أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: ما الحكمة من خلق الله تعالى آدم عليه السلام على مراحل الأحد 27 مارس 2011, 12:13 am | |
| ما الحكمة من خلق الله تعالى آدم عليه السلام على مراحل مع قدرته على خلقه بكلمة "كن"؟
السؤال: كما هو معلوم بأن الله خلق كل شيء من العدم بكلمة واحدة وهي كلمة " كن "، فلماذا خلق آدم عليه السلام من صلصال ولم يخلقه من العدم بنفس الكلمة؟ لم أستطع فهم هذه المسألة فأرجو الشرح والتوضيح.
الجواب:
الحمد لله
أولاً: ما يوجد في القرآن الكريم من أن آدم عليه السلام خُلق من تراب ، أو من صلصال ، أو من طين : فإنما هي مراحل في خلقه ، وتُذكر كل مرحلة في مكانها المناسب في كتاب الله تعالى.
وأما ترتيب مراحل خلق الله سبحانه وتعالى لآدم : فإنها بدأت بـ " التراب " ، ثم أضيف إليه " الماء " فصار: " طيناً " ، ثم صار هذا الطين " حمأً مسنوناً " أي : أسود متغير ، فلما يبس هذا الطين -من غير أن تمسه النار- صار " صلصالاً "- والصلصال هو الطين اليابس لم تمسه نار، ثم نفخ الله سبحانه وتعالى، في مادة الخلق هذه من روحه، فصار هذا المخلوق بشراً، وهو آدم عليه السلام.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: إذا عرفت هذا فاعلم أن الله جل وعلا أوضح في كتابه أطوار هذا الطين الذي خلق منه آدم، فبين أنه أولاً تراب، بقوله: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ) آل عمران/59، وقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ) الحج/5 ، وقوله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) غافر/67، إلى غير ذلك من الآيات.
ثم أشار إلى أن ذلك التراب بُلَّ فصار طيناً يعلق بالأيدي في مواضع أخر، كقوله: (إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) الصافات/11، وقوله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ) المؤمنون/ 12، وقوله: (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِنْ طِينٍ) السجدة/7، إلى غير ذلك من الآيات.
وبيَّن أن ذلك الطين أسودَّ، وأنه متغير بقوله هنا: (حَمَأٍ مَسْنُونٍ).
وبيَّن أيضاً أنه يبس حتى صار صلصالاً، أي: تسمع له صلصلة من يبسه بقوله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ) الآية الحِجر/26، وقوله: (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) الرحمن/14، والعلم عند الله تعالى. "أضواء البيان" (2/274 ، 275).
ثانياً: مما لا شك فيه أن الله تعالى لا يُقَدِّرُ شيئاً ولا يخلقه ولا يشرعه إلا لِحكَم بالغة، فهو الحكيم سبحانه وتعالى، ومن صفاته الحكمة، لكنَّه تعالى لم يُطلع خلقه على حِكَم كل ما شاءه أو شرعه..
والشريعة تأتي بما تحار به العقول لا بما تحيله العقول، والعلماء حاولوا تلمس الحِكَم فيما لم يطلعهم ربهم تعالى على حِكَمته، فمنه ما استطاعوا الكلام فيه، ومنه ما عجزوا عنه، وفي كل الحالات سلَّموا الأمر لله تعالى أنه الحكيم في خلقه وشرعه، وإن كانت المسائل شرعية بادروا لفعل الأمر، والكف عن فعل النهي، وهذا هو مقتضى العبودية.
والمسلم يعتقد جازماً أن أمر الله تعالى للشيء مهما بلغت عظمته إذا أراد خلقه وإيجاده أن يقول له " كن " فيكون ، كما جاء ذلك في مثل قوله تعالى: (أَوَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ . إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) يس/81 ، 82.
وتأمل هاتين الآيتين فإنهما في سياق خلق السموات والأرض وخلق البشر، فليس يعجزه –سبحانه- خلق، فإذا شاء وجوده قال له "كن" فيكون، فإذا أخبرنا الخالق أنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام فلا شك أن في ذلك حكماً عظيمة -وينظر جواب السؤال رقم (20613)– وهكذا خلق أبينا آدم عليه السلام فهو قادر –سبحانه– أن يوجده بكلمة "كن"، لكنه تعالى شاء أن يخلقه في أطوار، ولا شك أن في ذلك حكماً جليلة.
ويمكن استنباط عدة حكم من ذلك: 1- أن الله تعالى خلقه من التراب والطين لإظهار عظيم قدرته. والمقصود من ذكر هذه الأشياء : التنبيه على عجيب صنع الله تعالى إذ أخرج من هذه الحالة المهينة نوعاً هو سيد أنواع عالم المادة ذات الحياة ." التحرير والتنوير " ( 14 / 42 ).
2- ولاختلاف حال الخلق اختلف أصل خلقتهم، فكان خلْقُه تعالى للملائكة من نور، وخلْقُه للشياطين من نار، وخلقه لآدم من تراب، ومنه يُعلم أنه لما كان حال أولئك الخلق مختلفاً: كان أصل خِلقتهم مختلفاً، فلما كان الملائكة للعبادة والتسبيح والطاعة: ناسب أن يكون خلقهم من نور، ولما كان حال الشياطين للوسوسة والكيد والفتنة: ناسب أن يكون خلقهم من نار، ولما كان الإنسان معمِّراً للأرض وفيه سهولة وليونة وصعوبة وشدة وطيب وخبث: ناسب أن يكون خلقه من مادة تحوي ذلك كله، فالنار شيء واحد، والنور شيء واحد، لكن التراب يختلف من مكان لآخر وهذا هو حال الإنسان، وهو ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ، جَاءَ مِنْهُمْ الأَحْمَرُ وَالأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ، وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَبَيْنَ ذَلِكَ) رواه الترمذي (2955) وأبو داود (4693) وصححه الترمذي والألباني في "صحيح الترمذي".
قال المباركفوري رحمه الله: قال الطيبي: لمَّا كانت الأوصاف الأربعة ظاهرة في الإنسان والأرض: أجريت على حقيقتها، وأُولت الأربعة الأخيرة لأنها من الأخلاق الباطنة، فإن المعنى بالسهل: الرفق واللين، وبالحزن: الخرق والعنف، وبالطيب الذي يعني به الأرض العذبة: المؤمن الذي هو نفع كله، وبالخبيث الذي يراد به الأرض السبخة: الكافر الذي هو ضر كله. " تحفة الأحوذي " ( 8 / 234 ).
3- ومن أعظم الحكَم: أن الله تعالى أراد تمييز آدم عن جميع خلقه بأن يخلقه بيده الكريمة مباشرة، وهذا لا يكون إذا كان خلقه من العدم، فالملائكة والجن مخلوقون من العدم، ولا يقال فيهم إنه خلقهم بيده، قال الله تعالى: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ) ص/75..
وعندما يأتي الناس إلى أبيهم آدم عليه السلام للشفاعة للفصل بين الناس يقولون: (يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ، أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا...) رواه البخاري (3162) ومسلم (194).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وإنما ذكروا ذلك له من النعَم التي خصه الله بها من بين المخلوقين دون التي شورك فيها، فهذا بيان واضح، دليل على فضله على سائر الخلق. " مجموع الفتاوى " (4/366).
ولمثل هذا الإكرام كان خلق آدم أعجب من خلق المسيح عليهما السلام . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكان خلْق آدم وحواء أعجب من خلق المسيح؛ فإن حواء خُلقت من ضلع آدم، وهذا أعجب من خلق المسيح في بطن مريم، وخلْق آدم أعجب من هذا وهذا، وهو أصل خلق حواء. " الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح " (4/55). وحكمة الله تعالى أعظم وأجل من أن تحيط بها عقول البشر.
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب |
|