النساء والموضة والأزياء
إعداد: خالد بن عبد الرحمن السدلان
وراجعه وقدَّم له:
الدكتور: صالح بن غانم السدلان
غفر الله لهما ولوالديهما ولجميع المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الدكتور صالح بن غانم السدلان
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته واهتدى بهداه...
أما بعد:
فقد قام الأخ في الله: خالد بن عبد الرحمن الشايع بعرض بحثه علي، والموسوم بـ «النساء والموضة والأزياء» فألفيته بحثًا قيمًا يعالج قضايا الساعة بأسلوب سلس ومفهوم، وبعبارات أدبية مختارة، إلى جانب أنه يجمع بين ذكر الدَّاء ووصف الدَّواء، ويُلامس الواقع الذي تعيشه المرأة في دول منطقة الخليج، وهو أشبه ما يكون ببحث ميداني تطبيقي على الواقع الذي سبَّبَه الانفتاح على العالم وتخلّي كثرة من الناس عن أخلاقهم الإسلامية والتقليدية مما جعلنا أحوج ما نكون إلى نشر مثل هذا البحث الذي ينزل إلى مستوى تعامل المرأة المسلمة، فلعل أن يكون فيه انتشالاً لِمَنْ وقعت في حمأة الموضات من غير تمييز بين النافع منها والضار.
والله المسئول أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل إنه على كل شيء قدير.
حرر في 28/4/1412
من هجرة المصطفي -صلى الله عليه وسلم-
د. صالح بن غانم السدلان
أستاذ الدراسات العليا
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
مقدمة المُعِدّ
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وبعد.
أختي المسلمة:
أيتها الأخت المربية.. أيتها الأم الحاضنة؛ أنت مربية الأجيال، وأم القادة الأبطال، وزوج الصالحين الأبرار.. يا مسلمة: أنتِ مفخرة الزمان، وعنوان الطهر والنقاء، أنت طود شامخ يحفظ كيان المجتمع ويرعاه، فلكِ التقدير والاحترام أمًّا وزوجًا، ولك العطف والحنان أختًا وبنتًا، فالكريم من أكرمك، واللئيم من أهانك، هذه الفضائل وتلك المفاخر بمَ حُزْتِها؟ بجمالٍ؟ أم بمالٍ؟ أم بحسَبٍ أو شرفٍ؟ ليس بهذا، ولا بذاك تميزتِ عن بنات جنسك من بقية نساء الدنيا، وإنما حُزتِ تلك المكارم بانتسابك لهذا الدين الحنيف، دين الإسلام، الذي كفل لك طهرك وكرامتك وإنسانيتك، في حين فقد ذلك كله نساء الغرب والشرق من الكافرات.
أختي الكريمة:
أنت أمل هذه الأمة -بعد توفيق الله سبحانه- فعليك تعلق الآمال، وترتجى الخيرات، فبصلاحك يصلح المجتمع كله. وتسعد الأجيال المتلاحقة بإذن الله، وبانحرافك -لا قدر الله- ينهار كيان الأمة ويعمها الضلال.
لأجل هذا وذاك، دأب المفسدون في الأرض على التخطيط لإفسادك، وانحرافك، إنهم يهتفون لك بالموضات.. بالتحرر.. بالأزياء المتهتكة، بالفن والزينة المحرمة، وبكل ما يغري أنوثتك، ويستجيش مشاعرك نحو الحرام، ويشغل فكرك، بالأسماء البرّاقة، والكلمات المعسولة، وكلها شراك خبيثة، ومصائد مسمومة، تفتكُ بعفّتك، وتخدش حياءك، وتدنِّس عرضك، وتزعزع عقيدتك، ثم تذبح إنسانيتك، وبعد ذلك يلقى بك في أوحال الرذيلة، ومستنقعات الجريمة وهوة الدمار.
فاستيقظي -أختي المسلمة- وكوني على حذر، فلا يخدعنك زيف تلك الألقاب الجوفاء والأسماء الملمعة، والشهرة المصطنعة، فقد تندمين في ساعة لا ينفع فيها الندم.
ولما رأيت تلك البوابة الواسعة التي ولج منها أعداء المرأة في كل مكان؛ ألا وهي «الموضات» والأزياء المحرمة، ورأيت عظيم خبثهم ومكرهم، وانسياق بعض المتهورات في ركبهم- عزمت على تسطير هذه الكلمات؛ للبيان والتحذير، وللنصيحة والإعذار غيرة على أعراض المسلمين، وحرماتهم.
أختي الكريمة:
إن الأمل ليحدوني أن يتسع صدرُكِ إلى آخر كلمة تقرأينها عبر هذه الصفحات حول «الموضة» والأزياء وتوجهات النساء، وأنتِ بعد ذلك تقيمين الحكم بنفسكِ على واقعك، وواقع بنات جنسك، ثم تنظرين موضع الخير فتتوجهين لتطبيقه، وما كان من خطأ ستسعين فصلاحه في واقعك ومظهرك، وتصرفاتك، وأنتِ أهل لذلك؛ كيف لا وأنت الحرة الرشيدة صاحبة الفكر القويم، والرأي الحصيف بما حباكِ الله من سلامة الفطرة، وحسن الأخلاق، والقبول لما جاء عن الله تعالى: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة: 285].
لابد لجنس النساء من الزينة والحُلِي:
أختي المسلمة، اعلمي -رعاك الله- أن المرأة لا تنفك عن حاجتها للزينة، وملازمتها للحلي في مراحل عمرها منذ الصغر، فهذه جبلة خلقتها وأساس فطرتها، يقول الله عز وجل: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ) [الزخرف: 18].
قال العلماء:
المقصود بذلك النساء، فإن الواحدة منهن تتربى على تكميل نقصها بالحلي والزينة منذ طفولتها، فتنشأ على ذلك وتتربى. والآية دليل على إباحة الزينة للمرأة بما أحل الله.
وفي هذا يقول الشاعر :
وما الحلي إلا زينة من نقيصة
يتمم من حسن إذا الحسن قصرا
وأما إذا كان الجمال موقرا
كحسنك لم يحتج إلى أن يُزورا
ولكن -أختي الكريمة- إن لهذه الزينة ضوابط وحدودًا يلزم أن تراعى بحيث تكون منضبطة ضمن ما أحله الله، وأباحه، وسيأتيك بيان ذلك عبر هذه الوريقات التي بين يديك.
ولكن قبل بيان هذا الأمر، هنا سؤال مهم وصريح:
لماذا ولِمَنْ تتجمَّل المرأة؟
لا ريب أن المرأة قد جبلت على حب التزين، وهذا الأمر في حد ذاته لا مؤاخذة عليه أو عتاب، إذ إنه مسايرة لفطرتها، وإرضاء لأنوثتها، وإضافة لذلك فقد ثبت بعد الدراسة النفسية للمرأة ومزاجها أنها لا تتزين من أجل نفسها، ومن أجل جذب زوجها نحوها فقط، وإنما هي تتجمل وتتزين أيضًا بسبب نزعة نفسية دافعها حب الظهور في أفخر الأزياء وأحدثها؛ لكي تباهي وتفاخر بين صديقاتها ومعارفها من النساء؛ إذ إن لدى المرأة دافعًا قويًّا لانتزاع عبارات الإطراء من أفواه غيرها من النساء، عندما تكون وسطهن، وتحس بتلك النظرات التي يرمقنها بها، وهي مشوبة بالغيرة وربما الحسد.
وامرأة تصرف كل جهدها ووقتها ومالها واهتمامها في مطلب كهذا، لا شك أن لديها نوعًا من السذاجة وإحساسًا بالنقص والتبعية، على أن هذه النزعة تختلف من امرأة إلى أخرى، فالنساء لسن سواء، وأيضًا هناك أمور أخرى لها تأثيرها في مسلك المرأة، في طريقة اختيارها لملابسها وظهورها أمام الناس وفي مقدمة هذه العوامل المؤثرة مراقبة المرأة لربها وخشيتها له، فذات الدين تراعي رضا الله في كل تصرفاتها، فهي بعيدة عن لبس ما لا يرضي الله، أو أن تتزين بما جاءت الشريعة بالنهي عنه.
قال الله تعالى:
(فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) [النساء: 34].
ومن العوامل المؤثرة أيضًا في هذا الجانب الثقافة والتعليم، فالمرأة المتعلمة المثقفة ذات العقل الرزين أقل اهتمامًا بالأزياء الجديدة، والموضة الحديثة، وآخر الصيحات التي تظهر في طريقة تسريح الشعر، ووضع المكياج ونحو ذلك؛ لأنها تدرك أن هناك صفات أخرى كثيرة أهم من مظاهر تلك الموضات، وهي أيضًا تدرك أن في الحياة أشياء كثيرة أخرى، أهم بكثير في أعين بنات جنسها من مجرد التطلع إلي ملابسها وجمالها؛ فمدى حرصها على التعبد لربها وكذا أخلاقها، أهم لدى كل عاقل من ذلك كله، ولذا قال معلم البشرية -صلى الله عليه وسلم-: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك».
فذات الدين قد جمعت كل خلق سَوي وكل صفة كريمة، وإليها يطمئن الرجل في غيبته وحضوره، بل هي قرة العين، ومسكن الروح بصلاحها وهداها. قال -صلى الله عليه وسلم-: «الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة».
ولكن هذا لا يعني أن المرأة لا تكون صالحة ولا عاقلة إلا إذا عزفت عن مظاهر الزينة، كلا بل إن المرأة الحصيفة تأخذ حظها من الزينة والحلي، ولكن كل ذلك على هدى من دينها، ثم صائب رأيها، فذات الدين تحرص كل الحرص على أن يكون جمالها وزينتها قد بلغا الذروة أمام زوجها، كما جاء وصف الزوجة في الحديث الصحيح أن الزوج «إذا نظر إليها سرته»، وإذا ما كانت في مشهد من النساء فإنها تتجمل بقدر معقول، ويضفي وقارها وأدبها ومنطقها عليها حلل الجمال الحقيقية.
وأما تلك التي تتزين وتظهر هذه الزينة وذلك التجمل، إلى من لا يحل له أن يطلع عليه من الرجال؛ فقد أشاعت ما أسخطت به ربها، وهتكت سترها، ويخشى على امرأةٍ كتلك أن يجعل الله حياتها بئيسة كئيبة، وإن ملأ الناس أذنيها بعبارات الإطراء والإعجاب.
وفي «صحيح مسلم» عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «صنفان من أهل النار من أمتي لم آرهما -ذكر منهما- نساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا».
ما الهدف من ترويج مفهوم الموضات والأزياء؟
أختي المسلمة العفيفة، لقد استطعتِ بفضل من الله أن تغيظي أعداء الإسلام وأذنابهم؛ فحافظتِ -ولا زالتِ بحمد الله- على شرفكِ وعرضكِ، وعلى أجيال المسلمين من التدنس بوحل المدنية الزائفة، فصرتِ غُصَةً في حُلوقهم، ولا إخالك إلا مرددة تلك الأبيات التي تكتب بمداد من ذهب،..
وقد سطرتها امرأة فاضلة هي: «عائشة التيمورية» فقالت:
بيد العفاف أصون عز حجابي
وبعصمتي أعلو على أترابي
وبفكرة وقَّادة وقريحة
نقَّادة قد كملت آدابي
ما ضرَّني أدبي وحُسن تعلمي
إلا بكوني زهرة الألباب
ما عاقني خجلي عن العليا ولا
سدل الخمار بلمتي ونقابي
واقرأي ما فعله بنات جنسك من حنينهن لما فطرهن الله عليه؛ من حب الحشمة والستر، فقد قامت فرنسا من أجل القضاء على الإيمان والعفة والحياء الذي أوجده حب القرآن والسنة في قلوب المسلمين والمسلمات في الجزائر - قامت بتجربة عملية، فتم انتقاء عشر فتيات مسلمات جزائريات أدخلتهن الحكومة الفرنسية في المدارس الفرنسية، ولقنتهن الثقافة الفرنسية، وعلمتهن اللغة الفرنسية؛ فأصبحن كالفرنسيات تمامًا، وبعد أحد عشر عامًا من الجهود هيأت لهن حفلة تخرج مرتب لها، دُعي إليها الوزراء والمفكرون والصحافيون، ولما ابتدأت الحفلة فوجئ الجميع بالفتيات الجزائريات يدخلن بلباسهن الإسلامي المُحتشم، فثارت ثائرة الصحف الفرنسية، وتساءلت: «ماذا فعلت فرنسا في الجزائر إذن بعد مرور مائة وثمانية عشر عامًا؟!» أجاب «لاكوست» وزير المستعمرات الفرنسي: «وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا؟!».
أجل أختاه -أيتها الأمل- أنت بإيمانك أقوى من كل أولئك، ومن حذا حذوهم، وذهب يتجرع صديد أفكار الغرب، ثم رجع ليقيئه بيننا.
أيتها الأخت الكريمة:
لقد أيقن أعداء الإسلام أن إفسادك أفضل وسيلة يتوصلون بها لإفساد المجتمع المسلم، فهذه إحدى عباراتهم التي تبين تخطيطهم لك ولبنات جنسك، قالوا: «اكسبوا النساء أولاً والبقية تتلو»، وتقول إحدى الكافرات: «ليس هناك طريق أقصر مسافة لهدم الإسلام من إبعاد المرأة المسلمة، والفتاة المسلمة، عن آداب الإسلام وشرائعه».
لقد علم أعداؤنا أن من المستحيل أن يتوصلوا لما يصبون إليه؛ من إفساد المرأة المسلمة خلال أشهر، أو سنوات معدودة، فعمدوا إلى أسلوب ماكر وخبيث، يقوم في أساسه على التدرج، والتخطيط للمدى البعيد من الزمن، وارتكازه على إزالة حياء المرأة وتنفيرها من دينها، مع ملاحظة التدرج في كل ذلك، وعدم التصريح أو العرض المباشر.
وإليكِ أمثلة لما يصدر عن أعدائك، وأعداء المرأة على وجه العموم، فقد قالوا:
إذا أردتِ الرشاقة وخفة الحركة فعليكِ بالأزياء.. انتقي منها ما يناسبكِ، وما يظهر رشاقتكِ.. ينبغي أن تكوني جذابة فهكذا تكون المرأة المتحضرة..
تابعي صيحات الموضة.. فالممثلة المشهورة تلبس كذا، وفلانة تصفف شعرها وتقصه على تلك الطريقة.. أبرزي نفسك بقدر ما تستطيعين؛ لتحوزي على إعجاب غيرك، لينجذب إليك كل أحد.. لينجذب إليك فتى أحلامك، وشريك حياتك..
ثم تلبسوا بلبوس الأخلاق، فقالوا: كيف تحافظين على محبة زوجك؟ البسي كذا وافعلي كذا.. وهكذا، ثم صرحوا فقالوا: كيف تجذبين انتباه الرجل؟.. هذا فستان يكشف «مفاتن الصدر»، وهذا يكشف «مفاتن الظهر»، وهذا يكشف «مفاتن الساقين».
وقد كان الخُبث أعظم والمكر أكبر؛ فأغرقوا السوق بالمجلات النسائية، التي تعرض صور الموديلات الشرقية والغربية، وكذلك ما ابتلي به المسلمون والمسلمات من بث الفضائيات لمشاهد الفحش والعري، ومنها برامج الأزياء، التي أعدت إعدادًا ماكرًا لأمرٍ يراد، فتأتي تلك المسلمة المقلدة لتدفع للخياط بالموديل الذي تلبسه تلك الكافرة، أو الأخرى الفاسقة، من اللواتي يتاجرن بأعراضهن تحقيقًا لأهداف الصهيونية العالمية، وتريد المسلمة المسكينة أن تلبس مثله، فإن سلمت من الموديل المتبرج، لم تسلم غالبًا من التقليد والتشبه بتلك الكافرة.
قال الله تعالى:
(وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) [المائدة: 51]، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «من تشبه بقوم فهو منهم».
وهذه البلية كثر من يقع فيها من نساء المسلمين، حتى بعض المتمسكات بالدين منهن، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأنت ترين –أختي المسلمة– كيف أن الموديلات والأزياء المتهتكة أخذت في التوسع لدى النساء، ويدل على ذلك الكم الهائل من مجلات الأزياء الشرقية والغربية، في الأقمشة، وطرق لبسها، وتفصيلها، وفي العطور وقصات الشعر... إلخ.
وهكذا ما تعرضه القنوات الفضائية المفسدة من مناظر منحطة تحت مسمى الموضة.