذلك الظهور وتلك السيادة من أسباب وضرورات ميدانية حسية رقمية.
فعلى هذا فليشتغل كل أهل الدعوة استجابة وتلبية لنداء الله وأمره لعباده بأن ينفروا ويسارعوا في الخيرات طلبا لرضاه وحسن العاقبة وإعدادا للدولة التي جعلها الله حصنا حاميا للدعوة. ------------ الهوامش: (1) أبو محمد عبد الملك بن هشام، السيرة النبوية لابن هشام، الطبعة الثانية،المكتبة العلمية بيروت، ج 1 ص 321-322 (2) نفسه ج2 ص419. (3) نفسه ص 420 (4) نفسه ص 484 (5) خليل، عماد الدين، دراسة في السيرة، الطبعة السابعة 1985، دار النفائس، ص 135 (6) نفسه ص 136 (7) نفسه ص 137 –0138 (8) السيرة النبوية لابن هشام، ج 2 ص488 (9) نفسه ج 2 ص 488 (10) نفسه ج 2 ص490
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 1:40 am | |
| الهجرة مشروع لبناء حضارة إيمانية جديدة العدد: 5 (أكتوبر - ديسمبر) 2006 .أ.د عبد الحليم عويس / تاريخ وحضارة عندما هاجر الرسول صلى الله عله وسلم من مكة لم يهجر قلبه تراب مكة ولا الكعبة الرابضة في قلب مكة، ولقد أعلن صلى الله عله وسلم ذلك بعبارة صحيحة عندما التفت إلى مكة وهو يودعها قائلاً: "ما أطيبك من بلد وأحبك إليّ! ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك." (رواه الترمذي).
وعندما هاجر الرسول صلى الله عله وسلم من مكة لم يهجر قريشاً ولا بني هاشم، فلقد كان يحب الجميع ويتمنى لهم الهداية والخير، كما أنه -وهو الوفي- لم ينس لبني هاشم -مُسلمهم وكافرهم- مواقفهم معه عندما قادَتهم عصبية الرحم فحموه من كل القبائل، ودخلوا معه شعب أبي طالب يقاسون معه ومع المسلمين الجوع والفاقة، ولا يَمنّون عليه بذلك، مع أنهم على غير دينه، لكنه الولاء للأرحام.
هاجر عليه السلام ولكنه لم يهجر فالرسول المهاجر صلى الله عله وسلم لم يهجر كل ذلك بل حمله معه في قلبه، يحنّ إلى ذلك اليوم الذي يعود فيه إلى مراتع الصبا، وإلى الرحم الذي وقف معه حتىّ قال قائلهم وسيدهم أبو طالب: "اذهب يا ابن أخي! فقل ما شئت فوالله لن أسلمك أبداً"، مع أنه لم يكن على دينه.
وإنما كانت هجرة الرسول صلى الله عله وسلم من مكة هجراً للوثنية المسيطرة التي لا يريد أصحابها أن يتعاملوا بمنطق الدين أو منطق العقل أو منطق الأخلاق، فهذه وثنية يجب أن تهجر وأن يهاجر من مناطق نفوذها وإشعاعاتها.
وإنما هاجر الرسول، وهجر -إلى جانب الوثنية المسيطرة- تلك العصبية المستعلية التي تعرف منطق القوة، ولا تعرف منطق الحق، وليس في وعيها ولا في قاموسها أن تهادن الإيمان، وأن تترك مساحة للتفاهم والحوار، وبالتالي تصبح الحياة معها -بعقيدة إيمانية بعيدة عن إشعاعاتها- أمراً مستحيلاً.
إننا نريد أن يفهم مضمون الهجرة الإسلامية كما ينبغي أن يفهم، وأن تكون هجرة الرسول هي المرجعية لهذا الفهم.
فقد بُعث محمد صلى الله عله وسلم "رحمة للعالمين"، فكيف تكون إذن رحمته بالقوم الذين انتسب إليهم، أو بالقوم الذين عاش معهم، أو بالأرض الطاهرة التي نشأ فيها، وتربّى في بطاحها وتنسم عبيرها، وشاهد جموع الزاحفين إلى أرضها الطاهرة من كل فج عميق؟!
إن رحمته -بالضرورة هنا- لا بد أن تكون أكبر من أي رحمة أخرى... ولهذا نراه صلى الله عله وسلم يرفض دائماً أن يدعو على أهل مكة، وحتى وهو في هذه اللحظة البالغة الصعوبة، عندما وقع في حفرة حفروها له في موقعة أحد، وتناوشته سهامهم من كل مكان، وسالت دماؤه الطاهرة على جبل أحد الذي كان يتبادل الرسول صلى الله عله وسلم الحب معه، لأن بعض قطرات دمائه الزكية قد اختلطت بتراب أحد الطاهر، فأصبحا حبيبين... حتى في هذه اللحظة البالغة الصعوبة لم يستطع لسانه الزكي، ولا قلبه التقيّ أن يدعو عليهم، ولا أن يشكوهم إلى الله، وإنما كان يردد على مسمع من الناس جميعاً: "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون" (متفق عليه).
وعندما كان يرى تمادي قريش في الحرب كان يتأسف عليهم ويقول: "يا وَيحَ قريشٍ لقد أكلَتهم الحربُ، ماذا عليهم لو خلَّوا بيني وبين سائر الناس" (رواه الإمام أحمد في مسنده).
وكم راودته الجبال الشم -بأمر من الله- أن تطبق عليهم فكان يرفض ويقول: "أَرْجُو أَن يُخرج اللهُ مِن أَصلابهم مَن يَعبد اللهَ وحده لا يُشرك به شيئا" (متفق عليه). وعندما جاءته فرصة السلام معهم أصرّ عليها، مع تعنّتهم في الشروط تعنّتاً أغضب أصحابه، لكنه كان يريد لهم الحياة، وألا تستمر الحرب في أكلهم، وألا يبقوا -وهم قومه وشركاؤه في الوطن- مستمرين في تأليب القبائل عليه لدرجة أنهم أصبحوا العقبة الكأداء في طريق الإسلام؛ مما يفرض عليه بأمر الله الجهاد لإزالة هذه العقبة، ونجح الرسول في إزالة عقبتهم بقبول شروطهم المجحفة، حبّاً لهم، وحفاظاً على بقائهم، وأيضاً لإفساح الطريق أمام دين الله.
أما حين دخل مكة صلى الله عله وسلم فاتحا فقد حافظ بكل قوة على كرامتهم ودمائهم، ولم يقبل مجرد كلمة خرجت من فم سعد بن عبادة -رضي الله عنه- -أحد الصحابة والقادة الأجلاء- وذلك عندما قال: "اليوم يوم الملحمة" فنزع الراية منه، وأعطاها لابنه قيس وقال "لا، بل اليوم يوم المرحمة، اليوم يعزّ الله قريشاً" (1).
وعندما استسلمت مكة كلها تماماً، وقف أهل مكة ينتظرون حكمه فيهم مستحضرين تاريخهم الظالم معه، لكنهم سرعان ما تذكروا أنه الرؤوف الرحيم الطاهر البريء من رغبات الانتقام أو المعاملة بالمثل.
فلما سألهم: "ماتظنون أني فاعل بكم"، قالوا: "أخ كريم وابن أخ كريم"، فرد عليهم قائلاً: "لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ" (يوسف: 92)، وهي كلمة نبي الله يوسف عليه السلام التي قالها لإخوته، ومنها ندرك أنه اعتبرهم جميعاً إخوته، كأنهم إخوة يوسف عليه السلام، ثم أعلن العفو العام بتلك الجملة الخالدة: "اذهبوا فأنتم الطلقاء لوجه الله تعالى" (2)، فكأنه أنقذهم من الموت الزؤام -عليه الصلاة والسلام-.
دعوة لمهاجري العصر الحاضر ونقول للمهاجرين من أبناء عصرنا لظروف مختلفة إلى أي بلد من بلدان العالم: هذه هي هجرة رسول الله صلى الله عله وسلم بين أيديكم، وهي كتاب مفتوح، فأمعنوا القراءة فيه لتدركوا منه أن هجرتكم من بلادكم -لأي سبب من الأسباب- لا تعني القطيعة مع أرض الوطن، ولا مع الأهل والعشيرة، ولا مع المسلمين في أي مكان، مهما تكن الخلافات الظرفية الطارئه معهم؛ بل يجب أن تبقى الصلة قائمة بينكم وبين الأهل والقوم، تمدونهم بأسباب الحفاظ على الدين من مواقعكم، لكي يثبتوا ويمتدوا بإشعاعات الإيمان إلى أكبر مدى ممكن، لاسيما ووسائل التواصل الآن في أقوى مستوى عرفته البشرية، وبالتالي تكونون قد وصلتم الرحم، وجمعتم بين الثلاثية المتكاملة التي تمثل بأركانها الثلاثة وحدة لا تنفصم، وإلا فقدت الأمة "مكانة الخيرية" التي رفعها الله إليها عندما قال: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ" (آل عمران: 110) إنها ثلاثية الإيمان والهجرة والجهاد.
أجل! في عصرنا هذا يجب أن يعود معنى الهجرة إلى منبعه النبوي، فليست الهجرة هجراً للوطن، وقطيعة تاريخية أو معرفية معه، بل هي هجرة موصولة بالماضي، تعمل على تعميق الإيمان فيه، وتبني قلاعاً للإيمان في المهجر الجديد، وتصل بين الماضي والحاضر والمستقبل انطلاقاً من درس الهجرة النبوية.
التواصل مع ماضي المهاجر مطلوب إن الحرية التي تريد أن تتمتع بها في مهجرك، والثروة التي تريد أن تكوّنها، وحتى الدعوة التي تريد أن تبلّغها -إن كنت ممن اصطفاهم الله للدعوة والبلاغ-... كل هذه تدفعك إلى التواصل مع الماضي من جانب؛ وتدفعك إلى بناء حدائق للإيمان يفوح عطرها في وضعك الجديد، وبلدك الجديد، من جانب آخر.
ليكن معنى الهجرة واضحاً في وَعيك، فهي ليست هجرة من أرض ولا أهل إلى أرض وأهل آخرين، بل هي هجرة من قيم ضيّقة ضاغطة تكبل حركة الإيمان، وتفتعل الصدام المستمر، وترفض الحوار بين الأفكار والعقائد، إلى قيم أخرى تسمح لأشجار الإيمان أن تنمو، وتسمح بالتفاعل والتحاور، ومواجهة الرأي بالرأي، والحجة بالحجة، وتكون مؤهلة لأن تسمح لأهل الإيمان والحق أن يعيشوا كما يريدون، وأن يبنوا قلاع الإيمان في النفوس عن طريق الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن.
إن الهجرة النبوية الإسلامية هجرة يقصد بها كسر القيود التي تفرض على الإيمان، وفتح نوافذ أخرى في أرض جديدة.
وليست الهجرة الإسلامية أبداً من تلك الهجرات التي تعني زحفاً على البلاد على حساب أهلها، أو لتحقيق الثروة ثم الخروج بها، أو للاعتماد عليها لقهر أصحاب البلاد الأصليين، وجعلهم مجرد منفذين وأدوات لمشروعاتِ وطموحاتِ المهاجرين إليهم.
فالهجرة الإسلامية اليوم -إلى أيّ بلد في العالم- يجب أن تكون هجرة تسعى إلى التواصل والتعارف والتحاور والحب؛ بحيث يشعر كل الناس أنّ الأفراد المسلمين أو المجموعات الإسلامية التي تعيش بينهم إنما تمثل روحاً جديدة، تبني ولا تهدم، وتزرع الخير، و تقاوم الشر، ولا تعرف التفرقة في ذلك بين المسلم وغير المسلم، والوطني، والوافد، والأبيض والأسود.
وكل ذلك لن يتحقق إلا إذا رأى الناس في المسلم المهاجر إليهم -من خلال أقواله وأفعاله، وإسهاماته الخدميّة، وآفاقه المعرفية، وعبوديته لله- شخصية متميزة جادة تفعل ما تقول، وتعيش معهم حياتهم اليومية، وآمالهم، وآلامهم، يفيض منه الخير والنور، تلقائياً وعفوياً، كأنه بعض ذاته، وكأنه مرآة قيمه، وصدى أخلاقه، وأثر منهجه في الحياة.
وهنا يتساءل الناس من غير المسلمين: من أين لهذا المهاجر كل هذا الخير والنور؟ من أين له هذه الإنسانية المتدفقة؟ ومن أين له هذه الرحمة التي تعم الإنسان كل إنسان، بل والحيوان والنبات أيضاً... فسيصلون حتماً إلى الإجابة الصحيحة، وهي أن هذا الإنسان يرتشف من نبع الأنبياء، ويستمد وعيه الحضاري ومشروعه الإنساني الرحيم من نبيّه وإمامه، وإمام المسلمين الأعظم، بل وإمام الإنسانية محمد صلى الله عله وسلم.
فقد كانت هجرته المباركه روحاً جديدة، عبّر عنها أحد الصحابه الكرام (أنس بن مالك -رضي الله عنه-) في قولته المعروفة التي ذكر فيها أنه عندما دخل الرسول صلى الله عله وسلم المدينة بعد نجاح هجرته: "أضاء منها كل شيء، وعندما مات صلى الله عله وسلم أظلم فيها كل شيء"، وهذا على العكس من مكة التي تسلل منها المسلمون هاربين بدينهم، فأظلم فيها كل شيء، ولم يبق فيها إلا الطغيان، والنزوع إلى الحرب.
فلما فتَحها الرسول صلى الله عله وسلم انبعث فيها النور، وأضاءت الكعبة، وجاء الحق وزهق الباطل، وأصبحت مكة قلعة الإسلام الأولى.
إن هذا المعنى للهجرة يجب أن يبقى فوق كل العصور؛ لأنه اتصل بنبيّ الرحمة في كل العصور وكل الأمكنة، وأصبح -بالتالي- صالحاً لكل زمان ومكان، صلاحية كل حقائق الإسلام الثابتة.
ولئن كنا نؤمن بأنه "لاَ هجرةَ بعد الفَتح" (متفق عليه) كما قال الرسول صلى الله عله وسلم، فإننا يجب أن نؤمن في الوقت نفسه ببقية الحديث، وهو قول الرسول: "ولكن جهاد ونية"، وهذا يعني أن الهجرة بعد مرحلة الهجرة الأولى قد أخذت بُعداً اصطلاحياً جديداً.
ففي البُعد الأول كانت الهجرة مرتبطة بمكان هو المدينة، ولكنها بعد ذلك أصبحت مطلقة من المكان، فهي إلى أي مكان شريطة أن يكون "الجهاد والنية" هما الهدفين المغروسين في النفس.
فهما -أي الجهاد والنية- قد انفصلا عن قيد وحدة المهجر (المدينة) الذي كان في صدر الدعوة، وأصبحا صالحين في كل العالم يمشيان مع رجال الدعوة والبلاغ، ويضمنان سلامة الأعمال وارتفاعها على المنافع الاقتصادية أو الظروف السياسية. الهجرة والتكافل الإيماني.
وعندما يستقّر هذا المعنى في النفس نستطيع أن نطمئن إلى أن أبطال الدعوة والبلاغ سينشئون في كل مكان يحلّون فيه حديقة جديدة للإيمان، وتاريخاً جديداً يبدأ كأشعّة الشمس في الصباح، ثم ينساب عبر كل زمان منطلقا إلى مساحة جديدة في الأرض.
وعلى المسلمين إذن -عندما يكونون في أرض المهجر- أن يسارعوا إلى الالتحام ببعضهم، وتكوين مجتمع إيماني يقوم على "المؤاخاة" التي ترتفع فوق الأخوّة، وهي مستوى خاص فوق أخوّة الإيمان التي هي مستوى عام، وأن يتكافلوا مع بعضهم تكافلاً مادياً ومعنوياً، تحقيقاً لقوله تعالى "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى" (المائدة: 2) وقوله أيضاً "وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ" (العصر: 3).
والتكافل "المادي" يعني التعاون على ضمان الحد الأدنى المطلوب للحياة لكل أخ مسلم، طعاماً أو شراباً أو علاجاً أو تعليماً أو كساءً.
والتكافل "المعنوي" هو التعاون على ضمان التزام "الأخوة" في الإسلام بأداء "الفرائض" والبعد عن "المآثم"، وتفعيل وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إطار البيئة التي يعيشون فيها وبالأساليب المناسبة لها.
وعليهم أيضاً أن يبنوا "مسجداً" يضم الرجال والنساء والأطفال، مهما يكن مستواه متواضعاً.
فقد حذّرنا الرسول من وجود عدد -مهما يكن قليلاً- من المسلمين لا تقام الجماعة فيهم، كما أن "المسجد" سيكون محور لقاءاتهم وتعارفهم وتكافلهم المادي والمعنوي.
ومن المسجد ينطلقون إلى صور من التكامل فيما بينهم تأخذ طابعاً علمياً ومؤسساتياً يجعل لهم قيمة وتأثيرا وإشعاعاً في مهجرهم الجديد.
لقد أخبرنا الرسول صلى الله عله وسلم أن مما فضل به على بقية الأنبياء أن الأرض جعلت له مسجداً.
وقد حقق المسلمون السابقون العظماء "مسجدية الأرض" في كل الأرض التي هاجروا إليها، فهل يمكننا أن نستأنف المسيرة ونحذوا حذوهم.
فلعل الأرض تتخلص من الغيوم السوداء المتلبّدة وتعود مسجدًا طهورًا.
ولعل الله يجري على أيدينا وأيدي المستخلفين من بعدنا نهراً جديداً للإيمان، وتاريخاً جديداً تتعانق فيه راية الوحي مع العلم، والحق مع القوة، ويسود العدل الشامل والرحمة المحمدية العالمية كل الكون... وما ذلك على الله بعزيز! ---------------------------------------- (1) الاستيعاب لابن عبد البر، 2/597. (2) سنن البيهقي الكبرى، 9/118. * أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية - مصر.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 1:42 am | |
| الهجرة... فاتحة عهد جديدكانت هجرة رسول الله سيدنا محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينةِ حدثًا هامًا من الأحداثِ الحاسمة في تاريخ الدعوة الإسلامية، فبها انتهى عهد وابتدأ عهد، وصارت طيبة مهاجر النبي ومثواه الأخير حيث دفن جسده الشريف في أرضها.لقد حفلت كتب السيرة بتدوين حوادث الهجرة المباركة، وتبارت أقلام الكاتبين في ذكر المعاني البالغةِ والعبر التي انطوت عليها رحلة كَتبت للخلائق تاريخًا مجيدًا وعصرًا زاهرًا جديدًا، فكانت نهضة عظيمة لم تعرف لها البشرية مثالاً سبقها.لقد ناصب رجال القبائل، خصوصًا قريش في مكة، نبي الله العداء، واجتمعوا على إيذائِه وتعذيب أصحابه والوقوف بوجه دعوته ليفتنوا الذين آمنوا عن دينهم، فأشار الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أصحابهِ أن يهاجروا إلى الحبشةِ فهاجر عشرة رجال وأربع نسوة، ثم زاد عددهم حتى بلغ ثلاثة وثمانين رجلاً وسبع عشرة امرأة سوى الصبيان، هاجروا مخافة الفتنة وفرارًا إلى الله بدينهم فكانت أول هجرة في الإسلام.وقد أحسن النجاشي ملك الحبشةِ استقبالهم وأكرمهم، فاطمأنوا في جواره وأمنوا.وحاولت قريش التقرب إلى النجاشي بالهدايا النفيسة لاستردادهم والإيقاع بينهم وبين النجاشي، ولكن النجاشي سمع منهم آيات بينات من القر آن في حقّ نبي الله عيسى عليه السلام وأمه الصدّيقة مريم فصدق بدعوتهم وزاد من إكرامهم وحمايتهم وباءت قريش بالخيبة والخسران المبين.لقد كان أذى المشركين للمسلمين عجيبًا، ولكن صبرهم على الأذى كان أعجب، فثبتهم الله، فازداد عددهم وقويت شوكتهم، حتى خشي المشركون بأسهم، فأجمعوا على مقاطعة بني هاشم حتى يسلّموا إليهم الرسول ليقتلوه، ولكن أهل بيته نصروه برغم ما وجدوه من الشدائد والأهوال.ثم فقد النبي الكريم نصيرين بوفاة عمه أبي طالب ثم زوجته خديجة، فانطلق إلى الطائف ولكنه لم يجد من أهلها أذنًا صاغية وآذوه بأقوالهم وأفعالهم فعاد إلى مكة.وكان يقصد في نشر الدعوة الموسم حيث تأتي القبائل إلى مكة، فوجدت دعوته صدى طيبًا بين أهل يثرب الأوس والخزرج الذين عرفوا وصفه بأنّه نبي آخر الزمان من اليهود، فآمن منهم ستة كانوا سبب انتشار الدعوة بعد ذلك.لقد وجدوا في دعوة التوحيد وتعاليم النبي ما يوحّد كلمتهم ويجمع شتات شملهم ويقضي على ما بينهم من تنازع وبغضاء، ووجدوا في شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- ضالتهم المنشودة فاجتمعوا تحت لوائه.لقد دعاهم إلى التوحيد الخالص ونهاهم عن عبادة الأوثان، وعلّمهم الإيمان برسل الله وكتبه المنزلة وملائكته المقربين وبالبعث والجزاء، كما دعاهم إلى مكارم الأخلاق وترك الخبائث من الأعمال والسيئات من العادات وهذا مصداق لقوله جل وعلا في سورة الجمعة: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين).وهكذا انتشر الإسلام بالمدينة، ثم لما سمعت قريش بإسلام الأنصار ومبايعتهم له -صلى الله عليه وسلم-، جزعوا وفزعوا أشد الفزع ووجدوا في ذلك خطرًا عليهم، فيزول سلطانهم وتذهب ريحهم وتتعرض تجارتهم إلى الشام غادية ورائحة لخسران عظيم، فمكروا مكرهم وتآمروا على قتل النبيّ وسمعوا رأي زعيمهم عمرو بن هشام الذي سماه الرسول فيما بعد بأبي جهل، فقد أشار عليهم بأن يجتمع عدد من شبان قبائل العرب يحمل كل واحد منهم سيفًا صارمًا ثم يعمد هؤلاء إلى النبيّ فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل فلا يقدر بنو عبد مناف على قتال قبائل العرب جميعهم ثم يعطونهم الدية بعد ذلك، وقد اجتمع كفار قريش على هذا الرأي.ثم إن الله تبارك وتعالى أوحى للنبي -صلى الله عليه وسلم- بتآمرهم ووَعَدَه بالعصمة والنجاة منهم، وأذن الله له بالهجرةِ فأخبر الصدّيق أبا بكر -رضي الله عنه- بعزمه على الرحيل وقال: يا أبا بكر إن الله قد أذِنَ لي في الخروج والهجرة فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله.قال رسول الله: الصحبة.فهيأ سيدنا أبو بكر راحلتين لهذا السفر المبارك الميمون.ثم إن النبي أمر سيدنا عليًّا كرم الله وجهه بالمبيت في مضجعه وأن يلبس بردته وطمأنه أنه لن يصيبه مكروه بإذن الله.وخرج -عليه الصلاة والسلام- مع أبي بكر الصديق ليلاً ومكثا في غار ثور قرب مكة، ولكن المشركين بثوا العيونَ والأرصاد ووعدوا بالجوائز لمن يظفر بالنبيّ ويأتي به، وباتوا مترصدين فلما أصبحوا ذهبوا إلى مضجعه فأبصروا سيدنا عليًّا فبهتوا وخيّب اللهُ سعيهم وأعمى أبصارهم.نام في بردة النبيّ عليّ * كي يضلّ الأرصادُ والرقباءُومشى المصطفى يخوض المنايا * والمنايا مشلولة عمياءُوهكذا ظفر الغار بشرف ضيافة النزيلين الكريمين ثلاثة أيام، وكان عامر بن فُهيرة مولى سيدنا أبي بكر يمر عليهم بالأغنام فيحتلبان.وكان عبد الله بن أبي بكر يوافيهما بما يجد من الأخبار، حتى سكن من ورائهما الطلب، وغفل عنهما الناس.وفي اليوم الرابع وافاهما عبد الله بن الأريقط براحلتين فخرجا إلى المدينة.وفي الطريق أدركهما سراقة، وظن أن الفرصة سانحة لربح الجائزة، ولكن فرسه عثر به وساخت في الأرضِ قوائمه، وأحدق به إعصار، عندها استغاث سراقة ووعد أن يكتم أمرهما، ووفى سراقة بما وعد.ولما وصل النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه -رضي الله عنه- إلى المدينة كان النصر والتأييد من الأنصار، و آخى الرسول بينهم وبين المهاجرين فكانت نقطة تحول مهمة كسبت منها الدعوة الإسلامية قوة واندفاعًا، وذيوعًا وانتشارًا، وأعوانًا وأنصارًا.وشاعَ في نفوس المؤمنين سرور اللقاء فالإسلام يدعوهم إلى العدل والإحسان، وينهاهم عن البغي والعدوان، ويؤلف بين قلوب كانت فرّقتها الجاهلية، ويجمع كلمات مزقتها العصبية.وأمرهم نبيّهم بإفشاء السلام وهو عنوان المودة والرحمة، وأمرهم بإطعام الطعام وهو ءاية التعاون والتراحم، وبصلاة الليل والناس نيام وهي صلاة الأوابين المتبتلين.لم تكن هجرته -صلى الله عليه وسلم- جُبنًا أو فرارًا بل كانت انتقالاً من دار صعب فيها نشر الدعوة إلى دار وضع فيها أساس الدولة الإسلامية العظيمة، فتألفت قلوب الأوس والخزرج وتآخى المهاجرون مع الأنصار فصارت الهجرة فرقانًا بين الحق والباطل وكثر المؤمنون بعد قلة واجتمعوا بعد شتات.إن علينا أن نعتبر بمعاني الهجرة ونأخذ منها الدروس والعظات؛ ففي الهجرة مفارقة للوطن والأهل والديار والأموال، وفي هذا ثبات المؤمن على عقيدة الحق، وصبر وعزم وتضحية جعل الله فيها الثواب الجزيل، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنّما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه". |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 1:44 am | |
| الهجرة.. عبرة وعبور..! عبد الخالق برزيزوي... التقويم الهجري يؤرخ لحدث عظيم في تاريخ الإسلام، حدث كان بمثابة انقلاب وانعطاف سيطبع تاريخ البشرية جمعاء. أراد الله سبحانه وتعالى أن ينقل المؤمنين من ضيق العيش إلى سعته، ومن ظلم وجور القريب إلى بر وإحسان النصير، نقلة من أجواء الحصار إلى محضن الإيواء والجوار.. هجرة من دار أبت أن تحتضن دعوة التوحيد إلى حين، نحو بلدة حنت إليها، فحل بها الأنس وأشرقت أرضها نورا وفاحت أجواؤها طيبا.. هاجر الرسول -صلى الله عليه وسلم- من مكة أحب أرض الله إلى قلبه، هاجر ملبيا أمر ربه نحو المدينة، نحو قدر الله ولا خيرة له -عليه الصلاة والسلام-، فقد اختار الله، فصار اختيار الله أحب إليه عليه السلام من كل ما سواه. " سلنا غيرها..!" جاء نفر من مشيخة قريش يطلبون أبو طالب ليسألوه أن يمنع بن أخيه من سب آلهتهم وتسفيه أحلامهم على أن يتركوه ويدعوه وإلهه، فكان رد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن قال لعمه: "أي عم، أولا أدعوهم إلى ما هو خير لهم منها: قال: وإلى ما تدعوهم؟ قال: أدعوهم إلى أن يتكلموا بكلمة تدين لهم بها العرب ويملكون بها العجم. قال: فقال أبو جهل من بين القوم: ما هي وأبيك؟ لنعطينكها وعشرا أمثالها. قال: تقول: لا إله إلا الله. قال: فنفروا وقالوا: سلنا غيرها." (1). هذا من قومه.. قريب من عشيرته، يعلم فضله -عليه الصلاة والسلام- وصدقه، لكنه أبى واستكبر وتمنع، بل إن قريشا كلها لم تنكر صدق الرسول -عليه الصلاة والسلام-، لكن كبار القوم ما كانوا ليقبلوا دينا يسوي بينهم وبين الفقير الوضيع، ما كانوا ليعتنقوا عقيدة من شرائعها عتق رقاب العبيد لتخضع لرب العباد، ما كانوا ليومنوا بدين يجعل الفضل والقرب في أتقى الناس وليس في أغناهم أو أحسنهم مظهرا وأكرمهم نسبا.. منعهم كبرهم وكبرياءهم أن يلتفتوا وينتبهوا إلى ما وراء ذلك الإيمان وتلك التلبية لدعوة التوحيد، تولوا فخسروا الدنيا والآخرة.. القريب يتجهمك ويحاصرك ويظلمك وهو يدرك صدقك ويعلم سريرتك وأنك تريد الخير، رغم ذلك يَمْتنع ويَتَمَنع و يأبى أن يَتبِع.. فيَضِيع ويُضَيِع.. هذا كان مع من بعثه الله رحمة للعالمين فما بالنا نحن..؟ ما بالنا نضجر ونغضب إذا نهرنا أحد أو تجهم؟ ما بالنا نضيق ونصخب إذا حاصرنا أحد أو ظلم؟ لا نرضى بالظلم ولا نقبل الحصار ولا نعطي الدنية من أنفسنا.. بدعوى الصبر والرضى بقدر الله، بل نرفض وندافع ونحاول رفع الظلم لكن برفق وبدون تعصب أو تطرف، نهرب من قدر الظلم والحصار والاستبداد طلبا لقدر العدل والشورى والإحسان قد لا نقول كل الحق اليوم رفقا بالناس وتدرجا بهم.. لكن لا نقول ولا نُسهم ولا نبرر الباطل أبدا.. بعيد.. ".. وإنها لحق! " وهذا رجل من بني عامر بن صَعْصَعَة يقال له بَحِيرة بن فِراس، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد جلس إلى قومه يدعوهم إلى الله ويعرض عليهم نفسه،يقول: " والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب. ثم قال له: أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك..؟ (2) فبماذا سيملك هذا الرجل من غير قريش رقاب العرب؟ وما هو هذا الأمر الذي يسأل الرسول الكريم أن يكون في قومه بعده؟ ما وعده الرسول -صلى الله عليه وسلم- بشيء من أمر الدنيا.. إنما هي الجنة..! عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- راجعا من الطائف إلى مكة ودخل في جوار المطعم بن عدي وهو من المشركين، ثم واصل دعوته سرا وعلانية، وكان يعرض نفسه على الناس في المواسم، فكان ممن أتاهم من القبائل، قبيلة كِنْدَة وبطن بني عبد الله من قبيلة كلب وبني حنيفة وبني عامر بن صَعْصَعَة، فما أجابه إلى ما يدعوهم إليه أحد إلا ما كان من أمر شيخ بني عامر بن صعصعة، وكان لا يخرج إلى المواسم لعجزه وكبر سنه، فقد أخبره قومه عن أحداث وأخبار الموسم الذي كانوا فيه وعن ما كان من خبر محمد بن عبد الله، -صلى الله عليه وسلم-، ونبوته فقال لهم وهو يتحسر.. : "... والذي نفس فلان بيده ما تَقَوَلَهَا إسماعيلي قط! وإنها لحق، فأين كان رأيكم عنه! " (3) رجال من غير قومه أدركوا أهمية وفضل ما يدعو إليه -عليه الصلاة والسلام-، في الدنيا ".. أيكون لنا الأمر بعدك.. " وفي الآخرة ".. وإنها لحق.. " علموا أن ما يدعو إليه سيكون لهم فيه النصيب الأوفر والفضل الأكبر، فما أرادوا أن يسبقهم إليه أحد.. حرص على الاستئثار بالخير، ونعم الحرص! عبرة وعبور. لا هجرة بعد اليوم، لكن نية وجهاد، لا هجرة بعد اليوم لكن عبرة وعبور..! عبرة نستلهمها من ذلك الحدث الذي غير مجرى حياة البشرية، فنقلها من ظلام وظلم الناس للناس إلى نور وعدل إله الناس، ما كان للبشرية أن تهنأ لولا الإسلام. ما كان لها أن تسعد لولا رحمة ورفق وتؤدة الإسلام. الإسلام علم العالم كيف يكون الجوار وكيف يحسن المرء إلى زوجه وكيف يسالم ويقاتل وكيف يصل ويقطع و كيف يعطي ويمنع.. الإسلام ربى الناس على الخير ونمى فيهم إلى جانب حب الآخرة حب الحياة وعمارة الأرض بالخير.. وهي هجرة وصل و عبور من ذلك العهد إلى عهدنا وما أدراك ما عهدنا! عهدنا يشهد إعادة فتل ما انتقض من عرى الإسلام لتهيئة أجواء استقبال أمر الله.. عهدنا هو نهاية استبداد كل ظالم ونهاية انكماش قوة الإسلام.. عهدنا هو زمان العزة والنصر والمنعة والظفر.. عهدنا نور على نور.. عهدنا يقظة وهمة وقيام من كبوة وعودة.. قدر الله بين أيدينا يدعو وينادينا ويصدع بالخير فينا، يعلن ويبطن و يجهر ويسر بالليل و النهار و يأخذ بحجزنا ويدفعنا في صفه مع ركبه.. والله إنه لحق يأتيه التأييد من الغيب والشهادة، والله انه لصدق برهانه ما يراه الناس وتراه.. أَنُسْبَق إليه وقد نشأ بيننا، أيحتضنه وينصره غيرنا ونحن أولى به وأجدر؟ لا والله لسنا فيه من الزاهدين ولسنا عنه راغبون.. كان الله عز وجل يهيئ الأسباب ويذلل الصعاب، ولما أراد إظهار دينه، خرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أحد المواسم وبينما كان يعرض نفسه على قبائل العرب لقي عند العقبة رهطا من الخزرج وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن: " فقال بعضهم لبعض: تعلمن والله إنه النبي الذي تُوعِدُكم به يهود، فلا يَسْبِقُنكم إليه " (4)، فكانت هذه هي أولى الوفود التي آمنت بالدعوة الإسلامية من خارج مكة فتمت بذلك بيعة العقبة الأولى. ثم تلاها لقاءان آخران، لقاء العقبة الثانية وقد حضر فيه إثنا عشر رجلا من الأنصار وبايعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيعة النساء. وبعد ذلك، وقد فشا الإسلام في يثرب، خرج مسلمو الأنصار إلى الموسم وتواعدوا مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، على لقاء آخر، فكانت بيعة الحرب التي حضرها سبعون رجلا وامرأتان، وقد بايعوا على أن يمنعوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم. شهادة ودلالة. كتب الله على نفسه ليغلبن هو ورسله، وهو سبحانه يعلم حيث يجعل رسالاته، ويجعل لكل أجل كتاب. دعوة العدل والإحسان بيننا، والرجل الذي جاء بها بين ظهرانينا، يسير على أثر الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-، لا نزكي على الله أحدا، إنما أقول ما شهد له به علماء الأمة في المشرق والمغرب، بل ما شهد له به غير المسلمين، أعرف خير الرجل لأنه كان ولا يزال دليلي إلى الخير، أعرف فضله لأن ديني ينهاني أن أنسى فضل من أحسن إلي.. الأستاذ عبد السلام ياسين مرشد جماعة العدل والإحسان ما زال بيننا، وقد كان بيته في يوم من الأيام مفتوحا للجميع، فجاء قدر الحصار ومنع عنه الزوار لفترة.. ثم رفع عنه بعض ذلك الحصار لكن لا يعلم أحد ماذا تخبئه الأقدار؟ من بلغه خبره يغبطنا نحن المغاربة، يقول لنا " إن عندكم رجلا مباركا قد حِيز له الفضل فتشبثوا به واتبعوا دعوته وانصروه.. " من علم فضله من علماء المسلمين يرجو ويتمنى على الله أن يكتب له فرصة زيارته والجلوس إليه.. من أدرك ما يدعو إليه يود لو أنه بينهم ومعهم.. الناس يطلبون الرجل من خارج بلدنا، والله إنهم يتشوفون ويرجون رؤيته ومشافهته، ليس تبركا ولا تقديسا ولا تقربا مبتدعا ولا تدليسا، إنما ليقينهم بأن ما يدعو إليه الرجل هو الحق وهو أحق أن يتبع، فالعبرة العبرة، فلا يسبقننا إليه أحد، لا نمانع الأقدار ولا نصانع، بل نوافق ونسابق، ونرجو الله أن يبارك ويجعل ما نريد في ما يريد.. والحمد لله الحميد المجيد. ------------------------------ 1- الطبري، تاريخ الأمم والملوك، بيروت1987، مجلد 1، ص544 2 - نفسه، مجلد 1، ص548 3 - نفسه، مجلد 1، ص 556 4 - نفسه، مجلد 1، ص 558،
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 2:06 am | |
| الهجرة أظهرت ما فى المجتمع العربي من القيم الإنسانية والأخلاق النبيلة عند الهجرة ضرب الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأمَّتِهِ المثل فى دقة التخطيط وقمة التوكل. كشفت أحداث الهجرة النبوية عن قيم فاضلة وأخلاق كريمة ومواقف إنسانية رائعة كان بعضها موجودا فى البيئة العربية قبل الإسلام مثل الشجاعة والشهادة والتضحية والنجدة ونصرة الضعيف وإغاثة الملهوف واحترام المرأة وصون كرامتها وعفتها وكذلك خلق الإيثار والكرم والسخاء، وغير ذلك من القيم الأصيلة التي عرفها المجتمع العربى قبل الإسلام وجاء الإسلام فأبقى عليها وقواها وأضاف إليها..
كل هذا يؤكد أن المجتمع العربي الذى أنبت صاحب الرسالة الخاتمة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، لم يكن مجتمعاً شريراً أو همجياً أو خالياً من القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة كما تحاول بعض أبواق الدعاية الحاقدة على الإسلام وأهله أن تصوره.
وقد أبرزت أحداث الهجرة المباركة.. بعض جوانب هذه القيم النبيلة والأخلاق الحميدة والسلوكيات الإنسانية الرقيقة التي أفرزها المجتمع العربي وجاء الإسلام فرسخها وسما بها وأضاف إليها ليبنى مجتمعاً إنسانياً متماسكاً ومتعاوناً وقوياً لم يشهد التاريخ له مثيلاً على مَرِّ العصور والأزمان وهنا نلقى الضوء على بعض جوانب هذه الصورة المشرقة من القيم النبيلة والأخلاق الرفيعة التي برزت خلال حادث الهجرة التي نحتفل بها فى هذه الأيام.
الأخلاق العربية الأصيلة تجلت فى كثير من مواقف الهجرة والرسول ضرب المثل فى الرحمة والعفو والتسامح. يقول الدكتور محمد رأفت عثمان العميد الأسبق لكلية الشريعة وعضو مجمع البحوث الإسلامية: كلما تأمل الباحثون وعلماء الشريعة فى حادثة الهجرة وهى الحادثة التى غيرت أمورا غاية فى الأهمية ليس أقلها أنها طبعت الدعوة الإسلامية بالعلنية والجهر بها.. بل إننا يمكن أن نرى فيها قبل أن تبدأ وقبل أن يغادر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيته فى مكة المكرمة إلى المدينة المشرفة أمورا تلفت النظر إلى وجود قيم خلقية طبع بها المجتمع العربى سواء أكان فى الجاهلية أو بعد دخوله فى الإسلام فليست كل الجاهلية السابقة للإسلام شراً محضاً وإنما كان فى العرب أيضاً بعض النواحى الخلقية التى معهودة ومتعارفا الفترة لم يفقدوها فى جاهليتهم ولهذا أبقى الاسلام على بعض هذه القيم الخلقية التى كانت عليها كالأمانة والمحافظة على حرمة البيوت والشجاعة وهنا يجدر بنا أيضاً أن نذكر أن حادث الهجرة العظيم هذا قد قامت العقيدة فيه بتحريك طاقات هائلة لا حدود لها داخل الإنسان المسلم.
شجاعة علي فصبيٌ لم يبلغ مبلغ الرجال تبلغ به الشجاعة التى تربَّى عليها فى مجتمعه العربى وحركتها عقيدته أن يعرض نفسه للهلاك والقتل على يد أناس غلاظ الأكباد وذلك فى سبيل ما اعتقده للعبادة وهو الموقف الذى وقفه على بن أبى طالب رضى الله عنه عندما قبل أن يبيت فى فراش الرسول -صلى الله عليه وسلم- موهماً أعداءه أنه لايزال فى فراشه وما حدث من قبل على كرم الله وجهه أمر يجب أن نعمل على تنميته فى مجتمعاتنا الإسلامية اليوم حيث يجب أن نغرس الإيمان بالهدف الذى يجب أن نحققه فى مجتمعنا فلقد آمن على -رضي الله عنه- بهدفه وأقدم على التضحية بحياته فى سبيل تحقيق هذا الهدف.. ولابد أن تؤمن الجماعات والأفراد فى كافة الدول الإسلامية بأنها لابد أن تعيش حياة التفوق العلمي فى كافة مجالاته حتى تتمكن من أن يكون لها وجود بين الأقوياء وإلا أكلت كما تأكل الذئاب الخراف وقد بدأ هذا الأكل فعلاً وأصبح أمراً لا جدال فيه فالسبيل الوحيد هو غرس الإيمان فى نفوس الجميع بأنه لابد من تحقيق القوة فى كافة نواحيها المختلفة العلمية والثقافية والسياسية والعسكرية أمَّا أن نتحدث كل عام عن الهجرة بالكلام المحفوظ ثم لا تثير فى المسلمين الهمم فى تغيير الأحوال التى نعانى منها الآن فى كافة ديارنا الإسلامية فهذا كلام لا داعى له.
كما أن الهجرة عادة لا تكون منطلقاً للمهاجرين من أية بقعة فى العالم إلى أن يتطوروا من مكانة الضعف إلى القوة ثم يعودون إلى المنطقة التى هاجروا منها وهم أشد قوة.
وإنما الهجرات التى تحدث عادة من بعض مناطق العالم يستقر القائمون بها فى أماكنهم الجديدة ولا تربطهم بمواطنهم الأصلية بعد ذلك إلا روابط ضعيفة، لكن هذه الهجرة العظيمة فى التاريخ الانسانى نجدها على العكس مما هو متعود فى حياة البشرية، فالذى حدث أن المسلمين بعد أن هاجروا إلى المدينة رجعوا وهم أكثر قوة وأشد بأساً منتصرين على من كانوا يعتدون عليهم.
ونجد قائد الهجرة -صلى الله عليه وسلم-، العظيم فى بشريته لا تحركه النزعات الانتقامية عندما يعود من هجرته منتصراً على مَنْ أخرجوه من بلده ويأتى الحوار الذى يعد المثل الأعلى بين قائد منتصر وأعداء سبقت تعدياتهم عليه وعلى من معه، حيث يقول القائد -صلى الله عليه وسلم-: ما تظنون أنى فاعل بكم؟ فيردون: خيراً أخٌ كريمٌ وابنُ أخ كريم فيقول -صلى الله عليه وسلم- بشخصية القائد الرحيم الذى لا تحكمه نزعات الانتقام والتشفى من أعدائه: اذهبوا فأنتم الطلقاء..
تلك هى أخلاقيات الإسلام وقيمه التى يجب على كل مسلم أن يحرص على التأكيد عليها من خلال كل قول وسلوك وتصرف يقوم به بين الناس.
الإسلام دين المحبة والأخوة الإنسانية يقول الدكتور جلال البشار وكيل كلية الدعوة جامعة الأزهر: إن من أبرز الأخلاق التي تجلت فى هجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- خلق الإيثار وتعنى تقديم الغير على النفس وتفضيله فى الأمور المحببة.
وكذلك تعنى تقديم النفس بتحمل الأمور الشاقة أو المخيفة لتحسس ما يتوقع منه الأذى حرصا على سلامة الغير.
وقد هذا الخلق الكريم فى عدة مواقف أثناء رحلة الهجرة من مكة إلى المدينة مثل إسراع الصديق أبى بكر بدخول غار ثور قبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- للتأكد من خلو الغار من كل أذى ومقدما نفسه للتعرض للأذى إيثارا لسلامة النبى -صلى الله عليه وسلم- على سلامته -رضي الله عنه- حيث كان يمشى تارة أمامه وتارة خلفه وتارة عن يمينه وتارة عن شماله ليحميه من كل شر.
كما خلق الإيثار لدى أسماء بنت أبى بكر عندما آثرت نجاح الهجرة وسلامة الركب الكريم للرسول -صلى الله عليه وسلم- على سلامتها الشخصية فتحملت أذى قريش وتحرشهم بها وتهديدهم لها ولم تبح لهم بأى خبر تعرفه عن مكان الرسول وصاحبه.
وكذلك لم يتردد على بن أبى طالب كرم الله وجهه فى النوم فى فراش النبى -صلى الله عليه وسلم- ليوهم المشركين المتربصين بباب داره أنه مازال نائما فى فراشه.
وقد كان من المحتمل أن يتهور أحد المشركين ليرمى النائم بسهم وهو فى فراشه.
إلا أن علياً -رضى الله عنه- لم يحرص على حياته وإنما حرص على حياة النبى -صلى الله عليه وسلم-.
كما ضرب الأنصار المثل الأعلى فى إيثار المسلم لأخيه المسلم، عندما آثروا المهاجرين على أنفسهم فذكرهم الله تعالى فى قوله: "والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون".
فما أحوجنا فى هذه الأيام لهذا الخلق الكريم حيث تتحكم فى سلوك الناس وعلاقاتهم الأثرة والأنانية وحب الذات فلو ساد هذا الخلق لترابطت المجتمعات وتوطدت العلاقات وانقطعت النزاعات وشاع الحب والوئام كل المجتمعات البشرية ولبرز للعالم كله أن الإسلام هو دين الحب والسلام والإنسانية فى أجل صورها.
عداء المشركين لم يمنع الرسول -صلى الله عليه وسلم- من ود أماناتهم يؤكد الدكتور أحمد زلط وكيل كلية التربية بجامعة قناة السويس: أن الأمانة كانت من أهم سلوكيات رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- فلقد عرف بالصادق الأمين.. والحقيقة أن الصدق والأمانة صفتان أصيلتان فى السلوك العربى وذلك أمر يجب إبرازه للعالم كله خاصة للعالم الغربى الذى يزعم أن المسلمين العرب لا يعرفون إلا السرقة والنهب والغش وحب الاستيلاء على أموال الغير والنصب والاحتيال وكلها طرق وأساليب تدل على عدم الأمانة وعلى الكذب وهم يصورون ذلك من خلال حملات الغزو الفكرى المنظمة والمستمرة.
ويجب على المسلمين إدراك خطورة التأثر بتلك الحملات، وللأسف الشديد قد أصبح لدينا نسبة تقتدى بتلك الحملات والنسبة لا تمثل حتى الآن فى المجتمع العربى المسلم ككل.. والأمانة صفة يحث عليها الإسلام، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما أمر بالهجرة كان محملا بأمانات كثيرة فلم يكن بمكة المكرمة أحد عنده شئ يخاف عليه إلا وضعه عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لصدقه وأمانته ورغم شدة عداء المشركين له واجبارهم له ولمن معه على الهجرة وترك ديارهم إلا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ترك عليا كرم الله وجهه فى مكة ليقوم برد الودائع إلى أصحابها..
