القاعدة الثانية عشرة: لا تَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فِي شُؤُونِ الزَّوْجِيَّة
أ. د. ناصـــر بن سليمـــان العمر
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
قال الله سبحانه: "تِلكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعتَدُوهَا".
ورد التَّحذير من تعدِّي حدود الله تعالى وتجاوزها، في سبع آيات قرآنيّة، وقد وردت هذه الآيات جميعًا في سياقاتٍ تتعلَّق بالحياة الزوجيّة، حال قيامها أو بعد الطّلاق: ففي سورة البقرة، وعند الحديث عن الاعتكاف، جاء قوله تعالى: "وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُم عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ تِلكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقرَبُوهَا".
وفي سورة البقرة في سياق الكلام عن الطّلاق، قال تعالى: "الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمسَاكُ بِمَعرُوفٍ أَو تَسرِيحُ بِإِحسَان وَلَا يَحِلُّ لَكُم أَن تَأخُذُوا مِمَّا ءَاتَيتُمُوهُنَّ شَيئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِن خِفتُم أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِمَا فِيمَا افتَدَت بِهِ تِلكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوجًا غَيرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ وَتِلكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوم يَعلَمُونَ".
وفي سياق آيات المواريث، من سورة النساء، قال تعالى: "تِلكَ حُدُودُ اللهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدخِلهُ جَنَّات تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَالِكَ الفَوزُ العَظِيمُ وَمَن يَعصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدخِلهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَاب مُّهِين".
وبعد أن بيَّن الله تعالى حكم المظاهرين من نسائهم، في سورة المجادلة، قال تعالى: "ذَالِكَ لِتُؤمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ".
وفي أوّل سورة الطَّلاق، قال تعالى: "يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحصُوا العِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُم لَا تُخرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخرُجنَ إِلَّا أَن يَأتِينَ بِفَاحِشَة مُّبَيِّنَة وَتِلكَ حُدُودُ اللهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَد ظَلَمَ نَفسَهُ".
وهذا الارتباط بين العلاقة الزوجيّة، والتحذير من تجاوز حدود الله، له دلالات عميقة، تؤكد ما ذكرناه من أنَّ الزّواج عقدٌ وميثاق غليظ، ودينٌ وعبادةٌ وطاعةٌ لله ورسوله، له أحكام وحدود بينتها الشريعة، وقد جاء التحذير من الاقتراب من حدود الله، أو تعدِّيها.
ونلحظ أنَّ هذا التحذير من تعدّي حدود الله تعالى، أكثر ما يرد في آيات الطلاق، لأنَّ الطلاق مظنّة تجاوز لحدود الله تعالى، بسبب ما يحدثُ في سياقه من غضب أو شحناء أو غير ذلك، فلا غرو أن يتكرر التذكير، فيقرأ الزوج: "تِلكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقرَبُوهَا"، وقوله تعالى: "تِلكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعتَدُوهَا"، فلا تعدٍّ ولا اقتراب؛ لأنه إذا قربها أوشك أن يقع فيها، (كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ)، فالذي يستهينُ بالقرب من حُرُمَات الله تعالى، قد ينتهكها ويتجاوزها، ولهذا ندب إلى الفضل في العلاقة الزوجية.
والمقصود هنا أن هذه الآياتُ سياجٌ عظيم يحفظ العلاقة الزوجية، ويساعد على تماسك المجتمع، فلو أنَّ كلَّا من الزوجين، تأمّل فيما تتضمَّنه من الوعيد المرتّب على تعدي حدود الله، في الزواج والطّلاق وغيرهما، لارتدع عن أسباب فساد كثيرة!
بل إن من يتفكَّر في تلك الآيات جديرٌ بأن تتولد في قلبه مشاعر الخشية من الله تعالى، فيحفظ الحقوق ويرعى العهود.
إن هذه الآيات تدفع كلًّا من الزوج والزوجة، إلى طلب السَّلامة والبعد عما يُغضب الله ورسوله، فيا أيُّها الأزواج، "تِلكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعتَدُوهَا"، "تِلكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقرَبُوهَا"، من أجل أنفسكم، ومن أجل أولادكم، بل من أجل مجتمعكم، بل من أجل دينكم، لا تعتدوها بل لا تقربوها! وأبشروا عندئذٍ بالسَّعادة والهناء والاستقرار.
المصدر:
http: http://almoslim.net/tarbawi/288030