منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة الحج الآيات من 36-40

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الحج الآيات من 36-40 Empty
مُساهمةموضوع: سورة الحج الآيات من 36-40   سورة الحج الآيات من 36-40 Emptyالسبت 04 يوليو 2020, 4:21 pm

وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٣٦)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

بعد أن تكلم الحق -سبحانه وتعالى- في النفقة مِمَّا رزقكم الله تكلَّم في النفقة في البُدْن، والبُدْن: جمع بَدَنة، وهي الجمل أو الناقة، أو ما يساويهما من البقر، وسمَّاها بَدَنة إشارة إلى ضرورة أنْ تكون بدينة سمينة وافرة، ولابد أنْ تراعي فيها هذه الصفة عند اختيارك للهَدْي الذي ستُقدمه لله، واحذر أن تكون من أولئك الذين يجعلون لله ما يكرهون، إنما كُنْ من الذين قال الله لهم: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ..) (البقرة: 267).

وقوله تعالى: (فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ..) (الحج: 36) أي: اذكروا الله بالشكر على أنْ وهبها وذلَّلها لكم، واذكروا اسم الله عليها حين ذَبْحها.

ومعنى (صَوَآفَّ..) (الحج: 36) يعني: واقفةً قائمة على أرْجُلها، لا ضعفَ فيها ولا هُزَال، مصفوفة وكأنها في معرض أمامك.

وهذه صفات البُدْن الجيدة التي تناسب هذه الشعيرة وتليق أنْ تُقدَّمْ هَدْياً لبيت الله.

ومعنى: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا..) (الحج: 36) وجبَ الشيء وجباً يعني: سقط سقوطاً قوياً على الأرض، ومعلوم أن البَدَنة لا تُذبح وهي مُلْقاة على الأرض مثل باقي الأنعام، وإنما تُنْحر وهي واقفة، فإذا ما نُحِرَتْ وقعتْ على الأرض وارتمتْ بقوة من بدانتها.

(فَكُلُواْ مِنْهَا..) (الحج: 36) وقلنا: إن الأكل لا يكون إلا من الهَدْي المحض والتطوع الخالص الذي لا يرتبط بشيء من مسائل الحج، فلا يكون هَدْيَ تمتُّع أو قِرَان، ولا يكون جِبْراً لمخالفة، ولا يكون نَذْراً.. إلخ.

وعِلَّة الأمر بالأكل من الهَدْي؛ لأنهم كانوا يتأففون أنْ يأكلوا من المذبوح للفقراء، وكأن في الأمر بالأكل منها إشارة لوجوب اختيارها مما لا تعافه النفس.

ومعنى: (ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ..) (الحج: 36) القانع: الفقير الذي يتعفَّف أنْ يسأل الناس، والمعترّ: الفقير الذي يتعرَّض للسؤال.

ثم يقول سبحانه: (كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ..) (الحج: 36) يعني: سخّرناها لكم، ولو في غير هذا الموقف، لقد سخَّرها الله لكم منذ وُجِد الإنسان؛ لذلك عليكم أنْ تشكروا الله على أنْ أوجدها وملّككم إياها، وتشكروه على أنْ سخَّرها وذلَّلها لكم، وتشكروه على أنْ هداكم للقيام بهذا المنسك، وأداء هذه الشعيرة وعمل هذا الخير الذي سيعود عليكم بالنفع في الدنيا وفي الآخرة.

ثم يقول الحق سبحانة: (لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ...).



سورة الحج الآيات من 36-40 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الحج الآيات من 36-40 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الحج الآيات من 36-40   سورة الحج الآيات من 36-40 Emptyالسبت 04 يوليو 2020, 4:27 pm

لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (٣٧)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ذلك لأنهم كانوا قبل الإسلام حين يذبحون للأوثان يُلطّخون الصنم بدماء الذبيحة، كأنهم يقولون له: لقد ذبحنا لك، وها هي دماء الذبيحة، وفي هذا العمل منهم دليل على غبائهم وحُمْق تصرفهم، فهم يروْن أنهم إذا لم يُلطِّخوه بالدم ما عرف أنهم ذبحوا من أجله.

وهنا ينبه الحق -سبحانه وتعالى- إلى هذه المسألة: (لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا..) (الحج: 37) يعني: لا يأخذ منها شيئاً، وهو سبحانه قادر أنْ يعطي الفقير الذي أمرك أنْ تعطيه، ويجعله مثلك تماماً غير محتاج.

إنما أراد سبحانه من تباين الناس في مسألة الفقر والغني أن يُحدِث توازناً في المجتمع، فالمجتمع ليس آلة ميكانيكية تسير على وتيرة واحدة، إنما هي حياة بشر لابد أنْ تقومَ على الحاجة وعلى التكامل، فلابد من هذه التفاوتات بين الناس، ثم تتدخّل الشرائع السماوية فتأخذ من القوي وتعطي الضعيف، وتأخذ من الغني وتعطي الفقير..

وساعتها، نقضي على مشاعر الحقد والحسد والبغضاء والأَثَرة.

فحين يعطي القويُّ الضعيفَ من قوته لا يحسده عليها، ويتمنى له دوامها؛ لأن خيرها يعود عليه، وحين يعطي الغنّي مما أفاض الله عليه للفقير يُؤلِّف قلبه، ويجتثّ منه الغِلَّ والحسد، ويدعو له بدوام النعمة.

لابد من هذا التفاوت ليتحقق فينا قول الرسول -صلّى اللهُ عليه وسلّم-: "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص، يشدُّ بعضه بعضاً".

لذلك، ترى صاحب النعمة الذي ينثر منها على غيره، إنْ أصابته في ماله مصيبة يحزن له الآخرون ويتألمون بألمه؛ لأن نعمته تفيض عليهم، وخيرُه ينالهم.

وأهل الريف إلى عهد قريب كان الواحد منهم يُربِّي البقرة أو الجاموسة؛ ليحلب لبنها، وكان لا ينسى الجيران وأهل الحاجة، فكانوا يدعُونَ الله له أنْ يبارك له في ماله، وإنْ أصابته ضرَّاء في ماله حَزِنوا من أجله.

إذن: حين تفيض من نعمة الله عليك على مَنْ حُرِم منها تدفع عن نفسك الكثير من الحقد والحسد، فإنْ لم تفعل فلا أقلَّ من إخفاء هذا الخير عن أعْيُنِ المحتاجين حتى لا تثير حفائظهم، وربما لو رآك الرجل العاقل يُردعه إيمانه فلا تمتدّ عيناه إلى ما في يدك، إنما حين يراك الأطفال الصغار تحمل ما حُرِموا منه، أو رأوا ولدك يأكل وهم محرومون هنا تكون المشكلة وقوله تعالى: (وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ..) (الحج: 37).

واتقاء الله هو اتباع منهجه، فيُطاع الله باتباع المنهج فلا يُعصي، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر، وطريق الطاعة يوجد في اتباع المنهج بـ "افعل" و "لا تفعل"، ويُذكر فلا يُنسى؛ لأن العبد قد يطيع الله ويُنفِّذ منهج الله، ولكن النعم التي خلقها الله قد تشغل العبد عن الله، والمنهج يدعوك أنْ تتذكر في كل نعمة مَنْ أنعم بها، وإياك أنْ تُنسيَك النعمةُ المنعِمَ.

ثم يقول تبارك وتعالى: (كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ) (الحج: 37).

تلحظ هنا مسألة المتشابهات في القرآن الكريم، ففي الآية السابقة ذَيَّلها الحق سبحانه بقوله: (كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الحج: 36).

هذه المتشابهات يقف عندها العلماء الذين يبحثون في القرآن ويُقلِّبون في آياته؛ لذلك يجمعون مثل هذه الآيات المتشابهة التي تتحدَّث في موضوع واحد ويُرتِّبونها في الذِّهن؛ لذلك لا يُؤتمنون على الحِفْظ، ومن هُنا قالوا: ينبغي لمَنْ أراد حِفْظ القرآن أنْ يدعَ مسألة العلم جانباً أثناء حِفْظه، حتى إذا نَسِيَ كلمةً وقف مكانه لا يتزحزح إلى أنْ يعرفها، أمّا العالم فربما وضع مُرادفها مكانها، واستقام له المعنى.

والمُراد بقوله تعالى: (لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ..) (الحج: 37) يعني: تذكرونه وتشكرونه على ما وفّقكم إليه من هذه الطاعات (وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ..) (الحج: 37) بشِّر يعني: أخْبِرْ بشيء سَارٍّ قبل مَجِيء زمنه، ليستعد له المبشَّر ويفرح به، كذلك الإنذار: أن تخبر بشيء سيء قبل حلوله أيضاً؛ ليستعد له المنذر، ويجد الفرصة التي يتلافى فيها خطأه، ويُجنِّب نفسه ما يُنذَر به، ويُقبل على ما يُنجِيه.

و (ٱلْمُحْسِنِينَ..) (الحج: 37): جمع مُحسِن، والإحسان: أعلى مراتب الإيمان، وهو أنْ تُلزِم نفسك بشيء من طاعة الله التي فرضها عليك فوق ما فرض، فربُّك -عز وجل- فرض عليك خمس صلوات في اليوم والليلة، وفي إمكانك أنْ تزيد من هذه الصلوات ما تشاء، لكن من جنس ما فرض الله عليك، لا تخترع أنت عبادة من عندك، كذلك الأمر في الصوم، وفي الزكاة، وفي الحج، وفي سائر الطاعات التي ألزمك الله بها، فإنْ فعلت هذا فقد دخلتَ في مقام الإحسان.

وفي الإحسان أمران: مُحسن به وهو العبادة أو الطاعة التي تُلزِم نفسك بها فوق ما فرض الله عليك، ودافعٌ عليه، وهو أن تؤدي العمل كأن الله يرقبك، كما جاء في حديث جبريل: "والإحسان أنْ تعبدَ الله كأنك تراه، فإنْ لم تكُنْ تراه فإنه يراك".

فمراقبتك لله ومراعاتك لنظره تعالى إليك، يدفعك إلى هذا الإحسان، أَلاَ ترى العامل الذي تباشره وتُشرِف عليه، وكيف يُنهِي العمل في موعده؟

وكيف يُجيده؟

على خلاف لو تركتَه وانصرفْتَ عنه.

فإنْ لم تَصِل إلى هذه المرتبة التي كأنك ترى الله فيها، فلا أقلَّ من أنْ تتذكر نظره هو إليك، ومراقبته سبحانه لحركاتك وسكناتك.

لذلك، في سورة الذاريات: (إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ) (الذاريات: 15-16).

ثم يُفسِّر سبب هذا الإحسان: (كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ) (الذاريات: 17-19).

ومَنْ يلزمك بهذه التكاليف؟

لك أنْ تصلي العشاء ثم تنام إلى الفجر، كذلك لم يُلزمك بالاستغفار وقت السَّحَر، ولم يلزمك بصدقة التطوع.

إذن: هذه طاعات فوق ما فرض الله وصلَتْ بأصحابها إلى مقام الإحسان، وأعلى مراتب الإيمان، فليُشمِّر لها مَنْ أراد.

ثم يقول الحق سبحانه: (إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ...).



سورة الحج الآيات من 36-40 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الحج الآيات من 36-40 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الحج الآيات من 36-40   سورة الحج الآيات من 36-40 Emptyالسبت 04 يوليو 2020, 4:30 pm

إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (٣٨)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

صَدْر الآية: (إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ..) (الحج: 38) يُشْعِرنا أن هناك معركة، والمعركة التي يدافع الله فيها لابد أنها بين حق أنزله، وباطل يُواجهه، وقد تقدَّم قبل ذلك أن قال تبارك وتعالى: (هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ..) (الحج: 19).

وما دام أن هناك خصومة فلابد أنْ تنشأ عنها معارك، هذه المعارك قد تأخذ صورة الألفاظ والمجادلة، وقد تأخذ صورة العنف والقوة والشراسة والالتحام المباشر بأدوات الحرب.

ومعركة النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- مع معارضيه من كفار مكة لم تقف عند حَدِّ المعركة الكلامية فحَسْب، فقد قالوا عنه - صلوات الله وسلامه عليه-: ساحر، وكاهن، ومجنون، وشاعر، ومُفْتر.. إلخ.

ثم تطوَّر الأمر إلى إيذاء أصحابه وتعذيبهم، فكانوا يأتون رسول الله مَشْدوخين ومجروحين فيقول لهم -صلّى اللهُ عليه وسلّم-: "لم أومر بقتال، اصبروا اصبروا، صبراً صبراً..".

إلى أنْ زاد اعتداء الكفار وطَفَح الكَيْل منهم أَذن الله لرسوله بالقتال، فقال: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج: 39).

فقوله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ..) (الحج: 38) صيغة يدافع: مبالغة مِنْ يدفع، معنى يدفع يعني: شيئاً واحداً، أو مرة واحدة، وتنتهي المسألة، أمّا يدافع فتدل على مقابلة الفعل بمثله، فالله يدفعهم وهم يقابلون أيضاً بالمدافعة، فيحدث تدافع وتفاعل من الجانبين، وهذا لا يكون إلا في معركة.

والمعركة تعني: منتصر ومنهزم، لذلك الحق -تبارك وتعالى- يُطمئن المؤمنين أنه سيدخل المعركة في صفوفهم، وسيدافع عنهم.

فقوله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ..) (الحج: 38) أمر طبيعي؛ لأن الحق سبحانه ما كان ليُرسِل رسولاً، ويتركه لأهل الباطل يتغلَّبون عليه، وإلاّ فما جَدْوى الرسالة إذن؛ لذلك يُطمئِن الله تعالى رسوله ويُبشِّره، فيقول: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ) (الصافات: 171-173).

وقال: (وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ..) (الحج: 40).

وقال: (إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7).

فهذه كلها آيات تُطمئِن المؤمنين وتُبشِّرهم، وقد جاءتْ على مراحل لحكمة أرادها الحق سبحانه، فمنعهم عن القتال في البداية لحكمة، ثم جعل القتال فيما بينهم، وقبْل أنْ يأذنَ لهم في قتال أعدائهم لحكمة: هي أنْ يَبْلوا المؤمنين ويُمحِّصهم ليُخرِج من صفوفهم أهل الخَوَر والجُبْن، وضعيفي الإيمان الذين يعبدون الله على حَرْف.

ولا يبقى بعد ذلك إلا قويُّ الإيمان ثابتُ العقيدة، الذي يحمل راية هذا الدين وينسَاح بها في بقاع الأرض؛ لأنها دعوة عالمية لكل زمان ولكل مكان إلى أنْ تقوم الساعة، ولما كانت هذه الدعوة بهذه المنزلة كان لابد لها من رجال أقوياء يحملونها، وإلا لو استطاع الأعداءُ القضاءَ عليها فلن تقومَ لدين الله قائمة.

إذن: كان لابد أن يُصفِّي الحقُ سبحانه أهلَ الإيمان كما يُصفِّي الصائغُ الذهبَ، ويُخرِج خَبَثه حين يضعه في النار، كذلك كانت الفِتَن والابتلاءات لتصفية أهل الإيمان وتمييزهم، لكن بالقتال في صَفٍّ واحد.

ثم يقول سبحانه: (إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) (الحج: 38) فكأن الحق -سبحانه وتعالى- أصبح طرفاً في المعركة، والخوَّان: صيغة مبالغة من خائن، وهو كثير الخيانة وكذلك كفور: صيغة مبالغة من كافر.

ومعنى الخيانة يقتضي أن هناك أمانةً خانها.

نعم، هناك الأمانة الأولى، وهي أمانة التكليف التي قال الله فيها: (إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ..) (الأحزاب: 72) فلقد خانَ هذه الأمانة بعد أنْ رَضِي أنْ يكونَ أهْلاً لها.

وهناك أمانة قبل هذه، وهي العهد الذي أخذه الله على عباده، وهم في مرحلة الذَّرِّ: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ..) (الأعراف: 172-173).

فإنْ قالوا: نعم هذه أمانة، لكنها بعيدة، ومَنْ مِنَّا يذكرها الآن؟

نقول: ألم تُقِرُّوا بأن الله خلقكم، وأوجدكم من عدم، وأمدكم من عُدم؟كما قال سبحانه: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ..) (الزخرف: 87).

كما أقرُّوا بخَلْق السماوات والأرض وما فيها من خيرات لله -عز وجل-، فكان وفاء هذا الإقرار أنْ يؤمنوا، لكنهم مع هذا كله كفروا، أليست هذه خيانة للأمانة عاصروها جميعاً وعايشوها وأسهموا فيها؟

والكَفُور: مَنْ كفر نِعَم الله وجَحَدها.

وما دام هناك الخوَّان والكفُور فلابد للسماء أنْ تُؤيِّد رسولها، وأنْ تنصره في هذه المعركة أولاً، بأنْ تأذنَ له في القتال، ثم تأمره بأخذ العُدة والأسباب المؤدية للنصر، فإنْ عزَّتْ المسائل عليكم، فأنا معكم أؤيدكم بجنود من عندي.

وقد حدث هذا في بَدْء الدعوة، فأيَّد الله نبيه بجنود من عنده، بل أيَّده حتى بالكافر المعاند: ألم يكُن دليل رسول الله في الهجرة كافراً؟

ألم ينصره الله بالحمام وبالعنكبوت وهو في الغار؟

ألم ينصره بالأرض التي ساخَتْ تحت أقدام فرس "سُرَاقة" الذي خرج في طلبه؟

هذه جنود لم نَرها، ولم يُؤيَّد بها رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- إلا بعد أن استنفد أسبابه، ولو أراد سبحانه لَطوَّع لرسوله هؤلاء المعاندين، فما رفع أحد منهم رأسه بعناد لمحمد، إنما الحق -تبارك وتعالى- يريد أنْ يعطيه طواعية ويخضع له القوم، ألم يقُلْ -سبحانه وتعالى-: (إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) (الشعراء: 4).

وقلنا: إن الله تعالى يريد أنْ يُخضِع قلوب عباده لا قوالبهم، فلو أخضعهم الله بآية كونية طبيعية كالريح أو الصاعقة أو الخَسْف، أو غيره من الآيات التي أخذتْ أمثالهم من السابقين لقالوا: إنها آفاتٌ طبيعية جاءتنا، لكن جعل الله بين الفريقين هذه المواجهة، ثم يسَّر لحزبه وجنوده أسباب النصر.

قال سبحانه: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ) (التوبة: 14).

ثم يقول الحق سبحانه: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ...).



سورة الحج الآيات من 36-40 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الحج الآيات من 36-40 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الحج الآيات من 36-40   سورة الحج الآيات من 36-40 Emptyالسبت 04 يوليو 2020, 4:32 pm

أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ودفاع الحق سبحانه عن الحق يأخذ صوراً متعددة، فأوَّل هذا الدفاع: أنْ أَذِن لهم في أنْ يقاتلوا.

ثانياً: أمرهم بإعداد القوة للقتال: (وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ..) (الأنفال: 60).

والمُراد أنْ يأخذوا بكل أسباب النصر على عدوهم، وأن يستنفدوا كل ما لديهم من وسائل، فإنِ استنفدتم وسائلكم، أتدخَّل أنا بجنود من عندي لا ترونها، فليس معنى أن الله يدافع عن الذين آمنوا أن تدخُلَ السماء لحمايتهم وهم جالسون في بيوتهم، لا إنما يأخذون بأسباب القوة ويسعَوْنَ ويبادرون هم أولاً إلى أسباب النصر.

ومعنى (أُذِنَ..) (الحج: 39) أنهم كانوا ينتظرون الأمر بالقتال، ويستشرفون للنصر على الأعداء، لكن لم يُؤذَن لهم في ذلك، فلما أراد الله لهم أنْ يقاتلوا أَذن لهم فيه، فقال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج: 39).

وعِلّة القتال أنهم ظُلِموا، لذلك أمرهم ربهم -تبارك وتعالى- أنْ يقاتلوا، لكن لا يعتدوا، كما قال سبحانه: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ * وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ..) (البقرة: 190-191).

إذن: أمرهم أولاً بالصبر، وفي المرحلة الأولى بأنْ يقاتلوا لِردِّ العدوان، وللدفاع عن أنفسِهم دون أنْ يعتدوا، وفي المرحلة الثانية سيقول لهم: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ ٱلْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ) (التوبة: 123).

وقوله تعالى: (وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج: 39) بأسباب يُمكِّنهم منها، أو بغير أسباب فتأتيهم قوة خفية لا يروْنها، وقد رأوا نماذج من ذلك فعلاً.ثم يقول الحق سبحانه: (ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ...).



سورة الحج الآيات من 36-40 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الحج الآيات من 36-40 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الحج الآيات من 36-40   سورة الحج الآيات من 36-40 Emptyالسبت 04 يوليو 2020, 4:45 pm

الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

فلو أنهم أُخْرِجوا بحقٍّ كأنْ فعلوا شيئاً يستدعي إخراجهم من ديارهم، كأنْ خدشوا الحياء، أو هددوا الأمْن، أو أجرموا، أو خرجوا على قوانين قبائلهم لكانَ إخراجهُم بحقٍّ.

إنما الواقع أنهم ما فعلوا شيئاً، وليس لهم ذَنْب (إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ..) (الحج: 40) هذه المقولة اعتبرها القوم ذَنْباً وجريمة تستحق أنْ يخرجوهم بها من ديارهم.

كما قال سبحانه في أهل الأخدود: (وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ) (البروج: 8).

وفي آية أخرى: (هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ..) (المائدة: 59).

وفي قصة لوط -عليه السلام-: (قَالُوۤاْ أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) (النمل: 56).

إذن: أخرجوهم، لا لأنهم أهل نجاسة ومعصية، إنما لأنهم أناسٌ يتطهَّرون، فالطهارة والعفة جريمتهم التي يُخْرَجُون من أجلها!!

كما تقول: لا عيْبَ في فلان إلا أنه كريم، أو تقول: لا كرامةَ في فلان إلا أنه لِصٌّ.

فهذه -إذن- صفة لا تمدح، وتلك صفة لا تذم.

لقد قلب هؤلاء الموازين، وخالفوا الطبيعة السويّة بهذه الأحكام الفاسدة التي تدل على فساد الطباع، وأيّ فساد بعد أنْ قَلَبوا المعايير، فكرهوا ما يجب أنْ يُحب، وأحبوا ما يجب أن يكره؟

ولا أدلَّ على فساد طبائعهم من عبادتهم لحجر، وترْكهِم عبادة خالق السماوات والأرض.

ثم يقول تعالى: (وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً..) (الحج: 40).

وفي آية أخرى يُبيِّن الحق سبحانه نتيجة انعدام هذا التدافع: (وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ..) (البقرة: 251).

والفساد إنْ حدث بين الناس في حركة الحياة فيمكن أنْ يُعوَّض ويُتدارك، أمَّا إنْ تعدّى الفساد إلى مُقوِّمات اليقين الإيماني في الأرض فَكرِه الناس ما يربطهم بالسماء، وهدموا أماكن العبادة، فهذه الطامة والفساد الذي لا صلاحَ بعده.

فكأن الآيتين تصوران نوعاً من الإيغال في الفساد، والاتّضاع في الجرائم.

وتفسد الأرض حين ينعدم هذا التدافع، كيف؟

هَبْ أن ظالماً مسْتبداً في بلد ما يستعبدُ الناس ويمتصّ خيراتهم بل ودماءهم دون أنْ يردَّه أحَدٌ، لا شكَّ أن هذا سيُحدث في المجتمع تهاوناً وفوضى، ولن يجتهد أحد فوق طاقته، ولمن سيعمل وخيره لغيره؟

وهذا بداية الفساد في الأرض.

فإنْ قُلْنا: هذا فساد بين الناس في حركة حياتهم يمكن أنْ يصلح فيما بعد، فما بالك إن امتدَّ الفساد إلى أماكن الطاعات والعبادات، وقطع بين الناس الرباط الذي يربطهم بالسماء؟

إنْ كان الفساد الأول قابلاً للإصلاح، ففساد الدين لا يصلح، لأنك خرَّبْتَ الموازين التي كانت تُنظِّم حركة الحياة، فأصبح المجتمع بلا ميزان وبلا ضوابط يرجع إليها.

ونلْحظُ في قوله تعالى: (وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ..) (الحج: 40) جاءت قضية عامة لكل الناس، فلم يخصْ طائفة دون أخرى، فلم يَقُلْ مثلاً: لولا دَفْع الله الكافرين بالمؤمنين، إنما قال مُطلْق الناس؛ لأنها قضية عامة يستوي فيها الجميع في كل المجتمعات.

كذلك جاءت كلمة (بعض) عامة؛ لتدل على أن كلاَ الطرفين صالح أن يكون مدفوعاً مرة، ومدفوعاً عنه أخرى، فَهُمْ لبعض بالمرصاد: مَنْ أفسد يتصدى له الآخر لِيُوقِفه عند حَدِّه، فليس المراد أن طائفة تدفع طائفة على طول الخط.

ومثال ذلك قوله تعالى: (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ..) (الزخرف: 32) دون أنْ يُحدِّد أيّهما مرفوع، وأيهما مرفوع عليه؛ لأن كلاً منهما مرفوع في شيء، ومرفوع عليه في شيء آخر؛ ذلك لأن العباد كلهم عيال الله، لا يُحابي منهم أحداً على أحد.

انظر الآن إلى قوة روسيا في الشرق وقوة أمريكا في الغرب، إنهما مثال لقوله تعالى: (وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ..) (الحج: 40) فكلٌّ منهما تقف للأخرى بالمرصاد، ترقبها وترصُد تحركاتها وتقدّمها العسكري، وكأن الله تعالى جعلهما لحماية سلامة الآخرين أنْ تقف كُلٌّ منهما موقفَ الحذَر والخوف من الأخرى.

وهذا الخوف والترقُّب والإعداد هو الذي يمنع اندلاع الحرب بينهما، فما بالك لو قامت بينهما حرب أسفرت عن منتصر ومهزوم؟

لابد أن المنتصر سيعيثُ في الأرض فساداً ويستبد بالآخرين، ويستشري ظُلْمه لعدم وجود مَنْ يُردِعه.

ومن رحمة الله بالمؤمنين أنْ يكيد الظالمين بالظالمين بكل ألوانهم وفنونهم، ويؤدِّب الظالم بمَنْ هو أشد منه ظُلْماً؛ ليظلّ أهلُ الخير بعيدين عن هذه المعركة، لا يدخلون طَرَفاً فيها؛ لأن الأخيار لا يصمدون أمام هذه العمليات، لأنهم قوم رِقَاق القلوب، لا تناسبهم هذه القسوة وهذه الغِلْظة في الانتقام.

اقرأ قول الله تعالى: (وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) (الأنعام: 129).

وهكذا يُوفِّر الله أهل الخير، ويحْقِن دماءهم، ويُريح أولياءه من مثل هذه الصراعات الباطلة.

لذلك لَمَّا دخل النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- مكة دخولَ المنتصر، بعد أنْ أخرجه قومه منها، وبعد أنْ فعلوا به وبأصحابه الأفاعيل، كيف دخلها وهو القائد المنتصر الذي تمكَّن من رقاب أعدائه؟

دخل رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- مكة مُطأطىء الرأس، حتى لتكاد رأسه تلمس قربوس السرج الذي يجلس عليه، تواضعاً منه -صلّى اللهُ عليه وسلّم-، ومع ذلك قال أبو سفيان لما رأى رسول الله في هذا الموقف، قال للعباس: لقد أصبح مُلْك ابن أخيك عظيماً.

وبعد أن تمكَّن رسول الله من كفار مكة، وكان باستطاعته القضاء عليهم جميعهم، قال: "يا معشر قريش، ما تظنُّون أَنِّي فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: فاذهبوا فأنتم الطلقاء".

فأيُّ رحمة هذه؟

وأيُّ لين هذا الذي جعله الله في قلوب المؤمنين؟

وهل مِثْل هذا الدين يُعارَض ويُنْصَرف عنه؟

إذن: يُسلِّط الحق -تبارك وتعالى- الأشرار بعضهم على بعض، وهذه آية نراها في الظالمين في كل زمان ومكان، ويجلس الأخيار يرقبون مثل هذه الصراعات التي يُهلِك الله فيها الظالمين بالظالمين.

ثم يقول -سبحانه وتعالى-: (لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ..) (الحج: 40) صوامع جمع صومعة، وهي مكان خاصٌّ للعبادة عند النصارى، وعندهم مُتعبَّد عام يدخله الجميع هو الكنائس، أما الصَّومعة فهي مكان خاص لينفرد فيه صاحبه وينقطع للعبادة، ولا تكون الصَّوْمعة في حضر، إنما تكون في الجبال والأودية، بعيداً عن العمران لينقطع فيها الراهب عن حركة حياة الناس، وهي التي يسمونها الأديرة وتوجد في الأماكن البعيدة.

وقد حرم الإسلام الرهبانية بهذا المعنى؛ لأنها رهبانية ما شرّعها الله، كما قال سبحانه: (وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا..) (الحديد: 27).
ومعنى: (وَبِيَعٌ..) (الحج: 40) البِيعَ هي الكنائس.

فالحق -سبحانه وتعالى- مَا نَعَى عليهم الانقطاعَ للعبادة، لكن نعى عليهم انقطاعهم عن حركة الحياة، وأسباب العيش؛ لذلك قال: (فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا..) (الحديد: 27).

وقد أباح الإسلام أيضاً الترهُّب والانقطاع للعبادة، لكن شريطة أن تكون في جَلْوة يعني: بين الناس، لا تعتزل حركة الحياة، إنما تعبَّد الله في كل حركة من حركات حياتك، وتجعل الله تعالى دائماً في بالك ونُصْب عينيك في كُلِّ ما تأتي، وفي كل ما تدَع، إذن: هناك فَرْق بين مَنْ يعبد الله في خَلْوته، ومَنْ يعبد الله في جَلْوته.

لذلك سيدنا عمر -رضي الله عنه- قال عن الرجل الذي لازم المسجد للعبادة وعرف أن أخاه يتكفّل به ويُنفق عليه، قال: أخوه أعبد منه.

كيف؟

قالوا: لأنك تستطيع أنْ تجعل من كل حركة لك في الحياة عبادة، حين تُخِلص النية فيها لله -عز وجل-.

ولك أن تقارن بين مؤمن وكافر، كلاهما يعمل ويجتهد لِيقُوتَ نفسه وأهل بيته، ويحيا الحياة الكريمة، وهذا هدف الجميع من العمل، لكن لو أن المؤمن اقتصر في عمله على هذا الهدف لاستوى مع الكافر تماماً.

إنما للمؤمن فوق هذا مقاصد أخرى تكمن في نيته وضميره، المؤمن يفعل على قَدْر طاقته، لا على قَدْر حاجته، ثم يأخذ ما يحتاج إليه ويُنفِق من الباقي ويتصدَّق على مَنْ لا يقدر على الحركة الحياتية.

لذلك يقول الحق -سبحانه وتعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ) (المؤمنون: 1-4) هل يعني: مُؤدُّون فقط؟

لا.

بل إن المؤمن يتحرك ويعمل ويسعى، وفي نيته مَنْ لا يقدر على السَّعْي والعمل، فكأنه يُقبل على العمل ويجتهد فيه، وفي نيته أنْ يعمل شيئاً لله بما يفيض عن حاجته من ناتج عمله وهذا ما يُميِّز المؤمن في حركة الحياة عن الكافر.

وأذكر مرة أننا جئنا من الريف في الشتاء في الثلاثينيات لزيارة سيدنا الشيخ الحافظ التيجاني، وكان مريضاً -رحمه الله ورضي الله عنه- وكان يسكن في حارة، وفضَّلنا أن نأخذ (تاكسي) يُوصِّلنا بدل أن نمشي في وَحْل الشتاء، وعند مدخل الحارة رفض سائق (التاكسي) الدخول وقال: إن أجرة التوصيل لا تكفي لغسيل السيارة وتنظيفها من هذا الوَحْل، وبعد إلحاح وافق وأوصلنا إلى حيث نريد، فأعطيناه ضِعْف أجرته، لكني قبل أن أنصرف قلتُ له: أنت لماذا تعمل على هذا (التاكسي) ولماذا تتعب؟

قال: من أجل مصالحي ومصالح أولادي، فقلت له: وما يُضيرك إنْ زِدْتَ على ذلك وجعلْتَ في نِيَّتِكَ أنْ تُيَسِّرَ بعملك هذا على الناس؟

فاهتمّ الرجل ولبسته الكلمة فقال: والله لا أرُدُّ راكباً أبداً.

ومعنى: (وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ) (المؤمنون: 4) لم يقل مؤدون؛ لأن: (فَاعِلُونَ) (المؤمنون: 4) تعني: أن نيتهم في الفعل أنْ يفعلوا على قَدْر طاقتهم ويجتهدوا لتوفير شيء بعد نفقاتهم يتصدقون منه.

إذن: حرَّم الإسلام الرهبانية التي تَحرِم المجتمع من مشاركة الإنسان فقال -صلّى اللهُ عليه وسلّم: "لا رهبانية في الإسلام" لأنه اعتبر كل حركة مقصودٍ منها صالحُ المجتمع كله حركةً إيمانية عبادية، ومن هنا كان العمل عبادة.

وقد وضع العلماء شروطاً لمَنْ أراد الانقطاع للعبادة: أولها: ألاَّ يأخذ نفقته من أحد، بمعنى أن يعمل أولاً لِيُوفِّر احتياجاته طوال فترة انقطاعه.

وصدق (إقبال) حين قال:
لَيْسَ زُهْداً تصوف من تقي فرَّ من غَمْرة الحيَاةِ بدين
إنما يُعرَفُ التصَوفُ فِي الـ سُّوق بمالٍ ومَطْمعٍ وفُتُون

ثم يقول تعالى: (وَصَلَوَاتٌ..) (الحج: 40) وهذه لليهود يُسمُّون مكان التعبد: صَالوتاً.

لكن، لماذا لم يرتبها القرآن ترتيباً زمنياً، فيقول: لهدمت صلوات وصوامع وبيع؟

قالوا: لأن القرآن يُؤرِّخ للقريب منه فالأبعد.

(وَمَسَاجِدُ..) (الحج: 40) وهذه للمسلمين (يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً..) (الحج: 40).

وما دام الحق سبحانه ذكر المساجد بعد الفعل (لَّهُدِّمَتْ..) (الحج: 40) فهذا دليل على أنه لابد أن يكون للمسلمين مكان يُحكر للعبادة، وإنْ جُعِلَتْ الأرض كلها لهم مسجداً وطَهُوراً، ومعنى ذلك أنْ تصلي في أيِّ بقعة من الأرض، وإنْ عُدِم الماء تتطهر بترابها، وبذلك تكون الأرض مَحَلاً للعبادة ومَحَلاً لحركة الحياة وللعمل وللسَّعْي، فيمكنك أن تباشر عملك في مصنعك مثلاً وتُصلِّي فيه، لكن الحق سبحانه يريد منا أن نُخصِّص بعض أرضه ليكون بيتاً له تنقطع منه حركة الحياة كلها، ويُوقَف فقط لأمور العبادة.

لذلك قال -صلّى اللهُ عليه وسلّم-: "مَنْ بنى لله مسجداً ولو كمِفْحَصِ قَطَاةٍ بنى الله له بيتاً في الجنة".

فقوله تعالى: (لَّهُدِّمَتْ.. وَمَسَاجِدُ..) (الحج: 40) تدل على مكان خاص للعبادة وإلاَّ لو اعتُبرَتْ الأرضُ كلها مسجداً، فماذا تهدم؟وعليه، فكل مكان تُزاوَل فيه أمورٌ غير العبادة لا يُعتبر مسجداً، كأماكن الصلاة التي يتخذونها تحت العمارات السكنية، هذه ليست مساجد، والصلاة فيها كالصلاة في الشارع وفي البيت؛ لأن المسجد (مكان) وما يُبنى عليه (مكين).

والمسجدية تعني: المكان من الأرض إلى السماء، بدليل أننا في بيت الله الحرام نصلي فوق سطح المسجد، ونتجه لجوِّ الكعبة، لا للكعبة ذاتها، لماذا؟

لأن جَوَّ الكعبة إلى السماء كعبة، وكذلك لو كنا في مخابىء أو في مناجم تحت الأرض؛ لأن ما تحت الكعبة من الأرض كعبة.

وكذلك في المسْعَى إذا ضاق الدور الأول يسعى الناس في الثاني وفي السطح، لأن جو المسْعَى مَسْعَى.

إذن: المسجد ما حُكِر للعبادة، وخُصِّص للمسجدية من أرضه إلى سمائه، وهذا لا يُمارس فيه عمل دنيوي ولا تُعقد فيه صفقة.. إلخ.

أما أنْ نجعل المسجد تحت عمارة سكنية، وفوق المسجد مباشرة يباشر الناس حياتهم ومعيشتهم بما فيها من هَرج ولَهْو، حلال وحرام، وطهارة ونجاسة، ومعاشرة زوجية.. إلخ، فهذا كله يتنافى مع المسجدية التي جعلها الله حِكْراً للعبادة من الأرض إلى السماء.

فلنُسَمِّ هذه الأماكن: مُصلّى.

ولا نقول: مسجد.

ثم يصف الحق سبحانه المساجد بقوله: (يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً..) (الحج: 40) لأن ذِكْر الله في المساجد دائم لا ينقطع، ونحن لا نتحدث عن مسجد، ولا عن مساجد قُطْر من الأقطار، إنما المراد مساجد الدنيا كلها من أقصى الشرق لأقصى الغرب، ومن الشمال للجنوب.

ولو نظرتَ إلى أوقات الصلوات لرأيتَ أنها مرتبطة بحركة الفلك وبالشمس في الشروق، وفي الزوال، وفي الغروب، وباعتبار فارق التوقيت في كل بلاد الله تجد أن ذِكْر الله دائم لا ينقطع أبداً في ليل أو نهار، فأنت تُؤذِّن للصلاة، وغيرُك يقيم، وغيركما يصلي، أنت تصلي الظهر، وغيرك يصلي الصبح أو العصر، بل أنت في الركعة الأولى من الصبح، وغيرك في الركعة الثانية، أنت تركع وغيرك يسجد.

إذن: هي منظومة عبادية دائمة في كل وقت، ودائرة في كل مكان من الأرض، فلا ينفكّ الكون ذاكراً لله.

أليس هذا ذِكْراً كثيراً؟

أليستْ كلمة (الله أكبرُ) دائرة على ألسنة الخلق لا تنتهي أبداً؟

ثم لما كان دَفْع الله الناسَ بعضهم ببعض ينتج عنه معركة تُسْفر عن منتصر ومنهزم، قال سبحانه: (وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ..) (الحج: 40) فإنْ كان التدافع بين الكفار فإنه لا ينتهي، وإنْ كان بين حقٍّ لله وباطل حكم الله بأنه باطل لابد أن تنتهي بنُصْرة الحق، وغالباً لا تطول هذه المعركة؛ لأن الحق دائماً في حضانة الله، إنما تطول المعارك بين باطل وباطل، فليس أحدهما أَوْلَى بنُصْرة الله من الآخر، فيظل كل منهما يطحن في الآخر، وإنْ لم تكن حرباً ساخنة كانت حرباً باردة، لماذا؟

لأنه لا يوجد قويٌّ لا هوى له يستطيع أن يفصل فيها، وطالما تدخّل الهوى تستمر المعركة.

يبقى في القسمة العقلية المعركة بين حق وحق، وهذه لا وجودَ لها؛ لأن الحق واحد في الوجود، فلا يمكن أنْ يحدث تصادم أبداً بين أهل الحق.

والحق -تبارك وتعالى- في نُصْرته لأوليائه يستطيع أن ينصرهم دون حرب، ويُهلك أعداءهم، لكن الحق سبحانه يريد أنْ يأخذوا هم بأسباب النصر؛ لذلك يُعلّمهم أصول هذه المسألة، فيقول سبحانه: (فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ..) (محمد: 4).

ومعنى: (أَثْخَنتُمُوهُمْ..) (محمد: 4) يعني: جعلتموهم لا يقدرون على الحركة: (فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ..) (محمد: 4) لا تُجهِزوا عليهم، ولا تقتلوهم، إنما شُدُّوا قيودهم واستأسِروهم، وهذه من رحمة الإسلام وآدابه في الحروب، فليس الهدف القتل وإزهاق الأرواح ثم(فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً..) (محمد: 4) مَنّاً إنْ كان هناك تبادل للأسرى.

فأنت تمنُّ وهو يمنُّ.والفداء أنْ يفدي نفسه.

وكانت هذه المسألة حجة لنا حينما نتحدث عن الرقِّ في الإسلام، ونرد على هؤلاء الذين يحلو لهم اتهام الإسلام، ويستخدمون في ذلك السفسطة والمراوغة اللغوية لإقناع الناس بأن الإسلام ساهم في نَشْر الرقِّ والعبودية.

ونقول: لقد جاء الإسلام والرق موجود ومنتشر لم يُشرِّعه الإسلام، ولم يُوجِدْه بداية، حيث كانت أسباب الرق كثيرة، وأسباب الاستعباد متعددة: فَمنْ تحمّل دَيْناً وعجز عن سداده يُسْتعبد لصاحب الدين، ومَنْ عمل ذنباً وخاف من عقوبته أخذوه عبداً، ومَنْ اختطفه الأشرار في الطريق جعلوه عبداً.. إلخ.

فلما جاء الإسلام عمل على سَدِّ منابع الرقِّ هذه، وجعل الرقَّ مقصوراً على الحرب المشروعة.

ثم فتح عدة مصارف شرعية للتخلُّص من الرق القائم، حيث لم يكُنْ موجوداً من أبواب العتق إلا إرادة السيد في أنْ يعتق عبده، فأضاف الإسلام إلى هذا الباب أبواباً أخرى، فجعل العتق كفارة لبعض الذنوب، وكفارة لليمين، وكفارة للظِّهار، وحثَّ على الصدقة في سبيل العتق، ومساعدة المكاتب الذي يريد العتق ويسعى إليه.. إلخ.

فإذا لم تعتق عبدك، فلا أقل من أن تطعمه من طعامك، وتُلْبسه من ملبسك، ولا تُحمِّله ما لا يطيق، وإنْ حمَّلْته فأعِنْه، وكما يقول النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم-: "إنما هم إخوانكم".

ونلاحظ على الذين يعيبون على الإسلام مسألة الرقِّ في الحروب أنهم يقارنون بين الرِّق والحرية، لكن المقارنة هنا ليستْ كذلك، المقارنة هنا بين الرق والقتل؛ لأنه لا يُسترقّ إلا مَنْ قدر المسترقُّ عليه وتمكَّن منه في المعركة، وكان باستطاعته قَتْله، لكن رحمة الله بعباده منعتْ قتله، وأباحت أَخْذه رقيقاً، فالنفعية للمقاتل المنتصر يقابلها حَقْن دم الآخر، ثم بعد انتهاء الحرب نحثُّ على عتقه، ونفتح له أبواب الحرية.

إذن: لا تقارن بين عبد وحر، إنما قارن بين العبودية والقتل: أيهما أقلّ ضرراً؟

لذلك قال تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة: 14-15).

هذه نتائج سِتٌّ للأمر(قَاتِلُوهُمْ..) (التوبة: 14) وجواب الأمر مجزوم بالسكون كما في (يُعذِّبْهم) ومجزوم بحذف حرف العلة كما في (وَيُخْزِهِم)، والخزي لأنهم كانوا مغترين بقوتهم، ولديهم جبروت مفتعل، يظنون أَلاَّ يقدر عليهم أحد، وكذلك في: ينصركم، ويشف، ويذهب.

ثم قطع السياقُ الحكمَ السابق، واستأنف كلاماً جديداً، وإنْ كان معطوفاً على ما قبله في اللفظ، وهذا مظهر من مظاهر الدقة في الأداء القرآني، ومَلْحَظ لرحمة الله تعالى حتى بالكفار، فقال تعالى: (وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ..) (التوبة: 15) هكذا بالرفع، لا بالجزم فقطع الفعل (يتوب) عما قبله؛ لأن الله تعالى لم يشأ أن يشرِّك بينهم حتى في جواب الأمر.

وحتى على اعتبار أنهم هُزِمُوا، وكُسِرت شوكتهم، وضاعتْ هيبتهم، لعلهم يفيقون لأنفسهم، ويعودون للحق، وهذه من رحمة بالكافرين في معاركهم مع الإيمان.

لكن، لماذا يتوب الله على الكفار ويرحمهم وهم أعداء دينه وأعداء نبيه؟قالوا: لأنه -سبحانه وتعالى- ربهم وخالقهم، وهم عباده وعياله، وهو أرحم بهم، ومرادات الله في الخَلْق أن يكونوا جميعاً طائعين.

لذلك، يقول سبحانه في الحديث القدسي: "قالت السماء: يا رب ائذن لي أن أسقط كِسَفاً على ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك، وقالت الأرض: يا رب ائذن لي أن أخسف بابن آدم فقد طَعِم خيرك ومنع شكرك، وقالت الجبال: يا رب ائذن لي أن أسقط على ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك، وقالت البحار: يا رب ائذن لي أن أغرق ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك.

فالكون كله ناقم على الكافرين، متمرد على العصاة، مغتاظ منهم، فماذا قال الحق -تبارك وتعالى- لهم؟

قال سبحانه: "دعوني وخَلْقي، لو خلقتموهم لرحمتموهم، فإنْ تابوا إليَّ، فأنا حبيبهم، وإنْ لم يتوبوا فأنا طبيبهم".

نعود إلى قوله تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ..) (الحج: 40) وما دام أن النصر من عند الله فإياكم أنْ تبحثوا في القوة أو تقيسوا قوتكم بقوة عدوكم، فلربك -عز وجل- جنود لا يعلمها إلا هو، ووسائل النصر وأنت في حضانة الله كثيرة تأتيك من حيث لا تحتسب وبأهْون الأسباب، أقلّها أن الله يُريكم أعداءكم قليلاً ويُكثِّر المؤمنين في أعين الكافرين ليفتَّ ذلك في عَضُدهم ويُرهبهم ويُزعزع معنوياتهم، وقد يحدث العكس، فيرى الكفار المؤمنين قليلاً فيجترئون عليهم، ويتقدمون، ثم تفاجئهم الحقيقة.

إذن: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ..) (المدثر: 31) فلا تُعوِّل فقط على قوتك وتحسب مدى تكافُئِك مع عدوك، دَعْكَ من هذه الحسابات، وما عليك إلا أنْ تستنفد وسائلك وأسبابك، ثم تدع المجال لأسباب السماء.

وأقلُّ جنود ربك أنْ يُلقي الرعب في قلوب أعدائك، وهذه وحدها كافية، ويُرْوى أنهم في إحدى المعارك الإسلامية تغيرت رائحة أفواه المسلمين، وأحسُّوا فيها بالمرارة لطول فترة القتال، فأخرجوا السواك يُنظفِّون أسنانهم، ويُطيِّبون أفواههم، عندها قال الكفار: إنهم يسنُّون أسنانهم ليأكلونا، وقذف الله في قلوبهم الرعب من حيث لا يدرون.ثم يقول تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 40) عزيز: يعني لا يُغلب، وما دام أن الله تعالى ينصر مَنْ نصره فلابد أن تنتهي المعركة بالنصر مهما خارتْ القوى ومهما ضَعُفتْ، ألم يكُن المسلمون في مكة ضعفاء مضطهدين، لا يستطيع واحد منهم أن يرفع رأسه بين الكفار؟ولما نزل قول الله تعالى وهم على هذه الحال: (سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ) (القمر: 45) تعجب عمر بفراسته وعبقريته: أيُّ جمع هذا الذي سيُهزم ونحن غير قادرين حتى على حماية أنفسنا؟

فلما رأى يوم بدر قال: صدق الله: (سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ) (القمر: 45).فما دام أن الله قوي عزيز فلابد أن ينصركم، وهذه مسألة محكوم بها أزلاً: (كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِي..) (المجادلة: 21).

فإذا تمَّتْ لكم الغَلَبة، فاعلموا أن لكم دَوْراً، أَلاَ وهو: (ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَـاةَ...).



سورة الحج الآيات من 36-40 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة الحج الآيات من 36-40
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة الحج الآيات من 41-45
» سورة الحج الآيات من 46-50
» سورة الحج الآيات من 51-55
» سورة الحج الآيات من 56-60
» سورة الحج الآيات من 61-65

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: الحج-
انتقل الى: