(51) صَلَاةُ الجُمُعَةِ:
ففي صلاة الجمعة عرَّفناهم ما مجمله: أن صلاة الجماعة رآها الشارع غير كافية بالمراد من اتحاد المُسْلِمين واتفاق كلمتهم، فجعل يوم الجمعة يومًا يجتمع فيه المُسْلِمون القاطنون في البلدة الواحدة في المسجد لسماع المواعظ الحسنة من جميع ما يتعلق بحياتهم الاجتماعية وما يتعلق بأمور الآخرة، فيخطب الخطيب منهم مُبيِّنًا لهم أنواع البدع المستهجنة والمفاسد التي تضر بالأخلاق، والآداب، ويحثهم على التعاضد، وترك المعاصي، والإقبال على خير الأعمال، وإقامة الشعائر الدِّينية وهَلُمَّ جَرًّا.

ولا شك أنَّ اجتماع المُسْلِمين في كُلِّ أسبوع لسماع هذه المواعظ مما يشدُّ ويقوِّي رابطة الإخاء والاتحاد بينهم، ويجعلهم يدًا واحدة في كُلِّ ما يهمُّهم أمره دنيا وأخرى، لو كانوا يعملون بمضمون ما يُلقَى عليهم من الحكم والمواعظ والأوامر والنواهي.
•••
وقد ارتقى الشارع في الدعوة إلى الاتحاد إلى درجة أرقى؛ حيث أمرهم بصلاة العيدين ليتفرغ المُسْلِمون في هذا اليوم من كُلِّ شغل ويتبادلون فيما بينهم المودة والائتلاف مصافحةً وتهنئة بمرور العام وهم في أتمِّ وفاق والتئام، فيصافح الغريب في البلدة أهلها مصافحة الأخ أخاه كأنه من عائلته أو أحد أقربائه، ويكون المُسْلِمون في هذا اليوم فرحين مستبشرين يلبسون أحسن اللباس، ويبذلون فيه ما يقدرون على بذله من الأموال مواساةً للفقراء حتى يكون الكُلُّ فرحًا مسرورًا.

ولَمَّا كانت صلاة عيد الفطر لا يجتمع فيها إلَّا أهل البلدة الواحدة تقريبًا، فرض الشارع صلاة عيد الأضحى ليجتمع المُسْلِمون في الأماكن المقدسة من كُلِّ بلد وكُلِّ قُطر يتبادلون المودة أيضًا، فيكونون جميعهم على اختلاف أجناسهم وبُعد بلادهم عن بعضهم كأنهم أفراد عائلة كما قلنا في باب الحكمة المُرادة من فريضة الحج.