يقول سعد بن أبى وقاص -رضي الله عنه-:
كنت براً بأمي، فلما أسلمتُ قالت: يا سعد، ما هذا الدين الذي قد أحدثت؟ لتدعنَّ دينك هذا أو لا آكلُ ولا أشربُ حتى أموت، فتُعَيَّر بي، فيُقال: يا قاتل أمه، قلت: لا تفعلي يا أمَّه، إني لا أدع ديني هذا لشيء، فمكثت يوماً وليلة لا تأكل ولا تشرب، وأصبحت وقد جهدت، فلما رأيت ذلك، قلت: يا أمَّه تعلمين والله لو كان لك مائة نفس، فخرجت نفساً نفساً، ما تركت ديني، إن شئتِ فكلى أو لا تأكلي.. فلما رأت ذلك أكلت، فنقول لكل شاب، الله الله بالثبات، ودعوة الوالد بالتي هي أحسن.
3) رسالة إلى القائمين على الإعلام في بلاد الإسلام..
بأن يتقوا الله في شبابنا وأسرنا.. وأن ينتقوا من المواد الإعلامية ما يرسخ القيم التربوية الصحيحة في نفوس الناشئة.. ولا يعارض شريعة الله تعالى.
وهمسة في أذن كل أب.. وكل شاب بأن نقي أنفسنا وأهلينا هذه السهام.. سهامَ الشبهات والشهوات.. التي صوبت إلينا عبر المجلات والشاشات والشبكات. فلا نفتح بيوتنا للصوص الفضيلة.. وقطاع الطريق إلى الله.
إنه لابد من التحذير.. ولابد من التغيير.. (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله).
4) الفراغ قاتل..
فلابد من احتواء أوقات الشباب.. وملئها بالنشاطات المفيدة والنافعة.
وبلادنا المباركة تنعم بحمد الله بالعديد من الجهات التي تقدم البرامج والأنشطة للشباب كحلقات تحفيظ القرآن.. والمراكز الصيفية.. والمخيمات الشبابية. ولكن.. تبقى الحاجة ماسة إلى دعم وزيادة هذه الأنشطة المباركة، بل وحتى في أوقات الدراسة.. أدعو إلى دراسة إيجاد مراكزَ جادة للنشاط واستثمار أوقات الشباب.
5) الرفقة الرفقة..
أيها الشاب.. قل لي بربك: أي الفرقين تصاحب؟
هل تصاحب إخواناً صالحين.. يحبك الله بحبهم.. ويغفر لك بمجالستهم.. هم والله نعم العُدة.. في الرخاء والشدة.. تقتبس في الدنيا من علمهم وأدبهم.. وتظفر يوم القيامة بشفاعتهم..
قال تعالى:
(الإخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ).
هل تصاحب هؤلاء المتقين؟ أم تصاحب قوماً يحرقون ثياب استقامتك.. ويفسدون ريح كرامتك.. إذا كان الرخاء.. أطلقوا في وجهك الابتسامات الصفراء.. وإذا كانت الشدائد.. لم يصف لك منهم واحد.. وإذا كانت القيامة.. كانت الحسرة والندامة.
ثم أقول لكل أب ومربي.. ما دورك في هذا الجانب؟
وبعض الآباء يقول: (وانا وش اسوي؟ أحبس الولد في البيت؟)
فنقول: يا أخي نحن لا نطالبك أن تغلقَ على ولدك الأبواب.. ولا أن تفرضَ عليه العزلة عن الناس.. لكن بيدك أمورٌ كثيرةٌ نافعة بإذن الله.
أذكر بعضها بإيجاز: (أولاً)
أن يكون عندك معرفة صحيحة بشروط وصفات الرفقة الصالحة التي تريدها لولدك، كصفة الاستقامة والخيرية والاتزان.
(ثانياً)
ذكّر الولد دائماً منذ الصغر بأهمية الرفيق الصالح وخطر جليس السوء.
(ثالثاً)
هيء الجو لوجود الرفقة الصالحة، اختر السكن المناسب.. وانتق المدرسة الجيدة.. وأعد النظر في هاتين البيئتين -الحي والمدرسة- من وقت لآخر.
(رابعاً)
أشرك الولد في الأنشطة المفيدة كحلق تحفيظ القرآن والمكتبات الخيرية والمراكز الصيفية، بحيث يكتسب الولد منها الرفاق الصالحين.. ويسلم بإذن الله من الانحراف.
(خامساً)
المتابعة غير المباشرة، وتفقد رفقاء الولد.. مع تجنب التلقين المباشر أو الإلزام برفقاء من اختيار الأب.
(سادساً)
تشجيع الشاب المستقيم، وإكرام رفقته الصالحة وتقديرهم، كما كان عليه الصلاة والسلام وصحابته يختلطون بالشباب ويسلمون عليهم ويكرمونهم ويشركونهم في الأنشطة.
إن هذا الأمر له دور كبير في قوة واستمرار علاقة الولد بالصالحين.. وله دور آخر في زيادة تقبله واستجابته لوالده.
لكني أقول:
إن من المؤسف حقاً أن بعض الآباء قد يحول بين ولده وبين الاستقامة ومرافقة الصالحين.. ربما يكون الأب فاسداً لا يحب الدين وأهله، وربما يكون هند الأب بعض الأوهام حول المتدينين، (لا تروح مع المطاوعة أخاف إنهم إرهابيين)..
سبحان الله..
يعني لما خرج بعض الشباب الشذاذ بهذه الأفكار الإرهابية والأعمال التخريبية، ورفعوا بعض الشعارات الدينية المغلوطة، نأتي ونعمم الحكم على الكثرة الكاثرة من شبابنا، الذين نشهد الله أنهم بحمد الله على استقامة وصلاح وبُعد عن هذه الأفكار.. سبحان الله، ما لكم كيف تحكمون.
وقد وقفت على قصة مؤلمة لشاب عمره خمسة عشر عاماً، اسمه خالد.. كان هذا الشاب (كما أورد قصته صاحب كتاب الميلاد الجديد) يأتي إلى المسجد ويختلس النظرات إلى حلقة تحفيظ القرآن.. ثم يمضي.
مدرس الحلقة الأستاذ سلمان يقول:
تعجبت من حال هذا الشاب.. ثم عزمت على التحدُّث معه.. التقيت به وعرضت عليه أن يشارك إخوانه في الحلقة بالمسجد.. وافق على الفور.. لكنه كان متلعثماً.. مضت الأيام وخالد نشيط في الحفظ.. لم أنكر عليه إلا شروده وتفكيره الطويل.
وفي إحدى الليالي.. خرجنا في رحلة بحرية.. فرأيت خالداً جالساً على الشاطيء.. اقتربت منه فإذا هو يبكي.. سألته عن سبب بكائه.. فقال: إني أحبكم وأحب القرآن وأهله، لكن أبي دائماً يحذرني من مصاحبتكم.. إنه يكرهكم.. إنه يخوفني منكم.
لقد اكتشف أبي أني التحقت بالحلقة.. وفي تلك الليلة جلسنا على مائدة العشاء ففاجأني وقال: يا خالد، سمعت أنك تمشي مع المطاوعة.. انعقد لساني من الخوف.. ولم ينتظر مني جواباً، بل تناول إبريق الشاي ورماه بقوة على وجهي.. وقعت على الأرض.. حملتني أمي، فقال لها: اتركيه وإلا أصابك ما أصابه.
وبعد ذلك الموقف، كان أبي يضربني ويشتمني ويرميني بأي شيء يجده أمامه.. حتى امتلأ قلبي بالحقد عليه.
يقول الأستاذ سلمان:
سرت إلى منزل والد خالد للتحدث معه وإقناعه.. طرقت الباب.. فخرج أبو خالد.. وقبل أن أتكلم أمسك بثيابي وشدني إليه وقال: أنت المطوع الذي يدرس خالداً في المسجد.
قلت: نعم.
قال: والله لو رأيتك تمشي معه مرة أخرى كسرت رجلك.. ثم بصق في وجهي.. وأغلق الباب بقوة.
مرت الأيام وكان أبو خالد يمنعه من رؤيتنا وزيارتنا.. ثم انتقلت عائلته إلى الحي المجاور.
وبعد عدة سنوات.. صليت العشاء في المسجد فإذا بيد غليظة تمسك بكتفي من الخلف.. التفت فإذا بأبي خالد. سألته عن خالد.. فأخذ يبكي ويقول: أرجوك يا أستاذ سلمان لقد أصبح خالد شخصاً أخر غير الذي تعرفونه.. لقد كبر خالد وتعرَّف على شِلَّة فاسدة.. وبدأ بالتدخين معهم فشتمته وضربته دون جدوى.. كان يسهر معهم إلى الفجر حتى أوقعوه في الخمور والمخدرات.. لقد أصبح يشتمني بلسانه.. ويضربني بيده.. ويركلني برجله وأنا أبوه.. أرجوك يا أستاذ سلمان.. زوروه.. خذوه معكم.. لا تتركوه لرفقاء السوء.
قلت له والعبرة تكاد تخنقني:
يا عم.. ذاك زرعك.. وهذا حصادك.. ولكن دعني أحاول.
كان خالد يتهرب من مقابلتي.. حتى لقيته في أحد الشوارع.. ولما رآني عرفني على الفور.. وعرفته رغم تغيُّر بعض ملامح وجهه.. أمسكت بيده بقوة.. لم يتمالك كل واحد منا مشاعره.. فتعانقنا.. ثم انفجرنا بالبكاء.
أخذته إلى المنزل..وفتحت له أبواب الأمل.. ودعوته إلى التوبة النصوح.. أرجوك يا خالد.. تب إلى الله.. عد كما كنت.. لكنه قال: لا أستطيع يا أستاذ.. لا أستطيع.. لقد فات الأوان.. إنني الآن لا أصبر عن المخدرات.. لا أصبر عن النساء والشهوات.. فدعوني أسير في هذا الطريق.. حتى يقضيَ الله علي ما يشاء.
يقول الأستاذ:
مضت الأيام.. وفي إحدى الليالي خرجت لشراء دواء لأحد أطفالي من إحدى الصيدليات المجاورة.. مررت على منزل خالد.. فرأيت سيارات الشرطة عند المنزل.. توقفت ونزلت من سيارتي فإذا بأحد أخوة خالد يبكي على الباب.
سألته عن الخبر.. فقال إن خالداً عاد إلى المنزل قرب الفجر وكان مخموراً سكران.. فخرج إليه أبي وطرده عن الباب.. لكنه شتم أبي وحاول أن يمد يده عليه.. فقام أبي بضربه بعصا غليظةٍ على رأسه.. فاندفع خالد وأخرج سكيناً من جيبه وطعن بها أبي عدة طعنات.
يقول الأستاذ:
حُمِل الوالد إلى المستشفى، ومات هناك متأثراً بطعنات ولده.. وبعد موته خرجنا في جنازته.. ودفناه في قبره.. وبقي خالد في السجن.. يعض أصابع الندم.. ولات حين مندم.
( ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً، يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً ).
إنها مأساة.. وأي مأساة..
يوم أن يجني الوالد جزاء تفريطِه.. ومنعِه الخيرَ عن ولده.. إخواني، لست والله بشاعر، لكني كنت أتأمل هذه القصة المؤثرة فأخذتني المشاعر، وكتبت هذه الأبيات الخفيفة على لسان هذا الشاب.
أبي قتـلت شـبـابي
وفـيكَ كان مصـابي
ياحسـرتي وعـذابي
وبؤسَ قلبي الحَـزونِ
كنت الرجا في حياتي
والنورَ في الظـلمـاتِ
فكـان منك شتاتي
خيـبت كل ظنـوني
حرمتني من رفاقـي
أهلِ الضحى والعِتاق
ولم أزل في اشتياقي
ترنو إليـهم عـيوني
صحبتُ أهل الحرام
بخمـرة ومَــدامِ
وحبـةٍ وسـقـامِ
رأيت فيها جنـوني
يزداد في القلب همي
إذا ذكرتك أمـي
وبين لحمي وعظمي
نـار تذيب شجوني
أماه عفوك أرجـو
أشكو إليك وأشجو
علّي من النار أنجو
أمـاه فلتعذريـني
أنا الذي كنت أحيا
وزادني الذنب غيـاً
بالأمس في شر دنيا
فيا ضياع سنيـني
ختاماً، إني داعٍ فأمنوا بقلوب موقنة:
يا ربي، إني أسألك بأسمائك الحُسنى وصفاتك العُلى وباسمك الأعظم الذي إذا سُئِلْتَ به أعطيت وإذا دُعِيتَ به أجبت، أن تُصلح نِيَّاتِنَا وذُرياتنا.. وأن تحفظ شبابنا ونساءنا وأن تُنبتهم نباتاً حسناً، ربنا وتقبَّل دُعاء..
ربنا اجعلهم قرة عين في الحال والمآل.. واعصمنا وإياهم من الغي والضلال.. وجنِّبنا وإيَّاهم الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.. ربنا ثَبِّتْ مُهتديهم، ورُدَّ ضالهم إليك رَدًّا جميلاً، يا رب العالمين.
وصلِّ الله وسلِّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.