منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة التوبة الآيات من 081-085

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52306
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 081-085 Empty
مُساهمةموضوع: سورة التوبة الآيات من 081-085   سورة التوبة الآيات من 081-085 Emptyالخميس 12 سبتمبر 2019, 12:59 am

فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (٨١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والفرح هو السرور من فعل تبتهج النفس به.

والمخلَّفون هم الذين أخلفهم نفاقهم، وتركهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة وذهب إلى الجهاد.

بعد أن جاءوه بالمعاذير الكاذبة التي قالوها، وقد تركهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الحق سبحانه قال: (لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً) (التوبة: 47).

ومن لا يريد أن يجاهد في سبيل الله إن أخذته معك كرهاً، يكون ضدك وليس معك.

وسيشيع الأكاذيب بين المؤمنين، ويحاول أن يخيفهم من الحرب، وإذا بدأ القتال فهو أول من يهرب من المعركة.

ويبحث عن مغارة أو حجر يختفي خلفه.

 إذن: فهو ليس معك ولكنه ضدك؛ لأنه لن يقاتل معك، بل ربما أعان عدوك عليك.

 وفي نفس الوقت هو يضر بالمسلمين، ويحاول أن يشيع بينهم الرعب بالإشاعات الكاذبة.

 ويُبيِّن الحق سبحانه وتعالى هنا فطرة رسول الله الإيمانية بأنه أذن لهؤلاء بعدم الخروج للجهاد مع أن عذرهم كاذب؛ فجاء قوله: (فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ) والمقعد هو مكان القعود.

والقعود رمز للبقاء في أي مكان.

والقيام رمز لبداية ترك المكان إلى مكان آخر، والذين غزوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاموا واستعدوا للقتال، أما الذين تخلفوا فقد قعدوا ولم يقوموا رغبة في البقاء في أماكنهم.

 ويقول تعالى: (خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ) وحين نسمع كلمة (خِلاَفَ) نعرف أن مصدرها خالف خلافاً؛ ومخالفة؛ كما تقول: قاتل قتالاً ومقاتلة.

وهي إما أن تكون مخالفة في الرأي، كأن تقول: فلان في خلاف مع فلان، أي: أن لكل منهما رأياً.

وإما أن تكون في السير، كأن تقوم أنت لتغادر المكان؛ ويخالفك زميلك أو من معك فيقعد، أو تقعد أنت، فيخالفك هو ويمشي.

 والخلاف من ناحية الرأي هون عملية قلبية، والخلاف من ناحية الحركة يشترك فيها القلب أو الجسد، وهم حين فرحوا بالقعود بعد قيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين للجهاد، فهذا دليل على أن مسـألة القعود هذه صادفت هوى في نفوسهم وارتاحوا لها, وبذلك خالفوا شرط الإيمان؛ لأن الذين يحق لهم أن يتخلفوا عن الجهاد قد حددهم القرآن الكريم في قول الحق سبحانه وتعالى: (لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ) (التوبة: 91).

وقوله: (وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) (التوبة: 92).

أي: أوضحت لهم أنك لا تملك ما يركبون عليه، ليصلوا معك إلى موقع القتال.

وقد بيّن لنا الحق حال هؤلاء الذين لم يخرجوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسبب هذه الأعذار فقال عنهم: (تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ) (التوبة: 92).

إذن: فهؤلاء الذين تخلفوا بأعذار يملؤهم الحزن، وتفيض أعينهم بالدمع؛ لأنهم حُرِموا ثواب الجهاد في سبيل الله.

أما الذين يفرحون بالتخلف عن الجهاد فهم منافقون.

وقوله سبحانه: (خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ) نجد فيه أيضاً أن كلمة (خِلاَفَ) تستعمل أيضاً بمعنى "بعد"، أي بعد رسول الله، فما أن ذهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للغزوة قعدوا هم بعده ولم يذهبوا.

وجلسوا مع الضعيف والمريض وأصحاب الأعذار الحقيقية، وكذلك الذين لم يجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهم دواب ليركبوها، هؤلاء هم مَنْ تخلفوا.

ويبيّن الحق سبحانه سبب تخلف المنافقين فيقول: (وَكَرِهُوۤاْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ).

أي: أنهم كرهوا أن يقاتلوا، وكرهوا الجهاد.

وليت الأمر قد اقتصر على هذا، بل أرادوا أن يُثبِّطوا المؤمنين ويُكرِّهوهم في القتال في سبيل الله (وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ) فهم لم يكتفوا بموقفهم المخزي، بل أخذوا في تحريض المؤمنين على عدم القتال.

وقد كانت هذه الغزوة "غزوة تبوك" في أيام الحر.

وكانت المدينة تمتلئ بظلال البساتين وثمارها، بينما الطريق إلى الحدود مع الروم طويلة.

إذن: فهي غزوة كلها مشقة.

وقال المنافقون للمؤمنين (لاَ تَنفِرُواْ)، والنفور هو كراهية الوجود لشيء ما.

ويقال: فلان نافر من فلان، أي: يكره وجوده معه في مكان واحد.

ويقال: فلان بينه وبين فلان نفور، أي: يكرهان وجودهما في مكان واحد.

والذي يخرج للحرب كأنه نفر من المكان الذي يجلس فيه ذاهباً إلى مكان القتال.

ويكون القتال والتضحية بالمال والنفس في سبيل الله أحب إليه من القعود والراحة.

إذن: فقوله تعالى: (وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ) أي: أنهم يريدون أن يعطوا لأنفسهم عذراً لعدم الخروج للجهاد؛ لأن الجو حار وفيه مشقة.

ولكنهم أغبياء؛ لأنهم لو خافوا من الحر ومشقته؛ وجلسوا في الظل ومتعته، لأعطوا لأنفسهم متعة زمنها قصير ليدخلوا إلى مشقة زمانها طويل.

 ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) فإن كانوا قد اعتقدوا أنهم بهروبهم من الحر قد هربوا من مشقة، فإن مشقة نار جهنم والخلود فيها أكبر بكثير.

والإنسان إن بُشِّر بأشياء تسره عاماً أو أعواماً، ثم يأتي بعدها أشياء تسوؤه وتعذبه، فهو بمعرفته بما هو قادم يعاني من الألم ولا يستطيع الاستمتاع بالحاضر؛ لأن الإنسان يحاول دائماً أن يتحمل؛ ليُؤمِّن مستقبله.

ولذلك تجد من يعمل ليلاً ونهاراً وهو سعيد، فإذا سألته كيف تتحمل هذا الشقاء؟

يقول: لأؤمن مستقبلي.

إذن: فسرور عام أو أعوام تفسده أيام أو أعوام قادمة فيها سوء وعذاب، فماذا عن خلودهم في النار؟

ولكن هل قالوا: (لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ) في خواطرهم دون أن ينطقوا بهما، أم قالوها لبعضهم البعض سراً؟

ومن الذي أعلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما قالوه؟

نقول: قد يكون ذلك هو ما دار في خواطرهم.

وشاء الله أن يعلموا أنه سبحانه وتعالى يعلم ما في نفوسهم.

وشاء أن يفضح ما في سرائرهم، لعل هذا يُدْخل الخوف في قلوبهم، من أنه سبحانه مطلع على كل شيء، فيؤمنوا خوفاً من عذاب النار.

 ومثال هذا أن الحق حين أراد أن يمنع المشركين من حج بيته الحرام قال: (إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا) (التوبة: 28).

وكان المشركون حين يذهبون إلى الحج ينعشون اقتصاد مكة، وكان الخير يأتي من كل مكان إلى مكة في موسم الحج، بل إنهم كانوا يقولون: إياكم أن تطوفوا بالبيت في ثياب عصيتم الله فيها، وكأن التقوى تملأ نفوسهم! وحقيقة الأمر أنهم كانوا بعيدين عن التقوى لأنهم كانوا يعبدون الأوثان.

وكانوا يقولون ذلك حتى يضطر الحجاج أن يخلعوا ثيابهم ويشتروا ثياباً جديدة ليطوفوا بها, ومن لا يملك المال يطوف عارياً.

 إذن: فقد كان الحج موسماً اقتصادياً مزدهراً لأهل مكة؛ يربحون خلاله ما يكفي معيشتهم طوال العام، فلما جاء البلاغ من الله سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا).

فالخاطر الذي يأتي في النفس البشرية؛ وكيف سنعيش؟      

هذا هو أول خاطر يأتي على البال؛ لأنه سؤال عن مقومات الحياة، والذي خلقهم عليم بما يدور في خواطرهم.

وإن لم يجر على ألسنتهم، حينئذ جاء قول الحق سبحانه: (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ) (التوبة: 28).

إذن: فالله سبحانه وتعالى قد علم ما يدور في خواطرهم، فرد عليه قبل أن ينطقوه.

 كذلك قول الحق سبحانه: (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) والفقه هو الفهم الدقيق.

فأنت حين تعرف شيئاً بسطحياته تكون قد عرفته، ولكنك إن عرفته بكل معطياته الخلفية تكون قد فقهته.

وأنت إذا ذهبت للجهاد في الحر قد تتعب، ولكن إذا قعدت عن الجهاد سوف تكون عقوبتك أكبر وتعبك أشد.

إذن: فعلمك بشيء وهو الحر الذي ستواجهه إن خرجت للجهاد، يجب ألا ينسيك ما غاب عنك، وهو أن نكوص الإنسان عن الجهاد يدخله ناراً أشد حرارة، يخلد فيها.

 ومعنى ذلك أنه لم يفقه؛ لأنه علم شيئاً وغاب عنه أشياء.

 ومن هذا المنطق القرآني، رد الإمام علي -كرَّم الله وجهه- على القوم حينما دعاهم إلى الجهاد ضد الخوارج فقال: "أما بعد، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فمن تركه رغبة عنه سيم الخسف”.

ثم يقول بعد ذلك: "إن قلت لكم: اغزوهم في الشتاء، قلتم: هذا أوان قر وصر.

أي برد شديد.

وإن قلت لكم: اغزوهم في الصيف، قلتم: أنظرنا -أي أمهلنا- حتى ينصرف الحر عنا، فإذا كنتم في البرد والحر تفرون، فأنتم والله في النار.

يا أشباه الرجال ولا رجال”.

وقول الحق سبحانه وتعالى: (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) أي: أنهم لو كانوا قد فرحوا وابتهجوا بأنهم لم يجاهدوا في الحر، فهم سوف يندمون كثيراً على ذلك، مصداقاً لقوله تعالى: (فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ...).



سورة التوبة الآيات من 081-085 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52306
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 081-085 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 081-085   سورة التوبة الآيات من 081-085 Emptyالخميس 12 سبتمبر 2019, 1:01 am

فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والضحك هو انفعال غريزي فطري، يحدث للإنسان عندما يقابل شيئاً يسره، أو أحداثاً يجد فيها مفارقة لم يكن يتوقعها.

أما البكاء فهو انفعال غريزي أيضاً تجاه أحداث تدخل الحزن أو الشجن، وهو تذكر ما يحزن بالنسبة للإنسان.

وكلتاهما ظاهرتان فطريتان، أي أنهما تحدثان بفطرة بشرية واحدة بالنسبة للناس جميعاً، ولا دخل فيها للجنس أو اللون أو البيئة، فلا يوجد بكاء روسي وبكاء أمريكي، أو ضحك روسي وضحك إنجليزي، أو ضحك شرقي وضحك غربي.

ذلك أن الضحك والبكاء انفعال طبيعي موحد لا تؤثر فيه البيئة ولا الثقافة ولا الجنس.

وقد أسنده الحق تبارك وتعالى لنفسه.

فكما قلنا: إن الله سبحانه وتعالى وحده هو الذي يحيي، وهو سبحانه وحده الذي يميت.

فهو سبحانه وحده الذي يضحك، وهو سبحانه وحده الذي يبكي.

مصداقاً لقوله تعالى: (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا * وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ) (النجم: 43-45).

ولذلك فالضحك والبكاء يأتيان بلا مقدمات، لا أقول لنفسي: سأضحك الآن فأضحك، ولا أقول: سأبكي الآن فأبكي؛ لأن هذا انفعال غريزي لا دخل للإرادة ولا للاختيار فيه.

ولكننا أحياناً نلجأ إلى التضاحك أو إلى التباكي وهو مجرد ادعاء بلا حقيقة.

ويكون ظاهراً فيه الافتعال.

فحين يروي لك إنسان نكتة سخيفة، والمفروض أنه قالها لتضحك، ولكنها لا تضحكك، وفي نفس الوقت أنت تريد أن تجامله فتفتعل الضحك، أي تضحك بافتعال.

وكذلك البكاء فيه افتعال أيضاً مثل بكاء النادبة التي تجلس وسط أهل الميت وتبكي.

وقد تضع بعض نقط الجلسرين في عينيها لتفتعل الدموع، وهذا كله افتعال.

أما الضحك والبكاء الحقيقي، فأمران بالفطرة يملكهما الله سبحانه وتعالى وحده.

 وقول الحق سبحانه وتعالى: (فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً) جاء بعد قوله: (فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ) أي: أنهم فرحوا عندما بَقَوْا هم في المدينة، وخرج المؤمنون للجهاد.

جلسوا في حدائق المدينة وهم فرحون في راحة وسرور يضحكون؛ لأنهم يعتقدون أنهم قد فازوا بعدم اشتراكهم في الجهاد.

ولكن هذا الضحك هو لفترة قليلة.

وسيأتي بعدها بكاء وندم لفترة طويلة وأبدية، عندما يدخلون جهنم -والعياذ بالله-.

ونلحظ أن الحق سبحانه وتعالى قال: (فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً) ولم يقل: سيضحكون قليلاً وسيبكون كثيراً، لماذا؟

نقول: عندما يُسند الفعل إلى المخلوق الذي يعيش في عالم الأغيار، والمختار في عدد من أفعاله، يُحتمل أن يحدث أو يجوز ألا يحدث.

ولكن الحق سبحانه وتعالى حين يقول: (فَلْيَضْحَكُواْ) أي: أمر بالضحك، ثم يجيء في البكاء ويقول: (وَلْيَبْكُواْ) أي: ابكوا والأمر بالضحك والبكاء هو أمر اختياري من الله سبحانه وتعالى، تجوز فيه الطاعة وتجوز فيه المعصية؟

إذا كان كذلك، فهل سيطيع المنافقون أمراً اختيارياً لله؟

ونقول: إن ذلك أمر غير اختياري؛ لأن الحق سبحانه هو وحده الذي يضع في النفس البشرية انفعال الضحك أو انفعال البكاء للأحداث.

وكما بيَّنا فإن الإنسان لا يستطيع الانفعال بالضحك أو البكاء.

والحق حين يقول: (فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً) معناها: أن انفعال الضحك قضاء عليهم لابد أن يحدث.

وإذا قال الحق سبحانه وتعالى: (وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً) فلابد أن يبكوا؛ لأن انفعال البكاء مكتوب عليهم من الله، وكما يقولون: إن الذي يضحك أخيراً يضحك كثيراً، وكذلك الذي يبكي أخيراً يبكي كثيراً.

إذن: فالأمور كلها مرهونة بالخاتمة.

فقد يأتي للإنسان حادث يسرّه، ثم تأتيه ساعة بؤس تمحو هذا السرور كله، والعكس صحيح.

وإذا كان هؤلاء المنافقون قد ضحكوا قليلاً في الدنيا.

فعمر كل منهم في الدنيا قليل؛ لأنه حتى وإن عاش في الدنيا ضاحكاً طوال عمره فكم سيضحك؟

أربعين سنة؟

خمسين سنة؟

إن كلاّ منا له في الدنيا مدة محدودة، فأنت إذا نسبت الحدث إلى الدنيا على إطلاقها فهو قليل.

وإذا نسبته إلى عمرك في الدنيا فهو أقل القليل، ثم تأتي الآخرة بالخلود الطويل الذي لا ينتهي، ويكون بكاء المنافق فيه طويلاً طويلاً.

ولذلك فلابد لكل إنسان ان يضع مع المعصية عقوبتها، ومع الطاعة ثوابها؛ لأن الإنسان قد يرتكب المعصية لإرضاء شهوات نفسه، وساعة ارتكاب المعصية فهو لا يستحضر العقوبة عليها، ولو أنه استحضر العقوبة لامتنع عن المعصية.

فالسارق لو استحضر ساعة قيامه بالسرقة، أنه قد يضبط، وقد يحاكم وتقطع يده، لو تأكد من هذا فلن يسرق أبداً.

ولكنه يقوم بالسرقة لأنه يعتقد أنه سيفلت من العقاب.

وما من لص خطط لسرقة وفي باله أنه سيضبط، بل يكون متأكداً أنه سيسرق ويفلت.

ولذلك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن".

لأنه ساعة يزني لو تخيل أو تأكد أنه سيُلْقى في النار جزاء ما فعل، فلن يقدم على الزنا أبداً.

وكذلك شارب الخمر لا يمكن أن يضع الكأس في فمه.

إذا تخيل النار وهو يُعذَّب فيها.

ولكن الغفلة عن الإيمان تحدث لحظة ارتكاب المعصية؛ لأن الإيمان يقتضي أن تستحضر العقوبة ساعة تُقدِم على المعصية، وأن تعلم يقيناً أن كل ما تفعله ستُحاسب عليه في الآخرة، وسيكون هناك جزاء.

فإذا ضحكت من مطلوبات الإيمان فلابد أن تبكي في الآخرة.

فإن فرحت -مثلاً- بترك الصلاة أو الزكاة، واعتقدت أنك قد غنمت في الدنيا، فلابد أن تندم ويصيبك الغمُّ في الآخرة.

وإذا تنعمت بمال حرام فلابد أن تُعذب به في الآخرة.

والحق سبحانه يقول: (إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ) (المطففين: 29-31).

هكذا يعطينا الله عدة صور من السخرية التي يتعرض لها المؤمنون في الدنيا، وأولى هذه الصور هي ضحك المنافقين والكفار من المؤمنين، كأن يقول أحدهم لإنسان مؤمن يقوم إلى الصلاة: خذنا على جناحك في الآخرة.

ثم بعد ذلك يأتي الغمز واللمز، ثم إذا ذهب المنافق إلى أهله أخذ يسخر من الطائعين ويقول: لقد فعلت كذا وكذا لإنسان متدين.

وسخرت منه ولم يستطع أن يرد.

ويشعر بالسرور وهو يحكي القصة فرحاً بما عمل.

وينسى أنه قد ارتكب ثلاثة جرائم: جريمة العمل، وجريمة الفرح بالعمل، وجريمة الإخبار بالعمل.

فلو أنه سخر من المؤمن، ثم ندم بعد ذلك، ربما كانت عقوبته هيِّنة.

ولكن ما دام قد فرح بذلك تكون له عقوبة أكبر، فإذا انقلب إلى أهله يروي لهم ما حدث، وهو فخور مسرور تكون له عقوبة ثالثة.

 وليتهم توقفوا عند ذلك بل اتهموا المؤمنين بالضلال؛ مصداقاً لقوله تعالى: (وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ * وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ) (المطففين: 32-33).

أي: أنهم زادوا على كل هذا باتهام المؤمنين بالضلال.

هذا ما صنعوه في الدنيا.

وهي فانية وعمرها قليل.

ثم يأتي سبحانه وتعالى بالمقابل في الآخرة؛ فيقول: (فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) (المطففين: 34-36).

فكما ضحك الكفار من المؤمنين في الدنيا؛ سيضحك المؤمنون من الكفار في الآخرة، وسيجلس المؤمنون على الأرائك في الجنة وهم ينظرون إلى الكفار وهو يُعذَّبون في النار، أي: أن الله جزاهم بمثل عملهم مع الفارق بين قدراتهم المحدودة وقدراته -سبحانه- التي لا حدود لها.

 ولم يقل الحق سبحانه وتعالى: "سيضحكون" ككلام خبري، يجوز أن يحدث أو لا يحدث، بل جاء به مُؤكداً.

وقوله هنا في المنافقين (فَلْيَضْحَكُواْ).

يعني: أن الضحك لابد أن يحدث؛ لأن هذا كلام من الله سبحانه وتعالى فقول الحق سبحانه وتعالى: (فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) يعطينا العلة أو السبب في أن ضحكهم سيكون قليلا.

وبكاءهم سيكون كثيراً؛ لأن هذا جزاء ما فعلوه في الدنيا.

لقد فرحوا بالفرار من الجهاد.

وسُرّوا بالراحة في المدينة، فلابد أن يُلاَقوا في الآخرة جزاءهم عن هذا العمل، كما سَيُثاب المؤمنون على ذهابهم للجهاد في الحرِّ.

 إذن: فالحق سبحانه لم يظلمهم، بل أعطاهم جزاء ما عملوه.

كما قال: (جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) وكلمة (يَكْسِبُونَ) هنا لها ملحظ لابد أن نُبيِّنه، فقد كان من الممكن أن يُقال "جزاء ما كانوا يعملون" أو "جزاء ما كانوا يفعلون"، فلماذا جاء الحق بـ (يَكْسِبُونَ)، وما الفرق بينها وبين "ما يفعلون" و "ما يعملون"؟

نعلم أن لكل جارحة من جوارح الإنسان مجالَ عمل؛ فالأذن تسمع، والعين ترى، واليد تمسك، والقدم تمشي، والأنف يشُمُّ، والأنامل تملس.

إذن: فكل عضو له مهمة.

فإن كانت المهمة هي النطق باللسان نسميها القول.

وإن كانت مهمة من مهام باقي الجوارح عدا اللسان نسميها الفعل.

فاللسان وحده أخذ القول، وكل الجوارح أخذت الفعل.

والقول والفعل معاً نسميهما عملاً.

 فإذا قال الحق سبحانه وتعالى: "يفعلون" يكون ذلك مقابل يقولون؛ لأن الإنسان قد يقول بلسانه ولا يفعل بجوارحه.

وتوضح ذلك الآية الكريمة: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ) (الصف: 2-3).

ولكن إذا اتحد القول والفعل يكون هناك عمل.

وكل شيء لا يتسق منطقياً مع قيم المنهج يكون فيه افتعال، فالكسب عمل، والاكتساب افتعال الكسب؛ لأن الكسب عمل طبيعي، والاكتساب هو افتعال الكسب.

وسبحانه يقول: (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ) (البقرة: 286).

لأن الاكتساب بالحرام فيه افتعال يتعب النفس، ولا يجعلها منسجمة مع جوارحها، فالرجل مع زوجته في البيت مستقر الجوارح لا يخشى شيئاً.

لكنه مع زوجة غيره يهيج جوارحه؛ فيقفل النوافذ ويُطفئ الأنوار.

وإنْ دقَّ جرس الباب يصاب بالذعر والهلع؛ لأن ملكات النفس ليست منسجمة مع العمل.

 أما إذا اعتادت النفس الإثم مثل من اعتاد الإجرام، فلا يهيجها الحرام.

وفي هذه الحالة تنقلب عملية الاكتساب إلى كسب، وتعتاد النفس على المعصية وعلى الإثم، ويصبح جزاؤها عند الله أليماً وعذابها عظيماً.

 ويقول الحق سبحانه في هذه الآية: (جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) وكان مقتضى الكلام أن يقال: "جزاء بما كانوا يكتسبون" لأن هذه عملية فيها إثم وفيها معصية، فلابد أن يكون فيها افتعال، ولكن الحق سبحانه وتعالى يلفتنا إلى أن هؤلاء المنافقين قد اعتادوا المعصية، وعاشوا في الكفر، فأصبحت العملية سهلة بالنسبة لهم، ولا تحتاج منهم أي افتعال.

 واقرأ قول الحق: (وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ ٱللَّهِ) (المائدة: 38).

والسرقة ليست أمراً طبيعياً، لذلك يقوم بها السارق خفية ويُبيِّت لها ويفتعل؛ ولذلك كان من المنطقي أن يقال "اكتسبوا" لكن شاء الحق أن نعرف أن السرقة قد أصبحت في دم هؤلاء، ومن كثرة ما ارتكبوها فهي بالنسبة لهم عملية آلية سهلة.

وقد وضع التشريع لها نطاقاً وهو ربع دينار مثلاً.

والذي يسرق دون هذا النطاق لا يُطبق عليه حَدُّ قطع اليد.

لماذا؟

لأن ربع الدينار في ذلك الوقت كان يكفي لقوت أسرة متوسطة العدد لمدة يوم واحد.

فإذا سرق أي إنسان ما يكفي قوت أسرة لمدة يوم واحد، يقال: ربما فعلها لأن أسرته لا تجد ما تأكله، فإذا أخذ أكثر من الضرورة، يكون قد أخذ أكثر مما يحتاج إليه، وتكون السرقة قد حدثت ويُقام عليه الحد.

 ونحن نعلم أن العقل البشري وظيفته الاختيار بين البدائل، ومفروض أن يُقَدِّر الإنسان العقوبة ويستحضرها ساعة وقوع المعصية، وأن يستحضر الثواب ساعة القيام بالطاعات ترغيباً للإنسان في الطاعة.

ونحن نأتي للطالب المجتهد ونطلب منه أن يُخفِّف من المذاكرة، لكنه لا يترك الكتاب لأنه استحضر النجاح؛ وما سيحدث بعد النجاح من دخوله الكلية التي يريدها، أو بعد تخرجه من الجامعة إن كان قد وصل إلى مرحلة التخرج، وكذلك استحضر نظرة أهله وأساتذته وزملائه إليه، وهو يستحضر كل ذلك؛ مما يدفعه لقضاء ساعات طويلة في المذاكرة دون أن يشعر بالتعب.

إذن: فالذي يُحبِّبك في الطاعة هو استحضار لذة الثواب القادم.

والذي يُكرِّهك في المعصية هو استحضار ألم العقاب الذي لابد أن يحدث.

 ولكن هؤلاء المنافقين والكفار قد اعتادوا المعصية والكفر؛ حتى أصبح سلوكهم المخالف للإيمان إنما يحدث منهم دون أن يستحضروا عقوبة المعصية، فهم يرتكبون المعاصي وهم فرحون.

ولو قال الحق كلمة: "يقولون" لكان كلامهم بغير فعل.

ولو قال: "يفعلون" لكان فعلاً لا يشترك فيه اللسان بالقول.

ولو قال "يعملون" لكان فعلاً وقولاً فقط.

ولو قال "يكتسبون" لفهمنا أن المعصية تثير انفعالاً وتهيجاً في داخلهم؛ لأنهم لم يعتادوها.

ولكن جاء قوله تعالى: (يَكْسِبُونَ) ليعطينا المعنى الصحيح في أنهم قد اعتادوا المعصية؛ حتى أصبحوا يفعلونها بلا افتعال.

 ويأتي الحق سبحانه وتعالى لِيُرينا حكمه في الدنيا على هؤلاء المنافقين الذين فرحوا بتخلفهم عن الجهاد في سبيل الله، فيقول: (فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ...).



سورة التوبة الآيات من 081-085 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52306
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 081-085 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 081-085   سورة التوبة الآيات من 081-085 Emptyالخميس 12 سبتمبر 2019, 1:02 am

فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (٨٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والله سبحانه وتعالى يوضح لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: عندما تنتهي الغزوة وتعود إلى المدينة، فهناك حكم لابد أن تطبقه مع هؤلاء المنافقين، الذين تخلفوا وفرحوا بعدم الجهاد.

وقوله: (فَإِن رَّجَعَكَ) كلمة "رجع" من الأفعال، وكل فعل يجب أن يكون له فاعل ومفعول، فلا يمكن أن تقول: "ضرب محمد" ثم تسكت؛ لأنه عليك أن تبين من المضروب.

ولا يمكن أن تقول "قطف محمد"، بل لابد أن تقول ماذا قطف؟

وهكذا نحتاج إلى مفعول يقع عليه الفعل.

ولكن هناك أفعالاً لا تحتاج إلى مفعول.

كأن تقول: "جلس فلان" والفعل الذي يحتاج إلى مفعول اسمه "فعل مُتعَدٍّ" أما الفعل الذي لا يحتاج إلى مفعول فاسمه "فعل لازم”.

إذن: فهناك فعل متعد وفعل لازم.

وهنا في هذه الآية الكريمة يقول الحق سبحانه: (فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ) والحق سبحانه هو الفاعل، والكاف في (رَّجَعَكَ) هي المفعول به.

ولكن لأنها ضمير ملتصق بالفعل يتقدم المفعول على الفاعل.

إذن: (فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ) رجع فعل متعد، والفاعل لفظ الجلالة.

والمفعول هو الضمير العائد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ أي: أن الله رجعك يا محمد.

 ولكن هناك آية في القرآن الكريم تقول: (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً) (الأعراف: 150).

في الآية التي نحن بصددها (فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ) الفاعل هو الله، أما في قوله الحق: (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ) نجد أن موسى هو الفاعل ولا يوجد مفعول به، إذن فـ "رجع" يمكن أن يكون فعلاً لازماً، كأن تقول: "رجع محمد من الغزوة”.

ويمكن أن يكون فعلاً متعدياً كقوله سبحانه: (فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ) أي: يا محمد من الغزوة.

إذن: فرجع تستعمل لازمة وتستعمل متعدية.

ولكن في قصة سيدنا موسى -عليه السلام-؛ عندما ألقته أمه في البحر والتقطه آل فرعون؛ ومشت أخته تتبعه؛ ثم حرَّم الله عليه المراضع ليعيده إلى أمه كي يزيل حزنها، يقول الحق سبحانه: (إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ) (طه: 40).

ما هو الفرق بين الآيات الثلاث؟

ولماذا استعمل فعل "رجع" لازماً ومتعدياً؟

نقول: إنه في قول الحق سبحانه وتعالى: (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ) هنا هيئ لموسى من ذاته أن يرجع، أي: أنه قرار اختياري من موسى، أما قوله تعالى: (فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ)، فموسى في هذه المرحلة؛ كان طفلاً رضيعاً لا يستطيع أن يرجع بذاته، ولابد أن يهيئ له الحق طريقة لإرجاعه، أي: من يحمله ويرجعه.

أما قوله تعالى: (فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ) فقد كان من الممكن أن يقال: "وإذا رجع إلى طائفة منهم" مثلما قال في موسى -عليه السلام-: (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ) ولكن الحق استخدم (رَّجَعَكَ) ليدل على أن زمام محمد عليه الصلاة والسلام في الفعل والترك ليس بيده.

وكأنه سبحانه وتعالى يوضح: إياكم أن تنسبوا الأحداث إلى بشرية محمد -صلى الله عليه وسلم-، فإن محمداً إذا ذهب إلى مكان فالله هو الذي أذهب إليه.

وإن عاد من مكان فهو لا يعود إلا إذا أرجعه الله منه.

كما كانت هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة بإذن من الله، فقبل أن يأذن الله له بالهجرة، لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببشريته يستطيع أن يهاجر.

إذن: فالحق سبحانه وتعالى يريد أن نعرف دائماً: أن ذهاب محمد -صلى الله عليه وسلم- ورجوعه من أي مكان، ليس ببشرية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل بإرادة الحق سبحانه ولكن لماذا قال الحق سبحانه وتعالى: (فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ) وكان من الممكن أن يقول "فإن رجعك الله إليهم" أو: "فإن رجعك الله إلى المدينة"؟

نقول: إن الحق سبحانه وتعالى يريد الحديث هنا عن الطائفة التي حدثت منها المخالفة، فهناك من بقوا في المدينة رغماً عنهم ولم يكن لديهم ما ينفقونه أو لم يكن لدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يحملهم عليه.

كذلك المرضى وكبار السن الذين لا يستطيعون قتالاً.

وهؤلاء حَسُنَ إسلامهم وقَبِل الله ورسوله أعذارهم.

ولكن الحق سبحانه يتحدث هنا عن الطائفة التي تخلفت عن الجهاد وهي قادرة، والتي امتنعت عن الخروج، وهي تملك المال والسلاح وكل مقومات الجهاد، هذه الطائفة هي التي فرحت بالتخلف عن القتال.

أما الطوائف الأخرى؛ فكانت عيونها تفيض بالدمع من الحزن على عدم اشتراكهم في الجهاد.

 إذن: فالحق يقصد هنا طائفة المنافقين الذين استمروا على نفاقهم، فمن تاب منهم قبل نزول هذه الآية قبلت توبته، ومن مات منهم قبل نزول هذه الآية فإنما حسابه على الله.

وبقيت طائفة المنافقين الذين فرحوا وضحكوا عندما بقوا في المدينة، وكان عقاب الله لهم بأن مسح أسماءهم من ديوان المجاهدين في سبيل الله، ومنعهم الثواب الكبير للجهاد.

 ويقول سبحانه: (فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ) فكيف استأذنوا أول الأمر للقعود وتحايلوا عليه، وكيف يستأذنون الآن للخروج؟

نقول: إنهم عندما رأوا المؤمنين وقد عادوا بالغنائم، كان ذلك حسرة في قلوبهم؛ لأنهم أهل دنيا.

وحينئذ طلبوا الخروج حتى يحصلوا على الغنائم والمغانم الدنيوية.

ولكن الحق سبحانه وتعالى طلب من رسوله عليه الصلاة والسلام ألا يأذن لهم بالجهاد مع المسلمين، فقال: (فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً) أي: أن أسماءكم قد شطبت من ديوان المجاهدين والغزاة، ولما قرر الحق سبحانه وتعالى ألا يعطيهم شرف الجهاد وثواب الخروج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟

يقول الحق سبحانه: (إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ).

ولكن الحق يقول أيضاً هنا: (فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ) وهذا أمر لا يحدث إلا في الغزوات، فما هو موقفهم إذا حدث اعتداء على المدينة؟

ويبين الحق سبحانه لرسوله -صلى الله عليه وسلم- ألا يقبل منهم قتالاً حتى في هذه الحالة، فطلب من رسوله عليه الصلاة والسلام أن يعلمهم بذلك، ويقول لهم: (وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً) إذن: فقد حسمت المسألة، فلا هم مسموح لهم بالخروج في الغزوات، ولا بقتال الأعداء إذا هاجموا المدينة؛ لأنهم أُسقِطوا تماماً من ديوان المجاهدين، ولا جهاد لهم داخل المدينة أو خارجها؛ ما داموا قد فرحوا بالقعود، ورفضوا أن يشتركوا في الجهاد وهم قادرون؛ لذلك حكم الحق أن يبقوا مع الخالفين.

وما معنى خالفين؟

المادة هي "خاء" و "لام" و "فاء"، فيها "خلف" و "خلاف" و "خلوف" وغير ذلك.

و "خالفين" إما أن يكونوا قد تخلفوا عن الخروج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإما أن يكونوا خالفوا الرسول بأنهم رفضوا الخروج، وإما أن يكونوا خلوفاً.

ويقول -صلى الله عليه وسلم- في حديث عن الصيام: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك".

والخلوف هو تغير الرائحة، وتغير الرائحة يدل على فساد الشيء، فكأنهم أصبحوا فاسدين.

ومخالفين تعني فاسدين لأنهم قد خالفوا أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتعني أنهم تخلفوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يقتصر جزاء هؤلاء المتخلفين فقط أن تشطب أسماؤهم من سجلات المجاهدين، بل هناك جزاء آخر يبينه قول الحق سبحانه وتعالى: (وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ...).



سورة التوبة الآيات من 081-085 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52306
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 081-085 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 081-085   سورة التوبة الآيات من 081-085 Emptyالخميس 12 سبتمبر 2019, 1:03 am

وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (٨٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ميت هي رحمة له، وغفران لذنوبه؛ لأن الصلاة على الميت أن تطلب له الرحمة والمغفرة، وأن تطلب له من الله أن يُلحقَه بالصالحين.

وإذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الكلام، ودعا بهذا الدعَاء، فإن دعوة رسول الله مُستجابة من الله.

وهكذا حرمهم الله سبحانه وتعالى من رحمة يكون الإنسان في أشد الحاجة إليها حين ينتقل من الحياة الدنيا إلى حياة البرزخ.

وقول الحق لرسوله: (وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً) معناها نهى عن فعل لم يأت زمنه.

وقوله تعالى: (وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ) أي: لا تذهب إلى قبره وتطلب له الرحمة، ولكن الحق سبحانه وتعالى قال: (وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً) مع أن النهي عن المستقبل، أي: من مات بعد نزول هذه الآيات، فلماذا لم يقل الحق "يمت" أو "يموتوا" واستخدم الفعل الماضي (مَّاتَ)؟      

ونقول: لأن الموت عملية حتمية مقررة عند الله ومُقدَّرة، فموعد الموت مكتوب ومعروف عند الله، وهو شيء لا يقرره الله مستقبلا.

بمعنى أن موعد الموت لا يحدد قبل حدوثه بليلة أو ليلتين، ولكن الموعد قد حُدِّد وانتهى الأمر.

 أما قوله الحق: (وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم) فهو يدلنا على أن هذا الأمر ليس خاصّاً بسبب، ولكنه عموم حكم، فهناك: سبب للحكم، وهناك عموم حكم.

وسبب الحكم مثل الآية التي نزلت في زعيم المنافقين عبد الله ابن أبيّ، فعندما مرض عبد الله بن أُبيّ مرض الموت؛ جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وطلب منه أن يعطيه قميصه يُكفِّن فيه أباه، فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله صلى الله عليه ليصلي عليه ويستغفر له.

وذهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مجاملة لابنه عبد الله بن أبيّ الذي أسلم وحَسُن إسلامه.

 وعندما وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بجوار عبد الله بن أبيّ، قال له: "أهلكك حب يهود"؛ لأن ابن أبيّ كان يُجامل اليهود ويعاونهم، ونفاقه في الإسلام كان مجاملة لليهود وكان يُظهِر أمام اليهود الكفر، ويُظهِر أمام المسلمين الإيمان.

وهنا قال ابن أبيّ: يا رسول الله، إنما أرسلت إليك لتستغفر لي ولم أرسل إليك لتؤنبني.

فاستغفر له الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهنا نزلت الآية الكريمة: (ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ) (التوبة: 80).

وطلب عبد الله بن أبيّ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يهبه ثوبه لكي يُكفَّن به، فلما ذهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى بيته، أرسل له الثوب الأعلى.

وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يلبس ثوبين؛ ثوباً يلي جسده وثوباً فوقه.

فلما جاء ابن أبيّ الثوب الأعلى، قال: أنا أريد الثوب الذي لامس جسد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 انظر إلى زعيم المنافقين والذي كان يملؤه الكبرياء في حياته، كبرياء على المؤمنين؛ ها هو ذا يطلب كل هذه الطلبات ساعة احتضاره.

فماذا صنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟

أرسل له القميص الذي لامس جسده الشريف.

وكان كل هذا إرضاء لابنه عبد الله بن عبد الله بن أبيّ.

ولم يتقبل هذا الفعل عدد من المؤمنين ولم يشعروا بالارتياح، فعندما مات ابن أبيّ جاء ابنه عبد الله، وطلب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يصلي عليه.

 وعندما هَمَّ النبي أن يصلي عليه، وقف عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بين الرسول وبين القبلة.

وهنا حسم الحق سبحانه وتعالى الموقف ونزلت الاية الكريمة: (وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً) فقد أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يصلي على ابن أُبيّ؛ لأنه رسول رحمة للعالمين.

ولكن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقف بينه وبين القبلة حتى لا يصلي، فأنزل الحق قوله: (وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً) وقالوا: تلك من الأمور التي وافق الوحي فيها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ومن المسائل التي وافق الوحي فيها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تغيير القبلة من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام.

فقد كان عمر يرجوها، وكان يقول لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله، لو اتخذت مقام إبراهيم مصلّى.

 ومن هذه الأمور أيضاً رأيه في أسرى بدر، وأن من الواجب قتلهم، وكان رأي أبي بكر أن يقوم الأسرى بتعليم المسلمين القراءة والكتابة؛ أو يؤخذ فيهم الفداء، فنزلت الآية الكريمة: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ) (الأنفال: 67).

بعض الناس يتساءل: كيف يستدرك عمر على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟

نقول: لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لن يُخلَّد في أمته؛ لذلك أراد أن يعطيهم الأُسْوة بأنه -صلى الله عليه وسلم- متى رأى رأياً حسناً نزل عليه.

 وبعض المستشرقين يقولون: إنكم تقولون دائماً عمر فعل كذا، ولماذا لا تقولون لنا محمد فعل كذا؟

ونقول: إذا فعل محمد فهو رسول الله، أما غير الرسول عندما يفعل فهو دليل على أن الفطرة الإسلامية من الممكن أن ترى شيئاً يتفق مع ما يريده الله.

 وبعد أن نزل قول الحق: (وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً) صار الحكم عاماً في ألا يصلي رسول الله على المنافقين.

لكن من أراد من الناس أن يصلي فليُصلِّ.

وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يكرم كل مسلم بالصلاة عليه، فلما نزلت هذه الآية امتنع عن الصلاة على المنافقين.

كذلك امتنع -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة على الميت وعليه دَيْنٌ، فكان يسأل أهل الميت: هل عليه دَيْنٌ؟

فإن قالوا: نعم.

سأل: هل ترك ما يسده؟      

فإن قالوا: لا.

قال: "صَلُّوا على صاحبكم"، وامتنع هو عن الصلاة.

ولكن ما ذنب من عليه دين حتى يُحرَم صلاة رسول الله عليه؟

نجد الإجابة في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومَنْ أخذها يريد إتلافها أتلفه الله".

فلو كان هذا الميت المدين ينوي سداد دينه لأعانه الله على أن يُسدِّده، أما إذا ترك ما يفي بهذا الدين من عقارات أو أراض أو أموال في البنوك فلا يكون مديناً.

ويقول الحق سبحانه هنا: (وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ) ونحن نعلم أن رسول الله عليه الصلاة والسلام كان يذهب إلى قبر حمزة -رضي الله عنه-، ويقف على قبور المؤمنين: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين".

ومنعه الحق من ذلك العمل على قبور المنافقين.

ويعطينا الحق سبحانه العلة في ذلك فيقول: (إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ) وعرفنا كيف كفروا بالله ورسوله، لكن ماذا عن قوله الحق: (وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ).

فهل ماتوا وهم خارجون عن المنهج؟

نعم، تماماً مثلما نقول: فسقت الرطبة؛ لأن البلح في نضجه يكون أحمر اللون أو أصفر وتلتصق قشرته به، فإذا رطب انفصلت القشرة عن البلحة، بحيث تستطيع أن تنزعها بسهولة، فكأن منهج الله بالنسبة للمؤمن لابد أن يلتصق به كقشرة البلحة الحمراء، وإذا انفصل عنه مثل قشرة الرطبة يُصَابُ بالفساد.

ولكن هنا نتساءل: أليس الكفر أكبر مرتبة من الفسق؟

لأننا نعلم أنه ليس بعد الكفر ذنب؟

فكيف يقول الحق سبحانه وتعالى: (وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ) مع أنهم كفروا، والكفر أكبر الذنوب؟

ونقول: إن الكفر هو عدم الإيمان بالله ورسوله وعدم الدخول في الإسلام، ولكن الفسق هو عدم الالتزام بأية قيم، ذلك أن الدين قد أوجد في النفوس عامة قيماً معروفة يتبعها حتى الذين كفروا، فمثلاً عندما أرادوا بناء الكعبة قبل الإسلام، قالوا: نريد أن نبنيها بمال حلال، لا يدخل فيه مال بَغيٍّ.

 وكانوا في الماضي يُحضرون البغايا، ويُقيمون لهن الرايات، ويأخذون من أموالهن.

لم يكن الإسلام قد جاء بَعْد، ولكن كانت هناك قيم من مناهج السماء التي جاءت قبل الإسلام.

وجاء الإسلام موافقاً لبعضها.

 إذن: فقوله الحق: (كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ)، أي: لم يكونوا مسلمين.

(وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ) أي: لم يلتزموا بأية قيم.

 ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: (وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا...).



سورة التوبة الآيات من 081-085 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52306
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 081-085 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 081-085   سورة التوبة الآيات من 081-085 Emptyالخميس 12 سبتمبر 2019, 1:04 am

وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (٨٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ونعلم أن الحق قال في آية سابقة: (فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) (التوبة: 55).

والنص القرآني إذا ما اتفق مع نص آخر، نقول: إن الأداء الخاص ومقتضيات الأحوال تختلف، ومن ينظر إلى خصوصيات ومقتضيات الأحوال يعلم أن هذا تأسيس وليس تكراراً، فقد تحمل آيتان معنى عامّاً واحداً، ولكن كل آية تمس خصوصية العطاء، ولنأخذ مثالاً من قوله الحق: (وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) (الأنعام: 151).

وقوله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم) (الإسراء: 31).

وقد ادعى بعض المستشرقين أن في القرآن تكراراً، وهذا غير صحيح؛ لأنهم ينظرون إلى عموم الآية ولا ينظرون إلى خصوصية العطاء.

وخصوصية العطاء في الآية توافق مقتضى كل حال.

ففي قوله سبحانه عن رزق الأولاد لم يلتفتوا إلى صدري الآيتين بل التفتوا إلى عجُز الآيتين، وذلك من جهلهم بملكة الأداء في البيان العربي.

ولنا أن نسأل هؤلاء المستشرقين الذين يثيرون مثل هذه الأقاويل: هل ترون أن آية من الآيتين أقل بلاغة من الأخرى؟

ولن نجد إجابة عندهم؛ لأنهم لا يعرفون دقة البيان العربي.

ونقول لهم: أنتم إن نظرتم إلى عَجُز كل آية وصدرها لوجدتم أن آخر الآية يقتضي أولها، وإلا لما استقام المعنى، فالله سبحانه وتعالى لم يَقُلْ في الآيتين: (وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ) وإنما قال: (مِّنْ إمْلاَقٍ)، وقال: (خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) ولم يقل في الآيتين: (نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم) بل قال: (نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم) وقال: (نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ).

       إذن: فبداية الآيتين مختلفة؛ الآية الأولى: (وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ).

والإملاق هو الفقر، فكأن الفقر موجود فعلاً.

وقوله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ)، فكأن الفقر غير موجود، ولكن الإنسان قد يخشى أن يأتي الفقر بمجيء الأولاد.

إذن: فالآية الأولى تخاطب الفقراء فعلا.

والآية الثانية تخاطب غير الفقراء الذين يخشوْنَ مجيء الفقر إن رُزِقوا بأولاد؛ والفقير -كما نعلم- يُشغل برزقه أولاً قبل أن يُشغلَ برزق أولاده.

ولذلك يطمئنه الحق سبحانه وتعالى على أن أولاده لن يأخذوا من رزقه شيئاً، فيقول: (نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) أي: اطمئن أيها الفقير على رزقك فلن يأخذ أولادك منه شيئاً؛ لأن الحق سبحانه وتعالى يرزقك أولاً ويرزق أولادك أيضاً.

 أما غير الفقير الذي يخشى أن يجيء الولد ومعه الفقر فقد ينشغل بأن المولود الجديد سيأتي ليُحوِّل غناه إلى فقر.

ويخاطبه الحق سبحانه وتعالى بقوله: (نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم) أي: أن رزقهم يأتي من عند الله قبل رزقكم أنتم، فلا تخشوا الفقر وتقتلوا أولادكم؛ لأن الحق سبحانه وتعالى سيرزقهم، فلن يصيبكم الفقر بسبب الأولاد.

وهكذا نرى أن معنى الآيتين مختلف تماماً وليس هناك تكرار.

كذلك في الآية التي نحن بصددها، يقول بعض الناس: إن هذه الآية قد وردت في نفس السورة، نقول لهم: نعم.

ولكن هذه لها معنى والأخرى لها معنى آخر؛ فأين الاختلاف في الآيتين؛ حتى نعرف أنهما ليستا مكررتين؟

الآية الأولى تقول: (فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) (التوبة: 55).

والآية الثانية التي نحن بصددها تقول: (وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) (التوبة: 85).

أول اختلاف نجده في بداية الآيتين؛ ففي الآية الأولى: (فَلاَ تُعْجِبْك)، والثانية: (وَلاَ تُعْجِبْكَ).

ففي الآية الأولى جاء الحق سبحانه وتعالى بالفاء، والفاء تقتضي الترتيب.

إذن: فهذه الآية مترتبة على ما قبلها، وهي قوله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلٰوةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) (التوبة: 54).

فكأن هذه حيثيات كفرهم؛ فهم لا يُصلُّون إلا نفاقاً، ولا ينفقون مالاً في سبيل الله إلا وهم يكرهون ذلك.

والمتعة في المال أن تنفقه فيما تحب، فإذا أحببت طعاماً اشتريته، وإذا أحببت ثوباً ابتعته.

وتكون في هذه الحالة مسروراً وأنت تنفق مالك، ولكن هؤلاء ينفقون المال وهم كارهون.

والمؤمن عندما ينفق ماله في صدقة أو زكاة فهو يفعل ذلك إيماناً منه بأن الله سبحانه وتعالى سيعطيه أضعاف أضعاف الأجر في الدنيا والآخرة.

إذن: فحين ينفق المؤمن ماله في الزكاة، يكون فرحاً لأنه عمل لدنياه ولآخرته.

 أما المنافق الذي يضمر الكفر في قلبه، فهو لا يؤمن بالآخرة ولا يعرف البركة في الرزق، فكأنه أنفق ماله دون أن يحصل على شيء، أي: أن المسألة في نظره خسارة في المال ولا شيء غير ذلك.

وإن أنفق الإنسان وهو كاره، فالمال الموجود لديه هو ذلة وتعب؛ لأنه حصل على المال بعد عمل ومشقة، ثم ينفقه وهو لا يؤمن بآخرة ولا بجزاء.

ويريد الحق سبحانه أن يلفتنا إلى أن رزقه لهؤلاء الناس هو سبب في شقائهم وإذلالهم في الدنيا فيجعلهم يجمعون المال بعمل وتعب ثم ينفقونه بلا ثواب، أي: يخسرونه.

والواحد منهم يذهب إلى الحرب نفاقاً، فينفق على سلاحه وراحلته، ولا يأخذ ثواباً، ويُربِّي أولاده ثم تأتي الحرب، فيذهبون نفاقاً للقتال؛ فيموتون دون استشهاد إن كانوا منافقين مثل آبائهم.

وهكذا نجد أن كل أموال المنافق الذي يتظاهر بالإسلام، وهو كافر، تكون حسرة عليه.

ومن هنا فإياك أيها المؤمن أن تعجبك أموالهم؛ لأنها ذلة لهم في الدنيا؛ فهم يبذلونها نفاقاً؛ فإذا امتنعوا عن الإنفاق وعن الجهاد وهم يتظاهرون بالإسلام؛ فكأنهم قد أعلنوا أنهم منافقون، وهكذا نجد إنفاقهم كرهاً هو إذلال لهم، وإن لم ينفقوا فهذا أمر يفضحهم، فكأن الأموال والأولاد عذاب لهم، وهذا أمر لا يقتضي الإعجاب، وإنما يقتضي الإشفاق عليهم.

ولا تظن أنك حين حذفتهم من ديوان الغُزاة والمجاهدين بعدم الخروج معك وأنهم لن يقاتلوا معك عدوّاً، أن في أموالهم عوضاً عن الخروج، فلا تعجبك فإنها عقاب وفضيحة وإذلال لهم.

ولكن في الآية الأولى، يقول الحق سبحانه: (فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ) لماذا؟

لأن منهم من له مال يعتز به، ومنهم من له أولاد كثيرون هم عِزْوته، ومنهم من له المال والولد.

 إذن: فهم مختلفون في أحوالهم؛ لذلك جاء القول: (أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ) لتؤدي المعاني كلها.

ولتشمل من عنده مال فقط، ومن عنده أولاد فقط، ومن عنده المال والولد.

 أما في الآية الثانية التي نحن بصددها: (وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) إذن: فالحقُّ سبحانه وتعالى قد أعطاهم المال والولد للعذاب.

ولكن هناك من يقول: ما دام الحق يريد تعذيبهم بالأموال والأولاد، فهل المال والأولاد علة للعذاب؟

وهل لأفعال الله علّة؟

ألا يقول المسلمون: إن أفعال الله لا علة لها؛ ونقول: لقد قالوا مثل ذلك القول في قوله الحق: (وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56).

ولم يلتفتوا إلى أن العلة في الخلق لا تعود إلى الله، ولكنها علة ترجع للمخلوق؛ لأن في العبادة مصلحة ومنفعة للمخلوق.

فسبب الخلق هو العبادة، وهذا السبب ليس راجعاً إلى الخالق ولا تعود على الله أدنى منفعة، فلا شيء يزيد في ملكه ولا شيء ينقصه.

أو هي لام العاقبة.

ومعنى "لام العاقبة" أن تفعل شيئاً فتأتي العاقبة بغير ما قصدت مصداقاً لقوله الحق: (فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً) (القصص: 8).

هل التقط آل فرعون موسى ليكون لهم عدوّاً؟

أم التقطوه ليكون لهم قرة عين؟      

لقد التقطوه ليكون قرة عَيْن لهم، ولكن النهاية جاءت بغير ما قصدوا؛ فأصبح الذي التقطوه ليكون وليّاً ونصيراً لهم هو الذي جاءت على يديه نهايتهم، ولو كان فرعون يعلم الغيب لما التقط موسى بل لَقَتله، وشاء الحق أن يخفي عنه الغيب ليقوم هو بتربية من سيقضي على مُلكه، تماماً كما تُدخل ابنك إلى المدرسة فيفشل، وتنفق عليه فلا يتخرج، هل أنت أدخلته المدرسة ليخيب؟

طبعاً لا.

 كذلك قول الحق سبحانه وتعالى: (لِيُعَذِّبَهُمْ) ويريدنا الله أن نفهم أن العذاب ليس هو سبب جمعهم المال، وإنما السبب هو في ذلك هو حُبُّهم للمال والمتعة، وكذلك الأولاد ليس الهدف منهم أن يكونوا سبباً في عذاب آبائهم، بل هم يريدون الأولاد عِزْوة لهم.

ولكن الحق سبحانه وتعالى شاء أن يعذبهم بالمال والأبناء في الدنيا.

فالمال يجمعه المنافق من حلال ومن حرام، ثم بعد ذلك إما أن يفارقه المال بكارثة تصيبه، وإما أن يفارق هو المال بالموت، وإما أن يكون هذا المال عذاباً له؛ فيعيش مع خشية الفقر وزوال النعمة، كذلك الأولاد يربيهم ويتعب في تربيتهم، ثم بعد ذلك إما أن يفارقوه بالموت، وإما أن يكبروا فاسدين؛ فيكونوا مصدر عذاب لهم.

 فكأن قول الحق سبحانه وتعالى: (فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) هو كلام من الحق سبحانه وتعالى للمؤمنين؛ لأن هؤلاء المنافقين قد يعطيهم الله الأموال والأولاد؛ ولكنها ليست خيراً لهم، بل هي عذاب لهم؛ لأنهم بإبطانهم الكفر وتظاهرهم بالإيمان؛ يفرضون على أنفسهم تكاليف تأخذ جزءاً من أموالهم وأولادهم، وحينئذ تكون عذاباً لهم لأنهم خسروا كل شيء ولم يكسبوا شيئاً، فليس لهم أجر على موت أبنائهم إن قتلوا، ولا أجر الزكاة والصدقة فيما ينفقونه رياء ونفاقاً.

 أما الآية الثانية: (وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) فهي حكم عام على من يعطيهم الله نعمة الدنيا ويكفرون به، وتكون هذه النعمة عليهم عذاباً، فهم في خوف من ضياع المال أو فقد الولد؛ لذلك يعانون من العذاب.

وهم من خوفهم من الموت وترك النعمة مُعذَّبون، فهم لا يريدون أن يموتوا لأنهم لا يعتقدون في الآخرة، ويكون المال والولد حسرة عليهم؛ لأن المؤمن إن مات منه ولد، علم أن افتقاد الابن إنما يسد طاقة جهنم، ويقوده إلى رحمة الله، وله أجر على ذلك، فإن كان الولد صغيراً كان ذخراً له في الآخرة، وإن كان كبيراً فهو يتذكر قول الحق: (وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم) (الطور: 21).

وفي هذا سلوى عن افتقاد الولد، لكن المنافق يحيا في خوف وحسرة.

وفي هذا عذاب.

ويلفتنا الحق سبحانه إلى أن مال الكافر هو حسرة عليه دائماً فيقول: (إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (الأنفال: 36).

أي أن الله سبحانه وتعالى يعاقب من ينفق لمحاربة دينه بأن يتركه ينفق، ثم ينصر الله دينه ليجعل ذلك حسرة في نفسه حين يرى المال الذي أنفقه وقد جاء بنتيجة عكسية هي انتصار الدين وانتشاره.

وقول الحق سبحانه وتعالى: (وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) وهذه هي الحسرة الكبرى، فحين يموت الكافر ولا يجد له رصيداً في الآخرة إلا النار؛ لأنه مات على غير يقين بالجنة وعلى غير يقين بأنه قد قدم شيئاً، يُلْقَى في النار محسوراً على ما تركه في الدنيا، ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل نقرأ قول الله: (وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ) (الأنفال: 50).

وهكذا يذوقون العذاب.

 ثم يعطينا الحق سبحانه وتعالى صورة أخرى للمنافقين في قوله: (وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ...).



سورة التوبة الآيات من 081-085 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة التوبة الآيات من 081-085
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة التوبة الآيات من 026-030
» سورة التوبة الآيات من 106-110
» سورة التوبة الآيات من 031-035
» سورة التوبة الآيات من 111-115
» سورة التوبة الآيات من 036-040

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: التوبة-
انتقل الى: