أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: 98- اسم الله: "المُبِيــــن" الأحد 06 مايو 2018, 5:02 am | |
|
الشيء الثاني قال تعالى: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)" (سورة البقرة).
هناك معنى دقيق جداً: أحْياناً يتناوَل الإنسان مادّة أوَّلِيَة لِيُصَنِّعَها فهو لا ينْتَفَعُ بها إلا إذا صَنَّعها فالخشب مثلاً لو اشْترى إنْسان شجرة ووضَعَها في البيت ماذا يفْعل بها؟
إنَّ هذه الشَّجرة تُشَرَّح إلى ألواح وتُصنع قِطعة أثاث يجْلِس عليها وتُطْلى بِطِلاء جميل فهناك مواد أوّلِيَّة كثيرة جداً ليْسَت لها قيمة بِذاتِها إلا إذا صُنِّعَت، وبعض النبات لا يُؤكل إلا إذا طُبِخ فهذه الآية دقيقة جداً يقول الله عز وجل: "كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ".
"لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)" (سورة المائدة).
يجب أنْ تتناوَلوا هذه الآيات بالدراسة وتُفَكِّروا بها كي تَعْقِلوها وتسْتَفيدوا منها وكي تكون مُتَّكْأً لكم للوُصول إلى الله عز وجل.
إذاً عليك مُهِمَّة فالشمس مَوْجودة وكلُّ إنسان يرى الشمس ساطِعة لكنَّك مُحْتاجٌ إلى أنْ تُفَكِّر فيها بل إنَّ بعض الحيوانات حينما تميل الشمس للغُروب تتَّجِه إلى إسطبلها؛ البقر والدواب والأنعام حينما تميل الشمس إلى الغروب تتَّجِه إلى إسطبلها معنى ذلك أنَّ الحيوان يُدْرِك أن الشمس مالَتْ للغروب.
أمَّا الإنسان فعليه أنْ يُفَكِّر مَنْ خلقها ومَنْ كوَّنَها ومَنْ رفعها ومَنْ جعلها مُلْتَهِبة ويدرك أنها مصْدر حراري للأرض وإنارة: "كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ".
والله أيها الإخوة هناك بِالكَون آياتٍ لا تُعَدّ ولا تُحْصى وأَيْنما اِلْتَفَت المَرْءُ وسار واتَّجَه وجلس ونظر رأى الآيات تُحيط به من كلِّ جانِب لِذلك العِبْرَة أنْ تعكف على هذه الآيات وتُفَكِّر فيها.
ومن هنا قال الله عز وجل: "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)" (سورة آل عمران).
هناك آيةٌ تحمل العظة والدلالة واضحة جداً في سورة النِّساء، يقول الله تعالى: "يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26)" (سورة النساء).
البيان الإلهي من ثمرات إرادة الله عز وجل؛ أحْياناً الإنسان يضْرب ابْنه ولا يريد أنْ يضْرِبه وأحْياناً يتناوَلُ الدواء وكان يتمنَّى ألا يتناوَلَهُ فلَيْسَ كلُّ فِعْلٍ مُتوافِقٌ مع الإرادة فالإنسان يفْعل أشْياء مضْطَرَّاً لكنَّ هنا الآية دلالتها دقيقة جداً فاللهُ يريد لِيُبَيِّنَ لنا ولِيُعَرِّفَنا وأنْ ينْقُلَنا من الجهْل إلى العِلم وأنْ يُخْرِجنا من الظُّلمات إلى النُّور ومن الضَّياع إلى الوِجدان ومن الضَّلال إلى الهُدى ومن الشقاء إلى السَّعادة.
قال تعالى: "يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ".
وقال تعالى: "وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (27)" (سورة النساء).
يقول لك: لِمَ لا تُصَلي يا أخي؟
تجد الجواب: إلى أنْ يَهْدِيَني الله.
فهذا الكلام مُضْحِك وغير عِلمي فالله عز وجل خلقَكَ لِيَهْدِيَكَ.
الذي أرَاهُ أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى رحْمَةً بِعِبادِه يُنَوِّعُ لهم أساليب الهُدى وأوْدَعَ فيهم العُقول لِيَهْتَدوا وأوْدَعَ فيهم الفِطَر السَّليمة لِتَكون مِقْياساً لهم لأعْمالِهم وسَخَّر لهم السَّماوات والأرض لِيَكون هذا الكون مظْهراً لأسماء الله الحُسْنى وصِفاتِه الفُضلى وجعل أفْعاله مُتَطابِقَةً مع أقْوالِهِ كي يحْصل الانْسِجام في الكون.
فاللهُ وَعَدَ المُرَابِي بِحرب قال تعالى: "فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)" (سورة البقرة).
تجد دائِماً وأبداً الذي يجْمع المال الحَرَام يُدَمَّر مَالُهُ؛ توافُقُ أفْعال الله مع كلامِهِ شيءٌ مُهِمٌّ جداً قال تعالى: "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)" (سورة النحل).
حياة المؤمن طيبة وهو شيء جميل يُنَوّهُ اللهُ تعالى إليه في القرآن وتؤكده الدِّراسة المَيْدانِيَة فإذا اجْتَمَعْت مع الشباب المؤمن تجِدُهُم حقاً يعيشون حياةً طيِّبَة.
قال تعالى: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)" (سورة طه).
لو تَتبَّعْتَ أحْوالَ أهْل الدُّنيا لَوَجَدْتهم يعيشون معيشَةً ضنكاً تُطابق أفْعال الله مع كلامِهِ نَوْعٌ من البيان فالكلام نظري والتطبيق عملي.
ويقول الله عز وجل: "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15)" (سورة المائدة).
كلِمَة سلام؛ فالسَّلامُ مُريحٌ جداً والسَّلام الذي أرادَهُ الله عز وجل هو السَّلام الذي من أسْمائِهِ تعالى لأنّ الله جلَّ جلاله أصْل كُلِّ سلامٍ في الأرض، والإنْسان قد يَسْلَم مع نفْسِهِ هو مُطْمَئِنٌ لها قال تعالى: "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)" (سورة الفجر).
والإنسان قد يكون في سلامٍ مع مَنْ حَوْله وعلاقاتِهِ واضِحة وصادِقٌ وأمين وليس بينه وبين مَنْ حوْله مشْكِلة ومُرْتاح البال وهو في سلامٍ مع مَنْ حوْله والإنسان المُطيع في سلامٍ مع ربِّهِ.
قال تعالى: "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ".
من أسْماء الله: "المُبين" يُبَيِّن بأَقْوالِه وأفْعالِهِ وأنوارِه وتجَلِّيه وخلْقِهِ والفِطَر والعُقول والله عز وجل يُعَلِّمنا دائِماً ومن هنا قال بعض العلماء تفْسيراً لِهذه الآية ولهم فيها وِجْهَة نظر، قال تعالى: "وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)" (سورة البقرة).
يَفْهَمُهَا بعضُ المُسْلِمين على الشكل التالي: إنْ اتَّقَيْتم الله يُعَلِّمْكم فَلَو كان المعْنى هكذا لَجاء النَّصُّ على الشكل التالي: واتَّقوا الله يُعَلِّمْكم الله جواب الطَّلب أما الآية: "واتَّقوا الله ويُعَلِّمُكم الله"؛ يعْني لِمَ لا تتَّقُونَ اللهَ واللهُ يُعَلِّمُكم دائِماً، يُعَلِّمُكُم بِالوَحْيِ والعُقُول والفِطَر وخُلْقِهُ وأفْعَالِهِ وأنْوَارِهِ، آلافَ الطّرُق.
وفي سورة المائدة يقول الله عز وجل: "مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75)" (سورة المائدة).
والحقيقة أنَّ التناقض بين ما يعْتَقِدُهُ الإنسان وبين سُلوكِهِ لا يُحْتَمَل تجد أُناساً يسْتَمِعون إلى خُطْبة في مسْجِد أو إلى كلِمة في عقْد قِران أو إلى موعِظة موْت يتأثَّرون بها فإذا انْطلقوا إلى بُيوتِهم كأنَّ شيئاً ما سَمِعوه أبداً، وهذا شيءٌ مُريع أنْ تسْمع للحق وأنْ تفْعل عكْسَهُ وأن تأتي إلى بيْت الله ويكون بيْتُك على خِلاف ما أمر الله تعالى وأنْ تطْلب العلم ولا تعْمل به وأنْ تتزَيا بِزَيِّ المُسْلمين ولا تفْعل ما يفْعلُ المُسْلمون وأن تدَّعي أنَّك مؤمن ولم تُدْرك حقيقة الإيمان.
فهذا هو الذي ورد في هذه الآية قال تعالى: "انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمْ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ".
وفي سورة الأنعام قال تعالى: "أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ" (سورة الأنعام).
شيءٌ جميلٌ جداً أنّ الله سبحانه وتعالى أنزل كِتابه على النبيِّ وفيه كلُّ الحق وفيه البيِّنات والنور والمنْهج ثم مِن العجيب جداً ألا يأخذ منا كلام الله تعالى مأْخَذَ التطبيق.
وفي سورة الأعراف قال تعالى: "أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184)" (سورة الأعراف).
مَنْ هُوَ المَجْنُون؟ هو الذي عَصَى اللهَ تعالى فالمجْنُون الذي نراه في الطريق ليس مجْنُوناً، هذا مُبْتلَى بِعُصَابٍ ذِهنيٍ أو بِمَسٍ شيْطاني لكنَّ المَجْنُون حقيقةً هو الذي عَصَى اللهَ تعالى.
لذلك قال تعالى: "مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)" (سورة القلم).
وقال تعالى: "قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28)" (سورة هود).
المؤمن على شيءٍ من الهُدى والمؤمن مُنْغَمِسٌ في رحْمة الله تعالى لكنَّ هذه الرَّحمة عُمِّيَت عن الخلق والخلْق مادِّيون يُقَيِّمون كلَّ شيءٍ بِمِقْياسٍ مادّي فأنت مهما كنت على خُلُقٍ عظيمٍ ومِقْياسٍ عظيمٍ أو على معْرِفَةٍ باللهِ أو على إخلاصٍ شديدٍ، لا تُقَيَّمْ إلا من خِلال دَخْلِكَ عند هؤلاء المادِّيين.
وفي سورة يوسف عليه وعلى نبِيِّنا أفضل الصَّلاة والسَّلام: "الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1)" (سورة يوسف).
المبين يعني: الواضِح لذلك ليس من المُناسِب أنْ تفْهم كلام الله فهماً لم يُرِدْهُ اللهُ ولم يقصد إليه علماً بأن القرآن الكريم نزل بِلُغَة العرب وبِلِسَانٍ عرَبِيٍّ مبين؛ هناك أُناسُ المعنى الجَلِيِّ الواضِح يصْرِفون عنه النَّظرَ ويبْحثون عن معانٍ لا تُدْرَك إلا بِشِقِّ الأَنْفُس أو بِالتَكَلُّف الذي لا يُحْتَمَل.
لذلك من أخْطاء المُفَسِّرين أنْ تُؤول الآية لِغَير ما تُفْصِح عنه فهذه التأْويلات التي ما أنزل الله بِها من سُلْطان هي التي شَتَّتَتْ المسْلِمين وفرَّقَتْهم مع أنَّ هذا القرآن نزل بِلِسانٍ عرَبِيٍّ مُبين.
بعض القِراءات المُعاصِرة فَسَّرت قوْله تعالى: "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (46)" (سورة الكهف).
البنون البِناء؛ هل في العالم العربي مَنْ يفْهم كلمة البنون أنها تعني البِناء؛ المال والبنون زينة الحياة الدنيا وهذا القرآن نزل بِلُغَة العرَب فَيَنْبَغي أنْ نفْهَمَهُ وِفْق لُغَة العَرب.
وفي سورة النحل قال تعالى: "وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)" (سورة النحل).
هناك اخْتِلاف أساسُهُ نقْص المَعْلومات وهذا اخْتِلافٌ طبيعي والوحيُ يحْسُمُ هذا الأمر قال تعالى: "كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)" (سورة البقرة).
وهناك اخْتِلاف أساسُه البَغْي والحسد قال تعالى: "إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)" (سورة آل عمران).
الاخْتِلاف الأول طبيعي وهو الاختلاف القائم على نقص المعلومات أما الاخْتِلاف الثاني فهو قَذِر أساسُهُ الحسد والبغي والعُدْوان أما الاِخْتِلاف الثالث اخْتِلافٌ محْمود وهو التنافُس في حقْل الدين وفي دائرة الحق.
وفي سورة النور قال تعالى: "وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)" (سورة النور).
الحق واضِح لكنّ الناس في الدنيا نِيام وإذا ماتوا انْتَبَهوا وعند الموت يُكْشَف الغِطاء قال تعالى: "لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)" (سورة ق).
وفي سورة النمل قال تعالى: "فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)" (سورة النمل).
أيها المؤمن لا تَخَفْ، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلّم خاطَبَ عدِيّ ابن حاتِم فقال له: لعلَّكَ يا عدِيّ إنما يمْنَعُك من دُخولٍ في هذا الدين ما ترى من كَثْرة عَدُوِّهِم كما هي الحال الآن؛ وَأيْمُ الله ليُوشِكَنَّ أنْ تسْمَعَ بالقُصور البابِلِيَّة مُفَتَّحَةً لهم ولعلَّك يا عدِيّ إنما يمْنَعُك من دخولٍ في هذا الدين أنَّك ترى أنّ المُلكَ والسُّلطان في غيْرِهم وَأيْمُ الله ليُوشِكَنَّ أنْ تسْمَعَ بالمرأة البابِلِيَّة تَحُجُّ البيتَ على بَعيرِها لا تخافُ ولعلَّكَ يا عدِيّ إنما يمْنَعُك من دخولٍ في هذا الدين ما ترى من حاجَةٍ بِهم وَأيْمُ الله ليُوشِكَنَّ المالُ أنْ يفيض فيهم حتى لا يوجد مَنْ يأْخُذُه.
فَتَوَكَّل على الله إنك على الحق المُبين وعلامة المؤمن الصادِق لو أنَّ الناسَ جميعاً تنَكَّروا للدين ولم يعبئوا به ولم يلْتَزِموا بِتعالِيمِهِ يَكْفيهِ أَنَّهُ على الحق المُبين والإنسان العاقِل لا يأخذ بِالكَثرة قال تعالى: "وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)" (سورة الأنعام).
وقال تعالى: "وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (28)" (سورة النجم).
وقال تعالى في سورة الحديد: "اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)" (سورة الحديد).
فالآيات تحْتاج إلى تفَكُّر و إعمال عَقْل والآيات إنْ صَحّ التعبير مواد أوَّلِيَّة تحْتاج إلى تصْنيع ولابد أنْ تُصَنِّعَها بِعَقْلِك وبِفِكْرِك ولابد أنْ تتفَكَّر بها أو أنْ تتذكَّرها، قال تعالى: "لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)" (سورة القيامة)، أحْداث العالم كلِّهِ تتَّجِهُ لِتَأْكيد ما في القرْآن.
إخْواننا الكِرام: لا يغيب عن بالِكم أنّ العالم فيما سبَقَ شرْقاً وغرْباً؛ كان شرْقاً يؤمن بِالمجْموع والقُيود وغرْباً يؤمن بِالفرْد والحُرِّيَة والآن الشَّرقُ والغَربُ عادا إلى الإسْلام قَهْراً لا عِبادةً واضْطُروا إلى أنْ يعودوا إلى أصول الدين؛ فمثلاً في بِلادٍ طويلَةٍ عريضة عاتِيَةٍ بعيدة حَرَّمت الخمر والآن في بعض الجامِعات بِأَمْريكا تُحَرِّم الاخْتِلاط بين الطلاب والطالِبات.
فَكُلَّما تقَدَّم العِلم ونضج في البشَرِيَّة تَتَّجِهُ قهْراً إلى تعاليم الدِّين لا إيماناً ولا تَعَبُّداً لِذلك الشَّرْقُ والغَرْب عاد إلى وَسَطِيّة الإسلام والشَّرق عاد مقْهوراً لا مُخَيَّراً والغرب كذلك وسوْف تَرَوْن بعد حين أنّ هذا الدين العظيم هو دين المُسْتَقْبَل.
قال تعالى: "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)" (سورة التوبة).
قال تعالى: "فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)" (سورة القيامة).
حتى الآيات الكَوْنِيَة في القرآن الكريم كلما تقَدَّم العِلم تكشَّفت له حقائق الإعْجاز القُرآني العِلمي.
من أدْعِيَة هذا الاسم الجليل: اللهم أنت المُبَيِّنُ للحق والهَادي إليه والمُوَفِّق لاتّباعه فاجْعَل اللهم بين أيْدِيَنا نوراً من قُرْآنِك وهِدايَةً من بيانِك فإنَّك أنت الحق المُبين.
أيها الإخوة الكِرام: ليس هناك أسْعَد من إنسانٍ عرف الحق ونِعْمَة الهُدى أعْظم نِعْمة بل إنَّ بعض العلماء قالوا في تفْسير قوْلِه تعالى: "مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)" (سورة المائدة).
قالوا: تمام النِّعمة هو الهُدى. والحمد لله رب العالمين. |
|