منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة الحج الآيات من 01-05

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

سورة الحج الآيات من 01-05   Empty
مُساهمةموضوع: سورة الحج الآيات من 01-05    سورة الحج الآيات من 01-05   Emptyالجمعة 03 يوليو 2020, 4:40 am

سورة الحج الآيات من 01-05   Untit278


خواطر فضيلة الشيخ:
محمد متولي الشعراوي (رحمه الله)


(نال شرف التنسيق لهذه السورة الكريمة: أحمد محمد لبن)


http://ar.assabile.com/read-quran/surat-al-hajj-22
سورة الحجّ



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ



يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١)



تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)



الخطاب هنا عام للناس جميعاً، وعادةً ما يأتي الخطاب الذي يطلب الإيمان عاماً لكل الناس، إنما ساعة يطلب تنفيذ حكم شرعي يقول: يا أيها الذين آمنوا.




لذلك يقول هنا: (يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ..) (الحج: 1) يريد أنْ يلفتهم إلى قوة الإيمان.




وكلمة (ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ..) (الحج: 1) التقوى: أنْ تجعل بينك وبين ما أحدِّثك عنه وقايةً، أي: شيئاً يقيك العذاب الذي لا طاقةَ لك به.




ونلحظ أن الله تعالى يقول مرة: (وٱتَّقُواْ ٱللَّهَ..) (البقرة: 194) ومرة يقول: (فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ..) (البقرة: 24) نعم، لأن المعنى ينتهي إلى شيء واحد.




معنى: (فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ..) (البقرة: 24) أي: اجعل بينك وبينها وقاية تحميك منها، ويكون هذا بفِعْل الأمر وتَرْك النهي.




وقوله: (وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ..) (البقرة: 194) لأن لله تعالى صفات جمال، وصفات جلال، صفات الجمال كالرحمن، والرحيم، والباسط، والستار، وصفات الجلال كالقهار والجبار وغيرها مما نخاف منه.




فاجعل بينك وبين صفات الجلال وقايةً، فليستْ بك طاقة لقاهريته، وبطشه سبحانه، والنار من جنود الله، ومن مظاهر قَهْره.




فكما نقول: اتقِّ الله نقول: اتقِّ النار.




واختار في هذا الأمر صفة الربوبية، فقال: (ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ..) (الحج: 1) ولم يقُلْ: اتقوا الله؛ لأن الرب هو المتولِّي للرعاية وللتربية، فالذي يُحذّرك هو الذي يُحبك ويُعطيك، وهو الذي خلقك وربَّاك ورعاك.




فالربوبية عطاء: إيجاد من عَدم وإمداد من عُدم، فأولْى بك أن تتقيه، لأنه قدَّم لك الجميل.




أما صفة الألوهية فتعني التكاليف والعبادة بافْعل ولا تفعل، الله معبود ومُطَاع فيما أمر وفيما نَهَى.




ثم يقول تعالى: (إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) (الحج: 1) الزلزلة: هي الحركة العنيفة الشديدة التي تُخرِج الأشياء عن ثباتها، كما لو أردتَ أنْ تخلعَ وتداً من الأرض، فعليك أولاً أنْ تهزْه وتخلخله من مكانه، حتى تجعل له مجالاً في الأرض يخرج منه، إنما لو حاولت جذْبه بدايةً فسوف تجد مجهوداً ومشقة في خَلْعه، وكذلك يفعل الطبيب في خلع الضِّرس.




فمعنى الزلزلة: الحركة الشديدة التي تزيل الأشياء عن أماكنها، والحق -سبحانه وتعالى- تكلم عن هذه الحركة كثيراً فقال: (إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً * فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً) (الواقعة: 4-6).




ويقول: (إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا) (الزلزلة: 1-5).




فالزلزال هنا ليس زلزالاً كالذي نراه من هزّات أرضية تهدم بعض البيوت، أو حتى تبتلع بعض القرى، فهذه مجرد آيات كونية تثبت صدْق البلاغ عن الله، وتنبهك إلى الزلزال الكبير في الآخرة، إنه صورة مصغرة لما سيحدث في الآخرة، حتى لا نغتر بسيادتنا في الدنيا فإن السيادة هبة لنا من الله.




وعندما حدث زلزال "أغادير" لاحظوا أن الحيوانات ثارتْ وهاجتْ قبل الزلزال بدقائق، ومنها ما خرج إلى الخلاء، فأيُّ إعلام هذا؟




وأيُّ استشعار لديها وهي بهائم في نظرنا لا تفهم ولا تعي؟




إن في ذلك إشارة للإنسان الذي يعتبر نفسه سيد هذا الكون: تنّبه، فلولا أن الله سَيَّدَك لوكزتْكَ هذه البهائم فقضت عليك.




نقول: ليس هذا زلزالاً عاماً، إنما هو زلزال مخصوص منسوب إلى الأرض بوحي من الله، وبأمر منه سبحانه أن تتزلزل.




لذلك وُصِف هذا الزلزال بأنه شيء عظيم: (إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) (الحج: 1) فحين تقول أنت أيها الإنسان: هذا شيء عظيم فهو عظيم بمقياسك أنت، أما العظيم هنا فعظيم بمقاييس الحق سبحانه، فلكَ أن تتصوَّر فظاعة زلزال وصفه الله سبحانه بأنه عظيم.




لقد افتُتحَتْ هذه السورة بزلزلة القيامة؛ لأن الحق سبحانه سبق أنْ قال: (وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ..) (الأنبياء: 97) فلابد أنْ يعطينا هنا صورة لهذا الوعد، ونُبْذة عما سيحدث فيه، وصورة مُصغَّرة تدل على قدرته تعالى على زلزال الآخرة، وأن الأرض ليس لها قوام بذاتها، إنما قوامها بأمر الله وقدرته، فإذا أراد لها أنْ تزول زالتْ.




وكذلك في قوله تعالى: (وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا) (الزلزلة: 2).




فَمَا نراه من البراكين ومن الثروات في باطن الأرض وعجائب يقع تحت هذه الآية؛ لذلك قال تعالى: (لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ) (طه: 6).




ما دام الحق سبحانه يمتنُّ بملكية ما تحت الثَّرى فلابد أن تحت الثرى ثروات وأشياءَ نفيسة، ونحن الآن نُخرِج معظم الثروات من باطن الأرض، ومعظم الأمم الغنية تعتمد على الثروات المدفونة من بترول ومعادن ومناجم وذهب.. إلخ.




وسبق أن ذكرنا أن الحق -سبحانه وتعالى- بعثَر الخيرات في كونه، وجعل لكل منها وقته المناسب، فالرزق له ميلاد يظهر فيه: (وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ) (الحجر: 21).




ثم يقول الحق سبحانه: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا...).




سورة الحج الآيات من 01-05   2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الجمعة 03 يوليو 2020, 4:51 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

سورة الحج الآيات من 01-05   Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الحج الآيات من 01-05    سورة الحج الآيات من 01-05   Emptyالجمعة 03 يوليو 2020, 4:44 am

يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُمْ بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والرؤية: قلنا قد تكون رؤية علمية أو رؤية بصرية، والشيء الذي نعلمه إما: علمَ اليقين، وإما عين اليقين، وإما حقيقة اليقين.

علم اليقين: أنْ يخبر مَنْ تثق به بشيء، كما تواترت الأخبارعن الرحالة بوجود قارة أسموها فيما بعد أمريكا، وبها كذا وكذا، فهذا نسميه "علم يقين"، فإذا ركبت الطائرة إلى أمريكا فرأيتها وشاهدت ما بها فهذا "عين اليقين" فإذا نزلتَ بها وتجولتَ بين شوارعها ومبانيها فهذا نسميه "حقيقة اليقين".

لذلك؛ حين يخبر الله تعالى الكافرين بأن هناك عذاباً في النار فهذا الإخبار صادق من الله فعِلْمنا به "علم يقين"، فإذا رأيناها فهذا "عين اليقين" كما قال سبحانه: (ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ) (التكاثر: 7) فإذا ما باشرها أهلها، وذاقوا حرّها ولظاها -وهذا مقصور على أهل النار- فقد علموها حَقَّ اليقين، لذلك يقول تعالى: (وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ * فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ * وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ * فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ) (الواقعة: 90-96).

ومعنى: (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ..) (الحج: 2) الذهول: هو انصراف جارحة عن مهمتها الحقيقية لهوْلٍ رأتْه فتنشغل بما رأته عن تأديةِ وظيفتها، كما يذهل الخادم حين يرى شخصاً مهيباً أو عظيماً، فيسقط ما بيده مثلاً، فالذهول -إذن- سلوك لا إرادي قد يكون ذهولاً عن شيء تفرضه العاطفة، أو عن شيء تفرضه الغريزة.

العاطفة كالأم التي تذهَلُ عن ولدها، وعاطفة الأمومة تتناسب مع حاجة الولد، ففي مرحلة الحمل مثلاً تجد الأم تحتاط في مشيتها، وفي حركاتها، خوفاً على الجنين في بطنها، وهذه العاطفة من الله جعلها في قلب الأم للحفاظ على الوليد، وإلاَّ تعرض لما يؤذيه أو يُودِي بحياته.

لذلك، لما سألوا المرأة العربية عن أحب أبنائها، قالت: الصغير حتى يكبر، والغائب حتى يعود، والمريض حتى يُشْفَى، فحسب الحاجة يعطي الله العاطفة، فالحامل عاطفتها نحو ولدها قوية، وهي كذلك في مرحلة الرضاعة.

فانظر إلى المرضعة، وكيف تذهل عن رضيعها وتنصرف عنه، وأيُّ هول هذا الذي يشغلها، ويُعطِّل عندها عاطفة الأمومة والحنان ويُعطِّل حتى الغريزة.

وقد أعطانا القرآن صورة أخرى في قوله تعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) (عبس: 34-36).

ومن عظمة الأسلوب القرآني أن يذكر هنا الأخ قبل الأب والأم، قالوا: لأن الوالدين قد يُوجدان في وقت لا يرى أنهما في حاجة إليه، ولا هو في حاجة إليهما لأنه كبر، أمَّا الأخ ففيه طمع المعونة والمساعدة.

وقوله تعالى: (كُلُّ مُرْضِعَةٍ..) (الحج: 2).

والمرضعة تأتي بفتح الضاد وكَسْرها: مُرضَعة بالفتح هي التي من شأنها أن ترضع وصالحة لهذه العملية، أما مُرضِعة بالكسر فهي التي تُرضع فعلاً، وتضع الآن ثديها في فَم ولدها، فهي مرضِعة فانظر -إذن- إلى مدى الذهول والانشغال في مثل هذه الحالة.

وقوله تعالى: (وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا..) (الحج: 2) بعد أنْ تكلَّم عن المرضع رقَّى المسألة إلى الحامل، ومعلوم أن الاستمساك بالحمل غريزة قوية لدى الأم حتى في تكوينها الجسماني، فالرحم بمجرد أنْ تصل إليه البويضة المخصبة ينغلق عليها، كما قال -سبحانه وتعالى-: (وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى..) (الحج: 5).

فإذا ما جاء وقت الميلاد انفتح له بقدرة الله، فهذه -إذن- مسألة غريزية فوق قدرة الأم ودون إرادتها.

إذن: وَضْع هذا الحمل دليل هَوْل كبير وأمر عظيم يحدث.

والحَمْل نوعان: ثقَل تحمله وهو غيرك، وثقل تحمله في ذاتك، ومنه قوله تعالى: (وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً) (طه: 101) والحِمْل (بكسر الحاء): هو الشيء الثقيل الذي لا يُطيقه ظهرك، أمّا الحَمْل بالفتح فهو: الشيء اليسير تحمله في نفسك.

وفي هذا المعنى يقول الشاعر:
لَيْسَ بِحِمْلٍ مَا أطَاقَ الظَّهْرُ مَا الحِمْلُ إلاَّ مَا وَعَاهُ الصَّدْر

أي: أن الشيء الذي تطيق حَمْله ويَقْوى عليه ظهرك ليس بحمل، إنما الحمل هو الهمّ الذي يحتويه الصدر.

ثم يقول سبحانه: (وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ) (الحج: 2) سكارى: أي يتمايلون مضطربين، مثل السكارى حين تلعب بهم الخمر، (وتطوحهم) يميناً وشمالاً، وتُلقِي بهم على الأرض، وكلما زاد سُكْرهم وخروجهم عن طبيعتهم كان النوع شديداً!!                    

وهكذا سيكون الحال في موقف القيامة لا من سُكْرِ ولكن من خوف وهَوْل وفزع (وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ) (الحج: 2).

لكن، من أين يأتي اضطراب الحركة هذا؟

قالوا: لأن الله تعالى خلق الجوارح، وخلق في كل جارحة غريزة الانضباط والتوازن، وعلماء التشريح يُحدِّدون في الجسم أعضاء ومناطق معينة مسئولة عن حِفْظ التوازن للجسم، فإذا ما تأثرتْ هذه الغدد والأعضاء يشعر الإنسان بالدُّوار، ويفقد توازنه، كأنْ تنظر من مكان مرتفع، أو تسافر في البحر مثلاً.

فهذا الاضطراب لا من سُكْر، ولكن من هَوْل ما يرونه، فيُحدث لديهم تغييراً في الغُدد والخلايا المسئولة عن التوازن، فيتمايلون، كمن اغتالتْه الخمر.

وقوله تعالى: (وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ) (الحج: 2) إنهم لم يَرَوْا العذاب بَعْد، إنها مجرد قيام الساعة وأهوالها أفقدتهم توازنهم؛ لأن الذي يَصْدُق في أن القيامة تقوم بهذه الصورة يَصْدُق في أن بعدها عذاباً في جهنم، إذن: انتهت المسألة وما كنا نكذب به، ها هو ماثل أمام أعيننا.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ...).



سورة الحج الآيات من 01-05   2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

سورة الحج الآيات من 01-05   Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الحج الآيات من 01-05    سورة الحج الآيات من 01-05   Emptyالجمعة 03 يوليو 2020, 4:45 am

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الجدل: هو المحاورة بين اثنين، يريد كل منهما أنْ يؤيد رأيه ويدحضَ رأْيَ الآخر، ومنه: جَدْل الخوص أو الحبل أي: فَتْله واحدة على الأخرى.

ولو تأملتَ عملية غَزْل الصوف أو القطن لوجدته عبارة عن شعيرات قصيرة لا تتجاوز عدة سنتيمترات، ومع ذلك يصنعون منه حَبْلاً طويلاً، لأنهم يداخلون هذه الشعيرات بعضها في بعض، بحيث يكون طرف الشعرة في منتصف الأخرى، وهكذا يتم فَتْله وغَزْله، فإذا أردتَ تقوية هذه الفَتْلة تجدِلُها مع فتلة أخرى، وهكذا يكون الجدل في الأفكار، فكل صاحب فكرة يحاول انْ يُقوِّي رأيه وحجته؛ ليدحض حجة الآخرين.

فقوله تعالى: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ..) (الحج: 3) فكيف يكون الجدل في الله تعالى؟

يكون الجدل في الله وجوداً، كالملحد الذي لا يعترف بوجود إله، أو يكون الجدل في الوحدانية، كمن يشرك بالله إلهاً آخر، أو يكون الجدل في إعلام الله بشيء غيبي، كأمر الساعة الذي ينكره البعض ولا يُصدِّقون به، هذا كله جدل في الله.

وقوله: (بِغَيْرِ عِلْمٍ..) (الحج: 3) إذن: فالجدل في ذاته مُبَاح مشروع، شريطة أن يصدر عن علم وفقه، كما جاء في قوله تعالى: (وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..) (النحل: 125).

فالحق سبحانه لا يمنع الجدل، لكن يريده بالطريقة الحسنة والأسلوب اللين، وكما يقولون: النصح ثقيل، فلا تجعله جَدَلاً، ولا ترسله جبلاً، ولا تُخرِج الإنسان مما يألف بما يكره، واقرأ قوله تعالى: (ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ..) (النحل: 125).

وقال سبحانه: (وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..) (العنكبوت: 46).

لذلك؛ فالقرآن الكريم يعلم الرسول -صلّى اللهُ عليه وسلّم- لَوْناً من الجدل في قوله تعالى: (قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (سبأ: 25).

فانظر إلى هذا الجدَل الراقي والأسلوب العالي: ففي خطابهم يقول: (قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا..) (سبأ: 25) وينسب الإجرام إلى نفسه، وحين يتكلم عن نفسه يقول: (وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (سبأ: 25) ولم يقُلْ هنا: تجرمون لتكون مقابلة بين الحالين.

وفي هذا الأسلوب ما فيه من جذب القلوب وتحنينها لتقبُّل الحق.

ولما اتهموا رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- بالجنون ردَّ عليهم القرآن بالعقل وبالمنطق، فسألهم: ما الجنون؟

الجنون أنْ تصدر الأفعال الحركية عن غير بدائل اختيارية من المخ، فهل جرَّبْتُم على محمد شيئاً من هذا؟

وما هو الخُلق؟

الخُلق: استقامة المنهج والسلوك على طريق الكمال والخير، فهل رأيتُم على محمد خلاف هذا؟

لذلك يقول تعالى في الرد عليهم: (قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ..) (سبأ: 46).

وكيف يكون صاحب هذا الخلُق القويم والسلوك المنضبط في الخير مجنوناً؟

ولما قالوا: كذاب، جادلهم القرآن: (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) (يونس: 16).

لقد أتتْه الرسالة بعد الأربعين، فهل سمعتم عنه خطيباً أو شاعراً؟

فهل قال خطبة أو قصيدة تحتفظون بها كما تحتفظون بقصائد شعرائكم؟

وقالوا: إنها عبقرية كانت عند محمد، فأيُّ عبقرية هذه التي تتفجَّر بعد الأربعين، ولو تأملْتَ العبقريات لوجدتها في العقد الثاني أو الثالث من عمر صاحبها، فكيف يُؤجِّل محمد عبقريته إلى الأربعين، ومَنْ يضمن له الحياة وهو يرى الناس يتساقطون من حوله: أبوه مات قبل أنْ يوُلد، وأمه ماتت وهو رضيع، وجدُّه مات وهو ما يزال صغيراً.

وهكذا، يعطينا القرآن مثالاً للجدل بالحكمة والموعظة الحسنة، للجدل الصادر عن عِلْم بما تقول، وإدراك لحقائق الأمور.

لذلك؛ لما ذهب الشَّعْبي لملك الروم قال له الملك: عندكم في الإسلام أمور لا يُصدِّقها العقل، فقال الشَّعْبيّ: ما الذي في الإسلام يخالف العقل؟

قال: تقولون إن في الجنة طعاماً لا ينفد أبداً، ونحن نعلم أن كل ما أُخذ منه مرة بعد مرة لابد أنْ ينفد.

انظر إلى الجدل في هذه المسألة كيف يكون.

قال الشَّعْبي: أرأيتَ لو أن عندك مصباحاً، وجاءت الدنيا كلها فقبستْ من ضوئه، أينقص من ضوء المصباح شيء؟

هذا -إذن- جدل راقٍ وعلى أعلى مستوى.

ويستمر ملك الروم فيقول: كيف نأكل في الجنة كُلَّ ما نشتهي دون أنْ نتغوّط أو تكون لنا فضلات؟نقول: أرأيتم الجنين في بطن الأم: أينمو أم لا؟

إنه ينمو يوماً بعد يوم، وهذا دليل على أنه يتغذَّى، فهل له فضلات؟

لو كان للجنين فضلات ولو تغوَّط في مشيمته لمات، إذن: يتغذى الجنين غذاءً على قَدْر حاجة نموه، بحيث لا يتبقى من غذائه شيء.

ثم قال: أين تذهب الأرواح بعد أنْ تفارق الأجساد؟

أجاب الرجل إجمالاً: تذهب حيث كانت قبل أنْ تحلَّ فيك، وأمامك المصباح وفيه ضوء، ثم نفخ المصباح فانطفأ، فقال له: أين ذهب الضوء؟

ومن الجدل الذي جاء عن عِلْم ودراية ما حدث من الإمام علي -رضي الله عنه-، حيث قتلَ أصحابُ معاوية عمارَ بن ياسر، فغضب الصحابة في صفوف معاوية وتذكَّروا قول رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- عن عمار: "تقتله الفئة الباغية".

وأخذوا يتركون جيش معاوية واحداً بعد الآخر، فذهب عمرو بن العاص إلى معاوية وقال: لقد فشَتْ في الجيش فاشية، إنْ هي استمرتْ فلن يبقى معنا رجل واحد، فقال معاوية: وما هي؟

قال: يقولون: إننا قتلنا عماراً والنبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- قال عنه: " تقتله الفئة الباغية".

فاحتار معاوية ثم قال: قُلْ لهم قتله مَنْ أخرجه للقتال - يعني: علي بن أبي طالب، فلما بلغ الكلامُ سيدنا علياً، قال: قولوا لهم: فمَنْ قتل حمزة بن عبد المطلب؟

أي: إن كان الأمر كما تقولون فالنبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- هو قاتل حمزة؛ لأنه هو الذي أخرجه للقتال.

هذا هو الجدل عن علم، والعلم قد يكون علماً بدهياً وهو العلم الذي تؤمن به ولا تستطيع أن تدلل عليه.

أو علماً عقلياً استدلالياً، وقد يكون العلم بالوحي من الله لا دَخْلَ لأحد فيه، وسبق أنْ ضربنا مثلاً للبدهيات بالولد الصغير حينما يرى أخاه يجلس بجوار أبيه على المقعد مثلاً، فيأتي الصغير يريد أنْ يجلس هو بجوار الأب، فيحاول أولاً أنْ يقيم أخاه من المكان فيشدُّه ويجذبه ليخلي له المكان.

وهنا نتساءل: كيف عرف الطفل الصغير أن الحيِّز لا يسع اثنين؟

ولا يمكن أنْ يحلَّ بالمكان شيء إلا إذا خرج ما فيه أولاً؟

هذه أمور لم نعلمها إلا في دراستنا الثانوية، فعرفنا معنى الحيِّز وعدم تداخل الأشياء، هذه المسألة يعرفها الطفل بديهة.

ولو تأملتَ النظريات الهندسية لوجدتَ أن كل نظرية تُبنَى على نظرية سابقة، فلو أردت أنْ تبرهن على النظرية المائة تستخدم النظرية تسعين مثلاً، وهكذا إلى أنْ تصلَ إلى نظرية بدهية لا برهانَ عليها.

وهكذا تستطيع أن تقول: إن كل شيء علمي في الكون مبنيٌّ على البدهيات التي لا تحتاج إلى برهان، ولا تستطيع أن تضع لها تعريفاً، فالسماء مثلاً، يقولون هي كل ما علاك فأظَّلك، فالسقف سماء، والغيم سماء، والسحاب سماء، والسماء سماء، مع أن السماء لا تحتاج إلى مثل هذا التعريف؛ لأنك حين تسمع هذه الكلمة (السماء) تعرف معناها بديهة دون تعريف.

وهذه الأمور البدهية لا جدلَ فيها؛ لأنها واضحة، فلو قلتَ لهذا الطفل: اجلس على أخيك، فهذا ليس جدلاً؛ لأنه لا يصح.

أما العلم الاستدلالي فأنْ تستدل بشيء على شيء، كأنْ تدخل بيتك فتجد (عقب سيجارة) مثلاً في (طفاية السجائر) فتسأل: مَنْ جاءكم اليوم؟

ومثل الرجل العربي حين سار في الصحراء، فوجد على الأرض آثاراً لخفِّ البعير وبَعْره، فقال: البعرة تدل على البعير، والقدم تدل على المسير.

أما عِلْم الوحي فيأتي من أعلى، يلقيه الله سبحانه على مَنْ يشاء من عباده.

فعلى المجادل أن يستخدم واحداً من هذه الثلاثة ليجادل به، فإن جادل بغير علم فهي سفسطة لا طائل من ورائها.

وقد نزلت هذه الآية: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ..) (الحج: 3) في النضر بن الحارث، وكان يجادل عن غير علم في الوجود، وفي الوحدانية، وفي البعث.. إلخ.

والآية لا تخص النضر وحده، وإنما تخص كل مَنْ فعل فِعْله، ولَفَّ لفَّه من الجدل.

ثم يقول تعالى: (وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ) (الحج: 3) أي: أن هذا الجدل قد يكون ذاتياً من عنده، أو بوسوسة الشيطان له بما يخالف منهج الله، سواء أكان شيطانَ الإنس أو شيطانَ الجن.

إذن: فالسيئات والانحرافات والخروج عن منهج الله لا يكون بوسوسة، إما من النفس التي لا تنتهي عن مخالفة، وإما من الشيطان الذي يُلِحُّ عليك إلى أنْ يوقِع بك في شِرَاكه.

لكن، لا نجعل الشيطان (شماعة) نعلق عليها كل سيئاتنا وخطايانا، فليست كل الذنوب من الشيطان، فمن الذنوب ما يكون من النفس ذاتها، وسبق أنْ قُلْنا: إذا كان الشيطان هو الذي يوسوس بالشر، فمَنِ الذي وسوس له أولاً؟

وكما قال الشاعر:
* إِبْلِيسُ لَمَّا غَوَى مَنْ كَانَ إبليسُه؟*

وفَرْق بين المعصية من طريق النفس، والمعصية من طريق الشيطان، الشيطان يريدك عاصياً على أيِّ وجه من الوجوه، أمّا النفس فتريدك عاصياً من وجه واحد لا تحيد عنه، فإذا صرفتَها إلى غيره لا تنصرف وتأبى عليك، إلاَّ أنْ تُوقعك في هذا الشيء بالذات.

وهذا بخلاف الشيطان إذا تأبيْتَ عليه ولم تُطِعْهُ في معصية صرفكَ إلى معصية أخرى، أياً كانت، المهم أن تعصي، وهكذا يمكنك أنْ تُفرِّق بين المعصية من نفسك، أو من الشيطان.

ولما سُئِلَ أحد العلماء: كيف أعرف: أأنا من أهل الدنيا أمْ من أهل الآخرة؟

قال: هذه مسألة ليستْ عند العلماء إنما عندك أنت، قال: كيف؟

قال: انظر في نفسك، فإنْ كان الذي يأخذ منك الصدقة أحبّ إليك ممَّنْ يعطيك هدية، فاعلم أنك من أهل الآخرة، وإنْ كانت الهدية أحبَّ إليك من الصدقة فأنت من أهل الدنيا.

ذلك لأن الإنسان يحب من عمَّر له ما يحب، فالذي يعطيك يعمر لك الدنيا التي تحبها فأنت تحبه، وكذلك الذي يأخذ منك يعمر لك الآخرة التي تحبها فأنت تحبه.

فهذه مسألة لا دَخْل للشيطان فيها.

وفي آية أخرى يقول الحق -سبحانه وتعالى-: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ) (لقمان: 20).

فهذه الآية تُجمل أنواع العلم الثلاثة التي تحدثنا عنها: فالعلم يُرَاد به البدهيات، والهدى أي: الاستدلال، والكتاب المنير يُراد به ما جاء وَحيْاً من الله، وبهذه الثلاثة يجب أن يكون الجدال وبالتي هي أحسن.

ومعنى: (مَّرِيدٍ) (الحج: 3) من مَرَدَ أو مَرُدَ يمرد كنثر ينثُر، والمرود: العُتوُّ وبلوغ الغاية من الفساد، ومنها مارد ومريد ومتمرد، والمارد: هو المستعلي أعلى منك.



سورة الحج الآيات من 01-05   2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

سورة الحج الآيات من 01-05   Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الحج الآيات من 01-05    سورة الحج الآيات من 01-05   Emptyالجمعة 03 يوليو 2020, 4:46 am

كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ (٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

أي: كتب الله على هذا الشيطان المريد، وحكم عليه حُكماً ظاهراً، هكذا (عيني عينك) كما يقال (أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ...) (الحج: 4) أي: تابعه وسار خلفه (فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ) (الحج: 4) يضله ويهديه ضِدّان، فكيف نجمع بينهما؟

المراد: يُضِلُّه عن طريق الحق والخير، ويهديه أي: للشر؛ لأن معنى الهداية: الدلالة مُطْلقاً، فإن دللْتَ على خير فهي هداية، وإن دللتَ على شر فهي أيضاً هداية.

واقرأ قوله -سبحانه وتعالى-: (ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ) (الصافات: 22-23).

أي: دُلُّوهم وخُذوا بأيديهم إلى جهنم.

ويقول تعالى في آية أخرى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ..) (النساء: 168-169).

والسَّعير: هي النار المتوهّجة التي لا تخمد ولا تنطفئ.

ثم يقول الحق سبحانه: (يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ...).



سورة الحج الآيات من 01-05   2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

سورة الحج الآيات من 01-05   Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الحج الآيات من 01-05    سورة الحج الآيات من 01-05   Emptyالجمعة 03 يوليو 2020, 4:47 am

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّىٰ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

قوله: (يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ..) (الحج: 5).

الريب: الشك.

فالمعنى: إنْ كنتم شاكِّين في مسألة البعث، فإليكم الدليل على صِدْقه (فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ..) (الحج: 5) أي: الخَلْق الأول، وهو آدم -عليه السلام-، أما جمهرة الناس بعد آدم فخُلِقوا من (نطفة) حية من إنسان حي.

والمتتبع لآيات القرآن يجد الحق -سبحانه وتعالى- يقول مرة في خَلْق الإنسان: (مِّن تُرَابٍ..) (الحج: 5)، ومرة: (مِن مَّآءٍ..) (الطارق: 6)، و: (مِّن طِينٍ..) (الأنعام: 2)، و(مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ..) (الحجر: 26)، و(مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ) (الرحمن: 14) وهذه التي دعتْ المستشرقين إلى الاعتراض على أسلوب القرآن، يقولون: من أيِّ هذه الأشياء خُلِقْتم؟

وهذا الاعتراض ناشىء من عدم فَهْم لغة القرآن، فالتراب والماء والطين والحمأ المسنون والصلصال، كلها مراحل متعددة للشيء الواحد، فإذا وضعتَ الماء على التراب صار طيناً، فإنْ تركتَ الطين حتى يتخمّر، ويتداخل بعضه في بعض حتى لا تستطيع أنْ تُميِّز عنصراً فيه عن الآخر.

وهذا عندما يعطَنُ وتتغير رائحته يكون هو الحمأ المسنون، فإنْ جَفَّ فهو صلصال كالفخار، ومنه خلق اللهُ الإنسان وصوَّره، ونفخ فيه من روحه، إذن: هذه مراحل للشيء الواحد، ومرور الشيء بمراحل مختلفة لا يُغيِّره.

ثم تكلم سبحانه عن الخَلْق الثاني بعد آدم -عليه السلام-، وهم ذريته، فقال: (ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ..) (الحج: 5) والنطفة في الأصل هي قطرة الماء العَذْب.

كما جاء في قول الشاعر:
بَقَايَا نِطَافٍ أودَعَ الغيمُ صَفْوَهَا مُثقَّلَةُ الأرجَاء زُرْقُ الجَوانبِ

ولا تظهر زُرْقة الماء إلا إذا كان صافياً لا يشوبه شيء، وكذلك النطفة هي خلاصة الخلاصة، لأن جسم الإنسان تحدث فيه عملية الاحتراق، وعملية الأيض أي: الهدم والبناء بصفة مستمرة ينتج عنها خروج الفضلات المختلفة من الجسم: فالبول، والغائط، والعرق، والدموع، وصَمْغ الأذن، كلها فضلات ناتجة عن احتراق الطعام بداخل الجسم حيث يمتص الجسم خلاصة الغذاء، وينقلها إلى الدم.

ومن هذه الخلاصة يُستخلص منيُّ الإنسان الذي تؤخذ منه النطفة، فهو -إذن- خلاصة الخلاصة في الإنسان، ومنه يحدث الحمل، ويتكَّون الجنين، وكأن الخالق -عز وجل- قد صَفَّاها هذه التصفية ونقَّاها كل هذا النقاء؛ لأنها ستكون أصْلاً لأكرم مخلوقاته، وهو الإنسان.

وهذه النطفة لا تنزل من الإنسان إلا في عملية الجماع، وهي ألذُّ متعة في وجود الإنسان الحيِّ، لماذا؟

لو تأملتَ متعة الإنسان ولذاته الأخرى مثل: لذة الذَّوْق، أو الشم، أو الملمس، فهي لذَّاتٌ معروفة محددة بحاسَّة معينة من حواس الإنسان، أمّا هذه اللذة المصاحبة لنزول المنيِّ أثناء هذه العملية الجنسية فهي لذة شاملة يهتز لها الجسم كله، ولا تستطيع أنْ تُحدِّد فيها منطقة الإحساس، بل كل ذرة من ذرات الجسم تحسها.

لذلك أمرنا ربنا -عز وجل- أن نغتسل بعد هذه العملية؛ لأنها شغلتْ كل ذرة من ذرات تكوينك، وربما -عند العارفين بالله- لا تغفل عن الله تعالى إلا في هذه اللحظة؛ لذلك كان الأمر بالاغتسال بعدها، هذا قول العلماء.

أما أهل المعرفة عن الله وأهل الشطح وأهل الفيوضات فيقولون: إن الله خلق آدم من طين، وجعل نَسْله من هذه النطفة الحية التي وضعها في حواء، ثم أتى منها كل الخَلْق بعده، فكأن في كل واحد منا ذرة من أبيه آدم؛ لأنه لو طرأ على هذه الذرة موت ما كان نَسْلٌ بعد آدم، فهذه الذرة موجودة فيك في النطفة التي تلقيها ويأتي منها ولدك، وهي أصْفى شيء فيك؛ لأنها الذرة التي شهدتْ الخَلْق الأول خَلْق أبيك آدم -عليه السلام- وقد قرّبنا هذه المسألة وقلنا: لو أنك أخذت سنتيمتراً من مادة ملونة، ووضعته في قارورة ماء، ثم أخذتَ ترجُّ القارورة حتى اختلط الماء بالمادة الملونة فإن كل قطرة من الماء بها ذرة من هذه المادة، وهكذا لو ألقيتَ القارورة في برميل.. إلخ.

إذن: فكل إنسان مِنّا فيه ذرة من أبيه آدم -عليه السلام-، هذه الذرة شهدتْ خَلْق آدم، وشهدتْ العهد الأول الذي أخذه الله على عباده في قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ..) (الأعراف: 172).

لذلك؛ يُسمِّي الله تعالى إرسال الرُّسُل بَعْثاً فيقول: (بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً) (الفرقان: 41) بعثه: كأنه كان موجوداً وله أَصْل في رسالة مباشرة من الله حين أخذ العهد على عباده، وهم في ظَهْر آدم -عليه السلام-، كما يخاطب الرسول بقوله: (فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ) (الغاشية: 21) أي: مُذكِّر بالعهد القديم الذي أخذناه على أنفسنا.

لذلك اقرأ الآية: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ..) (الأعراف: 172).

هذا في مرحلة الذَّرِّ قبل أنْ يأتي الهوى في النفوس(أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ) (الأعراف: 172-173).

إذن: بعث الله الرسل لتُذكِّر بالعهد الأول، حتى لا تحدث الغفلة، وحتى تقيم على الناس الحجة.

ثم يقول تعالى: (ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ..) (الحج: 5) سمِّيت النطفة علقة؛ لأنها تعلَقُ بالرحم، يقول تعالى في آية أخرى: (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ) (القيامة: 37-38).

فالمنيُّ هو السائل الذي يحمل النطفة، وهي الخلاصة التي يتكوَّن منها الجنين، والعَلَقة هنا هي البُويْضَة المخصَّبة، فبعد أنْ كان للبويضة تعلُّق بالأم، وللحيوان المنوي (النطفة) تعلُّق بالأب، اجتمعا في تعلُّق جديد والتقيَا ليتشبَّثا بجدار الرحم، وكأن فيها ذاتية تجعلها تعلَق بنفسها، يُسمُّونها (زيجوت).

ومنها قولهم: فلان هذا مثل العلقة إذا كان ملازماً لك.

بعد ذلك تتحول العلقة إلى مضغة (ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ..) (الحج: 5) والمضغة: هي قطعة لحم صغيرة قَدْر ما يُمضغ من الطعام، وهو خليط من عِدَّة أشياء، كما لو أكلتَ مثلاً قطعة لحم مع ملعقة خضار مع ملعقة أرز، وبالمضغ يتحوّل هذا إلى خليط، ذلك لأن جسم الإنسان لا يتكَّون من عنصر واحد، بل من ستة عشر عنصراً.

هذه المضغة (مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ..) (الحج: 5) معنى مخلقة يعني: يظهر عليها هيكل الجسم، وتتشكَّل على صورته، فهذه للرأس، وهذه للذراع، وهذه للرِّجْل وهكذا، يعني تخلَّقتْ على هيئة الإنسان.

أما غير المخلَّقة، فقد عرفنا مؤخراً أنها الخلايا التي تُعوِّض الجسم وتُرقِّعه إذا أصابه عَطَب فهي بمثابة (احتياطي) لإعادة تركيب ما تلف من أنسجة الجسم وترميمها، كما يحدث مثلاً في حالة الجُرْح فإنْ تركتَه لطبيعة الجسم يندمل شيئاً فشيئاً، دون أنْ يتركَ أثراً.

نرى هذا في أولاد الفلاحين، حين يُجرح الواحد منهم، أو تظهر عنده بعض الدمامل، فيتركونها لمقاومة الجسم الطبيعية، وبعد فترة تتلاشى هذه الدمامل دون أنْ تتركَ أثراً على الإطلاق؛ لأنهم تركوا الجسم للصيدلية الربانية.

أما إذا تدخَّلنا في الجُرْح بمواد كيماوية أو خياطة أو خلافه فلابد أن يترك أثراً، فترى مكانه لامعاً؛ لأن هذه المواد أتلفت مسام الجسم؛ لذلك نجد مثل هذه الأماكن من الجسم قد تغيرتْ، ويميل الإنسان إلى حَكِّها (وهرشها) ؛ لأن هذه المسام كانت تُخرِج بعض فضلات الجسم على هيئة عرق، فلما انسدت هذه المسام سببت هذه الظاهرة.

هذا كله لأننا تدخَّلْنا في الطبيعة التي خلقها الله.

إذن: فمعنى (وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ..) (الحج: 5) هي الصيدلية التي تُعوِّض وتُعيد بناء ما تلف من جسم الإنسان.

ثم يقول سبحانه: (لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى..) (الحج: 5) أي: نُوضِّح لكم كل ما يتعلَّق بهذه المسألة (وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ..) (الحج: 5) وهي المضْغة التي قُدِّر لها أنْ تكون جنيناً يكتمل إلى أنْ يولد؛ لذلك قال: (إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى..) (الحج: 5) أو نسقطه ميتاً قبل ولادته.

فإنْ قلتَ: وما الحكمة من خَلْقه وتصويره، إنْ كان قد قُدِّر له أنْ يموت جنيناً؟

نقول: لنعرف أن الموت أمر مُطْلق لا رابطَ له ولا سِنّ، فالموت يكون للشيخ كما يكون للجنين في بطن أمه، ففي أيِّ وقت ينتهي الأجل.

وقوله تعالى: (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً..) (الحج: 5) قال: (نُخْرِجُكُمْ..) (الحج: 5) بصيغة الجمع ولم يقُلْ: أطفالاً إنما (طِفْلاً..) (الحج: 5) بصيغة المفرد، لماذا؟

قالوا: في اللغة ألفاظ يستوي فيها المفرد والجمع، فطفل هنا بمعنى أطفال، وقد وردتْ أطفال في موضع آخر في قوله سبحانه: (وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ..) (النور: 59).

وكما تقول هذا رجل عَدْل، ورجال عَدْل.

وفي قصة سيدنا إبراهيم -عليه السلام- يتكلم عن الأصنام فيقول: (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي..) (الشعراء: 77) ولم يقُلْ: أعداء.

وحينما تكلم عن ضَيْفه قال: (هَؤُلآءِ ضَيْفِي..) (الحجر: 68) ولم يقل: ضيوفي، إذن: المفرد هنا يُؤدِّي معنى الجمع.

ثم يقول سبحانه: (ثُمَّ لِتَبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُمْ..) (الحج: 5) وهكذا، ينقلنا السياق من الطفولة إلى المرحلة النهائية من عمر الإنسان، وسبق أنْ تحدَّثنا عن مراحل عمر الإنسان، وأنه يمر بمرحلة الرُّشْد: رُشْد البنية حين يصبح قادراً على إنجاب مثله، ورُشْد العقل حين يصبح قادراً على التصرّف السليم، ويُحسن الاختيار بين البدائل.

ثم تأتي مرحلة الأشد: (حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ..) (الأحقاف: 15) يعني: نضج نُضْجاً من حوادث الحياة أيضاً.

ثم يقول تعالى: (وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ..) (الحج: 5) وأرذل العمر يعني رديئه، حين تظهر على الإنسان علامات الخَوَر والضعف (لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً..) (الحج: 5) لأنه ينسى، وعندها يعرف أن صحته وقوته وسلطانه ليست ذاتية فيه، إنما موهوبة له من الله.

وإذا بلغ الرجل أرذلَ العمر يعود من جديد إلى مرحلة الطفولة تدريجياً، فيحتاج لمَنْ يأخذ بيده ليقوم أو ليمشي، كما تأخذ بيد الطفل الصغير، فإذا تكلّم يتهته ويتلعثم كالطفل الذي يتعلم الكلام..وهكذا في جميع شئونه.

لذلك يقولون: الزواج المبكر أقرب طريق لإنجاب (والد) يعولُك في طفولة شيخوختك، ولم يقُلْ: ولداً؛ لأنه سيقوم معك فيما بعد بدوْر الوالد، يقولون: لحق والده يعني سنُّهما متقارب.

لكن، لماذا يُرَدُّ بعضنا إلى أرذل العمر دون بعض؟

الحق سبحانه جعلها نماذج حتى لا نقول: يا ليت أعمارنا تطول؛ لأن أعمار الجميع لو طالتْ إلى أرذَلِ العمر لأصبح الأمر صعباً علينا، فمن رحمة الله بنا أنْ خلق الموت.

ثم يقول تعالى: (وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (الحج: 5).

أي: كما كان خَلْق الإنسان من تراب، ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم من مُضْغة مُخلَّقة وغير مُخلَّقة، ثم أخرجه طفلاً، وبلغ أَشُدَّهُ، ومنهم مَنْ مات، ومنهم مَنْ يُرَدُّ إلى أرذَل العمر، كذلك الحال في الأرض: (وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً..) (الحج: 5).

هامدة: ساكنة، ومنه قولنا للولد كثيرالحركة: اهمد (فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ..) (الحج: 5) أي: تحركتْ ذراتُها بالنبات بعد سكونها.

والاهتزاز: تحرُّك ما كنت تظنه ثابتاً، وليس ما كان ثابتاً في الواقع؛ لأن لكل كائن حركة في ذاته، حتى قطعة الحديد الجامدة لها حركة بين ذراتها، لكن ليس لديْك من وسائل الإدراك ما تدرك به هذه الحركة.

ولو تأملت المغناطيس لأدركتَ هذه الحركة بين ذراته، فحين تُدلِّك القضيب الممغنط وتُمرِّره على قضيب آخر غير مُمغنط في اتجاه واحد، فإنه يكتسب منه المغناطيسية، وتمرير المغناطيس في اتجاه واحد معناه تعديل للذرات لتحمل شحنة واحدة سالبة أو موجبة، فإن اختلف اتجاه الدَّلْك فإن الذرات أيضاً تختلف.

إذن: في الحديد -رمز الصلابة والجمود- حركة وحياة تناسبه، وإنْ خُيِّل إليك أنه أصمُّ جامد في ظاهره.

لذلك نقول (هَامِدَةً..) (الحج: 5) يعني: ساكنة في رَأْي العلم، حيث لا نباتَ فيها ثم (ٱهْتَزَّتْ..) (الحج: 5) يعني: زادتْ ورَبَتْ وتحركتْ لإخراج النبات، إنما هي في الحقيقة لم تكُنْ ساكنة مُطْلقاً؛ لأن فيها حركة ذاتية بين ذراتها.

ومعنى: (وَرَبَتْ..) (الحج: 5) أي: زادت عن حجمها، كما تزيد حبة الفول مثلاً حين تُوضَع في الماء، وتأخذ حظها من الرطوبة، وكذلك في جميع البقول، وهذه الزيادة في حجم الحبة هي التي تفلقها إلى فلقتين في عملية الإنبات، ويخرج منها زبان يتجه إلى أعلى فيكون الساق الذي يبحث عن الهواء، وإلى أسفل فيكون الجذر الذي يبحث عن الماء.

وتظل هاتان الفلقتان مصدرَ غذاءٍ للنبتة حتى تقوى، وتستطيع أنْ تمتصَّ غذاءها من التربة، فإذا أدَّتْ هاتان الفلقتان مهمتهما في تغذية النبتة تحوَّلتَا إلى ورقتين، وهما أول ورقتين في تكوين النبتة.

كذلك، نلاحظ في تغذية النبات أنه لا يأخذ كُلَّ غذائه من التربة، إنما يتغذى بنسبة ربما 90 بالمائة من غذائه من الهواء، وتستطيع أن تلاحظ هذه الظاهرة إذا نظرتَ إلى إصيص به زرع، فسوف تجد ما نقص من التربة كمية لا تُذكَر بالنسبة لحجم النبات الذي خرج منها.

وحين تتأمل جذر النبات تجد فيه آية من آيات الله، فالجذر يمتد إلى أن يصل إلى الرطوبة أو الماء، حتى إذا وصل إلى مصدر غذائه توقَّف، ولك أن تنظر مثلاً إلى (كوز الحلبة) فسوف تجد الجذور غير متساوية في الطول، بحسب بُعد الحبة عن مصدر الرطوبة.

(وَرَبَتْ..) (الحج: 5) أي: زادت وانتفشتْ، كما يحدث في العجين حين تضع فيه الخميرة (وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (الحج: 5).

هذه صورة حيَّة واقعية نلاحظها جميعاً عياناً: الأرض تكون جرداء ساكنة، لا حركةَ فيها، فإذا ما نزل عليها الماء تغيرتْ وتحركتْ ذراتها وتشققتْ عن النبات، ولو حتى بالمطر الصناعي، كما نرى في عرفة مثلاً ينزل عليها المطر الصناعي فيخضرُّ الوادي، لكن حينما ينقطع الماء يعود كما كان لعدم موالاة الماء، ولو واليتَ عليها بالماء لصارت غابات وأحراشاً وبساتين كالتي نراها في أوروبا.

والمطر لا يحتاج أنْ تُسوَّى له الأرض؛ لأنه يسْقِي المرتفع والمنخفض على السواء، على خلاف الأرض التي تسقيها أنت لابد أن تُسوِّيها للماء حتى يصل إليها جميعاً.

فإذا أنزل الله تعالى المطر على الأرض الجدباء الجرداء تراها تتفتق بالنبات، فمن أين جاءت هذه البذور؟

وكيف لم يُصِبْها العطب، وهي في الأرض طوال هذه الفترات؟

الأرض هي التي تحفظها من العطب إلى أن تجد البيئة المناسبة للإنبات، وهذا النبات الذي يخرج من الأرض دون تدخُّل الإنسان يسمونه (عِذْى).

أما عن نَقْل هذه البذور في الصحراء وفي الوديان، فهي تنتقل بواسطة الريح، أو في رَوَث الحيوانات.

ومعنى: (مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (الحج: 5) الزوج: البعض يظن الزوج يعني الاثنين، إنما الزوج كلمة مفردة تدل على واحد مفرد معه مِثْله من جنسه، ففي قوله تعالى: (وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ) (النجم: 45) فكل منهما زوج، وكما نقول: زوج أحذية يعني فردة حذاء معها فردة أخرى مثلها، ومثلها كلمة توأم يعني مولود معه مثله فكل واحد منهما يسمى (توأم) وهما معاً (توأمان) ولا نقول: هما توأم.

وهنا مظهر من مظاهر دِقَّة الأداء القرآني: (مِن كُلِّ زَوْجٍ..) (الحج: 5) لأن كل المخلوقات، سواء أكانت جماداً أو نباتاً أو حيواناً، لابد فيه من ذكر وأنثى، هذه الزوجية قال الله فيها: (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ..) (الذاريات: 49) حتى في الجماد الذي نظنه جماداً لا حركةَ فيه، يتكَّون من زوجين: سالب وموجب في الكهرباء، وفي الذرة، وفي المغناطيس، فكلُّ شيء يعطي أعلى منه، فلابد فيه من زوجيْن.

لذلك، فالحق -سبحانه وتعالى- حينما عالج هذه المسألة عالجها برصيد احتياطي في القرآن، يقول سبحانه: (سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ) (يس: 36).

فقوله سبحانه: (وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ) (يس: 36) رصيد عالٍ لما سيأتي به العلم من اكتشافات تثبت صِدْق القرآن على مَرِّ الأيام، ففي الماضي عرفنا الكهرباء، وأنها سالب وموجب فقلنا: هذه مما لا نعلم، وفي الماضي القريب عرفنا الذرة فقلنا: هذه مما لا نعلم، وهذا وجه من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم.

إذن: خُذْها قضية عامة: كل شيء يتكاثر إلى أعلى منه، فلابد ان فيه زوجية.

فقوله تعالى: (وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (الحج: 5) فالزوج من النبات مفرد معه مثله، وهذا واضح في لقاح الذكر والأنثى، هذا اللقاح قد يكون في الذكر وحده، أو في الأنثى وحدها كما في النخل مثلاً، وقد يكون العنصران معاً في النبات الواحد كما في سنبلة القمح أو في كوز الذرة.

ولو تأملت نبات الذرة لوجدتَ له في أعلاه (شوشة) بها حبيبات دقيقة تحمل لقاح الذكورة، وفي منتصف العود يخرج الكوز، وبه شعيرات تصل كل شعرة منها إلى حبة من حبات الذرة المصطفة على الكوز، وهذه تحمل لقاح الأنوثة، فإذا هبَّتْ الريح هزَّتْ أعلى العود فتساقطت لقاحات الذكورة على هذه الشعيرات فلقحتها؛ لذلك نرى الحبة التي لا يخرج منها شعرة إلى خارج الغلاف تضمر وتموت؛ لأنها لم تأخذ حظها من اللقاح.

ومعنى: (بَهِيجٍ) (الحج: 5) من البهجة، فالمراد: الشيء حسن المنظر والجميل الذي يجذب الأنظار إليه، وبهجة النظر إلى النبات شائعة لا تقتصر على مَنْ يملكه بخلاف الأكل منه، فحين تمر ببستان أو حديقة تتمتع بمنظرها وجمال ألوانها وتُسَرُّ برائحتها.

وفي النفس الإنسانية ملكات تتغذى على هذه الخضرة، وعلى هذه الألوان وتنبسط لهذا الجمال، ولو لم تكُنْ تمتلكه.

لذلك الحق -سبحانه وتعالى- ينبهنا إلى هذه المسألة في قوله تعالى: (ٱنْظُرُوۤاْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ..) (الأنعام: 99) أي: أن النظر مشاع للجميع، ثم بعد ذلك اتركوا الخصوصيات لأصحابها، تمتَّعوا بما خلق الله، ففي النفس ملكَات أخرى غير الطعام.

واقرأ أيضاً قوله تعالى في الخيل: (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) (النحل: 6) فليست الخيل لحمل الأثقال وفقط، وإنما فيها جمال وأُبَّهة، تُرضِي شيئاً في نفوسكم، وتُشْبِع ملكَة من ملكاتها.

ثم يقول الحق سبحانه: (ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ...).



سورة الحج الآيات من 01-05   2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة الحج الآيات من 01-05
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: الحج-
انتقل الى: