منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة الحج الآيات من 26-30

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الحج الآيات من 26-30 Empty
مُساهمةموضوع: سورة الحج الآيات من 26-30   سورة الحج الآيات من 26-30 Emptyالسبت 04 يوليو 2020, 4:06 pm

وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ما دام الكلام السابق كان حول البيت الحرام، فمن المناسب أنْ يتكلم عن تاريخه وبنائه، فقال سبحانه: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ) (الحج: 26) معنى بَوَّأه: أي: جعله مَبَاءةً يعني: يذهب لعمله ومصالحه، ثم يبوء إليه ويعود، كالبيت للإنسان يرجع إليه، ومنه قوله تعالى: (وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ..) (البقرة: 61).

وإذ: ظرف زمان لحدث يأتي بعده الإخبار بهذا الحدث، والمعنى خطاب لرسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-: اذكر يا محمد الوقت الذي قيل فيه لإبراهيم كذا وكذا.

وهكذا في كل آيات القرآن تأتي (إذ) في خطاب لرسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- بحدث وقع في ذلك الظرف.

لكن، ما علاقة المباءة أو المكان المتبوّأ بمسألة البيت؟

قالوا: لأن المكان المتبوّأ بقعة من الأرض يختارها الإنسان؛ ليرجع إليها من متاعب حياته، ولا يختار الإنسان مثل هذا المكان إلا توفرتْ فيه كل مُقوِّمات الحياة.

لذلك يقول تعالى في قصة يوسف -عليه السلام-: (وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ..) (يوسف: 56).

وقال في شأن بني إسرائيل: (وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ..) (يونس: 93) فمعنى: (بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ..) (الحج: 26) أي: جعلناه مبَاءة له، يرجع إليه من حركة حياته بعد أنْ أعلمنَاهُ، ودَلَلْناه على مكانه.

وقلنا: إن المكان غير المكين، المكان هو البقعة التي يقع فيها ويحلُّ بها المكين، فأرض هذا المسجد مكان، والبناء القائم على هذه الأرض يُسمَّى "مكين في هذا المكان".

وعلى هذا فقد دَلَّ الله إبراهيم -عليه السلام- على المكان الذي سيأمره بإقامة البيت عليه.

وقد كان للعلماء كلام طويل حول هذه المسألة: فبعضهم يذهب إلى أن إبراهيم -عليه السلام- هو أول مَنْ بنى البيت.

ونقول لأصحاب هذا الرأي: الحق -تبارك وتعالى- بوَّأ لإبراهيم مكان البيت، يعني: بيَّنه له؛ كأن البيت كان موجوداً، بدليل أن الله تعالى يقول في القصة على لسان إبراهيم: (إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ..) (إبراهيم: 37).

وفي قوله تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ..) (البقرة: 127).

ومعلوم أن إسماعيل قد شارك أباه وساعده في البناء لما شَبَّ، وأصبح لديه القدرة على معاونة أبيه، أمّا مسألة السكن فكانت وإسماعيل ما يزال رضيعاً، وقوله تعالى: (عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ..) (إبراهيم: 37) يدل على أن العِنْدية موجودة قبل أنْ يبلغَ إسماعيل أنْ يساعد أباه في بناية البيت، إذن: هذا دليل على أن البيت كان موجوداً قبل إبراهيم.

وقد أوضح الحق -سبحانه وتعالى- هذه المسألة في قوله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) (آل عمران: 96).

وحتى نتفق على فَهْم الآية نسأل: مَنْ هُم الناس؟

الناس هم آدم وذريته إلى أن تقوم الساعة، إذن: فآدم من الناس، فلماذا لا يشمله عموم الآية، فالبيت وُضِع للناس، وآدم من الناس، فلابد أن يكون وُضِع لآدم أيضاً.

إذن: يمكنك القول بأن البيت وُضِع حتى قبل آدم؛ لذلك نُصدِّق بالرأي الذي يقول: إن الملائكة هي التي وضعتْ البيت أولاً، ثم طمسَ الطوفانُ معالم البيت، فدلَّ الله إبراهيم بوحي منه على مكان البيت، وأمره أنْ يرفعه من جديد في هذا الوادي.

ويُقال: إن الله تعالى أرسل إلى إبراهيم سحابة دَلَّتْه على المكان، ونطقتْ: يا إبراهيم خُذْ على قدري، أي: البناء.

ولو تدبرتَ معنى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ..) (البقرة: 127) الرَّفْع يعني: الارتفاع، وهو البعد الثالث، فكأن القواعد كان لها طُول وعَرْض موجود فعلاً، وعلى إبراهيم أنْ يرفعها.

لكن لماذا بوَّأ الله لإبراهيم مكان البيت؟

لما أسكن إبراهيم ذريته عند البيت قال: (رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ..) (إبراهيم: 37) كأن المسألة من بدايتها مسألة عبادة وإقامة للصلاة، الصلاة للإله الحقِ والربِّ الصِّدْق؛ لذلك أمره أولاً: (أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ) (الحج: 26) والمراد: طَهِّر هذا المكان من كل ما يُشعِر بالشرك، فهذه هي البداية الصحيحة لإقامة بيت الله.

وهل كان يُعقل أنْ يدخل إبراهيم -عليه السلام- في الشرك؟

بالطبع لا       

وما أبعدَ إبراهيمَ عن الشرك، لكن حين يُرسِل الله رسولاً، فإنه أول مَنْ يتلقَّى عن الله الأوامر ليُبلِّغ أمته، فهو أول مَنْ يتلقى، وأول مَنْ يُنفذ ليكون قدوةً لقومه فيُصدِّقوه ويثقوا به؛ لأنه أمرهم بأمر هو ليس بنَجْوة عنه.

ألا ترى قوله تعالى لنبيه محمد -صلّى اللهُ عليه وسلّم-: (يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ..) (الأحزاب: 1) وهل خرج محمد -صلّى اللهُ عليه وسلّم- عن تقوى الله؟

إنما الأمر للأمة في شخص رسولها، حتى يسهُلَ علينا الأمر حين يأمرنا ربنا بتقواه، ولا نرى غضاضةً في هذا الأمر الذي سبقنا إليه رسول الله؛ لأنك تلحظ أن البعض يأنف أن تقول له: يا فلان اتق الله، وربما اعتبرها إهانة واتهاماً، وظن أنها لا تُقال إلا لمَنْ بدر منه ما يخالف التقوى.

وهذا فَهْم خاطىء للأمر بالتقوى، فحين أقول لك: اتق الله.

لا يعني أنني أنفي عنك التقوى، إنما أُذكِّرك أنْ تبدأ حركة حياتك بتقوى الله.

إذن: قوله تعالى لإبراهيم -عليه السلام-: (أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً..) (الحج: 26) لا تعني تصوُّر حدوث الشرك من إبراهيم، وقال (شَيْئاً..) (الحج: 26) ليشمل النهيُ كُلَّ ألوان الشرك، أياً كانت صورته: شجر، أو حجر، أو وثن، أو نجوم، أو كواكب.

ويؤكد هذا المعنى بقوله: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ..) (الحج: 26) والتطهير يعني: الطهارة المعنوية بإزالة أسباب الشرك، وإخلاص العبادة لله وحده لا شريكَ له، وطهارة حِسّية ممّا أصابه بمرور الزمن وحدوث الطوفان، فقد يكون به شيء من القاذورات مثلاً.

ومعنى (لِلطَّآئِفِينَ..) (الحج: 26) الذين يطوفون بالبيت: (وَٱلْقَآئِمِينَ..) (الحج: 26) المقيمين المعتكفين فيه للعبادة (وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ) (الحج: 26) الذين يذهبون إليه في أوقات الصلوات لأداء الصلاة، عبَّر عن الصلاة بالركوع والسجود؛ لأنهما أظهر أعمال الصلاة.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً...).



سورة الحج الآيات من 26-30 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الحج الآيات من 26-30 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الحج الآيات من 26-30   سورة الحج الآيات من 26-30 Emptyالسبت 04 يوليو 2020, 4:07 pm

وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

أمر الله نبيه إبراهيم بعد أنْ رفع القواعد من البيت أنْ يُؤذِّن في الناس بالحج، لماذا؟

لأن البيت بَيْتُ الله، والخَلْق جميعاً خَلْقُ الله، فلماذا تقتصر رؤية البيت على مَنْ قُدِّر له أنْ يمرّ به، أو يعيش إلى جواره؟

فأراد الحق -سبحانه وتعالى- أنْ يُشيع هذه الميْزة بين خَلْقه جميعاً، فيذْهبوا لرؤية بيت ربهم، وإنْ كانت المساجد كلها بيوت الله، إلا أن هذا البيت بالذات هو بيت الله باختيار الله؛ لذلك جعله قبْلة لبيوته التي اختارها الخَلْق.

إن من علامات الولاء بين الناس أنْ نزور قصور العظماء وعِلْية القوم، ثم يُسجل الزائر اسمه في سِجلِّ الزيارات، ويرى في ذلك شرفاً ورِفْعة، فما بالك ببيت الله، كيف تقتصر زيارته ورؤيته على أهله والمجاورين له أو مَنْ قُدِّر لهم المرور به؟

ومعنى (أَذِّن..) (الحج: 27) الأذان: العلم، وأول وسائل العلم السماع بالأذن، ومن الأذن أُخذ الأذان.

أي: الإعلام.

ومن هذه المادة قوله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ..) (إبراهيم: 7) أي: أعلم؛ لأن الأذن وسيلة السماع الأولى، والخطاب المبدئي الذي نتعلَّم به؛ لذلك قبل أنْ تتكلَّم لابد أنْ تسمع.

وحينما أمر الله إبراهيم بالأذان لم يكُن حول البيت غير إبراهيم وولده وزوجته، فلمَنْ يُؤذِّن؟

ومَنْ سيستمع في صحراء واسعة شاسعة وواد غير مسكون؟

فناداه ربه: "يا إبراهيم عليك الأذان وعلينا البلاغ".

مهمتك أنْ ترفَع صوتك بالأذان، وعلينا إيصال هذا النداء إلى كل الناس، في كل الزمان، وفي كل المكان، سيسمعه البشر جميعاً، وهم في عالم الذَّرِّ وفي أصلاب آبائهم بقدرة الله تعالى الذي قال لنبيه محمد -صلّى اللهُ عليه وسلّم-: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ..) (الأنفال: 17).

يعني: أَدِّ ما عليك، واترك ما فوق قدرتك لقدرة ربك.

فأذَّنَ إبراهيم في الناس بالحج، ووصل النداء إلى البشر جميعاً، وإلى أن تقوم الساعة، فَمنْ أجاب ولَبَّى: لبيك اللهم لبيك كُتِبَتْ له حَجَّة، حتى إن من العلماء من قال: مَنْ لبَّى مرة كُتِبَتْ له حجة، ومَنْ لبَّى مرتين كتِبت له حجَّتيْن وهكذا، لأن معنى لبيك: إجابةً لك بعد إجابة.

فإنْ قُلْتَ: إن مطالب الله وأوامره كثيرة، فلماذا أخذ الحج بالذات هذه المكانة؟

نقول: أركان الإسلام تبدأ بالشهادتين: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم الصلاة، ثم الزكاة، ثم الصوم، ثم الحج، لو نظرتَ إلى هذه الأركان لوجدتَ أن الحج هو الركن الوحيد الذي يجتهد المسلم في أدائه وإنْ لم يكُن مستطيعاً له فتراه يوفر ويقتصد حتى من قُوته، وربما حرمَ نفسه لِيُؤدِّي فريضة الحج، ولا يحدث هذا ولا يتكلفه الإنسان إلا في هذه الفريضة، لماذا؟

قالوا: لأن الله تعالى حكم في هذه المسألة فقال: أَذِّن - يأتوكَ، هكذا رَغْماً عنهم، ودون اختيارهم، أَلاَ ترى الناس ينجذبون لأداء هذه الفريضة، وكأن قوة خارجة عنهم تجذبهم.

وهذا معنى قوله تعالى: (فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِيۤ إِلَيْهِمْ..) (إبراهيم: 37) ومعنى تهوي: تأتي دون اختيار من الْهُويِّ أي: السقوط، وهو أمر لا يملكه الإنسان، كالذي يسقط من مكان عالٍ، فليس له اختيار في ألاَّ يسقط.

وهكذا تحِنُّ القلوب إلى بيت الله، وتتحرَّق شَوْقاً إليه، وكأن شيئاً يجذبها لأداء هذه الفريضة؛ لأن الله تعالى أمر بهذه الفريضة، وحكم فيها بقوله (يَأْتُوكَ..) (الحج: 27) أما في الأمور الأخرى فقد أمر بها وتركها لاختيار المكلف، يطيع أو يعصي، إذن: هذه المسألة قضية صادقة بنصِّ القرآن.

وبعض أهل الفَهْم يقولون: إن الأمر في: (وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ..) (الحج: 27) ليس لإبراهيم، وإنما لمحمد -صلّى اللهُ عليه وسلّم- الذي نزل عليه القرآن، وخاطبه بهذه الآية، فالمعنى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ..) (الحج: 26) يعني: اذكر يا مَنْ أُنْزل عليه كتابي إذْ بوأنا لإبراهيم مكان البيت، اذكر هذه القضية (وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ..) (الحج: 27) فكأن الأمر هنا لمحمد -صلّى اللهُ عليه وسلّم-.

لذلك لا نشاهد هذا النُّسك في الأمم الأخرى كاليهود والنصارى، فهم لا يحجُّون ولا يذهبون إلى بيت الله أبداً، وقد ثبت أن موسى -عليه السلام- حَجَّ بيت الله، لكن لم يثبُت أن عيسى -عليه السلام- حَجَّ، بدليل أن رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- قال: "يُوشك أنْ ينزل ابن مريم، ويأتي حاجّاً، ويزور قبري، ويُدفن هناك".

فقال رسول الله: "ويأتي حاجّاً" لأنه لم يمُتْ، وسوف يدرك عهد التكليف من رسول الله حين ينزل من السماء، وسيصلي خلف إمام من أمة محمد صلى الله على جميع أنبياء الله ورُسُله.

ومن المسائل التي نحتجُّ بها عليهم قولهم: إن الذبيح إسحاق، فلو أن الذبيح إسحاق كما يدَّعون لكانت مناسك الذبح والفداء ورَمْي الجمار عندكم في الشام، أمّا هذه المناسك فهي هنا في مكة، حيث كان إسماعيل.

ثم تذكَّروا جيداً ما قاله كتابكم المقدس في الأصحاح 23، 24 من أن الحق -سبحانه وتعالى- أوحى إلى إبراهيم أن يصعد على جبل فاران، ويأخذ ولده الوحيد ويذبحه، فالوحيد إسماعيل لا إسحاق؛ لأن الله فدى إسماعيل، ثم بشَّر إبراهيم بإسحاق.

ومن حكمة الله -عز وجل- أنْ جعل في كذب الكاذب مَنْفذاً للحق، وثغرات نصل منها إلى الحقيقة؛ لذلك يقول رجال القضاء: ليست هناك جريمة كاملة أبداً، لابد أنْ يترك المجرم قرينة تدلُّ عليه مهما احتاط لجريمته، كأن يسقط منه شيء ولو أزرار من ملابسه، أو ورقة صغيرة بها رقم تليفون.. إلخ، لذلك نقول: الجريمة لا تفيد؛ لأن المجرم سيقع لا محالة في يد مَنْ يقتصُّ منه.

ولرجال القضاء ووكلاء النيابة مقدرة كبيرة على استخلاص الحقيقة من أفواه المجرمين أنفسهم، فيظل القاضي يحاوره إلى أنْ يجد في كلامه ثغرةً أو تضارباً يصل منه إلى الحقيقة.

ذلك لأن للصدق وجهاً واحداً لا يمكن أنْ يتلجلج صاحبه أو يتردد، أمّا الكذب فله أكثر من وجه، والكاذب نفسه لو حاورتَهُ أكثر من مرة لوجدتَ تغييراً وتضارباً في كلامه؛ لذلك العرب يقولون: إنْ كنتَ كذوباً فكُنْ ذَكُوراً.

يعني: تذكَّر ما قُلْته أولاً، حتى لا تُغيِّره بعد ذلك.

ومن أمثلة الكذب الذي يفضح صاحبه قَوْلُ أحدهم للآخر: هل تذكر يوم كنا في مكان كذا ليلة العيد الصغير، وكان القمر ظهراً!!                    

فقال: كيف، يكون القمر مثل الظهر في آخر الشهر؟

وقد يلجأ القاضي إلى بعض الحِيَل، ولابد أنْ يستخدم ذكاءه لاستجلاء وجه الحق، كالقاضي الذي احتكم إليه رجلان يتهم أحدهما الآخر بأنه أخذ ماله أمانة، ثم أخذها لنفسه ودفنها في موضع كذا وكذا، فلما حاور القاضي المتهم أنكر فانصرف عنه، وتوجَّه إلى صاحب الأمانة، وقال له: اذهب إلى المكان، وابحثْ لعلَّك تكون قد نسيتَه هنا أو هناك.

أو لعلّ آخر أخذه منك، فذهب صاحب المال، وفجأة سأل القاضي المتهم: لماذا تأخر فلان طوالَ هذا الوقت؟

فردَّ المتهم: لأن المكان بعيدٌ يا سيادة القاضي.

فخانتْه ذاكرته، ونطق بالحق دون أن يشعر.

ثم يقول تعالى: (يَأْتُوكَ رِجَالاً..) (الحج: 27) ورجالاً هنا ليست جَمْعاً لرجل، إنما جمع لراجل، وهو الذي يسير على رِجْلَيْه (وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ..) (الحج: 27) الضامر: الفَرَس أو البعير المهزول من طول السفر.

وتقديم الماشين على الراكبين تأكيد للحكم الإلهي (يَأْتُوكَ..) (الحج: 27) فالجميع حريص على أداء الفريضة حتى إنْ حَجَّ ماشياً.

وقوله: (يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ) (الحج: 27) أي: من كل طريق واسع (عَميِقٍ) (الحج: 27) يعني: بعيد.

ثم يقول الحق سبحانه: (لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ...).



سورة الحج الآيات من 26-30 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الحج الآيات من 26-30 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الحج الآيات من 26-30   سورة الحج الآيات من 26-30 Emptyالسبت 04 يوليو 2020, 4:08 pm

لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

كلمة (مَنَافِعَ..) كلمة عامة واسعة تشمل كل أنواع النفع: مادية دنيوية، أو دينية أُخروية، ولا ينبغي أنْ نُضيِّق ما وسَّعه الله، فكُلُّ ما يتصل بالحج من حركات الحياة يُعَد من المنافع، فاستعدادك للحج، وتدبير نفقاته وأدواته وراحلته فيها منافع لك ولغيرك حين توفر لأهلك ما يكفيهم حتى تعود.        

ما يتم من حركة بيع وشراء في مناطق الحج، كلها منافع متبادلة بين الناس، التاجر الذي يبيع لك، وصاحب البيت الذي يُؤجِّره لك، وصاحب السيارة التي تنقلك.

إذن: المنافع المادية في الحج كثيرة ومتشابكة، متداخلة مع المنافع الدينية الأخروية، فحين تشتري الهَدْي مثلاً تؤدي نُسُكاً وتنفع التاجر الذي باع لك، والمربِّي الذي ربَّى هذا الهَدْي، والجزار الذي ذبحه، والفقير الذي أكل منه.

إذن: لا يتم الحج إلا بحركة حياة واسعة، فيها نَفْع لك وللناس من حيث لا تدري، ولك أنْ تنظرَ في الهدايا التي يجلبها الحجاج معهم لأهليهم وذويهم، خاصة المصريين منهم، فترى بعضهم ينشغل بجَمْع هذه الأشياء قبل أنْ يُؤدِّي نُسُكه ويقضي معظم وقته في الأسواق، وكأنه لن يكون حاجاً إلا إذا عاد مُحمّلاً بهذه الهدايا.

لذلك كان يأتي إلينا بعض هؤلاء يسألون: أنا عليَّ دَم مُتْعة وليس معي نقود، فماذا أفعل؟

يريد أن يصوم.

صحيح: كيف سيُؤدي ما عليه وقد أنفق كُلَّ ما معه؟

فكنت أقول له: اعْطِني حقيبة سفرك، وسأبيع ما بها، ولن أُبقي لك إلا ما يكفيك من نفقات حتى تعود.

أليست هذه كلها من المنافع؟

ومن منافع الحج ان الحاجَّ منذ أنْ ينوي أداء هذه الفريضة ويُعِد نفسه لها إعداداً مادياً، وإعداداً نفسياً معنوياً، فيحاول أنْ يُعيد حساباته من جديد، ويُصلح من نفسه ما كان فاسداً، وينتهي عَمَّا كان يقع فيه من معصية الله، ويُصلِح ما بينه وبين الناس، إذن: يجري عملية صَقْل خاصة تُحوِّله إلى إنسان جديد يليق بهذا الموقف العظيم، ويكون أهْلاً لرؤية بيت الله والطواف به.

ومن الإعداد للحج أنْ يتعلّم الحاجُّ ما له وما عليه، ويتأدب بآداب الحج فيعرف محظوراته وما يحرُم عليه، وأنه سوف يتنازل عن هِنْدامه وملابسه التي يزهو بها، ومكانته التي يفتخر بها بين الناس، وكيف أن الإحرام يُسوِّي بين الجميع.

يتعلم كيف يتأدَّب مع نفسه، ومع كل أجناس الكون من حوله، مع نفسه فلا يُفكّر في معصية، ولا تمتدّ يده حتى على شعرة من شعره، أو ظُفْر من أظافره ولا يقْربُ طيباً، ولا حتى صابونة لها رائحة.

والعجيب أن الحاج ساعة يدخل في الإحرام يحرص كل الحرص على هذه الأحكام، وأتحدى أيَّ إنسان ينوي الحج ويأخذ في الإحرام به، ثم يفكر في معصية؛ لأنه يُعِدُّ نفسه لمرحلة جديدة يتطهر فيها من الذنوب، فكيف يكتسب المزيد منها وقد أتى من بلاد بعيدة ليتطهر منها؟

وفي الحجِّ يتأدب الحاج مع الحيوان، فلا يصيده ولا يقتله، ومع النبات فلا يقطع شجراً.

يتأدَّب حتى مع الجماد الذي يعتبره أَدْنى أجناس الكون، فيحرص على تقبيل الحجر الأسود، ويجتهد في الوصول إليه، فإنْ لم يستطع أشار إليه بيده.

إن الحج التزام وانضباط يفوق أيَّ انضباط يعرفه أهل الدنيا في حركة حياتهم، ففي الحج ترى هذا الإنسان السيد الأعلى لكل المخلوقات كَمْ هو منكسر خاضع مهما كانت منزلته، وكم هي طمأنينة النفس البشرية حين تُقبِّل حجراً وهي راضية خاضعة، بل ويحزن الإنسان إذ لم يتمكن من تقبيل الحجر.

ثم يقول الحق -سبحانه وتعالى-: (وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ..) (الحج: 28) يذكروا اسم الله؛ لأن كل أعمال الحج مصحوبة بذكر الله وتلبيته، فَمَا من عمل يُؤدِّيه الحاجّ إلا ويقول: لبيك اللهم لبيك.

وتظل التلبية شاغله ودَيْدنه إلى أنْ يرمي جمرة العقبة، ومعنى "لبيك اللهم لبيك" أن مشاغل الدنيا تطلبني، وأنت طلبتني لأداء فَرْضِك عليَّ، فأنا أُلبِّيك أنت أولاً؛ لأنك خالقي وخالق كل ما يشغلني ويأخذني منك.

والأيام المعلومات هي: أيام التشريق.

ومعنى: (عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ..) (الحج: 28) أي: يشكرون الله على هذا الرزق الوقتي الذي يأكلون منه ويشربون، ويبيعون ويشترون في أوقات الحج.

أو يشكرون الله على أنْ خلقَ لهم هذه الأنعام، وإنْ لم يحجُّوا، ففي خَلْق الأنعام -وهي الإبل والبقر والغنم والماعز- وتسخيرها للإنسان حكمة بالغة، ففضلاً عن الانتفاع بلحمها وألبانها وأصوافها وأوبارها اذكروا الله واشكروه أنْ سخَّرها لكم، فلولا تسخير الله لها لَمَا استطعتُم أنْ تنتفعوا بها، فالجمل مثلاً هذا الحيوان الضخم يقوده الطفل الصغير، وينُيخه ويحمله في حين لم يستطع الإنسان تسخير الثعبان مثلاً أو الذئب.

لذلك يقول تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ..) (يس: 71-72).

لذلك نذكر الله ونشكره على ما رزقنا من بهيمة الأنعام استمتاعاً بها أَكْلاً، أو استمتاعاً بها بَيْعاً أو زينة، كما قال تعالى: (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) (النحل: 6).

ولولا أن الله تعالى ذَلَّلها لِخدمتك ما استطعْتَ أنت تذليلها والانتفاع بها؛ لذلك من حكمة الله أنْ يترك بعض خَلْقه غير مُسْتأنس، ولا يمكن لك بحال أن تستأنسه أو تُذلّله لتظل على ذِكْر لهذه النعمة؛ وتشكر الله عليها.

وسبق أن ضربنا مثلاً بالبرغوث، وهو من أَدْنى هذه المخلوقات، ولا تكاد تراه، ومع ذلك لا تقدر عليه، وربما أقضَّ مَضْجعك، وأقلق نومك طوال الليل.

وتلمس هذه النعمة في الجمل الذي يقوده الصبي الصغير، إذا حرن منك فلا تستطيع أن تجعله يسير رغماً عنه، أو صَالَ فلا يقدر عليه أحد، وقد يقتل صاحبه ويبطش بمَنْ حوله.

إذن: لا قدرة لك عليه بذاتك، إنما بتذليل الله يمكن الانتفاع به، فتسوقه إلى نَحْره، فيقف ساكناً مُسْتسلماً لك.

والمتأمل في حال الحيوانات التي أحلها الله لنا يجد أمرها عجيباً، فالحيوان الذي أحلَّه الله لك تظل تنتفع به طوال عمره، فإذا ما تعرّض لما يُزهِق روحه، ماذا يفعل؟

يرفع رأسه إلى أعلى، ويعطيك مكان ذَبْحه، وكأنه يقول لك: أنا في اللحظات الأخيرة فاجتهد في أنْ تنتفع بلحمي، وأهل الريف إذا شاهدوا مثل هذه الحالة يقولون: طلب الحلال يعني الذبح.

أما الحيوان الذي لا يُذبح ولا يُحله الله فيموت مُنكَّس الرأس؛ لأنه لا فائدة منه.

هذا الحيوان الذي نتهمه بالغباء ونقول أنه بهيم.. إلخ لو فكرتَ فيه لَتغيَّر رأيُك، فالحمار الذي نتخذه رَمْزاً للغباء وعدم الفَهْم تسوقه أمامك وتُحمِّله القاذورات وتضربه فلا يعترض عليك ولا يخالفك، فإنْ نظفْته وزيَّنْتَه بلجام فضة، وبردعة قطيفة تتخذه رُكُوبة وزينة ويسير بك ويحملُك، وأنت على ظهره، فإنْ غضبتَ عليه واستخدمْته في الأحمال وفي القاذورات تحمَّل راضياً مطيعاً ..

وانظر إلى هذا الحمار الذي نتخذه مثالاً للغباء، إذا أردتَ منه أن يقفز قناة أوسع من مقدرته وإمكانياته، فإنه يتراجع، ومهما ضربتَه وقسوْتَ عليه لا يُقدِم عليها أبداً؛ لأنه يعلم مدى قفزته، ويعلم مقدرته، ولا يُقدِم على شيء فوق ما يطيق، وبعد ذلك نقول عنه: حمار!!                    

ثم يقول الحق -سبحانه وتعالى-: (فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ) (الحج: 28).

البائس: هو الذي يبدو على سِحْنته وشكله وزِيِّه أنه فقير محتاج، أما الفقير فهو محتاج الباطن، وإنْ كانَ ظاهره اليُسْر والغِنَى، وهؤلاء الفقراء لا يلتفت الناس إليهم، وربما لا يعلمون حالهم وحاجتهم، وقد قال الله فيهم: (يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً..) (البقرة: 273).

والمعنى: كُلُوا مما يُبَاح لكم الأكل منه، وهي الصدقة المحضة، أو الهدية للبيت غير المشروطة بشيء، يعني: لا هي دم قِرَان أو تمتُّع، ولا هي فدية لمخالفة أمر من أمور الإحرام، أو كانت نذراً فهذه كلها لا يؤكَل منها.

إذن: كلوا من الصدقة والتطوع، وأطعموا كذلك البائس والفقير، ومن رحمة الله بالفقراء أنْ جعل الأغنياء والمياسير هم الذين يبحثون عن الذبائح ويشترونها ويذهبون لمكان الذبح ويتحمَّلون مشقة هذا كله، ثم يبحثون عن الفقير ليعطوه وهو جالس في مكانه مستريحاً، يأتيه رِزْقه من فَضْل الله سهلاً مُيسّراً.

لذلك يقولون: من شرف الفقير أنْ جعله الله ركناً من أركان إسلام الغنيّ، أي: في فريضة الزكاة، ولم يجعل الغني ركناً من أركان إسلام الفقير.

ثم يقول الحق سبحانه: (ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ...).



سورة الحج الآيات من 26-30 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الحج الآيات من 26-30 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الحج الآيات من 26-30   سورة الحج الآيات من 26-30 Emptyالسبت 04 يوليو 2020, 4:09 pm

ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

(لْيَقْضُواْ..) (الحج: 29) كلمة قضاء تُقال، إما لقضاء الله الذي يقضيه على الإنسان مثلاً، وهو أمر لازم محكوم به، وإما قضاء من إنسان بين متخاصمين، وأول شيء في مهمة القضاء أن يقطع الخصومة، كأن المعنى (لْيَقْضُواْ..) (الحج: 29) أي: يقطعوا.

ومعنى (تَفَثَهُمْ..) (الحج: 29) لما نزل القرآن بهذه الكلمة لم تكن مستعملة في لسان قريش، ولم تكن دائرة على ألسنتهم، فسألوا عنها أهل البادية، فقالوا: التفَثُ يعني: الأدران والأوساخ التي تعلَقُ بالجسم، فقالوا: والله لم نعرفها إلا ساعةَ نزل القرآن بها.

فالمراد -إذن- ليقطعوا تفثهم أي الأدران التي لحقتهم بسبب التزامهم بأمور الإحرام، حيث يمكث الحاجُّ أيام الحج مُحْرِماً لا يتطيب، ولا يأخذ شيئاً من شعره أو أظافره، فإذا ما أنهى أعمال الحج وذبح هَدْية يجوز له أنْ يقطع هذا التفث، ويزيل هذه الأدران بالتحلُّل من الإحرام، وفِعْل ما كان محظوراً عليه.

وقوله تعالى: (وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ..) (الحج: 29) إن كان قد نذر لله شيئاً فعليه الوفاء به.

(وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ) (الحج: 29) يعني: طواف الإفاضة، والطواف: أنْ تدور حول شيء بحيث تبدأ وتنتهي، وتبدأ وتنتهي، وهكذا، وقد وصف البيت بأنه عتيق، وكلمة عتيق استعملت في اللغة استعمالات واسعة، منها: القديم، وما دام هو أول بيت وُضِع للناس فهو إذن قديم، والقِدَم هنا صفة مدح؛ لأنها تعني الشيء الثمين الذي يُحافظ عليه ويُهتَم به.

كما نرى عند بعض الناس أشياء ثمينة ونادرة يحتفظون بها ويتوارثونها يُسَمُّونَهَا "العاديات" مثل: التُّحَف وغيرها، وكلما مَرَّ عليها الزمن زادتْ قيمتها، وغلا ثمنها.

والعتيق: الشيء الجميل الحسن، والعتيق: المعتوق من السيطرة والعبودية لغيره، فما المراد بوصف البيت هنا بأنه عتيق؟

وَصْف البيت بالقِدَم يشمل كُلَّ هذه المعاني: فهو قديم؛ لأنه أول بيت وُضِع للناس، وهو غالٍ ونفيس ونادر حيث نرى فيه مَا لا نراه في غيره من آيات، ويكفي أن رؤيته والطواف به تغفر الذنوب، وهو بيت الله الذي لا مثيلَ له.

وهو كذلك عتيق بمعنى معتوق من سيطرة الغير؛ لأن الله حفظه من اعتداء الجبابرة، ألاَ ترى قصة الفيل، وما فعله الله بأبرهة حين أراد هَدْمه؟

حتى الفيل الذي كان يتقدَّم هذا الجيش أدرك أن هذا اعتداءٌ على بيت الله، فتراجع عن البيت، وأخذ يتوجَّه أي وجهة أرادوا إلا ناحية الكعبة.

ويُقال: إن رجلاً تقدّم إلى الفيل.

وقال في أذنه: ابْرُك محمود - اسم الفيل - وارجع راشداً فإنك ببلد الله الحرام.

وقد عبَّر الشاعر عن هذا الموقف، فقال:
حُبِسَ الفيل بالمُغَمَّسِ حَتَّى ظَلَّ يعوي كأنه مَعْقُور

ثم يُنْزِلُ اللهُ عليهم الطير الأبابيل التي ترميهم بالحجارة حتى الموت.

لذلك لما ذهب عبد المطلب جَدُّ الرسول -صلّى اللهُ عليه وسلّم- ليُكلِّم أبرهة في الإبل المائة التي أخذها من إبله، قال أبرهة: لقد كنتُ أهابك حين رأيتُك، لكنك سقطت من نظري لَمَّا كلَّمتني في مائة بعير أصبْتها لك، وتركتَ البيت الذي فيه مجدُكم وعزُّكم.

فماذا قال عبد المطلب؟

قال: أمَّا الإبلُ فإنها لي، أمَّا البيت فلهُ رَبٌّ يحميه.

البعض يتهم عبد المطلب لمقالته هذه بالسَّلبيَّة، وليست هذه سلبيَّة من كبير قريش، إنما ثقةً منه في حماية الله لبيته؛ لذلك رَدَّه إلى أقوى منه، وكأنه قال: إنْ كنتُ أحميه أنا، فسأحميه بقوتي وقدرتي وحيلتي، لكنني أريد أنْ أرعبه بقدرة الله وقوته، وما سلَّمتُ البيت إلاَّ وأنا واثق أن ربَّ البيت سيحميه، وهذه تُزلزل العدو وتُربكه.

وما أشبه موقف عبد المطلب بموقف موسى -عليه السلام-، لما قال له قومه: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) (الشعراء: 61) فقال في يقين وثقة: (كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء: 62).

إذن: لم يكُنْ عبد المطلب سلبياً كما يتهمه البعض، بل كان إيجابياً من النوع الراقي، فلو كان إيجابياً بالمعنى الذي تريدون لأعطتْه هذه الإيجابية منعةً بقوته هو، إنما تصرُّفه وما تعتبرونه سلبية أعطاه منعةً بقدرة الله وقُوَّته سبحانه؛ لذلك تدخَّلتْ فوراً جنود السماء.

لكن لماذا الطواف والدوران حول الكعبة؟

قالوا: لأن المسلم وهو غائب عن الكعبة يُصلِّي لجهتها، كلّ حسب موقعه منها، فتجد المسلمين في كل أنحاء العالم يتجهون نحوها، كل من ناحية، هذا من الشمال، وهذا من الجنوب، وهذا من الشرق، وهذا من الغرب، يعني بكل الجهات الأصلية والفرعية.

فإذا ما ذهبتَ إلى الكعبة ذاتها، وتشرفتَ برؤيتها، فهل تستقبلها من نفس المكان الذي كنتَ تتجه إليه في صلاتك وغيرك وغيرك؟

إذن: فكل اتجاهات الكعبة سواء لك ولغيرك، كما قال تعالى: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ..) (البقرة: 115) فليس هناك مكان أَوْلَى من مكان؛ لذلك نطوف حول البيت.

ثم يقول الحق سبحانه: (ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ...).



سورة الحج الآيات من 26-30 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الحج الآيات من 26-30 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الحج الآيات من 26-30   سورة الحج الآيات من 26-30 Emptyالسبت 04 يوليو 2020, 4:10 pm

ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

(ذٰلِكَ..) إشارة إلى الكلام السابق بأنه أمْر واضح، لكن استمع إلى أمر جديد سيأتي، فهنا استئناف كلام على كلام سابق، فبعد الكلام عن البيت وما يتعلَّق به من مناسك الحج يستأنف السياق: (وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ..) (الحج: 30) فالحق -سبحانه- يريد لعبده أنْ يلتزمَ أوامره بفعل الأمر واجتناب النهي، فكُلُّ أمر لله يَحرُم عليك أن تتركه، وكلّ نَهْي يحرم عليك أنْ تأتيه، فهذه هي حرمات الله التي ينبغي عليك تعظيمها بطاعة الأمر واجتناب النهي.

وحين تُعظِّم هذه الحرمات لا تُعظمها لذاتها، فليس هناك شيء له حُرْمة في ذاته، إنما تُعظِّمها لأنها حرمات الله وأوامره؛ لذلك قد يجعل الالتزام بها مُتغيّراً، وقد يطرأ عليك ما يبدو متناقضاً في الظاهر.

فالوضوء مثلاً، البعض يرى فيه نظافة للبدن، فإذا انقطع الماء وعُدِم وجوده حَلَّ محلّه التيمُم بالتراب الطاهر الذي نُغبِّر به أعضاء التيمم، إذن: ليس في الأمر نظافة، إنما هو الالتزام والانقياد واستحضار أنك مُقْبل على أمر غير عادي يجب عليك أنْ تتطَّهر له بالوضوء، فإنْ أمرتُكَ بالتيمم فعليك الالتزام دون البحث في أسباب الأمر وعِلّته.

وهكذا يكون الأدب مع الأوامر وتعظيمها؛ لأنها من الله، ولِمَ لا ونحن نرى مثل هذا الالتزام أو رياضة التأديب في الالتزام في تعاملاتنا الطبيعية الحياتية، فمثلاً الجندي حين يُجنَّد يتعلم أول ما يتعلم الانضباط قبل أنْ يُمسِك سلاحاً أوْ يتدرب عليه، يتعلم أن كلمة "ثابت" معناها عدم الحركة مهما كانت الظروف فلو لَدغه عقرب لا يتحرك.

ويدخل المدرب على الجنود في صالة الطعام فيقول: ثابت فينفذ الجميع..

الملعقة التي في الطبق تظل في الطبق، والملعقة التي في فم الجندي تظل في فمه، فلا ترى في الصالة الواسعة حركة واحدة.

وهذا الانضباط الحركي السلوكي مقدمة للانضباط في الأمور العسكرية الهامة والخطيرة بعد ذلك.

إذن: فربُّك -عز وجل- أَوْلَى بهذا الانضباط؛ لأن العبادة ما هي إلا انضباط عابد لأوامر معبود وطاعة مطلقة لا تقبل المناقشة؛ لأنك لا تؤديها لذاتها وإنما انقياداً لأمر الله، ففي الطواف تُقبِّل الحجر الأسود، وفي رمي الجمار ترمي حجراً، وهذا حجر وذاك حجر، هذا ندوسه وهذا نُقبِّله فَحَجر يُقَبَّل وحَجر يُقَنْبل؛ لأن المسألة مسألة طاعة والتزام، هذا كله من تعظيم حرمات الله.

لذلك الإمام علي -رضي الله عنه- يلفتنا إلى هذه المسألة فيقول في التيمم: لو أن الأمر كما نرى لكان مسح باطن القدم أَوْلَى من ظاهرها؛ لأن الأوساخ تعلق بباطن القدم أولاً.

وقد ذكرنا في الآيات السابقة أن الحرمات خمس: البيت الحرام، والمسجد الحرام، والبلد الحرام، والمشعر الحرام، والشهر الحرام، وحرمات الله هي الأشياء المحرمة التي يجب ألاَّ تفعلها.

ثم يُبيِّن الحق سبحانه جزاء هذا الالتزام: (فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ..) (الحج: 30) الخيرية هنا ليست في ظاهر الأمر وعند الناس أو في ذاته، إنما الخيرية للعبد عند الله.

ثم يقول سبحانه: (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ..) (الحج: 30) قد تقول: كيف وهي حلال من البداية وفي الأصل، قالوا: لأنه لما حرَّم الصيد قد يظن البعض أنه حرام دائماً فلا ينتفعون بها، فبيَّن سبحانه أنها حلال إلا ما ذُكر تحريمه، ونصَّ القرآن عليه في قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ..) (المائدة: 3).

وقوله تعالى: (وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ..) (الأنعام: 121).

ومعنى: (فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ..) (الحج: 30) الرجْس: النجاسة الغليظة المتغلغلة في ذات الشيء.

يعني: ليست سطحية فيه يمكن إزالتها، وإنما هي في نفس الشيء لا يمكن أنْ تفصلها عنه.

(وَٱجْتَنِبُواْ..) (الحج: 30) لا تدل على الامتناع فقط، إنما على مجرد الاقتراب من دواعي هذه المعصية؛ لأنك حين تقترب من دواعي المعصية وأسبابها لابد أن تداعبك وتشغل خاطرك، ومَنْ حام حول الشيء يوشك أنْ يقع فيه، لذلك لم يقُل الحق -سبحانه وتعالى- امتنعوا إنما قال: اجتنبوا، ونعجب من بعض الذين أسرفوا على أنفسهم ويقولون: إن الأمر في اجتنبوا لا يعني تحريم الخمر، فلم يَقُلْ: حُرِّمَتْ عليكم الخمر.

نقول: اجتنبوا أبلغ في النهي والتحريم وأوسع من حُرِّمَتْ عليكم، لو قال الحق -تبارك وتعالى- حُرّمت عليكم الخمر، فهذا يعني أنك لا تشربها، ولكن لك أن تشهد مجلسها وتعصرها وتحملها وتبيعها، أما اجتنبوا فتعني: احذروا مجرد الاقتراب منها على أيِّ وجه من هذه الوجوه.

لذلك، تجد الأداء القرآني للمطلوبات المنهجية في الأوامر والنواهي من الله يُفرِّق بين حدود ما أحلَّ الله وحدود ما حرَّم، ففي الأوامر يقول: (تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا..) (البقرة: 229).

وفي النواهي يقول: (تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا..) (البقرة: 187).

ففي الأوامر وما أحلَّ الله لك قِفْ عند ما أحلَّ، ولا تتعداه إلى غيره، أمَّا المحرمات فلا تقترب منها مجردَ اقتراب، فلما أراد الله نَهْي آدم وحواء عن الأكل من الشجرة قال لهما: (وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ..) (البقرة: 35).

وبعد أن أمر الحق سبحانه باجتناب الرجْس في عبادة الأصنام قال: (وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ) (الحج: 30) فقرن عبادة الأوثان بقول الزُّور، كأنهما في الإثم سواء؛ لذلك النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- سلَّم يوماً من صلاة الصبح، ثم وقف وقال: "ألا وإن شهادة زور جعلها الله بعد الأوثان".

لماذا؟

لأن في شهادة الزور جماع لكل حيثيات الظلم، فساعةَ يقول: ليس للكون إله، فهذه شهادة زور، وقائلها شاهد زور، ساعة يقول: الإله له شريك فهذه شهادة زور، وقائلها شاهد زور، كذلك حين يظلم أو يُغير في الحقيقة، أو يذمُّ الآخرين، كلها داخلة تحت شهادة الزور.

ولما عدَّد النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- الكبائر، قال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟

قلنا: بلى يا رسول الله.

قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين -وكان متكئاً فجلس- فقال: ألا وقول الزور ألا وقول الزور، قال الراوي: فما زال يكررها حتى قلنا (ليته سكت) أو حتى ظننا أنه لا يسكت".

ويقولون في شاهد الزور: يا شاهد الزور أنت شر منظور، ضلَّلتَ القُضاة، وحلفت كاذباً بالله.

ومن العجيب في شاهد الزور أنه أول ما يسقط من نظر الناس يسقط من نظر مَنْ شهد لصالحه، فرغم أنه شَهِد لصالحك، ورفع رأسك على خَصْمك لكن داستْ قدمك على كرامته وحقَّرته، ولو تعرَّض للشهادة في قضية أخرى فأنت أول مَنْ تفضحه بأنه شهد زوراً لصالحك.

ثم يقول الحق سبحانه: (حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ...).



سورة الحج الآيات من 26-30 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة الحج الآيات من 26-30
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة الحج الآيات من 36-40
» سورة الحج الآيات من 41-45
» سورة الحج الآيات من 46-50
» سورة الحج الآيات من 51-55
» سورة الحج الآيات من 56-60

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: الحج-
انتقل الى: