آداب الـســــــــلام
===========
يبحث العالم اليوم عن السلام كأقصى ما يتمناه الإنسان، وغاية ما ترجوه البشرية، في حين نجد أن الإسلام منذ أربعة عشر قرناً قد مجَّد السلام وكرَّمه، ثم حقَّقه ونشره، بعد أن غرسه في قلب كل مسلم وعلى لسانه وفي كل أعماله.
قدَّس السلام فجعله اسماً من أسماء الله الحسنى التي أمر الله تعالى الناس أن يدعوه بها:
"هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام" الحشر 23.
والسلام هو تحية أبي البشر هدية زفتها له الملائكة الأبرار، قال -صلى الله عليه وسلم-: لما خلق الله تعالى آدم عليه السلام قال: إذهب فسلم على أولئك -نفر من الملائكة جلوس- فاستمع ماذا يحيّونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوا ورحمة الله. متفق عليه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
ولما جاءت الملائكة سيدنا إبراهيم عليه السلام تبشره بإسحاق قدمت بين يديها عند الدخول تحية السلام: "هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين، إذ دخلوا عليه فقالوا سلامًا، قال سلام" الذاريات 25.
وأمر الله تعالى عباده بالسلام على النبي فقال سبحانه:
"إنَّ اللهَ وملائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النَّبِيّ يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَيْهِ وَسَلّمُوا تَسْلِيمًا" الأحزاب 56.
وكما أن الله تبارك وتعالى كرَّر في ثنايا كتابه الكريم السلام على الأنبياء والمرسلين تكريما لأعمالهم، وتخليداً لذكراهم وتعريفاً بفضلهم: "سلامٌ على نوح" الصافات 79، "سلامٌ على إبراهيم" الصافات 109، "سلامٌ على موسى وهارون" الصافات 120، "سلامٌ على إل ياسين" الصافات 130، وعن سيدنا يحيى عليه السلام يقول: "وسلامٌ عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيًا" مريم 15، ويقول على لسان سيدنا عيسى: "والسلام عليَّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعثُ حَيًا" مريم 33.
والإسلام هو دين السلام قال سبحانه:
"يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السِّلْمِ كافة" البقرة 208.
والسلام كلمة مقدسة يكررها المسلم في كل صلاة عدة مرات، ثم يختم صلاته بقوله: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" وهو خير ما في الإسلام.
فعن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ الإسلام خير؟ قال: "تُطعم الطعام، وتقرأ السلام على مَنْ عرفت ومَنْ لم تعرف".
وجعله سبباً مفضياً الى المحبة، فالإيمان فدخول الجنة فقال عليه الصلاة والسلام: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، ألا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم". رواه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
وليلة القدر التي نزل فيها القرآن العظيم هدى ورحمة للعالمين وصفها الله تعالى بأنها: "سَلَامٌ هي حتى مطلع الفجر" القدر 5.
وأمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يُعامل معارضيه وخصومه قائلاً: "فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون" الزخرف 89.
كما جعل تحية أهل الجنة حين يلقون ربهم:
"تحيتهم يوم يلقونه سلام" الأحزاب 44، وعندما تتلقاهم الملائكة: "وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين" الزمر 73، وكذلك ينعم عليهم المولى عز وجل بخطابه الإلهي: "ادخلوها بسلام، ذلك يوم الخلود" ق 34.
وأخيراً فقد شرع الإسلام السلام تحية بين المسلمين وحَضَّ على إفشائه والإكثار من ترداده، كلما لقي المسلم فرداً أو جماعة، عرفهم أم لم يعرفهم كما سبق في الحديث الشريف، وجعل ذلك أحد الطرق الموصلة إلى الجنة فقال عليه الصلاة والسلام: "يا أيها الناس: أفشُوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلّوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام". رواه الترمذي عن عبدالله بن سلام -رضي الله عنه-.
وقد بلغ من محبة السلف الصالح لبذل السلام هذه الحادثة الغريبة: "عن الطفيل بن أبي بن كعب -رضي الله عنه- أنه كان يأتي عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- فيغدو معه إلى السوق، قال: فإذا غدونا إلى السوق، لم يمر عبدالله على سقّاط ولا صاحب بيعة ولا مسكين ولا أحد إلا سَلَّمَ عليه، قال الطفيل: فجئت عبدالله بن عمر يوماً، فاستتبعني إلى السوق، فقلت له: ما تصنع بالسوق، وأنت لا تقف على البيع، ولا تسأل عن السلع، ولا تسوم بها، ولا تجلس في مجالس السوق؟ وأقول: اجلس ههنا نتحدث، فقال: يا أبا بطن، -وكان الطفيل ذا بطن- إنا نغدو من أجل السلام، فنُسلم على مَنْ لقيناه" رواه مالك في الموطأ.
وإذا كان للسلام هذه الأهمية في الإسلام، فإن له آداباً كثيرة على المسلم أن يراعيها في معرفة أحكامه، وكيفية إلقائه، وغير ذلك من الآداب الكريمة التي لا تترك نقيراً ولا فتيلاً ولا قطميراً.
فمن هذه الآداب:
1 »» الالتزام بصيغة السلام الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيقول: "السلام عليكم" ويمكنه أن يزيد: "ورحمة الله وبركاته"، أما رَدُّ السلام فيكون على الفور وبالصيغة التالية: "وعليكم السلام"، والأفضل أن يزيد: "ورحمة الله وبركاته".
ولئن كان إلقاء السلام سُنَّةً فإن رَدَّهُ واجباً يأثم تاركه.
قال تعالى:
"وإذا حُييتم بتحية فحيُّوا بأحسن منها أو رُدُّوهَا، إن الله كان على كل شيءٍ حسيبًا". النساء 86.
وعن عمران بن الحُصين -رضي الله عنهما- قال: جاء رجل الى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: السلام عليكم، فرد عليه ثم جلس، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: عشر، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه فجلس، فقال: عشرون، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه فجلس، فقال: ثلاثون. رواه أبو داود والترمذي.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هذا جبريل يقرأ عليكِ السلام". قالت: قلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته. متفق عليه.
2 »» أن يأتي بضمير الجمع وإن كان المسلم عليه واحداً، وان يقصد من سلامه إمتثاله لأمر الله تعالى ورسوله، وعقد وشائج المحبة والأمان والإطمئنان بين المسلمين.
عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسبع: بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر الضعيف، وعون المظلوم، وإفشاء السلام، وإبرار المقسم. متفق عليه.
3 »» أن يبدأ بالسلام قبل الكلام إذا أتى أحداً في بيته، أو لقي أحداً في الطريق، وأن يختم مجلسه أو كلامه بالسلام أيضاً.
قال الله تعالى:
"يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتُسلموا على أهلها" النور 27.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليُسَلّمْ، فإذا أراد أن يقوم فليُسَلّم. فليست الأولى بأحق من الآخرة". رواه أبو داود والترمذي.
وعن جندب -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا لقي أصحابه لم يصافحهم حتى يسلم عليهم. رواه الطبراني.
وعن قتادة مرسلاً: "إذا دخلتم بيتاً فسَلّمُوا على أهله، فإذا خرجتم فَوَدّعُوا أهله بسلام. رواه البيهقي.
4 »» السلام على أهل بيته كلما دخل البيت أو خرج منه.
عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا بُنَيَّ إذا دخلت على أهلك فَسَلّمْ تكن بركة عليك وعلى أهل بيتك". رواه الترمذي.
5 »» التجرؤ على ابتداء السلام وإلقائه على الآخرين، لا انتظار الناس لتُلقي عليه السلام.
وذلك ليكتسب الأجر الكبير الذي ينتظر من يبدأ غيره بالسلام.
عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قيل يا رسول الله، الرجلان يلتقيان، أيهما يبدأ بالسلام؟ قال: "أوْلَاهُمَا بالله تعالى". رواه الترمذي.
6 »» يُستحب أن يُكَرِّرَ المسلم السلام على أخيه المسلم كلما تقرَّر لقاءه به ولو كان الفاصل زمناً يسيراً.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا لقي أحدكم أخاه فليُسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليُسلم عليه". رواه أبو داود.
7 »» يُستحب إذا أتى قوماً وهم جمعٌ كثيرٌ أن يُسلم عليهم ثلاثاُ حتى يبلغهم جميعاً.
عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً حتى تُفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسَلّمَ عليهم سَلّمَ عليهم ثلاثاً. متفق عليه.
8 »» يُسلم الماشي على الواقف، والرَّاكب على الماشي، والصغير على الكبير، والواحد على الجماعة، والقليل على الكثير، وهكذا...
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يُسَلّمْ الرَّاكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير. متفق عليه.
9 »» إذا قَدِمَ جماعةٌ على فردٍ أجزأ أن يُسَلّمَ أحدهم نيابة عنهم، وإذا قَدِمَ أحدٌ على جماعة فسَلّمَ عليهم أجزأ أن يَرُدَّ أحدُهم عليه نيابةً عنهم.
عن علي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يُجزئ عن الجماعة مرُّوا أن يُسَلّمَ أحدُهم، ويُجزئ عن الجُلوس أن يَرُدَّ أحدُهم. رواه أبو داود والبيهقي.
10 »» يُستحب خفض الصوت بالسلام ليلاً، أو إذا أتى قوماً بينهم نيام.
عن المقداد -رضي الله عنه- قال:
كنا نرفع للنبي -صلى الله عليه وسلم- نصيبه من اللبن، فيجيء من الليل، فيُسَلّمْ تسليماً لا يُوقظ نائماً، ويُسمع اليَقظان. رواه مسلم.
11 »»يُستحب أن يُسَلّمَ على نفسه إذا دخل بيته وكان خالياً قائلاً: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
قال الله تعالى:
"فإذا دخلتم بيوتًا فَسَلِّمُوا على أنفسكم تحيةً مِنْ عند الله مباركةً طيبةً" النور 61.
12 »»يُسن السلام على الصبيان إذا مر بهم، مما يستجلب محبتهم، ويقوي شخصيتهم، ويمهد لنصحهم وتعليمهم، وينفي الكِبْرَ عن الذي ألقى السلام، كما يُستحب إلقاء السلام على الفقراء والمساكين.
عن أنس -رضي الله عنه- أنه مَرَّ على صبيان فَسَلّمَ عليهم وقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعله. متفق عليه.
وفي رواية: أنه مَرَّ على غِلمَان فَسَلَّمَ عليهم.
13 »»تُستحب المصافحة مع السلام، دون الانحناء أو العِنَاق أو التقبيل.
عن البراء -رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مُسْلِمَيْنِ يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا. رواه أبو داود.
وعن أنس -رضي الله عنه- قال:
قال رجل: يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: "لا". قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: "لا". قال: فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: "نعم". رواه الترمذي.
14 »»تُستحب استصحاب بشاشة الوجه، ولين الجانب، وحرارة اللقاء، أثناء إلقاء السلام أو رَدِّهِ.
عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال:
قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طليقٍ". رواه مسلم.
15 »»يُكره إلقاء السلام على مَنْ يبول، وعلى النائم، وعلى المُصَلّي أو المُتوضئ حتى ينتهيا، كما يُكره السلام على تالي القرآن والمُنشغل بالذكر أو الدُّعاء لئلا يشغلهم عن عبادتهم بِرَدِّ السلام، كما يُكره السلام على المؤذن والخطيب والمُدَرّسْ.