فالأمانة صفة أساسية من صفات العرب وقد جاء الإسلام وحث عليها فالمولى عز وجل يقول فى كتابه الحكيم: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها"، كما يقول سبحانه: "فإن أمن بعضكم بعضًا فليؤد الذى أؤتمن أمانته".
كما يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان".
ويضيف د.أحمد زلط: والأمانة فى ضوء ذلك تؤدى إلى استقامة الطبع وإلى التنمية المستدامة وكلما اتسعت دائرة النهب والغش والسرقة ضاقت القدرة على اكتساب السلوك القويم ومن ثم لا تتحقق التنمية التى نسعى إلى تحقيقها فى مجتمعنا فالأمانة قيمة أصيلة فى المجتمع العربي الإسلامي ومن لا يعمل بها آثما يضر بنفسه وبمن حوله.
وعلى كل مسلم أن يتمسك بمبادئ دينه وأخلاقيات مجتمعه العربي وأن يعطى الصورة الصحيحة للإسلام.
أما الإنسان الذى لا يلتزم الصدق والأمانة فى مجتمعنا يرجع ذلك إلى عيب فيه لا فى تعاليم الدين أو سلوكيات المجتمع.
أسماء ضربت المثل فى الشجاعة والتضحية وأبو جهل يخجل من نفسه بعد أن لطمها على وجهها تقول دكتورة آمال يس أستاذ الفقه بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر: كان للمرأة المسلمة دور بارز فى هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- التى تعتبر من أعظم أحداث التاريخ.
حيث كانت أسماء بنت أبى بكر بطلة من أبطالها أدت دورها الذى كلفت به بكل دقة وحذر.
فضربت المثل الأعلى للمرأة المسلمة المؤمنة بربها القوية الشجاعة المجاهدة.
وهو ليس بالشئ الغريب فهى بنت عبدالله بن أبى قحافة الملقب (بأبي بكر الصديق) وأختها عائشة (زوج النبى -صلى الله عليه وسلم-) وزوجها الزبير بن العوام (من العشرة المبشرين بالجنة).
فعندما أذن الله تعالى لرسوله الكريم بالهجرة بصحبة أبى بكر، وعلمت أسماء بنبأ السفر أسرعت بتجهيز ما يحتاجه المسافران من لوازم الرحلة.
وعندما دخل الرسول -صلى الله عليه وسلم- بيت أبى بكر فى الثلث الأخير من الليل يوم الهجرة كانت قد أعدَّت لهما كل شئ.
ولَمَّا انتهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه إلى غار ثور كانت تأتيهما بالطعام والشراب إذا أمست طوال ثلاثة أيام هى الفترة التى قضاها الرسول الكريم وصاحبه بالغار.
وفى يوم السفر جهزت للركب سفرته، فلما إرتحلا وذهبت لتعلق السفرة (الطعام والشراب)، وجدت نفسها وقد نسيت أن تجعل لها رباطاً.
فحلّت نطاقها (حزامها) وشقَّته اثنين، جزءاً علقت به السفرة.. والآخر انطلقت به، فرآها الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهى تفعل ذلك فقال لها، أبدلكِ اللهُ بنطاقك هذا نطاقين فى الجنة؟ كما أنها -رضي الله عنها- شجاعة قوية وحسن تصرف عندما جاءها عمرو بن هشام الملقب، بأبي جهل، ومع نفر من قريش وسألها عن أبيها وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وألحَّ فى السؤال إلا أنه لم يصل معها إلى جواب شاف.
فلم يملك نفسه من الغيظ فلطمها على وجهها لطمة قوية شقت أذنها وأسقطت قرطها.
فقامت وقد تلطخ وجهها بالدماء وهى ثابتة لا تتزحزح رغم ما تعانيه من شدة الألم وثبتت على حفظ السر الذى إئتمنها عليه الرسول الكريم.
أما أبو جهل فقد انسحب فى خزي وعار بعد أن طلب من شهدوا هذا الموقف كتمانه وعدم إخبار أحد به إلا أن هذا الخبر انتشر ولامه أهل مكة على تصرفه المشين.
وعابوا عليه مخالفة الأخلاق والشهامة العربية الرافضة للتعدى على النساء، واعتبروا هذا التصرف إهانة لقريش كلها.
وقت طويل على هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأبيها حتى لحقت بهما أسماء لتجاهد ثانية لبناء الدولة الإسلامية بدور جديد لها كزوجة وأم حيث رَبَّتْ أبناءها على الشجاعة والإقدام والتضحية من أجل نصرة دين الله فكانت حياتها بكل جوانبها نموذجاً يُحتذي به لكل امرأة مسلمة فى الشجاعة والصبر والفداء وحسن تربية الأبناء.
إيمان الرسول بأهمية الكفاءة وعدم التعصب اتخذ دليلاً غير مسلم يقوده فى طريق الهجرة يقول د.عبد المقصود باشا أستاذ التاريخ الإسلام جامعة الأزهر: فى استقرائنا لصفحات التاريخ القديم نجد أن البيئة العربية قبل الإسلام تميَّزت بعدم التعصب الدينى بدليل أن مكة المكرمة رغم أنها مركز البيت الحرام إلا أنها كانت مركزا للتسامح الدينى فجمعت بين الحنفاء وعباد الأصنام والأوثان وعبده الشمس والنجوم واللادينيين وكان مبدأهم أعبد ما شئت طالما لا تؤذى أحداً ولا تقترب من مكانة قريش ومركزها لذلك نجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يستنكف عن الاستعانة بغير المسلم ليكون دليله فى الهجرة وذلك لعدة أسباب منها أن عبدالله بن أريقط الليثى كان من أعظم الخبرات فى ذلك الوقت كدليل وهاد ماهر فى دروب الصحراء والطرق الوعرة فى جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية.
ورغم أن عبدالله بن أريقط كان لا يزال على دين قومه إلا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يدرك أن من الصفات العربية الأصيلة الوفاء بالوعد وعدم خيانة العهد.. وأيقن أن عبدالله بن أريقط لن يخونه أو يشى به.
وهذا الخلق الحميد أقره الإسلام ودعا إليه فى أكثر من موضع فى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
كذلك أراد الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الاستعانة بدليل غير مسلم فى أهم حدث فى تاريخ الدولة الإسلامية أن يضع لنا تشريعا لنا كمسلمين فى القرن الخامس عشر الهجرى بألا نستنكف من الاستعانة بأى شخص أيا كانت ديانته طالما كان فى الاستعانة به إنجاح الدعوة الإسلامية وتحقيق الهدف المرجو من الاستعانة به.
يقول تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم".
ويرى د.عبد المقصود ضرورة تغيير مفهومنا الخاطىء حول غير المسلمين، فلا نستخدم كلمة كافر التي ارتبطت فى العقلية الباطنية لبعض المسلمين بالعدو المبين الذى لا تجب مهادنته أو معاملته.. وكذلك لا نستنكف من الاستعانة بغير المسلمين إذا كان من أصحاب الخبرات المتقدمة فى العلم فهذا ما يقره الإسلام وما يدعونا إليه.. فماذا يقول الذين يتهمون الإسلام بالتعصب؟.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 2:13 am | |
| الهجرة الكبرى بين الأخذ بالأسباب والتأييد الإلهيبقلم الكاتب: د.عبدالعظيم المطعني - أستاذ في جامعة الأزهر في هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهجرة أصحابه الكرام من مكة إلى المدينة عِبر ناطقة تستفيد منها الأمة عبر الدهور، إذا أرادت أن تكون وثيقة الصلة بعناصر القوة التي تستعيد بها ما كان لها من سؤدد وعزة وكرامة بين الشعوب والأمم.
فالتحول العظيم الذي حدث للإسلام بعد الهجرة سبقته جهود وتضحيات وإجراءات قام بها النبي، -صلى الله عليه وسلم-، ولم يحدث طفرة لأمة عاجزة عن القيام بدورها تحت مظلة السماء، فالله لا يحقق للعجزة أو المتواكلين والكسالى أي نجاح، ولا يمد يد العون للنائمين، ولكن لابد من الفعل المخلص المدروس، ثم الأخذ بالأسباب المعقولة الموصلة للأهداف المرسومة، التي اقترن بها العمل الواعي البصير، المدروس، ثم الأخذ بالأسباب المعقولة الموصلة للأهداف المرسومة، التي اقترن بها العمل الواعي البصير، عملاً بقوله تعالى في الآية 11 من سورة الرعد: (إن الله لا يغيِّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم).
لقد بدأ النبي، -صلى الله عليه وسلم-، بالأخذ بالأسباب التي كلَّف الله بها البشر، ومرَّن أصحابه الأولين عليها تمريناً قولياً مقروناً بالعمل، وظلت الدعوة تتعثر حيناً، وتنشط أحياناً على مدى ثلاثة عشر عاماً كاملة، حتى أذن الله لفجر الدعوة بالانبلاج... نصروا الله على أنفسهم، وعلى أعدائه فنصرهم الله نصراً عزيزياً: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) محمد: 7، ومن سنن الحكيم أنه يبلو المؤمنين بأعدائهم ليمحصهم وإلا فهو قادر على نصرة الحق الذي أنزله بلا أنصار، ولا قتال، ولكن في هذا تثبيط همم المؤمنين وركونهم إلى الاسترخاء والتواكل، وفي ذلك يقول عز وجل في الآية 4 من سورة محمد: (ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض).
ولأن النصر لو جاء عفواً ما شعر المؤمنون بحلاوته، ولما أجهدوا أنفسهم في الحفاظ عليه، ولهان عليهم ضياعه، لأنهم لم يدفعوا فيه ثمناً، ولم يلاقوا فيه شدة.
بدأت الدعوة - وبدأ معها التمحيص والتدريب - تبثَّ في القلوب الإيمان، وفي العزائم الصدق، وفي الإرادة القوة: (وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين. وليمحِّص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين) آل عمران: 140 - 141.
الأخذ بالأسباب عند الصحابة قلنا: إن الأخذ بالأسباب، هو طريق الحصول على ما عند الله، وهذا هو الذي بدأ النبي، -صلى الله عليه وسلم-، تدريب أصحابه الأولين عليه، فأمرهم بالصبر الجميل على ما ألحقه بهم المشركون من أذى، فكان الصبر هو أول درس تعلموه منه -عليه الصلاة والسلام-، وطبقوه عملياً في مواجهة أعدائهم.
ولما اشتد عليهم الأذى، وخشوا الفتنة في دينهم أرشدهم القائد الملهم إلى الهجرة إلى الحبشة، في عمليات أشبه ما تكون باللجوء السياسي المعروف في هذه الأيام، فقال لهم: "لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يُظلم عنده أحد... حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه" فخرج من أصحابه من خشي الفتنة في دينه.
فعملوا بتوجيهه، وتحملوا وعثاء السفر بلا زاد يحملونه معهم إلا ما خفَّ، وكان منهم من خرج بأهله، ومنهم من خرج بمفرده، ولما لمست قريش أن الدعوة آخذة في القوة والانتشار قامت بمقاطعة بني هاشم وبني عبدالمطلب وأحكمت الحصار على المؤمنين، وبعد ثلاث سنوات من الحصار، جاء الفرج من الله ناصر المؤمنين، فسخَّر جماعة من شباب قريش أجمعوا أمرهم على نقض الصحيفة، ثم خرج، -صلى الله عليه وسلم-، يعرض نفسه على القبائل لنشر دعوة الله، فكانت رحلة الطائف، وعانى منها ما عانى، ثم كانت بواكير النصر الإلهي المؤزر بعد اليأس من أعوان الأرض، رحلة الإسراء والمعراج.
وبعدها أخذ مسار الدعوة ينتهج نهجاً جديداً، إذ لم يعد للنبي -صلى الله عليه وسلم- أمل يرجوه من أهل مكة والقرى المتاخمة، فعرض نفسه، -صلى الله عليه وسلم-، على القبائل الوافدة من خارج مكة، التي لم يتلوث فكرها بفكر قريش القادمين إلى مكة في مواسم الحج، وكان من ثمرة هذا التخطيط النبوي الجديد عرض نفسه، -صلى الله عليه وسلم-، على قبيلتي الأوس والخزرج، فكان لقاؤه بهم سراً على مشارف مكة لا في المسجد الحرام ولا في مكة، إخفاء للأمر عن قريش لأنها لو علمت لوضعت العراقيل أمامه، فكان لقاؤه بهم في مكان يُقال له العقبة، وكانوا اثني عشر شخصاً، عرض عليهم،-صلى الله عليه وسلم-، الإسلام، فأسلموا وحسن إسلامهم، وبعث معهم أول سفير في الإسلام "مصعب بن عمير".
ولم يتفرقا إلا على نية اللقاء في العام المقبل، وفي المكان نفسه.
لكن هذا اللقاء "العقبة الثانية" كان أرسخ قدماً، وأعمق معنى، وأكثر التحاماً، وأوسع مدى، وأعظم منجزات من لقاء "العقبة الأول"، فمن حيث العدد بلغ المسلمون الجدد القادمون إلى الحج ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين، كلهم جاؤوا شوقاً للقاء النبي، -صلى الله عليه وسلم-، ولأداء الحج بروح جديدة ورؤية جديدة.
والتقى بهم الرسول في سرِّية تامة، وقَدِمَ معه عمُّهُ العباس ليطمئن على شأن ابن أخيه، ويسمع ويرى بنفسه ما يدور في هذا اللقاء، وإن لم يكن قد أسلم بعد، ولكنه خرج بدافع العصبية والقرابة، وكان مصعب بن عمير قد حضر إلى مكة مع وفد الأوس والخزرج ليتابع مجريات الأمور.
قبل وفد الأوس والخزرج الإسلام وهم حضور مع صاحب الرسالة، بعدما مالوا إليه قبل مجيئهم على الداعية الإسلامي مصعب بن عمير.
سمع الوفد لرسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، وسمع رسول الله لهم، واشترط لنفسه إن هو قدم عليهم في المدينة ما شاء من شروط، واشترطوا هم لأنفسهم ما اشترطوا من شروط، وألقيت الكلمات، وتبودل الرأي، حتى العباس عم النبي -صلى الله عليه وسلم- شارك في وقائع اللقاء، وبعد أن التقت الرغبات تم الاتفاق على نقل مركز الدعوة من مكة المكرمة إلى المدينة، على أن تتم هجرة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة قبل مقدم صاحب الرسالة، صلوات الله وسلامه عليه.
أول تنظيم إسلامي وفي هذا اللقاء التاريخي الخالد، تم أول تنظيم سياسي اجتماعي بين الأنصار "الأوس والخزرج"، فقد قال لهم صاحب الرسالة، -صلى الله عليه وسلم-، بعد الفراغ من الاتفاقات التي أسفر عنها اللقاء: "أخرجوا إليَّ منكم اثني عشر نقيباً ليكونوا على قومهم بما فيهم"، وسرعان ما قدَّموا له أسماء اثني عشر رجلاً، منهم تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس، وكان هذا التقديم بمثابة الترشيح لشغل هذه المناصب، فقاموا ليبايعوه ويشدوا على يده الشريفة، ثم تفرقوا ولم يشعر بهم أحد من قريش.
وكان هذا التنظيم النبوي نواة للدولة التي أنشئت بعد الهجرة بالمدينة.
الإذن لأصحابه بالهجرة وبعد انقضاء الموسم، أذن رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، لأصحابه بالهجرة إلى المدينة، على الوجه الذي يرونه، فأخذوا يتسللون من مكة، حاملين معهم ما خف من أمتعتهم، تاركين منازلهم ومتعلقاتهم وراءهم، لأن ما هاجروا إليه أغلى وأعز من الأموال والممتلكات، فقد أرخصها حب الله ورسوله، وهنا لفتة لابد من القيام بها، ذلك أن البقاء في مكة كان في مخاطرات كثيرة، من التعرض لأذى المشركين واضطهاداتهم.
ولكن الرسول القائد -صلى الله عليه وسلم- آثر أن يسافر أصحابه قبله ليبقى هو آخر المهاجرين، دون أن يخشى ماذا يحدث له من خصوم الدعوة، وهذا على خلاف عادة الزعماء والرؤساء، الذين يحيطون أنفسهم بهالة من الأمن لاتقاء الشرور، لأنهم طلاب دنيا ونعيمها الزائل، أما محمد، -صلى الله عليه وسلم-، فما أهون الدنيا عليه، وما أعظم ما عند الله، لذلك لم يَرُعه أن يهاجر قبله كل ذي قدرة، وأن يبقى هو وحده يصول ويجول في طرقات مكة أمام أبي لهب عدوه اللدود، وأمام أبي جهل عدّوه الألد.
ليلة الهجرة النبوية كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معروفاً عند الناس جميعاً بالصادق الأمين، حتى قبل أن يكون رسولاً، لذلك اتخذه أهل مكة موضع ثقة، فأخذوا يُودعون عنده ما يخافون عليه من أموال ومعادن ثمينة كالذهب والفضة، فلما أذن الله بالهجرة استدعى ابن عمه علي بن أبي طالب لينام على فراشه الشريف، ووضع بين يديه ما عنده من ودائع أهل مكة ليردها لأصحابها، لأن الوديعة أمانة، والأمانة أمر الله بتأديتها لمالكيها، وكان من الممكن أن يحمل هذه الأمانات ليوزعها على المهاجرين الذين تركوا ممتلكاتهم وسبقوه إلى المدينة، ولكن رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، لم ير هذا الرأي، لأن الذين استودعوه أمانتهم لا ذنب لهم فيما حدث من عتاة مكة وظالميها.
خروجه من مكة ليلاً وبعد أن هاجر من هاجر من أصحابه، ولم يبق منهم بمكة أحد إلا غير القادرين، أمره الله بأن يهاجر هو ويلحق بأصحابه في عاصمة الإسلام الجديدة، وصحب معه صاحبه أبابكر، وخرجا من مكة ليلاً بعد أن ركن الناس إلى الراحة في بيوتهم، ونزلا بغار ثور قرب مكة حتى تهدأ قريش من سعيها للإمساك به، ومكثا بالغار ثلاثة أيام في تمويه محكم حتى لا تُهدى قريش إلى مكانهما، هذا السبب أخذا به وطبقاه، وكانت عناية أكبر من الأخذ بالأسباب، فقد أعمى أبصار قريش عن مقره مع سعيها الدائب في البحث عنه.
وبعد أن هدأت، انطلق هو وأبوبكر إلى المدينة، وتكبَّدا مشقة السفر في صحراء موحشة حتى وصلا إلى المدينة، فعسكر قريباً منها، وبنى مسجد قباء، ثم دخل المدينة التي استقبلته بكل من فيها من رجال ونساء وشباب وكهول.
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وجد الرسول، -صلى الله عليه وسلم-، فور قدومه إلى المدينة مشكلة عويصة تنتظر الحل منه، وهي وجود المهاجرين فيها بلا نشاط ولا عمل، وسرعان ما قضى على هذه المشكلة بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ومشاركة كل أخ لأخيه فيما يملك، وظل كل أخوين يتوارثان، حتى استقر أمر المهاجرين فنزل قوله تعالى في الآية 75 من سورة الأنفال: (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) فألغى التوارث بينهم.
وهذه الحلول كانت عبقرية من الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وحسن تدبيره للأمور، مهما كانت معضلة.
وضع صحيفة الوفاق ثم وضع رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، فور استقراره في المدينة صحيفة الوفاق الجامعة، التي وفَّق بين فيها أوضاع جميع الطوائف في المدينة، وهم: - الأنصار أهل المدينة. - المهاجرون الوافدون إليها من خارجها. - اليهود الذين كان لهم وجود في المدينة منذ زمن متقدم.
وقد مهَّدت الصحيفة التي نُظِّمت فيها العلاقات بين الطوائف الثلاث سلماً وحرباً، إلى قيام دولة على بصيرة من أمرها، حتى اليهود سماهم النبي، -صلى الله عليه وسلم-، أمة مع المؤمنين، وسمح لهم بمزاولة شعائرهم الدينية مع البقاء على عقيدتهم دون أن يضاموا بسببها، وبذلك آتت الهجرة ثمارها.
والذي نستخلصه مما سبق ونضعه بين يدي الأمة في حاضرها ومستقبلها، ونرجو أن تسمعه بآذان صاغية وفهم واع، وقلوب صافية هو ما يلي: أولاً: إن الأخذ بالأسباب الصحيحة المتاحة شرط أساس في الحصول على المطلوب مع مواصلة العمل الجاد المحكم وقوة العزم وإخلاص النية وصدقها. ثانياً: ترك التواكل والاعتماد على القدر بأنه المتصرف في تحقيق ما هو كائن مع إلغاء الجهود المقدور عليها لاستكشاف ما هو مقدر وطرح مقولة: "المكتوب على الجبين تراه العيون"، لأن هذا يُولِّد الكسل والخمول عند الفرد والجماعة والأمة. ثالثاً: وضع الخطط المدروسة، ثم تعديلها إذا أثبت التطبيق قصورها أو عجزها دون الوصول إلى الغايات المرادة منها وطرح اليأس. رابعاً: بذل أقصى ما تقدر عليه الأمة مهما كانت الصعاب، كما قال عز وجل في الأية 06 من سورة الأنفال: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة). خامساً: إيثار ما عند الله تعالى على مغريات الحياة الدنيا. سادساً: وحدة الصف والاعتصام بحبل الله. سابعاً: أن تنصر الأمة الله ولو على نفسها، فإن نصر الله مقصور على الذين ينصرونه.
كل هذه المبادئ كانت وراء نصر الله لرسوله والذين آمنوا معه، فلتلتزم الأمة بها، فإن آخرها لن يصلح إلا بما صلح به أولها، والله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 2:15 am | |
| الهجرة المباركة دروس وعبرإن الهجرة المباركة كانت درساً في الصبر والتوكل على الله تعالى ولم تكن طلبا للراحة ولاهرباً من العدو ولاتهرباً من الدعوة وأعبائها بل كانت بأمر من الله تعالى في وقت أشد ماتكون البشرية في ذلك الزمن إلى الهدي المحمدي فلقد أرسل الله خير خلقه محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى البشرية وهي أحوج ما تكون إلى رسالته، وأشدَّ ما تكون ضرورة إلى دينه، بعد أن صار الكثير من الناس في ظلمات الشرك والجهل والكفر، فأرسل الله عبده محمداً -صلى الله عليه وسلم- إلى الناس جميعاً، قال الله تعالى: قُلْ ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَاواتِ وَالأرْضِ لا اله إِلاَّ هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ فَأمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِىّ الأمّيّ الَّذِى يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (الأعراف: 158). فوجدهم يعبدون آلهة شتى، منهم من يعبد الأشجار، ومنهم من يعبد الأحجار والشمس والقمر والملائكة والجن، ويلجؤون إليهم في كشف الشدائد والكربات، ويرغبون إليهم في جلب النفع والخيرات، ويذبحون لهم، وينذرون لهم، ووجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعض الناس يتحاكمون إلى الكهان والسحرة والعرافين، ويغشون الفواحش والمحرمات، ويسيئون الجوار، ويقطعون الأرحام، ويكسبون الأموال لا يبالون بالحلال و بالحرام، الربا والبيع عندهم سواء، والغصب والميراث قرناء، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدعوة الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، بكل ما تضمنته هذه الشهادة من معنى، بإفراد الله وحده بالعبادة وعدم الإشراك بالله شىء وبينَ لهم أن الله المعبود بحق لايوصف بصفات البشر فهو الخالق وما سواه مخلوق وهو الموصوف بالصفات التى تليق به فهو الأول قبل كل شىء والله الموجود قبل الكل بلا مكان ولازمان ولاجهة ولايحتاج إلى شىء بل الكل محتاج إليه قال تعالى: قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً (الأنعام: 151)، وإفراد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالاتباع، قال تعالى: وَمَا ءاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ (الحشر: 7).
جاء نبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم- يدعو الناس إلى العفاف والطهر والخلق الكريم والإستقامة وصلة الأرحام وحسن الجوار والكف عن المظالم والمحارم، ويدعوهم إلى التحاكم إلى الكتاب العزيز، لا إلى الكهان وأمر الجاهلية، وكسب المال من وجوه الحلال، وإنفاقه في الطرق المشروعة والمباحة، وجعل الناس كلهم أمام شريعة الله سواء، يتفاضلون بالتقوى، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْىَ بِغَيْرِ الْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (الأعراف: 33)، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. (النحل: 90).
دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس إلى هذا المعنى العظيم، وقام بهذا الواجب الكبير، دعا إلى دين قويم يرقى به الإنسان إلى أعلى المنازل، ويسعد به في الآخرة سعادةً أبدية في النعيم المقيم، فاستجاب له القلة المؤمنة المستضعفة في مكة، فأذاقهم المشركون أنواع العذاب، كالحرق بالناروإنزال أشد ألوان العذاب، واشتد الكرب في مكة، وضيّق الخناق على المسلمين المستضعفين، وائتمر المشركون بمكة أن يقتلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورصده المشركون عند بابه ليضربوه ضربة رجل واحد، فخرج -عليه الصلاة والسلام- عليهم وهو يتلو صدر سورة " يس"،وذرَّ على رؤوسهم التراب، وأخذ الله بأبصارهم عنه فلم يروه، وأخذهم النعاس ولجأ هو وصاحبه أبو بكر الصديق في غار ثور ثلاثة أيام حتى هدأ الطلب، وفتشت قريش في كل وجه، وتتبعوا الأثر حتى وقفوا على الغار، فقال أبو بكر: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدميه لأبصرنا، فقال: "يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!" أي ان الله تعالى مطلع علينا لا تخفى عليه خافية ثم يمَّما نحو المدينة، فكانت هجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- نصراً للإسلام والمسلمين، حيث أبطل الله مكر المشركين وكيدهم في تقديرهم القضاء على الإسلام بمكة، وظنهم القدرة على قتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال الله تعالى: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِىَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (التوبة: 40).
إن حادثة هجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- تمد المسلمين بالعبر والعظات والدروس والتوجيهات، وقد شاء الله تعالى أن تكون بأسباب مألوفة للبشر، يتزود فيها للسفر، ويركب الناقة، ويستأجر الدليل، ولو شاء الله لحمله على البراق، ولكن لتقتدي به أمته بالصبر والتحمل لمشقاة الدنيا والعمل الدؤب للأخرة التى هي العقبى، فينصر المسلم دينه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، وإن حال المسلمين في العالم حريَ بالاستفادة من معاني الهجرة النبوية المباركة، بفهم أمر الدين والفصل بين الدين الحق وأهله وبين المتاجرين المتطرفين المنفرين عن الدين بأساليب وفتاوى ليس لها في الدين من أصل بل تخالف الدين، في ذكرى الهجرة المباركة علينا أن نعلم أن الدين الإسلامي دين علم وعمل وثقافة ومعرفة ودعوةللحق مؤيدة بالبراهين العقلية والنقلية المنورة للقلوب فلن يصلح حال المسلمين في هذا العصر إلا بالأمور التي صلح بها السلف الصالح من العلم والمعرفة الصحيحة لدين الله والتحذير من المضللين أصحاب الفتاوى السيئة التى جلبت الويلات للمسلمين، وبالخلق الكريم، والصدق مع الله، والتوكل عليه، والصبر على المكاره، وإحسان العبادة، على وفق ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- في السنة المطهرة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" نسأل الله تعالى أن تكون هذه السنة الهجرية بركة وخيرأ يعم البلاد والعباد وكل عام وأنتم بخير.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 2:18 am | |
| الهجرة المباركة إنَّ في حياةِ رسول الله أحداثاً حوّلت مجرَى التاريخ وأحدَثت أعظمَ نقلة وأعقبت أقوَى الآثار، تبوَّأت منها الهجرة النبوية المبارَكَة مكاناً عليًّا ومقاماً كريماً، حيث كانت بحقٍّ فتحاً مبيناً ونصراً عزيزاً ورِفعة وتمكيناً وظهوراً لهذَا الدّين، وهزيمةً وصَغاراً للكافرين.
وفي وقائِع هذه الهجرة مِن الدّروس والعبَر وفي أحداثِها من الفوائد والمعاني ما لا يكاد يحِيط به الحصر ولا يستوعِبه البيان، فنها أنَّ العقيدةَ أغلى من الأرض، وأنَّ التوحيدَ أسمى من الديار، وأنَّ الإيمان أثمنُ من الأوطان، وأنَّ الإسلامَ خير من القناطير المقنطَرة من الذّهب والفضّة والخيلِ المسوّمة والأنعام والحرث ومن كلِّ متاعِ الحياة الدنيا، يتجلّى هذا المعنَى بيّنًا في خروجِ هذا النبيّ الكريم صلوات الله وسلامه عليه مع صاحبِه الصدّيق -رضي الله عنه- مهاجرَيْن من هذا الحِمى المبارَك والحرمِ الآمِن والأرضِ الطيّبة التي صوّر واقعَها الحديثُ الذي أخرجَه أحمد في مسندِه والترمذيّ وابن ماجه في سننهما بإسناد صحيح عن عبد الله بن عديّ بن حمراء الزّهريّ أنّه قال: رأيتُ رسول الله واقفًا على الحَزْوَرَة (1) قال: (والله، إنَّك لخيرُ أرضِ الله وأحبُّ أرضِ الله إلى الله، ولولا أنِّي أُخرجتُ منكِ ما خرجت).
وفي الهجرة كمَال اليقينِ بمعيّة الله تعالى لعبادِه المؤمنين الصَّادقين، ذلك اليقين الرَّاسخ الذي لا تزعزِعُه عواصِف الباطل، يستبينُ ذلك جليًّا في حالِ هذَين المهاجرَين الكريمَين حين عظُم الخَطب وأحدَق الخطرُ ببلوغ المشركين بابَ الغارِ الذِي كانَا فيه، وحينَ قال أبو بكر -رضي الله عنه-: والله يا رسول الله، لو أنَّ أحدَهم نظر إلى موضعِ قدمَيه لرآنا، فقال رسول الله قولتَه التي أخذَت بمجامعِ القلوبِ.
(يَا أبَا بَكر، مَا ظنُّكَ باثنَين اللهُ ثالثُهما)، وأنزَلَ سبحانه مصداقَ ذلك في كتابه، أنزل قولَه: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِىَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (التوبة: 40).
وأيُّ معيّةٍ هذه المعيَّة؟ إنّها المعيّةَ الخاصّة التي تكون بالتّأييد والتّوفيق والحِفظ والمعونةِ والنّصر إنّما جعلها الله تعالى لأوليائِه المتّقين المحسِنين الذين بذلوا حقَّ الله عليهم في توحِيده وإفرادِه بالعبادةِ وتركِ الإشراكِ به، ثمَّ بامتثال أوامرِه والانتهاء عمَّا نهاهم عنه.والمعية تاءتى بمعنى العلم كقوله تعالى: (وهو معكم أينما كنتم) أي عالم بكم حيث كتتم الله تعالى لا يخفى عليه شيء عالم بالأماكن كلها وهو موجود بلا مكان, حتى إذا سكن الطلب عنهما قليلا خرجا من الغار بعد ثلاث ليال متجهين إلى المدينة على طريق الساحل فلحقهما سراقة بن مالك المدلجي على فرس له فالتفت أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا فقال النبي: (لا تحزن إن الله معنا) فدنا سراقة منهما حتى إذا سمع قراءة رسول الله غاصت يدا فرسه في الأرض حتى مس بطنها الأرض وكانت أرضا صلبة فنزل سراقة وزجرها فنهضت فلما أخرجت يديها صار لأثرهما عثان ساطع في السماء مثل الدخان قال سراقة: فوقع في نفسي أن سيظهر أمر رسول الله فناديتهم بالأمان فوقف رسول الله ومن معه فركبت فرسي حتى جئتهم وأخبرتهم بما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع وقال للنبي: إنك تمر على إبلي وغنمي بمكان كذا فخذ منها حاجتك. فقال: (لا حاجة لي في ذلك) وقال: (أخف عنا).
فرجع سراقة وجعل لا يلقى أحداً من الطلب إلا رَدَّهُ وقال: كُفِيتُمْ هذه الجهة، فسبحان الله رجل ينطلق على فرسه طالباً للنبي وصاحبه ليظفر بهما فيفخر بتسليمهما إلى أعدائهما من الكفار فلم ينقلب حتى عاد ناصراً معيناً مدافعاً يعرض عليهما الزاد والمتاع وما يريدان من إبله وغنمه ويرد عن جهتهما كل من أقبل نحوها وهكذا كل من كان الله معه فلن يضره أحد وتكون العاقبة له.
ويعود سراقة ويكمل الرسول مسيرته إلى طيبة ويصل هناك ليستقبله المسلمون بحفاوة وترحيب وفرح وحب، وليؤسس -صلى الله عليه وسلم- دولة الإسلام ويعز الله دينه ويعلي كلمته ولو كره الكافرون ولو كره المشركون.
إنَّ هذه الهجرةِ المباركة وعبرِها هيَ جديرة بأن تبعثَ فينا اليومَ ما قد بعثَته بالأمسِ مِن روحِ العزَّة، وما هيَّأته من أسبابِ الرِّفعة وبواعثِ السموِّ وعواملِ التَّمكين.
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 2:21 am | |
| الهجرة النبوية وقفات وتأملات: في بداية العام الهجري الجديد يحسن بنا أن نقف وقفات سريعة مع سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، تلك السيرة العطرة التي لا يمل الإنسان من قراءتها والاطلاع عليها، ولعل من المناسب الوقوف قليلاً مع هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة، لعلنا نأخذ بعض العبر والدروس من هذه الهجرة المباركة التي لا يعي كثير من الناس ما فيها من عبر وعظات.
إن الهجرة النبوية في حد ذاتها بغض النظر عن أحداثها تستحق الوقفة المتأنية، فهي ليست نزهة برية ولا وسياحة للتفرج والاطلاع، وليست سفراً لتحصيل متع الدنيا وملذاتها، وإنما هي انتقال من أجل الحفاظ على العقيدة وتضحية بالنفس والمال والأهل والولد من أجل العقيدة، فهي تبدأ من أجل العقيدة وغايتها العقيدة.
الهجرة النبوية ليست أحداثا تروى، بل هي منهج متكامل لمن أحسن الاستفادة منها وأخذ العبر والعظات على أحسن وجه وأجمله، فهي منهج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو مؤيد فيه من قبل المولى جل وعلا، وهي ليست حدثا عادياً، بل أمر جليل يستحق الاهتمام، ولا نستطيع هنا الوقوف على كل ما في الهجرة النبوية من عبر وعظات، وإنما نقف عند البعض ونترك البعض الآخر ليستخرجه القارئ.
دعوة مستمرة وصبر عظيم: النبي -صلى الله عليه وسلم- كما نعلم ظل في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى الله جل وعلا ليل نهار متعرضا في ذلك إلى الأذى الشديد والاضطهاد المستمر من كفار قريش الذين لا يريدون للخير أن ينتشر، ولكنه لم ييئس مع كل هذا العنت وقلة من آمن معه خلال هذه المدة، وحاول أن يتجه إلى بيئة أخرى لعله يستطيع من خلالها نشر دين ا لله جل وعلا، فاتجه إلى الطائف، ولكنه فوجئ بالسفهاء يردونه ردا منكرا، ولم يكتفوا بذلك، بل رجموه بالحجارة حتى سال الدم من قدميه، ويأتيه جبريل عليه السلام ليقول له إن معه ملك الجبال، وإن الله أمره أن يمتثل لأمره، فإذا أراد أن يطبق عليهم الجبلين ليهلكهم فعل.
فقال -عليه الصلاة والسلام- لا بل أرفق بهم لعله الله يخرج من أصلابهم من يعبده" أو نحو ذلك.
وهذه هي الوقفة الأولى وهي: ماذا قدمنا نحن من أجل هذا الدين، وكم تحملنا من الأذى في سبيل نشره بين الناس، وهل صبرنا كما صبر -عليه الصلاة والسلام-، أم أننا استسلمنا من أول الأمر، وبمجرد أن نواجه أذى أو معارضة قمنا بالتوقف عن الدعوة إليه سبحانه، فهل هذه هي القدوة بالنبي المصطفى الأمين!
الشباب وتحمل المسؤولية: لما أذن الله للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة أمر عليا -رضي الله عنه- أن ينام في فراشه ليوهم المشركين بأنه هو، وامتثل علي أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنام في الفراش حتى أصبح، وواجه على صغر سنه كفار قريش بأسلحتهم وعتوهم وجبروتهم، واستطاع الرد عليهم حين سألوه دون خوف أو وجل.
والسؤال الآن: كم ربينا من أبنائنا وشباب هذه الأمة على هذه التضحية الجسيمة، بل على مجرد تحمل المسؤولية!
كم من الشباب الآن يستطيع أن يسير في خضم هذه الحياة معتمدا على ربه واثقاً في نفسه، أم لا بد من الاتكالية تارة على الأهل وتارة على الآخرين، حتى أصبح ما كان يفعله الصبيان في القديم لا يستطيع كثير من الشباب أن يفعله الآن.
التوكل على الله من أعظم أسباب النصر، في غار ثور تظهر قوة الإيمان بجلاء والثقة في الله بكل معانيها، وذلك عندما يقول أبو بكر للنبي -صلى الله عليه وسلم- لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لرآنا، فيقول له -عليه الصلاة والسلام- يا أبا بكر: ما ظنك باثنين الله ثالثهما، وعندما يلحق بهما سراقة بن مالك وأبو بكر يكثر الالتفات بينما -عليه الصلاة والسلام- لا يلتفت، ثم يدعو عليه فتسيخ قوائم فرسه في الأرض، إنه التفويض الكامل وتسليم الأمر لله رب العالمين، هذا مع عدم إهمال الأسباب فيما يستطيعه الإنسان، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- خطط فأحسن التخطيط، وبذل جهده في إخفاء نفسه ومن معه عن كفار قريش ومطارداتهم، وأعد العدة لهذا السفر الطويل، من راجلة وزاد، ثم ترك بعد ذلك أمره إلى الله وأوكل نفسه إليه، ولذا كان النصر من الله حليفه، وهذا يذكرنا بقيمة قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لو أنكم تتوكلون على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا".
المسجد والدور الحقيقي: ويواصل النبي -صلى الله عليه وسلم- سيره حتى يصل إلى المدينة، فيبدأ ببناء المسجد وعمارته لعلمه أن المسجد لم يوجد في الإسلام لأداء الصلاة فقط، وإنما هو مدرسة المجتمع الحقيقة وهو نقطة الانطلاق لتبليغ دين الله، وهو مركز الدولة الإسلامية السائرة على نهج الله، فأين أغنياء المسلمين عن هذه الحقيقة، وأين العلماء والمسؤولون عن هذا الأمر المهم في حياة المجتمعات، لماذا أصبحت المساجد مهملة، وإذا اعتني بها فمن أجل الصلوات فقط، ولا دور لها بعد ذلك في حياة المسلمين.
تلك وقفات سريعة ينبغي التريث عندها والنظر فيها بعين البصيرة، ومحاولة تطبيقها على واقعنا لنحاول إصلاح ما يمكن إصلاحه من حالنا وحال أمتنا.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 2:27 am | |
| الهجرة النبوية.. دروس وعبر.. ومعجزات حسية بغداد - طالب حنويت: لم تكن الهجرة النبوية في الحس الاسلامي مجرد نجاة من عدو، او هروب من محنة، لقد كانت الهجرة فاتحة تاريخ جديد وكانت بالنسبة للمسلمين في الارض، ابتداء وجودهم وتاريخهم فصار التاريخ الهجري، المبتدأ في هجرة الرسول صلى الله عليه واله وسلم هو سمة هذه الامة على مدار القرون وبه ومن خلاله تعرف.
وكانت الهجرة من مكة المكرمة الى المدينة المنورة اعظم حدث حول مجرى التاريخ، وغير مسير الحياة ومناهجها التي كانت تحياها، وتعيش محكومة بها في صور قوانين ونظم واعراف وعادات واخلاق وسلوك للافراد والجماعات وعقائد وتعبدات وعلم، ومعرفة، وجهالة وسفه، وضلال وهدى، وعدل وظلم.
وفي هجرة النبي صلى الله عليه واله وسلم وقعت معجزات حسية، وهي دلائل ملموسة على حفظ الله ورعايته لرسوله ومن ذلك نسيج العنكبوت على فم الغار، ومنها ما جرى لرسول الله مع ام معبد وما جرى له مع سراقة ووعده اياه بان يلبس سواري كسرى، فعلى الدعاة ان لا يتنصلوا من هذه الخوارق، بل يذكروها ما دامت ثابتة بالسنة النبوية، على ان ينبهوا الناس على ان هذه الخوارق هي من جملة دلائل نبوته ورسالته صلى الله عليه واله وسلم.
وما اروع ان تقف لحظات تنظر في دروس الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة الى المدينة المنورة وننظر بعمق في فصول الهجرة ودروسها، ونتعلم منها جوانب مضيئة من حياة رسول الله والذي لم يخرج من مكة مهاجرا الى المدينة الا بعد ان اذن له الله عز وجل بذلك، وبعد ان صبر وتحمل واحتسب وعانى ماعاناه من البلايا والرزايا والاذى من اهله وذويه، ثم ممن حوله من الذين كرهوا ان تظهر كلمة الله عز وجل وان تكون كلمته سبحانه وتعالى هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
ومن ينظر في قضية الهجرة النبوية الشريفة يلاحظ ان الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان متعلقا بمكة المكرمة.هذه المدينة الطيبة الطاهرة، وقد احبها وولد فيها، وعاش ونشأ وترعرع فيها ونزل عليه الوحي من الله في غار حراء بهذه المدينة، والتي قال فيها رسول الله وهو يخرج منها مهاجرا قولته المشهورة” اللهم اخرجتني من احب البقاع الي فأسكني في احب البقاع اليك “.ولا شك ان الحبيب صلى الله عليه واله وسلم قد اكرمه الله بالهجرة من حرم الى حرم وكلا المدينتين ذات فضل وبركة وهما احب المدن الى الله تعالى، ثم الى رسوله، ففي الاولى كانت نشأته، والثانية كانت اليها الهجرة وفيها مضجعه الاخير.
وقد اختار الله الاولى مكانا لبيته والثانية لمسجد رسوله فحددهما وعينهما وامر الناس بالحج الى الاولى وبالهجرة الى الثانية فكانت في حياته صلى الله عليه واله وسلم قبل الفتح واجبة وصارت بعده مندوبة، دعا للاولى ابراهيم عليه السلام، وللثانية اكرم ولده صلى الله عليه واله وسلم وجعل القلوب تهوي اليهما.
ومكة المكرمة والمدينة المنورة مدينتان ضوعف اجر الصلاة فيهما، وشد الرحيل اليهما، وفي ماء الاولى وتراب الثانية وتمرها الشفاء وبعض اجزائها من الجنة، ويئس الشيطان ان يعبد فيهما، وجعل رزقهما من ثمرات الارض، وحرم دخول الكفار اليهما، ومنع الدجال منهما، وجعلهما الله تعالى حرما آمنا، فحرم الصيد وتنفيره فيهما وحرم قطع الشجر والكلأ والتقاط لقطتهما وحمل السلاح للقتال وسفك الدماء فيهما، لا يختلى خلالهما، ولا ينفر صيدهما، ولا تلتقط لقطتهما.
للملحد فيهما أشد العقوبة ولمن آذى اهلهما النكال، وهما آخر البلاد حرم على غير المسلمين غزوهما ومنعهما من الجبابرة.
ومن القضايا المهمة التي لابد ان نتدبرها في قضية الهجرة ان الرجال الذين هاجروا معه والنساء الذين تبعوهم على الرغم من انهم كانوا قلة وضعفاء الا انهم كانوا اقوياء بايمانهم وصبرهم واحتسابهم.
وقد أعانهم الله وأكرمهم وكرمهم ورفع شأنهم.
ومع قدوم العام الهجري الجديد يعيش العالم الإسلامي في مناخ روحي متميز مع الذكرى التي تمثلها الهجرة النبوية الشريفة وما تضمنته من دروس وعبر متجددة تمثل أملاً في الخروج من هذا الواقع الأليم إلى أوضاع أخرى أفضل تمتد اثارها لتشمل كل نواحي حياة المسلمين، وهذه المناسبة هي بمثابة موسم يتكرر كل عام وهي مناسبة للتأمل والتدبر والوقوف مع النفس حيث تمر على الخاطر هذه التأملات في النفس الانسانية، وهي في حالة الصحة النفسية او الاضطراب النفسي.. فالاسلام دين حياة يضمن التوازن بين الدنيا والاخرة ويهتم المنظور الاسلامي بالجوانب الروحية والمادية في حياة الانسان.
ويضمن تحقيق التوازن بينهما.وتركز تعاليم الدين الاسلامي على التنشئة السوية للانسان وغرس القيم والاخلاق القويمة التي تحقق السلوك السوي والاتزان النفسي، فالمسلم يجب ان يؤمن بالله وبالقدر خيره وشره ويجب ان يعبد الله ويذكره في كل المواقف.
ان رسول الله يعلمنا الدروس في هجرته ولذلك فقد حرص -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح أن يؤكد على قضية هامة: ”عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي“ لأنه القدوة ولأنه الاسوة ولأن هؤلاء الرجال اخذوا عنه، وهذا رب العالمين يأمرنا بطاعته: ”مَن يُطع الرَّسُولَ فقد اطاع الله“ ويقول عز وجل: ”اطيعوا الله واطيعوا الرسول“ ثم يجعله القدوة والاسوة: ”لقد كان لكم في رسول الله اسوةٌ حسنةٌ لِمَن كان يرجو الله واليوم الاخر“.
ومن الواجب هنا ان نحرص كل الحرص على ان نستفيد من هذه المناسبة ونعود الى الله ونتوب توبة نصوحة، فهذا رسول الله في غمار المعارك يثوب الى الله ويستغفر الله ويلجأ الى الله بالدعاء ويعلمنا ان نعود الى الله عز وجل وان العودة الى الله والتوكل عليه والايمان الكامل والصادق بان الامور كلها بيد الله، وان نتعلم ونحن نتابع هذه الدروس والاحداث ان الحب لرسول الله يبدأ من الاتباع والالتزام بكل ما جاء به الرسول وهذا التوجيه الرباني الواضح في ان حب الله عز وجل يبدأ ويتحقق باتباع الرسول الكريم والنبي العظيم صلى الله عليه واله وسلم.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 2:33 am | |
| الهجرة النبوية كتب فتح الله كولن الهجرة رحلة لغاية مقدسة ولهدف جليل وكبير... ومثل هذه الهجرة ترمي إلى تحقيق مثل هذا الهدف بمدِّ وتقوية من العقيدة والعاطفة والفكر وتغذية وعون منه.
وبمقدار درجة الإخلاص في هذه الهجرة وعمقها، تكون مساوية ومعادلة لسياحة الإنسان في السماء.
وقد شُرِّف فخر الإنسانية بهاتين السياحتين، السماوية منها والأرضية.
السياحة الأولى كانت خاصة به وغير متاحة لأحد غيره.
أما الثانية فهي طريق واسعة باقية ومفتوحة للجميع حتى يوم القيامة في شروط خاصة ومعلومة... طريق واسعة ومضيئة مشى عليها مئات الآلاف من الناس قبل بعثة شمس سماء النبوة وقمرها.
ولا شك أن أكثر هذه الهجرات المباركة فضلا، وأكثرها دويا في سمع الزمن، هي الهجرة التي قام بها فخر الإنسانية الصادق المصدوق صلى الله عليه و سلم مع أصحابه الصديقين.
لقد تحمل الرسول الكريم كل صعاب الهجرة -التي جاء الأمر بها من فوق سبع سماوات- من أجل العثور على معاونين مخلصين لأصحابه الكرام الأوفياء، وعلى موطئ قدم أمين وراسخ ليؤسس هناك دولته، ويقيم الجسور للناس ليوصلهم إلى رحاب دين عالمي، له أبعاد عديدة ومتداخلة وعميقة، ويملك قابلية إنشاء تاريخ جديد ومدنية جديدة.
الخطة والمشروع واسع سعة السماء، والمسافة بين المبدأ والنتيجة والهدف مسافة هائلة.
ففي هذه الطريق الطويلة احتشدت الشياطين والعفاريت على طولها من أولها لآخرها، وفارت في كل جانب منها مشاعر السوء والشر، وأوقدت في كل منحنى منها نيران للفتن.
أجل!.. فعلى الرغم من جميع هذه الظروف السلبية كان هناك منبع قوة كانت كافية لملء القلوب بالأمل والانشراح والاطمئنان، ففي كل قلب، وعلى كل لسان كانت هناك جملة واحدة تتكرر (حسبنا الله ونعم الوكيل).
فكل منهم قد توكل على الله واستند إليه وإلى توفيقه، وبدأ رحلته في هذا الدرب الطويل... بدأ رحلته في هذا الدرب دون أن ينظر إلى ورائه، ودون أن يهمل من يمشي وراءه.
في تلك الأيام كانت جميع الطرق تجرب مع كفار مكة وطغاتها، ويستعان بجميع الحلول الممكنة.
ولكن رجال الدعوة هؤلاء الناذرين أنفسهم لوظيفة الدعوة إلى الله لم يجدوا أي تجاوب، ولم يكن هناك أي وجه للمقارنة بين ما صرف من عمل ومن جهد وبين ما تم التوصل إليه من نتائج.
وهذه الحقيقة هي التي دفعت بصاحب الرسالة -صلى الله عليه وسلم- المرتبط بكل كيانه بالدعوة إلى الله، إلى البحث عن أناس وعن أقوام آخرين خارج مكة لإيصال كلمة الله إليهم.
وكانت رحلة الطائف أول تجربة في هذا المجال.
وعلى الرغم من آلام هذه الرحلة ومضايقاتها فقد رجع إلى مكة مهموما، ولكن دون فقد آماله، ومع سلوة اهتداء شخص واحد.
ثم أعقبتها بيعة العقبة السرية في جبل "منى" الشامخ، التي تم فيها البحث عن جيل النور، وعن الصدور المفتوحة للهداية.
كان من الصعب حدس من سيكون أصحاب هذه القلوب المؤمنة، ولكن تبين فيما بعد أنهم ستة من المحظوظين من أهل "يثرب".
لقد أصبح هؤلاء الستة المحظوظون الوسيلة الأولى وواسطتها في يد النبوة لتغيير وجهة الإنسانية وقدرها السيء.
وكل ما كان معروفاً آنذاك حول المُخلّصُ الأبدي للإنسانية هو ما كانوا يسمعونه أحياناً من اليهود: "إن الله سيبعث نبيا من بني إسرائيل هو خاتم الأنبياء، وأن اليهود سيجتمعون تحت رايته وسيسودون جميع الأمم".
صحيح أن هذه الأمنية لم تنفعهم كثيرا، ولكنها كانت كافية لإشعال فتيل حب الحقيقة في صدور أهل يثرب وتوجيههم الوجهة الصحيحة.
كانت هذه المعلومات البسيطة في ذلك الزمن بمثابة لبّ حقيقة كبيرة وجوهرها.
وعندما آن الأوان المناسب فاز أهل يثرب بلقب "الأنصار"، هذا اللقب الجليل الذي سيبقى إلى يوم القيامة مفخرة لهم، وتاجا على رؤوسهم، وفازوا بنعمة الدنيا والآخرة.
أعقب هؤلاء المحظوظين الستة فيما بعد عشرة آخرون.
وبعد سنة واحدة آمن سبعون منهم -بينهم عدد من النساء- وأقروا برسالته ثم دعوه إلى يثرب بعد اجتماعهم به صلى الله عليه و سلم في مكان آمن.
كانوا جادّين في دعوته إلى مدينتهم، لقد قبلوا كل ما جاء به، وعاهدوه على أن يمنعوه مما يمنعون به أنفسهم ونساءهم وأولادهم.
لقد قبلوه وضموه إلى صدورهم، وعاهدوه أن يصونوه بأرواحهم ومُهجهم.
ومقابل هذا كان الله تعالى يعدهم بالجنة.
تمت البيعة التي رضي عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم ورضي عنها الأنصار، وفتحت "يثرب" أبوابها للمهاجرين على مصاريعها.
بدأت مكة تفرغ تدريجيا، فهناك كل يوم ثلاثة أو أربعة من أهلها يتركها ويهاجر إلى "يثرب" إما خفية أو علنا.
وبدأت عملية الهجرة وما حفتها من تضحيات، وما قام به الأنصار من إيثار، ترسم لوحات مضيئة.
وتحولت ظاهرة الهجرة إلى شيء سماوي يشبه عملية المعراج، فكأنها سياحة الملائكة في عوالم خلف المكان والزمان.
وكانت القافلة الأخيرة لهذه الرحلة السماوية على الأرض من نصيب صاحب القافلة الأخيرة في موكب النبوة.
وعلى قاعدة "الأجر على قدر المشقة" وكذلك على قاعدة "أشدّ الناس بلاء الأنبياء..." فقد حَفّت أكثر أنواع المكاره والأخطار بهجرته صلى الله عليه و سلم، ولكنه تجاوز جميع أودية الموت المرعبة، ووصل إلى البلدة المنورة بفضل تفويض أمره إلى الله، وتوكله عليه، واستسلامه له.
وصل إلى المدينة دون أن يصيبه مكروه من قبل سُراقةَ، وما كان يعتمل في صدره من أفكار سوداء، ولا أي خطر من المخاطر التي كانت موجودة داخل وخارج غار ثور، ولا من أذى قطاع الطرق واللصوص الموجودين في الطريق.
أصبح سراقة صديقا ومرشحا لأن يكون صحابيا، وتعرف بُرَيْدةُ مع أصدقائه بالإسلام.
أما فخر الكائنات ووردة الجزيرة العربية فقد كان يواصل طريقه إلى بلدته الجديدة وهو يحوِّل طريقه المحفوف بالمخاطر إلى بساتين وحدائق.
وبينما كان بعض أهل مكة ممن يقطر الدم من أفكارهم ومن مشاعرهم يكادون أن يجنوا من الحقد والكره إلى درجة السعار، كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يدخل "يثرب" في ظل الفرح العامر لأهلها وهم ينشدون: طلع البدر علينا من ثنية الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
وفي الموضع الذي توجد فيه القبة الخضراء حاليا أقام الرسول -صلى الله عليه وسلم- مسكنه المبارك، كما بنى مسجده بجوار بيته، فكان بيته ومسجده المباركان متداخلان ويتنفسان الجو العطر المبارك نفسه.
ثم بدأ ينفث فيما حواليه الحياة بالوحي وبالرسالة الإلهية وبإلهام روحه... فَدَيْنا نبع الحياة هذا، ومن بلغه ونفثه ونشره بأرواحنا وأنفسنا.
كان آدم عليه السلام قد بدأ رحلة هجرته الطويلة من الجنة إلى الأرض، لكي يصل إلى الأفق الواسع للحياة الأخروية التي يشير إليها معنى وروح الهجرة.
أما نوح عليه السلام فقد تحمل أعباء السياحة في البحار إضافة إلى سياحته في البر.
وتجول إبراهيم عليه السلام في أقطار بابل والحجاز وأرض كنعان دون أن يفتر.
وانتقل موسى عليه السلام من بيت والدته إلى قصر فرعون، ثم من مصر إلى الأيكة ذهابا وإيابا مرات عديدة. ومر السيد المسيح عليه السلام من جميع الجسور التي مر عليها الأنبياء السابقون.
أما حواريو عصر النبوة فقد نظموا كوادر الإرشاد وقوافلها إلى جميع أرجاء العالم.
وإذا أتينا إلى حواريي عصرنا الحالي فقد انتشروا في الجهات الأربع للأرض وهم يستخدمون الوسائل العصرية ويبلغون فكرهم وهم يرددون الآية الكريمة: ?وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى الله وَكَانَ الله غَفُورًا رَحِيمًا? (النساء: 4).
وبفضل هجرتهم هذه سيصل صوت القرآن إلى العديد من الناس، وسينفتح أمام بعضهم سبل الإيمان، وأمام البعض الآخر سبل تأسيس الصداقة والتفاهم والحوار.
أجل!.. سيقوم هؤلاء الحواريون بنفث الصدى المنعكس من غار حراء على قلوبهم على من حولهم في كل مكان يحلّون فيه، ويرشدون القلوب المتخدرة باليأس إلى طرق تحريك هذه القلوب وإحيائها من جديد، وإيصال الهبات والنعم الإلهية إلى الجميع عن طريق العقل والمنطق.
ورفع الموانع والعوائق الموجودة بين القرآن والقلوب منهين بذلك فراقا دام عدة عصور، ومحققين بذلك اللقاء الكبير.
وهم على وعي بأن نشاطهم هذا إنما هو سباق في مجال الإيمان والعشق والشوق، وأنهم بقيامهم بتعليم الصغار الذين استولى اليأس والخوف والضعف على قلوبهم ينقذونهم من الجو الضيق والخانق لهذه الحياة الفانية، ويدلونهم على طرق الوجود الحقيقي والحر.
الهجرة النبوية إلى المدينة بينما ينظر البعض إلى الهجرة كذكريات عطرة تتجدّد كل عام، يرى الحكماء وأصحاب العقول الراجحة في هذا الحدث نصراً يُضاف إلى رصيد الجماعة المؤمنة، وهروباً من حياة الظلم والاستعباد، إلى الحياة الحرّة الكريمة، وبداية مرحلةٍ جديدة من الصراع بين الإسلام والكفر، والحق والباطل، حتى صار تاريخاً للمسلمين يؤرّخون به أحداثهم.
وللوقوف على أهمّية الحدث، واستشعار أبعاده، يجدر بنا أن نعود إلى الوراء بضعة عشر قرناً من الزمان، وتحديداً في العام الثالث عشر من البعثة، حين نجحت جموع المؤمنين في الخروج من مكة، واستطاعت أن تتغلّب على المصاعب والعقبات التي زرعتها قريشٌ للحيلولة دون وصولهم إلى أرض يثرب، ليجدوا إخوانهم الأنصار قد استقبلوهم ببشاشة وجهٍ ورحابة صدر، وفتحوا لهم قلوبهم قبل بيوتهم، مما كان له أعظم الأثر في نفوسهم، ولم يبق في مكّة سوى نفرٍ قليل من المؤمنين ما بين مستضعفٍ ومفتونٍ ومأسورٍ.
وهنا أحسّت قريشٌ بالمخاطر التي تنتظرهم، وأدركت أنها لن تستطيع تدارك الموقف وإعادة الأمور إلى نصابها إلا بالوقوف بأيّ وسيلة دون إتمام هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ونتيجةً لذلك، كانت المؤامرات تدور في الخفاء للقضاء على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ففي يوم الخميس من شهر صفر اجتمع المشركون في دار الندوة وتشاوروا في الطريقة المُثلى لتحقيق مقصودهم، فمن قائلٍ بضرورةِ قتله -عليه الصلاة والسلام- والتخلّص منه، وآخر بحبسه وإحكام وثاقه، وثالثٍ بنفيه وطرده، حتى اتفقت الآراء على قتله، ولكن بطريقة تَعْجَز بنو هاشم معها عن أخذ الثأر، وذلك بأن تختار قريش صفوة فتيانها من جميع القبائل فيقوموا على النبي -صلى الله عليه وسلم- قومة رجلٍ واحد ويقتلوه، ليتفرّق دمه بين القبائل، وفي هذه الحالة لن تستطيع بنو هاشم أن تقاتل سائر الناس، ولن يبقى أمامها سوى خيارٍ واحد هو قبول الدية، وصدق الله عزوجل إذ يقول: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) (الأنفال: 30).
ولم تكن قريش لتعلم أن الله سبحانه وتعالى أذن لنبيه بالهجرة إلى المدينة، فبينما هم يبرمون خطّتهم ويحيكون مؤامرتهم كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد استعدّ للسفر، وانطلق إلى بيت أبي بكر -رضي الله عنه- في وقت الظهيرة متخفّياً على غير عادته، ليخبره بأمر الخروج.
وخشي أبو بكر -رضي الله عنه- أن يُحرم شرف هذه الرحلة المباركة، فاستأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- في صحبته فأذن له، فبكى -رضي الله عنه- من شدّة الفرح، وكان قد جهّز راحلتين استعداداً للهجرة، فلما أعلمه النبي -صلى الله عليه وسلم-بقرب الرحيل قام من فوره واستأجر رجلاً مشركاً من بني الديل يُقال له عبد الله بن أُريقط، ودفع إليه الراحلتين ليرعاهما، واتفقا على اللقاء في غار ثورٍ بعد ثلاث ليالٍ، في حين قامت عائشة وأختها أسماء -رضي الله عنهما- بتجهيز المتاع والمؤن، ووضعا السفرة في وعاء، وشقّت أسماء نطاقها نصفين لتربط السُفرة بنصفه وقربة الماء بالنصف الآخر، فسمّيت من يومها بذات النطاقين.
وتسارعت الأحداث، وحانت اللحظة المرتقبة، وانطلق النبي -صلى الله عليه وسلم-متخفّياً إلى بيت أبي بكر -رضي الله عنه-، وكان الميعاد بينهما ليلاً، فخرجا من فتحةٍ خلفيةٍ في البيت، وفي الوقت ذاته أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بأن يتخلّف عن السفر ليؤدي عنه ودائع الناس وأماناتهم، وأن يلبس بردته ويبيت في فراشه تلك الليلة؛ من أجل إيهام قريشٍ.
ونجح النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه في الفرار من بين أيديهم، ولم يكشتفوا الأمر إلا عندما أصبح الصباح وخرج عليهم عليٌ -رضي الله عنه- وهو لابسٌ بردة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فجُنّ جنونهم، وأحاطوا به يسألونه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يتظاهر بالدهشة وعدم معرفته بمكانه، وانطلقت قريشٌ مسرعةً إلى بيت أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنه-، لأنّهم يعلمون أنه صاحبه ورفيق دربه، ولابد أن يصلوا من خلاله إلى معلومة تقودهم إلى وجهته، إلا أنهم فوجئوا برحيله هو الآخر، فساءلوا أسماء عن والدها، فأبدت جهلها، فغضب أبو جهل لعنه الله ولطمها لطمة أسقطت الحليّ من أذنها.
وبدأت محاولات المطاردة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقاموا بمراقبة جميع منافذ مكّة مراقبة دقيقة، وأعلنوا بين أفراد القبائل جائزة ثمينة لمن يأتي به حيّاً أو ميّتاً، وأرسلوا كلّ من له خبرة بتتبّع الآثار، وانطلقت جموعهم شمالاً علّهم يقفوا له على أثر.
وخالف النبي -صلى الله عليه وسلم- بذكائه وحنكته كل توقعاتهم، فلم يتجه صوب المدينة مباشرة، بل ذهب إلى جهة الجنوب حتى بلغ جبلاً وعراً يُقال له "جبل ثور"، يوجد في أعلاه غار يصعب الوصول إليه، ويمكنهم المكوث فيه إلى أن يهدأ الطلب.
وقادت الجهود قريشاً إلى غار ثورٍ، وصعدوا إلى باب الغار، وبات الخطر وشيكاً، وبلغت أصواتهم سمع أبي بكر فقال -رضي الله عنه-: "يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا"، فأجابه الرسول -صلى الله عليه وسلم- إجابة الواثق المطمئنّ بموعود الله: (يا أبا بكر، ما ظنّك باثنين الله ثالثهما؟)، وصدق ظنّه بربه، فإن قريشاً استبعدت وجود النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا المكان، وانصرفت تجرّ أذيال الخيبة.
وأقام النبي -صلى الله عليه وسلم-في الغار ثلاث ليالٍ، وكان عبدالله بن أبي بكر -رضي الله عنهما- يأتي كل يوم ليبلغهما أخبار قريش، وعامر بن فهيرة يأتي بالأغنام ليشربا من لبنها، ويخفي آثار عبدالله بن أبي بكر، حتى جاء عبدالله بن أريقط في الموعد المنتظر، ومعه رواحل السفر.
وفي ليلة الإثنين من شهر ربيع الأوّل انطلق الركب إلى المدينة متّخذاً طريق الساحل، وظلوا يسيرون طيلة يومهم، و أبو بكر -رضي الله عنه- يمشي مرّة أمام النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومرّة خلفه، ومرّة عن يمينه، ومرّة عن يساره، خوفاً عليه من قريش، حتى توسّطت الشمس كبد السماء، فنزلوا عند صخرةٍ عظيمةٍ واستظلّوا بظلّها، وبسط أبو بكر -رضي الله عنه- المكان للنبي -صلى الله عليه وسلم- وسوّاه بيده لينام، وبينما هم كذلك إذ أقبل غلام يسوق غنمه قاصداً تلك الصخرة، فلما اقترب قال له أبوبكر -رضي الله عنه-: لمن أنت يا غلام؟، فقال: لرجل من أهل مكة، فقال له: أفي غنمك لبن؟، فقال: نعم، فحلب للنبي -صلى الله عليه وسلم-في إناء، فشرب منه حتى ارتوى.
وفي هذه الأثناء استطاع أحد المشركين أن يلمح النبي -صلى الله عليه وسلم- من بعيد، فانطلق مسرعاً إلى سراقة بن مالك وقال له: يا سراقة، إني قد رأيت أناساً بالساحل، وإني لأظنّهم محمداً وأصحابه، فعرف سراقة أنهم هُم، ولكنّه أراد أن يُقنع الرجل بأنّه واهم حتى يفوز بالجائزة وحده، ولبث سراقة في المجلس ساعة حتى لا يثير انتباه من معه، ثم تسلّل من بينهم وأخذ فرسه ورمحه وانطلق مسرعاً، فلما دنا منهم عثرت به فرسه حتى سقط، فتشاءم من سقوطه، وعاد مرة أخرى وامتطى فرسه وانطلق، فسقط مرة ثانيةً وتعاظم شؤمه، لكن رغبته في الفوز بالجائزة أنسته هواجسه ومخاوفه، ولما اقترب من النبي -صلى الله عليه وسلم- غاصت قدما فرسه في الأرض إلى الركبتين، وتصاعد الدخان من بينهما، فعلم أنهم محفوظون بحفظ الله، فطلب منهم الأمان وعاهدهم أن يخفي عنهم، وكتب له النبي -صلى الله عليه وسلم- كتاب أمان ووعده بسواريْ كسرى، وأوفى سراقة بوعده فكان لا يلقى أحداً يبحث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-إلا أمره بالرجوع، وكتم خبرهم حتى وصلوا إلى المدينة.
وفي طريقهم إلى المدينة نزل الرسول -صلى الله عليه وسلم-وصاحبه بخيمة أم معبد، فسألاها إن كان عندها شيء من طعامٍ ونحوه، فاعتذرت بعدم وجود شيء سوى شاة هزيلة لا تدرّ اللبن، فأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم-الشاة فمسح ضرعها بيده ودعا الله أن يبارك فيها، ثم حلب في إناء، وشرب منه الجميع، وكانت هذه المعجزة سبباً في إسلامها هي وزوجها.
وانتهت هذه الرحلة بما فيها من مصاعب وأحداثٍ، ليصل النبي -صلى الله عليه وسلم-إلى أرض المدينة، يستقبله فيها أصحابه الذين سبقوه بالهجرة، وإخوانه الذين أعدّوا العدة لضيافته في بلدهم، وتلك وقفة أخرى.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 2:35 am | |
| الهجرة النبوية الانتصار والسلام والحق بقلم: محمود عثمان لقد كانت هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينة ثورة على الضعف والكبت، وانتفاضة على تحكم الباطل، وتضحية براحة الإنسان المستقر في بلده بين أهله وعشيرته، إلى حيث يقيم في مكان غريب عنه، لا يعلم حقيقة مصيره فيه، والهجرة كانت تضحية بكل ما يملكه المسلم من مالٍ، وما يتمتع به من جاه وسلطة، كل ذلك في سبيل الانتصار على شهوات النفس الأمّارة بالسوء، والجهر بالحق الذي عرفه وآمن به، وأحس بالسعادة الحقيقية لمعرفته فكانت الهجرة حجر الزواية لانتصار الدعوة الإسلامية.
لقد أصبحت هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- نجماً يتألق في سماء مجد الاسلام والمسلمين، وستظل درة في جبين تاريخ الإنسانية، لم تكن هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- هجرة استقرار وتنعُّم، بل كانت هجرة انطلاق وتحرر من قيود العبودية لشهوة النفس والجهل والشرك، هجرة إخاء وإيثار، آخى فيها رسولنا الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار، وقد تم ذلك بصورة لم يعرف التاريخ مثيلاً لها، فقد تقاسم المهاجرون والأنصار كل شيء فيما بينهم، فكانوا مثالاً عظيماً للإخاء والسخاء والكرم، وهذا الأمر إنما يدل بشكل أو بآخر على مدى عظمة هذا الدين الحنيف الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور.
كانت هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، هجرة إصلاح وتحرير، وفّق فيها بين الأوس والخزرج بعد أن كانت بينهم ثارات ودماء يستحيل تجاوزها.
"واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً".
ولكن الرسول العظيم استطاع من خلال تعاليم هذا الدين أن يجعل الأوس والخزرج أخوة في حب الله عز وجل، ولاننسى أن الله عز وجل يخاطب الرسول في قرآنه الكريم "وإنك لعلى خلق عظيم".
ويجب ألا تغيب عن بالنا هذه الهجرة بمعانيها العظيمة السامية وما فيها من عبر ومواقف، وعلينا أن نذكر كيف استطاع هذا النبي الأمي -عليه الصلاة والسلام-، أن ينشئ من شتات القبائل الضاربة في الصحراء والمتناحرة فيما بينها، أمة متحدة تدعو للحق والفضيلة... كل ذلك بأخلاق عظيمة ونفسية رقيقة متواضعة متسامحة ويتجلى ذلك في قوله تعالى في آل عمران: "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاروهم في الأمر".
ولأن صحابة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، أدركوا المعاني السامية لهجرة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-، فقد جعلوها تاريخاً للأمة الاسلامية ففي السنة الثالثة من خلافة الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، جمع صحابته من حوله وقال لهم: "إن الأموال قد كثرت وما قسمنا منها غير محدد بتاريخ ينضبط به، فكيف التوصل إلى ما يضبط ذلك؟ لقد رُفع إليّ صَكٌّ موعده شعبان فلا أدري أي شعبان هو؟ الذى مضى، أم الذي نحن فيه، أو الآتي؟ ضعوا للناس شيئاً يعرفون به".
فقام الصحابة بنقاشات فيما بينهم، فمنهم من قال: اكتبوا على تاريخ الروم، وقائل: اكتبوا على تاريخ الفرس، فأبى عمر إلا أن يجعل تاريخ الاسلام، إشارة إلى حادث إسلامي كبير.
فأشار بعضهم بأن يجعلوه مولد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأشار بعضهم إلى وفاته، وأشار علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن يكون موعد خروج النبي -صلى الله عليه وسلم- مهاجراً من مكة إلى المدينة مبدأ للتاريخ الإسلامي.
ومن هنا ندرك أهمية هذا الحدث العظيم في حياة المسلمين، فلتكن لنا هذه المناسبة، فرصة لاستذكار عبر دروس هذا الهجرة العظيمة وأن يجعل منها مناسبة لتنوير العقل بهدي النبوة العظيم من مكارم الأخلاق، وإلغاء الانانية، وتربية النفس على الإيثار، وتدارس تلك الأخلاق الانسانية التي تتجلى من حديث الرسول الكريم، يقول: "الخلق كلهم عيال الله، وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله" والحكمة النبوية القائلة "والراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".
ولا ننسى أن أول عمل قام به النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة هو بناء المسجد إيذاناً بمولد الدولة الفتية الجديدة القائمة على شرع الله فكانت الهجرة هي مولد الإسلام الحقيقي، حيث العناصر المتوفرة لإنشاء الدولة من شعب وأرض ودستور.
أما الشعب فيتكون من المهاجرين والأنصار، والأرض هي المدينة المنورة، والدستور هو القرآن الكريم الذي أصبح يمثل بشقيه المكي والمدني، موارد الشرع والدستور الإسلامي.
هذه العناصر مجتمعة أكسبت هذه الدولة شرعية في الوجود وبالتالي لابد من اعتراف الآخرين بها، وهذا ما فعله الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-، عندما بعث برسائله إلى القبائل في جزيرة العرب ورؤساء الدول والملوك والقياصرة يدعوهم يها للإسلام، وبتلك الرسائل يكون الإسلام قد سبق الكثيرين ممن يعتبرون أنفسهم أصحاب الريادة في العلاقات الدولية.
فأهلاً وسهلاً بك يا عامنا الهجري الجديد، عدت إلينا كعادتك في كل سنة، لتذكرنا بهجرة النبي الكريم وأصحابه المؤمنين، وما كان لها من ثمرات يانعة، وبركات عظيمة على العرب، وعلى البشرية جمعاء.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 2:37 am | |
| الهجرة النبوية الشريفة.. الدروس والعبر الدكتور عبدالله مبشر الطرازي يمر عام بعد عام بعدعام وتتجدد ذكرى الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، ويتذكر المسلمون تاريخ الآباء والأجداد بهذه المناسبة، ويتدارسون سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وسير الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-، ويتساءلون ويتناقشون متى ولماذا وكيف كانت هجرته -صلى الله عليه وسلم-؟ وماهي نتائج تلك الهجرة المباركة؟ فيخرجون من دراستهم ومناقشتهم بدروس عظيمة تفيدهم في مستقبل الحياة.
يقول الله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) فالإسلام هو الدين الكامل الشامل الذي جاء لهداية البشرية جمعاء، نحو حياة أساسها الإيمان بالله تعالى والعمل بأوامر الشريعة، حياة كريمة هادئة متزنة، حياة يسودها العدل والرحمة والفضيلة، حياة يعمل الجميع فيها لخير الإنسانية.
وقد بعث الله رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- في وقت كان العالم كله يعيش في ضلال عقائدي وفساد أخلاقي وظلم اجتماعي، وطغيان الإنسان على الإنسان، بحيث كان يعامل البعض الآخر معاملة الحيوان في بعض الأحيان. وكانت شبه الجزيرة العربية أيضا تعيش في ظلام الجهل والضلال والفساد، وكانت القبائل العربية تحارب بعضها البعض بلا رحمة، وتحيا حياة قاسية، ففي مثل هذا الوقت بعث الله رسوله محمدا -صلى الله عليه وسلم- لهداية الناس، يدعوهم إلى الإيمان بالله خالق كل شيء، وإلى الخير والفضيلة، والعلم النافع والعمل الصالح والأخلاق الحميدة.
ولكن قومه من قريش وغيرهم لم يؤمنوا بما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من تعاليم حكيمة من عند الله تعالى لخيرهم، بل قاموا بإيذاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- بشتى الوسائل.
ولقد صبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أذى قريش له ثلاثة عشر عاما، حتى يئس كبار قريش من القضاء على دعوته فقرروا قتله، ووضعوا لذلك خطة ماكرة، وهي أن يأخذوا شابا من كل قبيلة، وأن يقتلوه بضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل كلها فلا يقدر بنو هاشم على حرب قريش فيرضون بالدية، وقد أقروا هذا الرأي لطاغيتهم أبي جهل، واستعدوا لتنفيذ الخطة.
ولكن إرادة الله كانت فوق كل إرادة، فقد أخبر رسوله عن مكرهم بإنزال قوله: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) وبذلك أذن الله لرسوله بالهجرة من مكة إلى المدينة، ليعود منها إلى مكة فاتحا منتصرا يحمل لواء الإسلام عاليا خفاقا.
وإذا نظرنا إلى هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فنجد أنها قد توفرت لها أسباب النجاح، فمنها مبايعة الأنصار وسرعة انتشار الإسلام في المدينة، ومنها أن نصرة الله كانت مع رسوله -صلى الله عليه وسلم- في كل مايتعلق بالهجرة، ولا سيما حمايته وحفظه من شر قريش في أثناء الهجرة وبعدها.
وهجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم تكن هروبا من أذى قريش، ولا خوفا من طغيان الطاغين، فقد ثبت في التاريخ أنه -صلى الله عليه وسلم- صبر على أنواع الأذى، إمتثالا لأمر ربه سبحانه حيث قال: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) وكان في عصمة الله وحفظه ورعايته في كل مراحل الدعوة التي قام بها لنشر الدين الإسلامي.
وقد أمضى الرسول -صلى الله عليه وسلم- تلك السنوات بمكة صابرا ثابتا في سبيل نشر دعوته، كما صبر أصحابه -رضي الله عنهم- على أنواع التعذيب التي قاسوها من المشركين، ولم يكن لهم ذنب غير أنهم آمنوا بالله وبرسوله وثبتوا على إيمانهم.
وكانت هجرته -صلى الله عليه وسلم- حادثة عظيمة بمشيئة الله تعالى وتدبيره وحكمته، كما كانت انتصارا عظيما للإسلام وسبباً قويا لانتشاره في العالم.
وقد قام الرسول -صلى الله عليه وسلم-، بعد هجرته بتأسيس الدولة الإسلامية في المدينة، ثم عاد إلى مكة المكرمة فاتحا منتصرا ليدعو الناس إلى الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، بتأييد كامل من الله تعالى، لأن الإسلام هو الدين الشامل على جميع التشريعات الإلهية، فهو لذلك دين البشرية جمعاء، كما أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو خاتم الأنبياء والمرسلين، لقوله تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس) يدعوهم إلى هذا الدين الحنيف، وقد أرسله الله رحمة للعالمين يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة. كلية الآداب - جدة
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 2:41 am | |
| الهجرة.. حدث غيّر مجرى التاريخ هجرة النبي إلى يثرب ضرورة فرضتها آليات الدعوة لانطلاقة الدين الجديد مكث النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة ثلاثة عشر عامًا يدعو الناس إلى الإسلام، ويبصرهم بشرائعه، ويرشدهم إلى أحكامه، دون أن يتطرق إليه ملل، أو يصيبه كلل أو ضجر، لا تصرفه عن دعوته الشواغل، ولا يثنيه عن التبليغ وعد أو وعيد، وإنما هو ماض في طريقه، تحوطه عناية الله وتكلؤه رحمته، لا يجد وسيلة تمكّنه من تبليغ دعوته إلا اتبعها، ولا طريقة تهيئ له النجاح إلا أخذ بأسبابها، طرق كل باب، ووقف عند كل جمع، وعرض دعوته على القبائل؛ لعل أحدًا يؤمن بها ويؤازرها.
وآمن بالدعوة الجديدة بعض أهل مكة، ممن سمتْ نفوسهم، وصفتْ أفئدتهم، ونضجتْ عاطفتهم الدينية، فالتفوا حول نبيهم محمد -صلى الله عليه وسلم-، كما آمن عدد من الرقيق والموالي والمستضعفين في مكة، ولم تلق مكة بالاً لهذا الدين الجديد في بادئ الأمر، وعدّت محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وصحبه مجموعة من الحنفاء الذين يظهرون ثم يختفون دون أن يلتفت إليهم أحد.. لكن هيهات هيهات...
فلقد استشعرت مكة وأهلها الخطر، حين وجدوا أنفسهم أمام رجل آخر، ودعوة مختلفة، وجماعة تتكون، وكتاب يُتلى، وأن الرسالة يتزايد أنصارها وإن كانت تشق طريقها ببطء بين دهاليز وجبال مكة وعقول أهلها وعصبيتهم التي جبلوا عليها، وليس هذا فحسب بل، هالهم الأمر حين بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- يهاجم الوثنية ويعيب الأصنام، ويسفّه عبادتها، وهنا رأت مكة أن مكانتها الدينية وزعامتها الروحية في خطر، فلجأت إلى مواجهة الدين الوليد، ومحاصرته بكافة الوسائل التي تضمن إجهاضه والقضاء عليه، ولم تتحرج في استخدام التعذيب والقتل والسجن مع المؤمنين بمحمد -صلى الله عليه وسلم- ودعوته، ولم يسلم النبي -صلى الله عليه وسلم- نفسه من الأذى، وتعرضت حياته للخطر.
الهجرة إلى الحبشة.. والخروج من الأزمة حين اشتد العذاب بأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وضاقت بهم السبل، أمرهم بالهجرة إلى الحبشة "فإن بها ملكًا لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجًا مما أنتم فيه"، فخرج فريق من المسلمين إلى أرض الحبشة؛ مخافة الفتنة، وفرارًا إلى الله بدينهم، فكانت أول هجرة في الإسلام.
وتفكير النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحبشة ينطوي على معرفة واسعة للنبي الكريم بأحوال شبه الجزيرة العربية، واتجاهاتها السياسية، فلم يكن هناك مكان أصلح للحماية والإيواء من الحبشة، فالقبائل العربية تربطها بقريش علاقات وثيقة، وروابط متينة تمنعها من استقبال هؤلاء المسلمين إذا ما فكروا في الهجرة إليها، وبلاد اليمن غير مستقرة يتنازعها التنافس بين الفرس والروم، والصراع بين اليهودية والنصرانية، ولم تكن أي مدينة من مدن الجزيرة العربية تصلح أن تكون مكانًا مناسبًا لإيوائهم، حتى يثرب نفسها التي استقبلت النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك، وأقام بها دولته -لم تكن تصلح هي الأخرى في هذا الوقت لاستقبال المهاجرين، حيث كانت تمزقها الخلافات الداخلية، والصراعات بين قبائلها.
وكان جملة من هاجر إلى الحبشة ثلاثة وثمانين رجلاً.
مقدمات الهجرة الكبرى وإذا كانت الحبشة التي يحكمها ملك عادل تصلح أن تكون مأوى صالحًا ومكانًا للحماية، فإنها لم تكن تصلح أن تكون مركزًا للدعوة، ومعقلاً للدين، ولهذا لم يفكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في الهجرة إليها، واستمر في عرض دعوته على القبائل العربية التي كانت تفد إلى مكة، أو بالذهاب إلى بعضها كما فعل مع قبيلة ثقيف في الطائف، ولم تكن قريش تتركه يدعو في هدوء، وإنما تتبّعت خطوه، تحذر القبائل من دعوته وتنفّرها منه.
غير أن سعي النبي الدؤوب، وحرصه على تبليغ دعوته كان لا بد أن يؤتي ثماره، فتفتّحت لدعوته قلوب ستة رجال من الخزرج، فأسلموا، ووعدوه بالدعوة للإسلام في يثرب، وبشروه بالفوز لو قُدّر له أن تجتمع عليه قبائل يثرب.
ولم يكد ينصرم عام حتى وافى النبي -صلى الله عليه وسلم- في موسم الحج اثنا عشر رجلاً: تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس، وعقد معهم بيعة عرفت ببيعة العقبة الأولى، على "ألا يشركوا بالله شيئًا، ولا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يقتلوا أولادهم...".
وأرسل معهم حين عادوا إلى بلادهم مصعب بن عمير، وكان داعية عظيمًا، فقيهًا في الدين، لبقًا فطنًا، حليمًا رفيقًا، ذا صبر وأناة، فنجح في مهمته أيما نجاح، وانتشر الإسلام في كل بيت هناك، وهيأ السبيل لتكون يثرب هي دار الهجرة، التي ينطلق إليها المسلمون، ومعقل الدين ومركز الدولة.
وبعد عام عاد مصعب في موسم الحج، ومعه ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان، التقوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في إحدى الليالي سرًا وبايعوه بيعة العقبة الثانية، التي تضمنت التزامهم بحماية النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما يهاجر إليهم والدفاع عنه، والمحافظة على حياته.
ومن ثم حددت هذه البيعة الوضع القانوني للنبي -صلى الله عليه وسلم- بين أهل يثرب، فاعتبرته واحدًا منهم، دمه كدمهم، وحكمه كحكمهم، وقضت بخروجه ضمنًا من عداد أهل مكة، وانتقال تبعيته إلى أهل يثرب، ولهذا أخفى المتبايعون أمر هذه البيعة عن قريش؛ لأن الفترة بين إتمام هذه البيعة، ووصوله -صلى الله عليه وسلم- لا يلتزم أهل يثرب خلالها بحماية النبي الكريم إذا وقع له مكروه أو أذى من قريش.
التجهيز للهجرة وبعد أن تمّت البيعة المباركة أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بالهجرة إلى المدينة، فهاجروا أفرادًا وجماعات، يتخفّى بها من يخشى على نفسه، ويعلنها من يجد في نفسه القدرة على التحدي.
ولم تقف قريش إزاء هذه الهجرة مكتوفة اليدين، فحاولت أن ترد من استطاعت رده، لتفتنه في دينه أو تعذبه أو تنكل به، ولكن دون جدوى، فقد هاجر معظم المسلمين، وبقى النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة، ووقعت قريش في حيرة: هل يظل في مكة كما فعل في الهجرة إلى الحبشة، أم يهاجر في هذه المرة مع أصحابه؟ وفي هذا خطر شديد عليهم؛ لأنه يستطيع في يثرب أن ينظم جماعته، ويقيم دولته، فتتهدد مكانة قريش بين القبائل، وتضيع زعامتها، وتتأثر تجارتها.
حزمت قريش أمرها، واتخذت قرارها بقتل النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن تفلت الفرصة من بين أيديها، ويتحقق ما تخشاه، فأعدوا مؤامرتهم لهذا الغرض الدنيء، وأشركوا جميع القبائل في قتله، باختيار شاب قوي من بين أبنائها، حتى يتفرق دمه في القبائل، ولا يقوى بنو هاشم على محاربة أهل مكة، وقد سجل القرآن الكريم نبأ هذه المؤامرة الخسيسة في قوله تعالى: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) "الأنفال: الآية 30".
حادث الهجرة.. وأسباب النجاح اتخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- كل الأسباب التي تضمن نجاح هجرته إلى المدينة التي ترتب عليها قيام دولة الإسلام، واتساع رقعتها، وسطوع حضارتها، ولعل أهم الأسباب هو نجاحه الباهر في إعداد المكان الذي سينزل به هو وأصحابه، مستخدمًا كل الوسائل الممكنة من توثيق عرى العلاقات مع أهل يثرب بعقد معاهدتين عظيمتين، وإرسال داعية عظيم الكفاءة، قوي الإيمان، شديد الإخلاص؛ لنشر الدين، وجذب الأتباع هناك.
والسبب الثاني من أسباب النجاح هو اختيار الوقت المناسب للهجرة، فلم يعزم النبي -صلى الله عليه وسلم- على الهجرة إلا بعد أن استوثق من رسوخ إيمان أهل يثرب، وتعهدهم بحمايته والدفاع عنه، وذلك في بيعة العقبة الثانية، ومن ثم لم تعد هناك حاجة لبقائه في مكة بعد أن وجد النصرة والمنعة عند أهل يثرب.
والسبب الثالث هو آليات الهجرة التي اتبعها النبي في خروجه من مكة إلى المدينة، في واحدة من أجلّ ما عرف تاريخ المغامرة في سبيل الحق والعقيدة والإيمان قوة وروعة، وتفاصيل هذه الهجرة مذكورة في كتب السيرة، ولسنا في حاجة إلى سردها الآن، ولكن يمكن القول بأنها كانت سرية إلى أقصى حد، ودقيقة إلى أبعد مدى، وضع لها النبي -صلى الله عليه وسلم- كل ما في وسع البشر وطاقتهم من وسائل تضمن لها النجاح، وخطط تحقق لها التوفيق، فإذا لم يفلح ذلك كله، فستأتي عناية الله في اللحظة المناسبة.
الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المدينة وما أن وصل النبي المدينة في ضحى يوم الإثنين، الموافق (12 من ربيع الأول للسنة الأولى من الهجرة الموافق 24 سبتمبر 622م) حتى بدأ العمل الجاد، والسعي الدءوب، حتى أكمل رسالته على نحو لا مثيل له في تاريخ الإنسانية.
ولم تكن يثرب عندما نزلها النبي -صلى الله عليه وسلم- مدينة بالمعنى المعروف، وإنما كانت واحات متفرقة في سهل فسيح تسكنها قبائل الأوس والخزرج والجماعات اليهودية، فنظّم العمران بالمدينة، وشق بها طرقا معبّدة، وكان المسجد هو الأساس في هذا التنظيم، انتظم حوله عمران المدينة الجديدة، واتسقت شوارعها.
وكان هذا المسجد هو مقر الرئاسة الذي تقام فيه الصلاة، وتُبرم فيه كل الأمور، وتُعقد به مجالس التشاور للحرب والسلم واستقبال الوفود، وبجوار المسجد اتخذ النبي مساكنه، وكانت متصلة بالمسجد، بحيث يخرج منها إلى صلاته مباشرة، وأصبح من السُنّة أن تُبْنى المساجد وبجوارها بيوت الولاة ودواوين الحكم.
ثم أصلح النبي ما بين الأوس والخزرج وأزال ما بينهما من عداوة، وجمعهما في اسم واحد هو الأنصار، ثم آخى بينهم وبين المهاجرين على أساس أن المؤمنين إخوة، وكانت المرة الأولى التي يعرف فيها العرب شيئا يسمى الأخوة، دون قرابة أو صلة رحم، حيث جعل كل رجل من المهاجرين يؤاخي رجلا من الأنصار، فيصير الرجلان أخوين، بينهما من الروابط ما بين الأخوين من قرابة الدم.
وبعد المؤاخاة كانت الصحيفة، وهي الدستور الذي وضعه النبي -صلى الله عليه وسلم- لتنظيم الحياة في المدينة، وتحديد العلاقات بينها وبين جيرانها، هذه الوثيقة لم يُمْلِها النبي -صلى الله عليه وسلم- إملاء، وإنما كانت ثمرة مناقشات ومشاورات بينه وبين أصحابه من المهاجرين والأنصار وغيرهم، وكلما استقروا على مبدأ قام الرسول بإملاء نصه على علي بن أبي طالب، وشيئا فشيئا اكتملت الوثيقة، وأصبحت دستورا للجماعة الجديدة، ولا يكاد يُعرف من قبل دولة قامت منذ إنشائها على أساس دستور مكتوب غير هذه الدولة الإسلامية الجديدة، فإنما تقام الدول أولا، ثم يتطور أمرها إلى وضع دستور.
وأدت هذه السياسة الحكيمة إلى قيام جماعة متآلفة متحابة، وإلى ازدياد عدد سكان المدينة حتى زاد عدد سكانها عما كانوا عليه أكثر من خمس مرات، بعد أن أقبل الناس على سكناها؛ طلبا للأمن والعدل في ظل الإسلام، والتماسًا لبركة مجاورة النبي -صلى الله عليه وسلم- واستجابة لما دعا إليه القرآن من الهجرة إلى الله وإلى رسوله.
بين الهجرة إلى الحبشة والهجرة إلى المدينة كانت الهجرة إلى المدينة ضرورة ملحة فرضتها الأحداث التي أحاطت بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة، وألزمته السعي إلى مكان آخر تُمارس فيها شعائر الإسلام، وتُطبّق أحكامه، وتنطلق دعوته إلى كل مكان، دون مزاحمة أو تضييق، ومكة حينذاك لم تعد صالحة لهذه الفترة من عمر الرسالة، لأن العداء قد بلغ بها كل مدى ضد الدين الجديد، وأصبحت هناك صعوبة بالغة في استكمال الدعوة التي تحتاج إلى دولة حتى تنجح رسالتها.
ولم تكن الحبشة التي تنعم بالعدل والأمان تصلح لهذه الفترة؛ نظرا لاختلاف البيئة اللغوية والدينية هناك؛ الأمر الذي جعل حركة الإسلام هناك بطيئة، وبلا فاعلية، ولا تسمح هذه البيئة بالتطبيق؛ ومن ثم لم تكن هناك مدينة في شبه الجزيرة العربية تصلح لاستقبال الدين في الفترة الثانية إلا يثرب التي أُطلق عليها مدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 2:43 am | |
| الأمة الإسلامية في حاجة دوماً إلى التأمل في دروس الهجرة إسلام أون لاين يبدأ العام الهجري الجديد، ويتجدد معه تذكر هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، تلك الهجرة التي أنجبت دولة حضارية في زمن قياسي في تاريخ الأمم، وسادت قوانين السماء الربانية أرجاء المعمورة، وأينع البناء الحضاري في كل روضة وربوة من فيحاء هذه الدنيا.
ومع إشراقة كل عام جديد يقف المسلم بين يدي هذا الحدث، متأملاً معتبرًا محللاً، علّه يرتقي بنفسه وبمن حوله إلى مستوى الحدث الضخم في تاريخ البشرية، يستمطر الرحمات لواقع مؤلم ونفس جموح، وتشتت في الجهود والإمكانات.
وللهجرة معنيان: حسي ومعنوي، وفي معناها اللغوي هي الانتقال، وقد يكون الانتقال حسيًّا بترك مكان لآخر، وقد يكون معنويًّا بالانتقال من ثقافة إلى أخرى.
ومن معاني هذا الأخير قول الله تعالى: (والرُّجْزَ فَاهْجُرْ) المدثر: 5)، وقوله عز وجل: (واهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً) (المزمل: 10)؛ فهي مراجعة لكافة الموروثات الثقافية والبنائية، واكتشاف الجوانب التي عدا عليها الخطأ أو الفساد في الفهم والتطبيق، مراجعة عملية فاعلة.
والهجرة إن هي إلا رديف لمعنى التزكية، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها" "أبو داود بسند صحيح".
إن الحديث عن الهجرة يجب ألا نقف فيه عند مظاهر هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ونسرد التفاصيل التي وردت عنها، بل نحن مطالبون بالغوص في عميق جذرها، وتحليل نفسية الهجرة وفلسفتها؛ كي نعي وندرك منها بعضًا من سبل الخلاص لأنفسنا وأمتنا الكريمة.
إن التلازم بين معنيي الهجرة -الجسدي والنفسي- لا يزال قائمًا ما دام المؤمنون لم يمسكوا بزمام الأستاذية العالمية، ولا يزالون حتى ذلك الوقت يحتاجون إلى المعين المزدوج للهجرة النبوية العطرة، ولا يتوقف أبدًا المعنى النفسي أو المعنوي؛ لأنه بمثابة الزاد والتزكية للأنفس والمجتمعات.
فالهجرة النبوية نهر جاري العطاء في كل حين بإذن ربه، يغرف منه المؤمن رواء له حينًا بعد حين، يربط الحداثة بالواقع، ويتلقط منها ما يريد.
أهمية الهجرة تكمن أهمية الهجرة في: تخليص المؤمنين من حالة العوَز وقلة الأمن، ومن ثم إطلاق قدراتهم الإنتاجية في حالتَي السلم والحرب معًا، قال تعالى: (ومَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وسَعَةً) (النساء: 100)، والمراغم هو المنعة والقوة، أو ما يرغِم به المؤمنون أعداءهم على مساومتهم ومنعهم من العدوان عليهم، والسعة هي سعة العيش، وقال تعالى: (والَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ولأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (النحل: 41).
فالمهاجر في سبيل الله اليوم إنما يهاجر ليطلق لنفسه قدراتها، ويتحلل من كل قيد يلزمه بالقعود، والمهاجر في سبيل الله اليوم مطالَب بأن يطلق لفكره وعقله وعلمه كل الآفاق الرحبة الواسعة.
والأمة تقف أمام أمر إطلاق الطاقات هذا وتتمعن في نفسها، وما يكبلها من آسار الأغلال الثقيلة التي جعلتها في آخر الأمم، وتمعن الأمة النظر في الأمن والحريات التي هي أول مدارج الصعود نحو الهجرة؛ لتعي الهوة الكبيرة بينها وبين الهجرة النبوية العطرة.
وكذا المسلم -بل الداعية- يجب ان يقف ليراجع فكره ونفسه، ويستخرج الأغلال التي تحيط به وأن ينطلق الانطلاقة المباركة وفق شرع ربنا الحكيم، وقدوته صاحب الهجرة -عليه الصلاة والسلام-.
إن الأعداد الكبيرة من المسلمين التي تهاجر اليوم الهجرة العكسية إلى بلاد الغرب، ثم تظل تدور حول نفسها متأثرة بالمحيط الذي تعيش فيه، غاب عنها معنى إطلاق الطاقات هذا، وفات عليها لُباب الأمر في فقه الهجرة.
والهجرة بمعناها الشامل حركة تجديد مستمر، وعامل من عوامل قوة الأمة الفكرية والمادية؛ كونها تتمحور حول المثل الأعلى -عليه الصلاة والسلام-، ولا تزال الأمة بعافية ما دامت على صلة قوية بهذا المثل الأعلى، سواء في إنضاج فكرها أو تقدم مدنيتها، ومن تدبَّر أحداث الهجرة ودقائقها أدرك أهمية حركة التجديد، وترك البيئات المغلقة إلى البيئات المفتوحة، سواء أكانت بلدًا أو مؤسسة، أو حتى نفس المؤمن ذاته؛ إذ المثل الأعلى يحث دائمًا على أسمى الغايات، ويدفع لإنجاز أرقى الحضارات، ولن يتحقق ذلك إلا بالتجدُّد المنفتح، المتعلق بالمثل الأعلى -عليه الصلاة والسلام-.
والهجرة مطلب قوي لتماسك الجبهة الداخلية في الأمة؛ إذ هي المراجعة والمحاسبة، سواء الذاتية أو الجماعية أو المؤسسية، إذْ جوهر الهجرة يقوم على هَجْر كل ما لا يليق، وبهذه النظرة الواعية لمعنى الهجرة يكون النقد البناء، وتكون المراجعات الربانية للسَّيْر، والتفرس في الأخطاء، وهذا من أقوى عوامل النهوض الحضاري.
إن حالة الأمة اليوم -وحال أفرادها في الغالب- لفي أشد الحاجة إلى إطلاق الطاقات الكبيرة التي تحوزها في أبنائها، وتوفير الأمن والاستقرار لهم؛ فما سعى النبي -صلى الله عليه وسلم- للمدينة إلا بعد سنوات من الكبت والتضييق؛ فكانت المدينة المنورة البيئة التي انطلق فيها البناء الحضاري، ونلمس اليوم إما كبتًا لمجتمعات كاملة، أو فقدانًا للدور في كثرة من أفراد الأمة.
وحركة التجديد التي قال فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" (أبو داود بسند صحيح) هذه الحركة تحتاج إلى تجديد في الأفراد والمؤسسات.
والنقد الداخلي والتوبة والمراجعة قوة تتماسك بها الأمة، وتسترد بها عافيتها، ويتنفس بها كل فرد أنسام البناء الحضاري.
وما أصدق قول شاعر الدعوة وليد الأعظمي حين قال: يا هجرة المصطفى والعين باكيةٌ والدمع يجري غزيرًا من مآقيها يا هجرة المصطفى هيّجت ساكنةً من الجوارح كاد اليأس يطويها هيجت أشجاننا والله فانطلقت منا حناجرنا بالحزن تأويها
إنها دموع الداعية تنهمر من مآقيه على واقع أمته، وتعطل منابع الخيرات فيها، لكن الأمل يتجدد دائمًا بهجرة الحبيب محمد -عليه الصلاة والسلام- مصدر الاقتداء في المحن والمنح.
ومع إدراك فقه الهجرة وأبعادها يُطوَى اليأس، وتُطوَى معه مراحل في النفس وفي الآفاق الدعوية، وما ثمة مكان للحزن: (إِلا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة 40).
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 2:44 am | |
| من دروس الهجرة شعر: صبري أحمد الصبري في هجرة المختار نور ساري دوما إلى الوجدان باستبشار فالظلم مهما قد تمادى ينتهي بالظالمين لخيبة وخسار والحق مهما قد توارى فترة سيعود جهرا للعلا بفخار والبغي مهما أطبقت أظفاره بالآمنين سينتهي لبوار والعدل يأتي للأنام بقسطه ينساب فيهم بالهدى السيار كانت بمكة قبل هجرة أحمد أشياء عجت باعتداء ضاري قلبت موازين الحياة وعطلت بعض الأمور مظالم الكفار شنوا على صحب الرسول بِغِلِّهم عدوان بغي سافر الأطوار جعلوا من القوم الضعاف وسيلة لبلوغ قصد سيئ الأغوار لكن دعوة أحمد ظلت كما شاء الإله بقوة الجبار تمضي بنور الله جل جلاله بين القلوب بقدرة القهار بلغت بفضل الله آفاقا لها شوق للقيا سيد الأبرار فربوع طيبة كلها في لهفة تاقت لطه باشتياق حار حتى تحقق للمدينة حلمها بلقاء حق صادق الأنصار أهلا وسهلا بالنبي وآله وبصحبه في طيبة الأطهار أرسى الحبيب بطيبة أسسا بها قامت بصدق دولة الأنوا ر حق وعدل واستقامة كم لها للناس جمعا من سنا استقرار في هجرة المحمود طه أحمد نطقت لنا بالعلم باستمرار تحكي دروسا من جواهر عقدها للناس تجني من بديع ثمار ولكي تظل قلوبنا وعيوننا ترنو لها بمحاسن استبصار صلى الإله على ا لنبي وآله طه الرسول المجتبى المختار!!
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 2:47 am | |
| الهجرة النبوية المباركة مواقف وعبر الحمد لله رب العالمين الموجود أزلا وأبدا بلا مكان والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين، أما بعد، يقول الله تعالى في محكم كتابه: (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ الله معنا). سورة التوبة/40.
إخوة الإيمان، دعا النبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى العدل والإحسان ومكارم الأخلاق ونهى عن المنكر والبغي.
فهو الذي عرّفه قومه قبل نزول الوحي بلقب الأمين فلم يكن سارقًا ولم يكن رذيلاً ولم يكن متعلّق القلب بالنساء، وكان يدور في المواسم التي يجتمع فيها الناس ويقول: "أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تُفلحوا".
وكان يتبعه رجل من المشركين ويقول: "أيها الناس لا تصدّقوه".
صبر -صلى الله عليه وسلم- على إيذاء المشركين، وتعجب المشركون لهذا الصبر فقالوا لأبي طالب: "يا أبا طالب ماذا يريد ابن أخيك؟ إن كان يريد جاهًا أعطيناه فلن نمضي أمرًا إلا بعد مشورته، وإن كان يريد مالاً جمعنا له المال حتى يصير أغنانا، وإن كان يريد الملك توّجناه علينا".
ولكن النبيّ الذي يوحى إليه أجاب عمّه بقوله: "والله يا عمّ لو وضعوا الشمس بيميني والقمر بشمالي ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه".
فأجمع المشركون على قتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجمعوا من كلِّ قبيلة رجلاً جلدًا ليضربوه ضربة رجل واحد حتى يتفرّق دمه بين القبائل، فأتى جبريل عليه السلام وأخبره بكيد المشركين وأمره بأن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه.
فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- وأمره أن يبيت على فراشه ويتسجّى بِبُرد له أخضر ففعل، ثمّ خرج -صلى الله عليه وسلم- وهم على بابه ومعه حفنة تراب فجعل يذرّها على رؤوسهم وهو يقرأ: (يس. والقرءان الحكيم).
إلى قوله تعالى: (وجعلنا من بين أيديهم سدّا ومن خلفهم سدّا فأغشيناهم فهم لا يبصرون). (يس).
ثمّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يختار حبيبه أبا بكر الصدِّيق -رضي الله عنه- يرافقه في الهجرة، ويدخلان إلى الغار وفي الغار ثقوب فجعل الصدّيق -رضي الله عنه- يسدّ الثقوب بثوبه وبقي ثقب فسدّه برجله ليحمي حبيبه وقرّة عينه محمّدا، فلدعته الأفعى برجله فما حرّكها وما أزاحها، فمن شدّة ألَمه بكى -رضي الله عنه- فنَزلت دمعته وأيقظت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقام -صلى الله عليه وسلم- ومسح له بريقه الطاهر فشفي بإذن الله تعالى.
وحمى الله تعالى حبيبه بخيط العنكبوت، حمى الله تعالى حبيبه بأضعف البيوت وأوهن البيوت بيت العنكبوت، فأرسل الله حمامة باضت على فم الغار ونسج العنكبوت خيطه.
والمؤمنون في المدينة المنوّرة ينتظرون حبّا وشوقًا، ينتظرون وصول الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وذات يوم والناس في انتظار بلهف وشوق وقد انتصف.
النهار واشتدّ الحرّ ورجعوا جماعة بعد جماعة وإذ برجل ينادي بأعلى صوته: ها قد جاء من تنتظرون يا أهل المدينة، فتكرّ الجموع عائدة لاستقبال الحبيب المحبوب والحبّ يسبقها ولسان حالها يقول: "طلع البدر علينا من ثنيات الوداع".
الهجرة النبويّة أيها الإخوة لم تكن هروبًا ولا جبنًا ولا تخاذلاً عن إحقاق حقٍّ أو إبطال باطل، ولكن هجرة بأمر الله تعالى.فأنبياء الله تعالى يستحيل عليهم الجبن، فالأنبياء هم أشجع خلق الله. وقد أعطى الله نبيّنا قوّة أربعين رجلاً من الأشدّاء.
فالجبن والهرب هذا لا يليق بأنبياء الله تعالى.
"فلا يُقال عن النبيّ هرب لأنّ هرب يشعر بالجُبن، أمّا إذا قيل هاجر فرارًا من الكفار أي من أذى الكفّار فلا يشعر بالجُبن بل ذلك جائز ما فيه نقص". (الشرح القويم صحيفة 341).
واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً".
اللّهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ.
يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ".
اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ.
عبادَ اللهِ: "إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ".
اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 8:12 pm | |
| الهجرة النبوية المباركة –حوادث وعبر– 2 إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له، وأشهد أنَّ سيّدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمّدًا عبده ورسوله وصفيّه وحبيبه، صلّى الله عليه صلاة يقضي بها حاجاتنا ويفرّج بها كرباتنا ويكفينا بها شرّ أعدائنا، -صلى الله عليه وسلم- وعلى كل رسول أرسله.
أما بعد عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ العظيم، القائل في محكم كتابه: "إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ" سورة غافر/51.
إنّ الله تعالى وعد المؤمنين بالنصر المبين وجعل لهم من الشدّة فرجًا ومن العسر يسرًا ومن الضيق سعة، وإنّ الدروس المستفادة من الهجرة كثيرة ومن جملتها ضرورة الصبر على الشدائد والبلايا وكافّة أنواع الظلم والاستبداد، والصمود في وجه الباطل، والوقوف إلى جانب الحقِّ في شجاعة وحزم وعزم، وإنّ بهجتنا بهذه الذكرى العظيمة تبعثنا على مضاعفة الجهد في سبيل نشر دين الله، تبعثنا على مضاعفة الجهد في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلا الله محمّد رسول الله بالتعلّم والتعليم.
ولقد كان لهجرة الفاروق الذي فرق بين الحقِّ والباطل قصّة شأنها شأن كل قصصه وأخباره العظيمة التي تدلّ على حبّه لدين الله واستبساله في سبيل الله، ذلك أنه عندما جاء دور سيّدنا عمر بن الخطاب قبل هجرة الرسول بسبعة أيام، خرج مهاجرًا وخرج معه أربعون من المستضعفين جمعهم عمر -رضي الله عنه- في وضح النهار وامتشق سيفه وجاء (دار الندوة) وهو مكان تجتمع فيه قريش عادة، فقال الفاروق عمر لصناديد قريش بصوت جهير: "يا معشر قريش من أراد منكم أن تفصل رأسه أو تثكله أمّه أو تترمّل امرأته أو ييتّم ولده أو تذهب نفسه فليتبعني وراء هذا الوادي فإني مهاجر إلى يثرب".
فما تجرّأ أحد منهم أن يحول دونه ودون الهجرة لأنهم يعلمون أنه ذو بأس وقوّة وأنه إذا قال فعل.
ومن بركات الهجرة أنّ امرأة مِمّن سبقت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة مات ولدها معها في الطريق إلى المدينة، أصابه مرض فمات فتملّكها الجزع فقالت: "اللهمّ إنك تعلم أني ما هاجرت إلا ابتغاء مرضاتك ومحبّة فيك وفي نبيّك فلا تشمّت بي الأعداء"، فتحرّك ولدها من تحت الكفن، قام ولدها في الحال أحياه الله تعالى، والله على كلِّ شىء قدير. قالت أمّه: "طعم وطعمنا". وبقي حياً إلى خلافة سيّدنا عمر -رضي الله عنه-.
هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنوّرة في شهر صفر وليس في الأول من شهر محرّم كما هو شائع واستقبله المؤمنون بالفرح واستبشر الناس بقدوم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسمّى الرسول يثرب المدينة المنوّرة، وآخى بين أهلها بين المهاجرين والأنصار وبنى مسجده، وصار المسلمون على قلب رجل واحد لا يفرّق بينهم طمع الدنيا ولا يباعد بينهم حسد ولا ضغينة، مثلهم كمثل البنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضًا ومثلهم في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى.
وأوّل بيت نزل فيه -صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنوّرة بيت خالد بن زيد أبي أيوب الأنصاريّ، وخالد بن زيد كان مِمّن حفظ هذه الأبيات التي قالها أسعد الحميري الذي كان يحكم بلاد اليمن قبل بعثة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بستمائة عام، صفّت له الجياد من اليمن إلى بلاد الشام فمرّ بالمدينة المنوّرة التي كانت تسمّى يثرب ليكسر أهلها، فاجتمع به حبران من الأحبار المسلمين الذين كانا على دين موسى عليه السلام وقرءا في التوراة أنها أي المدينة المنوّرة هي مهاجر نبي ءاخر الزمان أحمد، فأنشد أسعد الحميريّ تبع الأوسط: شهدت على أحمد أنه ***** رسول من الله باري النسمّ ولو مدّ عمري إلى عمره ***** لكنت وزيرًا له وابن عمّ وجاهدت بالسيف أعداءه ***** وفرّجت عن صدره كل غمّ
قبل ستمائة عام من بعثة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال هذه الأبيات أسعد الحميري في مدح النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وتوارثها أهل المدينة خلفًا عن سلف.
اللهمّ أعد علينا هذه الذكرى بالأمن والأمان يا ربّ العالمين.
هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 8:15 pm | |
| الهجرة النبوية المباركةإن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه ونسترشده ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضد ولا ند له وأشهد أنَّ سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمدًا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه من بعثه الله رحمة للعالمين هاديًا ومبشرًا ونذيرا بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًا من أنبيائه، الصلاة والسلام عليك سيدي يا علم الهدى الصلاة والسلام عليك سيدي يا رسول الله سيدي يا حبيب الله ضاقت حيلتنا وأنت وسيلتنا أدركنا يا محمد أدركنا يا أبا القاسم يا رسول الله أدركنا بإذن الله. أما بعد فيا عباد الله أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العلي العظيم واستفتح بالذي هو خير، يقول الله تعالى في كتابه العظيم: "إِلا تنصُروهُ فقدْ نصرَهُ اللهُ إِذْ أَخرجَهُ الذينَ كَفَروا ثانيَ اثنينِ إِذْ هُمَا في الغَارِ إِذْ يقولُ لصاحبِهِ لا تحزَنْ إِنَّ اللهَ معَنا فأنزلَ اللهُ سكينتَهُ عليهِ وأيَّدَهُ بجنودٍ لمْ تَرَوْهَا وجَعَلَ كلمةَ الذينَ كفَروا السُّفلى وكلمةَ اللهِ هيَ العُليَا واللهُ عزيزٌ حكيمٌ" سورة التوبة/40
الهجرة النبوية أيها الإخوة لم تكن هروبًا من قتال ولا جبنًا عن مواجهة ولا تخاذلاً عن إحقاق حق أو إبطال باطل ولكن هجرة بأمر الله تعالى أعد فيها النبي القائد صلوات ربي وسلامه عليها العدة وهيأ الجند وعاد بهم إلى مكة فاتحًا، أوذي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأوذي أصحابه الكرام في مكة وصبر ءال ياسر في سبيل الله، ورسول الله هاجر بالدعوة إلى الله فلم يكن يخفي شيئًا منها بل كان يدور في المواسم التي يجتمع فيها الناس ويقول لهم: " أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا " وصبر -صلى الله عليه وسلم- على إيذاء المشركين من أهل مكة، وانصب العذاب على المستضعفين صبًا جلد وضرب وحبس وتحريق وقتل، ولكن أدركهم المدد الرباني والتثبيت الإلهي فكأنهم صخرة لا تخدش وصارت نبضات قلوبهم الخاشعة وهمسات أدعيتهم الضارعة تهز الأفئدة والعروش، أليس ردد بلال الحبشي أحد أحد، أحد أحد؟لم يتراجع ولم ينفتن.
فكم نحن بحاجة اليوم إلى أن نتطلع إلى مواقف هؤلاء الرجال الرجال، وهذا عمر -رضي الله عنه- يقف في وضح النهار ممتشقًا سيفه قائلاً لصناديد قريش بصوت جهير: "يا معشر قريش من أراد منكم أن تفصل رأسه أو تثكله أمه أو تترمل امرأته أو ييتم ولده أو تذهب نفسه فليتبعني وراء هذا الوادي فإني مهاجر إلى يثرب" فما تجرأ أحد منهم أن يحول دونه ودون الهجرة، وانظروا إلى موقف القائد العظيم محمد بعدما جاءوا إلى عمه أبي طالب يقولون له يا أبا طالب ماذا يريد ابن أخيك إن كان يريد جاها أعطيناه فلن نمض أمرا إلا بعد مشورته، وإن كان يريد مالاً جمعنا له حتى يصير أغنانا وإن كان يريد الملك توجناه علينا ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي يوحى إليه أجاب عمه بقوله: "لو وضعوا الشمس بيميني والقمر بشمالي ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه" ليس في الأنبياء من يترك الدعوة إلى الله، ليس في الأنبياء من يتخلى عن الدعوة إلى الله مهما اشتد عليه البلاء ليس في أنبياء الله من يعرض عن دين الله لشدة الإيذاء، أجمع المشركون على قتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجمعوا من كل قبيلة رجلاً جلداً ليضربوه ضربة رَجُلٍ وَاحِدٍ حتى يتفرَّق دمه بين القبائل، فأتى جبريل عليه السلام وأخبره بكيد المشركين وأمره بأن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه.
فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وأمره أن يبيت على فراشه ويتسجى ببرد له أخضر ففعل، ثم خرج -صلى الله عليه وسلم- وهم على بابه ومعه حفنة تراب فجعل يذرها على رؤوسهم وهو يقرأ: ?يس والقرءانِ الحكيمِ إنّكَ لمنَ المرسلينَ على صِراطٍ مستقيمٍ تنزيلَ العزيزِ الرحيمِ لِتُنْذِرَ قومًا ما أُنذِرَ ءاباؤهُمْ فهُمْ غافلونَ لقدْ حَقَّ القولُ على أكثرِهِمْ فهُمْ لا يؤمنونَ إنَّا جعَلْنَا في أعناقهم أَغْلالاً فهيَ إِلى الأَذْقانِ فهُمْ مُقمَحونَ وجعَلْنَا مِنْ بينِ أَيدِيهِمْ سَدًّا ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فأَغْشَيْناهُمْ فهُمْ لا يُبْصِرونَ? سورة يس 1-9وفي الطريق حصلت لرسول الله معجزات ببركة الهجرة حيث إن امرأة ممن سبقت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مات ولدها معها في الطريق إلى المدينة أصابه مرض فمات فتملكها الجزع فقالت اللهم إنك تعلم أني ما هاجرت إلا ابتغاء مرضاتك ومحبة في نبيك فلا تشمت بي الأعداء فقام ولدها في الحال أحياه الله تعالى، قالت فطعم وطعمنا ثم بقي حيا إلى خلافة سيدنا عمر -رضي الله عنه-، وقصة الطفيل بن عمرو الدوسي الذي كان معه صاحبه مرض على الطريق فلم يصبر على المرض فأخذ حديدة فقطع بها براجمه فنزف الدم منه فمات، فرءاه صاحبه في المنام مغطيا يديه قيل له مالي أراك مغطيًا يديك،قال: " قيل لي لن نصلح لك ما أفسدت قد غفر الله لي بهجرتي إلى نبيه " فلما وصل إلى رسول الله أخبره ما رأى وما حصل لصاحبه فقال -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم وليديه فاغفر" أيها الإخوة يقول الله تعالى في القرءان الكريم "إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا" الآيةَ، سورة التوبة/40، فهذا الصاحب هو الصدّيق -رضي الله عنه- وليس معناه أن الله موجود معهما في الغار، بل المعية هنا معية النصرة أي الله تعالى هو الذي ينصرنا ويحمينا، حمى الله تعالى حبيبه محمدا بأوهن البيوت وأوهن البيوت بيت العنكبوت وأرسل حمامة باضت على فم الغار فأعمى الله تعالى أبصار المشركين عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أما المؤمنون فينتظرون في المدينة المنورة حبًّا وشوقًا وصولَ الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، ويتوافدون إلى مشارف المدينة من ناحية طريق مكة وبعضهم يتسلق الأشجار وينظر إلى بعد عله يرى أثرًا لقدم رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وذات يوم والناس في انتظار بلهف وشوق وقد انتصف النهار واشتد الحر توافدوا جماعة بعد جماعة وإذا برجل ينادي بأعلى صوته ها قد جاء من تنتظرون يا أهل المدينة وتكر الجموع عائدة لاستقبال الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- والحب يسبقها ولسان حالها يقول:
طلع البدر علينا *** من ثنيّات الوداع اللهم أعد علينا هذه الذكرى العظيمة المباركة بالأمن والأمان يا رب العالمين. هذا وأستغفر الله. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 8:18 pm | |
| الهجرة النبوية دروس وعبر د.عمر احرشان... ونحن على مشارف بداية سنة جديدة يتذكر المسلمون خاصة والبشرية قاطبة ذكرى الهجرة النبوية التي غيرت مجرى التاريخ وبدلت أحوال العالم، وكانت بارقة الأمل لنور عم بعد طول ظلام، وعدل ساد بعد طول ظلم، فعاد ذلك بالخير على الإنسان الذي انتقل من عبادة الأوثان إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأسياد إلى عدل الإسلام ورحمته؛ هجرة وحدت قلوبا كانت متنافرة، وجمعت أجساداً كانت متفرقة، وحررت رقاباً كانت مملوكة، وبعثت للعالمين خير أمة أخرجت للناس.
فماذا نتذكر من هذا كله في أيامنا هذه والمسلمون أهون ساكني هذه الأرض؟ ما فائدة تذكرها والأحزان تدمي قلوب المسلمين بسبب فلسطين والعراق وأفغانستان و..؟ كيف نتذكرها ورقاب المسلمين في قبضة الاستبداد؟ وما معنى الهجرة أصلا؟ وهل مازالت تتكرر؟ وما العبرة منها؟
معاني الهجرة الهجرة لغة هي ترك الشيء إلى آخر أو الانتقال من حالة إلى أخرى أو التنقل من مكان إلى آخر، وهي بهذا تتخذ معنى حسيا وآخر معنويا.
أما في الاصطلاح فقد وردت بهذه المعاني في العديد من الآيات والأحاديث مثل: 1- هجرة المعاصي والذنوب: لقوله عز وجل: "والرجز فاهجر" المدثر 5، ولقوله -صلى الله عليه وسلم- "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهاه الله عنه"، ولقوله تعالى: "قال إني ذاهب إلى ربي سيهدين" الصافات 99.
2- هجرة الكفار: لقوله تعالى: "واهجرهم هجرا جميلا" المزمل 10.
3- تغيير المكان: لقوله تعالى: "ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة" (النساء 100).
وهذه المعاني كلها مازالت صالحة لكل زمان ومكان فما أحوج العبد المومن إلى هجر كل ما يغضب الله عز وجل من فتن وإغراءات وعادات ورعونات وهذه هجرة مفتوحة دائما فقد روى أبو داود بسند صحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها"، وهجرة المكان الذي يتسلط فيه حكام ظلمة إن خاف على إيمانه ولم يجد معينا، مطلوبة بقوله تعالى: "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها" (النساء 97) ثم بين الله تعالى فائدة هذه الهجرة "ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله" (النساء 100)، ولا يعفي الإنسان من هجر الظلم والظالمين إلا نية الجهاد ولهذا قال الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية" رواه الدارمي عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.
وما أحوج المومن إلى عفة اللسان وصون حواسه كلها بتعويدها على هجر ما يغضب الله عز وجل ورسوله -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهاه الله عنه" ولقوله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم عن معقل بن يسار: "العبادة في الهرج كهجرة إلي".
وكم نحن في حاجة إلى هجر الكفار الذين صاروا يعيثون فسادا في أرض المسلمين يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، ويستحلون خيراتهم، ويدنسون مقدساتهم.
كل هذا يجعل من حادث الهجرة حدثا ممتدا في الزمان وغير محصور في مكان وغير مقتصر على ثلة دون أخرى.
الهجرة دأب الأنبياء لم يقتصر حدث الهجرة على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- ولكنه شمل عددا آخر من الأنبياء أذن الله لهم بذلك بعدما ضاقت صدورهم مما لحقهم من الأذى، أو بعد بزوغ فرج الله عز وجل لهم، فإبراهيم الخليل عليه السلام قال فيه الله عز وجل: "فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم" (العنكبوت 26)، وموسى عليه السلام قال فيه الله عز وجل: وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين" (القصص 20)، وكذلك قال فيه: "ولقد أوحينا إلى موسى أن اسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى" (طه 77) وقال الله تعالى كذلك: "وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون" (الشعراء 52) وفي كل هجرة يأتي الفرج ليستفيد المومن الداعي إلى الله عز وجل أن بعد الكرب الفرج، وأن مع العسر يسرا. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 8:27 pm | |
| الهجرة: دروس وعبر لا يمكن حصر الدُّروس المُستفادة والعِبَرِ المُستقاة من حدث الهجرة النبوية لأنها تتنوَّع من وقت لآخر، ومن شخص لآخر، ومن مكان لآخر...
ولكن لا بأس من التَّذكير ببعضها فقط: 1- درس في البذل والتضحية: حيث ترك الصحابة أغلى ما يملكون، وأعز ذكرياتهم ليُهاجروا إلى مكان جديد لا عِلْمَ لهم به، ولا فكرة مُسبقة عنه، والجانب الثاني من الدَّرس المهاجر إليهم الذين تقاسموا معهم ما يملكون وفي هذا قال الله تعالى: "والذين تبوؤوا الدَّار والإيمان من قبلهم يُحِبُّونَ مَنْ هاجر إليهم ولا يجدون في صُدورهم حاجةً مِمَّا أوتُوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خَصَاصَة" (الحشر: 9).
2- معية الله عز وجل: يقول الله تعالى: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليُثبتوك أو يقتلوك أو يُخرجوك ويمكرون ويمكر اللهُ واللهُ خير الماكرين" (الأنفال: 30)، فالله عز وجل لا ينسى نبيه -صلى الله عليه وسلم- كما لا ينسى عباده المومنين "إن الله يدافع عن الذين آمنوا" (الحج: 38)، وإن الله مع الذين اتقوا والذين هم مُحسنون" (النحل: 128)، وهذا ما انطبق على حادث الهجرة، حيث يقول الله عز وجل: "إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيَّدَهُ بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السُّفلى وكلمة الله هي العُليا واللهُ عزيزٌ حكيمٌ" (التوبة: 40).
وهذا ما وقع لموسى عليه السلام حيث قال قومه "إنا لمُدركون" فقال موسى عليه السلام: "كلا إن معي ربي سيهدين" (الشعراء: 62).
فهذا اليقين هو الذي يورث الثبات والنبات، ولا يتصور فلاح بدون يقين في الله وموعوده "وجعلنا منهم أئِمَّة يهدون بأمرنا لَمَّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون" (الهجرة: 24).
3- عدم تعلق القلب بشيء آخر غير الله عز وجل: في حادث الهجرة درس بليغ حيث قال -صلى الله عليه وسلم- "إنك من أحب بلاد الله إلى قلبي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت"، وهذا طبيعي فيها نشأ -صلى الله عليه وسلم- وترعرع، وفيها نزل عليه -صلى الله عليه وسلم- الوحي، ولكن رغم ذلك لم يستكين إلى حبها وفضل حب الله عز وجل ورضاه ودعا ربه" اللهم وقد أخرجتني من أحب البقاع إلي فأسكني في أحب البقاع إليك".
وهذا درس بليغ.
روى الإمام أحمد عن أبي يحيى مولى الزبير بن العوام قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "البلاد بلاد الله والعباد عباد الله فحيثما أصبت خيراً فأقم"، بل إن الله عز وجل توعد من لم يفعل ذلك "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا" (النساء: 97).
4- الرؤيا حاضرة حتى في الهجرة: قال -صلى الله عليه وسلم- وهو يتحدث إلى أصحابه "رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب ظني إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي يثرب".
5- إن مع العسر يسرا: العبرة بالخواتيم، والدنيا دار ابتلاء، والمؤمن مُعَرَّضٌ دائماً للاختبار، ولكن الله عز وجل يختار للمومن خير الدنيا والآخرة، ويختم له بالحسنى وزيادة، فمهما أصابه من قرح فإن بعده فرح، وإن مع العسر يسراً، وفي الهجرة النبوية درس بليغ لذلك حيث بدل الصحابة أهلاً خيراً من أهلهم، وبارك لهم في مكان جعله طاهراً لهم، وفي هذا درس بليغ.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 8:28 pm | |
| الهجرة النبوية دروس وعبر الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله النبي العربي القرشي، بلغ الرسالة وأدى الأمانة وكشف الله به عنا الغمة، وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
أما بعد، فقد قال الله تعالى: (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنال)، كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يدعو إلى الله جهرًا ويمرّ بين العرب المشركين حين كانوا يجتمعون من نواحي شتى في الموسم ويقول: ”يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا“ ويبين لهم أنه رسول الله، ودعا إلى العدل والإحسان ومكارم الأخلاق، ونهى عن المنكر والبغي.فآمن به بعض الناس كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبلال وغيرهم، ولما اشتد عليهم الأذى هاجر بعض أصحاب النبي إلى الحبشة الهجرة الأولى لدعوة الناس للإسلام وكانوا نحو ثمانين منهم عثمان بن عفان وجعفر بن أبي طالب -رضي الله عنهم-.
ولما كثر أنصار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيثرب أمر الله نبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- ومن معه من المسلمين بالهجرة إليها بعد بعثته -صلى الله عليه وسلم- بثلاث عشرة سنة، فصار المسلمون يهاجرون أفواجًا أفواجًا فلما رأى المشركون ذلك خشوا خروجه -عليه الصلاة والسلام- فكمنوا له ليقتلوه فتجهز لذلك من كل قبيلة رجل جلِد نسيب ليضربوه ضربة رجل واحد فلا يستطيع قومه أن ينتقموا له، ولكن الله أعلم نبيه بكيد المشركين وما يسعون إليه فجاء له سيدنا جبريل عليه السلام وأمره أن لا يبيت في فراشه الذي ينام فيه وأخبره بأن الله تعالى أذن له بالهجرة فأمر -عليه الصلاة والسلام- سيدنا علي بن أبي طالب أن يبيت مكانه وأمره أن يؤدي الأمانات إلى أهلها.
ولما كانت ليلة الهجرة، كان الكفار يقفون بباب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذ به يخرج عليهم آخذا حفنة من التراب فرماها على أعينهم، وهو يقرأ الآيات: (يس والقرءان الحكيم) إلى قوله تعالى: (وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا فأغشيناهم فهم لا يبصرون) فأصابت كل واحد منهم بقدرة الله تعالى وأعمى الله أبصارهم فلم يروه.
واستبشر المسلمون بقدوم النبي -صلى الله عليه وسلم- حين وصل إلى يثرب التي سماها النبي المدينة المنورة وءاخى بين أهلها والمهاجرين وسمى أهلها الأنصار لأنهم نصروا دين الله تعالى، ثم بنى مسجده الشريف ومساكنه فيها، وبه انطفأت فتنة عظيمة كانت بين قبيلتي الأوس والخزرج بيثرب بعد أن دامت سنوات فصار المسلمون على قلب رجل واحد لا يفرق بينهم طمع ولا دنيا ولا يباعدهم حسد ولا ضغينة حتى غدوا كالبنيان المرصوص يشد بعضهم أزر بعض، وقد نصر الله نبيه وأيده وكان وعد الله حقا، فهو القائل عز وجل: إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.إخوة الإيمان... لم تكن هجرة النبي طلبًا للراحة ولا هربًا من المشركين ولا تخليًا عن الدعوة إلى الله ولكن تنفيذًا لأمر الله تعالى، فهو -عليه الصلاة والسلام- القائل: ”ما لي وللدنيا وما للدنيا ولي، إنما أنا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها“، وهو القائل لعمه أبي طالب: ”والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله سبحانه وتعالى أو أهلك دونه“.إن الهجرة النبوية دروس وعبر نتعلم منها أن الالتزام بعقيدة التنزيه والتوحيد هو أول مراتب التعاضد واللحمة بين المسلمين فقد دعى -عليه الصلاة والسلام- إلى التوحيد وهو بمكة فكان من ثمراته أن انتشر الإسلام في المدينة المنورة قبل هجرته إليها، مما يؤكد علينا أهمية العمل بقوله تعالى: ”خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وقوله تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله“.كل عام وانتم بخير والله تعالى أعلم وأحكم.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 8:30 pm | |
| الهجرة النبوية عطاء بلا حدود وعزيمة لا تعرف اليأس عام هجري جديد.. السبيل إلى الصحة النفسية في عالم مضطرب * د. لطفي الشربيني مع قدوم العام الهجري الجديد يعيش العالم الاسلامي في مناخ روحي متميز مع الذكري التي تمثلها الهجرة النبوية الشريفة, وما تضمنته من دروس وعبر متجددة تمثل املا في الخروج من هذا الواقع الاليم الي اوضاع أخري افضل تمتد آثارها لتشمل كل نواحي حياة المسلمين.. وفي هذا الموضوع نتناول هذه المناسبة مع تأملات في الدين والحياة في سياق أكثر شمولا للاجابة عن التساؤلات حول الجوانب النفسية للهجرة, ومايتعلق بها كما نلاحظها ونرصدها من وجهة النظر النفسية.. كما اننا هنا نعرض اهمية التقرب الي الله بالعبادات المختلفة, ودور الايمان بالله في الوقاية والعلاج من الامراض النفسية والمشكلات الأخري, والوصول الي حالة من الطمأنينة والاستقرار والاتزان النفسي.
وهذه المناسبة هي بمثابة موسم يتكرر كل عام.. وهي مناسبة للتأمل والتدبر والوقوف مع النفس, حيث يمر علي الخاطر هذه التأملات في النفس الانسانية, وهي في حالة الصحة النفسية او الاضطراب النفسي.. فالاسلام دين حياة يضمن التوازن بين الدنيا والآخرة.. ويهتم المنظور الإسلامي بالجوانب الروحية والمادية في حياة الانسان, ويضمن تحقيق التوازن بينها, والاضطرابات النفسية هي خلل في الاتزان النفسي ينتاب الانسان نتيجة للصراع الداخلي في نفسه بين قوي الخير والشر, أو بين المثل العليا والرغبات الانسانية الجامحة, وفي تعاليم الدين الاسلامي ما يضمن الوقاية من الاضطرابات النفسية علي المستوي الفردي ومنها الاكتئاب والقلق والوساوس المرضية.. وحل الصراعات المختلفة علي المستوي الجماعي ايضا, مما يؤدي الي الشفاء والعلاج والاصلاح.
وتركز تعاليم الدين الاسلامي علي التنشئة السوية للانسان وغرس القيم والأخلاق القويمة التي تحقق السلوك السوي والاتزان النفسي, فالمسلم يجب ان يؤمن بالله سبحانه وتعالي, وبالقدر خيره وشره, ويجب ان يعبد الله سبحانه وتعالي ويذكره في كل المواقف, فذكر الله يوفر للواحد منا مقدارا دائما من الطمأنينة والسلام النفسي في مواجهة ما يهدده من امور الحياة.
وتعتبر الصراعات الداخلية هي الأساس في المشكلات والمتاعب النفسية التي يعاني منها الانسان, ويصف القرآن الكريم هذه الصراعات في بعض المواضع ومنها الآيات: ولا يزالون مختلفين إلا من رحم بك ولذلك خلقهم.
"ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين".
ولما كانت الخسارة المادية هي السبب الرئيسي في حدوث القلق والاكتئاب والوساوس المرضية لدي كثير من الناس, وكذلك المكاسب التي يحصلون عليها والتي تتسبب في شعورهم بالغرور وعدم الاتزان والنتائج في كل هذه الحالات سلبية, فقد ورد وصف لذلك في آيات القرآن الكريم لكيلا تأسوا علي ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم". وللإيمان القوي بالله تعالي دور مهم في الوقاية والعلاج من الاكتئاب والاضطرابات النفسية الاخري, فالمؤمن يثق في الخالق سبحانه وتعالي, ويجد دائما المخرج من الهم وحل للأزمات التي تواجهه بالاتجاه الي الله تعالي وهو يعلم ان الله سبحانه خالق كل شيء.
كما يضع القرآن الكريم حلولا ايمانية لمواجهة أسباب الاكتئاب منها ما ورد في الآيات الكريمة خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين وقوله ولاتستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ويؤدي الالتزام بروح الدين والعقيدة في التعامل مع النفس ومع الآخرين والرجوع الي تعاليم الشريعة في كل السلوكيات الي الأمانة والجدية في العمل والمعاملة والتحلي بالصبر, والتسامح والمحافظة علي حالة من الصحة البدنية والنفسية بالابتعاد عن المحرمات, ويؤدي ذلك الي شعور داخلي بالراحة النفسية في مواجهة مشاعر الذنب والاكتئاب, وفي القرآن والسنة ما يرشد المؤمنين الي وسائل العلاج والشفاء لما يصيب الانسان من أمراض الجسد والنفس, قال تعالي ياأيها الناس قد جاءكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدي ورحمة للمؤمنين.
وكما يقدم لنا المنظور الاسلامي النموذج الذي يكفل لنا الوقاية من الاضطرابات النفسية, فإنه يقدم أيضا العلاج لما يمكن ان يصيب الانسان من امراض واضطرابات, وقد ثبت من خلال التجربة ان تقوية الوازع الديني, اللجوء الي الله والتمسك بالعقيدة, والايمان القوي بالله تعالي من, الامور التي تفيد عمليا في علاج حالات الاكتئاب وقد أجريت الأبحاث للمقارنة بين الاشخاص الذين يتمتعون بعقيدة قوية ويحافظون علي العبادات ولديهم ايمان قوي بالله تعالي مقارنة بغيرهم تتبين ان قابليتهم للشفاء والتغلب علي اعراض الاكتئاب اكثر من المجموعات الاخري.. رغم استخدام نفس انواع العلاج الطبي في كل الحالات ومن هنا كانت هذه الدعوة العامة للمرضي والاصحاء ايضا للصحة النفسية والشفاء عن طريق الرجوع الي القرآن والسنة, وروح الدين الاسلامي. الاهرام.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ الأربعاء 09 سبتمبر 2020, 11:31 pm | |
| الهجرة النبوية لم تكن هروباً من أذى الكفار بمكة الشرق أكد الشيخ أحمد بن محمد البوعينين في خطبته بجامع صهيب الرومي بمدينة الوكرة أمس ان الهجرة النبوية غيرت وجه التاريخ، وأنها لم تكن هروباً من أذى الكفار في مكة كما يعتقد البعض، وإنما كانت تأسيسا لدولة الإسلام التي أرسى قواعدها سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقال الشيخ البوعينين في بداية خطبته متناولاً الأحداث التي ألمت بالهجرة إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما بُعث أُمِرَ بالتبليغ والإنذار بلا قتال فظل أربعة عشر عاماً يدعو الناس الى الاسلام من غير قتال فآمن به بعض الناس كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبلال وغيرهم، وبقي على الكفر أكثر الناس وصاروا يؤذونه وأصحابه، فلمّا اشتد عليهم الأذى هاجر بعض أصحاب النبي الى الحبشة وكانوا نحو ثمانين منهم عثمان بن عفان وجعفر بن أبي طالب.
وأضاف أنه لما كثُر أنصار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيثرب أمر اللهُ المسلمين بالهجرة إليها فخرجوا أرسالاً، ثم هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة محلّ ولادته مع أبي بكر الصدّيق بعد أن أقام في مكّة منذ البعثة ثلاث عشرة سنة يدعو الى التوحيد ونبذ الشرك.
ولم تكن هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- حبّاً في الشُهرة والجاه والسلطان فقد ذهب اليه أشراف مكّة وقالوا له: إن كنت تريدُ بما جئتَ به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرَنا مالاً، وإن كنتَ تريدُ مُلْكاً ملّكناكَ إيّاه ولكنَّ النبي العظيم أسمى وأشرف من أن يكون مقصوده الدنيا.
ولهذا كان يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمّه أبي طالب حين أتاه يطلب منه الكفّ عن التعرّض لقومه وما يعبدون: "والله يا عمّ لو وضَعُوا الشمسَ في يميني والقمرَ في يَساري على أن أترك هذا الأمر ما تركتُه حتى يظهرَه اللهُ سبحانه وتعالى أو أهْلِكَ دونه".
وبالنبي -صلى الله عليه وسلم- اقتدى الصحابة الأجلاّء فقد خرج عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من مكة مع أربعين من المستضعَفين في وضح النهار ممتشقاً سيفه قائلاً لصناديد قريش بصوت جهير: "يا معشر قريش من أراد منكم أن تفصَل رأسه أو تثكله أمّه أو تترمَّل امرأته أو ييتّم ولده أو تذهب نفسه فليتبعني وراء هذا الوادي فإني مهاجر الى يثرب"، فما تجرأ أحد منهم أن يحول دونه ودون الهجرة.
وواصل في سرد أحداث الهجرة قائلاً: إنَّ المشركين كانوا قد أجمعوا أمرهم على قتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجمعوا من كلّ قبيلة رجلاً جلداً نسيباً وسيطاً ليضربوه ضربة رجل واحد حتى يتفرق دمه في القبائل، فأتى جبريلُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فأمرَه أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه وأخبره بمكر القوم وأنزل الله تعالى "وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (الأنفال: 30).
فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليَّ بنَ أبي طالب فأمره أن يبيت على فراشه ويتسَجّى ببُرْدٍ له أخضر ففعل، ثمّ خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على القوم وهم على بابه ومعه حُفنة تراب فجعل يذرّها على رؤوسهم، وأخذ الله عز وجلّ بأبصارهم عن نبيّه، وهو يقرأ "يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ" الى قوله "فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ" (سورة يس) فلما أصبَحوا فإذا هم بعليّ بن أبي طالب فسألوه عن النبي فأخبرهم أنّه خرج فركبوا في كلّ وجه يطلبونه وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد سار مع أبي بكر -رضي الله عنه- حتى وصلا الى غار ثور فدخلاه، وجاءت العنكبوت فنسجت على بابه، وجاءت حَمامة فباضت ورقدت، فلما وصلَ رجال قريش الى الغار قال أبو بكر الصديق: يا رسول الله لو أن أحدَهم ينظر الى قدميه لأبصرنا تحت قدميه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر ما ظنُّكَ باثنين الله ثالثهما".
وركز الشيخ البوعينين على قضية المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وكيف حققت هذه المؤاخاة أساس المجتمع المسلم بالمدينة، مبينا أنه لما سلّم الله نبيّه الكريم من شرّ المشركين فوصل الى المدينة المنورة ومعه صاحبه فاستقبله المؤمنون بالفرح واستبشروا بقدومه، وسمّى الرسول يثرب بالمدينة المنورة وآخى بين أهلها والمهاجرين، وسمّاهم الأنصار، وبنى مسجده ومساكنه.
وقد استقبل الأنصار إخوانهم المهاجرين ومدّوا لهم يد المساعدة والعون حتى كان الانصاري يقسِم ماله ومتاعه بينه وبين أخيه المهاجر.
فحَرِيٌّ بنا أن نقتدي بهؤلاء الأفذاذ من الناس الذين عرفوا معنى الأخوّة الحقيقي فأيّدهم الله بنصره.
وعندما دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة وكانت كل قبيلة تتنازع لأخذ زمام ناقة النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- "دعوها فإنها مأمورة" وأول شيء فعله بناء المسجد...
وتناول في خطبته الثانية الفوائد والعبر والدروس المستفادة من الهجرة قائلا: إنَّ في هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- فوائد وعِبَر وإنَّ من أخبار الهجرة قِصّةُ سُراقة بن مالك ابن جُعْشم المُدلجيّ الذي لحق النبي على فرسٍ له وكان قفّاء يتبع الأثر فرءاه أبو بكر -رضي الله عنه- فقال لرسول الله "هذا الطّلَب لحقنا" فقال -صلى الله عليه وسلم- لصاحبه أبي بكر: "لا تَحزن إنَّ الله معنا" فلمّا دنا سُراقة ساخت به قوائم فرسه الى ركبتيه في أرض صلبة، فنادى سُراقة "يا محمد ادع الله أن يخلّصني ولك عليَّ لأعمينَّ على من ورائي" فدعا له فخلص، ثم أخبره سُراقة بما ضمِنَه له قومه عند ظفره به.
ثم تركهم ورجَع ولم يُسْلِم حينها مع أنّه رأى هذه المعجزة العظيمة لأنَّ الله ما شاء له أن يُسْلِم في ذلك الوقت ولكنَّ الله تعالى شاء له أن يكون من أهل السعادة فأسلَم عامَ الفتح. |
|
| |
| دروسٌ وعبرٌ منَ الهجرةِ النَّبويَّةِ | |
|