| لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191
| موضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا الأحد 29 ديسمبر 2019, 10:33 pm | |
| ساحة السوق يوم السوق في القرية هو يوم عطلة بقدر ما هو يوم عمل.
وهو يوم النساء بخاصة، اليوم الوحيد في الأسبوع الذي يتمكنَّ فيه من مُغادرة أسْرِ البيت للتَّمَتُّعِ بحرية السَّيْرِ، وتضييع الوقت، والقيل والقال كما يشأن.
وتأخذ المرأة إلى السوق ما يكون عليها أن تبيعه -ربما دجاجة، أو سلّة بيض، أو زبد، أو جبن-، وهناك تنسى تماماً رتابة حياتها اليومية وقيودها؛ وهي تُحَوِّلُ بضاعتها إلى نقود ثم تُنفق باقي يومها الطويل اللذيذ ذي الضّجيج والغبار، وهي تتخيَّر من السلع المَبيعة، وتتحسَّس الأقمشة وبواقي المعروضات، وتُقَدِّرُ نوعية البهار، والحُبوب، والبُقول والخضروات قبل أن تشتري بقالتها للأسبوع.
وهي فوق كل شيء تحيا في المجتمع وتُحِسُّ أنها جزء من العالم.
وهاهنا فإن المُحبطات القديمة لمجتمعها تتراخى بحكم التقاليد القديمة، ويُباحُ لها أن تكون عضواً من الجُمهور بدلاً من أن تكون عضواً من الأسرة.
أمَّا رجالها فلهم سلوكٌ مختلفٌ يوم السوق.
فهم لا شأن لهم بالمُساومات المُبتذلة على الخضروات المُلقاة حول مواقف البيع بالسوق.
وإنَّمَا هم يتمتعون بميزة التصرُّف في بيع حيوانات كبيرة مُهِمَّةٍ كالبقر، والحمير، والجمال، فيجلسون طول النهار في المقهى، ويُساومون في جديَّة، ويقدم العرض، والعرض المُضاد ببطء متعمداً كما في حركات لعبة الشطرنج، بينما يمرُّ اليوم في حديث مُتحضِّر تقطعه فترات من سكون له مغزاه.
وكما أن غريزة الجماع تتهذَّب في الإنسان وتُخفف لتصبح استثارة دائمة رتيبة بدلاً من الانفجارات الجنسيَّة الدَّوريَّة التي تحدث للحيوانات، فإنه يماثل ذلك أن الاحتياجات التجارية للمدينة يتم أداؤها في تعامل تجاري ثابت بلا لون ولا إيقاع، بينما الاتجار في القرية له إيقاع وموسم مثل كل سائر حياة الفلاح.
وهذه التفجيرات المتقطعة من التعامل التجاري، هي رغم كل متاعبها، لها عائدها الهائل في أنها تجعل الاتجار نشاطاً اجتماعياً احتفالياً، يكاد يكون طقساً من الطقوس، هو شخصي ومثير بأكبر مما أصبحت عليه آلية التجارة المُجهّلة الهادئة في المدينة.
وفي السُّوق يتم إجراء كل صفقات الأسبوع في هذا اليوم الواحد؟
أنه قلب اقتصاد القرية، الذي ينبض مرة في الأسبوع، وهذا النبض الأسبوعي يبين بوضوح الحالة الصحية للاقتصاد القروي.
وتتوافد للسوق كل منتجات المنطقة: كل المحاصيل، كل البهائم، وكل المنتجات المحلية.
وعدد العملاء في القرية لا يكفي لإقامة متاجر كثيرة فيها؛ وأقصى ما يمكن هو أنه قد يكون ثمة متجر واحد يبيع البن، والسكر، والأرز، والزيت، والثقاب -وكلها احتياجات عليها طلب يومي- ولكن ما من تاجر عاقل يحتفظ بسلع أخرى، لأنه لن يبيعها أبداً وسرعان ما يصيبه الإفلاس.
والقروي لا يستطيع الحصول على الحبوب والخضر إلا في يوم السوق، وذلك أن كل بوصة مربعة من الأرض في الريف تخصص للمحاصيل المُجزية، فلا مكان لحدائق منزلية للخضر، والخضروات إنما تأتي من بساتين الخضر قرب المدينة.
وفي يوم السوق وحده يستطيع الفلاح شراء حيوانات جديدة وتستطيع الفلاحة شراء مشابكها وإبرها.
وفي السوق يحصل الفلاح وزوجته على القماش والملابس والأحذية وأدوات التجميل؛ والمفروشات مثل السجاد والأبسطة والبياضات؛ والأواني والحلل ومواقد الغاز؛ والفئوس والمجاريف والسلال.
وهناك في السوق يمكنك أن ترى في لمحة -أو ما يكاد يكون لمحة- مدى غنى القرية، ليس هذا فحسب، بل ويمكنك أيضاً أن تتفحص ذوق القرويين في الأمتعة المنزلية.
والتجول خلال مواقف البيع في السوق يعطي الدليل على ما أصاب الفلاح من تَغَيُّرٍ في الذوق.
فالسلع الرائجة لم تعد بعد أجمل السلع.
وكم من منسوجات محلية قد اختفت أمام المنافسة الساحقة لأقمشة المصانع المطبوعة المُبتذلة، وكم من مشغولات تراثية وقورة طردتها من السوق البضائع البلاستيكية المبهرجة
إن المصنوعات المحلية لتتراجع ببساطتها أمام سلع المدينة المُزخرفة المُبهرجة التي تُصنع بالجملة؛ وكلما وجدت أداة ما جميلة مصنوعة في القرية، سيُقال لك أن زمنها قد ولّى ولم تعد بعد مما يُصنع، فأي قدرة دفاعية يمكن أن تكون لثقافة الفلاح الهشَّة إزاء الهُجُوم الصاخب للصناعة الغربية؟
ومع كل ما يجلبه يوم السوق من إثارة وحيوية كل أسبوع في القرية فإن ساحة السوق نفسها في معظم القرى هي مكان تجاري بما هو مبتذل، وساحات السوق في مصر حِكْرٌ تمتلكه شركات خاصة، ولا يمكن الحصول على رخصة للسوق إلا على ممتلكات هذه الشركة.
وعادةً فإن قطعة أرض مربعة جرداء تسوَّر بسلك شائك، وتزود ببوابة، وجابٍ للضرائب، ولا يكاد يُقام شيءٌ لراحة الناس الذين يدخلون السوق محتشدين متدافعين ببضائعهم وحيواناتهم.
ونادراً ما يُظلِّل الموقع من الشمس، ولا يكون فيه الكثير من المباني الدائمة أو مصادر المياه.
وقد خططت لساحة سُوق القرنة أنها ينبغي أن تكون ذات خلفية توفر أكثر الوسائل إراحة للسوق الأسبوعي.
فالحيوانات تأوي إلى مذاود دائمة، يُقام كل منها بالارتفاع المناسب للجمل، أو العنزة، أو الحمار، وكلها مُظلّلة بأشجار عديدة توزَّع في خط منظم.
وأصحاب مواقف البيع ينبغي أن يوفر لهم صف من أقبية ظليلة ينشرون سلعهم من تحتها، ويكون هناك مقهى ليجلس الرجال فيه.
وساحة السوق كما قلت، تحدد موقعها في الركن الجنوبي الشرقي من القرية، بما يناسب محطة السكة الحديد.
وحتى يدخل المرء إليها من جانب السكة الحديد فإنه يمر أسفل نصب من بوابة ذات عقدين، حيث يمكنه أن يتطلع مباشرة إلى الطريق الواسع جداً المؤدي للبوابة الأخرى التي إلى جانب القرية، والتي لها عقد واحد وعلى يسارها برج حمام كبير.
وفي يوم السوق يكون هذا الطريق محط تُجَّارُ الحُبُوب، الذين ينشرون أكوام القمح الذهبي بطول الطريق أسفل مظلّات مُخطّطة.
وإلى اليمين مباشرة سوف ترى المقهى مسقوفاً بست قباب، وهناك صف من أربعة عشر قبواً عميقاً يمتد بطول الجدار الشمالي الشرقي إلى البوابة الأخرى، حيث توجد مواقف البيع فيه.
وفي عمق كل من هذه الأقبية يجلس التاجر القرفصاء من فوق مصطبة منخفضة وسط بضائعه ليُساوم مع حشد النساء من أمامه.
وسترى إلى يسارك كتلة من الأشجار، قد وُزِّعَتْ على مسافات منتظمة كالبُستان لتظّلل أكبر مساحة ممكنة، ومن أسفلها المذاود الطولية، ولكل منها مصدر ماء عند طرفه، وقد عقل في كل منها عدد من الحيوانات، ويمشي الرجال ما بين هذه المذاود ويتفحصون البهائم، بينما يمكن استعراض أحد الحيوانات المتفوقة، من جمل أو حمار أو بقرة، بأن يمشي به صاحبه جيئة وذهاباً.
ولما كانت هذه الحيوانات معروضة للبيع، فإن هناك رَسْمٌ يُدفع عنها عند دخولها للسوق؛ أما الحيوانات الأخرى التي تُقَوَّمُ فحسب بحمل أصحابها هم والبضائع إلى السوق، فإنها تظل بالخارج.
ووفرت موقفاً للحمير، زرعتُ فيه بالمثل أشجاراً لتوفير الظّلِّ وبه مَذاود ومصادر مياه، في الخارج مباشرة من ساحة السوق، بجوار السكة الحديد.
* * * |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191
| موضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا الأحد 29 ديسمبر 2019, 10:57 pm | |
| |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191 العمر : 72
| موضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا الأحد 29 ديسمبر 2019, 11:49 pm | |
| الخبيز والتدفئة
فرن الخبيز موجود في فناء بالركن، وهو فرن طيني عادي مما يمكن شراؤه من السوق.
وثمَّة تقليد بأنه عندما تخبز إحدى العائلات فإنها يجب أن تسمح للجيران المُباشرين بأن يخبزوا عيشهم في فرنها، وهكذا فإن العائلات تخبز كل ثالث يوم فتقتصد في الوقود.
والشتاء في مصر يمكن أن يكون بارداً تماماً، وهكذا فإن الفلاحين.
يستخدمون وسائل شتَّى لتدفئة بيوتهم.
وكثيراً ما يكون لديهم فرن خبيز داخل حجرة النوم بالإضافة إلى فرن الفناء.
ولهذا الفرن حجم كبير, يلتهم مساحة كبيرة من الغرفة.
ولَمَّا كان بلا مدخنة، فإن الدُّخان يتدفّق منه, ويلتف حول الغرفة ليخرج من الباب.
والغرفة من الدَّاخل تكاد تكون من غير أي تهوية مُلائمة، وهكذا فإنها تُصبح من الدَّاخل سوداء بالسِّناج مِمَّا يجعلها قاتمة فاسدة الهواء بما لا يُحتمل.
ولَمَّا كان فرن الخبيز غير كُفء كأداة للتدفئة, فإن العائلة كلها يكون عليها عادةً أن تنام من فوقه (بالطبع بعد أن ينطفئ) وكثيراً ما يؤتَى بالأبقار إلى الداخل لتُشارك في الدفئ وتُضيف إليه.
ومَنْقَدِ الفحم هو إحدى الوسائل الأخرى الشَّائعة للتدفئة, والتي تُستخدم خاصَّةً عندما لا يكون هناك خبيز فلا تشعل نيران الفرن.
على أنه أيضاً يُعطي دفئاً جِدُّ قليل وينفث أدخنة أول أكسيد الكربون السَّامة.
ففرن الخبيز ومَنقد الفحم كلاهما ليس كُفئاً بالمرَّة, وكلاهما خطرٌ على الصحة.
لإيجاد وسيلة فعَّالة ورخيصة لتدفئة, يجب أن تذهب إلى مكان حيث المناخ بارد حقاً والناس فقراء, وقد ذهبت لهذا الغرض إلى النمسا, حيث اكتشفت في قرى التيرول أداة ممتازة لتدفئة والطهي ظل الفلاحون هناك يستخدمونها عبر القرون.
وهي ما يُسَمَّى فرن كاتشل (Kachelofen)، وهو موقد له من داخله نظام مُعقّد للغاية من الفواصل التي توجِّه غازات الاحتراق السَّاخنة وراءً وأماماً لتتيح المزيد من الوقت التي تشعُّ فيه الحرارة لداخل الغرفة قبل أن تهرب الغازات.
وبعد أن يحترق الوقود مُخلّفاً قطعاً معدودة من الفحم المتوهِّج, فإنه يُمكن إخماد المَوقد بإغلاق باب النِّيران والمَدخنة, بحيث يواصل بَثَّ دِفْئٍ مًريح طوال الليل مثلما تفعل قِرْبَةِ الماء السَّاخن في السَّرير.
والفُرن النمساوي مصنوع من مواد بسيطة جداً: ففي الداخل بلاط من طفل حراري, ومن الخارج بلاط قاشاني لتجميل يسما كاتشل (Kachel) هو مما قد أصبح تصميمه وتنفيذه من الفن الفولكلوري المعروف.
وهناك نوع آخر أكثر بساطة له جدران رقيقة من حصى كبير مفلطح يؤخذ من قاع أحد الأنهار ويُرَصُّ في ملاطٍ جيري صافٍ.
وبالنسبة لمصر فإن تحقيق القاعدة التي في الفرن النمسوي بأرخص مادَّة مُمكنة يبدو كحلٍ واعدٍ أقصى الوعد لمشاكلنا في التدفئة.
وقد وجدتُ امرأة عجوز كانت تصنع أفران القرية العادية للخبيز من الطين ومن فضلات الحمير, وعلّمتُها أن تصنع المَواقد النمساوية من هذه المواد نفسها.
وقد تعلّمتها سريعاً جداً وسُرعان ما أمكنها إنتاجها بالثَّمن نفسه مثل أفران الخبيز, وهو ما يقرب من ثلاثين قرشاً.
وهي تحرق أي شيء حتى كِنَاسَة البيت وفضلات المطبخ؛ وصُمِّمَتْ للعائلات الأغنى نمطاً يعمل بنقط الزيت والماء ويشتعل مثلما يشتعل الفرن.
وأقيم داخل غرفة النوم إزاء الجدار, نمط مَوقد يشتمل على فرن خبيث, وباب الفرن فيه يفتح للخارج على الفناء.
وثمَّة نمطٌ آخرٌ للتدفئة فقط يُمكن وضعه في أي مكان, وصُمِّمَتْ البيوت ولها مداخن في أنسب الأماكن حيث يُمكن الاحتياج لمواقد نمساوية حتى إذا ما تمَّ شراؤها لا يبقى إلا توصيلها بها. * * * |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191 العمر : 72
| موضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا الإثنين 30 ديسمبر 2019, 9:56 pm | |
| الملابس الواقية
البحيرة -كمكان للاستحمام خال من البلهارسيا- لن تؤدِّي بذاتها إلى توقف الطفيلي عن دخول أجسام الناس لأنه كما سبق لنا القول، فإن كل عمليات الري تتطلب الوقوف في القنوات الموبوءة هي والمصارف، والفلاحون كلهم يجب أن يرووا أرضهم.
وهكذا فإن السلاح الثاني ضد البلهارسيا يجب أن يكون في نوع ما من الملابس الواقية.
وقد نجح اليابانيون في الإقلال من البلهارسيا إقلالاً عظيماً بأن وفروا لعمال مزارعهم أحذية مطاطية طويلة والمطاط يُعد غالياً أشد الغلو بالنسبة لمصر، على أنه يمكن بدلاً من ذلك أن يصلح شيء آخر لمصر.
وبعد شيء من التفكير، خطر لي أننا لو أطلنا سراويل الفلاح العادية لتحوي القدمين بالكامل، ولو شبّعنا هذه السراويل حتى ارتفاع الفخذ بزيت الكتان، فإنها قد تكون مانعة للماء وللسركاريا.
وجعلت ترزياً محلياً يصنع لي عيَّنة من سراويل هكذا، من نفس قماش القطن الذي تُصنع منه سراويل العُمَّال القصيرة ونقعتها في زيت كِتَّان مغلي وعلّقتُها لتجف.
وقد انتويت أن يتمَّ ارتداؤها ومعها نعل من المطاط (يُصنع رخيصاً من إطارات السَّيارات القديمة) يُثبَّت من أسفلها، ووجدتُها مانعة للماء تماماً.
وأرسلتها إلى القاهرة إلى د. محمود مصطفى حلمي بوزارة الصحة العمومية.
فقال أنها تُعطي مناعة مائة في المائة ضد السركاريا، وأنه لو ارتداها سيكون مُستعداً أتم الاستعداد لأن يخوض بها البركة التي يُرَبُّونَ فيها السّركاريا في معمله.
بل إنه قال أن القماش الذي يتم نسجُهُ نسجاً محكماً يُعطي دون أي معالجة له وقاية من ستين في المائة. * * * |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191 العمر : 72
| موضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا الإثنين 30 ديسمبر 2019, 11:48 pm | |
| القرنة ليست هدفاً في ذاتها
لم تكن القرنة بالنسبة لي هدفاً في ذاتها وإنما هي أول خطوة تجريبية على الطريق إلى تجديد الريف المصري تجديداً كاملاً من خلال إعادة بناء قراه.
وقد تمَّ في القرنة تجربة مفهوم جديد تماماً للإسكان الريفي وثبت أنه عملي.
والجزء الأول من هذا الكتاب يطرح برنامجاً لتطبيق هذا المفهوم في حملة بطول البلاد كلها لإعادة بناء القرية.
وقد يُعترض بأن الإسكان الريفي ليس هو أكثر المشاكل إلحاحاً فيما يواجه مصر؛ وأن من الأفضل لو أن المَرْءَ كرَّس انتباهه لتوفير العمل أو الطعام أو أي مطلب آخر أكثر ضرورة.
ولا يمكن أن ينكر أحد أن المهمة الأولى العاجلة بالنسبة لمصر هي تحسين حياة شعبها.
وإلى حَدٍ بعيدٍ، فإن الجزء الأكبر من سكان مصر موجود في القرى؛ أو بكلمات أخرى، فإن معظم المصريين قرويون، يعيشون عيشة بائسة أبلغ البؤس.
وهكذا فإن الحُكم على أي حكومة أو أي مذهب سياسي في مصر يكون حسب نجاحه في رفع مستوى معيشة هؤلاء الفلاحين.
وإذن هل البيوت الأفضل هي الضرورة الأولى لرفع مستوى المعيشة هذا؟ وربما لا، ولكن هل هي الطعام؟
إن مستوى المعيشة لا يتحدَّد فحسب بقدر الطعام الذي يأكله الناس ولا بقدر العُمر الذي يقضون بعده.
وقد اقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة عدداً من ((العوامل والمؤشرات لقياس مستويات المعيشة)) يظهر من بينها بنود من نوع ((الاستجمام))، و ((الحرية الإنسانية))، و ((ظروف العمل)).
ولا شك أن الصحة واستهلاك الطعام هي مما يؤخذ في الحسبان، وكذلك أيضاً الإسكان.
فمستوى المعيشة يتحدَّد بعوامل كثيرة، والإسكان ليس مطلقاً عاملاً تافهاً.
وهو أيضاً العامل الذي أستطيع، بصفتي مهندساً معمارياً، أن أعطي المشورة بشأنه.
وحتى عندما يُعترف بأن ظروف الإسكان هي أحد عناصر ((مستوى المعيشة)) فإنه كثيراً جداً ما تقدر نوعية الإسكان حسب توفيره لمجرد غرفة ومنافع صحية.
على أنه قد ظهر المرة بعد الأخرى أن غرفة أو غرفتين، ودورة مياه لا ترفع بالضرورة من مستوى المعيشة.
فالغرف المُكدَّسة، الغرف التي تحتشد بالدواجن والحيوانات الأخرى، لا تساهم في منح الإحساس بالرضا والأمان.
وإذا كان للإسكان أن يكون عاملاً من عوامل مستوى المعيشة، فإنه يجب أن يكون إسكاناً يوفر سعة وجمالاً مثلما يوفر المراحيض.
ولسوء الحظ، حيث أنه يبدو الإسكان يأتي في مرتبة تالية للتغذية كأحد العوامل في الإبقاء على حياة الناس، فإنه كثيراً ما يبدو أن المخططين يظنون أن مجرد الحد الأدنى منه هو كل ما يمكن تحمل تكلفته، ويشبه ذلك ما يظنه بعض الناس من أن مسئوليتهم تنتهي بمجرد أن يوفروا للعاطلين مطبخ حساء لتغذيتهم.
ومطبخ الحساء ليس كافياً، وكذلك البيت الذي من الحد الأدنى.
وأي عائلة إنما تحتاج إلى بيت فيه ما يكفي من حيث السِّعَة، والخصوصية، والسَّلام، وفيه مُتسع للحيوانات وغير ذلك من الأغراض الإضافية التي لا غنى عنها لحياة الأسرة.
ويقول البعض من ذوي السلطان أن من المستحيل إعطاء ذلك للفلاح.
وهم يشيرون إلى صعوبة تمويل البيوت الجيدة.
فدخل الفلاح المصري هو في المتوسط 4 جنيهات في السنة.
كيف يمكن للفلاحين أن يدفعوا ثمناً لأي نوع من البيوت، دع عنك بيتاً كبيراً؟
وحتى مع القروض الحكومية، فإن معظمهم لن يستطيعوا دفع تكلفة أرخص التصميمات العملية التي تُعرض عليهم.
ويقول هؤلاء الناس أن النقود لا وجود لها في الريف، وهم مُحِقُّونَ في ذلك.
والبيوت تُكلّف نقوداً، وكلما كانت أكبر كلّفت أكثر.
ولن نستطيع بأي حال تحمُّل تكلفة إعطاء بيوت لكل الفلاحين، وهكذا فحتى نستطيع إسكان أكبر عدد ممكن، يجب أن تكون البيوت التي نعطيها لهم فعلاً من أقل نوعية مقبولة.
وهذا هو موقف مطبخ الحساء في أسوأ أحواله.
لقد أصيب هؤلاء الناس بالفزع بسبب أحد الأرقام، وهو أربعة جنيهات مصرية في السَّنة.
وهم بسبب تصورهم للبيوت على أنها أشياء تأتي من المصانع، أشياء هي نتاج مباشر أو غير مباشر للصناعة الكبيرة وللأعمال المالية الكبيرة، فإنهم لا يستطيعون تصوُّر أي طريقة يمكن بها شراء بيت مقابل 4 جنيهات في السَّنة.
والحقيقة أنه طالما ظلَّ تفكيرهم محصوراً بالنظام النقدي، وسجينا في صرح المقاولات، و مقاولات الباطن، والعطاءات وتخصيص الحصص، فإنهم لن يروا أبداً أي طريقة لتوفير بيوت للناس تصلح لأن يعيشوا فيها.
وحتى الآن فإن أي حَلٍ يُطرح لمشكلة الإنسان الريفي في مصر يبدأ بافتراض أن بيت الإسمنت أفضل من بيت اللبن، وأن أول خطوة لتحسين بيوت الفلاحين هي ((تحسين)) مواد البناء، وليس التصميم.
وهذه المواد ((المُحسَّنة)) هي على نحو ثابت مواد مُصنَّعة بواسطة الصناعة الكبيرة: الحديد الصلب، والإسمنت، الخ.
وبالطبع فإن هذه المواد تكلّفت نقوداً -وكلما زدت منها في البيت- أي كلما كان البيت أكبر حقاً كان عليك أن تُنفق أكثر.
ويصل مخطوطاً إلى استنتاج هم محقون فيه تماماً، وهو أننا لا نستطيع تحمُّل تكلفة إعطاء الفلاحين منازل أسمنتية واسعة.
وليس فقط المنازل الواسعة؛ بل إننا لا نستطيع حتى تحمُّل تكلفة أصغر المنازل الإسمنتية لكل الفلاحين الذين يحتاجون إليها، وهي حقيقية كثيراً ما يُحَرَّفُ تفسيرها.
لا، عن أي حل يتطلّب دفع ثمن مواد بناء مُنتجة صناعياً ودفع أجور لمقاولي البناء التجاريين لهو حَلٌ محكومٌ عليه بالفشل الأكيد.
فليس لدينا نقود كافية.
وإن كان للبيوت أن يتم بناؤها مطلقاً، وبكميات كافية، فإنها لابُدَّ وأن تبنى بما لا يُكلّف نقوداً.
فلابد أن نخرج مباشرةً عن إطار النظام النقدي، وأن نتجاوز المصانع، وأن نتجاهل المقاولين.
كيف يمكن القيام بذلك؟
كيف يمكن لنا أن نُعيد بناء أربعة آلاف قرية دون أن نستخدم نقوداً؟
إن الإجابة موجودة في هذه الصورة الفوتوغرافية.
وهي تُبيِّنُ حُجرة في منزل فلاح في النوبة.
وهذا البيت، مثله مثل مئات أخرى غيره في القرى المُحيطة بأسوان، قد تم بناؤه دون إنفاق قرش واحد. ولم يصل أي مقاول للبناء لمسافة عشرة أميال منه.
وهو لا يحوي أسمنتاً ولا صلباً، ولا مواد بناء مطلقاً سوى ما يتم إنتاجه في الموقع.
وبناء الحُجرة يستغرق أسبُوعاً واحداً.
والبيت كله التي هي جزء منه يتم بناؤه في ثلاثة أسابيع.
وهذه هي المزايا العملية.
أما من حيث الصفات الجمالية فإن الصورة تتحدث بوضوح كاف.
ويكفي أن نسأل أين يحدث في أي مشروع إسكان جماهيري في العالم تحت إشراف أي هيئة قومية أو دولية، أن نجد مثل هذا التمكُّن من المساحة، وهذا التناول الواثق للنِّسَبِ، وهذا التناسق، والنُّبل والسَّلام.
فكل مَنْ له أعين ترى، سوف يُدرك أن هذه الغرفة هي الحل ((لمشكلة)) الإسكان في مصر.
أي جوانب في المشكلة تحلها هذه الغرفة؟
الأول جانب المال.
إنها تُبنى بالكلية من اللبن ولا تكلف شيئاً.
والثاني, جانب المساحة.
فنحل مشكلة المال, لا يكون هناك قيد على حجم البيت, وعشر حجرات تكون في رخص حجرة واحدة.
والجانب الثالث هو الجانب الصحي.
فالاتساع يعي الصحة, بدنياً وعقلياً, بينما مادة البناء, وهي اللبن, لا تأوي الحشرات كما يفعل الخشب والقش.
ورابعاً جانب الجمال.
إن متطلبات الإنشاء وحدها فيها الكفاية تقريباً لضمان وجود خطوط لطيفة سائغة, كما أن حقيقة أنها طريقه بلا تكلفة تُعطي للمُصمم حرية كاملة لأن يُنتج جمالاً فراغياً دون إحساس بقيد من ميزانية شحيحة.
كيف يمكن لهذه الغرفة أن تحل مشكلة حيَّرت كل المعماريين والمُخططين في مصر؟
ما الذي يوجد عند الفلاحين النوبيين ولا يوجد عند مهندسينا المعماريين؟
الأمر الأول, أن لديهم التكنيك، تكنيك بناء الأقبية بطوب اللبن.
وهذا يحررهم من التكلفة, ويمكنهم من بناء منزل كامل بسقفه وبكل شيء دون إنفاق نقود.
والثاني, أن لديهم تقليد التعاون في حياتهم اليومية, بحيث أنه عندما ينبغي بناء بيت, فإن كل الجيران يأتون للمساعدة, ولا توجد مشكلة استخدام عمال ودفع أجر لهم.
والمغزى الذي نستقيه من هذه الصورة ذو شقين: أن تبني البيوت من طوب اللبن, وأن تستخدم في بنائها الخدمات المجانية التي يهبها مَنْ سيسكنوها مستقبلاً.
ومن الممكن عند هذه المرحلة توجيه سؤال معقول, هو ما الذي لدى تجربة القرنة لتضيفه, إذا كانت هذه الصورة توضح كل هذه الأمور؟
حسناً, لقد داوم النوبيون على البناء هكذا طيلة ستة آلاف سنة, ولم يتنبه أحد لأهمية تلك النقطة، والمهندسون المعماريون الذين تقتصر خبرتهم على البناء في المدينة يحتاجون لشيء من الإقناع عندما يُطلب منهم وضع تصميمات للبناء باللبن.
وعندما يستدعي الأمر على نطاق واسع -كبناء قرى بأكملها, بالمئات- فإنه سيودُّون معرفة ما إذا كانت الأساليب النُّوبية هي مما يمكن اتخاذه لمثل هذه الخطط دون أن تفقد مزاياها من عدم التكلفة ومن الجمال.
ولعلهم يودُّون أيضاً معرفة ما إذا كان بيت بالطوب اللبن يمكن أن يتضمَّن التركيبات الصحية وغيرها من وسائل الراحة التي تتطلبها المدنية الحديثة, وما إذا كان هذا البيت سيُثبت في النهاية أنه متين مثل البيت المصنوع من مواد البناء الأكثر احتراماً.
ولست أزعم أن القرنة تُجيب إجابة حاسمه عن كل سؤال من هذه الأسئلة.
على أن الأسئلة الرئيسية, فيما يتعلق بوسائل الراحة الحديثة والتحمُّل, فقد تمَّت الإجابة عنها حقاً إجابة جِدُّ مُرضية, وقد بيَّنا أن تقنيات الفلاح ومواده يمكن استخدامها في خطط البناء المُصممة معمارياً على نطاق واسع, وبالنسبة لمسألة التكلفة الخطيرة, فإن القرنة فيها اقتراح إجابة لا غير.
ذلك أن القرنة كانت حالة خاصة جداً.
فنحن لم نكن نُعيد بناء قرية موجودة, في تعاون سعيد مع القرويين, وإنَّمَا كنا نبني على موقع جديد مركز استقبال لسُكَّان عليهم أن يُنقلوا ضد رغبتهم ليُغادروا مسكنهم المُعتاد.
وحتى يكون البناء الريفي رخيصاً حقا, فإنه لابد أن يتم بواسطة الفلاحين في تعاون بالتطوع, وليس بواسطة الفعلة المأجورين.
وقد ابتكرتُ طريقة لأدخل تقاليد القرويين المتوارثة للبناء تعاونياً في مشروع على نطاق كبير من مثل بناء قرية كاملة, ولكن معارضة أهل القرنة لأن يُنقلوا كانت سبباً في عجزي عن استخدام هذه الطريقة.
وكان عليَّ أن أستخدم فَعَلَةً وأدفع لهم أجراً ومع كُلٍ, فقد كانت من السَّهل تماماً أن نطرح تكلفة العِمَالة من التكلفة الكلية حتى نصل إلى تقدير التكلفة في خطة مماثلة تستخدم عمالة تعاونية مجانية.
وبعد القرنة, وددتُ كثيراً لو واتتني الفرصة لتجربة نظام التعاون التطوعي في أحد مشروعات البناء الكبيرة. * * *
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 49191 العمر : 72
| موضوع: رد: لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا الثلاثاء 31 ديسمبر 2019, 12:20 am | |
| والمهندسون المعماريون كل منهم مسؤول عن سلسلة من مشاريع القرية، وهكذا يجب أن يتم تدريبهم من قبل تدريباً خاصاً.
ولسوء الحظ، فإن التدريب المتوافر في مدارسنا المعمارية اليوم ليس فيه أدنى مساعدة للمهندس المعماري الذي يتناول مشاكل ريفية.
فهذا التدريب يتأسس على تدريب وُضع في المدارس الأوروبية وموجه إلى احتياجات المدينة، وبناء بلوكات المكاتب، والشقق، والبنوك، والجاراجات، ودور السينما، وغير ذلك من الصروح الضخمة، ولكنه يتجاهل تماماً احتياجات الريف.
وهذه النظرة الأحادية قد يكون لها ما يبررها في مدرسة معمارية أوروبية، ففي بلاد مثل بريطانيا يعيش 80 في المائة من السكان في المدن، ويعمل خمسة في المائة فقط على الأرض، والجزء الأكبر من الأمَّة يأتي في غالبه من الصناعة والتجارة الحضريتين.
أما في مصر، حيث يعيش تسعون في المائة من السكان على الأرض وتأتي تسعون في المائة من الثروة من الأرض فإن عدم بذل أي قدر من الاهتمام إلى احتياجات الريف لهو بالتأكيد نوع من عدم المسئولية من المدرسة المعمارية.
على أن هذه اللامبالاة الأكاديمية هي بالضبط السبب في وجود موقف بالغ الاستخفاف تماماً بالعملية بالغة الخطورة لإعادة صياغة القرى.
وأن تعالج هذه العيوب بتعديل كل مناهج الدراسة في جامعاتنا لهو أمر مستحيل تماماً، على الأقل في المدى الزمني القريب.
وأحد أسباب ذلك، هو سيكون من الضروري وجود هيئة تدريس جديدة تماماً.
وهكذا فإنه حتى يمكن إنتاج عدد كاف من المهندسين المعماريين على وعي بهذه المشاكل الريفية، ينبغي علينا أن ننشأ لهم مقرراً دراسياً للتدريب ما بعد التخرج.
ومقرر كهذا ينبغي أن تكون مدته لعامين، وينبغي أن يتضمن بالإضافة إلى دراسة الحالة العامة لريف مصر -أي الحقائق الديموجرافية، والاجتماعية والاقتصادية- دراسة طرق الفلاحين في الانشاء ومواد البناء، ومبادئ تخطيط المدينة والقرية.
وعندما يستوعب أيضاً كل ماتم إنجازه في المعمار المصري، وكل تاريخ الأسلوب المحلي في مصر.
وكما أن بناء كاتدرائية العصور الوسطى في فرنسا لم يكن يسمح له بأن يضع حجراً فوق آخر إلا إذا أكمل الحج إلى كل المباني الأكليركية العظيمة في فرنسا، فإن مهندسينا المعماريين الريفيين ينبغي أن يحجوا إلى الأماكن التي يتمثل فيها أحسن وجه التراث العظيم للبناء المصري -إلى الجيزة، وبيت خلاف، وطيبة، وهرموبوليس، والخارجة- وينبغي أن يزوروا ويتفحصوا الأماكن التي ما زال التراث يعيش فيها مثل أسوان وأضرحة الأولياء الكثيرة المبعثرة أعلى وأسفل البلاد، حيث رؤية البناء بمواد الفلاحين بناءً جاداً جليلاً بلا فخامة، وحيث يوجد الحس الاحتفالي في المعمار بدرجة أكثر نوعاً عما في البناء الفلاحي العادي، على أن ذلك لم يفسد بعد بفن ومواد أجنبية.
ومتحف الحضارة المصرية هذا ذو الثراء الهائل لهو مما ينبغي دراسته دراسة جدية.
ويجب ألا يزور الطالب هذه المواقع زيارة روتينية كزيارة السائح المستعجل، وإنما يجب أن يفحص كل مثال فحصاً ذكياً، ويرسم منه رسوماً بالمقاس، ويطبق كل قدراته النقدية على العمل.
ودراسة كهذه للأعمال المعمارية البارزة، عندما تُربط بفهم عميق لكل جوانب البناء عند الفلاحين، فيما يتعلق بمواد البناء، وطريقة الإنشاء، ومبادئ التصميم، لهي دراسة ستؤدي فيما ينبغي إلى تثوير موقف الطالب من المعمار.
فهو أولاً سوف يستفيد، بما لا يمكن قياسه من دراسته هذه، التي تتم بالأبعاد الثلاثة، وبالحجم الكامل والبنية الكاملة، في أنماط المباني التي سيصممها.
والكثير جداً مما يتم تنفيذه الآن من الأعمال في المدارس المعمارية المختلفة هي أعمال تجريدية بالكلية -مجرد لعب بالخطط على الورق- حتى أصبح الكثيرون من المهندسون المعماريين المؤهلين يصممون المباني بأسلوب يصدق على الورق أكثر مما يصدق على الحياة الواقعية.
وأصبح المقرر الدراسي منفصماً عن المباني الحقيقية انفصاماً كاملاً حتى ليكاد المهندس المعماري أن يتوقف عن التفكير بلغة الموادالصلبة - فهو يرسم خططاً في مكتبه، ويناولها للمقاول، ولا يرى المبنى عند انتهائه.
وخطة المقرر الدراسي ذاتها تخصص دروساً منفصلة للجانبين الجمالي والهندسي من المعمار، ولا تلقي أبداً اهتماماً لعلاقة المبنى ببيئته، بحيث أصبح من الممارسات المعتادة بين المعماريين ما نجده من تشويههم لحقائق الطبيعة -أشكال التلال، والأشجار، والكائنات البشرية، بل وحتى الأشياء الميكانيكية مثل السيارات- وهو تشويه يتم بغرض أن تجعل ظروف أدائهم متلائمة مع أسلوب مبانيهم بينما التصميم هم ما ينبغي أن يتلائم مع البيئة.
أما مقررنا الدراسي عن المعمار الريفي الذي يستمر لسنتين فإنه عندما يبدأ من المباني الحقيقية، ويعود منها وراء إلى خطط المهندسين المعماريين، ويبقى طول الوقت أمام أعين الطلبة شكل المباني، وحجمها، ولونها، وبنيتها، والإحساس بها، تلك المباني التي يتألف منها تراثنا العظيم، فإن من المؤكد أن بعضاً من هذا التراث سوف ينبثق في تصميمات هؤلاء الطلبة.
ويجب أن يكون لكل قرية مهندس معماري يشرف على بنائها، على الأقل حتى يصل عدد كاف من البنائين إلى المستوى الذي يضمن سلامة توقيع الخطة بعامة، وحتى يعتاد بناءوا القرية على إقامة نماذج البيوت المختلفة.
وحتى بعد أن ينتقل المهندس المعماري إلى قرية أخرى، فإنه يجب أن يُبقي عيناً على القرية الأولى من خلال زيارات دورية حتى يكتمل إعادة بنائها.
وسوف نفترض أن في مصر 4000 قرية يجب إعادة بنائها خلال أربعين عاماً.
وهكذا فإنه يجب أن تتم إعادة البناء بمعدل 100 قرية سنوياً.
وعدد ما يجب استخدامه من المهندسين المعماريين سيعتمد هكذا على المدة التي سيبقاها كل واحد منهم في كل قرية.
وقريتنا التي يسكنها في المتوسط 5000 نسمة، ينبغي أن تكون قادرة على توفير خمسين بنَّاء على الأقل.
وإذا كان بناء البيت يستغرق من ثلاثة بنائين شهراً واحداً، فإن خمسين بنّاء يستطيعون بناء حوالي 1000 بيت في ست سنوات.
على أنه ينبغي أن يتمكن المهندس المعماري من مغادرة القرية بعد ثلاث سنوات، ولا يعود بعدها إلا من حين لآخر لإعطاء النصح للقرويين.
وهكذا فإنه بعد السنة الثانية من البرنامج، عندما يكون هناك من 300 إلى 400 قرية تحت الانشاء في نفس الوقت، سيكون من الضروري وجود 300 مهندس معماري يعملون في البرنامج.
وحتى يكون هؤلاء المهندسون المعماريون الثلاثمائة قادرين على العمل بثقة، لابد من أن ينالوا تدريباً خاصاً في ((دراسات التكامل)) على أنهم يجب ان يكونوا قادرين أيضاً على بذل كل انتباههم وحماسهم لعملهم، ولهذا فإنه لابُدَّ من أن يدفع لهم أجر طيب، والعمل نفسه جدير بذلك تماماً، فهو لا أقل من أن يعد خلقاً للبيئة القومية، ربما ىتية؛ على أنه مهما كانت جدارة العمل، فإنه ما من مهندس معماري يستطيع أن يُبقي تفكيره مشغولاً بعمله بينما هو يناضل للاحتفاظ بمستوى معقول من المعيشة.
وأقترح هنا إنشاء سلم أجور متدرجة، تحسب بمثل ما تحسب به معظم أجور المعماريين، اي كنسبة مئوية من تكلفة البناء.
وفي ظل النظام التعاوني تكون التكلفة الفعلية لكل بيت شيئاً لايذكر، أما لو قام مقاولوالبناء ببناء القرية، فسيكون من المستحيل أن تقل تكلفة أي بيت عن 500 جنيه مصري.. فلنسمح إذن للمهندس المعماري بتقاضي 1 في المائة من تكلفة البيت.
وهذا يبلغ خمسة جنيهات.
ولو أنه عمل في قرية لثلاث سنوات وبنى 1000 بيت، فإنه سيكسب 5000 جنيه في ثلاث سنوات، أو 1550 جنيهاً في السنة الواحدة.
على أن هذا كثير كأجر يدفع لمهندس معماري شاب.
وفوق ذلك، فإن من المطلوب أن يكون سلم الرواتب بحيث يسمح بتمييز الأقدمية بإظهار زيادات دورية حادة، حتى يتم الاحتفاظ بخدمات أولئك الخبراء من أصحاب التخصصات العالية، الذين لا يوجد مثلهم في أي مكان آخر فوق الأرض، وهكذا يكون لسلم الرواتب أن يبدأ عند 900 جنيه للسنة ليرتفع بمعدل 50 جنيهاً في السنة حتى يصل إلى 2400 جنيه.
وهذه المهمة جديرة بذلك.
كما أن هذا ليس بمرتب مبالغ فيه، ذلك أن قائمة الحساب السنوية للخدمات المعمارية حوالي 500.000 جنيه.
ومبلغ 500.000 جنيه ينبغي ألا يعد مبلغاً كبيراً.
ولنتذكر أنه نسبة مئوية من الإنفاق الكلي على البناء، وأنه يكاد يكون أقل نسبة مئوية يتقاضاها المهندسون المعماريون في أي مكان في العالم.
فنسبة 1 في المائة من تكلفة البناء هي مبلغ قلة مضحكة كأجر يدفع لمنزل قد صممه مهندس معماري.
وفي سويسرا لابد لك، بحكم القانون، من أن تدفع 2 في المائة من التكلفة مجرد الزخرفة الفنية للبيت، بينما من المعتاد بالنسبة للمهندس المعماري أن يحصل عند ممارسة أعماله الخاصة على أجر بنسبة 10 في المائة من تكلفة أي مبنى تكون قيمته أقل من 1000 جنيه.
وينبغي أن نضع نصب أعيننا أن هذا الواحد في المائة أو نصف المليون من الجنيهات، سيوفر عنصر العمل الخلاق، وهو عنصر ضروري إذا أريد لبرنامج الإسكان الرخيص التكلفة هذا أن يكون ناجحاً حقاً.
وفوق ذلك فإن المرتب المجزي يحرر المهندس المعماري من القلق مالياً، ويمكّنه من التركيز على عمله الحقيقي.
وكثيراً ما يحدث أن يبدأ المهندس المعماري الحكومي في الإحساس بالقرف من مستخدميه لأن المهندسين المعماريين الآخرين ينالون من ممارسة العمل الخاص مالاً أكثر كثيراً مما يناله.
وعندما ينظر المهندس المعماري الحكومي إلى الحكومة على أنها بخيلة، فإنه يتخذ موقفاً: ((ولماذا أهتم؟ نعطيهم على قدر أجرهم)) وهذا الموقف كله بما فيه من ضيعة أحلام وفتور يمكن تحويله بأسره لو كان صاحب العمل كريماً.
فالكرم يولّد الكرم؛ والمهندس المعماري الذي ينال أجراً مجزياً يحسن أن من واجبه أن يبذل كل جهده لعمله؛ وبدلاً من أن يكون ساخراً مريراً من عمله الحكومي، فإنه يصبح ممتناً لأنه قد تخلص من همومه المادية، ولأن الطريق قد أخلى له ليعمل كما يعمل الفنان الحقيقي ولأنه قد أعطيت له الفرصة لتنمية مهاراته ومداركه أقصى تنمية.
وهناك فائدة أخرى تنجم عن هذا الإنفاق المتواضع نسبياً.
فينبغي أن يكون لدينا فريق من مهندسين معماريين يعملون بأرفع مستوى لفنهم، ويعملون كفريق، دائماً ينصحون وينقدون ويعيد كل منهم الحيوية لعمل الآخر، كيان من فنانين متحررين من الضغوط التجارية، ويُمكّنون من تكريس كل حياتهم لإرهاف أدائهم.
وثلاثمائة مهندس معماري من هذا النوع لهم حقاً كنز قومي.
وذات يوم، كان هناك في دير المدينة مجموعة من هذا النوع بالضبط من المهندسين المعماريين، والرسامين، والنحاتين، يعملون معاً ويعيشون معاً في ((قرية للفنانين)) جيلاً بعد جيل أثناء كل عصر المملكة الوسطى، وكانوا هم المسئولين عن أعمال الفن العظمى في مصر القديمة، فن حاذق ومتنوع، إلا أنه تقليدي؛ فن جموعي بحق في أرقى أنواعه.
ألا يمكن لأولئك المهندسين المعماريين الثلاثمائة الذين نحتاج إليهم أن يعيشوا معاً حتى ولو لفترة، في قرية مثل دير المدينة؟
من المؤكد أن خطتنا لإعادة بناء الريف ستحتاج إلى مركز لتنسيق العمل، ومركز للأبحاث وللتدريب أيضاً.
فلماذا لا نجمّع معاً مركز الأبحاث والتنسيق ومدرسة التدريب على المعمار الريف، أو بمعنى أوسع نجمع الدراسات ((الريفية)) في قرية واحدة ((للفنون الريفية))؟
إن لدينا بالفعل مشروعاً ((لمدينة للفنون الجميلة))، سينفق عليه مليون جنيه.
وإني أقترح أن تُبنى قرية -أول قرية تبنى في برنامج إعادة بناء الريف- لتكون هي بالضبط هذا المركز للدراسات الريفية.
وينبغي أن تكون على صلة وثيقة بالوزارات والهيئات الأخرى العلمية والفنية، على أنها ينبغي أن تكون قرية حقيقية، والأفضل أن تكون قريبة من قرية موجودة تكون من ضمن الخطة.
وينبغي أن يتم تصور هذه القرية وبناؤها حسب المبادئ التي سبق وضعها، وينبغي أن يتم بناؤها بواسطة المهندسين المعمارين أنفسهم كتطبيق عملي لمقررهم الدراسي عن المعمار الريفي وينبغي أخيراً أن تحتوي على مكتبات، وحجرات دراسية، ومعامل، وقاعات للمحاضرات والاجتماع، بل وأن تحتوي أيضاً على ورش عملية حيث ينمي الفلاحون حرفهم من الفخارة، والنسيج، والنجارة، والبناء، والتجصيص، الخ.
وسيكون ثمة بناؤون من أسوان يعيشون هناك، وصناع نوافذ الزجاج الملون من القاهرة، وصانعو الحصير والسلال من الشرقية، كلهم مع المهندسين المعماريين.
ويكون لكل منهم بيته حيث يعيش مع عائلته ويعلم حرفته للصبيان ، ويكون الكل أعضاء في المجتمع.
وسيكون هناك أيضاً متسع للزوار، من الحرفيين وغيرهم، وللمهندسين المعماريين والفنانين الأجانب ممن يهتمون بنشاطاتنا.
وكما أن الأمَّة -حتى ولو كانت جداً فقيرة- قد تستثمر من مالها في أوركسترا قومي، يكون رصيداً دائماً للأمَّة فإنها بمثل ذلك أيضاً قد تستثمر من مالها في فريق قومي من المهندسين المعماريين.
ولو كانت البلد تحوي حتى ثلاثة آلاف عازف على الكمان يعزفون في أركان الشوارع، فإنهم من الوجهة الفنية لايساوون شيئاً بالمقارنة بأوركسترا واحد دائم فيه مائة عازف، يستطيع خلق ثراث، ويكرس كل وقته لتحسين مستوى أدائه.
وعلى نفس المنوال فإن ثلاثة آلاف مهندس معماري يعمل كل واحد منهم لعملائه الخاصين، ومن خلال مقاولين خاصين، لا يمكن مقارنتهم بثلاثمائة مهندس معماري يعملون معاً وهم واعين لخلق تراث قومي في البناء.
وبرنامج بناء الريف يتطلب أول كل شيء مسح قومي للموارد والاحتياجات، وخطة شاملة، يصنع من داخلها خطط تفصيلية لكل منطقة محلية.
وهكذا يعمل المخططون على مستوين، مستوى ((القيادة العليا)) -هيئة صنع السياسة المركزية- والمستوى الميداني الذي ينفذ القرارات.
ولا جاجة للقول بأنه لن يكون هناك فصل جامد بين المستويين، ولا إحساس بأن أحدهما يفوق الآخر؛ وعلى العكس فإنه سيتم تبادل أفراد الهيئة العاملة من المهنيين تبادلاً حراً ما بين القيادة العليا والميدان، وسيكون على الجميع مسئولية المشاركة في قرارات التخطيط.
وهناك حاجة منذ البداية إلى وجود تقدير ما لنسب المهن المختلفة المطلوبة لكل هيئة التخطيط.
وحتى الآن، فإنه لا يمكننا إلا أن نوضح نقطتين: أن وطأة العمل سيتحملها المهندسون المعماريون، وهكذا فإن كفتهم ترجح، كما أنهم سيدعمون دعماً كافياً بالمتخصصين الآخرين.
وبصورة مبدئية، يمكن أن تقترح أن يتكوَّن فريقنا بالكامل كالتالي: 1- المهندسون المعماريون، المخططون 300 2- مهندسو ميكانيكا التربة 10 3- المهندسون الانشائيون 5 4- اقتصاديون 15 5- اثنوجرافيون اجتماعيون 15 6- جغرافيون 6 7- إداريون 15
وفي حين سيعمل المهندسون المعماريون في المهمة باستمرار طيلة فترة إعادة الانشاء كلها -لأربعين سنة بحيث يظل هناك دائماً 300 مهندس معماري في الفريق- فإن بعض العاملين الآخرين، مثل الجغرافيين والاقتصاديين سيكون تناولهم للعمل من نوع العمل لمرة واحدة ن وأخيراً، بحيث يمكن تقليل عدد هؤلاء الخبراء بمرور الوقت على أننا ينبغي أن نخطط منذ البداية لفريق متكامل، بحيث يتم على الأقل تمثيل هذه العلوم ويكون ذلك بهذه النسب تقريباً.
وعندما يُستكمل المسح والتخطيط على النطاق القومي أو نطاق المنطقة، يكون قد حان الوقت بذلك لبداية برنامج البناء الفعلي.
فيتم اختيار إحدى القرى ليزورها فريق البحث.
والخطوات الأولى في البرنامج تكون دائماً تنظيم الإمداد بالعمالة وتجهيز مواد البناء.
وفي ظل نظام التطوع التعاوني لا يمكن الإمداد بالعمالة إلا بعد أن يتم تحليل السكان وتقسيمهم إلى جماعات عائلية أو إلى بدنات.
وتقسيم السكان هذا يُترك كلية للقرويين أنفسهم.
وعلى أي حال فإن العائلات تجمع أنفسها طبيعياً، ويجب ألا يكون هناك ضغط على أي عائلة لتخل مجموعة بعينها لأسباب من مثل حسن التنسيق الإداري أو تسهيل التصميم فلن يكون هناك أدنى ما يشغل البال لو أن بعض البدنات تتألف من عشرين عائلة بينما تتألف بدنات أخرى من خمس أو ست عائلات فقط.
كما أنه ليس من سبب لأن تكون أي مجموعة واحدة مقصورة على عائلات على صلة قرابة؛ وإنما يكون العمل دائماً على الاستفادة من النزعة الطبيعية لمجموعات العائلات لأن تعيش في نفس المجاورة، على أنه قد يحدث أن عائلات ليس بينها أدنى قرابة تختار حقاً أن تعيش معاً.
والمثل العربي يقول: ((اختر الجار قبل الدار)) وكما شرحنا من قبل يتم تمثيل كل مجموعة عائلات بمَنْ يتحدث عنها -مُسِنٌ أو شَيْخٌ- وهو الذي يبرم كل الاتفاقات مع الهيئة المخططة باسم أعضاء مجموعته، ويكون هو الوسيط الدائم بين هيئة التخطيط والناس في مجموعته، وسيطلب من العائلات الأعضاء أن توقع إقرار توافق فيه على إدراجها ضمن البدنة.
ويلي ذلك أن يُطلب من كل عائلة أن تقرر مطالبها من الحجرات، والحظائر، والمساحة.
وعندما نعرف عدد المباني التي تحتاجها كل بدنة، سيمكننا حساب قدر العمالة -كذا لكل يوم- المطلوب الإمداد به، مع حساب فترة السماح المناسبة لأوقات مثل الحصاد حيث لا توجد عمالة يمكن الاستغناء عنها من الحقول.
وعندما تتضح للبدنة تمتماً ماهية مسئولياتها، تقوم الهيئة والمندوب بتوقيع عقد، يتفق فيه على قدر معين من العمالة لإقامة عدد وحجم معين من البيوت.
وبعد تجميع هذه البيانات، تجهز خطة للقرية، تبين وضعها الحالي، وكيفية تنميتها في المستقبل ويبين على هذه الخطة موضع وحدود كل مجاورة عائلية؛ ومساحة القطعة التي تخصص للبدنة هي حاصل جمع مساحة البيوت الفردية مع إضافة نسبة مئوية معينة من هذه المساحة لميدان المجاورة والشوارع الداخلية.
ويوقع كل مندوب بموافقته على تحديد موضع مجاور عائلاته وذلك حسب توكيل رسمي يمنحه له أعضاء المجموعة.
ويتم تحديد حدود كل مجاورة عائلية على هذه الخطة الابتدائية، أما التنظيم الداخلي، وتحديد موقع البيوت الفردية وشكل الميدان، الخ.
فكلها سوف ينتظر التصميم التفصيلي لهذه البدنة عندما يأتي الدور في سياق البناء ((ذلك أن العمل في التصميم يستمر خطوة فخطوة مع الانشاء الفعلي حتى يتم إنهاء القرية)).
وهكذا فرغم أن مسار الطرق الرئيسية يتحدد منذ البداية هو ومواقع المباني العامة والمساحات الأساسية المفتوحة، على الأقل في داخل المجاورة العائلية، إلا أننا لن نعرف بالضبط.
إلا بعد ذلك بكثير، أي أرض تكون خاصة (مواقع البيوت) وأي أرض تنتمي للجمهور (ميدان المجاورة).
وعدم تحديد هكذا لهو أمر ضروري إذا كنا نريد أن نبسط مزايا التصميم الفردي المتعمد على كل منزل في القرية.
والمهندس حتى يقوم بذلك، يحتاج وقتاً؛ ولو توجب عليه أن يوقع الرسم التخطيطي لكل بيت على الخطة قبل أن يبدأ أي إنشاء في أي مكان بالقرية، فسوف يكون المهندس المعماري مجبراً على اللجوء إلى التصميم الجموعي، أي أن يضاعف من تصميم مفرد عدة مرات، وبهذا فإن وجوده كفنان خلاق يصبح أمراً غير ضروري بمجرد أن ينتهي من رسم خطته الأولى هذه.
ومادة البناء الرئيسية هي التربة، التي ستجلب من حفر البحيرة الصناعية.
وهكذا فبينما يُقسم القرويون إلى مجموعات من العائلات، ويتعرفون على مقترحات البناء وتنظيم العمل، تكون هذه البحيرة ولابد قد تم حفرها، وفي نفس الوقت يكون قد تم تخطيط الحديقة المحيطة بها وزرعها.
وموقع البحيرة يتحدد حسب عوامل عديدة.
فأولاً، يجب أن تكون التربة مناسبة لصنع الطوب.
وهكذا تثقب حفر اختبارية في الموضع المرغوب فيه بأكثر، وتحلل التربة بواسطة مهندس ميكانيكا التربة الذي سيقول إذا ما كانت ملائمة لصنع الطوب أو هي مما ينبغي أن يخلط معه أي قدر من الرمل.
وإذا ثبت أن التربة عند أحسن موقع للبحيرة غير ملائمة لصنع الطوب، فإنه يجب استخدام مكان آخر كمحجر للتربة، ويظل موقع البحيرة في المكان الأحسن لاستجمام القرية، بينما يمكن استخدام التربة المحفورة منها لملء موضع محجر التربة.
وثانياً، ينبغي اتخاذ موقع البحيرة بحيث يمكن الاستفادة من عادات القرويين.
فإذا كان لديهم موضع معين يذهبون إليه بانتظام للاستحمام (موردة)، فإنه ينبغي أن يصبح جزءاً من البحيرة بحيث يسلكون نفس المسارات كما من قبل والعوامل الأخرى التي تحدد اتخاذ موقع البحيرة هي كالتالي: موضع الترع التي ستغذيها، واتجاه الرياح السائدة (الرياح الشمالية الغربية الباردة) واتجاه الرياح العارضة الساخنة المحملة بالتراب (من الجنوب الشرقي)، وموضع مضرب الطوب.
وحيث أن البحيرة ستكون في المنتصف من مساحة لشبه منتزه، ستبرد أشجار من الريح وتنقيها، فإن من الأفضل اتخاذ موقعها إلى الجنوب الشرقي من البيوت، بحيث تعترض الرياح الجنوبية الشرقية الحارة.
ومضرب الطوب الذي يجب أن توضع التربة المحفورة بالقرب منه، ينبغي أن يكون قريباً نوعاً من البحيرة، للإقلال من صعوبات النقل، ولكنه في الوقت نفسه بعيداً عن البيوت وأسفل اتجاه الريح بالنسبة لها بسبب الرائحة الكريهة للأفران (أفران حرق الجير واطوب يُتخذ موقعها في مضرب الطوب) وهكذا فإن الموقع الأمثل لمضرب الطوب هو إلى الجنوب حتى الجنوب الشرقي من البحيرة والمنتزه، بحيث تحجبه أشجار المنتزه عن المقربة.
ومن الواضح أن حفر البحيرة وتفريغ التربة بالقرب من مضرب الطوب إنما هو من مهام وزارة الأشغال العمومية.
ويمكن إنهاء هذه المهمة في أسابيع معدودة باستخدام ماكينات معدودة وسكة حديد ديكوفيل، فذلك أسرع كثيراً مما يستطيعه الفلاحون بأدواتهم اليدوية البسيطة.
ومن المهم جداً أن يتم حفر البحيرة سريعاً، لتوفير وقت مهندسي مصلحة الأشغال العمومية الذين يجب أن يقوموا بالإشراف على ما هو في الحقيقة عملية هندسية جداً معقدة، ولتوفير وقت أخصائي تربية الأسماك وأخصائي البساتين من وزارةالزراعة، الذين سيشرفون على إنشاء مزرعة الأسماك ورسم منظر الخلوي الطبيعي للمنتزه وزرعه.
ولو حفر البحيرة كان يتم يدوياً خلال زمن طويل، لتسرَّب الماء إليها قبل إكمالها، وهي لو أثقلت بالماء قبل أن يتم تجهيز نظام القنوات المغذية وأبواب الغلق، فإن هذا الماء سيركد فيتوالد فيه البعوض.
وفوق ذلك، فإننا ينبغي أن نستوثق أننا قد حصلنا على كل التربة التي سنحتاجها للقرية كلها قبل أن نبدأ البناء، بحيث لا يحدث توقف بسبب نقص في مواد البناء. * * * |
|
| |
| لحن الترنيمة (كورال) الإنسان والمجتمع والتكنولوجيا | |
|