القاعدة الثانية والثلاثون: علاج المشْكِلاتِ بالتَّوْبَةِ وَالْاسْتِغْفَارِ 3210
القاعدة الثانية والثلاثون: علاج المشْكِلاتِ بالتَّوْبَةِ وَالْاسْتِغْفَارِ
أ.د. ناصر بن سليمان العمر
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
 
قال الله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (الشورى: 30).
هذهِ الآيةُ الكريمةُ تضعُ منهجَ حياةٍ للمَرْءِ في تَعامُلِهِ معَ ما يَحُلُّ به مِنْ مصائبَ، وما يمرُّ بهِ منْ مشكلاتٍ ومكدِّراتٍ، فعندمَا يعلمُ أنَّه لا يَنْزل به بلاءٌ إلَّا بمعصيةٍ وأنَّه لا يُرْفَعُ إلَّا بتوبةٍ، فإنَّ نَظْرَتَهُ للأحداثِ وتعاملَه معَها سيختلِفُ اختلافًا كليًّا.

وهذَا ما سَمِعْتُهُ منْ أحدِ الدُّعاةِ وطلَّابِ العِلمِ، يقولُ: هذهِ الآيةُ في سورةِ الشُّورَى غيّرتْ حياتِي، يقولُ: كُنتُ إذا وَقَعَ خللٌ في البيتِ أُبَادِرُ بالِعتابِ في بعضِ الأحيانِ، لكنَّه بعدَ أنْ تَدَبَّرت هذهِ الآيةَ وفَقِهتُهَا تَغيَّرَتْ حياتي، فإِذا وَقَعَ تقصيرٌ يسيرٌ منَ الزوجةِ أوِ الأولادِ أعمل بقوله تعالى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (البقرة: 237).

أمَّا إنْ كانَ التقصيرُ كبيرًا -وهذَا هو المرادُ- يقولُ: أُدْرِكُ أَنَّه مَا وَقَعَ إلَّا بِسَببي، فهُوَ أثَرٌ لخطأٍ وَقَعْتُ فيهِ قَبْلَ ذلكَ، فأنَا البادئُ والبادئُ أظْلَمُ، وهذا لا يَعْنِي بِالضَّرورةِ أنَّه وَقَعَ منْهُ خطأٌ في حقِّ زوجتِه أوْ في حقِّ أولادِه، بلْ قدْ يكونُ قصَّرَ في حقٍّ مِنْ حقوقِ اللهِ -عز وجل- وَوَقعَ في معصيةٍ فعاقَبَهُ اللهُ -عز وجل- بتقصيرِ زوجتِه وأولادِه أوْ خطئِهم في حقِّه.

وهذا الفِقْهُ فَهِمَهُ بعضُ السَّلفِ مِنْ قَبْلُ، يقولُ الفضيلُ بنُ عِياضٍ رحمه الله: (إِنِّي لَأَعْصِي اللهَ فَأَعْرِفُ ذَلِكَ فِي خُلُقِ حِمَارِي وَخَادِمِي).

أيْ يَرَى أثرَ المعصيةِ في خُلقِ الدَّابَّةِ وهيَ غيرُ مكلَّفةٍ، فَبَدَلَ أنْ تستجيبَ له وتَخضعَ يَجِدُ مِنْهَا أخلاقًا أخرَى، فَيَعْلَم أنَّ هذَا بسببِ المعصيةِ التي وَقَعَ فيها، يَقولُ صاحِبُنا: فإِذا وَجَدْتُ هذا بَدَأْتُ بمحاسبةِ نفسِي، وَرُحْتُ أستغفرُ اللهَ وأُصلِّي وأدعو وأُلِحُّ في الدُّعاءِ وَقَدْ أَتَصَدّقُ.

وفي حالاتٍ كثيرةٍ لا يستغرقُ الأمرُ سِوَى وقتٍ يسيرٍ فَيكتشِفُ أنَّ الأمرَ تغيَّرَ تَمامًا معَ الزوجةِ والأولادِ، وربّما قَبْلَ أنْ يَنطقَ معَهم بكلِمَةٍ فيما وقَعُوا فيه منْ خطأٍ، بلْ قدْ يُفاجَأُ بزوجتِه تأتِي وتعتذِرُ لأنَّها أخطَأَتْ أوِ الأولادِ يَعتذِرُونَ، فكَما أنَّ الله تعالى سلَّطهُم عليهِ بذنبِهِ: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)، فكذلكَ رَفَعَ البلاءَ، وأصلَحَ قلوبَهم لَمَّا أَصْلَحَ ما بينَه وبينَ الله.

يقولُ: فهذَا أَصَبَحَ مَنْهَجًا في حياتِي، فَبَدلَ أنْ أَبْقَى علَى ذنبِي الأول وأُضيفَ إلَى ذلكَ مشكلةً أخرَى داخلَ البيتِ، جعلتُ هذهِ القاعدةَ مُنْطَلَقًا في عِلاقتِي الأُسْريةِ، فتغيّرتْ كلُّ حياتِنا للأفضلِ.

ومِنَ الأمثلة العمليةِ لهذهِ القاعدةِ أنَّ أحدَ الأزواجِ -وهوَ مِنْ طُلَّابِ العلمِ- يقولُ: وَقعتْ مشكلةٌ بينِي وبينَ زوجتِي وأَغْضَبَتْنِي فَصَبَرْتُ وَسَكَتُّ وخرجتُ منَ المنزلِ، كانَ يُمكنُ أنْ أَذْهَبَ إلَى زوجتِي الثانيةِ قَبْلَ مَجيءِ وقتِها، لكنّني رأيتُه نوعًا مِنَ الظلمِ وليسَ منَ العِقابِ المشروعِ، فَقَرَّرْتُ أنْ أنتظرَ في المسجدِ حتَّى يَحينَ وقتُ الذَّهَابِ إليها، فَأَقْضِيَ وقتِي في العِبادةِ والصلاةِ والتلاوةِ والدعاءِ والاستغفارِ.

ولا شكَّ أنَّ هذا مِنْ توفيقِ اللهِ لهُ، فلمْ يَذْهَبْ إلَى غُرفةٍ في فندقٍ أوْ يتمشَّى في الشوارعِ، يقولُ: دخلتُ المسجدَ وأدَّيتُ السُّنةَ، فَشَعَرْتُ بشيءٍ يَدْفَعُنِي بقوةٍ للرجوعِ إلَى البيتِ مرةً أخرَى، يقولُ: قاومتُ أولَّ الأمرِ لكنّني في النِّهايةِ رَجعتُ، فلمَّا فتحتُ البابَ إذا بزَوْجتِي تَبتسمُ وتقولُ: واللهِ كنتُ أعرِفُ أنكَ سَتَرجِعُ.

قلتُ: كيفَ؟

قالتْ: لأنَّكَ بعدَ خروجِكَ شَعَرْتُ أنّني أخطأتُ في حقِّك، وفي حقِّ اللهِ قبلَ ذلكَ، فبدأتُ أستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليهِ وأدعوهُ أنْ يُعيدَكَ إليَّ.

إنّنا لوْ فَهِمْنَا: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)، وعملنا بالقاعدةِ في كلِّ حياتِنا، وفي حياتِنا الزوجيةِ خصوصًا، سنجدُ أثرًا عجيبًا بإذنِ اللهِ، وَسَينقلِبُ الكَدَرُ فرحًا ومحبةً وسرورًا، والسرُّ في ذلكَ أنَّ القلوبَ بيدِ اللهِ عز وجل يُقلِّبُها كيفَ شاءَ، فإنْ أَصْلَحَ العبدُ ما بينَه وبينَ خالقِهِ أصلحَ لهُ ما بينَه وبينَ عبادِه، وبهذا يكونُ البيتُ سَكَنًا، والزوجةُ سكنًا، وتسودُ المودةُ والرحمةُ والرِّضا.

المصدر:
http://www.almoslim.net/tarbawi/290799