منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة التوبة الآيات من 111-115

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 111-115 Empty
مُساهمةموضوع: سورة التوبة الآيات من 111-115   سورة التوبة الآيات من 111-115 Emptyالإثنين 16 سبتمبر 2019, 12:33 am

إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

بعد أن تكلم الحق عن الذين تخلفوا عن الغزو، وعن الذين اعتذروا بأعذار كاذبة، وعن الذين أرجأ الله فيهم الحكم، أراد أن يبين سبحانه أن تخلفهم ليس له أي أهمية؛ لأن الله سبحانه وتعالى عوَّض الإيمان وعوّض الإسلام بخير منهم، فإياكم أن تظنوا أنهم بامتناعهم عن الغزو سوف يُتعبون الإسلام، لا.

لأن الحق سبحانه ينصر دينه دائماً.

فيقول الله سبحانه: (إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ) يقول العلماء: كيف يشتري الله من المؤمنين أنفسهم وأموالهم، وهو الذي خلق الأنفس وهو الذي وهب المال؟

وقالوا: ولكن هبة الله لهم لا يرجع فيها، بدليل أن المال مال الله، وحين أعطاه لإنسان نتيجة عمله أوضح له: إنه مالك بحيث إذا احتاجه أخ لك في الدين، فأنا أقترضه منك، ولم يقل: "أسترده”.

فسبحانه القائل: (مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (البقرة: 245).

لقد احترم الحق الهبة للإنسان، واحترم عرقه وسعيه، وكأنه سبحانه حينما وهب البشر الحياة، ووهبهم الأنفس أعلن أنها ملكهم حقّاً، ولكنه أعطاها لهم، وحين يريد أخذها منكم فلا يقول: إنه يستردها بل هو يشتريها منكم بثمن؛ ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: "إن سلعة الله غالية، إن سلعة الله غالية، إن سلعة الله هي الجنة".

أي: اجعلوا ثمنها غالياً.

(إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ).

وكلمة (ٱشْتَرَىٰ) تدل على أن هناك صفقة، عملية شراء وبيع.

وإذا كان هذا ملكاً لله، فالله هو المشتري، والله هو البائع، فلابد أن لهذا الأمر رمزية، وهذه الرمزية يلحظها الإنسان في الولي على اليتيم أو السفيه، فقد يصح أن يكون عندي شيء وأنا ولي على يتيم، فأشتري هذا الشيء بصفتي، ثم أبيعه بصفتي الأخرى، فالشخص الواحد يكون هو الشاري وهو البائع، فكأن الله يضرب لنا بهذا المثل: "إنكم بدون منهج الله سفهاء، فدعوا الله يبيع ودعوا الله يشتري”.

وما الثمن؟

يأتي التحديد من الحق: (بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ) هذا هو الثمن الذي لا يفنى، ولا يبلى، ونعيمك فيها على قدر إمكانيات الله التي لا نهاية لها، أما نعيمك في حياتك فهو على قدر إمكانياتك أنت في أسباب الله، وهكذا يكون الثمن غالياً.

وحينما جاء الأنصار في بيعة العقبة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له عبدالله بن رواحة: اشترط لربك ولنفسك ما شئت، قال: "أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم"، قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ 

ماذا قال رسول الله؟

أقال لهم ستفتحون قصور بُصْرى والشام وتصيرون ملوكاً، وينفتح لكم المشرق والمغرب؟

لم يقل -صلى الله عليه وسلم- شيئاً من هذا، بل قال: "الجنة"؛ لأن كل شيء في الدنيا تافه بالنسبة لهذا الثمن، قالوا: "ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل".

وبمجرد عقد الصفقة العهدية بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين الأنصار، كان من الممكن أن يموت واحد أو اثنان أو ثلاثة قبل أن يبلغ الإسلام حظه وذروته، وقد يقال: فلان مات ولم يأخذ شيئاً من ماديات الحياة.

لكنه -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "الجنة"، فمن مات يدخلها.

(بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ) هذا هو الثمن، وهو وعد بشيء يأتي من بعد، ولكنه وعد ممن يملك إنفاذه؛ لأن الذي يقدح في وعود الناس للناس، أنك قد تعدُ بشيء ولكن تظل حياتك ولا تفي به، أو أن تقل إمكاناتك عن التنفيذ.

إذن: الوعد الحق هو ممن يملك ويقدر، وحيّ لا يموت، لذلك يقول في هذه الآية: (إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ) ويقول في آخرها: (وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً) و "وَعْد" مصدر، فأين الفعل، إننا نفهمها: أي وعدهم الله بالجنة وعداً منه سبحانه وهو الذي يملك وهو وعد حق.

والقرآن حين يأتي بقضية كونية، فالمؤمن يستقبلها بأنها سوف تحدث حتماً، فإذا ما جاء زمنها وحدثت صارت حقّاً ثابتاً، مثلما يقول سبحانه: (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ) (الصافات: 173).

هذه قضية قرآنية، حدثت من قبل وثبتت في الكون.

وماذا بعد أن اشترى الله من المؤمنين أموالهم وأنفسهم؟

هنا يحدد الحق المهمة أمامهم: (يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) و"قَاتَل"، من "فَاعَلَ"، و"قَتَلَ" غير "قَاتَلَ”.

فالقتل عمل من جهة واحدة، لكن "قَاتَلَ" تقتضي مفاعلة، مثلها مثل "شَارَكَ زيدٌ عَمْراً”.

وكل مادة "فاعَلَ" و"تفاعَلَ" توضح لنا الشركة في الأمر، فكل واحد منهم فاعل، وكل واحد منهم مفعول.

ولذلك تجد في أساليب العرب ما يدلك على أن ملحظ الفاعلية في واحد هو الغالب، وملحظ المفعولية في الآخر هو الغالب، ولكن على التحقيق فإن كل واحد منهم فاعل من جهة، ومفعول من الجهة الأخرى.

فمثلاً: الرجل الذي سار في الصحراء التي فيها حيّات وثعابين، ولم يُهِج الرجل أثناء سيره الحيّات ولا الثعابين، بل تجنبها، والثعبان ما دُمْت لا تهيجه فهو لا يفرز سمّاً؛ لأن سمّ الثعبان لا يفرز إلا دفاعاً.

وساعة يرى الثعبان أنك ستواجهه يستعمل سُمَّه، فإذا كان الرجل سائراً وله قدرة المحافظة على عدم إهاجة الثعابين ولا الحيات، فهو قد "سالمها".

والشاعر يقول:
قد سَالَمَ الحيَّاتُ منه القَدَما والأفْعُوان والشُّجَاعَ الشَّجْعَما

والأفعوان هو الثعبان الفظيع، ونلحظ أن "الأفعوان" منصوب، وأن "الحياتُ" مرفوعة، إذن: فالقدم مفعول، والحيات فاعل وجاء بالقدم منصوبة، وكذلك الشجعم لما في الحيات من المفعولية؛ لأن الحيّات إذا سالمت القدمَ فقد سالمها القدمُ، فكأنه قال: سالم القدمُ الحيّاتِ، ثم جعل الأفعوان بدلاً منها.

وهنا يقول الحق: (بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ) فمن يقاتل: إما أن يَقْتل وإما أن يُقْتَل، وفي قراءة الحسن يقدم الثانية على الأولى، ويقول: "فيُقْتَلُون ويَقْتُلوُنَ"؛ فالمسألة صفقة بمقتضى قوله: (بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ) لذلك يُقدم قتلهم، وهو الأقرب لمعنى الصفقة.

وأيضاً فإن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً؛ وإذا ما جاء المؤمنون في جانب؛ والكفار في جانب آخر فالمؤمنون بنيان، والحق هو القائل: (إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) (الصف: 4).

فإذا ما سبق قوم من المؤمنين بأن يُقْتَلوا، فكأن الكل قُتل.

إذن: فحين قتل بعض المؤمنين، يمكننا أن نقرأ قول الحق على قراءة الحسن ونقول: "فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ”.

أو: أنهم حينما دخلوا إلى القتال وضعوا في أنفسهم أن يقتلوا، ولم يغلبوا جانب السلامة.

وكلنا نعرف قصة الصحابي الذي قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أليس بيني وبين الجنة إلا أن ألقى هؤلاء فيقتلوني؟

قال له: "نعم" فأخرج الصحابي تمرة كانت في فمه، ودخل إلى القتال وكأنه يستعجل الجنة.

(وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ)، وهذا تأكيد بأن لهم الجنة، وهو وعد من الحق في التوراة والإنجيل والقرآن لمن يدخلون المعارك دفاعاً عن الإيمان.

وكل دين في وقته له مؤمنون به، ويدخلون المعارك دفاعاً عنه.

إذن: فالقتال في سبيل نصرة الدين والدفاع عنه ليس مسألة مقصورة على المسلمين، لكنها لم تكن عامة عند الرسل، فقد كان الحق سبحانه وتعالى هو الذي يتدخل لعقاب أهل الكفر، وكان الرسول يبلِّغ، فإذا لم يستجِبْ له قومه؛ عاقبهم الله سبحانه، والقرآن يقول: (فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا) (العنكبوت: 40).

ولم تَأْتِ مسألة القتال في سبيل الله إلا عندما طلب اليهود من بعد سيدنا موسى -عليه السلام- أن يقاتلوا في سبيل الله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىۤ إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ) (البقرة: 246).

إذن: فهذا وعد من الله في التوراة للذين آمنوا بموسى -عليه السلام-، وطالبوا بالقتال في سبيل الله، وكذلك في الإنجيل للذين آمنوا بعيسى -عليه السلام-، وأخيراً في القرآن للذين آمنوا بمحمد -صلى الله عليه وسلم-.

أو: أن هذا الوعد خاص بأمة محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنها الأمة المأمونة للدفاع عن كلمة الله بالمجهود البشري.

وبهذا يكون الوعد في التوراة والإنجيل والقرآن هو وعد لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فكأن التوراة قد بُشِّر فيها بهذا للمسلمين المؤمنين بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك الإنجيل قد بُشِّر فيه بهذا الوعد للأمة المسلمة.

والدليل على ذلك هو قول الحق سبحانه في آخر سورة الفتح: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح: 29).

إذن: فالدين لا يطبع المتدين لا على الشدة ولا على الرحمة، إنما يطبعه انطباعاً يصلح لموقف الشدة فيكون شديداً، ولموقف الرحمة فيكون رحيماً.

ولو أنه مطبوع على الشدة لكان شديداً طوال الوقت، ولو طُبع على الرحمة فقط لكان رحيماً كل الوقت، ولكن شاء الحق أن يطبع المؤمنين ليكونوا أشداء على الكفار رحماء بينهم؛ ولذلك فالدين لا يطبع الناس على ذلة ولا على عزة، إنما يجعلهم أذلة على المؤمنين، وأعزة على الكفار.

وبذلك يُطوِّع المؤمن نفسه، فهو شديد ورحيم، عزيز وذليل، فهو طوع للمنهج، فحين يتطلب منه منهج الله أن يكون شديداً يشتد، وحين يتطلب منهج الله منه أن يكون رحيماً يرحم، وحين يتطلب الله من أن يكون ذليلاً بالنسبة لإخوانه المؤمنين يذل، وحين يتطلب الله منه أن يكون عزيزاً على الكافرين يعز.

(مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح: 29).

وتتابع صفات المؤمنين في قوله سبحانه: (تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) (الفتح: 29).

وهم في ركوعهم وسجودهم إنما يعبرون عن قيم الولاء لله.

ثم يصفهم سبحانه: (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ) (الفتح: 29).

وهم لا يريدون إلا رضاء الله وفضله، والنور يشع من وجوههم؛ لأنهم أهل للقيم، ويضيف سبحانه: (ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ) (الفتح: 29).

أي: أن التوراة جاءت فيها البشارة بأن محمداً سيجيء بأمة فيها الخصال الإيمانية والقيمية التي لا توجد في اليهود، هؤلاء الذين تغلب عليهم المادية ولا ترتقي أرواحهم بالقيم الدينية، فأنت إن نظرت إلى التوراة المحرفة فلن تجد فيها أي شيء عن اليوم الآخر، بل كلها أمور مادية.

أما في الإنجيل فقد جاءت المسيحية بالرهبنة، والماديات فيها ضعيفة؛ ولذلك جاء القرآن منهجاً متكاملاً تنتظم به الحياة، قيماً حارسة، ومادة محروسة؛ فالعالم يفسد حين تأتي المادة فتطغى وتنحسر القيم، أو حين توجد قيم ليس لها قوة مادية تدافع عنها، فيأبى القوي الظالم إلا أن يطغى بقوته المادية على القيم الروحية فيكون الخلل في البناء الاجتماعي.

إذن: فنحن في حاجة دائمة إلى قيم تحرسها مادة، ومادة تحرسها قيم.

وأخبر الله قوم موسى: أنتم لا تملكون القيم المعنوية، وتعتزون بالقيم المادية، لذلك ستأتي أمة محمد وهي تملك قيم الروح والمادة، فهم رُكَّع، سُجَّد، يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، وسيماهم في وجوههم من أثر السجود.

وأبلغ سبحانه قوم عيسى -عليه السلام- أنه سيأتي في أمة محمد بمنهج يعطيهم ما فقدتموه من المادة؛ بسبب أنكم انعزلتم عن الحياة وابتدعتم رهبنة ما كتبها الله عليكم، بينما نحن نريد حركة في الحياة. (ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ) (الفتح: 29).

ومن حق المسلمين أن يقولوا: أيها الكافرون ليست لكم مادة تطغون بها علينا؛ لأن الإسلام يريد من حركة حياتنا على ضوء منهجه في الأرض أن تتوازن المادة مع القيم؛ لأن القيم هي التي تحرس الحضارة، والمادة إنما تحرس القيم، وحين يمتلك المسلمون القوة المادية فسيرتدع أي إنسان عن أن يطمع في فتنة المسلمين في دينهم؛ ولذلك قال الحق سبحانه: (وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (الأنفال: 60).

فالكفار إذا رأوك قد أعددْتَ لهم يتهيبون.

وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها، يقول الحق: (وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ) وما دام الحق قد أعطى الوعد، فلن يوجد من هو أوفى منه؛ لذلك يقول: (وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ) وبذلك يطمئننا سبحانه على أن وعده محقق؛ لأن العهد ارتباط بين مُعَاهَد ومُعَاهِد، والذي يخرج عن هذا الارتباط أمران: الأول: ألا يكون صادقاً حين أعطى عهداً، بل كان في نيته ألا يوفي، ولكنه أقام العهد خديعة حتى يستنيم له المعَاهَد.

والأمر الثاني: أن يكون قد أعطى وعداً بما لا يستطيع تنفيذه، فهو كاذب.

والله لا يليق به لا الكذب ولا الخديعة؛ فسبحانه مُنزَّه عن كل ذلك، ولا أحد أوْفَى بالعهد من الله.

فقد يُطعن في العهد والوفاء به عدم القدرة، لكن قدرة الحق مستوفية.

إذن: فالعهد الحقيقي إنما يؤخذ من الله، وقد جاء الحق بهذه القضية بشكل استفهامي (وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ)؟

فالإجابة: لا أحد؛ لأن الذي يقدح في مسألة العهد الخُلف والكذب وغير ذلك.

والله سبحانه مُنزَّه عن الكذب والخديعة؛ لأن الخديعة لا تأتي إلا من ماكر، وإذا سمع أي إنسان (وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ) ثم أدار فكره في الكون ليبحث عن جواب، فلا يجد إلا أن يقول: "الله"، ولا أحد أوفى من الله بالعهد.

وما دام الوعد بالجنة، فالجنة لا يملكها إلا هو سبحانه ووعده حق، وكلها تأكيدات بأن المسألة واقعة وحادثة.

ولهذا يقول سبحانه: (فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ) (التوبة: 111).

فالنتيجة لهذه المسألة كلها من شراء الله من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، ثم وعده الحق المبيَّن في التوراة والإنجيل والقرآن، وكلها شهادات مسجلة هي الاستبشار بما باعه المؤمن لله.

فالإنسان -ولله المثل الأعلى- لا يسجل إلا ما يكون في صالح قضيته، ولا يسجل للخصم، فعندما يكون عندك صَكٌّ على فلان، فأنت الذي تحتفظ به وتحرص عليه؛ لأنه يؤيد حقك.

والحق سبحانه يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9).

والقرآن هو الحجة الكاملة الشاملة في كل أمور الدنيا والآخرة، ومن فَرْط صدق القرآن أن البشر قد يصلون إلى قضية كونية ما، ومن بعد ذلك تُخَالَف، وحين تعود إلى القرآن تجد أن كلام القرآن هو الذي صدق، وقد حفظ الحق سبحانه القرآن لأن قضايا الكون الذي خلقه الله لا يمكن أن تخرج عن قضايا القرآن؛ لأن منزل القرآن وخالق الكون واحد، فلا شيء يصادمه.

(فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ) قوله الحق: (فَٱسْتَبْشِرُواْ) مأخوذ من "البشرة"، وهي الجلد عامة، وإن كان الظاهر منه هو الوجه.

وحين يقول الحق سبحانه: (إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ) فقد يفهم أحد أن النفس سوف تضيع، وأن الأموال سوف تنفق، وهذا قد يُقبِضُ النفس فهذا فيه الموت، وخسارة للمال، وكان من الطبيعي أن يشحب وجه الإنسان ويفزع ويخاف.

ولكن ساعة يقول الحق سبحانه: (إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ) تجد بشرة المؤمن تطفح بالسرور.

والبشر، ويحدث له تهلل وإشراق، مع أنه هنا سيأخذ نفسه، ولكن المؤمن يعرف أنه سبحانه سيأخذ نفسه ليعطيه الحياة الخالدة.

إذن: قضايا الإيمان كلها هكذا لا يجب أن تصيبنا بالخوف، بل علينا أن نستقبلها بالاستبشار، ولذلك يقول الحق: (فَٱسْتَبْشِرُواْ) أي: فليظهر أثر ذلك على بشرتكم إشراقاً وسروراً وانبساطاً.

(فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ) وهل يستبشر الإنسان بالبيع؟

نعم؛ لأن الإنسان لا يبيع إلا ما يستغني عنه عادة، ويشتري ما يحتاج إليه، فهنا الاستبشار بالبيع وليس بالشراء، فالمؤمن هنا يبيع فانياً بباق.

(فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ) وأنت إذا ما نظرت إلى الذين يخالفون العهد الذي أخذ عليهم، تجد الواحد منهم يحتاج للمخالفة لأن وفاءه يتعبه.

لكن الحق سبحانه ليس في حاجة لأحد وهو غني عن الجميع، ولا يوجد أدنى مبرر لخُلْف الوعد أبداً.

وتأتي (وَذَلِكَ) إشارة إلى الصفقة التي انعقدت بينكم وبين ربكم.

(وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ) والفوز هو بلوغ الغاية المأمولة في عرف العقل الواعي، كما تقول لابنك: "ذاكر لتفوز بالنجاح" وتقول للتاجر: "اجتهد في عملك بإخلاص لتفوز بالربح”.

إذن: فهناك "فوز"، وهناك "فوز عظيم" والفوز في الدنيا أن يتمتع الإنسان بالصحة والمال وراحة البال.

وهناك فوز أعظم من هذا؛ أن تضمن أن النعمة التي تفوز بها لا تفارقك ولا أنت تفارقها، فيكون هذا هو الفوز الذي لا فوز أعظم منه.

ويقول الحق بعد ذلك: (ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ...).



سورة التوبة الآيات من 111-115 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 111-115 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 111-115   سورة التوبة الآيات من 111-115 Emptyالإثنين 16 سبتمبر 2019, 12:34 am

التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وبعد أن عرض الحق هذه الصفقة، فمن هم المقبلون عليها؟

إنهم التائبون، والتوبة: هي الرجوع عن أي باطل إلى حق.

وعمَّ يتوب هؤلاء التائبون؟

نحن نعلم أن هناك إيماناً اسمه إيمان الفطرة.

نجد ذلك في قول الحق سبحانه وتعالى:(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ) (الأعراف: 172-173).

إذن: فالإيمان أمر فطري، والكفر هو الذي يطرأ عليه، وقلنا من قبل: إن الكفر هو الدليل الأول على الإيمان؛ لأن الكفر هو الستر، فمن يكفر بالله -والعياذ بالله- إنما يستر وجوده، فكأن وجوده هو الأصل، ثم يطرأ الكفر فيستره، ثم يأتي من ينبه في الإنسان مشاعر اليقين والإيمان فيرجع الإنسان إلى الإيمان بالله بعد أن يزيل الغشاوة التي طرأت على الفطرة.

و (ٱلتَّائِبُونَ): منهم التائبون عن الكفر الطارئ على إيمان الفطرة، وأخذوا منهج الله الذي آمنوا به، ومن هنا نشأت العبادة التي تقتضي وجود عابد ومعبود، والعبادة تعني الانصياع من العابد لأوامر ونواهي المعبود.

(ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ) والعبادة كلها طاعة تتمثل في تطبيق ما جاء به المنهج من "افعل" و "لا تفعل"، وقد يتدخل المنهج في حريتك قليلا.

وأنت بقوة الإيمان تعتبر أن هذا التدخل في هذه الحرية نعمة يجب أن تحمد الله عليها؛ لأنه لو تركك على هواك، كما يترك ولي أمر التلميذ ابنه على هواه فهو يفشل، ولكن الأب الذي يحث ابنه على المذاكرة وينهاه عن اللعب والعبث، فلابد أن ينجح.

إذن: الأوامر والنواهي هنا نعمة، كان يجب أن نحمد ربنا عليها، وكل ما يجريه الله على العبد المؤمن يجب أن يأخذه العبد على أساس أنه نعمة.

 إذن: فالذين تابوا عن الكفر الطارئ على إيمان الفطرة هم تائبون يأخذون منهج الإيمان من المعبود، ويصبحون بذلك عابدين لله، أي: منفذين الأوامر، ومبتعدين عن النواهي، وهم يعلمون أن الأوامر تقيد حركة النفس وكذلك النواهي، ولكنهم يصدقون قوله -صلى الله عليه وسلم-: "حُفَّتِ الجنةُ بالمكاره، وحُفَّت النارُ بالشَّهوات".

حين تعرف أن العبادة أوصلتك إلى أمر ثقيل على نفسك، فاعرف أن هذا لمصلحتك وعليك أن تحمد الله عليه؛ وبذلك يدخل المؤمن في زمرة الحَامِدينَ.

وأنت حين تؤمن بالله، يصبح الله في بالك، فلا يشغلك كونه عنه سبحانه، وإياك أن تشغل بالنعمة عن المنعم، واجعل الله دائماً في بالك، والحق سبحانه يقول: (كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ) (العلق: 6-7).

لذلك يفكر المؤمن في الله دائماً ويشكر المنعم على النعمة وآثارها من راحة في بيت وأولاد وعمل.

و (ٱلْحَامِدُونَ) أيضاً لابد أن يستقبلوا كل قدر لله عليهم بالرضا؛ لأن الذي يُجرى عليهم القدر -ما دام لم يأمرهم بما لم يقع في اختيارهم- فهو حكيم ولا يُجْري سبحانه عليهم إلا ما كان في صالحهم.

وبعد أن ترضى النفس بما أجرى عليها تعرف الحكمة؛ ولذلك يقول سبحانه: (وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ) (البقرة: 282).

ويتابع الحق صفات المقبلين على الصفقة الإيمانية فيقول: (ٱلسَّائِحُونَ) ومعنى "سائح" هو من ترك المكان الذي له موطن، فيه بيته وأهله وأولاد وأنس بالناس، ثم يسيح إلى مكان ليس له فيه شيء ما، قد يتعرض فيه للمخاطر، والمؤمن إنما يفعل ذلك؛ لأنه لا شيء يشغله في الكون عن المكوِّن، ويقول الحق سبحانه: (قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ ٱنْظُرُواْ) (الأنعام: 11).

إذن: فالسياحة هي السير المستوعب، والسير في الأرض منه سير اعتبار لينظر في ملكوت السماوات والأرض، وليستنبط من آيات الله ما يدل على تأكيد إيمانه بربه، ومنه سير استثمار بأن يضرب في الأرض ليبتغي من فضل الله.

إذن: فالسياحة إما سياحة اعتبار، وإما سياحة استثمار، أما سياحة الاستثمار فهي خاصة بالذين يضربون في الأرض، وهم الرجال.

أما سياحة الاعتبار؛ فهي أمر مشترك بين الرجل والمرأة، بدليل أن الله قال ذلك في وصف النساء: (عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ) (التحريم: 5).

إذن: (سَائِحَاتٍ) هنا مقصود بها سياحة الاعتبار، أو السياحة التي تكون في صحبة الزوج الذي يضرب في الأرض.

وقيل أيضاً: إن السياحة أطلقت على "الصيام"؛ لأن السياحة تخرجك عما ألفْتَ من إقامة في وطن ومال وأهل، والصيام يخرجك عما ألفْتَ من طعام وشراب وشهوة.

إذن: القَدْرُ المشترك بين الرجال والنساء هو في سياحة الاعتبار وسياحة الصوم.

 ثم يقول الحق سبحانه: (ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ) أي: المقيمون للصلاة، وقد جاء بمظهرين فقط من مظاهر الصلاة، مع أن الصلاة قيام وقعود وركوع وسجود؛ لأن الركوع والسجود هما الأمران المختصان بالصلاة، وأما القيام فقد يكون في غير الصلاة، وكذلك القعود.

إذن: فالخاصيَّتان هما ركوع وسجود؛ والحق يقول: (يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ) (آل عمران: 43).

أي: صلّي مع المصلِّين، وهكذا نجد أن الركوع والسجود هما الأمران اللذان يختصان بالحركة في الصلاة.

ثم يقول سبحانه: (ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو حيثية تخص الأمة المحمدية لتكون خير أمة أخرجت للناس، فالحق سبحانه يقول: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ) (آل عمران: 110).

فإذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، فلابد أن تكون بمنأى عن هذا المنكر فليس معقولاً أن تنهى عن شيء أنت مزاول له.

إذن: فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، صلاح أو هدى مُتَعدٍّ من النفس إلى الغير، بعد أن تكون النفس قد استوفَتْ حظها منه.

ويقتضي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تعرف المعروف الذي تأمر به، وأن تعرف المنكر الذي تنهى عنه؛ لذلك لابد أن تكون من أهل الاختصاص في معرفة أحكام الله، ومعرفة حدود الله حِلاّ وحُرْمة، أما أن يأتي أي إنسان ليُدخل نفسه في الأمر ويقول: أنا آمر بمعروف وأنا أنهى عن منكر، هنا نقول له: لا تجعل الدين، ولا تجعل التقوى في مرتبة أقل من المهن التي لابد أن يزاولها أهل فكر ومتخصصون فيها.

 ثم يقول سبحانه: (وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ) و "الحدود" جمع "حد" وتأتي الحدود في القرآن على معنيين: المعنى الأول هو المحافظة على الأوامر، وتلك التي يردفها الحق بقوله: (تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا) (البقرة: 229).

وكل أمر يقول فيه ذلك هو حد الله فلا تتعدَّ هذا الحد، أما المعنى الثاني: فهو البعد عن المنهيات فلا يقول لك: لا تتعداها، بل يقول سبحانه: (تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) (البقرة: 187).

ويُنهى الحق سبحانه الآية بقوله: (وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ) أي: بَشِّرْ هؤلاء الذين يسلكون هذا السلوك مطابقاً لما اعتقدوه من اليقين والإيمان، لا هؤلاء المنافقين الذين قد يصلون أو يصومون ظاهراً.

وكلمة (وَبَشِّرِ) و "استبشر" و"البشرى" و"البشير" كلها مادة تدل على الخبر السار الذي يجعل في النفس انبساطاً وسروراً؛ بحيث إذا رأيت وجه الإنسان وجدته وجهاً متهللاً تفيض بشرته بالسرور.

وبعد ذلك يتكلم الحق عن أمر شغل بال المؤمنين الذين كان لهم آباء على الكفر؛ ومن حقوق هذه الأبوة على الأبناء أن يستغفروا لهم لعل الله يغفر، وأراد الحق سبحانه وتعالى أن يبين لنا أن رعاية حدود الله وحقوقه أوْلَى من قرابة الدم، وأوْلى من عاطفة الحنوّ والرحمة؛ فالحق سبحانه وتعالى أوْلى بأن يكون الإنسان بارّا به من أن يكون بارّا بالأب الكافر، وقد جعل الحق سبحانه النسبَ في الإسلام نفسه.

ثم يقول الحق سبحانه: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ...).



سورة التوبة الآيات من 111-115 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 111-115 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 111-115   سورة التوبة الآيات من 111-115 Emptyالإثنين 16 سبتمبر 2019, 12:35 am

مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١١٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

قبل أن يحظر الحق سبحانه على المؤمنين الاستغفار لآبائهم المنافقين، بدأ برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ)، وإذا كان النبي ينهى، فالمؤمنون من باب أوْلى ليس لهم الحق في ذلك؛ لأن الله لو أراد أن يكرم أحداً من الآباء لأجل أحد، لأكرم أباء النبي إن كانوا غير مؤمنين.

وكلمة (مَا كَانَ) تختلف عن كلمة "ما ينبغي" فساعة تسمع "ما ينبغي لك أن تفعل ذلك" فهذا يعني أن لك قدرة على أن تفعل، لكن لا يصح أن تفعل، ولكن حين يقال: "ما كان لك أن تفعل"، أي: أنك غير مؤهل لفعل هذا مطلقاً.

ومثال ذلك أن يقال لفقير جدّاً: "ما كان لك أن تشتري فيديو"؛ لأنه بحكم فقره غير مؤهل لشراء مثل هذا الجهاز، لكن حين يقال لآخر: "ما ينبغي لك أن تشتري فيديو" أي: عنده القدرة على الشراء، لكن القائل له يرى سبباً غير الفقر هو الذي يجب أن يمنع الشراء.

إذن: فهناك فَرْق بين نفي الإمكان، ونفي الانبغاء.

وهنا يقول الحق سبحانه: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ) أي: ما كان للنبي ولا المؤمنين أن يستغفروا للذين ماتوا على الشرك والكفر، ولو كانوا أولي قربى.

فهذا أمر لا يصح.

وحتى لا يحتج أحد من المؤمنين بأن سيدنا إبراهيم -عليه السلام- قد استغفر لأبيه جاء الحق بالقول الكريم: (وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ...).



سورة التوبة الآيات من 111-115 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 111-115 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 111-115   سورة التوبة الآيات من 111-115 Emptyالإثنين 16 سبتمبر 2019, 12:36 am

وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

فقد وعد سيدنا إبراهيم -عليه السلام- أباه ما ذكره القرآن: (سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً) (مريم: 47).

(حَفِيّاً) أي: أن ربَّ إبراهيم يحبه وسيُكرمه في استغفاره لأبيه.

(فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) ويأتي الحق سبحانه بالحيثية الموحية، بأن إبراهيم له من صفات الخير، الكثير جداًّ، لدرجة أن الله خالقه يقول فيه: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً) (النحل: 120).

أي: أن خصال الخير في إبراهيم -عليه السلام- لا توجد مجتمعة في إنسان واحد، ولا في اثنين ولا في ثلاثة، بل خصال الخير موزعة على الناس كلها، فهذا فيه صفة الأمانة، وثان يتحلى بالصدق، وثالث يتميز بالشهامة، ورابع موهوب في العلم، إذن: فخصال الخير دائماً ينشرها الله في خلقه، حتى يوجد تكافؤ الفرص بين البشر، كالمهن، والحرف، والعبقريات، والمواهب، فلا يوجد إنسان تتكامل فيه المواهب كلها ليصبح مجمع مواهب.

لكن شاء الحق أن يجمع لسيدنا إبراهيم -عليه السلام- خصال خير كثيرة فقال: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً) أي: فيه -عليه السلام- من خصال الخير التي تتفرق في الأمة.

وبعد ذلك يعطينا الحيثية التي جعلت من سيدنا إبراهيم أمة، وجامعاً لصفات الخير بهذا الشكل، فإن أعطاه الله أمراً فهو ينفذه بعشق، لا مجرد تكليف يريد أن ينهيه ويلقيه من على ظهره، بل هو ينفذ التكليف بعشق، واقرأ قول الله سبحانه: (وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) (البقرة: 124).

أي: أتى بها على التمام، فلما أتمهن أراد الله أن يكافئه، فقال: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً) (البقرة: 124).

فهو -إذن- مأمون على أن يكون إماماً للناس لأنه قدوة، أي أنه يشترك مع الناس في أنه بشر، ولكنه جاء بخصال الخير الكاملة فصار أسوة للناس، حتى لا يقول أحد: إنه فعل الخير لأنه ملك، وله طبيعة غير طبيعة البشر، لا.

إنه واحد من البشر، قال فيه الحق سبحانه: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً) (البقرة: 124).

أي: أسوة وقدوة، والأسوة والقدوة يشترط فيها أن تكون من الجنس نفسه فلا تكون من جنس مختلف، فلا يجعل الله للبشر أسوة من الملائكة؛ حتى لا يقول أحد: وهل أنا أستطيع أن أعمل مثل عمله؟

ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى في عرض هذه القضية: (وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً) (الإسراء: 94).

فحين تعجَّب بعض الناس من أن ربنا قد بعث من البشر رسولاً أنزل الحق هذا القول وأضاف سبحانه: (قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً) (الإسراء: 95).

فما دُمتم أنتم بشر فلابد أن يرسل لكم رسولاً منكم لتحقق الأسوة، لهذا يقول الحق سبحانه: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ) (الأنعام: 9).

ولنَر كيف أتم سيدنا إبراهيم -عليه السلام- بعض التكاليف بعشق، فلننظر إلى قول الحق سبحانه: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ) (البقرة: 127).

ومعنى رفع القواعد أي إيجاد البعد الثالث، وهو الارتفاع؛ لأن البيت الحرام له طول وهذا هو البعد الأول، وله عرض وهو البعد الثاني وبهما تتحدد المساحة.

أما الارتفاع فبضربه في البعدين الآخرين يعطينا الحجم، وقد أقام سيدنا إبراهيم -عليه السلام- البعد الثالث الذي يبرز الحجم، وقد قال بعض السطحيين: إن سيدنا إبراهيم -عليه السلام- هو الذي بنى الكعبة، لا لم يبن الكعبة، بل رفع القواعد التي تبرز حجم الكعبة؛ بدليل أنه حينما جاء هو وامرأته هاجر ومعها الرضيع إسماعيل -عليه السلام- قال: (رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ) (إبراهيم: 37).

وهذا دليل على أن البيت كان معروفاً من قبل إبراهيم -عليه السلام-، وقد استقرت به هاجر وطفلها إسماعيل إلى أن كبر واستطاع أن يرفع مع أبيه القواعد، ولذلك نقول: إن هناك فرقاً بين "المكان" و"المكين" فالذي فعله إبراهيم هو إقامة "المكين" أي المبنى نفسه، أما المكان فقد كان معروفاً.

ولنفترض أنه جاء سيل على الكعبة وهدمها فإلى أي شيء سنصلي؟

إلى أن نقيم المكين.

إذن: عملية البناء هذه للمكان، وليست للمكين.

ويقول الحق عن البيت الحرام: (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ) (آل عمران: 97).

وآيات جمع، وبينات جمع، ولم يأت من الآيات البينات إلا "مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ": (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ) (آل عمران: 97).

أي: أن "مقام إبراهيم" هو مجموع الآيات البينات؛ لأن الله قد أمره أن يرفع القواعد، وكان لابد أن يبحث عن الإمكانات التي تساعده في الرفع؛ لأنه لو رفعها على قدر ما تطول يده لما بلغ طول الكعبة فوق مستوى ما تطوله اليدان؛ لذلك فكر سيدنا إبراهيم وتدبر وجاء بحجر ليقف فوقه ليطيل في ارتفاع جدران الكعبة، وهذا من دلائل أنه ينفذ التكليف بعشق، وعلى أتم وجه؛ لذلك قال الحق: (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ) (آل عمران: 97) وفي هذا آيات واضحة على أن الإنسان إذا كلف أمراً فعليه ألا ينفذ الأمر لينهى التكليف بأية طريقة، ولكن عليه أن يؤدي ما يكلف به بعشق، ويحاول أن يزيد فيه، وبذلك يؤدي "الفرض" والزائد على الفرض وهو "النافلة”.

ونحن هنا في قضية الاستغفار (وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) وهنا وقفة توضح لنا طبع سيدنا إبراهيم كأواه حليم، والأواه هو الذي يكثر التوجع والتأوه على نفسه مخافة من الله، وعلى الناس إن رأى منهم معصية، فيحدث نفسه بما سوف يقع عليهم من عذاب، إنه يشغل نفسه بأمر غيره، فهذه فطرته، وهو أواه لأن التأوه لون من السلوى يجعلها الله في بعض عباده للتسرية عن عبادٍ له آخرين.

 ولذلك يقول الشاعر:
ولابد من شكوى إلى ذي مروءةٍ يواسيك أو يسلّيك أو يتوجع

أي: أنه إذا أصابت الإنسان مصيبة فهو يشكو إلى صاحب المروءة، فإما أن يساعده في مواجهة المشكلة، وإما أن يواسيه ليحمل عنه المصيبة، بأن يتأوه له ويشاركه في تعبه لمصيبته، وهذا التأوه علامة رقة الرأفة وشفافية الرحمة في النفس البشرية.

 فإبراهيم (أَوَّاهٌ)، وهذا طبع فيه يسلكه مع كل الناس، فما بالك إن كان لقريب له؟

لابد إذن أن يكثر من التأوه، وخصوصاً إن كان الأمر يتعلق بأبيه، ومع ذلك أراد الله أن يضع طبع إبراهيم -عليه السلام- في التأوه في موضعه الصحيح، ولكن الله أوضح له: إياك أن تستغفر لأبيك ولا شأن لك به، فالمسألة ليست في الطبع، ولكن في رب الطبع الذي أمر بذلك.

 وهنا قضية هامة أحب أن تصفى بين مدارس العلم والعلماء في العالم كله؛ لأنها مسألة تسبب الكثير من المشاكل، وتثار فيها أقضية كثيرة.

 لقد أمر الحق سبحانه إبراهيم -عليه السلام- ألا يستغفر لأبيه، بعد أن تبين له أنه عدو لله، وما دام والد إبراهيم قد وصف بهذه الصفة وأنه عدو لله ومحمد -صلى الله عليه وسلم- من نسل إبراهيم إذن: فلماذا يقول الرسول: "إنني خيار من خيار من خيار"؟

ولو فهمنا قول الحق: إن أبا إبراهيم عدو لله، ففي هذا نقض لحديث رسول الله، وما دام أبو إبراهيم كان عدوا لله وتبرأ منه وقال له الحق: لا تستغفر.

إذن: ففي نسبه -صلى الله عليه وسلم- أحد أعداء الله، وفي ذلك نقض لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "خيار من خيار خيار، ما زلت أنتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات".

ولهذا نريد أن نصفي هذه المسألة تصفية علماء، لا تصفية غوغاء، ولنسأل من هو الأب؟

الأب هو من نَسَلَكَ وأنجبك، أو نسل من نسلك.

إذن: فهناك أب مباشر وأبوه يعتبر أبا لك أيضاً إلى أن تنتهي لآدم، هذا هو معنى كلمة "الأب" كما نعرفه، لكننا نجد أن القرآن قد تعرض لها بشكل أعمق كثيراً من فهمنا التقليدي، وأغنى السور بالتعرض لهذه المادة "سورة يوسف"؛ لأن مادة "الأب" جاءت ثماني وعشرين مرة خلال هذه السورة، فمثلاً تجد في أوائل سورة يوسف، قول يوسف -عليه السلام-: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يٰأَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) (يوسف: 4).

وبعد ذلك جاءت السورة بأن الله سوف يجتبي يوسف ويعلمه من تأويل الأحاديث: (وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ) (يوسف: 6).

والأبوان المقصودان هنا هما إبراهيم وإسحاق عليهما السلام، ثم قال الحق من بعد ذلك: (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا) (يوسف: 8).

ثم جاء قوله الحق على لسان إخوة يوسف: (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) (يوسف: 8).

وفي نفس السورة يقول الحق عن إخوة يوسف: (ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) (يوسف: 9).

ثم يمهد إخوة يوسف للتخلص منه، فيبدأون بالحوار مع الأب: (قَالُواْ يَٰأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (يوسف: 11-12).

وبعد أن ألقوه في غيابة الجب، وعادوا إلى والدهم: (وَجَآءُوۤا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ) (يوسف: 16).

وكانت هذه هي المرة الثامنة في ذكر كلمة أب في سورة يوسف، ثم تأتي التاسعة: (قَالُواْ يَٰأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا) (يوسف: 17).

ثم تدور أحداث القصة إلى أن دخل سيدنا يوسف السجن، وقابل هناك اثنين من المسجونين وأخبراه أنهما يريانه من المحسنين، وأن عندهما رؤى يريدان منه أن يفسرها لهما فقال لهما: (لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ) (يوسف: 37).

وينسب ذلك الفضل إلى الحق سبحانه فيقول: (ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيۤ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـيۤ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ) (يوسف: 37-38).

وهكذا ذكر اسم ثلاثة من آبائه: إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام.

ثم خرج يوسف من السجن وتولى أمر تنظيم اقتصاد مصر، وجاء إخوته للتجارة فعرفهم، ويحكي القرآن عن لقائه بهم دون أن يعرفوه، وقال: (وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ) (يوسف: 59).

وقال أيضاً: (قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ) (يوسف: 61).

ثم عادوا إلى أبيهم يرجونه أن يسمح لهم باصطحاب أخيهم الأصغر معهم، وسمح لهم يعقوب -عليه السلام- باصطحابه بعد أن آتوه موثقاً من الله أن يأتوه به إلا أن يحيط بهم أمر خارج عن إرادتهم، ونزلوا مصر وطلبوا الميرة.

(فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ * قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ ٱلْمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ * قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ * قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ * قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ) (يوسف: 70-75).

قالوا: (إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ) (يوسف: 78).

قال يوسف: (مَعَاذَ ٱللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ) (يوسف: 79).

ويأمرهم سيدنا يوسف -عليه السلام-: (ٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يٰأَبَانَا إِنَّ ٱبْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ) (يوسف: 81).

ويعودون إلى أبيهم الذي يعاتبهم: (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً) (يوسف: 83) ثم يأمرهم أن يعودوا مرة أخرى قائلاً: (يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ) (يوسف: 87).

وعندما عرفهم يوسف بنفسه وعلم منهم أن والدهم قد صار أعمى قال لهم: (ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً) (يوسف: 93).

ثم يأمرهم يوسف -عليه السلام- بأن يأتوا بأهلهم أجمعين.

(وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ) (يوسف: 94).

ثم يقول الحق سبحانه: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ) (يوسف: 100).

وما يهمنا في كل ذلك آيتان اثنتان: الأولى هي قوله سبحانه: (وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (يوسف: 6).

وإسحاق هو أبو يعقوب، وإبراهيم هو الأب الثالث.

وحين قال يوسف: (وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـيۤ) (يوسف: 38).

و"أبائي" جمع أب.

وعندما أراد أن يذكر الأعلام من آبائه قال: (إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ) (يوسف: 38).

ويعقوب هو أبو يوسف، وإسحاق أبو يعقوب، وإبراهيم أبو إسحاق، إذن: فإبراهيم أب، وإسحاق أب، ويعقوب أب.

وهكذا نرى أن كلمة "الأب" تطلق على الجد، وآباء الجد إلى آدم.

وإذا نظرت في سورة البقرة تجد قول الحق سبحانه: (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ) (البقرة: 133).

ومقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة آحاداً، وهكذا يكون إبراهيم أباً، وإسماعيل أباً، وإسحاق أباً، ولكن إسماعيل أخ لإسحاق، إذن فقد أطلق الأب هنا وأريد به العم، وهكذا ترى أنه إذا ألحق بكلمة "أب" اسم معين هو المقصود بها، فالمعنى ينصرف إما إلى الجد وإما إلى العم، وإن جاءت من غير تحديد الاسم، فهي تنصرف إلى الأب المباشر فقط.

والحق يقول في شأن إبراهيم مع أبيه: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ) (الأنعام: 74).

لقد ذكر الحق هنا اسم الأب وحدده بـ "آزر" ولو أنه أبوه حقيقة لما قال آزر، مثلما يأتيك إنسان ليسأل: أين أبوك؟

هنا نفهم أن السؤال ينصرف إلى الأب المباشر، لكن إذا قال: هل أبوك محمد هنا؟

فهذا التحديد قد ينصرف إلى العم.

إذن: قول الله: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ) يبين لنا أن آزر ليس هو الصُّلب الذي انحدر منه رسول الله، ولكنه عمه، وبذلك نحل الإشكال واللغز الذي حير الكثيرين.

وهنا يقول الحق سبحانه: (وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (التوبة: 114).

و"الحليم" هو خلق يجعل صاحبه صبوراً على الأذى صفوحاً عن الذنب.

وقد شغل صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإخوانهم المؤمنين، الذين ماتوا قبل أن تكتمل عندهم أحكام الإسلام؛ لأن منهج الإسلام نزل في "ثلاثة وعشرين عاماً”.

وليس من المفروض فيمن آمن أن يأتي بكل أحكام الإسلام عند بداية إيمانه، بل قد يكون قد آمن فقط بالشهادة، فاعتبر مسلماً، ومثال هذا مخيريق اليهودي الذي لم يصل ركعة واحدة في الإسلام؛ لأن الحرب قامت بعد إسلامه مباشرة، وقال: مالي كله لمحمد وسأذهب لأحارب معه، وحارب فقُتِلَ، وهكذا صار شهيداً.

لأنه لم يمكث زمناً ينفذ فيه ما جاء به الإسلام قبل ذلك.

ومن باب أولى أن الذي مات قبل أن تتم أحكام الإسلام يعتبر مسلماً، والذي مات مثلاً قبل أن تحرم الخمر تحريماً نهائيّاً، أيقال: إنه عاصٍ أو كافر؟

لا.

إنه مسلم، والذي مات قبل أن يعلم أن القبلة قد حولت من بيت المقدس إلى الكعبة يعتبر مسلماً وشاء الحق أن يبين للمسلمين ألا يحزنوا على هؤلاء، فنزل الوحي: (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (التوبة: 115).

وهذا يوضح ما نعرفه في عرف التقنين البشري أنه لا جريمة إلا بنص، ولا عقوبة إلا بتشريع، فنحن لا نعاقب إلا بعد تحديد الفعل الذي يعاقب عليه، وأن يكون النص المحدد للجريمة والعقوبة سابقاً على الفعل.

إذن: لا عقوبة بتجريم، ولا تجريم إلا بنص.

والذي لم يبلغه النص؛ لأنه مات قبل أن يوجد النص؛ لا نأخذه بالعقاب؛ لأنه لا رجعية في القانون السماوي، إنما الرجعية فقط عند البشر؛ ولذلك نجد الحق يقول في كثير من الآيات: (إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) (النساء: 22).

إذن: فلا تحزنوا على من مات من إخوانكم قبل أن يستكمل الإسلام كل أحكامه.

فإسلامهم هو ما بلغهم من هذه الأحكام؛ فإن أدُّوها استووا بالذي يؤدِّيها بعد أن تتم أركان الإسلام كلها.

لذلك جاء قوله الحق: (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ...).



سورة التوبة الآيات من 111-115 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 111-115 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 111-115   سورة التوبة الآيات من 111-115 Emptyالإثنين 16 سبتمبر 2019, 12:37 am

وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وهنا الهداية هي هداية الدلالة حتى يبين لهم ما يتقون؛ (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً) أي: ما كان الله ليحكم بضلالة قوم حتى يبين لهم ما يتقون.

والتقوى التزام أمر الله ونهيه، فإذا وافقوا البيان هداهم هداية معونة، وإذا لم يوافقوا كانوا ضالين، وقد حكم الله بضلالة عم إبراهيم وما حكم الله بضلالته إلا بعد أن بين له منهج الهداية.

وقد بَيَّنَ إبراهيم لعمه منهج الهداية فلم يهتد.

ولذلك أمر الله سبحانه وتعالى إبراهيم ألا يستغفر له.

ويقول الحق بعد ذلك: (إِنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ...).



سورة التوبة الآيات من 111-115 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة التوبة الآيات من 111-115
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة التوبة الآيات من 021-025
» سورة التوبة الآيات من 101-105
» سورة التوبة الآيات من 026-030
» سورة التوبة الآيات من 106-110
» سورة التوبة الآيات من 031-035

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: التوبة-
انتقل الى: