3- حشد معالي الدكتور في كتابه هذا أموراً وأشياء كثيرة فيها نظر، وذكر فيه أحاديث لم يُبَيِّنْ درجتها، ولم يوثقها من دواوين السُّنَّةِ المُعتبرة.
والواجب عليه -كباحث يحمل أكبر درجة علمية- أن لا يُهمل ذلك؛ لأن القراء ينتظرون منه ومن أمثاله أن يقدم لهم بحثاً مستوفياً للجوانب العلمية والمعنوية.
ومما جاء في كتابه:
أ- أبيات (طلع البدر علينا)؛ قال عنها:
(هذا نشيد سمعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دون شك ولا ريب).
إلى أن قال: (وقد ارتفع هذا النشيد لأول مرة من حناجر المسلمين المهاجرين والأنصار منذ أكثر من أربعة عشر قرناً).
ونقول:
ما الذي يجعلك يا معالي الدكتور تجزم بسماع الرسول -صلى الله عليه وسلم- لهذا النشيد دون شك أو ريب؟
وما الذي يجعلك تجزم بنسبته إلى المهاجرين والأنصار؟ أين سندك في هذا؟
أيظن معاليكم أن القُرَّاءَ يقتنعون بمثل هذا الكلام دون تحقيق وتوثيق؟
كلا.
ب- في (ص 111) قال معالي الدكتور:
(وقد سُئِلَ -صلى الله عليه وسلم- عن سُنَّتِهِ؟ فقال: المعرفة رأسُ مالي، والحُبُّ أساسي، والشَّوق مركبي...) الخ.
ولا ندري من أين جاء الدكتور بهذا الحديث، فهو لم يذكر له سَنَداً، ولم يُعْزِهِ إلى كتاب، ولا تجوز النسبة إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- دون تثبُّتٍ؛ لأن ما يُـنْـسَب قد يكون مكذوباً على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيدخل تحت قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً؛ فليتبوَّأ مِقعَدَهُ من النار”.
6- في الكتاب مبالغات في حقه -صلى الله عليه وسلم- قد نهى عنها، حيث قال عليه الصلاة والسلام:
“لا تُـطْروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله” رواه البخاري وغيره.
ومن هذه المبالغات:
أ- ما جاء في (ص113):
(واجب على كل مؤمن متى ذَكَره أو ذُكِر عنده أن يخضع ويخشع... الخ).
ونقول تعقيباً على ذلك: أليس الخضوع والعبادة حق لله؟!
وكذلك الخضوع إذا كان القصد منه الخضوع بالجسم؛ فهو لا يكون إلا لله؛ لأنه سبحانه هو الذي يُرْكَع له ويُسْجَد، وإذا كان المُراد به الانقياد لطاعته؛ فالتعبير خطأ؛ لأنه مُوهِمٌ.
والمشروع عند ذكره -صلى الله عليه وسلم- هو الصلاة عليه، لا ما ذكره معالي الدكتور، وإن كان قد نقله عن غيره؛ فهو قد أقَرَّهُ.
ب- جاء في (ص208) قوله:
(ومما تجدر الإشارة إليه أنه -صلى الله عليه وسلم- أول الأنبياء خلقاً، وإن كان آخرهم مبعثاً).
هكذا قال! ولم يذكر له مستنداً ولا دليلاً!!
وهل هناك أحد من بني آدم يُخلق قبل خلق أبيه وأمِّهِ بآلاف السنين؟!
أليس نسل آدم كلهم من ماء مهين و (مَاءٍ دَافِقٍ* يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) ]الطارق: 6-7[؟!
كيف يُـخْـلَق محمد -صلى الله عليه وسلم- قبل الأنبياء، ثم يُـخْـلَق مرة ثانية، ويولد بعدما تزوَّج أبوه بأمِّهِ، وحملت به عن طريق انتقاله ماءً دافقاً من صُلْبِ أبيهِ إلى رَحِمِ أمِّهِ؛ كما هي سُنَّةُ اللهِ في بني آدم؟!
هل خُـلِقَ مرتين؟!
ويُصِرُّ الدكتور على هذه المقالة المُنكرة، حيث يقول في (ص211):
(ولقد أنكر بعض المُحْدَثين (يعني: المُعاصرين) من الغيورين على الإسلام أن يكون سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- خُـلِق قبل آدم عليه السلام... إلخ).
ويرد على هذا المُنْكِرِ بِرَدٍ لا طائل تحته.
ومعنى كلامه أن أكثر المُعاصرين موافقون له على هذه المقالة، أما السَّابقون؛ فلم يستثني منهم أحداً.
وهذا من التلبيس والمُجَازفة؛ فإن هذا القول لم يَقُلْ به أحَدٌ يُـعْـتَـدُّ به من الأمَّةِ لا قديماً ولا حديثاً.
وإذا كان محمد -صلى الله عليه وسلم- خُـلِق قبل آدم؛ فهو إذن ليس من بني آدم.
وأيضاً؛ لماذا تحتفلون بولادته وهو مخلوق قبل آدم؟!
هذا تناقض عجيب.
وليت الدكتور بدل أن يُقَدِّمَ للقُرَّاءِ مثل هذه المعلومات الخاطئة قَدَّمَ لهم معلومات صحيحة تُفيدهم وتنفعهم من الحَثِّ على الاقتداء بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، واتِّباعه، وترك ما نهى عنه وحَذّرَ من البدع، فذلك خيرٌ وأبقى.
هذا؛ وسيكون لي -إن شاء الله- مع هذا الكتاب جولة أخرى لمناقشته، وليس لي قصد من وراء ذلك إلا بيان الحق والنصيحة.
والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل.
* * *
المصدر:
موقع صيد الفوائد
جزاهم الله خير الجزاء