أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: لا عدوى ولا هامة ولا صفر الأربعاء 17 أكتوبر 2018, 11:39 pm | |
| وتفصيل القول: إن مطلوبَ العبد إنْ كان من الأمور التي لا يقدِر عليها إلا اللهُ تعالى، مثل أن يطلب شفاءَ مريضه من الآدميين والبهائم، أو وفاءَ دَينه من غير جهة معينة، أو عافية أهله وما به من بلاء الدنيا والآخرة، وانتصاره على عدوه، وهداية قلبه، وغفران ذَنْبه، أو دخوله الجنة، أو نجاته من النار، أو أن يتعلم العلم والقرآن، أو أن يصلح قلبه ويحسن خُلقه، ويزكي نفسه، وأمثال ذلك - فهذه الأمور كلها لا يجوزُ أن تُطلَب إلا من الله تعالى، ولا يجوز أن يقول لملَكٍ ولا نبي ولا شيخ - سواء كان حيًّا أو ميتًا -: اغفر ذنبي، ولا: انصرني على عدوي، ولا: اشفِ مريضي، ولا: عافِني، أو عافِ أهلي أو دابتي، وما أشبهَ ذلك.
ومن سأل ذلك مخلوقًا كائنًا من كان، فهو مشرك بربِّه، مِن جنس المشركين الذين يعبدون الملائكة والأنبياء والتماثيل التي يصورونها على صورهم، ومن جنس دعاء النصارى للمسيح وأمِّه؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾ [المائدة: 116]، وقال تعالى: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31].
وأما ما يقدِرُ عليه العبد، فيجوز أن يطلب منه في بعض الأحوال دون بعض؛ فإن مسألةَ المخلوق قد تكون جائزةً، وقد تكون منهيًّا عنها؛ قال الله تعالى: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [الشرح: 7، 8]، وأوصى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم ابنَ عباس: ((إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنتَ فاستعِنْ بالله))، وأوصى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم طائفةً من أصحابه ألا يسأَلوا الناس شيئًا، فكان سوطُ أحدهم يسقُطُ من كفِّه، فلا يقول لأحد: ناوِلْني إياه.
وثبَت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((يدخل الجنةَ مِن أمتي سبعون ألفًا بغير حساب، وهم الذين لا يستَرْقُون، ولا يكتوون، ولا يتطيَّرون، وعلى ربِّهم يتوكلون))، والاسترقاء: طلبُ الرُّقية، وهو من أنواع الدعاء، ومع هذا فقد ثبَت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((ما مِن رجل يدعو له أخوه بظَهر الغيب دعوةً، إلا وكل اللهُ بها ملَكًا، كلما دعا لأخيه دعوة، قال الملَك: ولك مثل ذلك)).
ومن المشروع في الدعاء دعاء غائب لغائب؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاة عليه، وطلبِنا الوسيلة له، وأخبر بما لنا في ذلك من الأجر إذا دعَوْنا بذلك، فقال في الحديث: ((إذا سمعتم المؤذِّن، فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ؛ فإن من صلى عليَّ مرَّة، صلى الله عليه عشرًا، ثم اسألوا لي الوسيلة؛ فإنها درجة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكونَ أنا ذلك العبدَ؛ فمن سأل اللهَ لي الوسيلة، حلَّت له شفاعتي يوم القيامة)).
عن أم عطية رضي الله عنها قالت: "أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع البيعة ألا ننوح، قالت: فما وفت منا امرأةٌ إلا خمس: أم سليم، وأم العلاء، وابنة أبي سبرة امرأة معاذ، وامرأتان، أو ابنة أبي سبرة، وامرأة معاذ، وامرأة أخرى"؛ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
وعن أسيد بن أبي أسيد عن امرأة من المبايعات قالت: "كان فيما أخَذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعروفِ الذي أخذ علينا ألا نعصيَه فيه: ألا نخمش وجهًا، ولا ندعو وَيْلاً، ولا نشق جيبًا، ولا ننشر شعرًا"؛ أخرجه أبو داود.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا مَن لطَم الخدود، وشقَّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية))؛ رواه أحمد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، عن ابن مسعود.
قال المناوي في شرح الجامع الصغير: (ليس منا مَن لطم)، وفي رواية: ضرب (الخدود) عند المصيبة (وشق الجيوب) جَمَع الخدود والجيوب وإن لم يكن للإنسانِ إلا خدَّان وجيب واحد، باعتبار إرادة الجمع للتغليظ، والمراد بشقِّه إكمال فتحه، وهو علامة التسخُّط، (ودعا بدعوى الجاهلية)؛ أي: نادى بمثل ندائهم؛ واكهفاه، واجبلاه، واسنداه؛ فإنه حرام؛ انتهى.
وقال الحافظ في فتح الباري: قوله: (لطم الخدود) خص الخد بذلك؛ لكونه الغالب في ذلك، وإلا فضربُ بقية الوجه داخل في ذلك، قوله: (وشق الجيوب) جمع جيب بالجيم والموحدة، وهو ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس، والمراد بشقه: إكمال فتحه إلى آخره، وهو من علامات التسخُّط، قوله: (ودعا بدعوى الجاهلية) في رواية مسلم: (بدَعْوى أهل الجاهلية)؛ أي: من النياحة ونحوها، وكذا الندبة؛ كقولهم: واجبلاه، وكذا الدعاء بالويل والثبور؛ انتهى.
قال ابن عبدالبر في التمهيد: قد نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن النِّياحة، وحرَّمها، ولعَن النائحة والمستمعة، قالوا: وقد قال الله - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: 6]، وقال: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ ﴾ [طه: 132]؛ فواجب على كلِّ مسلم أن يعلِّم أهلَه ما بهم الحاجة إليه من أمر دينهم، ويأمرهم به، وواجب عليه أن ينهاهم عن كل ما لا يحل لهم، ويوقفهم عليه، ويمنعهم منه، ويعلِّمهم ذلك كله؛ لقول الله - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: 6]، قالوا: فإذا علِم الرجلُ المسلم ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النياحةِ على الميت، والنهي عنها، والتشديد فيها، ولم يَنْهَ عن ذلك أهلَه، ونِيحَ عليه بعد ذلك، فإنما يعذَّب بما نِيحَ عليه؛ لأنه لم يفعل ما أُمِر به من نهي أهله عن ذلك، وأمره إياهم بالكف عنه، وإذا كان ذلك كذلك، فإنما يعذَّبُ بفعل نفسه وذنبه لا بذنب غيره، وليس في ذلك ما يعارِضُ قولَ الله - عز وجل -: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [الأنعام: 164]؛ انتهى.
عن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموتَ بخمس وهو يقول: ((إني أبرأُ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، وإن الله قد اتَّخَذني خليلاً، كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذًا من أمتي خليلاً، لاتخذتُ أبا بكر خليلاً، ألا وإن مَن كان قبلكم كانوا يتخذون قبورَ أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألاَ فلا تتخذوا القبورَ مساجدَ، إني أنهاكم عن ذلك))؛ متفق عليه.
وعن شَقيق عن عبدالله قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن مِن شرار الناس مَن تُدرِكه الساعة وهم أحياء، ومَن يتخذ القبورَ مساجد))؛ رواه أحمد.
قال العلماء: إنما نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبرِه وقبر غيره مسجدًا؛ خوفًا من المبالغة في تعظيمِه، والافتتان به، فربما أدَّى ذلك إلى الكفر، كما جرى لكثيرٍ من الأمم الخالية، ولما احتاجت الصحابةُ رضوان الله عليهم أجمعين والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كثُر المسلمون، وامتدت الزيادةُ إلى أن دخلت بيوتُ أمهات المؤمنين فيه، ومنها حجرةُ عائشة رضي الله عنها مدفنُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، بنَوْا على القبر حيطانًا مرتفعة مستديرة حوله؛ لئلا يظهر في المسجد فيُصليَ إليه العوام، ويؤدي إلى المحذور، ثم بنَوْا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا؛ حتى لا يتمكن أحدٌ من استقبال القبر؛ ولهذا قال في الحديث: ولولا ذلك لأُبرِز قبرُه، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدًا، والله تعالى أعلمُ بالصواب.
وفي باب النهى عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، قال الإمام مسلم: عن عائشةَ أن أمَّ حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسةً رأَيْنَها بالحبشة فيها تصاوير، لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أولئك إذا كان فيهم الرجلُ الصالح فمات، بنَوْا على قبره مسجدًا، وصوَّروا فيه تلك الصور، أولئك شِرار الخَلْق عند الله يوم القيامة)).
وأما الذين جوَّزوا الذبائح والنذور، وأثبتوا فيهما الأجور، فيقال: إن كان الذبح والنذر على اسم فلان وفلان، فهو لغيرِ الله، فيكون باطلاً، وفي التنزيل: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ﴾ [الأنعام: 121]، قال أبو جعفر: يعني بقوله - جل ثناؤه -: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴾: لا تأكلوا - أيها المؤمنون - مما مات فلم تذبَحوه أنتم، أو يذبحه موحِّد يَدين لله بشرائع شرعها له في كتاب منزل؛ فإنه حرام عليكم، ولا ما أُهِلَّ به لغير الله مما ذبحه المشركون لأوثانهم؛ فإن أكلَ ذلك فِسقٌ، يعني: معصية كُفرٍ.
قال الحافظ ابن كثير: وحمل الشافعي الآية الكريمة: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ﴾ [الأنعام: 121] على ما ذُبِح لغير الله؛ كقوله تعالى: ﴿ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾ [الأنعام: 145].
وقال ابن جُرَيج، عن عطاء: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴾ [الأنعام: 121]، قال: ينهى عن ذبائحَ كانت تذبحها قريشٌ عن الأوثان، وينهى عن ذبائح المجوس، وهذا المسلك الذي طرَقه الإمامُ الشافعي - رحمه الله - قويٌّ.
وعن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جده أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا نَذْرَ إلا فيما يبتغى به وجه الله، ولا يمين في قطيعةِ رحِم))؛ رواه أبو داود.
وقال تعالى: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [يونس: 18].
يُنكِر تعالى على المشركين الذين عبَدوا مع الله غيره، ظانِّين أن تلك الآلهة تنفعهم شفاعتُها عند الله، فأخبر تعالى أنها لا تنفع ولا تضر، ولا تملِك شيئًا، ولا يقع شيء مما يزعمون فيها، ولا يكون هذا أبدًا؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [يونس: 18].
وقال ابن جَرير: معناه: أتُخبِرون اللهَ بما لا يكون في السموات ولا في الأرض؟ ثم نزَّه نفسه عن شِرْكهم وكفرهم، فقال: ﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [يونس: 18].
وقال: ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [الأنعام: 94].
قال الحافظُ ابن كثير: وقوله: ﴿ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ﴾ [الأنعام: 94]: تقريعٌ لهم، وتوبيخ على ما كانوا اتخذوا في الدار الدنيا من الأنداد والأصنام والأوثان، ظانِّين أن تلك تنفعهم في معاشِهم ومعادهم إن كان ثَمَّ مَعاد، فإذا كان يوم القيامة تقطَّعت الأسباب، وانزاح الضلال، وضلَّ عنهم ما كانوا يفترون، ويناديهم الربُّ - عز وجل - على رؤوس الخلائق: ﴿ أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [الأنعام: 22]، وقيل لهم: ﴿ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ ﴾ [الشعراء: 92، 93]؛ ولهذا قال ها هنا: ﴿ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ﴾ [الأنعام: 94]؛ أي: في العبادة، لهم فيكم قسط في استحقاقِ العبادة لهم.
ثم قال تعالى: ﴿ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ﴾ [الأنعام: 94] قُرِئ بالرفع؛ أي شملُكم، وقرئ بالنصب؛ أي: لقد انقطع ما بينكم من الوصلات والأسباب والوسائل، ﴿ وَضَلَّ عَنْكُمْ ﴾ [الأنعام: 94]؛ أي: وذهَب عنكم ﴿ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [الأنعام: 94] مِن رجاء الأصنام؛ كما قال: ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 166، 167]، وقال تعالى: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾ [المؤمنون: 101]، وقال: ﴿ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ [العنكبوت: 25]، وقال: ﴿ وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ ﴾ [القصص: 64]، وقال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ [الأنعام: 22 - 24]، والآيات في هذا كثيرة جدًّا؛ انتهى.
قال تعالى: ﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾ [الشعراء: 221 - 223].
قال - عز وجل -: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا ﴾ [الأنعام: 128].
قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44].
قال تعالى: ﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ * وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 45 - 47].
وعن مسروق، وعلقمة: أنهما سألا ابنَ مسعود عن الرِّشوة، فقال: هي السحت، قالا: في الحُكم؟ قال: ذاك الكفر! تم تلا هذه الآية: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44].
فأما من يقول: إن للأولياء تصرفاتٍ في حياتهم وبعد الممات، فيرده قوله تعالى: ﴿ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ﴾ [النمل: 60]، وقوله: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾ [الأعراف: 54]، وقوله تعالى: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الشورى: 49]، ونحوها من الآيات الدالة على أنه المتفرِّد بالخَلق والتدبير، والتصرُّف والتقدير، ولا شيء لغيره في شيءٍ ما بوجه من الوجوه؛ فالكل تحت مُلكه وقهره؛ تصرُّفًا وملكًا، وإحياءً وإماتةً وخَلقًا، وتمدَّحَ الربُّ تعالى بانفراده بملكه في آيات من كتابه؛ كقوله تعالى: ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ﴾[فاطر: 3]، وقوله: ﴿ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ [فاطر: 13، 14]، ثم قال: فقوله في الآيات كلها: ﴿ مِنْ دُونِهِ ﴾؛ أي: مِن غيره، فإنه عامٌّ يدخل فيه مَن اعتقدته من ولي وشيطان تستمده، فإن من لم يقدر على نصرِ نفسه، كيف يمد غيره؟! إلى أن قال: إن هذا لقول وخيم، وشرك عظيم، إلى أن قال: وأما القول بالتصرُّف بعد الممات، فهو أشنَعُ وأبدع من القول بالتصرُّف في الحياة؛ قال - جل ذكره -: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30]، وقال: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ [الزمر: 42]، وقال: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [آل عمران: 185]، وقال: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [المدثر: 38]، وفي الحديث: ((إذا مات ابنُ آدَمَ انقطَع عملُه إلا من ثلاث))؛ الحديث.
فجميعُ ذلك وما هو نحوه: دالٌّ على انقطاعِ الحسِّ والحركةِ من الميت، وأن أرواحَهم ممسَكة، وأن أعمالهم منقطعة عن زيادةٍ أو نقصان، فدل ذلك على أنه ليس للميت تصرُّفٌ في ذاته، فضلاً عن غيره، فإذا عجَز عن حركةِ نفسه، فكيف يتصرَّف في غيره؟! فالله سبحانه يخبِر أن الأرواحَ عنده، وهؤلاء الملحِدون يقولون: إن الأرواحَ مطلَقة متصرِّفة؛ ﴿ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 140].
قال: وأما اعتقادُهم أن هذه التصرفات لهم من الكرامات، فهو من المغالطة؛ لأن الكرامةَ شيء من عندِ الله يُكرِم به أولياءَه، لا قصد لهم فيه ولا تحدٍّ، ولا قدرة ولا عِلم، كما في قصة مريم بنت عمران رضي الله عنها، وأسيد بن حضير، وأبي مسلم الخولاني، قال: وأما قولهم: فيُستغاثُ بهم في الشدائد، فهذا أقبحُ مما قبله وأبدَعُ؛ لمصادمتِه قولَه - جل ذكره -: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ﴾ [النمل: 62]، وقال: ﴿ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 63، 64].
كتاب: اتباع مناهج أهل السنن والآثار .. شرح سواطع الأنوار لمعرفة عقيدة سيد الأبرار
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/73070/#ixzz5UE24ydKA
|
|