قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.
يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب):"لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين)فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُمِصْرَعلى سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض،والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحيفيلسوف العمارة ومهندس الفقراء:هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية،وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول،اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن،ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كوروناغير المتوقعة للبشريةأنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباءفيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض..فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي"رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي(رحمه الله)قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني،وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.
موضوع: التفسير التربوي لسورة الدخان الجمعة 18 مايو 2018, 1:57 pm
التفسـير التـربوي لســورة الدخـــان د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري غفــر الله له ولوالديــه وللمسلمـــين
ســــــورة الدخــــــان سورة الدخان سورة مكية، لم يصح شيء مما ورد في فضل قراءتها عن نبينا -صلي الله عليه وسلم-.
وقد تناولت: 1- ذكر نزول القرآن، وإرسال الرسول -صلي الله عليه وسلم-. 2- ثم انتقلت لذكر ما لاقاه النبي -صلي الله عليه وسلم- من دعوة قومه. 3- ثم انتقلت للماضي فذكرت قصة فرعون وإغراقه، وأشارت لقصة قوم تبع. 4- ثم انتقلت لذكر المستقبل؛ واليوم الآخر من يوم الفصل، والنار، وما فيها من شجرة الزقوم، والجنة، وما فيها من النعيم.
﴿ حم ﴾ (1) حرفان من الحروف العربية التي بها أنزل اللهُ تعالى هذا القرآن العظيم.
﴿ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ (2) أقسم الله تعالى بالكتاب المبين لكل ما يحتاجه الإنسان؛ من بيان وإرشاد.
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ﴾ (3) جواب القسم، وكان إنزال القرآن في ليلة القدر إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم نزل به جبريل على النبي -صلي الله عليه وسلم- مفرقًا؛ لإنذار الناس وتذكيرهم بما ينفعهم وما يضرُّهم.
﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ (4) وفي هذه الليلة أيضًا يُفصَّل ويُبيَّن ويُفرَّق من اللوح المحفوظ إلى صُحف الملائكة ما سيحصل للناس في سنتهم من أرزاق وآجال وأقدار، ومن كل أمر مُحكم لا يُغير ولا يُبدل.
﴿ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ﴾ (5) أمراً شرعياً أو أمراً قدرياً أنزله الله تعالى في هذه الليلة المباركة، وأرسل به رسله.
ومن حكمة إنزال الكتاب وإرسال الرسول: ﴿ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ (6) 1- أن الله تعالى يرحم بذلك عباده في الدنيا والآخرة. 2- ولأنه سبحانه هو السميع لحاجاتهم العليم بما يصلحهم.
﴿ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ﴾ (7) 3- ولأنه سبحانه هو خالق الكون ومدبره والمتصرف فيه بما شاء عز وجل.
فمن أيقن بذلك لزمه اتباع الوحيين، وفاز بالسعادة في الدارين.
﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾ (8) وغاية إنزال الكتاب وإرسال الرسول تقرير حقيقة أنه لا معبود بحق إلا الله عز وجل..
فهــــو: 1- الذي يملك الإحياء والإماتة، وكل الخلق يموتون، فكيف يعبدون!. 2- وهو ربنا ورب من قبلنا، فكيف يكون من الخلق إلهٌ لقوم كانوا من قبله!.
﴿ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ ﴾ (9) فإذا كان المتعين بالإيقان بذلك، فعجب حال قوم كانت قلوبهم منه في شك، وجوارحهم تجاهه في لعب.
ثم توعدهم الله وتهددهم: ﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ﴾ (10) انتظر يا محمد يوم يأتي الدخان، واختلف في المراد بالدخان في هذه الآية على قولين: 1- قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: هو الدخان الذي تخيلته قريش لما دعا عليهم الرسول -صلي الله عليه وسلم- بالقحط، فأكلوا من شدة الجوع العظام والميتة، وتخيلوا أن السماء فوقهم كهيئة الدخان، فناشدوا الرسول -صلي الله عليه وسلم- بالرحم أن يدعو الله، فيكشفه عنهم، فدعا لهم الله، فلما كشفه الله عنهم عادوا للكفر؛ كما في الصحيحين، واختاره ابن جرير.
2- وقال علي وابن عباس -رضي الله عنهما-: هو الدخان الذي يكون من علامات الساعة آخر الزمان؛ كما في صحيح مسلم، فيتضرع الكافرون والمنافقون وقتها إلى الله أن يكشف عنهم العذاب، واختاره ابن كثير.
وإذا تابعنا سياق الآيات نجد أن الدخان وُصِف بثلاثة أوصاف: 1- مبين: أي واضح، وليس مجرد خيال، وهو يقوي القول الأول، ويحتمل أن المراد أنه مبين بحسب ما ظنته قريشٌ وقتها، فقد كان الرجل يكلمه الرجل، فيسمع صوته، ولا يراه من شدة الدخان.
﴿ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ (11) 2- والصفة الثانية: أن الدخان يشمل الناس ويحيط بهم، وهل ال في الناس للعموم، فتؤيد القول الثاني، أو للعهد، والمقصود بها كفار قريش؛ فتؤيد القول الأول، محتمل.
3- والثالثة: أن الدخان قد خلص وجعه إلى قلوب الناس، فوجدوا منه أشد الألم، فصاحوا: هذا عذاب أليم، وصاروا يستغيثون:
﴿ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ﴾ (12) ومن الذي يطلب ذلك؟، محتمل: 1- على القول الأول: أن الذي طلبه كفار قريش.
2- وعلى القول الثاني: يطلبه من تقوم عليهم الساعة، وقد رأوا طلوع الشمس من مغربها؛ فآمنوا، ولن ينفعهم وقتها إيمانهم.
وأي إيمانٍ هذا الذي جاء وقت رؤية العذاب: ﴿ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ﴾ (13) كيف ينفعهم التذكر والإيمان يومها!، وقد جاءتهم أعظم ذكرى؛ رسول مبين (هو محمد -صلي الله عليه وسلم-) ومعه الآيات العظيمة والقرآن الكريم فلم يؤمنوا به، بل كان موقفهم:
2- واتهموه بألسنتهم بأنه: أ- يُعلّمه هذا القرآن بشرٌ. ب- وأنه مجنون؛ لا يعقل، وهذا من تناقضهم، فكيف يكون متعلمًا ومجنونًا في ذات الوقت!.
وهذا السياق يؤكد أن المراد بالدخان ما ذكره ابن مسعود -رضي الله عنه-؛ لأن هذا إنما كان صنيع قريش برسولنا -صلي الله عليه وسلم-.
﴿ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ﴾ (15) وهذا الذي جرى من قريش، فبعد أن كشف الله تعالى عنهم العذاب عادوا لكفرهم، وهو حال المعرضين في كل أمة؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾، فكشفه الله عنهم قليلًا لإقامة الحجة عليهم، وأخبر أنهم سيعودون لكفرهم.
﴿ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ ﴾ (16) 1- قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: يوم البطشة الكبرى يوم بدر؛ لأن الخطاب لقريش. 2- وقال ابن عباس -رضي الله عنه-: هو يوم القيامة، والأقرب الأول؛ لما اخترناه أن السياق كله لقريش.
﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ ﴾ (17) ونحو هذا الاختبار الذي اختبر الله به كفار قريش وقع نحوه لفرعون وقومه، فاختبرهم الله بالطوفان، والجراد، والقمّل، والضفادع، والدم، فدعوا الله وأعلنوا الإيمان، فلما كشفها الله عنهم عادوا لكفرهم، فانتقم الله منهم ببطشة كبرى؛ كما قال تعالى: (فأهلكنا أشد منهم بطشاً)، فصّلتها الآيات التالية:
﴿ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ (18) أرسل الله إليهم نبيًا كريمًا، أمينًا في إبلاغ رسالة الله تعالى؛ هو موسى عليه السلام..
فدعاهم إلى أمرين: 1- أن يرسلوا معه قومه بني إسرائيل الذين استعبدوهم ظلمًا، وهم عباد لله، ليس لفرعون وقومه عليهم عبودية؛ كما في قال تعالى: (أن أرسل معنا بني إسرائيل).
﴿ وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴾ (19) 2- أن أطيعوا الله تعالى، وآمنوا به، ولا تتكبروا عن طاعته، وتستكبروا على عباده.
ومع أمانة هذا الرسول وحسن خلقه، فمعه من الآيات والحجج الظاهرة الواضحة ما يدعوهم لاتباعه.
﴿ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ﴾ (20) ومعه كذلك الحفظ من الله تعالى، فلا تستطيعون أن تقتلوه أو ترجموه بالحجارة، كيف وقد استعاذ بربه فأعاذه سبحانه.
كما قال تعالى: ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا﴾ وفي الآية الأخرى (وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا﴾.
وإن كان الله حمى موسى عليه السلام وهو في المهد، ورباه في حجر عدوه، فكيف لا يحميه بعد أن جعله رسولاً!
﴿ وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ ﴾ (21) ولكم مع دعوتي ثلاث مراتب: 1- الإيمان بي، وهو مقصود دعوتي. 2- تركي أدعو إلى الله، ومسالمتي، فلا تتعرضوا لي. 3- أو تُعادوني؛ فأدعو الله عليكم أن يهلككم.
﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ ﴾ (22) فأجرموا، وحاربوه، وظلموا اتباع دينه، فدعا الله عليهم؛ كما قال تعالى: (وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم. قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما).
﴿ فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ﴾ (23) فاستجاب الله له، وبدأت رحلة إهلاك فرعون وقومه: 1- أمر الله موسى أن يسرِ مع قومه عامة الليل، وأخبره أن فرعون وقومه سيتبعونهم.
﴿ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ ﴾ (24) 2- فرق الله لموسى وقومه البحر، وأمر موسى بعد أن نجا وقومه أن يترك البحر على هيئته؛ حتى يدخل فيه فرعون قومه، وأخبره أنه تعالى سيغرقهم فيه.
﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ﴾ (28) 4- انتقلت هذه النعم إلى القوم المستضعفين الذين آمنوا بالله، واتبعوا رسوله؛ كما قال تعالى: (وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ)، وقال: (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها).
﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ﴾ (29) 5- وكان فرعون وقومه أهون على الله من أن تبكي عليهم السماء والأرض، أو يبكي عليهم وعلى ذهاب مملكتهم أحد ممن هو فيهما؛ لحقارتهم وهوانهم عند الله، بل استبشر الكل بهلاكهم؛ لأنهم بكفرهم أحلوا على أنفسهم لعنة الله والمخلوقات أجمعين.
6- ولم يمهلوا، أو تؤخر عنهم العقوبة، بل عالجتهم بغتة؛ لشدة كفرهم وفسادهم.
ثم انتقلت الآيات إلى ذكر أهل النجاة والتكريم: ﴿ وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾ (30) فامتن الله على بني إسرائيل بنجاتين: 1- نجاهم الله تعالى من إهانة فرعون وإذلاله لهم، وتسخيره إياهم في الأعمال المهينة الشاقة.
فلأيّ شيء تفخر قريش بقوتها وغناها على النبي -صلي الله عليه وسلم- وأصحابه!: 1- هل تفخر بقوتها: وقد نجى الله بني إسرائيل المستضعفين في الأرض، وأهلك الطاغية فرعون المستكبر والمسرف في الأرض.
﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ (32) 2- أم هل تفخر بملكها: وقد أورث الله بني إسرائيل ملك فرعون، وقصوره.
3- أم هل تفخر بحسبها: وقد فضّل الله بني إسرائيل لما أطاعوا الله تعالى على أهل زمانهم، على علمٍ من الله تعالى باستحقاقهم لذلك الفضل.
﴿ وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ ﴾ (33) 4- أم هل تفخر بأمجاد آبائها: وقد أعطى الله بني إسرائيل من الحجج والبراهين وخوارق العادات ما فيه بلاءٌ مبين؛ أي نعمة ظاهرة؛ كقوله تعالى: (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً)...
ومن ذلك: أ- الشر الذي كفه عنه: كإنجائهم من الغرق، وفلق البحر لهم، وإغراق عدوهم وهم ينظرون.
ب- والخير الذي تفضل به عليهم: كتظليل الغمام، وإنزال المنّ والسلوى عليهم.
فهل تظن بعد ذلك قريشٌ أنها إن آمنت بالله عز وجل: ستتخطفها العرب، أو أنها تفتقر؛ لقطع الجلب عنهم!
وهل ستنكر قريش البعث بعد الموت؟، وقد علمت أن من الآيات التي تفضل الله بها على بني إسرائيل: إحياؤهم بعد إماتتهم: أ- حين طلبوا الرؤية؛ فأخذتهم الصاعقة. ب- وحين خرجوا من ديارهم - وهم ألوف - حذر الموت.
﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ ﴾ (34) فبأيّ حجة تجرأ كفار قريش الأذلاء الأقلاء على الله تعالى بقولهم:
﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ ﴾ (35) ليست هناك حياة إلا هذه الحياة الدنيا، وليس هناك حياة أخرى ولا نشر ولا بعث بعد الموت، ويستدلون على ذلك تنطعًا بقولهم:
﴿ فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ (36) ما لنا لا نرى آباءنا الذين ماتوا يرجعون للدنيا، ابعثوا لنا قصي بن كلاب وبقية آبائنا نسألهم عن أحوال الآخرة والبعث بعد الموت؛ إن كان ذلك حقًا!.
﴿ أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ (37) ولم يجبهم الله لذلك؛ لأنهم لو رأوا ذلك لم يؤمنوا به، بل: 1- هددهم الله تعالى، وذكرهم بمصرع من يعرفون خبرهم، من العرب القحطانيين الذين سكنوا معهم في الجزيرة العربية، وكان ملكهم عظيمًا؛ إنهم قوم تبع ملوك حمير في اليمن، لما عظم إجرامهم أهلكهم الله تعالى - كما في سورة سبأ - كما أهلك المجرمين من قبلهم، فهل هم خيرٌ في الدين والدنيا منهم!.
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴾ (38) 2- ثم أرشدهم الله تعالى إلى أن يحكّموا عقولهم: هل من الحكمة أن يخلق الله السموات والأرض وما بينهما عبثًا، ثم لا يثيب من أطاعه، أو يعاقب من عصاه؟.
﴿ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ (39) بل لم يخلقهما الله وما بينهما إلا لإقامة الحق وإظهاره، والعمل به، ولكن أكثر المشركين لا يعلمون أن الأمر كذلك؛ لذلك اجترؤوا على المعاصي والإفساد في الأرض.
لكن حكمة الله تعالى تقتضي أن يكون هناك يوم للفصل بين العباد:
﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ (40) إنه يوم القيامة ومن صفاته: 1- أنه يومٌ يجمع الله تعالى فيه الخلائق كلهم؛ أولهم وآخرهم، لا يتخلف منهم أحد، ثم يفصل بينهم، فيعذب الكافرين، ويثيب المؤمنين.
﴿ يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ (41) 2- وهو يومٌ لا ينفع فيه ولي ولا قريب صاحبه، ولا يتعاونون بينهم ليدفعوا عن أنفسهم الضر الذي نزل بهم؛ بل كما قال تعالى: (ولا يسأل حميم حميمًا. يبصرونهم)؛ أي: لا يسأل أخًا له عن حاله، وهو يراه أمامه عيانًا.
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ (42) إلا من استثنى سبحانه؛ من القريب المؤمن الذي يشفع لقريبه أو صاحبه بعد رحمة الله له ورضاه عنه، وهو سبحانه العزيز المنيع الذي لا يغلب، ولا يُنصر من أراد عذابه، وهو مع عزته سبحانه الرحيم الذي لا تمنع عزته أن يُكرم ويرحم.
ثم يعرض القرآن مشهدًا من مشاهد يوم الفصل؛ ليصور صورة من صور عذاب المعرضين يوم القيامة:
﴿ إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ ﴾ (43) إنها شجرة الزقوم: 1- شكلها مفزع: طلعها كأنه رؤوس الشياطين.
2- منبتها فضيع: تنبت من وسط نار الجحيم.
3- اسمها مخيف: سماها الله في القرآن الشجرة الملعونة.
﴿ طَعَامُ الْأَثِيمِ ﴾ (44) 4- طعامها: خبيث منتن، لو قطرت قطرة على الأرض لأفسدت على الناس معايشهم، فكيف بمن جعلها الله تعالى طعامهم؛ من الفجار الذين ارتكبوا الآثام؛ قولاً وفعلاً.
﴿ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ ﴾ (45) 5- حرارتها: كحرارة القطران والحديد الذائب من شدة الحرارة. 6- وفعلها وتخصصها في العذاب: أن تغلي في بطون المجرمين.
﴿ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ﴾ (46) كغليان الماء الذي تناهى حره بما يوقد تحته. وما الذي يحمل هذا الأثيم على أكل هذا الطعام، ومقاربة مكانه؟
إنه مقهور مدفوع مرغم على أكله: ﴿ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ ﴾ (47) 1- تأخذه ملائكة العذاب، وتسلسله بالسلاسل. 2- ثم تدفعه دفعًا عنيفًا من وراء ظهره، وتسوقه آخذة بمجامع ثوبه عند صدره.
إلى وسط النار الذي هو في غاية الاضطرام والتوقد، وهو موضع خروج الشجرة، التي هي طعامه.
﴿ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ﴾ (48) 3- ثم يضربه الملك بمطرقة تفتح دماغه، ثم يصب الحميم على رأسه فينزل في بدنه، فيسلت ما في بطنه من أمعائه، حتى تمرق من كعبيه. 4- فتحرق جلده وتشويه، وتكويه؛ ليجتمع لهم حر الظاهر بالحميم والباطن بالزقوم.
والسبب أنه كان في الدنيا يكذب رسل الله وكتبه، ويزعم أنه أعز الناس وأكرمهم، فناداه الله تهكمًا به:
﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ﴾ (49) أي كنت تزعم أنك وحدك دون المؤمنين العزيز الذي يَغلب ولا يُغلب، الكريم الذي جمع شرف الآباء وجود البذل، فذق يا من زعمت أنك عزيز ستمتنع من عذاب الله، وأنك كريم على الله لا يصيبك بعذاب، فاليوم تبين لك أنك أنت الذليل المهان الخسيس.
﴿ إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ ﴾ (50) إن هذا العذاب الذي تقاسونه هو الذي كان يعدكم به رسلكم، فكنتم تشكون وتكذبون به في الدنيا. ومن مشهد العتل والأخذ، والشيء والكوي، وأكل الزقوم، وشرب الحميم: إلى مشاهد المتقين الذين آمنوا بالله وصدقوا رسله..
فكم تاقت النفوس لتعرف ما لأضداد هؤلاء من التكريم: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ﴾ (51) جزاء الذين خافوا عذاب الله، واتقوا الكفر والمعاصي أن يجعلهم الله في موضع، وصفه الله بصفتين: 1- هو موضع إقامة، لا يريد الحال فيه تحولاً عنه. 2- وهو موضع أمن، أمنوا فيها من الموت، ومن الخروج، ومن كل هم وحزن ونصب، ومن الشيطان وكيده، ومن سائر الآفات والمصائب.
وما وصف هذا المكان؟ قال تعالى: ﴿ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ (52) 1- أشجار بديعة متلفة، تجن وتستر من دخل فيها، وهذا في مقابل ما للكفار من عذاب شجرة الزقوم. 2- وعيون، يفجرونها حيث شاءوا، وهذا في مقابل ما للكفار في النار من عذاب الحميم.
ولما تلذذ الباطن بلذة النظر، ولذة الأكل والشرب ذكر سبحانه نعيم الظاهر: ﴿ يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ (53)
وتلذذ الظاهر من جهتين: أ- فاللباس: ثياب من حرير خالص على نوعين: 1- سندس رقيق؛ لتكون بطانة لباسهم التي تمس أبدانهم ناعمة. 2- وإستبرق غليظ؛ لتكون ظاهرة لباسهم تحمل من النقوش والتطاريز الشيء البديع، الذي له بريق ولمعان، وقد سمي الإستبرق بذلك لشدة بريقه.
ب- والمجالس: فقد توزعوا على سرر مرفوعة، وأصبح كل منهم مقابلاً للآخر، ناظرًا إليه، لم يولِ واحدٌ منهم ظهره لصاحبه، ولم يدابره حسًا ولا معنى.
فإذا أرادوا النساء حالت الستور بينهم.
ولما كان هذا أمراً يبهر العقل، فلا يكاد يتصوره، قال تعالى مؤكداً له: ﴿ كَذَلِكَ ﴾ أي الأمر كما ذكرنا، لا مرية فيه.
ولهم مع هذا العطاء كذلك: مجالس مع أزواجهم، وقد وصفهن الله بصفتين: ﴿ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ﴾ (54) 1- أنها حوراء؛ أي بيضاء، يحار الطرف في حسنها، وينبهر العقل بجمالها؛ (كأنهن الياقوت والمرجان).
2- وعين؛ أي عيناء، حسناء العين الواسعة.
قال بعض السلف: لو أن حوراء بزقت في بحر لجي، لعذب ذلك الماء لعذوبة ريقها.
وهي حياة زوجية لا نكد فيها، ولا همّ نفقات، بل: ﴿ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ ﴾ (55) 1- يطلبون من خدامهم كل ما يتمنون من التفكه، لا يفقدون فاكهة لبعد مكان، أو فقد أوان. 2- وهم آمنون من امتناعه وانقطاعه، ومن زيادته عن قدر شهوتهم له، ومن مضرته.
بل يأمنون كذلك من أشد ما يخاف منه: ﴿ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ (56) 1- فلا يجدون في الجنة طعمًا للموت، ولا لأسبابه، بعد الموتة الأولى التي وجدوها في الدنيا..
فلا يجدون: أ- موتًا. ب- ولا هرمًا. ج- ولا مرضًا. د- ولا بؤسًا. هـ- ولا نومًا؛ لأن النوم أخو الموت. و- ولا تبلى حتى ثيابهم.
2- ولا يجدون عذابًا، بل سلمهم الله تعالى من العذاب الليم في دركات الجحيم، فحصل لهم المطلوب، ونجاهم من المرهوب؛ برحمته وفضله: ﴿ فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ (57)
وهذا النعيم موصوف بأنه: 1- فضل من الله، وأعظِم بفضائل ربنا!. 2- وهو الفوز والظفر بكل مطلوب على أعظم ما يبلغه، ويتناهى إليه، فوزًا لم يدع جهة الشرف إلا ملأها.
﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ (58) وتختم هذه السورة بما بدأت به من ذكر القرآن الكريم، وقد أنزله ربنا سبحانه: 1- سهلًا واضحًا، يفهمه من قرأه وتدبره. 2- بلغة عربية، هي أفصح اللغات. 3- وبلسان نبي كريم، هو أفصح الناس لسانًا، وأجلاهم بيانًا، وأحلاهم منطقًا، والعرب ممن تعجبهم الفصاحة. لأجل أن يتفهموا ما فيه نفعهم فيفعلونه، ويتعلموا ما فيه ضررهم فيتركونه.
ثم عادت السورة تذكر بمقصدها، وهو إنذار قريش بالحال الذي وقع عليهم من الدخان، والماضي الذي حل بالكافرين قبلهم كقوم فرعون وتبع، والمستقبل الذي سيصلونه في عذاب الجحيم، وتبشر المؤمنين بالحال الذي وقع لهم من نصرهم في بدر، والماضي الذي نجى الله فيه المستضعفين من بني إسرائيل، وورثهم ملك فرعون، والمستقبل الذي سيلاقونه من نعيم وجنات..
فقال سبحانه: ﴿ فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ ﴾ (59) فانتظر يا محمد في الدنيا النصر يوم بدر، وفي الآخرة الجنة، ولينتظر هؤلاء الكفار - إن استمروا في كفرهم - الهلاك يوم بدر في الدنيا، والنار في الآخرة، وهذا الانتظار والترقب لا يزايلهم، بل قد قطع قلوبهم، وملأ صدورهم؛ فختمت السورة بوعد له، ووعيد لهم. آخر تفسير سورة الدخان، ولله الحمد والمنة، وبه التوفيق. رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/120426/#ixzz5Fqp3PKRN