أخطاء تقع في رجب
خــــــالد سعد النجار
-------------------------
لقد صار شهر رجب في كثير من البلدان من أبرز المواسم البدعية بسبب تلك الشرذمة التي ألفت البدع وأنفت من عرض أفعالها على نصوص الشريعة وكلام أهل العلم، فهل لهم من عودة إلى نور الكتاب والسنة الصحيحة الذي هو أعظم السبل هداية لقلوب قاسية، وتفتيحاً لعيونٍ وآذانٍ عاشت في ظلمات البدع وتخبطات الجهل...
فضّل الله تعالى بعض الأيام والليالي والشهور على بعض، حسبما اقتضته حكمته البالغة؛ ليجدّ العباد في وجوه البِر، ويكثروا فيها من الأعمال الصالحة، ولكن شياطين الإنس والجن عملوا على صد الناس عن سواء السبيل، وقعدوا لهم كل مرصد؛ ليحولوا بينهم وبين الخير، فزينوا لطائفة من الناس أن مواسم الفضل والرحمة مجال للهو والراحة، وميدان لتعاطي اللذات والشهوات، وحرّضوا طوائف أخرى سواء أكانوا ممن قد يملكون نوايا طيبة ولكن غلب عليهم الجهل بأحكام الدين أو من ذوي المصالح والرياسات الدينية أو الدنيوية الخائفين على مصالحهم وزوال مواقعهم، حرضوهم على المبالغة في الاحتفال بمواسم الخير والسّنّة، بل واختلاق مواسم مبتدعة ما أنزل الله بها من سلطان.
ولما كان شأن البدعة عظيم، وأمر العبادة لا يسوغ من مجرد التقليد، وللزوم السنة والاتباع فضل من الله عظيم، ولخطورة البدع ما ظهر منها وما بطن، حذر الأئمة الأعلام من ضلالات الشيطان.
فيقول الإمام مالك: "مَن أحدث في هذه الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفُها فقد زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خان الدِّين".
ويقول سفيان الثوري: "البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يُتاب منها، والبدعة لا يُتاب منها".
وقال حسان بن عطية: "ما ابتدع قومٌ بدعة في دينهم إلا نزع اللهُ من سنتهم مثلها، ولا يُعيدها إليهم إلى يوم القيامة".
وقال أيوب السختياني: "ما ازداد صاحب بدعة اجتهاداً إلا زاد من الله بُعداً" [الحلية:6/ 73]
لقد صار شهر رجب في كثير من البلدان من أبرز المواسم البدعية بسبب تلك الشرذمة التي ألفت البدع وأنفت من عرض أفعالها على نصوص الشريعة وكلام أهل العلم، فهل لهم من عودة إلى نور الكتاب والسنة الصحيحة الذي هو أعظم السبل هداية لقلوب قاسية، وتفتيحاً لعيونٍ وآذانٍ عاشت في ظلمات البدع وتخبطات الجهل.
قال ابن حجر: "لم يَرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيءٍ منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه، حديثٌ صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذلك رويناه عن غيره" (تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب، لابن حجر، [ص: 6]، وانظر: السنن والمبتدعات للشقيري، [ص: 125]).
وقال أيضاً: "وأما الأحاديث الواردة في فضل رجب، أو في فضل صيامه،أو صيام شيء منه صريحة، فهي على قسمين: ضعيفة، وموضوعة، ونحن نسوق الضعيفة، ونشير إلى الموضوعة إشارة مفهمة" (المصدر السابق، [ص: 8])، ثم شرع في سوقها، وهو منشأ المثل الشائع عند العامة اليوم حيث يقولون: "لا يعجبه عجب، ولا الصيام في رجب" مما يوحى بشدة فضيلة ذلك، وهو ممَّا لا دليل عليه ولا أصل ثابت له.
صلاة الرغائب:
وردت صفتها في حديث موضوع عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من أحدٍ يصوم يوم الخميس (أول خميس من رجب) ثم يُصلي فيما بين العشاء والعتمة، يعني ليلة الجمعة، اثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة و: {إنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ} [القدر: 1] ثلاث مرات، و: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] اثنتي عشرة مرة، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، فإذا فرغ من صلاته صلى عليّ سبعين، ويقول في سجوده سبعين مرة: «سبوح قدوس رب الملائكة والروح»، ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت العزيز الأعظم، ثم يسجد الثانية فيقول مثل ما قال في السجدة الأولى، ثم يسأل الله تعالى حاجته، فإنها تقضى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، ما من عبدٍ ولا أَمَةٍ صلى هذه الصلاة إلا غفر اللهُ له جميع ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر وعدد الرمل ووزن الجبال وورق الأشجار، ويُشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممَّن قد استوجب النار" (انظر: إحياء علوم الدين، للغزالي، [1/ 202]، وتبيين العجب فيما ورد في فضل رجب، [ص: 22-24]).
وصلاة الرغائب شاعت بعد القرون المفضلة، وبخاصة في المائة الرابعة، وقد اختلقها بعض الكذابين، قال النووي: "هي بدعة قبيحة منكرة أشد إنكار، مشتملة على منكرات، فيتعين تركها والإعراض عنها، وإنكارها على فاعلها" (فتاوى الإمام النووي، [ص: 57]).
وقال ابن النحاس: "وهي بدعة والحديث الوارد فيها موضوع باتفاق المحدثين" (تنبيه الغافلين، [ص: 496]).
وقال ابن تيمية: "وأما صلاة الرغائب، فلا أصل لها؛ بل هي مُحدثة، فلا تُستحب، لا جماعة ولا فُرادى؛ فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام أو يوم الجمعة بصيام، والأثر الذي ذكر فيها كذب موضوع باتفاق العلماء، ولم يذكره أحدٌ من السلف والأئمة أصلاً" (الفتاوى لابن تيمية، [23/ 132]، الفتاوى لابن تيمية، [23/ 132]).
وقد أبان الطرطوشي بداية وضعها فقال: "وأخبرني أبو محمد المقدسي قال: لم يكن عندنا ببيت المقدس قط صلاة الرغائب هذه التي تُصلّى في رجب وشعبان، وأول ما حدثت عندنا في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، قَدِم علينا في بيت المقدس رجل من نابلس يُعرف بابن أبي الحمراء، وكان حسن التلاوة، فقام فصلى في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان"... إلى أن قال: "وأما صلاة رجب فلم تحدث عندنا في بيت المقدس إلا بعد سنة ثمانين وأربعمائة، وما كنا رأيناها ولا سمعنا بها قبل ذلك" (الحوادث والبدع، [ص:103]).
وقد جزم بوضع حديثها: "ابن الجوزي في الموضوعات، والحافظ أبو الخطاب، وأبو شامة" (انظر: الباعث على إنكار البدع والحوادث، [ص: 61 - 67])، كما جزم ببدعيتها: ابن الحاج (المدخل، [1/ 211]).
وقال العلامة ابن رجب: فلم يصح في شهر رجب صلاةٌ مخصوصة تختص به، والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح، وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء، وممن ذكر ذلك من أعيان العلماء المتأخرين من الحفاظ: أبو إسماعيل الأنصاري، وأبو بكر بن السمعاني، وأبو الفضل ابن ناصر، وأبو الفرج بن الجوزي.. وغيرهم، وإنما لم يذكرها المتقدمون لأنها أحدثت بعدهم، وأول ما ظهرت بعد الأربعمائة فلذلك لم يعرفها المتقدمون ولم يتكلموا فيها (لطائف المعارف ـ ابن رجب الحنبلي [ص: 207] ط المكتبة التوفيقية ـ مصر).
قال أبو شامة: وكم من إمام قال لي: إنه لا يصليها إلا حفظاً لقلوب العوام عليه، وتمسكاً بمسجده خوفاً من انتزاعه منه! وفي هذا دخول منهم في الصلاة بغير نية صحيحة، وامتهان الوقوف بين يدي الله تعالى، ولو لم يكن في هذه البدعة سوى هذا لكفى، وكل من آمن بهذه الصلاة أو حسنها فهو متسبب في ذلك، مغرٍ للعوام بما اعتقدوه منها، كاذبين على الشرع بسببها، ولو بُصِّروا وعُرِّفوا هذا سَنَةً بعد سَنَةٍ لأقعلوا عن ذلك وألغوه، لكن تزول رئاسة محبي البدع ومُحييّها، والله الموفق.
وقد كان الرؤساء من أهل الكتاب يمنعهم الإسلام خوف زوال رئاستهم، وفيهم نزل {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: 79] (الباعث على إنكار البدع والحوادث، [ص: 105]).
صيام رجب والاعتكاف فيه:
قال ابن رجب: "وأما الصيام: فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه" (لطائف المعارف ـ ابن رجب الحنبلي [ص: 207] ط المكتبة التوفيقية ـ مصر).
وقال ابن تيمية: "وأما صوم رجب بخصوصه: فأحاديثه كلها ضعيفة، بل موضوعة، لا يعتمد أهل العلم على شيء منها، وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل، بل عامتها من الموضوعات المكذوبات، وقد روى ابن ماجة في سننه، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صوم رجب، وفي إسناده نظر، لكن صح أن عمر بن الخطاب كان يضرب أيدي الناس؛ ليضعوا أيديهم في الطعام في رجب ويقول: "لا تشبهوه برمضان"، وفي رواية قال: "ما رجب؟ إن رجباً كان يعظمه أهل الجاهلية فلما كان الإسلام تُرِك"، وأما تخصيصها بالاعتكاف الثلاثة الأشهر: رجب، وشعبان، ورمضان فلا أعلم فيه أمراً؛ بل كل مَن صام صوماً مشروعاً وأراد أن يعتكف من صيامه، كان ذلك جائزاً بلا ريب، وإن اعتكف بدون الصيام ففيه قولان مشهوران لأهل العلم" (الفتاوى: [290/ 25 -292] بتصريف وزيادة يسيرة).
وعن أبي بكرة أنه رأى أهله يتهيئون لصيام رجب فقال لهم: "أجعلتم رجباً كرمضان وألقى السلال وكسر الكيزان"، وعن ابن عباس أنه كره أن يصام رجب كله، وعن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يريان أن يفطر منه أياماً، وقال الشافعي في (القديم): "أكره أن يتخذ الرجل صوم شهر يكمله كما يكمل رمضان" واحتج بحديث عائشة رضي الله عنها: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل شهراً قط إلا رمضان" (رواه البخاري [1969]، كتاب الصوم باب صوم شعبان) قال الشافعي: "وإنما كرهته أن لا يتأسى رجل جاهل فيظن أن ذلك واجب وإن فعل فحسن" (لطائف المعارف ـ ابن رجب الحنبلي [ص: 210]، ط المكتبة التوفيقية ـ مصر).
قال العلامة ابن رجب: "وتزول كراهة إفراد رجب بالصوم بأن يصوم معه شهراً آخر تطوعاً عند بعض أصحابنا، مثل أن يصوم الأشهر الحُرُم أو يصوم رجب وشعبان، وقد تقدم عن ابن عمر وغيره صيام الأشهر الحرم، والمنصوص عن أحمد أنه لا يصومه بتمامه إلا من صام الدهر، وروي عن ابن عمر ما يدل عليه فإنه بلغه أن قوما أنكروا عليه أنه حرم صوم رجب، فقال: كيف بمن يصوم الدهر؟ وهذا يدل على أنه لا يصام رجب إلا مع صوم الدهر" (المصدر السابق).
وكونه لم يرد في فضل صيام رجب بخصوصه شيء لا يعني أنه لا صيام تطوع فيه مما وردت النصوص عامة فيه وفي غيره، كالاثنين، والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر، وصيام يوم وإفطار آخر.
وإنما الذي يُكره كما ذكر الطرطوشي صومه على أحد ثلاثة أوجه:
1- إذا خصه المسلمون في كل عام حسب العوام ومن لا معرفة له بالشريعة، مع ظهور صيامه أنه فرض كرمضان.
2- اعتقاد أن صومه سنّة ثابتة خصه الرسول صلى الله عليه وسلم بالصوم كالسنن الراتبة.
3- اعتقاد أن الصوم فيه مخصوص بفضل ثواب على صيام سائر الشهور، وأنه جارٍ مجرى عاشوراء، وفضل آخر الليل على أوله في الصلاة، فيكون من باب الفضائل لا من باب السنن والفرائض، ولو كان كذلك لبينه النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله ولو مرة في العمر، ولما لم يفعل بطل كونه مخصوصاً بالفضل" (البدع والحوادث، [ص: 110-111]، وانظر (تبيين العجب..) لابن حجر، [ص: 37-38]).
الزكاة في رجب:
اعتاد بعض أهل البلدان تخصيص رجب بإخراج الزكاة، قال ابن رجب: "ولا أصل لذلك في السُنّة، ولا عُرِف عن أحد من السلف".
وبكل حال فإنما تجب الزكاة إذا تم الحول على النصاب، فكل أحدٍ له حول يخصه بحسب وقت ملكه للنصاب، فإذا تم حوله وجب عليه إخراج زكاته في أي شهر كان، ثم ذكر جواز تعجيل إخراج الزكاة لاغتنام زمان فاضل كرمضان، أو لاغتنام الصدقة على من لا يوجد مثله في الحاجة عند تمام الحول ونحو ذلك" (لطائف المعارف ـ ابن رجب الحنبلي [ص: 211]).
وقال ابن العطار: "وما يفعله الناس في هذه الأزمان من إخراج زكاة أموالهم في رجب دون غيره من الأزمان لا أصل له؛ بل حكم الشرع أنه يجب إخراج زكاة الأموال عند حولان حولها بشرطه سواء كان رجباً أو غيره" (المساجلة بين العز وابن الصلاح، [ص: 55]).
عمرة رجب:
يحرص بعض الناس على الاعتمار في رجب، اعتقاداً منهم أن للعمرة فيه مزيد مزية، وهذا لا أصل له، فقد روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمرات إحداهن في رجب، قالت: -أي عائشة-: "يرحم الله أبا عبد الرحمن، ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهِدُه، وما اعتمر في رجب قط" (صحيح البخاري، [ح/ 1776]).
قال ابن العطار: "ومما بلغني عن أهل مكة -زادها الله تشريفاً- اعتيادهم كثرة الاعتمار في رجب، وهذا مما لا أعلم له أصلاً" (المساجلة بين العز بن عبد السلام وابن الصلاح، [ص: 56]، وانظر: فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم، [6/ 131]).
وقد نص العلامة ابن باز: على أن "أفضل زمان تؤدى فيه العمرة: شهر رمضان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عمرة في رمضان تعدل حجة» (صحيح انظر حديث رقم: [4097] في صحيح الجامع)، ثم بعد ذلك: العمرة في ذي القعدة؛ لأن عُمَرَه صلى الله عليه وسلم كلها وقعت في ذي القعدة، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب من الآية: 21]" (انظر: فتاوى إسلامية، جمع الأستاذ/ محمد المسند، [2 /303-304]).
المصدر: موقع طريق الإسلام.