أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: 92- اسم الله: "الشــافي" الخميس 03 مايو 2018, 9:31 am | |
| فالذي أنزل الشِّفاء هو الشافي المؤمن متوازن والمؤمن ليست عنده مشْكِلات فكرية، ولو أنه رأى كافِراً قوياً ورأى مؤمناً ضعيفاً، ولو أنه رأى منْحَرِفاً غنِياً ورأى مسْتَقيماً مُتَقَشِّفاً فله موازين خاصة، قد تجد موازين الناس تدعو للإنقِباض فهناك من يرى أن المال هو الذي يثقل الميزان، وكذلك الطيش والقوة الرعناء، أما عند الله فالعمل الصالح فيه رجاحة الميزان.
لَمَّا سيِّدنا موسى سقى للمرْأتين اِبنتي سيدنا شُعيب ماذا قال: قال تعالى: "فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)" (سورة القصص).
فَفُهِم من هذه الآية أن الغِنى عند الله غِنى الأعمال الصالحة وأن الفقر هو فقْرُ الأعمال الصالحة.
والحقيقة أنّ حجْمَك عند الله لا بِحجْمِ أمْوالِك ولكن بِحجْم أعمالك، والعُمُر لا قيمة له إلا بِمَضْمونِه الصالح، قد تعيش عمراً قصيراً مُفعماً بالأعمال الصالحة، وقد يعيش آخر عُمُراً مديداً فارِغاً من العمل الصالح.
فهذه كلها موازين أيها الإخوة القراء، والإنسان لمّا يجعل الغلط ميزانه يقع في المتاهات والضيق والتشاؤم والحَيْرة والاضطِراب.
وفي سورة النحل قال تعالى: "وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)" (سورة النحل).
قال العلماء: "هناك شِفاءان: شِفاء النفوس كلام الله؛ وشِفاء الأبْدان العَسَل"، ولكن لو أن الله عز وجل قال: فيه الشِّفاء للناس لَصَار العسل شِفاء من كل مرض، أمَا وقد جاءت الكلمة نكِرة فيه شِفاءٌ للناس؛ يعني شِفاءٌ من بعض الأمراض التي تصيب الناس.
وعلى كلٍّ فالعسل كما يقولون: صَيْدَلِية ثانية، فعدد الفيتامينات والمعادن والأنْزيمات التي في العسل لا تعد ولا تحصى، ومع ذلك ربنا عز وجل قال: "فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ"، وفي سورة فصلت قال تعالى: "وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)" (سورة فصلت).
فقارىء القرآن لا يحزن، وَمَنْ تعلَّم القرآن متَّعه الله بِعَقْلِه حتى يموت؛ من أكثر من تلاوة القرآن متَّعه الله بِعَقْلِه حتى يموت، والقرآن الكريم لا يَقِلّ في عظمته عن عظمة الكَوْن قال تعالى: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)" (سورة الأنعام).
وقال تعالى: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1)" (سورة الكهف).
فهذا كِتابنا المقرر ومنهجنا ودُسْتورنا وحَبْل الله المتين والصراط المستقيم والعمل بأمره ونهيه ويرفعنا إلى أعلى عِلِيِّين، قال تعالى: "قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)" (سورة فصلت).
المعنى المُخالِف لِهذه الآية أنّ المؤمن يُنادَى من مكانٍ قريب، إذاً أحد أسباب فهم كلام الله أنْ تكون قريباً من الله، وإن كان الإنسان بعيداً عن الله فماذا يكون حاله مع القرآن؟: "وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ". أمَّا إذا كان قريباً من الله عز وجل يفهم كلام الله كما أراد الله، فعلى الإنسان أن يُشَمِّر لِيَكون قريباً من الله عز وجل حتى يفهم عن الله تعالى كلامه، ومن هنا قال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم: "أوتينا الإيمان قبل القرآن".
فإذا اتّصلت بالله عز وجل وأقْبَلت عليه وقرأْت القرآن كنت قريباً من المعاني التي أرادها الله عز وجل، والقرآن مع ذلك لا تنقضي عجائبه.
أيها القارئ الكريم: بمناسبة الحديث عن العسل، فقد ورد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ -يعني أصيب بإسهال شديد- ((فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْقِهِ عَسَلًا فَسَقَاهُ ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ إِنِّي سَقَيْتُهُ عَسَلًا فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا فَقَالَ لَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ جَاءَ الرَّابِعَةَ فَقَالَ اسْقِهِ عَسَلًا فَقَالَ لَقَدْ سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ فَسَقَاهُ فَبَرَأَ)) (رواه مسلم).
قرأت مقالةً عِلمية لِطبيب مُتَفَوِّقٍ جداً في تحليل هذا الحديث أن الإسهالات الإنتانيّة يكون الدواء المناسب لها المواد السُّكرية ففي بِداية الأمر يزداد البطن إسْهالاً إلى أن تذهب هذه المواد التي سَبَّبَتْ الإنتان بعدئذٍ تُمْسِك الأمْعاء ما فيها ويعود الوضْع إلى الشكل الطبيعي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صدق الله وكذب بطْن أخيك)).
هذا الحديث يُمكن أن نقيس عليه أشياء كثيرة، مثلاً الله عز وجل قال: "يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)" (سورة البقرة).
لو قال لك واحدٌ أنا دفَعْت صدقاتٍ كثيرة وأنا فقير وما عوَّض الله علَيَّ نقول له: صدق الله العظيم وكذبْت أيها الإنسان لأن زوال الكَوْن أهْوَن على الله من أن يَعِد إنساناً ثم يُخْلِف وَعْدَه.
أحد العلماء قال: مَنْ دعا إلى الله ولم يُوَفَّق فَكَأنَّه يُكذِّب قولَه تعالى: "إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)" (سورة غافر).
لعلّك تظن أن المكافأة على الصدقات وأنها تربو يوم القيامة لا في الدنيا، نقول: لا، فهذا يكون في الحياة الدنيا، قال تعالى: "إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)" (سورة غافر).
إذا دَعَوْت إلى الله بِصِدْقٍ وإخلاص وطبَّقْت منهج الله وكانت السريرة كالعلانية فلابُد من أن تُوَفّق فإن لم تُوَفّق فقد صدق الله، وابْحَث عن خلل في دعْوَتِك: "إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)" (سورة غافر).
فإذا كان هناك خلل فإمَّا في النوايا وإمَّا في المنهج، وحاش أن يكون في منهج الله عز وجل أيُّ خلل.
وقبول الصدقات منوط بشرطين: - أن تكون خالِصةً لله تعالى أولاً. - ثم أن تكون وَفق السنة.
فإن كانت خالصة ولم تكن وَفْق السنة راجِع حِساباتك وإن كانت وِفق السنة ولم تكن خالِصةً عليك أن تُراجِع حِساباتك، وأنا أقول لكم كلاماً دقيقاً فأنتم أيها القراء الكرام مؤمنون ولا أُزكي على الله أحداً وكل واحِدٍ منكم من طُموحاتِه أن يستخْدِمه الله تعالى في نشْر الحق ويُلْهِمَه الصواب وأن يُجْرِيَ الخير على يَدَيْهِ وأن يستخْدِمه ويسْتَعْمِله في الخير.
فإذا تحرَّكْت حركَةً سريعةً ومُكَثّفةً ولم تلقَ نجاحاً في الدنيا يجب وأقول يجب أن تعْزُوَ عدم النجاح إلى ذاتك إما إلى خلل في النوايا وإما إلى خلل في المنهج فإذا قلت النوايا طيِّبة والمنهج صحيح ولم أُوَفّق هل تدري أنك وقَعْت في الكفر؟ وهو ردُّ آيةٍ في كِتاب الله، والإنسان إذا ردّ آيةً في كِتاب الله فقد كفرو الله عز وجل يقول: "إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ".
فإذا لم تنْجَحِ الدعوة اِبْحَث عن الخلل وعن التقصير لعل هذا يُذكّرنا بِمَوْقِف نبِيِّنا عليه الصلاة والسلام يوم بدْرٍ؛ وهو سيِّد العالمين وسيِّد الخلق وأقرب الخلق إلى الله فقد وقف قُبَيْل المعركة ورفع يَدَيْه إلى السماء حتى بدا بياض إبِطَيْهِ أو حتى وقع الرِّداء من أعلى مِنْكَبيْه كما روى ذلك ((عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلَائِكَةِ...)) (رواه مسلم).
وقد يسأل سائلٌ أَيَكون الصِّدِّيقُ أكثر ثِقةً بالله من رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ مُسْتَحيل كيف نُفَسِّر هذا المَوْقِف إذاً؟
النبي عليه الصلاة والسلام مُتَأدِّبٌ مع الله أشد التأدُّب وكان النبي يخْشى أن يكون هناك تقصير في الإعداد؛ وهو يعلم أنّ الأمر بِيَد الله ولكن النبي عليه الصلاة والسلام خشِيَ أن يكون هناك تقصير في الإعداد لأن الله عز وجل يقول: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)" (سورة الأنفال).
وبعد فإني أتَمَنى على الله أن تكون هذه الحقيقة واضِحة تماماً؛ العمل لا يُقْبَل إلا بِشَرْطين: الشرط الأول أن يكون خالِصاً، و الشرط الآخر أن يكون صواباً، فَخالِصاً ما ابْتُغِيَ به وجه الله، وصواباً ما وافق السنّة.
دَعَوْتَ إلى الله فلم تنجح معك الدعوة دقِّق في نواياك؛ من تعلَّم العِلم لِيُباهي بِه العلماء أو لِيُماري به السّفهاء أو لِيَصْرِف وُجوه الناس إليه فَلْيَتَجَهَّز إلى النار، قد تقول وأنت صادق: أنا أعلم نفسي حق المعرفة إنني أنْطوي على نِيَّة طيِّبة خالصة إذاً الخلل في المنهج لعلّك خالفْت منهج رسول الله فلم تنْجَح الدعوة فكل إنسان من عزا عدم نجاح الدعوة إلى الله ويدَّعي أنه كان خالِصاً لله فهو يُكّذِّب قوله تعالى: "إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ".
المؤمن نَقَّاد، وأول نقْده يجب أن يتَّجه إلى ذاته، وكل إنسانٍ يتعامى عن أخْطائه يتداعى وينتهي، والنجاح أُمثِّلُه بِقِمَّة جبل، فَبُلوغ القمّة صعبٌ جداً، فلابد من جُهْدٍ كبير وعرقٍ كثير واجتياز عَقَبات متلاحقة وصعود طويل عسير ومُثَبِّطات عظيمة، لو أنك اسْتطعت أن تصِل إلى قِمة الجبل فهذا جُهْد كبير، فهل أنت بطل؟ لا إذْ إنّ بطولَتُك أن تبقى في القمة لأن فيها طرقًا زَلِقةً بحكم منحدراتها تجعلك إن لم تحزم أمرك في الحضيض في ثوانٍ معدودات.
فاحذر الغرور والكِبَر وعدم الاِنْصِياع للحق، إذاً ربنا عز وجل يقول في الحديث عن موضوع الشِّفاء، قال تعالى: "وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ".
فالله هو الشافي والمُعافي، والحقيقة أن كلمة الشِّفاء تتعلق بالمرض والإنسان يمرّض حينما يستهين بصحة جسده، وحينما ينْحَرِف في تعامله مع ربه فرَحْمة الله عز وجل تقْتَضي أن يعالجه، هو الشافي والمعافي فالله سبحانه وتعالى يشفي ويُعافي، والمصلي ماذا يقول في الصلاة: "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)" (سورة الفاتحة).
فلِمَ لَمْ يَقُلْ: غير الذين غَضِبْت عليهم، إنما قال: "غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)" فالإنسان ينْحرِف فَيَغْضَب الله عليه ويستقيم فَيُثْني الله عليه.
وفي سورة يونس قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57)" (سورة يونس).
ألا فاعلم أيها المؤمن: أنَّ مَنْ أوتِيَ القرآن فظنَّ أنَّ أحداً أوتِيَ خيراً منه فقد حقَّرَ ما عظَّمَه اللهُ، فالذي يُؤْتَى القرآن تِلاوةً وفهْماً وتفْسيراً وتطبيقاً فقد بلغ قِمَّة المجْدِ لأن السيِّدة عائشة رضي الله عنها سُئِلَتْ عن أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام فقالت كان خُلُقُهُ القرآن، قال تعالى: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً (63)" (سورة الفرقان).
تابِع هذه الآيات تجد أنها أخلاق عِباد الرحمن فاعلم بها وتخلّق بأخلاقها.
وقال تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)" (سورة الأنفال).
اِقْرأ القرآن وإبْحث عن أوْصاف المؤمنين فإذا كانت هذه الأوصاف مُنْطَبِقَةً عليك فاُشْكًر الله عز وجل وإلا فابْحَث عن الخلل.
النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا عاد مريضاً يدعو له ويقول كما جاء في حديث: ((عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَوْ أُتِيَ بِهِ قَالَ أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي لا شِفَاءَ إِلاّ شِفَاؤُكَ شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا)) (رواه مسلم).
أنت الشافي وحْدَك، وربنا عز وجل أحياناً يشفي مريضًا بمرضٍ عُضال وقد كان مُسْتَعْصيًا، ولِحِكْمَةٍ بالِغةٍ ورحْمَةٍ غامِرةٍ يشفي هذا المريض شفاءً ذاتيًا على الرغم من أنّ مرضَهُ عُضال، فمِن أجْل ماذا؟ مِن أجْل ألاّ تعتَقِد أنّ الدواء هو الشافي، إذْ الشافي هو الله، فالله عز وجل يسْمَح للدواء أن يفْعلَ فِعْلَه، فكل مريضٍ نَسِيَ الله وبَحَثَ عن الدواء فقط لا يُشْفى، والمريض لا يُشْفى إلا إذا اِعْتَقد أنّ الله هو الشافي.
ومعنى آخر من معاني الشفاء: لو أنّ إنساناً كان منْحرِفاً ثم تاب إلى الله عز وجل فقد شفاه إذا أقبل عليه تائبًا، قال تعالى: "أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)" (سورة الأنعام).
التوبة تُحيي القلب، فالله شافٍ، ويشفي جسدك ولو أُصيب بِأيِّ مرضٍ، ويشفي قلبك من كل مرضٍ، فما عليك إلا أن تبادر إليه وتأوي إليه مستسلمًا، قال تعالى: "فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)" (سورة الذاريات).
وما عليك إلا أن تتصل به وأن تتجه نحوَه وأن تُخْلِص له هو الشافي يشفي جسدك ويشفي قلبك، شِفاء الجسد مُريحٌ في الحياة الدنيا، لكن شِفاء القلب سبب سعادة المرء إلى أبدِ الآبِدين. ومن هنا تتجلّى أهمية الدعاء الشريف: "اللهم اِهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولّنا فيمن تولّيت".
((عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَوْ أُتِيَ بِهِ قَالَ أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي لا شِفَاءَ إِلاّ شِفَاؤُكَ شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا)) (رواه مسلم).
أحْياناً أشْعُر أنّ الشِّفاء يخْلُقه الله خلْقاً، كما أن المرض يُخْلق، فقد تجد المَرْءَ بعد مرضٍ عُضال يعود كما كان قبل المرض فلا شِفاء إلا شِفاؤك.
إخواننا القراء الكرام اسم الشافي اسمٌ عظيم، وأنا لا أُقَلِّل من قيمة شفاء الجِسم، لأن الإنسان يَحْيى بِهذا الجسد، واِحفظ قوله عليه الصلاة و السلام في دعائه الشريف: "واجْعَلْه الوارث منا" لأن شِفاء القلب قمة أنواع الشِّفاء، وهذا الشِّفاء سبب سعادة المرء إلى أبد الآبِدين، فالبُطولة أن يكون قلبك مُعافىً من كل أمراضِه، لأن القلب المريض لا يستطيع أن يُقْبِل على الله عز وجل. اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. |
|