منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف   كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف Emptyالإثنين 19 مارس 2018, 12:17 am

كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف 18945_10
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الاعتصام
المؤلف: أبو إسحاق الشاطبي
دار النشر: المكتبة التجارية الكبرى - مصر
===================
المحتويات:
ترجمة الإمام الشاطبي نقلاً عن تحقيق الاعتصام
المصدر: كتاب الاعْتِصَام
* المقدمة.
* الباب الأول في تعريف البدع وبيان معناها وما اشتق منه لفظاً.
* الباب الثاني في ذم البدع وسوء منقلب اصحابها.
* الباب الثالث في ان ذم البدع والمحدثات عام لا يخص محدثة دون غيرها ويدخل تحت هذه الترجمة جمله من شبه المبتدعة التي احتجوا بها.
* الباب الرابع في ماخذ أهل البدع بالاستدلال.
* الباب الخامس في أحكام البدع الحقيقة والإضافية والفرق بينهما.
* الباب السادس في أحكام البدع وأنها ليست على رتبة واحدة.
* الباب السابع في الابتداع.
* الباب الثامن في الفرق بين البدع والمصالح المرسلة والاستحسان.
* الباب التاسع في السبب الذى لاجله افترقت فرق المبتدعة عن جماعة المسلمين.
* الباب العاشر في بيان معنى الصراط المستقيم الذي انحرفت عنه سبل أهل الابتداع فضلت عن الهدى بعد البيان.

--------------------------------------------
الكتاب: ترجمة الإمام الشاطبي نقلاً عن تحقيق الاعتصام
المصدر: كتاب: الاعْتِصَام
المؤلف: إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي (المتوفى: 790 هـ)
إعداد: موقع روح الإسلام
(www.islamspirit.com)
===================
* التعريف بالمؤلف
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: عصر المؤلِّف.
الفصل الثاني: حياة المؤلف الشخصية.
الفصل الثالث: حياة المؤلف العلمية.
----------------------------------
الفصل الأول عصر المؤلِّف
* وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الحالة السياسية.
المبحث الثاني: الحالة الاجتماعية.
المبحث الثالث: الحالة العلمية.

-----------------------------------
المبحث الأول الحالة السياسية
عاش الإمام الشاطبي رحمه الله في القرن الثامن الهجري، وكانت حياته في مدينة غرناطة (1) الأندلسية، والتي كان يحكمها في ذلك الوقت ملوك بني نصر، ويسمون كذلك ملوك بني الأحمر، ويعود نسبهم إلى الصحابي الجليل سعد بن عبادة الأنصاري -رضي الله عنه- (2).

وقد حكمت هذه الدولة مملكة غرناطة ما يزيد على قرنين ونصف، حيث نشأت مملكتهم عام 635 هـ على يد مؤسس الدولة الغالب بالله أبي عبد الله محمد بن يوسف بن محمد بن نصر بن قيس الخزرجي الأنصاري، وانتهت عام 897 هـ على أيدي نصارى إسبانيا (3).

وقد عاشت هذه الدولة اضطرابات سياسية بين ملوكها، بعد مؤسسها الأول، فها هو لسان الدين ابن الخطيب (4) أحد وزراء الدولة المقربين يصور لنا ما وقع بين ملوكها بعد مؤسسها الأول فيقول:
__________
(1) غرناطة: بفتح أوله وسكون ثانيه، ثم نون، وبعد الألف طاء مهملة، وأغرناطة بالألف في أوله أسقطها العامة، وهي أقدم مدن كورة البيرة من أعمال الأندلس وأعظمها وأحسنها وأحصنها. انظر: "معجم البلدان" لياقوت الحموي (4/ 195)، "الإحاطة في أخبار غرناطة" للسان الدين ابن الخطيب (1/ 91).
(2) "الإحاطة في أخبار غرناطة" (1/ 119).
(3) "نهاية الأندلس" لعبد الله عنان (ص 139).
(4) هو محمد بن عبد الله بن سعيد المعروف بلسان الدين ابن الخطيب، ذو الوزارتين، أديب، شاعر، مؤرخ، مشارك في الطب وغيره، ومن كتبه "الإحاطة في أخبار غرناطة" و"اللمحة البدرية في الدولة النصرية" وغيرهما.
انظر: "نفح الطيب" للمقري (8/ 130)، "شجرة النور الزكية" لمحمد مخلوف (ص 230).
------------------------------------------

"... وولِّي بعده ولده وسَمِيُّه السلطان -ثاني ملوكها وعظيمها- أبو عبد الله، وطالت مدته إلى أن توفي عام احد وسبع مئة، وولِّي بعده ولده وسَمِيُّه أبو عبد الله محمد، وخُلع يوم الفطر من عام ثمانية وسبع مئة، وتوفي في شوال عام أحد عشر وسبع مئة، وولِّي بعده خالعه أخوه نصر أبو الجيوش، وارتبك أمره، وطلب الأمر ابن عم أبيه السلطان أبو الوليد إسماعيل بن الفرج بن إسماعيل صنو الأمير الغالب بالله أول ملوكهم، فتغلب على دار الإمارة في ثاني ذي القعدة من عام ثلاثة عشر وسبع مئة، وانتقل نصر مخلوعاً إلى مدينة وادي آشي، وتوفي عام اثنين وعشرين وسبع مئة، وتمادى ملك السلطان أبي الوليد إلى الثالث والعشرين من رجب عام خمسة وعشرين وسبع مئة، ووثب عليه ابن عمه في طائفة من قرابته فقتلوه ببابه، وخاب فيما أملوه سعيهم، فقتلوا كلهم يومئذٍ، وتولَّى أمره ولده محمد، واستمر إلى ذي الحجة من عام أربعة وثلاثين وسبع مئة، وقتل بظاهر جبل الفتح بأيدي جنده من المغاربة، وتولَّى الأمر بعده أخوه أبو الحجاج يوسف، ودام ملكه إلى يوم عيد الفطر من عام خمسة وخمسين وسبع مئة، وترامى عليه في صلاته ممرور بمدية في يده فقتله، وقدم لأمره الأكبر من أولاده..." (1).

وابنه هذا هو محمد بن أبي الحجاج، وقد سلب منه ملكه ثم عاد إليه عام 763 هـ، "واستمر ملكه إلى أن توفي عام 793 هـ، ودامت فتن داخلية حتى سقطت مملكتهم عام 897 هـ على أيدي نصارى إسبانيا" (2).

ولا يخفي ما يصوره نص ابن الخطيب السابق من الاضطرابات السياسية الداخلية بين ملوك هذه الدولة.

وقد عانت هذه الدولة من العدو الخارجي، وهم النصارى الإسبان الذين كانوا يتربصون بهم، ولا يفترون عن مهاجمتهم إلا إذا انشغلوا بالقتال فيما بينهم، وجهاد هذه الدولة ضد النصارى من أروع حسناتها، حيث واجهت النصارى ما يزيد على قرنين، مع إحاطة العدو بها، ومع بعدها عن ديار المسلمين.
__________
(1) "الإحاطة في أخبار غرناطة" (1/ 119)، "اللمحة البدرية" (ص 33 - 34).
(2) "نهاية الأندلس" لعبد الله عنان (ص 27 - 54, 139).
-------------------------------------------------------------

وكان من حسنات هذه الدولة إيواؤها للمسلمين الذين كانت تسقط مدنهم في أيدي النصارى.

وقد كان للعلماء دور هام في الساحة السياسية، ويبرز ذلك في توعيتهم للناس، وتحذيرهم من هذا العدو، وتحريك حمياتهم.

قال في أزهار الرياض:
"لما تقلص الإسلام بالجزيرة، واسترد الكفار أكثر أمصارها وقراها على وجه العنوة والصلح والاستسلام، لم يزل العلماء والكتاب والوزراء يحركون حميات ذوي البصائر والأبصار، ويستنهضون عزماتهم في كل الأمصار" (1).

ولم يقتصر علماء الأندلس على الجهاد باللسان والقلم، بل شاركوا بأنفسهم في المعارك ضد النصارى، ومن ذلك معركة طريف (2) وغيرها.

وقد عاصر الإمام الشاطبي رحمه الله ما يقارب أربعة ملوك من ملوك هذه الدولة بداية من السلطان أبي الوليد إسماعل بن فرج 722 - 725 هـ، ونهاية بمحمد بن يوسف بن إسماعيل 755 - 793 هـ.

ولا يظهر من ترجمة الإمام الشاطبي أنه كان ذا عناية بما يدور في الواقع السياسي، وإنما كان شغله العلم والتعليم، والدعوة إلى السنة والنهي عن البدع، والاجتهاد في الإصلاح.

ولا شك أن ذلك من أعظم أسباب قيام الدول وبقائها.
__________
(1) "أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض" للمقري (1/ 63).
(2) هي موقعة وقعت بين المسلمين والنصارى في الأندلس سنة (741 هـ)، وقد استشهد في هذه المعركة عدد كبير من العلماء، وقد انتصر المسلمون فيها. انظر: "الإحاطة في أخبار غرناطة" (4/ 332)، "نفح الطيب" (5/ 14).


كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف 2013_110


عدل سابقا من قبل أحــمــد لــبــن AhmadLbn في الإثنين 16 أبريل 2018, 4:54 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف   كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف Emptyالإثنين 19 مارس 2018, 12:20 am

المبحث الثاني الحالة الاجتماعية
لقد صور لنا لسان الدين ابن الخطيب الحالة الاجتماعية في مملكة غرناطة تصويراً حسناً، ولا سيما أنه كان من أهلها.

فقد تكلم عن سكان مملكة غرناطة من حيث قوتهم، وعملتهم، وملابسهم، وحُلِيُّ نسائهم، وأجناسهم البشرية، وتعداد قراهم، وأحوالهم الدينية، بل حتى أوصافهم الخلقية.

فعن أقواتهم قال رحمه الله:
"وقوتهم الغالب البر الطيب عامة العام...، وفواكههم اليابسة عامة العام متعددة، يدخرون العنب سليماً من الفساد إلى شطر العام، إلى غير ذلك من التين والزبيب والتفاح..، إلى غير ذلك مما لا ينفد ولا ينقطع مدده إلا في الفصل الذي يُزهد في استعماله" (1).

ويقول رحمه الله عن عملتهم:
"وصرفهم فضة خالصة، وذهب إبريز طيب محفوظ" (2).

وعن خيرات بلادهم قال رحمه الله:
"ولها معادن جوهرية من ذهب وفضة ورصاص وحديد..، وقال بعض المؤرخين: ومن كرم أرضنا أنها لا تعدم زريعة بعد زريعة، ورعياً بعد رعي طول العام، وفي عمالتها المعادن الجوهرية.." (3)، ثم ذكر خيراتها المتعددة.
__________
(1) انظر: "الإحاطة في أخبار غرناطة" لابن الخطيب (1/ 137).
(2) نفس المرجع (1/ 137).
(3) نفس المرجع (1/ 98 - 99).
---------------------------------------

وقال عن قرى هذه المملكة:
"وتنيف أسماؤها على ثلاث مئة قرية ما عدا ما يجاور الحضرة من كثير من قرى الإقليم، أو ما استضافته الحصون المجاورة" (1). ثم شرع في ذكرها.

وقال في موضع آخر:
"وقد ذكرنا أن أكثر هذه القرى أمصار فيها ما يناهز خمسين خطبة، تنصب فيها لله المنابر، وترفع الأيدي، وتتوجه الوجوه" (2).

وقال عن ألسنتهم وأجناسهم:
"وألسنتهم فصيحة عربية، ويتخللها غرب كثير، وتغلب عليهم الإمالة، وأخلاقهم أبية في معاني المنازعات، وأنسابهم عربية، وفيهم من البربر والمهاجرة كثير" (3).

ولقد جمعت مملكة غرناطة كثيراً من مسلمي الأندلس الذين كانوا يأوون إليها بسبب احتلال النصارى لبلادهم مما أدى إلى استثمار ما في هذه البلاد من خيرات وافرة.

وأما تجارة غرناطة فقد كانت تجارة واسعة بسبب الثغور الجنوبية البحرية، لاسيما مالقة (4) والمريّة (5)، فهي من أغنى الثغور الأندلسية وأزخرها بالحركة التجارية، فاستطاعت غرناطة أن تربط صلات اقتصادية تجارية مع دول أخرى" (6).

ويبدو أن الوضع الاقتصادي في زمن الإمام الشاطبي قد اعتراه الضعف حتى إن بيت المال أصبح عاجزاً عن تجديد بناء أسوار الحصون، واختلف الفقهاء هل يجوز توظيف ذلك على الأهالي؟
__________
(1) نفس المرجع (1/ 126).
(2) انظر: "الإحاطة في أخبار غرناطة" (1/ 132).
(3) نفس المرجع (1/ 134).
(4) مالقة: بفتح اللام والقاف، مدينة بالأندلس عامرة من أعمال (رية) سورها على شاطىء البحر بين الجزيرة الخضراء والمرية. "معجم البلدان" (5/ 43).
(5) المرية: بالفتح ثم الكسر وتشديد الياء بنقطتين من تحتها، وهي مدينة كبيرة من كورة البيرة من أعمال الأندلس من بناء الأمير الناصر لدين الله عبد الرحمن بن محمد.
انظر: "معجم البلدان" (5/ 119 - 120).
(6) انظر: "نهاية الأندلس" لعبد الله عنان (ص 326).
----------------------------------------------------------------

وكان الإمام الشاطبي ممن أفتى بالجواز اعتماداً على مبدأ المصلحة المرسلة (1).

ومن مظاهر الضعف المالي:
استفتاء بعضهم للإمام الشاطبي: "هل يباح لأهل الأندلس بيع الأشياء التي منع العلماء بيعها من أهل الحرب كالسلاح وغيره، لكونهم محتاجين إلى النصارى في أشياء أخرى من المأكول والملبوس وغير ذلك؟ أم لا فرق بين أهل الأندلس وغيرهم من أرض الإسلام؟..." (2).

ولعل سبب ما وقع فيه أهل الأندلس من الضيق:
بعدهم عن الله والإسراف في التنعم، فقد وصفهم ابن الخطيب بالعناية البالغة بالتّزيُّن، كما ذكر فشو الغناء في بلادهم؛ حيث قال عن نسائهم: "وقد بلغن من التفنن في الزينة لهذا العهد، والمظاهرة بين المصبغات، والتنفيس بالذهبيات والديباجيات، والتماجن في أشكال الحلي، إلى غاية نسأل الله أن يغض عنهن فيها عين الدهر، ويكفكف الخطب، ولا يجعلها من قبيل الابتلاء والفتنة، وأن يعامل جميع من بها بستره، ولا يسلبهم خفي لطفه بعزته وقدرته" (3).

وقال عن فشو الغناء عندهم:
"والغناء بمدينتهم فاش حتى في الدكاكين التي تجمع صنائعها كثيراً من الأحداث..." (4).

وكانت البدع فاشية أيضاً في هذا المجتمع، فقد قال الإمام الشاطبي في مقدمة هذا الكتاب:
".. لِأَنَّهُ لَمَّا كَثُرَتِ الْبِدَعُ وَعَمَّ ضَرَرُهَا، وَاسْتَطَارَ شَرَرُهَا، وَدَامَ الْإِكْبَابُ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا، وَالسُّكُوتُ من المتأخرين على الْإِنْكَارِ لَهَا.
__________
(1) انظر: "فتاوى الإمام الشاطبي" (ص 28)، وقريب من هذا ما في "الاعتصام" للشاطبي (2/ 121 - 123).
(2) انظر: "فتاوى الإمام الشاطبي" (ص 144 - 147).
(3) انظر: "الإحاطة في أخبار غرناطة" (1/ 139).
(4) المصدر السابق (1/ 137).
--------------------------------------

وَخَلَفَتْ بَعْدَهُمْ خُلُوفٌ جَهِلُوا أَوْ غفلوا عن القيام بفرض القيام فِيهَا، صَارَتْ كَأَنَّهَا سُنَنٌ مُقَرَّرَاتٌ، وَشَرَائِعُ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ مُحَرَّرَاتٌ، فَاخْتَلَطَ الْمَشْرُوعُ بِغَيْرِهِ، فَعَادَ الرَّاجِعُ إِلَى مَحْضِ السُّنَّةِ كَالْخَارِجِ عَنْهَا كَمَا تقدم، فالتبس بعضها ببعض..." (1).

ولا شك أن فشو المعاصي والبدع، وركون الناس إلى الدنيا سبب في زوال النعم، وقد كانت هذه الأمور سبباً في ذهاب دولة المسلمين بالأندلس.
__________
(1) انظر النص المحقق (ص 36).


كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف   كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف Emptyالإثنين 19 مارس 2018, 12:23 am

المبحث الثالث الحالة العلمية
لقد كان الزمن الذي عاش فيه الإمام الشاطبي من أفضل الأزمنة العلمية، سواء في المشرق أو في المغرب، فقد عاش الإمام الشاطبي في القرن الثامن الهجري، وهو قرن حافل بشخصيات علمية ومؤلفات رائعة في جميع الفنون.

ففي المشرق كان زمن الإمام ابن القيم، والحافظ الذهبي، والإمام ابن كثير، والإمام ابن رجب، وأمثال هؤلاء العلماء الكبار.

وفي المغرب أيضاً كان المستوى العلمي في أروع مراحله، إذ نجد العلماء الكبار، والفنون المتعددة، والمناظرات العلمية، واهتمام الأمراء بالعلم، وغير ذلك من صور الرقي العلمي.

يقول الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور:
"وكان العلماء من سائر الفنون متوافرين في بلاد الأندلس. وهذه طائفة كانت في عصر واحد أواخر القرن الثامن، من سنة 772 حتى 800 ما منها إلا إمام يُعْنَى إليه ويعتمد في علمه عليه؛ مثل ابن جُزَيّ وابن لب وابن الفخار وابن الجياب وابن عاصم في الفقهاء، وأبي حيان وابن الصايغ في النحاة، والشاطبي في الأصول وفلسفة الشريعة، وابن الخطيب وابن زمرك والوزير ابن عاصم في رجال القلم والسياسة، وابن هذيل الحكيم في الفلسفة، إنما كان القضاء الأخير على العلم بالأندلس في القرن التاسع" (1).
__________
(1) "أليس الصبح بقريب" لابن عاشور (ص 79).
-----------------------------------------------------------

وقد كان لاهتمام أمراء الدولة النصرية بالعلم وتشجيعهم لأهله دور هام في رفع المستوى العلمي في مملكتهم، خاصة في عهد السلطان أبي الحجاج يوسف بن إسماعيل النصري المتوفي سنة 755 هـ، فقد كان عالماً أديباً شغوفاً بالعلوم (1).

واشتهر الأمير أبو الوليد إسماعيل بن السلطان يوسف الثاني المتوفي سنة 805 هـ بحبه للأدباء والعلماء، وله في الأدب كتاب "نثير الجمان في شعر من نظمني وإياه الزمان"، وقد ترجم فيه لأعلام عصره في الشعر والأدب.

وأما عن المراكز العلمية في مملكة غرناطة، فاشتهر منها مركزان:

الأول:
الجامع الأعظم، وقد كان مقصداً لطلاب العلم، كما كان مقصداً للعباد.

ومن أشهر مدرسيه:
أبو سعيد فرج بن لب، وأبو بكر أحمد بن جُزَيّ.

الثاني:
المدرسة النصرية، وقد أنشئت هذه المدرسة في عهد السلطان يوسف أبي الحجاج المتوفي سنة 755 هـ، وقد قال عنها لسان الدين ابن الخطيب: "جاءت نسيجة وحدها بهجة وصدراً وظرفاً وفخامة" (2).

وممن قام بالتدريس فيها محمد بن علي بن أحمد الخولاني المعروف بابن الفخار المتوفي سنة 754 هـ (3)، وفرج بن قاسم بن أحمد بن لب التغلبي المتوفي سنة 783 هـ (4).

وقد كان من أسباب هذه النهضة العلمية في غرناطة:
تجمع مسلمي الأندلس فيها بسب استيلاء النصارى على مدنهم، فاجتمعت في غرناطة ثقافات عديدة، وقدرات علمية متنوعة.

وأما المذهب السائد عند أهل الأندلس فهو مذهب الإمام مالك رحمه الله (5)، فقد كان هو العمدة في الفتوى والقضاء (6).
__________
(1) انظر: "الإحاطة في أخبار غرناطة" لابن الخطيب (1/ 20).
(2) نفس المرجع (1/ 509).
(3) نفس المرجع (3/ 35).
(4) نفس المرجع (4/ 254).
(5) انظر: "الإحاطة في أخبار غرناطة" لابن الخطيب (1/ 134).
(6) "فتاوى الإمام الشاطبي" (ص 31).


كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف   كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف Emptyالإثنين 19 مارس 2018, 12:50 am

الفصل الثاني حياة المؤلف الشخصية
* وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: اسمه، وكنيته، ونسبه.
المبحث الثاني: مولده، ونشأته، وموطنه.
المبحث الثالث: محنته، وما ابتلي به، واتهامه من خصومه.
المبحث الرابع: وفاته.
--------------------------
المبحث الأول اسمه، وكنيته، ونسبه
أجمع مَنْ ترجم للإمام الشاطبي على أن اسمه: إبراهيم بن موسى بن محمد.

ولم يزيدوا على هذا الاسم أحداً.

أما كنيته:
فقد أجمعوا أيضاً على أن كنيته: أبو إسحاق.

وأما نسبه:
فهو من قبيلة لَخْم، وهي قبيلة من قبائل اليمن، ومنهم كانت ملوك العرب في الجاهلية، وهم آل عمرو بن عدي بن نصر الَّلخْمي (1).

وأما نسبته:
فهو الغرناطي الشاطبي.

فأما الغرناطي فنسبة إلى مملكة غرناطة التي عاش بها، وتقدم الكلام عليها.

وأما الشاطبي فنسبة إلى مدينة شاطبة، وهي مدينة في شرق الأندلس (2).

ولا نعلم سبب نسبته إلى شاطبة، فلعلها كانت مهاجر أسرته قبل غرناطة.
__________
(1) انظر:"الأنساب" للسمعاني (5/ 132)،"الصحاح" للجوهري (20285)، "معجم قبائل العرب" لكحالة (3/ 1012).
(2) انظر: "معجم البلدان" لياقوت (3/ 309).
------------------------------------------------------

المبحث الثاني مولده، ونشأته، وموطنه
أما مولده: فلم يذكر أحد ممن ترجم له سنة ولادته ولا مكانها، بل إن منهم من نص على أنه لم يقف عليها، كما قال أحمد بابا التنبكتي (1) -مع سعة ترجمته-: "ولم أقف على مولده رحمه الله" (2).

وقد اجتهد الشيخ محمد أبو الأجفان في تقدير سنة ولادته فقال: "لم يعين المترجمون لأبي إسحاق.. الشاطبي سنة ولادته، ويمكننا أن نقدر الفترة التي ولد فيها، استنتاجاً من تاريخ وفاة شيخه أبي جعفر أحمد بن الزيات الذي كان أسبق شيوخه وفاة، فقد كانت وفاته سنة 728 هـ، وهي السنة التي يكون فيها مترجمنا يافعاً، وذلك مما يجعلنا نرجح أن ولادته كانت قبيل سنة 720 هـ" (3).

وأما نشأته وموطنه:
فقد كانت في غرناطة آخر مملكة للمسلمين بالأندلس، فبها نشأ، وبها طلب العلم، وفيها أصبح عالماً مفتياً.

ولم يذكر الذين ترجموا له المسائل الدقيقة في نشأته، ولا ذكروا أسرته، وإنما ركزوا على ذكر شيوخه وسماعاته رحمه الله.

ولم يذكر عن الإمام الشاطبي أنه رحل من غرناطة.
__________
(1) هو أحمد بن أحمد بن أحمد بن عمر بن محسن الصنهاجي الماسي السوداني التنبكتي، التكروري المالكي، فقيه عالم مؤرخ، ومن مؤلفاته: "كفاية المحتاج"، و"نيل الابتهاج". توفي سنة (1032 هـ).
انظر: "خلاصة الأثر" للمحبي (1/ 2170)، "شجرة النور الزكية" (ص 298).
(2) "نيل الابتهاج" (ص 49).
(3) انظر: "مقدمة الأستاذ محمد أبو الأجفان لفتاوى الشاطبي" (ص 32).
-------------------------

المبحث الثالث محنته، وما ابتلي به، واتهامه من خصومه:
كان لتصدي الإمام الشاطبي لأنواع من البدع التي أَلِفَها الناس واعتادوها أثره في المواجهة، ليس مع العامة والدهماء، بل ومع بعض العلماء، ومنهم من كان من شيوخه.

وكان مما اتهم به رحمه الله:
1 - القول بأن الدعاء لا ينفع وأنه لا فائدة فيه (1):
وسبب هذه التهمة أن الإمام الشاطبي لم يلتزم الدُّعَاءَ بِهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِ فِي أَدْبَارِ الصَّلَاةِ حَالَةَ الإمامة (2)، وقد كان الناس في الأندلس يلتزمونه في ذلك الزمن.

وممن رمى الإمام الشاطبي بهذه التهمة شيخه أبو سعيد ابن لب (3).
__________
(1) وهذا القول عزاه شارح الطحاوية إلى قوم من المتفلسفة وغالية المتصوفة، محتجِّين بأن المشيئة الإلهية إن اقتضت حصول المطلوب، فلا حاجة إلى الدعاء، وإن لم تقتضه فلا فائدة فيه أيضاً. وقد بين بطلان قولهم بضرورة الدين والعقل والحس والفطرة، وردَّ قولهم بمنع المقدمتين حيث ذكر قسماً ثالثاً وهو أن تقتضيه المشيئة بشرط لا تقتضيه مع عدمه، وقد يكون الدعاء من شرطه، كما توجب الثواب مع العمل الصالح..، ثم إنه إذا لم يحصل المطلوب فقد يحصل غيره للسائل من خيري الدنيا والآخرة، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما من رجل يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجِّل له دعوته، أو يدَّخِر له من الخير مثلها، أو يصرف عنه من الشر مثلها، قالوا: إذاً نُكْثِر، قال: الله أكثر" "المسند" (3/ 18)، وصححه الألباني في تعليقه على "شرح الطحاوية" (ص 462)، وانظر: "شرح الطحاوية" (ص 460 - 462).
(2) انظر النص المحقق (ص 25).
(3) انظر كلامه في: "المعيار المعرب" للونشريسي (6/ 369 - 370).
-----------------

وقد رد الإمام الشاطبي على أصحاب هذا القول، وبيَّن أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، ولا من قوله ولا إقراره، كما لم يفعله أحد من السلف (1).

ورأي الإمام الشاطبي في هذه المسألة هو الصواب، إذ إن هذا العمل من المحدثات، وسبقه شيخ الإسلام ابن تيمية إلى الحكم ببدعية هذا العمل حيث قال: "أما دعاء الإمام والمأمومين جميعاً عقيب الصلوات فهو بدعة" (2).

2 - اتهم رحمه الله بالرفض وبغض الصحابة رضي الله عنهم:
وسبب هذه التهمة أن الإمام الشاطبي لم يلتزم ذكر الخلفاء الراشدين في الخطبة على الخصوص، واحتج بأن ذلك لم يكن مِنْ شَأْنِ السَّلَفِ فِي خُطَبِهِمْ، وَلَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ فِي أَجْزَاءِ الْخُطَبِ (3).

وليس في موقف الإمام الشاطبي من هذه المسألة ما يدل على بغضه للصحابة رضي الله عنهم، ثم إن له سلفاً فيما ذهب إليه، فقد عزا هذا القول إلى أصبغ (4)، والعز بن عبد السلام (5) كما سيأتي في المقدمة.

وإذا نظرنا إلى أن ذكر الخلفاء الراشدين في الخطبة كان مُلْتَزَماً به في بيئة الإمام الشاطبي، بل يعد تاركه مبتدعاً، فلا شك أن كسر هذه القاعدة أمر مطلوب، لأن ذكر الخلفاء الراشدين في الخطبة ليس ركناً فيها ولا واجباً.
__________
(1) انظر: "الاعتصام" (1/ 349 - 368)، (2/ 1 - 6).
(2) "الفتاوى" (22/ 519).
(3) انظر النص المحقق (ص 26).
(4) ستأتي ترجمته في النص المحقق (ص 26).
(5) ستأتي ترجمته في النص المحقق (ص 26).
---------------------------------------------------------

والمسألة من المسائل الخلافية، ولشيخ الإسلام ابن تيمية تفصيل فيها؛ حيث ذكر أن من أهل السنة من يفعله ومنهم من يتركه، إلا أنه قد يكون مأموراً به إذا كان فيه تحصيل لمقصد شرعي؛ كالرد على الخوارج الذين يبغضون علياً وعثمان ويكفرونهما (1).

والذي رمى الشاطبي بذلك هو شيخه أبو سعيد ابن لب (2).

3 - اتُّهِمَ الإمام الشاطبي رحمه الله بالقول بجواز القيام على الأئمة حيث قال:
"وَتَارَةً أُضِيفَ إليَّ الْقَوْلُ بِجَوَازِ الْقِيَامِ عَلَى الْأَئِمَّةِ، وَمَا أَضَافُوهُ إِلَّا مِنْ عَدَمِ ذِكْرِي لهم في الخطبة، وذكرهم فيها محدث لم يكن عليه من تقدم" (3).

وهذه المسألة من جنس المسألة التي قبلها، وليس في موقف الشاطبي منها ما يدل على هذه التهمة، بل له سلف فيما ذهب إليه، فإن ترك الدعاء لأحد في الخطبة هو رأي الإمام الشافعي في كتابه "الأم" (1/ 202 - 203)، والإمام البيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 217)، والعز بن عبد السلام في "فتاويه"، فتوى رقم (16).

وهناك من أجاز الدعاء للسلطان في الخطبة؛ كالطحطاوي في "حاشيته على مراقي الفلاح" (ص 422)، والإمام النووي في "روضة الطالبين" (4/ 527)، والإمام ابن قدامة في "المغني" (2/ 157).

4 - اتُّهمَ الإمام الشاطبي رحمه الله بالتزام الحرج والتنطُّع في الدين:
وسبب هذا كما قال الشاطبي: "وَإِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَنِّي الْتَزَمْتُ فِي التَّكْلِيفِ وَالْفُتْيَا الْحَمْلَ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ الْمُلْتَزَمِ لَا أَتَعَدَّاهُ، وَهُمْ يَتَعَدَّوْنَهُ وَيُفْتُونَ بِمَا يُسَهِّلُ عَلَى السَّائِلِ وَيُوَافِقُ هَوَاهُ، وَإِنْ كَانَ شَاذًّا فِي الْمَذْهَبِ الْمُلْتَزَمِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، وَأَئِمَّةُ العلم على خلاف ذلك..." (4).
__________
(1) انظر: "منهاج السنة" (4/ 156 - 170).
(2) انظر ذلك في: "المعيار المعرب" للونشريسي (6/ 371 - 372).
(3) انظر النص المحقق (ص 27).
(4) انظر النص المحقق (ص 27).
------------------------------------------

وليس في موقف الشاطبي أي تنطع، وانما أراد إغلاق باب تتبع الرُّخص، وتحكيم الهوى في اختيار الفتوى.

وقد تكلم الإمام الشاطبي عن هذه المسألة بشكل أوسع في كتابه الموافقات (1).

والصواب أن الفتوى ينبغي أن تكون بالقول الراجح الذي يعضده الدليل، سواء كان في المذهب أو في غيره من المذاهب الأخرى.

5 - اتُّهِمَ أيضاً بمعاداة أولياء الله:
قال رحمه اللَّهِ: "وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنِّي عَادَيْتُ بَعْضَ الْفُقَرَاءِ الْمُبْتَدِعِينَ الْمُخَالِفِينَ لِلسُّنَّةِ، الْمُنْتَصِبِينَ -بِزَعْمِهِمْ- لِهِدَايَةِ الْخَلْقِ، وَتَكَلَّمْتُ لِلْجُمْهُورِ عَلَى جُمْلَةٍ مِنْ أَحْوَالِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَسَبُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَى الصُّوفِيَّةِ وَلَمْ يَتَشَبَّهُوا بهم" (2).

وقد وصف الإمام الشاطبي طريقة هؤلاء الصوفية في زمنه بقوله: "حَتَّى صَارَتْ فِي هَذَا الزَّمَانِ الْأَخِيرِ كَأَنَّهَا شَرِيعَةٌ أُخْرَى غَيْرَ مَا أَتَى بِهَا مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم-" (3).

ولا شك أن هؤلاء تجب معاداتهم في الله.

6 - اتُّهمَ رحمه الله بأنه مخالف للسنة والجماعة، حيث قال:
"وَتَارَةً نُسِبْتُ إِلَى مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّتِي أُمِرَ بِاتِّبَاعِهَا وَهِيَ النَّاجِيَةُ، مَا عَلَيْهِ الْعُمُومُ، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الْجَمَاعَةَ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ" (4).

وقد تكلم الإمام الشاطبي عن المراد بالجماعة الواردة في الحديث بشكل أوسع في الباب التاسع من الكتاب (5).
__________
(1) (4/ 146).
(2) انظر النص المحقق (ص 27).
(3) أنظر النص المحقق (ص 151).
(4) انظر النص المحقق (ص 27).
(5) انظر: "الاعتصام" (2/ 258 - 267).


كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف   كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف Emptyالإثنين 19 مارس 2018, 12:57 am

وقد رَدَّ الإمام الشاطبي هذه الافتراءات بقوله:
"وكذبوا عليَّ في جميع ذَلِكَ، أَوْ وَهِمُوا (1)، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حال" (2).

ولا شك أن الإمام الشاطبي كان بريئاً من هذه التهم الزائفة التي لا مستند لها إلا الجهل والتعصب واتباع الهوى، فلم نجد في شيء من كتب الإمام الشاطبي ما يشهد لشيء من هذه المزاعم الكاذبة.

وقد كان لهذه المزاعم تأثير بالغ في نفس الإمام الشاطبي كما هو واضح من مقدمته للاعتصام، إلا أن ذلك لم يثنه عن الحق، بل ازداد ثباتاً على ما اعتقده وكان من ثمرات ما ابتلي به الإمام الشاطبي اعتناؤه بموضوع البدع والتأليف فيه.
__________
(1) هذا أدب رفيع من المؤلف، حيث يلتمس لخصومه العذر مع رميهم له بهذه الاتهامات العظيمة.
(2) انظر النص المحقق (ص 28).
------------------------------------------

المبحث الرابع وفاته
توفي الإمام الشاطبي رحمه الله في يوم الثلاثاء الثامن من شعبان سنة 790 هـ في مدينة غرناطة.

ولم يقع خلاف في تاريخ وفاته رحمه الله (1).
__________
(1) انظر تاريخ وفاته في: "برنامج المجاري" (ص 122)، "نيل الابتهاج" للتنبكتي (ص 49)، "الفتح المبين في طبقات الأصوليين" للمراغي (2/ 205)، "شجرة النور الزكية" لمخلوف (ص 23)، "الأعلام" للزركلي (1/ 71)، "معجم المؤلفين" لكحالة (1/ 118).
---------------------------------

الفصل الثالث حياة المؤلف العلمية
* وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: طلبه للعلم وشيوخه.
المبحث الثاني: تلاميذه.
المبحث الثالث: ثقافته ومؤلفاته.
المبحث الرابع: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه.
المبحث الخامس: عقيدته.
-----------------------------
المبحث الأول طلبه للعلم وشيوخه
لقد اشتغل الإمام الشاطبي بالعلم منذ صباه، وسلك في طلبه مسلكاً تربوياً حسناً، حيث بدأ بِأُصُولِ الدِّينِ عَمَلًا وَاعْتِقَادًا، ثُمَّ بِفُرُوعِهِ الْمَبْنِيَّةِ على تلك الأصول، وقد امتاز طلبه للعلم بالشمولية حيث لم يقتصر من العلوم على علم دون علم، ولا أفرد عن أنواعه نوعاً دون آخر، ولم يزل كذلك إلى أن منَّ الله عليه، فشرح له مِنْ مَعَانِي الشَّرِيعَةِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي حسابه، وسيأتي نص كلامه عن طلبه للعلم (1).

وقد أخذ الإمام الشاطبي العلم عن علماء كبار، كان لهم الفضل بعد الله في نبوغه وتقدُّمه في العلم، وقد أجازه بعضهم في ما أخذ عنهم من العلوم، وقد أخذ عن بعضهم العلوم بأسانيدها.

وفيما يلي ذكرهم مع إشارة يسيرة لتراجمهم:
1 - أبو عبد الله محمد بن الفخار (2) (ت 754 هـ):
قال عنه في نفح الطيب: "الإمام المجمع على إمامته في فن العربية، المفتوح عليه من الله تعالى فيها حفظاً واطلاعاً واضطلاعاً ونقلاً وتوجيهاً، بما لا مطمع فيه لسواه" (3). وقد قرأ عليه الإمام الشاطبي القرآن بالقراءات السبع في سبع ختمات، وأكثر عليه في التفقه في العربية وغيرها (4)، ولازمه إلى أن مات (5).
__________
(1) انظر النص المحقق (ص 19).
(2) انظر ترجمته في: "شجرة النور الزكية" (ص 228)، و"نفح الطيب" (5/ 355 - 359).
(3) انظر: "نفح الطيب" (5/ 355).
(4) انظر: "برنامج المجاري" لعبد الله المجاري تلميذ الشاطبي (ص 119).
(5) انظر: "نيل الابتهاج" للتنبكتي (ص 47).
-----------------------------------------------------

2 - أبو سعيد فرج بن قاسم بن أحمد بن لب التغلبي (1) (ت 782 هـ):
كان مفتي غرناطة، وخطيب الجامع الأعظم، والمدرس بالمدرسة النصرية.

قال عنه المقِّري: "قَلَّ من لم يأخذ عنه في الأندلس في وقته" (2)، وقد عرض عليه الإمام الشاطبي مختصر ابن الحاجب في الأصول في مجلس واحد، وأجاز له أن يروي عنه (3)، وقد ناظره الإمام الشاطبي في مسألة دعاء الإمام بعد الصلاة على الهيئة الاجتماعية (4).

3 - أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد المقَّري (5) (الجد) (ت 759 هـ):
إمام علامة، كان قاضي الجماعة بفاس، ومن كتبه: كتاب القواعد، وكتاب الطرف والتحف، وكتاب اختصار المحصل وغيرها.

وقد تفقه به الإمام الشاطبي، وسمع عليه بعضاً من كتابه المسمى بتكميل التعقيب على صاحب التهذيب، وبعض لمحة العارض تكملة ألفية ابن الفارض من نظمه، وبعض اختصاره لجمل الخونجي، وتمهيد القواعد له أيضاً.

وسمع عليه جميع كتاب الحقائق والرقائق من تأليفه، وأجازه به وبجميع ثلاثيات البخاري (6).
__________
(1) انظر ترجمته في: "نثير الجمان" (ص 186)، و"النيل" (ص 219 - 220)، و"نفح الطيب" (5/ 409 - 514)، و"الأعلام" للزركلي (5/ 140).
(2) انظر: "نفح الطيب" للمقري (5/ 513).
(3) "برنامج المجاري" (ص 118).
(4) وقد ذكر الإمام الشاطبي هذه المسألة في "الاعتصام"، ورد على القائلين بجوازها.
انظر: "الاعتصام" (1/ 348 - 349)، (2/ 3 - 6).
(5) انظر ترجمته في: "الإحاطة" (2/ 191)، و"نفح الطيب" (5/ 203).
(6) "برنامج المجاري" لعبد الله المجاري (ص 119 - 120).
-------------------

4 - أبو علي منصور بن عبد الله الزواوي (1):
له مشاركة في كثير من العلوم العقلية والنقلية، ونظر في الأصول والمنطق والكلام..، قدم الأندلس عام 753 هـ، وكان حياً بعد عام 770 هـ.

قرأ عليه الإمام الشاطبي مختصر منتهي السول والأمل في علمي الأصول والجدل للإمام أبي عمرو بن الحاجب من أول مبادئ اللغة إلى آخره بلفظه إلا يسيراً منه سمعه بقراءة غيره، وكل ذلك قراءة تفقه ونظر، وأجازه إجازة عامة بشرطها (2).

5 - أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مرزوق الخطيب التلمساني (3) (ت 781 هـ):
رحل مع والده للشرق سنة (718 هـ)، وأخذ في رحلته عن نحو ألفي شيخ من أهل المشرق والمغرب، وبرع في الطب والرواية، ومن تصانيفه شرح العمدة في الحديث (خمس مجلدات)، وشرح الشفا في التعريف بحقوق المصطفي لم يكمل، وشرح الأحكام الصغرى لعبد الحق.

وقد سمع عليه الإمام الشاطبي جميع الجامع الصحيح للبخاري، بقراءة غيره عليه، وموطأ الإمام مالك بن أنس برواية يحيى بن يحيى، وذلك بالمدرسة النصرية، وأجازه بهما بجميع ما يحمل إجازة عامة بشرطها (4).
__________
(1) انظر ترجمته في: "نيل الابتهاج" للتنبكتي (ص 345 - 347)، و"الإحاطة في أخبار غرناطة" لابن الخطيب (2/ 303)، و"نفح الطيب" للمقري (7/ 147)، و"شجرة النور الزكية" لمحمد مخلوف (ص 234).
(2) "برنامج المجاري" (ص 119).
(3) انظر ترجمته في: "نفح الطيب" للمقري (5/ 390 - 418)، و"نيل الابتهاج" للتنبكتي (ص 268)، و"شجرة النور الزكية" لمحمد مخلوف (ص 236).
(4) "برنامج المجاري" (ص 119).
(5) انظر ترجمته في: "نفح الطيب" للمقري (5/ 189)، و"برنامج المجاري" لعبد الله المجاري (ص 90)، و"الأعلام" للزركلي (6/ 224).
-------------------------------------

6 - أبو القاسم محمد بن أحمد الشريف الحسني السبتي (5) (ت 760 هـ):
رئيس العلوم اللسانية بالأندلس، ولِّي ديوان الإنشاء بغرناطة، ثم القضاء والخطابة فيها، له شروح في الأدب والنحو.

وقد ذكره التنبكتي ضمن شيوخ الشاطبي (1)، ونقل عنه الشاطبي بعض الفوائد (2).

7 - أبو عبد الله محمد بن أحمد الشريف التلمساني (3) (ت 771 هـ):
من أعلام المالكية، انتهت إليه إمامتهم بالمغرب، من كتبه المفتاح في أصول الفقه، وشرح جمل الخونجي. بنيت له مدرسة فقام يدرس بها إلى أن مات، ذكره أحمد بابا التنبكتي ضمن شيوخ الشاطبي (4)، ونقل عنه الشاطبي بعض الشعر (5).

8 - أبو عبد الله محمد بن أبي الحجاج يوسف بن عبد الله بن محمد اليحصبي اللوشي (6) (ت 752 هـ):
اشتهر بالأدب الجيد، وكان خطيباً بالمسجد الجامع بغرناطة، تزهد في آخر حياته.

وقد استجازه الإمام الشاطبي فأجازه إجازة عامة (7).

9 - أبو عبد الله محمد بن علي بن أحمد البلنسي الأوسي (8) (ت 782 هـ):
من علماء غرناطة. لازم شيخ الجماعة ابن الفخار وانتفع به، وكان قائماً على العربية والبيان متقناً، ألّف كتاباً في تفسير القرآن متعدد الأسفار، واستدرك على السهيلي في أعلام القرآن كتاباً نبيلاً.
__________
(1) انظر: "نيل الابتهاج" (ص 47).
(2) انظر: "الإفادات والإنشادات" للشاطبي (ص 89، 101، 125).
(3) انظر ترجمته في: "نيل الابتهاج" للتتبكتي (ص 255 - 256)، و"الأعلام" للزركلي (6/ 224).
(4) انظر: "نيل الابتهاج" (ص 257).
(5) انظر: "الإفادات والإنشادات" للشاطبي (ص 121).
(6) انظر ترجمته في: "الإحاطة" لابن الخطيب (2/ 269 - 272)، و"نفح الطيب" للمقري (5/ 12).
(7) "برنامج المجاري" (ص 119).
(8) انظر ترجمته في: "الإحاطة" لابن الخطيب (3/ 38)، و"نيل الابتهاج" للتنبكتي (ص 270).
-------------------------------------------

وقد ذكره التنبكتي ضمن شيوخ الشاطبي (1)، ونقل عنه الشاطبي في الإفادات (2).

10 - أبو جعفر أحمد بن الحسن الكلاعي المعروف بابن الزيات (3) (ت 728 هـ):
قال عنه ابن الخطيب: "كان جليل القدر، كثير العبادة، عظيم الوقار، حسن الخلق" (4).

تصانيفه كثيرة، منها: تلخيص الدلالة في تلخيص الرسالة، والمعارف الربانية واللطائف الروحانية.

وقد نقل الإمام الشاطبي عنه قوله:
"لو كان لي بيت مال لأنفقته على طلاب العلم، لأنهم قدوتنا وسادتنا ... " (5).

11 - أبو جعفر أحمد بن آدم الشقوري (6):
فقيه، نحوي، فرضي، كان يدرِّس بغرناطة كتاب سيبويه، وقوانين ابن أبي الربيع، وألفية ابن مالك، والمدونة الكبرى.

ذكره التنبكتي ضمن شيوخ الإمام الشاطبي (7).
__________
(1) انظر: "نيل الابتهاج" (ص 47، 270).
(2) انظر: "الإفادات والإنشادات" (ص 94).
(3) انظر ترجمته في: "الإحاطة" لابن الخطيب (1/ 287)، و"شجرة النور" لمخلوف (ص 212).
(4) "الإحاطة" لابن الخطيب (1/ 287).
(5) "روضة الأعلام" لابن الأزرق، نقلاً عن مقدمة محمد أبو الأجفان لفتاوى الشاطبي (ص 38).
(6) انظر ترجمته في: "برنامج المجاري" (ص 125).
(7) انظر: "نيل الابتهاج" (ص 47).
-------------------------------------------

المبحث الثاني: تلاميذه
أخذ عن الإمام الشاطبي عدد من طلاب العلم النجباء، وكان منهم:
1 - أبو يحيى محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عاصم الغرناطي الإمام العالم المحقق البليغ، صحب الإمام الشاطبي وأخذ عنه وانتفع به، له تأليف كبير في الانتصار للإمام الشاطبي، رد فيه على شيخه أبي سعيد ابن لب في مسألة الدعاء بعد الصلاة، استشهد سنة (813 هـ) (1).

2 - أبو بكر محمد بن محمد بن عاصم الغرناطي الفقيه الأصولي المحدث، أخذ عن أعلام منهم الإمام الشاطبي، وله تآليف كثيرة منها التحفة، وله أرجوزة في الأصول، واختصار الموافقات، توفي سنة (829 هـ) (2).

3 - الشيخ أبو عبد الله محمد البياني، تتلمذ على الإمام الشاطبي، وأخذ عنه خلق كثير مثل أبي يحيى بن عاصم وعبد الله بن جزي وغيرهم (3).
__________
(1) انظر ترجمته في: "نيل الابتهاج" للتنبكتي (ص 285)، و"نفح الطيب" للمقري (6/ 148)، و"شجرة النور الزكية" لمخلوف (ص 247).
(2) انظر ترجمته في: "نيل الابتهاج" للتنبكتي (ص 289)، و"شجرة النور الزكية" لمخلوف (ص 247).
(3) انظر ترجمته في: "نيل الابتهاج" للتنبكتي (ص 308)، و"شجرة النور الزكية" لمخلوف (ص 231).
----------------------------------------------------

4 - أبو جعفر أحمد القصار الأندلسي الغرناطي، تتلمذ على الإمام الشاطبي، وقد قال إن الإمام الشاطبي كان يطالعه ببعض المسائل حين تصنيفه الموافقات، ويباحثه فيها، وبعد ذلك يضعها في الكتاب على عادة الفضلاء ذوي الانصاف (1).

5 - أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي بن عبد الواحد المجاري الأندلسي له مؤلف ترجم فيه لشيوخه، ومنهم الإمام الشاطبي، وغالب ترجمته تعداد ما قرأ عليه وذكر شيوخه.

توفي سنة 862 هـ (2).

6 - أبو عبد الله محمد بن علي بن أشرص العالم الجليل الإمام الفقيه، أخذ عن جماعة من العلماء منهم ابن رشيد وأبي جعفر الزيات وابن الفخار وأبي إسحاق الشاطبي. توفي سنة 848 هـ (3).

هؤلاء هم أشهر تلاميذ الإمام الشاطبي رحمه الله.
__________
(1) انظر: "نيل الابتهاج" (ص 49، 76).
(2) "ثبت البلوى" (ص 199).
(3) "شجرة النور الزكية" (ص 214).


كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف   كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف Emptyالإثنين 19 مارس 2018, 1:03 am

المبحث الثالث ثقافته ومؤلفاته
كان الإمام الشاطبي رحمه الله يتمتع بثقافة واسعة، فقد جمع علوماً شتى، ومعارف عديدة، وقد نص في مقدمة الكتاب على أنه نظر في عقليات العلم وشرعياته، وأنه لم يقتصر منه على علم دون علم (1).

وإذا نظرنا إلى ما تلقاه من العلوم عن شيوخه، أدركنا سعة ما جمع من الفنون.

فنجد أن له باعاً في القراءات واللغة والنحو والفقه والأصول والحديث وغيرها، إلا أن تفوقه في علم الأصول ومقاصد الشريعة هو أبرز سماته العلمية.

والناظر في كتب الشاطبي يجد فيها خير شاهد على سعة اطلاعه وغزارة علمه، مع الدقة والتحقيق لما يقرره رحمه الله.

وله بعض المشاركات الشعرية، ومن ذلك:
قصيدته التي قالها بمناسبة تأليف شيخه أبي عبد الله بن مرزوق (2) لكتاب في شرح الشفا للقاضي عياض (3)، حين طلب شيخه من علماء الأندلس نظم قصائد تتضمن مدح الشفا ليجعلها في طالعة شرحه عليه.

فقال الشاطبي:
يا من سما لمراقي المجد مقصده
فنفسه بنفيس العلم قد كلفت
هذي رياض يروق العلم مخبرها
هي الشفا لنفوس الخلق إن دنفت
يجنى بها زهر التقديم أو ثمر الـ
تعظيم والفوز للأيدي التي اقتطفت
أبدت لنا من سناها كل واضحة
حسانه دونها الأطماع قد وقفت
وشيد العقد أركان مؤكدة
بها على متن أهل الشرع قد وقعت
قوت القلوب وميزان العقول متى
حادت عن الحجة الكبرى أو انحرفت
فيا أبا الفضل حزت الفضل في عرض
بها أقرت لك الأعلام واعترفت
وكنت بحر علوم ضل ساحله
منه استمدت عيون العلم واغترفت
زارته من نسمات القدس باسمة
فحركت منه مدح الفكر حين وفت
حتى إذا طفئت أرجاؤه قذفت
لنا بدرتها الحسناء وانصرفت
إن العناية لا يحظى بنائلها
حريصها بل على التخصيص قد وقفت (1)

__________
(1) انظر النص المحقق (ص 19).
(2) تقدمت ترجمته ضمن شيوخ الشاطبي.
(3) ستأتي ترجمته في النص المحقق (ص 245).
-----------------------------------------------------------

ومن شعره رحمه الله لما ابْتُلِيَ بالبدع:
بليت يا قوم والبلوى منوعة
بمن أداريه حتى كاد يرديني
دفع المضرة لا جلب لمصلحة
فحسبي الله في عقلي وفي ديني (2)


وأما مؤلفات الإمام الشاطبي
فقد ألف رحمه الله كتباً نافعة، قال عنها التنبكتي في نيل الابتهاج: "ألف تآليف نفيسة، اشتملت على تحريرات للقواعد وتحقيقات لمهمات الفوائد" (3).

وهذه الكتب منها المطبوع، ومنها ما لم يطبع، وبعضها لا نعلم عنها شيئاً.

فأما كتبه المطبوعة فهي:
1 - الموافقات في أصول الشريعة:
وهذا الكتاب من أحسن ما ألفه الإمام الشاطبي من الكتب، بل من أحسن ما ألف في موضوعه، وهو في أصول الفقه، إلا أن المؤلف ركز فيه على مقاصد الشريعة وأسرار التكليف، فجاء هذا الكتاب متميزاً على ما قبله من الكتب في هذا الموضوع.
__________
(1) انظر هذه الأبيات في: "الإفادات والإنشادات" للشاطبي (ص 150)، و"نيل الابتهاج" للتنبكتي (ص 49).
(2) انظرها في: "نيل الابتهاج" (ص 49).
(3) "النيل" (ص 48).
---------------------------

ولقد وجد هذا الكتاب قبولاً وثناءً من كثير من العلماء، سواء المتقدمين أو المتأخرين، فقد قال عنه التنبكتي في نيل الابتهاج: "وكتاب الموافقات في أصول الفقه كتاب جليل القدر جداً، لا نظير له، يدل على إمامته وبعد شأوه في العلوم سيما علم الأصول، قال الإمام الحفيد ابن مرزوق: كتاب الموافقات المذكور من أقبل الكتب..." (1).

وقال عنه الشيخ عبد الله دراز في مقدمته على الكتاب:
"لم تقف به الهمة في التجديد والعمارة لهذا الفن عند حد تأصيل القواعد، وتأسيس الكليات المتضمنة لمقاصد الشارع في وضع الشريعة، بل جال في تفاصيل مباحث الكتاب أوسع مجال، وتوصل باستقرائها إلى استخراج درر غوال لها أوثق صلة بروح الشريعة..." (2).

والكتاب ينحصر في خمسة أقسام كما قال الإمام الشاطبي في مقدمته:
الأول:
في المقدمات العلمية المحتاج إليها في تمهيد المقصود.

والثاني:
في الأحكام وما يتعلق بها من حيث تصورها والحكم بها أو عليها، كانت من خطاب الوضع أو من خطاب التكليف.

والثالث:
في المقاصد الشرعية في الشريعة وما يتعلق بها من الأحكام.

والرابع:
في حصر الأدلة الشرعية، وبيان ما ينضاف إلى ذلك فيها على الجملة وعلى التفصيل، وذكر مآخذها، وعلى أي وجه يحكم بها على أفعال المكلفين.

والخامس:
في أحكام الاجتهاد والتقليد، والمتصفين بكل واحد منهما (3).

والكتاب مطبوع عدة طبعات، منها طبعة محققة بعناية الشيخ مشهور حسن سلمان جزاه الله خيراً.
__________
(1) "النيل" (ص 48).
(2) "الموافقات" (1/ 7).
(3) "المواقفات" (1/ 23 - 24).
---------------------------------------

2 - الاعتصام:
وهو كتابنا الذي بين أيدينا، وسيأتي الكلام عليه.

3 - الإفادات والإنشادات:
وهذا الكتاب عبارة عن فوائد وطرف وملح وإنشادات نقلها الإمام الشاطبي عن بعض شيوخه، وعن بعض من التقى بهم من العلماء.

قال في نيل الابتهاج:
"وكتاب الإفادات والإنشادات في كراسين، فيه طرف وتحف وملح أدبيات وإنشادات" (1).

وقد حققه الدكتور محمد أبو الأجفان، وطبعته مؤسسة الرسالة سنة 1403 هـ.

4 - فتاوى الإمام الشاطبي:
وهذا الكتاب لم يؤلِّفه الشاطبي، وإنما جمعه الدكتور محمد أبو الأجفان من كتب مخطوطة ومطبوعة للشاطبي.

وقد بلغت هذه الفتاوى ستين فتوى في الفقه والحديث والعقيدة ومسائل البدع.

وقد طبع هذا الكتاب سنة 1405 هـ بمطبعة الكواكب بتونس.

وأما كتبه التي لم تطبع بعد، فمنها:
1 - شرح جليل على الخلاصة في النحو: (في أربعة أسفار):
قال عنه أحمد بابا التنبكتي في النيل: "لم يؤلف عليه مثله بحثاً وتحقيقاً فيما أعلم" (2).
__________
(1) "نيل الابتهاج" (ص 48).
(2) نفس المرجع (ص 48).
---------------------------------

2 - كتاب المجالس:
قال في النيل: "شرح فيه كتاب البيوع من صحيح البخاري، فيه من الفوائد والتحقيقات ما لا يعلمه إلا الله" (1).

3 - شرح رجز ابن مالك في النحو (الألفية) (2):
وقد قام بتحقيقه عدد من أساتذة جامعة أم القرى، ولم يطبع بعد.

4 - عنوان الاتفاق في علم الاشتقاق.

5 - أصول النحو.

والكتابان الأخيران ذكر أحمد بابا أنهما أتلفا في حياته (3).
__________
(1) "نيل الابتهاج" (ص 48).
(2) انظر: "الأعلام" للزركلي (1/ 71).
(3) انظر: "نيل الابتهاج" (ص 48 - 49).


كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف   كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف Emptyالإثنين 19 مارس 2018, 1:15 am

المبحث الرابع مكانته العلمية وثناء العلماء عليه
للإمام الشاطبي رحمه الله مكانة علمية رفيعة، وتبرز مكانته العلمية من خلال ثناء العلماء عليه وعلى كتبه الرائعة.

فقد أثنى عليه كثير من العلماء المتقدمين والمتأخرين، وسوف أذكر شيئاً من كلامهم على وجه الإجمال.

فمن ذلك ما ذكره أحمد بابا في ترجمته حيث قال:
"... الإمام العلامة المحقق القدوة الحافظ الجليل المجتهد، كان أصولياً، مفسراً، فقيهاً، محدثاً، لغوياً، بيانياً، نظاراً، ثبتاً، ورعاً، صالحاً، زاهداً، سنياً، إماماً مطلقاً، بحاثاً مدققاً، جدلياً، بارعاً في العلوم، من أفراد العلماء المحققين الأثبات، وأكابر الأئمة المتفننين الثقات، له القدم الراسخ والإمامة العظمى في الفنون فقهاً وأصولاً وتفسيراً وحديثاً وعربية وغيرها، مع التحري والتحقيق، له استنباطات جليلة، ودقائق منيفة، وفوائد لطيفة، وأبحاث شريفة، وقواعد محررة محققة، على قدم راسخ من الصلاح والعفة والتحري والورع، حريصاً على اتباع السنة، مجانباً للبدع والشبهة، ساعياً في ذلك، مع تثبت تام، منحرف عن كل ما ينحو للبدع وأهلها..." (1).

وقال عنه الإمام الحفيد ابن مرزوق فيما نقل عنه في النيل: "الإمام المحقق العلامة الصالح أبو إسحاق" (2).
__________
(1) "نيل الابتهاج" (ص 47).
(2) نفس المرجع (ص 47).
---------------------------------

وقال عنه تلميذه عبد الله المجاري:
"الإمام العلامة الشهير، نسيج وحده، وفريد عصره، أبو إسحاق..." (1).

وهذا بعض ما أثنى عليه به المتقدمون، وأما ثناء المتأخرين عليه فهو كثير، وأكتفي بذكر شيء من كلام الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله في مقدمته على الاعتصام.

حيث قال:
"لولا أن هذا الكتاب ألف في عصر ضعف العلم والدين في المسلمين، لكان مبدأ نهضة جديدة لإحياء السنة، وإصلاح شؤون الأخلاق والاجتماع، ولكان المصنف بهذا الكتاب وبصنوه كتاب "الموافقات" -الذي لم يسبق إلى مثله سابق أيضاً- من أعظم المجددين في الإسلام، فمثله كمثل الحكيم الاجتماعي عبد الرحمن بن خلدون، كل منهما جاء بما لم يسبق إلى مثله، ولم تنتفع الأمة كما كان يجب بعلمه" (2).

هذا بعضٌ من ثناء العلماء عليه رحمه الله.

ومن أهم الأسباب التي جعلته يحتل هذه المكانة، وينال هذا الذكر الحسن: ما كان يتحلى به من الصدق مع الله تعالى، وتحرِّي الحق، وتطلُّبه ولزومه، والثبات عليه، وإن خالفه أكثر الناس.

وهذا أمر واضح لمن نظر في سيرته، وقرأ كلامه، سيما مقدمته للاعتصام، حيث صدع بالحق، ونهى عن البدع وثبت على موقفه صابراً محتسباً، مع كثرة الاتهامات والافتراءات التي وجهت إليه بسبب ذلك.

وكان من نتيجة ذلك عنايته بموضوع البدع وتصنيفه فيه.
__________
(1) "برنامج المجاري" (ص 116).
(2) "الاعتصام" (1/ 4).
-----------------------------

المبحث الخامس عقيدته (1)
ليس للإمام الشاطبي رحمه الله مؤلف مستقل في أبواب العقيدة حتى يمكن الباحث معرفة رأيه في كل مسألة على وجه الدقة، ولكن كتبه لا تخلو من الكلام على بعض المسائل العقدية التي تأتي عَرَضاً في كلامه.

ومن خلال النظر في هذه المسائل نجد أن للمؤلف ميلاً إلى المذهب الأشعري.

وقبل ذكر أمثلة من المسائل التي مال فيها الإمام الشاطبي إلى مذهب الأشاعرة، تجدر الإشارة إلى بعض الأفكار المنهجية عند المؤلف في مسائل العقيدة.

ومن أهمها:
1 - يرى الإمام الشاطبي أن خبر الآحاد دليل ظني، وأنه لا يؤخذ به في الأمور القطعية، إلا إذا شهد له أصل قطعي كآية قرآنية أو سنة متواترة.

وهذا الرأي للإمام الشاطبي هو مضمون كلامه في عدة مواضع من كتبه، ومن ذلك قوله أثناء رده على المبتدعة الذين يردون أحاديث الآحاد جملة: ".. فعلى كل تقدير خَبَرِ وَاحِدٍ صَحَّ سَنَدُهُ، فَلَا بُدَّ مِنَ اسْتِنَادِهِ إِلَى أَصْلٍ فِي الشَّرِيعَةِ قَطْعِيٍّ فَيَجِبُ قبوله، ومن هنا قبلناه مطلقاً..." (2).
__________
(1) استفدت في هذا المبحث من رسالة ماجستير في الجامعة الإسلامية بعنوان: "الإمام الشاطبي عقيدته وموقفه من البدع وأهلها"، للطالب عبد الرحمن آدم علي، وقد أشرف على الرسالة الدكتور أحمد سعد حمدان، وتوفي الطالب رحمه الله قبل مناقشتها.
(2) "الاعتصام" للشاطبي (1/ 236).
--------------------------------------------

وقال في معرض رده على المبتدعة الذين يستحسنون بعض البدع، ويحتجون على ذلك بحديث: "مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حسن" (1)، قال: "وَالثَّانِي أَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ فِي مَسْأَلَةٍ قَطْعِيَّةٍ فلا يسمع" (2).

وقال في موطن آخر:
"كل دليل شرعي إما أن يكون قطعياً أو ظنياً، فإن كان قطعياً، فلا إشكال في اعتباره، وإن كان ظنياً، فإما أن يرجع إلى أصل قطعي أو لا، فإن رجع إلى قطعي فهو معتبر أيضاً، وإن لم يرجع وجب التثبت فيه ولم يصح إطلاق القول بقبوله..." (3).

وقد تكلم الإمام الشاطبي في المسألة في مواطن أخرى (4)، إلا أنها تدور حول ما تقدم.

وهذا الرأي للإمام الشاطبي متأثر برأي بعض الأشاعرة في المسألة (5)، وهو رأي مخالف لقول أهل السنة الذين يرون أن خبر الآحاد يفيد العلم إذا احتفَّت به القرائن، وتلقته الأمة بالقبول، وينبني على ذلك الاحتجاج به في المسائل القطعية وغيرها، دون تفريق بين مسائل الاعتقاد أو غيرها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"مذهب أصحابنا أن أخبار الآحاد المتلقاة بالقبول تصلح لإثبات أصول الديانات" (6).

وقال الإمام ابن القيم نقلاً عن شيخ الإسلام ابن تيمية:
"وأما القسم الثاني من الأخبار فهو ما لا يرويه إلا الواحد العدل ونحوه، ولم يتواتر لفظه ولا معناه، ولكن تلقته الأمة بالقبول عملاً به أو تصديقاً له..، فهذا يفيد العلم اليقيني عند جماهير أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- من الأولين والآخرين" (7).
__________
(1) ذكره الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" وقال: "لا أصل له مرفوعاً، وإنما ورد موقوفاً على ابن مسعود"، وعزاه لأحمد برقم (3600)، والطيالسي في "مسنده" (ص 23)، وأبي سعيد بن الأعرابي في "معجمه" (84/ 2)، ثم حسن الشيخ الألباني إسناده موقوفاً على ابن مسعود. انظر: "السلسلة الضعيفة" برقم (532) (2/ 17).
(2) انظر: "الاعتصام" (2/ 152).
(3) "الموافقات" للشاطبي (3/ 15).
(4) ومن ذلك ما في "الموافقات" (3/ 17، 25، 26).
(5) انظر: "أصول الدين" للبغدادي (ص 18)، "المستصفي" للغزالي (1/ 145).
(6) "المسودة" (ص 248).
(7) "مختصر الصواعق المرسلة" (2/ 481 - 482).
---------------------------------------------------------------

وقال في موضع آخر:
"وأما الجزم بصحته فإنه يحتف به من القرائن ما يوجب العلم، إذ القرائن المجردة قد تفيد العلم بمضمونها، فكيف إذا احتفت بالخبر.." (1).

وقال الإمام ابن أبي العز:
"وخبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول، عملاً به، وتصديقاً له، يفيد العلم اليقيني عند جماهير الأمة، وهو أحد مسمى التواتر، ولم يكن بين سلف الأمة في ذلك نزاع" (2).

2 - جعل الإمام الشاطبي نصوص الصفات من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، وهذا القول خلاف قول أهل السنة الذين يجعلونها من المحكم (3)، فيؤمنون بما دلت عليه من المعاني التي تليق به سبحانه، ويفوضون كيفيتها إلى الله سبحانه، فإن علم كيفيتها من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه.

ومما يدل على ذلك من كلامه: قوله:
"وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا وَجَدَ فِي الشَّرْعِ أَخْبَارًا تَقْتَضِي ظَاهِرًا خَرْقَ الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ الْمُعْتَادَةِ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ الْإِنْكَارَ بِإِطْلَاقٍ، بَلْ لَهُ سَعَةٌ فِي أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُصَدِّقَ بِهِ عَلَى حَسَبِ مَا جَاءَ، وَيَكِلُ عِلْمَهُ إِلَى عَالِمِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] يَعْنِي الْوَاضِحَ الْمُحْكَمَ، وَالْمُتَشَابِهَ الْمُجْمَلَ، إِذْ لَا يَلْزَمُهُ الْعِلْمُ بِهِ، وَلَوْ لَزِمَ الْعِلْمُ بِهِ لَجُعِلَ لَهُ طريقٌ إِلَى مَعْرِفَتِهِ، وَإِلَّا كَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ، وَإِمَّا أَنْ يَتَأَوَّلَهُ عَلَى مَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ مَعَ الْإِقْرَارِ بِمُقْتَضَى الظَّاهِرِ، لِأَنَّ إِنْكَارَهُ إنكارٌ لِخَرْقِ الْعَادَةِ فِيهِ.

وَعَلَى هَذَا السَّبِيلِ يَجْرِي حُكْمُ الصِّفَاتِ الَّتِي وَصَفَ الْبَارِي بِهَا نَفْسَهُ، لِأَنَّ مَنْ نَفَاهَا نَفَى شِبْهَ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، وَهَذَا مَنْفِيٌّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.
__________
(1) "مختصر الصواعق المرسلة" (2/ 374).
(2) "شرح الطحاوية" (ص 355).
(3) فصّل شيخ الإسلام الكلام في المسألة في "الفتاوى" (13/ 294 - 313). وكذلك في "التدمرية" (القاعدة الخامسة).
----------------------

فَبَقِيَ الْخِلَافُ فِي نَفْيِ عَيْنِ الصفة أو إثباتها، فالمثبت أثبتها صفة على شرط نفي التَّشْبِيهِ، وَالْمُنْكِرُ لِأَنْ يَكُونَ ثَمَّ صِفَةٌ غَيْرُ شَبِيهَةٍ بِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ مُنْكِرٌ لِأَنْ يَثْبُتَ أَمْرٌ إلا على وفق المعتاد" (1).

وقال في موضع آخر ضمن كلامه على انحراف المبتدعة واتباعهم للمتشابه:
"ومثاله في ملة الإسلام: مذهب الظَّاهِرِيَّةِ فِي إِثْبَاتِ الْجَوَارِحِ لِلرَّبِّ الْمُنَزَّهِ عَنِ النقائص؛ من العين واليد والرجل والوجه المحسوسات، والجهة، وغير ذلك من الثابت للمحدثات" (2).

3 - يذهب الإمام الشاطبي إلى القول بتأويل بعض الصفات إذا احتيج إلى التأويل، ويرى أن هناك سعة لمن يأخذ به عند الحاجة.

وقد تقدم كلامه في الفقرة السابقة (3)، وهو رأي الأشاعرة في هذه المسألة.

4 - يرى الإمام الشاطبي رحمه الله أن الخلاف الواقع بين أهل السنة وبين أهل البدع في الصفات خلاف في الفروع، لا في الأصول، ولا سيما إذا وقع ذلك منهم بقصد حسن.

قال رحمه الله وهو يتحدَّث عن عدم تكفير المبتدعة، وأن منهم من ليس بمتبع للهوى بإطلاق:
"وَأَيْضًا فَقَدْ ظَهَرَ مِنْهُمُ اتِّحَادُ الْقَصْدِ مَعَ أهل السنة على الجماعة مِنْ مَطْلَبٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الِانْتِسَابُ إِلَى الشَّرِيعَةِ.

وَمِنْ أَشَدِّ مَسَائِلِ الْخِلَافِ -مَثَلًا- مَسْأَلَةُ إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ؛ حَيْثُ نَفَاهَا مَنْ نَفَاهَا، فَإِنَّا إِذَا نَظَرْنَا إِلَى مَقَاصِدَ الْفَرِيقَيْنِ وَجَدْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَائِمًا حَوْلَ حِمَى التَّنْزِيهِ وَنَفْيِ النَّقَائِصِ وَسِمَاتِ الْحُدُوثِ، وَهُوَ مَطْلُوبُ الْأَدِلَّةِ. وَإِنَّمَا وَقَعَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الطَّرِيقِ، وَذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِهَذَا الْقَصْدِ فِي الطَّرَفَيْنِ مَعًا، فَحَصَلَ فِي هَذَا الخلاف أشبه الواقع بينه وبين الخلاف والواقع في الفروع" (4).

5 - نص الإمام الشاطبي على أن مذهب السلف هو الصواب وأنه أسلم، إلا أنه ظن أن مذهب السلف في الصفات هو مجرد التصديق والتفويض المطلق.
__________
(1) "الاعتصام" (2/ 327).
(2) نفس المصدر (1/ 240).
(3) وانظر أيضاً ما ذكره في: "الاعتصام" (2/ 328 - 329).
(4) انظر: "الاعتصام" (2/ 187).
-----------------------------------------

والسلف إنما فوضوا الكيفية وأثبتوا المعنى.

يقول الشاطبي:
"وأما مسائل الخلاف وإن كثرت، فليست من المتشابهات بإطلاق، بل فيها ما هو منها وهو نادر كالخلاف الواقع فيما أمسك عنه السلف الصالح فلم يتكلموا فيه بغير التسليم له والإيمان بغيبة المحجوب أمره عن العباد؛ كمسائل الاستواء والنزول وأشباه ذلك.

وحين سلك الأولون فيها مسلك التسليم وترك الخوض في معانيها دل على أن ذلك هو الحكم عندهم فيها، وهو ظاهر القرآن" (1).

وقال بعد ذكره لما ذهب إليه بعض المتأخرين من تأويل الصفات:
"وهي مسألة اجتهادية، ولكن الصواب من ذلك ما كان عليه السلف" (2).

ويتضح من آراء الشاطبي المتقدمة أنه متأثر بالأشاعرة في الصفات كما يتضح أنه لم يكن متعصباً لهذا المذهب.

ولا يبدو موقف الشاطبي واضحاً أمام مسائل الصفات، فنجد أنه أثنى على مذهب السلف وعدَّه أصوب، كما نجد أنه عذر من تأولها، وعَدَّ الجميع مجتهدين.

ولعل سبب هذا الموقف للشاطبي ظنه بأن مذهب السلف تفويض معاني هذه الصفات، وأنه لا يفهم منها شيء، وإلا لو أنه ذهب فيها مذهب أهل السنة والجماعة من إثبات معانيها على الوجه الذي يليق به سبحانه، وتفويض كيفيتها إليه سبحانه، لما وسعه إعذار من تأولها وصرفها عن ظاهرها.

وأيضاً هناك سبب آخر لموقف الإمام الشاطبي وهو أنه عَدَّ الخلاف في هذه المسائل شِبْهَ الخلاف الواقع في الفروع، فهو مسألة اجتهادية.
__________
(1) "الموافقات" (3/ 94).
(2) المصدر السابق (3/ 99).
------------------------------------

والصواب أن الخلاف في هذه المسائل العقدية ليس كالخلاف في مسائل الفروع الاجتهادية، فالخلاف في مسائل الفروع مستساغ، ولكنه في مسائل العقيدة مذموم، ولا يعذر أحد في ترك الحق الذي سار عليه أهل السنة والجماعة الذين أثبتوا معاني هذه الصفات على ما يليق بجلال الله سبحانه، وفوَّضوا كيفيتها إلى الله تعالى، ويجب توضيح الحق لمن خالف منهجهم ورد هذه الصفات أو صرفها عن ظاهرها لتقوم عليه الحجة ويقطع عذره أمام الله تعالى.

ومما ينبغي التنبيه عليه أن الإمام الشاطبي رغم تأثره بالفكر الأشعري إلا أنا نجده يقدم النقل على العقل، ويعدُّ الدليل حاكماً على العقل بإطلاق (1)، ويذم طريقة الفلاسفة ومنهجهم (2).

وأين هذا الموقف من موقف متعصبي الأشاعرة الذين يرون تقديم العقل على النقل عند التعارض (3).

وسوف أذكر الآن موقف الشاطبي من بعض المسائل العقدية التي تأثر فيها بعقيدة الأشاعرة وذلك من خلال كلامه رحمه الله.

أولاً: مسألة كلام الله تعالى:
قال الشاطبي رحمه الله في معرض رده على المعتزلة (4) الذين كان من شبههم في نفي صفة الكلام عن الله تعالى قولهم: فَالْكَلَامُ لَا يُعْقَلُ إِلَّا بِأَصْوَاتٍ وَحُرُوفٍ، وَكُلُّ ذلك من صفات المحدثات..، قال: "وَأَمَّا كَوْنُ الْكَلَامِ هُوَ الْأَصْوَاتُ وَالْحُرُوفُ، فَبِنَاءً عَلَى عَدَمِ النَّظَرِ فِي الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ، وَهُوَ مذكور في الأصول" (5).
__________
(1) انظر: "الاعتصام" (1/ 318).
(2) انظر كلامه في ذمهم في: "الموافقات" (1/ 55 - 56، 58، 59 - 60)، (2/ 405)، و"النص المحقق" (ص 71).
(3) وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه: "درء تعارض العقل والنقل" في الرد على هذا القول الباطل.
(4) سيأتي التعريف بهم. انظر النص المحقق (ص 30).
(5) انظر: "الاعتصام" (2/ 330).

-----------------------------------------
فالمؤلف يرى أن في قول الأشاعرة بالكلام النفسي مخرجاً من هذا الإشكال الذي أورده المعتزلة.

وقال أيضاً:
"وهل للقرآن مأخذ في النظر على أن جميع سوره كلام واحد بحسب خطاب العباد، لا بحسبه في نفسه؟ فإن كلام الله في نفسه كلام واحد لا تعدد فيه بوجه ولا باعتبار حسبما تبين في علم الكلام" (1).

وقال أيضاً:
"كتاب الله هو أصل الأصول والغاية التي تنتهي إليها أنظار النظار، ومدارك أهل الاجتهاد، وليس وراءه مرمى، لأنه كلام الله القديم" (2).

وهذا الكلام للشاطبي موافق لقول الأشاعرة في المسألة (3).

ثانياً: مسألة رؤية الله تعالى يوم القيامة:
قال الإمام الشاطبي في معرض رده على الذين أنكروا خوارق العادات.

"وَالسَّابِعُ: رُؤْيَةُ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ جَائِزَةٌ، إِذْ لَا دَلِيلَ فِي الْعَقْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا رُؤْيَةَ إِلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ عِنْدَنَا، إِذْ يُمْكِنُ أَنْ تَصِحَّ الرُّؤْيَةُ عَلَى أَوْجُهٍ صَحِيحَةٍ لَيْسَ فِيهَا اتِّصَالُ أَشِعَّةٍ، وَلَا مُقَابَلَةٌ وَلَا تَصَوُّرُ جِهَةٍ وَلَا فَضْلُ جِسْمٍ شَفَّافٍ، وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَالْعَقْلُ لَا يَجْزِمُ بِامْتِنَاعِ ذَلِكَ بَدِيهَةً، وَهُوَ إِلَى الْقُصُورِ فِي النَّظَرِ أَمْيَلُ، وَالشَّرْعُ قَدْ جَاءَ بِإِثْبَاتِهَا، فَلَا مَعْدِلَ عن التصديق" (4).
__________
(1) "الموافقات" (3/ 224).
(2) المصدر السابق.
(3) انظر كلام الأشاعرة في هذه المسألة في: "كتاب أصول الدين" للبغدادي (ص 106 - 108)، "الإرشاد" للجويني (ص 128 - 137)، "الإنصاف" للباقلاني (ص 96 - 97)، "شرح الباجوري على الجوهرة" (ص 64 - 66، 84).
وانظر في رد أهل السنة عليهم: "فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (12/ 579 - 581) (6/ 295 - 296)، "مختصر الصواعق المرسلة" لابن القيم (2/ 426)، "شرح العقيدة الطحاوية" لابن أبي العز (ص 184 - 188).
(4) انظر: "الاعتصام" (2/ 330).
-----------------------------------------

وهذا النص واضح في إثبات الإمام الشاطبي للرؤية على طريقة الأشاعرة الذين ينفون رؤية الله في جهةٍ، بناءً على نفيهم العلو والفوقية له سبحانه (1).

قال الإمام ابن أبي العز (2):
"ومَنْ قال: يرى لا في جهة فليراجع عقله، فإما أن يكون مكابراً لعقله وفي عقله شيء، وإلا فإذا قال يرى لا أمام الرائي، ولا خلفه، ولا عن يمينه، ولا عن يساره، ولا فوقه، ولا تحته؛ رد عليه كل من سمعه بفطرته السليمة، ولهذا ألزم المعتزلة من نفي العلو بالذات بنفي الرؤية، وقالوا كيف تعقل رؤية بلا مقابلة بغير جهة...".

ثالثاً: مسألة الاستواء:
قال رحمه الله أثناء حديثه عن المتشابهات: "وأما مسائل الخلاف وإن كثرت، فليست من المتشابهات بإطلاق، بل فيها ما هو منها، وهو نادر، كالخلاف الواقع فيما أمسك عنه السلف الصالح، فلم يتكلموا فيه بغير التسليم له والإيمان بغيبه المحجوب أمره عن العباد؛ كمسائل الاستواء وأشباه ذلك، وحين سلك الأولون فيها مسلك التسليم، وترك الخوض في معانيها، دل على أن ذلك هو الحكم عندهم فيها، وهو ظاهر القرآن، لأن الكلام فيما لا يحاط به جهل، ولا تكليف يتعلق بمعناها" (3).

وقال في موضع آخر -مبيناً لقوله: لا تكليف يتعلق بمعناها-:
"المراد أن يتعلق تكليف بمعناه المراد عند الله تعالى، وقد يتعلق به التكليف من حيث هو مجمل، وذلك بأن يؤمن أنه من عند الله، وبأن يجتنب فعله إن كان أفعال العباد، ويجتنب النظر فيه إن كان غير أفعال العباد كقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5] وأشباه ذلك.
__________
(1) انظر قول الأشاعرة في: "الملل والنحل" للشهرستاني (ص 100)، "الإنصاف" للباقلاني (ص 72 - 74، 252)، "أصول الدين" للبغدادي (ص 97 - 102).
وانظر في رد أهل السنة عليهم: "الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (16/ 84، 87)، "درء تعارض العقل والنقل" له أيضاً (1/ 250)، "شرح العقيدة الطحاوية" لابن أبي العز (ص 195).
(2) "شرح الطحاوية" (ص 195).
(3) "الموافقات" للشاطبي (3/ 94).
-------------------------------------------

هذا معنى أنه لا يتعلق به تكليف، وإلا فالتكليف متعلق بكل موجود، من حيث يعتقد على ما هو عليه، أو يتصرف فيه إن صح تصرف العباد فيه، إلى غير ذلك من وجوه النظر" (1).

وفي هذه العبارات يذكر المؤلف أن السلف لم يخوضوا في معنى هذه الصفة ونحوها من الصفات، بل ينهي عن النظر في معناها كما في النص الأخير.

وهذا الكلام للإمام الشاطبي في هذه الصفة موافق لقول بعض الأشاعرة الذين يفوضون معنى الاستواء إلى الله، ويدعون أنه غير معلوم، ظناً منهم أن ذلك مذهب السلف، ومنهم من ذهب إلى تأويل الاستواء بالاستيلاء (2).

رابعاً: مسألة علو الله تعالى:
قال الإمام الشاطبي متحدثاً عما يلزم مفسر القرآن معرفته: "ومن ذلك معرفة عادات العرب في أقوالها وأفعالها ومجاري أحوالها حالة التنزيل، وإن لم يكن ثَمَّ سبب خاص لا بد لمن أراد الخوض في علم القرآن منه، وإلا وقع في الشبه والإشكالات التي يتعذر الخروج منها إلا بهذه المعرفة.

ولابد من ذكر أمثلة تعين على فهم المراد، وإن كان مفهوماً:
قوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50]، {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] وأشباه ذلك، إنما جرى على معتادهم في اتخاذ الآلهة في الأرض، وإن كانوا مقرين بإلهية الواحد الحق.
__________
(1) "الموافقات" للشاطبي (3/ 344).
(2) انظر كلام الأشاعرة في هذه المسألة في: "أصول الدين" للبغدادي (ص 112 - 114)، "الملل والنحل" للشهرستاني (ص 92)، "تفسير الفخر الرازي" (14/ 106، 121).
وانظر في رد أهل السنة عليهم: "الفتاوى" (4/ 67 - 68)، (5/ 34 - 36)، "درء تعارض العقل والنقل" لابن تيمية (1/ 14 - 16)، "مختصر الصواعق المرسلة" لابن القيم (1/ 54 - 55)، "شرح العقيدة الطحاوية" لابن أبي العز (ص 280 - 281).
--------------------

فجاءت الآيات بتعيين الفوق وتخصيصه تنبيهاً على نفي ما ادعوه في الأرض، فلا يكون فيه دليل على إثبات جهة البتة، ولذلك قال تعالى: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 26]، فتأمله، واجر على هذا المجرى في سائر الآيات والأحاديث" (1).

ومن كلامه أيضاً:
قوله عند تقسيمه للبدع إلى مكفرة وغير مكفرة: "لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْبِدَعَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا مَا هُوَ كُفْرٌ، كَاتِّخَاذِ الْأَصْنَامِ لتقربَهم إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، وَمِنْهَا مَا لَيْسَ بكفر كالقول بالجهة عند جماعة" (2).

ولفظ الجهة وإن كان من الألفاظ المحدثة التي ينبغي أن يُسأل عنها لمعرفة المراد بها، لاحتمالها الحق والباطل، إلا أنا إذا نظرنا إلى النص الأول تبين لنا أن مراد الشاطبي نفي صفة العلو، وهو مذهب الأشاعرة، وهو مخالف لمذاهب أهل السنة الذين يثبتون علو الله تعالى وفوقيته سبحانه بأدلة الكتاب والسنة (3).

خامساً: بقية الصفات السمعية:
(النزول - الضحك - اليد - القدم - الوجه - العين).

ذهب الإمام الشاطبي في هذه الصفات إلى ما ذهب إليه في صفة الاستواء من القول بتفويض معناها، وأن ظاهرها غير مراد، وهو قول بعض الأشاعرة (4).
__________
(1) "الموافقات" للشاطبي (3/ 351).
(2) "الاعتصام" للشاطبي (2/ 197).
(3) انظر المسألة في: "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (2/ 297 - 298)، (5/ 122، 126، 227، 231)، "الملل والنحل" للشهرستاني (ص 100)، "شرح العقيدة الطحاوية" لابن أبي العز (ص 282)، "مختصر الصواعق المرسلة" لابن القيم (2/ 369 - 375).
(4) انظر قولهم في: "الإرشاد" للجويني (ص 146)، "الملل والنحل" للشهرستاني (ص 92)، "أصول الدين" للبغدادي (ص 109 - 112)، "أقاويل الثقات" لمرعي بن يوسف الكرمي (ص 136).
--------------------------------

وأوضحُ عبارات الشاطبي في ذلك:
ما ذكره في الاعتصام ذاماً لأهل البدع الذين يتبعون المتشابهات، فقال: "ومثاله في ملة الإسلام مذهب الظَّاهِرِيَّةِ فِي إِثْبَاتِ الْجَوَارِحِ لِلرَّبِّ الْمُنَزَّهِ عَنِ النقائص: من العين والرجل والوجه المحسوسات، والجهة وغير ذلك من الثابت للمحدثات" (1).

وقال أيضاً في سياق كلامه على المتشابه الإضافي:
"وأما مسائل الخلاف وإن كثرت فليست من المتشابهات بإطلاق، بل فيها ما هو منها وهو نادر، كالخلاف الواقع فيما أمسك عنه السلف الصالح، فلم يتكلموا فيه بغير التسليم له، والإيمان بغيبه المحجوب أمره عن العباد، كمسائل الاستواء والنزول والضحك واليد والقدم والوجه وأشباه ذلك، وحين سلك الأولون فيها مسلك التسليم وترك الخوض في معانيها دل على أن ذلك هو الحكم عندهم فيها، وهو ظاهر القرآن، لأن الكلام فيما لا يحاط به جهل، ولا تكليف يتعلق بمعناها" (2).

وقال في موضع آخر:
"وإن سُلِّم فالمراد أن لا يتعلق تكليف بمعناه المراد عند الله تعالى، وقد يتعلق به التكليف من حيث هو مجمل، وذلك بأن يؤمن أنه من عند الله، وبأن يجتنب فعله إن كان من أفعال العباد، ويجتنب النظر فيه إن كان من غير أفعال العباد" (3).

وفي هذه النصوص ما يكفي لبيان موقف الشاطبي من هذه الصفات، وهو خلاف قول أهل السنة فيها، حيث أثبتوا معانيها على الوجه الذي يليق به سبحانه، وفوضوا كيفيتها إلى الله (4).
__________
(1) "الاعتصام" (1/ 240).
(2) "الموافقات" (3/ 94).
(3) "الموافقات" (3/ 344).
(4) انظر في الرد على مذهب الأشاعرة: "فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (4/ 67 - 68)، (5/ 34، 35، 36)، و"درء تعارض العقل والنقل" له أيضاً (1/ 14 - 16)، و"مختصر الصواعق المرسلة" لابن القيم (ص 54 - 55).


كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
كتاب الاعتصام - المحتويات - التعريف بالمؤلف
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» التعريف بالمؤلف
» المحتويات
» المحتويات.. والمقدمة
» المحتويات ونبذة عن الشيخ رفاعة الطهطاوي
» ترجمة الإمام عاصم الكوفي وراوييه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: فـقـــــــه الــدنــيــــا والديـــــن :: كتــاب لم يسبقه سـابق-
انتقل الى: