امرأة بخيلة تعلم ماذا تفعل!!
أهدى امرأة تسمى معاذة ابن عم لها أضحية.
فلما كان في العام المقبل جاءها وقال: رأيتها كئيبة حزينة، مفكرة مطرقة.
فقلتُ لها: مالك يا معاذة
قالت: أنا امرأة أرملة، وليس لي قيِّم.
ولا عهد لي بتدبير لحم الأضاحي.
وقد ذهب الذين كانوا يدبرونه ويقومون بحقه.
وقد خِفْتُ أن يضيع بعض هذه الشاة.
ولست أعرف وضع جميع أجزاءها في أماكنها.
وقد علمتُ أنَّ الله لم يخلق فيها ولا غيرها شيئاً لا منفعة فيه.     
ولكن المَرْءُ يعجز لا محالة.
ولست أخاف من تضييع القليل، إلا أنه يَجُرُّ إلى تضييع الكثير.
أمَّا القرنُ فالوجه فيه معروف، وهو أن يُجعل كالخطاف، ويُسَمَّرُ في جذع من جذوع السَّقف، فيُعَلَّقُ عليه الزِّبل والكيران، وكل ما خِيفَ عليه من الفأر والنمل والسنانير، وبنات وردان والحيَّات، وغير ذلك.
وأمَّا المُصران فإنه لأوتار المندفة.. وبنا إلى ذلك أعظم الحاجة.
وأمَّا قحف الرأس واللحيان وسائر العظام، فسبيله أن يُكَسَّرَ بعد أن يعرق، ثم يطبخ.. فما ارتفع من الدَّسم كان للمصباح وللإدام وللعصيدة، ولغير ذلك.. ثم تؤخذ تلك العظام فيوقد بها.. فلم يرى الناسُ وقوداً قط أصفى ولا أحسن لهباً منها.. وإذا كانت كذلك فهي أسرع في القدر، لقلة ما يخالطها من الدخان...
وأمَّا الإهابُ فالجلد نفسه حراب.. وللصوف وجوه لا تدفع.
وأمَّا الفرث والبعر فحطبٌ إذا جُفِّفَ عجيب.
ثم قالت: بقي الآن علينا الانتفاع بالدَّم.
وقد علمتُ أنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لم يُحَرِّمْ من الدَّم المسفوح إلا أكله وشُربه، وأنَّ له مواضع يجوز فيها ولا يُمْنَعُ منها.
وإنْ أنَا لم أقع على علم ذلك، حتى يوضع موضع الانتفاع به، صار كَيَّةً في قلبي، وقَذَىً في عيني، وَهَمًّا لا يزال يُعَاودُنِي...
فلم ألبث أن رأيتُها قد تبسَّمت..
فقلتُ: ينبغي أن يكون قد انفتح لكِ بَابُ الرأي في الدَّم.
قالت: أجل، تَذَكَّرْتُ أن عندي قدوراً شامية جُدُداً.. وقد زعموا أنه ليس شيءٌ أدبغ ولا أزيد في قوتها، من التلطيخ بالدَّمِ الحار الدَّسِمْ.. وقد استرحتُ الآن، إذ وقع كل شيء موقعه!
قال: ثم لقيتها بعد ستة أشهر..
فقلتُ لها: كيف كان قديد تلك الشاة؟
قالت: بأبي أنت! لم يجيء وقت القديد بعد!
لنا في الشَّحم والإليَةِ والجُنُوبِ والعَظْم المَعْرُوق وغير ذلك معاش! ولكل شيءٍ أوانٌ!
فقبض صاحب الحمار والماء العذب قبضة من حصى، ثم ضرب بها الأرض.
ثم قال: لا تعلم أنكَ من المُسرفين، حتى تسمع بأخبار الصالحين! (1).