الحَكَمْ بين المسلمين في الاحتفال بمولد سيد المرسلين
تأليف: محمد بن أحمد بن محمد العماري
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
[1]
الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم الحمد لله الذي خلق الإنسان علمه البيان والصلاة والسلام على الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
أما بعد
فقد اختلف المسلمون في حكم الإحتفال بمولد نبيهم -صلى الله عليه وسلم- فمنهم من أجازه بدعوى أن الله شرعه وأمر به.
ومنهم من حَرَّمَهُ بدعوى أن الله لم يشرعه ولم يأمر به.
وقد أمر الله المسلمين إذا اختلفوا في شيءٍ أن يتحاكموا إلى كتاب الله وسُنَّةِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قَالَ تَعَالَى:
{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10].
وقَالَ تَعَالَى:
{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59].
وأمرهم بالتحاكم إلى الكتاب والسُّنَّةِ والرِّضا والتسليم إذا كان الحكم عليهم أولهم.
قَالَ تَعَالَى:
{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} [النساء: 65].
[2]
ومدح المسلمين الذين يتحاكمون إذا اختلفوا إلى كتاب الله وسُنَّةِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قَالَ تَعَالَى:
{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 51].
وسخر من المسلمين الذين يطلبون التحاكم إلى غير الكتاب والسُّنَّةِ عند اختلافهم.
قَالَ تَعَالَى:
{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50].
وقَالَ تَعَالَى:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً} [النساء: 60].
وقَالَ تَعَالَى:
{وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ} [النور: 48].
وأمر الحاكم أن يحكم بين المختلفين بكتاب الله وسُنَّةِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قَالَ تَعَالَى:
{وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 49].
[3]
وحذَّره من الحكم بغير الكتاب والسُّنَّةِ.
قَالَ تَعَالَى:
{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة45].
الحكم بين الطائفتين المؤمنتين بما أنزل رب العالمين.
أولاً:
بالرجوع إلى كتاب الله وسُنَّةِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجدت أن الله أمر جميع المسلمين باتباع الكتاب والسُّنَّةِ لمعرفة الله ودينه ونبيه.
قَالَ تَعَالَى:
{وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام: 155].
وقَالَ تَعَالَى:
{اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: ٣].
وقَالَ تَعَالَى:
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 31]
وضمن لهم إذا اتبعوا الكتاب والسُّنَّة أن لا يضلوا في معرفة ربهم ودينهم ونبيهم وأن لا يشقوا في آخرتهم.
قَالَ تَعَالَى:
{فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [سورة طه: ١٢٣].
وعن جابر -رضي الله عنه- قال سمعت: رسول الله يقول: (وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ) رواه مسلم.
[4]
وَعَنْ أَبِي هريرةَ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ) أخرجه مالك مُرسلاً والحاكم مُسنداً وصحَّحَهُ.
وليس في مُحكَم الكتاب والسُّنَّةِ أمر بالإحتفال بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى نتبعه.
ثانياَ:
وجدت أن الله أمر باتباع ما شرعه لمعرفة الله ودينه ونبيه.
قَالَ تَعَالَى:
{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا} [سورة الجاثية: ١٨].
ولم أجد الإحتفال بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- في المحكم مما شرعه الله حتى نتبعه.
ثالثاً:
وجدت أن الله أمر باتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قَالَ تَعَالَى:
{وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [سورة الأعراف: ١٥٨].
وَقَالَ تَعَالَى:
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة آل عمران: ٣١].
والنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر بالإحتفال بمولده حتى نمتثل له ولم يحتفل به حتى نتبعه وقد عاش بعده ثلاثاً وستين عاماً.
رابعاً:
وجدت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر باتباع سُنَّةَ الخلفاء الراشدين التي هي اتباع الوحي.
[5]
عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- (قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ). رواه أحمد حديث صحيح لذاته.
والخلفاء الراشدون لم يحتفلوا بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته ولا بعد وفاته حتى نتبع سنتهم.
خامساً:
وجدت أن الله حذَّر من اتباع غير سبيل المؤمنين وسبيلهم هو اتباع الوحي.
قَالَ تَعَالَى:
{وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} [النساء: ١١٥].
والمؤمنون من أصحابه وأهل بيته لم يحتفلوا بمولده -صلى الله عليه وسلم- في حياته ولا بعد وفاته حتى نتبع سبيلهم.
سادساً:
وجدت أن الله حذر من اتباع ما شرعه الناس لمعرفة الله ودينه ونبيه.
قَالَ تَعَالَى:
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [ الشورى: ٢١].
وقَالَ تَعَالَى:
{وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: ٤٩].