(2)
من أخطاء الحجيج
د. صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فلما كان للحج ثمرة عظيمة تتجلى في كون الله عز وجل جعله سبباً لتكفير السيئات ومغفرة الذنوب إذ قال -صلى الله عليه وسلم-: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، وقال: (الحج إلى الحج كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر).
ولما كانت صحة العبادة مبنية على الإخلاص لله تعالى واتباع نبيه -صلى الله عليه وسلم-؛ كان لزاماً على المسلم الحريص على أداء عباداته أن يراعي هذين الأصلين حق رعايتهما، حتى تكتمل له عبادته، قال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) "البينة: 5"، وقال: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) "الأحزاب: 21"، وقال: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) "الحشر: 7"، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة في هذا الشأن.
ولما كان الحج إلى بيت الله الحرام ركناً من أركان الإسلام الخمسة على القادر المستطيع، بينه -صلى الله عليه وسلم- بياناً شافياً بقوله وفعله وتقريره، وكان أصحابه رضي الله تعالى عنهم يرقبون نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، ليقتدوا به، اتباعاً لقوله: (خذوا عني مناسككم) "أخرجه مسلم".
ونقلوا إلينا ذلك أتم نقل وبينوه أكمل بيان، ومع هذا البيان والإيضاح كله جنح بعض الناس إلى مخالفة الهدي النبوي، إما بتفريط في فضيلة، أو بوقوع في بدعة ومعصية، وكان من أسباب ذلك: الجهل أو الاستحسان العقلي، أو تقليد غير أهل العلم الموثوق بعلمهم.
ولبيان شيء من تلك المخالفات التي يقع فيها كثير من الحجاج والمعتمرين.. يقول الشيخ صالح الفوزان مبيناً تلك الأخطاء والمخالفات.
الأخطاء في الإحرام
قال فضيلته:
1- بعض الحجاج القادمين عن طريق الجو يؤخرون الإحرام حتى ينزلوا في مطار جدة فيحرموا منه أو من دونه مما يلي مكة، وقد تجاوزوا الميقات الذي مروا به في طريقهم، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- في المواقيت: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)، فمن مر بالميقات الذي في طريقه أو حاذاه في الجو أو في الأرض، وهو يريد الحج والعمرة وجب عليه أن يحرم منه، فإن تجاوزه وأحرم من دونه أثم وترك واجباً من واجبات النسك يجبره بدم، وجدة ليست ميقاتاً لغير أهلها ومن نوى النسك منها.
2- بعض الحجاج إذا أحرموا أخذوا لهم صوراً تذكارية يحتفظون بها ويطلعون عليها أصدقاءهم ومعارفهم، وهذا خطأ من ناحيتين:
أولاً: أن التصوير في حد ذاته حرام ومعصية للأحاديث الواردة في تحريمه والوعيد عليه، والحاج في عبادة فلا يليق به أن يفتتح هذه العبادة بالمعصية.
ثانياً: أن هذا يدخل في الرياء؛لأن الحاج إذا أحب أن يطلع الناس عليه وعلى صورته وهو محرم، فإن هذا رياء والرياء يحبط العمل، وهو شرك أصغر وهو من صفات المنافقين.
3- يظن بعض الحجاج أنه يجب على الإنسان إذا أراد أن يحرم أن يحضر عنده كل ما يحتاجه من الحذاء والدراهم وسائر الأغراض، ولا يجوز له أن يستعمل الأشياء التي لم يحضرها عند الإحرام، وهذا خطأ كبير وجهل فظيع؛ لأنه لا يلزمه شيء من ذلك، ولا يحرم عليه أن يستعمل الحوائج التي لم يحضرها عند الإحرام، بل له أن يشتري ما يحتاج إلى شرائه، ويستعمل ما يحتاج إلى استعماله، وأن يغير ملابس الإحرام بمثلها، وأن يغير حذاءه بحذاء آخر، ولا يتجنب إلا محظورات الإحرام المعروفة.
4- بعض الرجال إذا أحرموا كشفوا أكتافهم على هيئة الاضطباع، وهذا غير مشروع إلا في حالة الطواف (طواف القدوم، أو طواف العمرة) وما عدا ذلك يكون الكتف مستوراً بالرداء في كل الحالات.
5- بعض النساء يعتقدن أن الإحرام يتخذ له لون خاص، كالأخضر مثلاً، وهذا خطأ؛ لأنه لا يتعين لون خاص للثوب الذي تلبسه المرأة في الإحرام، وإنما تحرم بثيابها العادية، إلا ثياب الزينة أو الثياب الضيقة، أو الشفافة، فلا يجوز لها لبسها لا في الإحرام ولا في غيره.
6- بعض النساء إذا أحرمن يضعن على رؤوسهن ما يشبه العمائم، أو الرافعات لأجل غطاء الوجه حتى لا يلامس الوجه، وهذا خطأ وتكلف لا داعي له ولا دليل عليه؛ لأن في حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النساء كن يغطين وجوههن عن الرجال وهن محرمات، ولم تذكر وضع عمامة أو رافع، فلا حرج في لمس الغطاء للوجه.
7- بعض النساء إذا مرت بالميقات تريد الحج أو العمرة وأصابها الحيض، قد لا تحرم ظناً منها أو من وليها أن الإحرام يشترط له الطهارة من الحيض، فتتجاوز الميقات بدون إحرام، وهذا خطأ واضح؛ لأن الحيض لا يمنع الإحرام، فالحائض تحرم وتفعل ما يفعل الحاج غير الطواف بالبيت، فإنها تؤخره إلى أن تطهر، كما وردت به السنة، وإذا أخرت الإحرام وتجاوزن الميقات بدونه، فإنها إن رجعت إلى الميقات وأحرمت منه، فلا شيء عليها، وإن أحرمت من دونه فعليها دم لترك الواجب عليها.
الأخطاء في الطواف
1- كثير من الحجاج يلتزم أدعية خاصة في الطواف يقرأها من مناسك، وقد يكون مجموعات منهم يتلقونها من قارئ يلقنهم إياها ويرددونها بصوت جماعي.
وهذا خطأ من ناحيتين.
الأولى: أنه التزم دعاء لم يرد التزامه في هذا الموطن؛ لأنه لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الطواف دعاء خاص.
الثانية: أن الدعاء الجماعي بدعة، وفيه تشويش على الطائفين، والمشروع أن يدعو كل شخص لنفسه بدون رفع صوته.
2- بعض الحجاج يقبل الركن اليماني، وهذا خطأ، لأن الركن اليماني يستلم باليد فقط ولا يقبل، وإنما يقبل الحجر الأسود، فالحجر الأسود يستلم ويقبل إن أمكن، أو يشار مع الزحمة إليه، والركن اليماني يستلم ولا يقبل ولا يشار غليه عند الزحمة، وبقية الأركان لا تستلم ولا تقبل.
3- بعض الناس يزاحم لاستلام الحجر الأسود وتقبيله، وهذا غير مشروع، لأن الزحام فيه مشقة شديدة وخطر على الإنسان وعلى غيره، وفيه فتنة بمزاحمة الرجال للنساء. والمشروع تقبيل الحجر واستلامه مع الإمكان، وإذا لم يتمكن أشار إليه بدون مزاحمة ومخاطرة وافتتان، والعبادات مبناها على اليسر والسهولة، لا سيما وأن استلام الحجر وتقبيله مستحب مع الإمكان، ومع عدم الإمكان تكفي الإشارة إليه، والمزاحمة قد يكون فيها ارتكاب محرمات، فكيف ترتكب محرماً لتحصيل سنة؟!