شروط التوبة:
إن للتوبة شروطاً لابد أن تتحقق حتى تتمَّ:
الإقلاع عن الذنب.
والندم بالقلب.
والعزم على عدم الأوب.
ورد المظالم إلى أهلها فيما يخص حقوق العباد.
وأن يكون في زمن قبول التوبة.
فمن عزم على التوبة، وطلب المغفرة، فعليه الإقلاع عن الذنب، وترك معاودته، والندم الصادق على ما بدر منه في حق الله، من انتهاك حرمته، وتجاوز حدوده، وأن يعزم بقلبه على أن لا يعود إليه أبدًا.
أما الإقلاع عن الذنب:
فلقوله تعالى {.. ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} [آل عمران 135].
زيادة ثم كيف يكون تائباً، وهو على الذنب ما يزال قائماً.
والندم:
تألم القلب عما حصل، وتحسره مما فعل، وتمنيه لو لم يكن ما عمل.
فإذا استشعر المذنب بهذا في قلبه، كان في توبته صدق، وفي ندمه إنابة.
قال -صلى الله عليه وسلم-: ((الندم توبة)) (1)
أما العزم على عدم الأوب:
فهو من تمام التوبة، وصدق صاحبها، فإن كان صادقا في توبته، مستشعرا إثم ذنبه.. عالما بعذاب ربه، لا يفكر بالعود إلى الذنب، بل يكره أن يعود فيه، قال -صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث من كن فيه فقد وجد بهن حلاوة الإيمان.. وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار)) (2)
وكذلك يجب على التائب من الذنوب أن يكره أن يعود إلى الذنب، كما يكره أن يعذبه الله لأجله في النار.
وإن كان الذنب يتعلق بالعباد، فعليه أن يرد المظلمة إلى أهلها، إن كانت مظلمة مادية، كأكل مال، أو اغتصاب حق، فإن لم يقدر، فعليه أن يتصدق بقيمته، ويكثر من الاستغفار لصاحبه، أو يطلب عفوهم.
وإن كانت المظلمة معنوية، كالغيبة والنميمة، وما شابه ذلك، فعليه: أن يطلب صفحهم، فإن لم يقدر على ذلك، أو كان إخبارهم يؤدي إلى مفسدة أكبر، فليكثر من الاستغفار والدعاء لهم.
----------------------------------------
(1) رواه أحمد (3568) وابن ماجه (4252) وغيرهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وصححه شيخنا الألباني في صحيح الجامع.
(2) رواه البخاري (16) ومسلم (43) وغيرهما عن أنس رضي الله عنه.
----------------------------------------
وأما زمن قبول التوبة:
فهو زمنان: زمن خاص وزمن عام..
أما الزمن الخاص:
فقبل أن تبلغ الروح الحلقوم، قال تعالى: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} [المؤمنون 99، 100].
وقال تعالى: {حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين . آلآن وقد عصيت وكنت من المفسدين . فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون} [يونس 90 - 92].
وقال -صلى الله عليه وسلم-:
(إن الله تعالى يقبل توبة العبد مالم يغرغر) رواه أحمد 3/ 425 والترمذي (3537) وابن ماجه (4253) عن ابن عمر وحسنه شيخنا الألباني في صحيح الجامع.
وأما الزمن العام:
فقبل أن تطلع الشمس من مغربها، قال تعالى: {يوم لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً} [الأنعام 158].
وقا ل -صلى الله عليه وسلم-:
(لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين: {لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا}) رواه البخاري (6506) ومسلم (157) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
المُعينات على التوبة:
لابد للراغب في التوبة من معينات تقلعه من ذنبه، وتدفعه للتوبة إلى ربه، حتى لا يستوحش الطريق بعد ترك الذنب، ولا ينتابه الحنين بالعود:
المعين الأول:
مصاحبة خشية الله، واللجوء إليه، واستشعار محبته، فإن ذلك يدفع إلى الطاعات، وينفر من المعصية.
المعين الثاني:
الأنس بالله، واطمئنان القلب بذلك، ويتحقق ذلك بالإكثار من ذكره، باللسان المتواطئ مع القلب.
{الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمأن القلوب} [الرعد 28].
المعين الثالث: العلم.
إن زيادة العلم بالله وكتابه وسنة رسوله وسيرة الأنبياء، ومسلك الصالحين، يزيد الإيمان، ويطرد الشيطان، ويعين على الإنابة إلى الرحمن، وكلما ازداد المرء علما ازداد خشية، قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر 28].
المعين الرابع: استحضار عذاب الله ونعيمه.
إن من استحضر عذاب الله وانتقامه ممن خالفه، واحتسب الأجر عنده لمن تاب إليه وأطاعه، ارتقى في سلم الطاعات، وتنزه عن دركات القاذورات.
{اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم} [المائدة 98].
وقال سبحانه: {إن أخذه أليم شديد} [هود 102].
وقال سبحانه:
{غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول} [غافر 3].
ومن لم يتعظ بهذه الآية، فبأي آية بعدها يتعظ؟!
فقد استفتحها الله بالغفران، وثناها بالقبول، وثلثها بأنه شديد العقاب..
{والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد} [الزمر 17].
المعين الخامس: الإكثار من الطاعات والأعمال الصالحة.
إن من أخطر ما يوسوس به الشيطان للمذنب: كيف تعبد الله وأنت عاص...؟! فدع الطاعة كي لا تكون منافقا، ويريد الشيطان بذلك أن يترك المذنب العبادة، ويستمر في ذنبه، لكي يقسو حينئذ قلبه، وقد لا يرجى بعد ذلك توبة.
وأما إذا استمر على الطاعات، وأقبل على الأعمال الصالحات، فيرجى له الخير ولو كان مذنباً، فكم من عمل خير كفَّر ذنباً، وكم من عبادة طهرت قلباً، وكم من آية أو حديث أحدث توبة..
قال تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات} [هود 114].
وقال سبحانه: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} [العنكبوت 69].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)) (1)
فحذار ثم حذار؛ أن تترك الطاعة، لأن عندك ذنباً.
المعين السادس: الصحبة الصالحة
من أعظم المعينات على الهداية، والثبات على الحق الصالحون.
وقد مضى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: {الجليس الصالح.. }
وقوله -صلى الله عليه وسلم-:
((المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) (2)
وقد قال بعض العلماء:
لقد أصاب كلب أصحاب الكهف خيراً، لصحبته الصالحين. (3)
المعين السابع: استحضار عواقب الذنوب في الدنيا والآخرة، وثمار التوبة والإنابة.
قال تعالى: {من يعمل سوءاً يُجز به.. } [النساء 123].
فلما نزلت هذه الآية اشتد ذلك على المسلمين، حتى قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: كيف الصلاح بعد هذه الآية.. فكل سوء عملناه جزينا به))؟ !
وفي رواية قال:
((ما أشد هذه الآية)).
وكان جواب النبي -صلى الله عليه وسلم-:
((المصائب والأمراض والأحزان في الدنيا جزاء)) (4).
فمن الناس مَنْ يُكَفَّرُ ذنبه في الدنيا بالابتلاء والمصائب، ومنهم مَنْ تُؤخَّر عقوبته إلى الآخرة، ومنهم مَنْ يُعذَّبُ في الدنيا والآخرة.
قال تعالى:
{فمَن يعمل مثقال ذرةٍ خيرًا يره . ومَن يعمل مثقال ذرةٍ شرًا يره} [الزلزلة 7].