| رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الإثنين 14 مارس 2011, 10:10 pm | |
| البدع الحولية
إعداد عبد الله بن عبد العزيز بن أحمد التويجري
هذا الكتاب رسالة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة الماجستير في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية قسم العقيدة ، ومنح صاحبها درجة الماجستير بتقدير ممتاز عام 1406هـ
www.saaid.net
المقـدّمَـة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ، ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد : فإنه لا يشك مسلم في أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفارق الدنيا ويلتحق بالرفيق الأعلى إلا بعد أن أكمل الله هذا الدين الحنيف ، قال تعالى :{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً } ، وجعل رسوله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، قال تعالى :{ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } .
وأن هذا الدين المؤسس على كتاب الله الكريم ، وسنة نبيه عليه أتم الصلاة وأزكى التسليم ،صالح لكل زمان ومكان ، كفيل بكل ما يحتاجه البشر ، ولذلك أمرنا الله باتباعه فقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .
وأمرنا أن نطيع رسوله صلى الله عليه وسلم فقال عز من قائل : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} .وأمرنا برد كل ما يقع فيه النزاع إليه سبحانه وتعالى وإلى رسول صلى الله عليه وسلم ، فقال عز وجل : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} .
فما دام أن الدين كامل ، وليس في حاجة إلى زيادة ، فلا حاجة إذن لإحداث البدع في الدين ، والتقُّرب بذلك إلى رب العالمين ، ومن أحدث بدعة واستحسنها فقد أتى بشرع زائد ، واتهم الشريعة بالنقص ، وكأنه استدرك على الله- سبحانه وتعالى - وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكفى بذلك قبحاً .
ولكن أعداء الإسلام، ومن يغيظهم انتشاره، حسَّنُوا لبعض الناس البدع، وأظهروها بمظاهر براقة خادعة ، وكسوها بمظهر الزهد،والتقرب إلى الله ، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقصدهم كله إفساد دينهم ، ومزاحمة المشروع بالمبتدع ، حتى تكون السنن مستغربة ، والبدع تقوم مقامها !.
وقد روَّج لهذه البدع بعضُ علماء السوء ، وأرباب الطرق الذين جعلوا من ذلك سبيلاً إلى رئاسة الناس ، وكسب الأموال، حتى انتشرت في العالم الإسلامي انتشار النار في الهشيم ، وصار عامة الناس يعدونها أموراً مشروعة يجب المحافظة عليها ، مع تركهم لكثير من السنن المشروعة !.
ولزوم السنة ومحاربة البدعة من الأمور التي تجب على عامة المسلمين ، وعلى العلماء وطلاب العلم خاصة.
والبدع من المنكرات التي يجب تغييرها على حسب القدرة : إما باليد ، أو باللسان ، أو بالقلب . ومن هذا المنطلق ، فقد اخترت الكتابة في هذا الموضوع وهو [ البدع الحولية ] – والمراد بها : البدع التي تتكرر كل حول في وقت معين منه – أداءً لهذا الواجب على حسب قدرتي واطلاعي المحدود ، لاسيما وأن كثيراً من البدع قد تفشى في كثير من البلدان الإسلامية في الوقت الحاضر.
والحمد لله الذي حفظ هذه البلاد من كثير من البدع والضلالات بفضله سبحانه وتعالى،ثم بفضل الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى – الذي كان لدعوته كبير الأثر في محاربة البدع ، ورجوع الناس إلى العقيدة الصحيحة .
أسباب اختيار الموضوع : بما أني أحد الدارسين بكلية أصول الدين بالرياض ، قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة ، وكان نظام الدراسات العليا في هذه الكلية ينص على أن الطالب يدرس سنة تمهيدية يقدم بعدها بحثاً علمياً يتناول جانباً من جوانب الحياة في مجال تخصصه ، فقد بذلت جهدي في العثور على موضوع يكون ذا فائدة علمية ، فوقع اختياري على موضوع (البدع الحولية ) .
وعلى الرغم مما وجدته من صعوبة في البحث عن هذه البدع ولم شتاتها ، فقد اخترت هذا الموضوع لعدة أسباب ، منها : 1. انتشار كثير من البدع في البلاد الإسلامية، بل إن بعض الناس في تلك البلدان اعتبر بعض البدع سنناً يجب المحافظة عليها ، كاحتفالهم بالمولد النبوي ونحوه .
2. أن من أهم أسباب انتشار البدع هو سكوت العلماء وطلاب العلم عن إنكار هذه البدع ، واختياري الكتابة في هذا البحث من باب المشاركة في إنكار هذه المنكرات .
3. ولما كانت هذه البدع منتشرة ومتفرقة في بطون الكتب ، أحببت جمعها وتحقيقها ، وتقريبها لذهن القارئ ، مسلسلة حسب أزمانها ، والاستشهاد بكلام العلماء في حكمهم على هذه الأمور المحدثة بأنها بدع منكرة.
وكذلك تحقيق الخلاف في بعض الأمور التي اختلف العلماء في حكمها: كعتيرة رجب، والتعريف يوم عرفة ، ونحو ذلك . 4. الإشارة إلى بعض الاحتفالات المبتدعة ، والتي صار لها رواج بين المسلمين ،إلا من عصم الله ، ولم يذكرها أغلب العلماء ممن صنفوا في هذا المجال ، كالاحتفال بأعياد الميلاد ، ورأس السنة الهجرية ، وغير ذلك من الاحتفالات المحدثة .
5. الرغبة في الإلمام قدر الاستطاعة بما صنفه العلماء حول هذا الموضوع .
وقد سرت في إعداد البحث على خطة تشمل على:
مقدمة ، وتمهيد ، وتسعة فصول ، وخاتمة . أما المقدمة : فقد تناولت فيها أهمية الموضوع ، وأسباب اختياري له ، والمنهج الذي سأسلكه – إن شاء الله تعالى – في معالجة موضوعاته . وأما التمهيد : فقد تكلمت فيه عن البدع : أولاً : تعريف البدع لغة واصطلاحاً . ثانياً : حكم البدع في الإسلام . ثالثاً : أسباب نشأة البدع . رابعاً : أول بدعة ظهرت في الإسلام . خامساً : أسباب انتشار البدع . سادساً : آثار البدع على المجتمع . سابعاً : وسائل الوقاية من البدع . ثامناً : البدع الحولية .
ثم تسعة فصول على النحو التالي :
الفصل الأول : شهر المحرم : ويشتمل على ثلاثة مباحث: المبحث الأول : بعض الآثار الواردة فيه . المبحث الثاني : البدعة الحزن فيه عند الرافضة . المبحث الثالث : بدعة الفرح فيه عند النواصب .
الفصل الثاني : شهر صفر : ويشتمل على مبحثين : المبحث الأول : بعض الآثار الواردة فيه . المبحث الثاني : بدعة التشاؤم به .
الفصل الثالث : شهر ربيع الأول : بدعة الاحتفال بالمولد النبوي : ويشمل على ستة مباحث : المبحث الأول : أول من أحدث هذه البدعة . المبحث الثاني : حالة المجتمع في ذلك العصر . المبحث الثالث : بعض الشبه التي عرضت للقائلين بهذه البدعة والجواب عنها . المبحث الرابع : طريقة إحياء المولد . المبحث الخامس : حقيقة محبته صلى الله عليه وسلم . المبحث السادس : موقف أهل السنة من هذه البدعة .
الفصل الرابع : شهر رجب : ويشتمل على خمسة مباحث : المبحث الأول : بعض الآثار الواردة فيه . المبحث الثاني : ويحتوي علي مطلبين . * المطلب الأول : تعظيم الكفار لشهر رجب . * المطلب الثاني : عتيرة رجب . المبحث الثالث : بدعة تخصيصه بالصيام أو القيام وحكم العمرة فيه والزيارة الرجبية . المبحث الرابع : بدعة صلاة الرغائب . المبحث الخامس : بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج .
الفصل الخامس : شهر شعبان ، ويشتمل على ثلاثة مباحث : المبحث الأول : بعض الآثار الواردة فيه . المبحث الثاني : بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان . المبحث الثالث : بدعة الصلاة الألفية .
الفصل السادس : شهر رمضان : ويشتمل على مبحثين : المبحث الأول : فضل هذا الشهر وما ورد فيه . المبحث الثاني : بعض البدع التي تقام في هذا الشهر . أولاً : قراءة سورة الأنعام . ثانياً : بدعة صلاة التراويح بعد المغرب . ثالثاً : بدعة صلاة القدر . رابعاً :بدعة القيام عند ختم القرآن في رمضان بسجدات القرآن كلها في ركعة . خامساً : بدعة سرد آيات الدعاء . سادساً : بدعة الذكر بعد التسليمتين من صلاة التراويح . سابعاً : بعض بدع ليلة ختم القرآن . ثامناً : بدعة التسحير . تاسعاً : البدع المتعلقة برؤية هلال رمضان . عاشراً : بدعة حفيظة رمضان . أحد عشر : بدعة قرع النحاس آخر الشهر . اثنا عشر : بدعة وداع رمضان . ثلاثة عشر : بدعة الاحتفال بذكرى غزوة بدر .
الفصل السابع : شهر شوال ، ويشتمل على ثلاثة مباحث : المبحث الأول : بعض الآثار الواردة فيه . المبحث الثاني : بدعة التشاؤم من الزواج فيه المبحث الثالث : بدعة عيد الأبرار .
الفصل الثامن : شهر ذي الحجة، ويشتمل على ثلاثة مباحث : المبحث الأول : بعض الآثار الواردة فيه . المبحث الثاني : بدعة التعريف . المبحث الثالث : بدعة عيد غدير خم .
الفصل التاسع : مشابهة المسلمين للكفار في أعيادهم . ويشتمل على ثمانية مباحث : المبحث الأول : الاحتفال بعيد ميلاد المسيح . المبحث الثاني : الاحتفال بالنيروز. المبحث الثالث : الاحتفال بأعياد الميلاد. المبحث الرابع : الاحتفالات والأعياد المحدثة . المبحث الخامس : الاحتفال برأس السنة الهجرية. البحث السادس : الاحتفال برأس القرن الهجري. المبحث السابع : الاحتفال بذكرى بعض العلماء. المبحث الثامن : مشروعية مخالفة أهل الكتاب .
الخاتمة : وذكرت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذا البحث .
منهجي في إعداد البحث . 1. أفردت كل شهر بفصل خاص ،ذكرت في مقدمته بعض الآثار الواردة فيه،وأشرت في بعض الأشهر إلى بعض الأحاديث الموضوعة ، وهناك بعض الأشهر لم أعثر فيما اطلعت عليه من كتب السنة على آثار في فضله كشهر ربيع الأول .
2. ذكرت أشهر البدع التي تحدث في كل شهر من شهور السنة الهجرية مستشهداً بكلام الأئمة الأعلام ، وبعض العلماء ، على كون هذه الأمور مبتدعة ، ليس لها أصل من الكتابة أو السنة أو الإجماع . وهناك بعض الأشهر لم أجد-حسب اطلاعي المحدود- أحداً من العلماء ذكر فيها شيئاً من البدع-كشهر ربيع الثاني ، وشهري جماد الأولى والثاني ، وشهر ذي القعدة - .
3. حققت الخلاف – قدر استطاعتي – في بعض الأمور التي اختلف العلماء فيها كعتيرة رجب ، وليلة النصف من شعبان ، والتعريف يوم عرفة ، وذكرت ما ترجح لي في الحكم على هذه الأمور .
4. ذكرت بعض الاحتفالات المحدثة ، التي أصلها التشبّه بأهل الكتاب وغيرهم ، في احتفالاتهم الباطلة ثم عقبت ذلك بذكر بعض الأدلة من الكتاب والسنة والآثار والاعتبار على النهي عن التشبه بأهل الكتاب عموماً ، وعن مشابهتهم في احتفالاتهم وأعيادهم خصوصاً .
5. قمت بتخريج الآيات والأحاديث والآثار على النحو التالي : بالنسبة للآيات : أذكر رقم الآية والسورة التي وردت فيها . وبالنسبة للأحاديث والآثار : فإني أذكر راوي الحديث أو الأثر ، واسم الكتاب ، والجزء ورقم الصفحة ،ورقم الحديث إن وجد . وبالنسبة للأحاديث المتفق على صحتها : اقتصرت على رواية الشيخين لها فقط دون غيرهما .
6. قمت بتفسير الكلمات الغريبة التي مرَّت في البحث ، وذلك بالرجوع إلى الكتب التي تعني بتفسير غريب الحديث والأثر ، وكذلك كتب اللغة .
7. ترجمت لجميع الأعلام الذين ورد ذكرهم في هذا البحث بشكل مختصر وذلك بذكر اسم المترجم له ، وتاريخ ولادته ، ووفاته ، وبعض صفاته ، وبعض مؤلفاته- إذا كانت له مؤلفات - . ووضعت ذلك كله في الهامش ليكون أسهل عند الرجوع إليه ، ورجعت في ذلك إلى كتب التراجم المعتمدة ، وهناك بعض الأعلام لم أعثر على ترجمة لهم فأشرت إلى ذلك في الهامش.
8. قمت بعمل فهارس شاملة لهذه الرسالة : فوضعت فهرساً للآيات ، وفهرساً للأحاديث والآثار ، وفهرساً للأعلام ، وفهرساً للأماكن والبلدان ، وفهرساً للفرق ، وفهرساً لمصادر البحث ، وفهرساً للموضوعات . وكل ذلك تم عمله في أصل الرسالة ، ولكني اكتفيت هنا – خشية الإطالة – بذكر فهرس مصادر البحث وكذا فهرس الموضوعات .
واتبعت في هذا الطرق التي يجري اتباعها في عمل مثل هذه الفهارس ، ووضحت في بداية كل فهرس الطريقة المتبعة فيه لتسهل الاستفادة منه.
9. التزمت بما ورد في خطة البحث المشار إليها سابقاً ، وحاولت أن أوفي كل موضوع حقه قدر الإمكان ، حتى استدعى ذلك الإطالة في بعض الموضوعات .
10. بذلت جهدي ، واستفرغت طاقتي في صياغة أسلوب هذا البحث ، ليكون سهل العبارة ، متناسق التركيب ، واضح المعنى .وأشرت في كل مبحث إلى المراجع التي اعتمدت عليها ليسهل على القارئ الرجوع إليها .
وبعد : فإنني أجزم بأنني لو أعدت النظر في هذا البحث مرة بعد أخرى لوجدت فيه ما يحتاج إلى تعديل أو تبديل ، أو تقديم أو تأخير ، ولكني أقول :
هذا جهد المقل ، فما كان فيه من صواب فمن الله سبحانه وتعالى وأحمده على ذلك ، وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان وأستغفر الله من الخطأ والزلل ، فالكمال لله وحده ، والعصمة لأنبيائه ورسله ، وكل كتاب لا يخلوا من هذا سوى كتاب الله فهو الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} .وقال عز من قائل : {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيرا} . فلا شك أن النقص مستول على جملة البشر إلا من عصم الله .
وأنه من باب الاعتراف بالجميل ، وإرجاع الفضل إلى أهله ،لا يفوتني أن أشكر الله العلي القدير على ما يسر لي من سبل البحث، ثم أشكر كل من مدَّ لي يد العون والمساعدة بتوجيهات وإرشاداته خلال إعدادي لهذا البحث .
وأخص بالشكر فضيلة الشيخ / فهد بن حمين الفهد ، المشرف على هذه الرسالة ، والأستاذ بكلية أصول الدين ، الذي منحني الكثير من وقته وجهده وعلمه ، رغم كثرة مشاغله ،فقد وجدت من فضيلته كل تعاون وتوجيه ، مع رحابة صدر وتواضع جم، فكان لي – بعد الله – خير مرشد ومعين وموجه إلى طريقة البحث السليم ، فالله أسأل أن يجزيه عني خير الجزاء وأن يجزل له المثوبة والأجر، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين.
كما أخص بالشكر فضيلة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ الأستاذ بكلية الشريعة بالرياض الذي عرضت عليه خطة البحث قبل تقديمها للكلية ، وأبدى بعض الملاحظات القيمة عليها ، وجعل مكتبته الخاصة رهن إشارتي ، ولم يبخل عليَّ بعلمه ومشورته ووقته أيضاً ، رغم كثرة التزاماته ، فجزاه الله عني وعن المسلمين خير الجزاء .
كما أتقدم بالشكر والتقدير لكلية أصول الدين ، ولعموم الأساتذة الأفاضل أعضاء قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة الذين كان لتوجيهاتهم الطيبة أكبر الأثر في خروج هذا البحث على هذا الشكل.
وختاماً : أرجو المعذرة مرة أخرى عما يحصل في هذا البحث من خطأ أو تقصير أو نقص ، وأسأله سبحانه وتعالى أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم ، وأن ينفع به إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم المؤلف ************************** التمهيد
البدع:
أولاً : تعريف البدع لغة واصطلاحاً . ثانياً : حكم البدع في الإسلام . ثالثاً : أسباب نشأة البدع . رابعاً : أول بدعة ظهرت في الإسلام . خامساً : أسباب انتشار البدع . سادساً : آثار البدع على المجتمع . سابعاً : وسائل الوقاية من البدع . ثامناً : البدع الحولية .
أولاً : تعريف البدعة.
1- البدع لغة: قال ابن منظور : (( بدع الشيء يبدعه بدعاً وابتدعه : أنشأه وبدأه . وبدع الركيَّة : استنبطها وأحداثها ... والبديع والبدع : الشيء الذي يكون أولاً )).
وفي التنزيل : { قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ} أي : ما كنت أول من أُرسِل ،قد أرسل قبلي رسلٌ كثير.... وفلان بدع في هذا الأمر أي أول لم يسبقه أحد .... وأبدع وابتدع وتبدَّع : أتى ببدعةٍ ، قال الله تعالى :{وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} . قال رؤبة : إن كنت للهِ التقيّ الأطوعا فليس وجه الحقِّ أن تبدعا
وبدّعه : نسبة إلى البدعةِ . والبديع : المحدث العجيب ، والبديع : المبدع . وأبدعت الشيء : اخترعته لا على مثال . والبديع : من أسماء الله تعالى لإبداعهِ الأشياء وإحداثه إياها . وهو البديع الأول قبل كل شيءٍ ، ويجوز أن يكون بمعنى مبدع ، أو يكون من بدع الخلق أي بدأه ، والله تعالى كما قال سبحانه : {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} . أي : خالقها ومبدعها ، فهو سبحانه الخالق المخترع لا عن مثال سابق ... وسقاء بديع : أي جديد .... وأبدعت الإبل : بركت في الطريق من هزال أو داء أو كلال . وأبدعت هي : كلت أو عطبت ، وقيل : لا يكون الإبداع إلا بظلع . وأبدع وأبدع به وأبدع : كلَّت راحلته أو عطبت وبقي منقطعاً به ، وحسر عليه ظهره أو قام به أي وقف به. وفي الحديث: أن رجلاً أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! إني أبدع بي فاحملني . أي : انقطع بي لكلال راحلتي .... كأنه جعل انقطاعها عما كانت مستمرة عليه من عادة السير إبداعاً أي إنشاء أمر خارج عما أعتيد منها .
فتبين لنا مما تقدَّم أن معنى (بدع ) يقصد به غالباً الإحداث والاختراع على غير مثال سابق . وإبداع الإبل – أي تعبها وكللها – أمر حادث أيضاً ، فالمعتاد منها الاستمرار في السير . فالبدعة : اسم هيئة من الابتداع ، كالرفعة من الارتفاع ، وهي كل شيء أحدث على غير مثال سابق .
2- البدعة في الاصطلاح : اختلف العلماء في تحديد معنى البدعة في الاصطلاح ، فمنهم من جعلها مقابل السنة ، ومنهم من جعلها عامة تشمل كل ما حدث بعد عصر الرسول صلى الله عليه وسلم سواء كان محموداً أو مذموماً ، ونبين ذلك فيما يلي :
القول الأول : أن كل ما حدث بعد عصر الرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بدعة ، سواء كان محموداً أو مذموماً . وقال به الشافعي ، والعز بن عبد السلام ، والقرافي ، والغزالي في الإحياء ، وابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر ، والنووي في شرح صحيح مسلم . قال الإمام الشافعي – رحمه الله – فيما روي عن حرملة بن يحي قال : سمعت الإمام الشافعي – رحمه الله – يقول : ( البدعة بدعتان : بدعة محمود وبدعة مذمومة ، فما وافق السنة فهو محمود ، وما خالف السنة فهو مذموم ) . وقال العز بن عبد السلام في تعريف البدعة هي: ( فعل ما لم يعهد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . وقد اعتمدوا في ذلك على ما ورد عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – حيث قال في صلاة التراويح : ((نعم البدعة هذه )) .
القول الثاني : أن البدعة لا تطلق على ما خالف السنة و به قال الشاطبي ،وابن حجر العسقلاني ،وابن حجر الهيتمي ، وابن رجب الحنبلي ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، والزركشي . قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: ( وقد قررنا في قاعدة السنة والبدعة : أن البدعة في الدين هي ما لم يشرعه الله ورسوله ، وهو ما لم يأمر به أمر إيجاب ولا استحباب ، فأما ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب ، وعلم الأمر به بالأدلة الشرعية : فهو من الدين الذي شرعه الله ،وإن تنازع أولو الأمر في بعض ذلك .وسواء كان هذا مفعولاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يكن . فما فعل بعده بأمره ؛ من قتال المرتدين ، والخوارج المارقين ، وفارس ، والترك ، والروم ،وإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب ، وغير ذلك – هو من سنته .
وقال الشاطبي في تعريف البدعة : ( البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية ، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ) . وهذا على رأي من لا يدخل العادات في معنى البدعة ، وإنَّما يخصّها بالعبادات . وأما على رأي من أدخل الأعمال العادية في معنى البدعة فيقول : ( البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية ، يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية ) . يتبع...
عدل سابقا من قبل ahmed_laban في الثلاثاء 15 مارس 2011, 8:15 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الإثنين 14 مارس 2011, 10:17 pm | |
| أدلة أصحاب القول الثاني : أ- من السنة: 1- ما رواه جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما- قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا وصوته ، واشتد غضبه ، حتى كأنه منذر جيش يقول ((صبحكم ومساكم )) ، ويقول : ((بعثت أنا والساعة كهاتين ))، ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ، ويقول : (( أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله ،وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة )) ، ثم يقول : (( أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي وعلي)) .
2- ما رواه ابن مسعود – رضي الله عنه – مرفوعاً وموقوفاً أنه كان يقول : (( إنما هما اثنتان الكلام والهدي ،فأحسن الكلام كلام الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ألا وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن شر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلاله ))
3- ما رواه العرباض بن سارية - رض الله عنه - قال :صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، فقال قائل : يا رسول الله ! كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟ فقال : (( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ، وإن عبداً حبشياً ، فإنه من يعش منكم فسير اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها ، وعضُّو عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ))
ب- ومن الآثار : 1. ما ورد عن ابن العباس – رضي الله عنهما – أنه قال : ((ما أتى على الناس عام ، إلا أحدثوا فيه بدعة ، وأماتوا فيه سنَّة، حتى تحيا البدع وتموت السنن )) .
2. وورد عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أنه قال : (( اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم )) .
فما تقدم من الأحاديث والآثار ، يدلُّ على أنَّ البدعة لم ترد في الشرع إلا مذمومة . فالراجح- والله أعلم – أن البدعة لا تطلق إلا على ما خالف السنة، فليس في البدع محمود.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : ( واعلم أن هذه القاعدة وهي: الاستدلال بكون الشيء بدعة على كراهته ، قاعدة عامة عظيمة ، وتمامها بالجواب عما يعارضها ، وذلك أن من الناس من يقول : البدع تنقسم إلى قسمين : حسنة ، وقبيحة . بدليل قول عمر رضي الله عنه – في صلاة الترويح: ((نعمت البدعة هذه )) . وهؤلاء المعارضون يقولون : ليست كل بدعة ضلالة .
والجواب: أما القول ((أن شر الأمور محدثاتها، وأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار))، والتحذير من الأمور المحدثات: فهذا نصُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يحل لأحد أن يدفع دلالته على ذمّ البدع ، ومن نازع في دلالته فهو مراغم ..... (ولا يحلُّ لأحد أن يقابل هذه الكلمة الجامعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي قوله : ((كل بدعة ضلالة )). بسلب عمومها ، وهو أن يقال : ليست كل بدعة ضلالة ، فإن هذا إلى مشاقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرب منه إلى التأويل ) .
فأمَّا صلاة الترويح فليست بدعة في الشريعة ، بل سنة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله في الجماعة .
ولا صلاتها في الجماعة بدعة ، بل هي سنة في الشريعة ، بل قد صلاَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجماعة ، في أول شهر رمضان ثلاث ليال ، وقال في الرابعة : (( أمَّا بعد: فإنه لم يخف على مكانكم ، ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها)) .
فعلَّل صلى الله عليه وسلم عدم الخروج بخشية الافتراض ، فعلم بذلك أن المقتضي للخروج قائم ، وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم ، فلما كان في عهد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – جمعهم على قارئ واحد ، وأسرج المسجد ، فصارت هذه الهيئة ، وهي اجتماعهم في المسجد وعلى إمام واحد مع الإسراج عملاً لم يكونوا يعملونه من قبل ، فسُمِّي بدعة ؛ لأنَّهُ في اللغة يسمى بذلك ، ولم يكن بدعة شرعية ؛ لأنَّ السنَّة اقتضت أنه عمل صالح ، لولا خوف الافتراض ، وخوف الافتراض زال بموته صلى الله عليه وسلم ، فانتفى المعارض .
وأما قولُ عمر- رضي الله عنه- : (( نعمت البدعة هذه )) فأكثر المحتجِّين بهذا لو أردنا أن نثبت حكماً بقول عمر – رضي الله عنه- الذين لم يُخالف فيه ، لقالوا : قول الصاحب ليس بحجة ، فكيف يكون حجة لهم في خلاف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن اعتقد أن قول الصاحب حجَّة ، فلا يعتقده إذا خالف الحديث .
وتسمية عمر - رضي الله عنه- صلاة التراويح بدعة، تسمية لغوية ، لا تسمية شرعية ؛ لأن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداءً من غير مثال سابق .
وأما البدعة الشرعية : فما لم يدل عليه دليل شرعي . فإذا كان نص رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دلَّ على استحباب فعل ، أو إيجابه بعد موته ، أو دلَّ عليه مطلقاً ، ولم يعمل به إلا بعد موته ككتاب الصدقة الذي أخرجه أبو بكر – رضي الله عنه - ، فإذا عمل ذلك العمل بعد موته ، صحَّ أن يسمى بدعة في اللغة ؛ لأنَّه عمل مبتدأ ، وكذلك صلاة التراويح ، ومثلها جمع القرآن الكريم ، ونفي عمر – رضي الله عنه – ليهود خيبر ونصارى نجران ، ونحوهما من جزيرة العرب .
ثانياً : حكم البدع في الإسلام : يختلف حكم البدعة باختلاف تقسيمها ، فالعلماء الذين قسَّمُوا البدعة إلى خمسة أقسام بحسب الأحكام التكليفية- كالعز بن عبد السلام وغيره-لا إشكال عندهم- رحمهم الله- في حكم البدعة، فهي عندهم تنقسم إلى بدعة واجبة وبدعة مندوبة ، وبدعة مباحة وبدعة مكروهة وبدعة محرمة. فالبدعة الواجبة حكمها الوجوب،والبدعة المندوبة حكمها الندب...وهكذا باقي أقسام البدعة عندهم. وأما على قول من قال إن البدع كلها مذمومة - وهو القول الراجح من أقوال العلماء -فإنهم قالوا بأن البدع حرام ، ولكنها تتفاوت في التحريم :
أ- فمنها ما هو كفر لا يحتمل التأويل ، كبدعة الجاهلية التي نبَّه عليها القرآن ، كقوله تعالى : {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا} . وقوله تعالى : {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ} . وقوله تعالى : { َما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ} .
وكذلك بدعة المنافقين في اتخاذ الدين ذريعة لحفظ النفس والمال... وما أشبه ذلك من أنواع الكفر.
ب- ومنها ما هو من المعاصي التي ليست بكفر ، أو مختلف فيها هل هي كفر أم لا ؟ ؛ كبدعة الخوارج ، والقدرية ، والمرجئة ، ومن أشبههم من الفرق الضَّالة .
ج- ومنها ما هو معصية ؛ كبدعة التبتل ، والصيام قائماً في الشمس ، والخصاء بقصد قطع شهوة الجماع .
د- ومنها ما هو مكروه ، كبدعة التعريف – وهو اجتماع الناس في المساجد للدعاء عشية عرفة – وذكر السلاطين في خطبة الجمعة ، ونحو ذلك . فهذه البدع ليست في رتبة واحدة ، وليس حكمها واحد .
وكما أن المعاصي منها ما هو صغيرة ، ومنها ما هو كبيرة ويعرف ذلك بكونها واقعة في الضروريات أو الحاجيات أو التكميليات - التحسينات - فإن كانت الضروريات- وهي الدين ، والنفس ، والنسل ، والعقل ، والمال - فهي أعظم الكبائر ، وإن وقعت في التحسينات فهي أدنى رتبة بلا إشكال ، وإن وقعت في الحاجيات فمتوسطة بين الرتبتين .
والبدع من جملة المعاصي ، وقد ثبت التفاوت في المعاصي ، فكذلك يتصور مثله في البدع : فمنها ما يقع في الضروريات ، ومنها ما يقع في الحاجيات ، ومنها ما يقع في التحسينات .
وما يقع في رتبة الضروريات : منه ما يقع في الدين أو النفس أو النسل أو العقل أو المال .
فمثال وقوعه في الدين : ما تقدم من اختراع الكفار ، وتغييرهم ملة إبراهيم - عليه السلام – من نحوه قول تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ} .
قال سعيد بن المسيب- رحمه الله-: البحيرة : التي يمنح درّها للطواغيت ،فلا يحلبها أحد من الناس. والسَّائبة : كانوا يسبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء . والوصيلة : الناقة البكر ، تُبكّر في أول نتاج الإبل بأنثى ، ثم تثنى بعد بأنثى ، وكانوا يُسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ، ليس بينهما ذكر . والحام : فحل الإبل يضرب الضراب المعدود ، فإذا قضى ضرابه ، ودعوه للطواغيت ، وأعفوه من الحمل فلم يُحمل عليه شيء ، وسموه الحامي . ففي الآية السابقة نفي لفعل أهل الجاهلية وتغييرهم ملة إبراهيم – عليه السلام- ، حيث اخترعوا أشياء من أنفسهم ، ونسبوه إلى الدين ، وجعلوها من شعائرهم .
ومثال ما يقع في النفس : ما ذكر من نحل الهند في تعذيبها أنفسها بأنواع العذاب الشنيع والقتل بالأصناف التي تفزع منها القلوب ، كل ذلك على استعجاب الموت لنيل الدرجات العلى بزعمهم . ومنها قتل العرب أولادهم في الجاهلية خشية الفقر أو العار ، قال تعالى : { وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ } . وقال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ*بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } .
ومثال ما يقع في النسل : نكاحات الجاهلية ، فجاء عن عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها -: (( أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء : فنكاح منها نكاح الناس اليوم ، يخطب الرجل إلى الرجل وليّته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها .ونكاح آخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها : أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبداً حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه ،فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنَّما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد ،فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع . ونكاح آخر : يجتمع الرهط ما دون العشرة ، فيدخلون على المرأة كلهم يُصيبها ، فإذا حملت ووضعت ومرّ ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم ، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع ، حتى يجتمعوا عندها ، تقول لهم : قد عرفتم الذي كان من أمركم ، وقد ولدت فهو ابنك يا فلان ، تُسمي من أحبت باسمه ، فيلحق به ولدها ، لا يستطيع أن يمتنع به الرجل . ونكاح الرابع : يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمنع من جاءها ، وهنَّ البغايا ،كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علماً، فمن أرادهن دخل عليهنَّ ، فإذا حملت إحداهن ، ووضعت حملها ،ج معوا لها ودعوا لهم القافة ، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاطته به ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك . فلما بُعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله ، إلا نكاح الناس اليوم)) . ومثال ما يقع في العقل : أن الشريعة بَّينت أن حكم الله على العباد لا يكون إلا بما شرع في دينه على ألسِنة أنبيائه ورسله ، ولذلك قال تعالى{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} . وقال تعالى : { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} . فخرجت أقوام عن هذا الأصل فزعموا أن العقل له مجال في التشريع وأنه مُحسن ومُقبح ، فابتدعوا في دين الله ما ليس فيه . ومثال ما يقع في المال : أ الكفار قالوا :{ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا} . فإنهم لما استحلوا العمل به احتجُّوا بقياس فاسد ، فقالوا : إذا فسخ العشرة التي اشترى بها إلى شهر في خمسة عشر إلى شهر ، فهو كما لو باع بخمسة عشر إلى شهرين فأكذبهم الله تعالى ورد عليهم فقال : {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} ؛ أي : ليس البيع مثل الربا ، فهذه محدثة أخذوا بها مستندين إلى رأي فاسد ، فكان من جملة المحدثات كسائر ما حدثوا في البيوع الجارية بينهم المبنية على الخطر والغرر. ومن ذلك أيضاً ما شرعوه في الأموال كالحظوظ التي كانوا يخصُّون بها الأمير ، وسموها بأسماء مختلفة بينها شاعرهم بقول : لك المرباع فيها والصفايا وحكمك والنشيطة والفضول فلما أنزل الله القرآن بقسمة الغنيمة في قوله تعالى : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}الآية ،ارتفع حكم هذه البدعة . ويرى الشاطبي أن البدعة لا تكون صغيرة إلا إذا توفرت فيها عدة شروط ؛ منها : 1- أن لا يداوم عليها ، فإنَّ الصغيرة من المعاصي لمن داوم عليها تكبر بالنسبة إليه ؛لأن ذلك ناشئ عن الإصرار عليها، والإصرار على الصغيرة يُصيِّرها كبيرة . 2- أن لا يدعو المبتدع إلى بدعته ، فإن البدعة قد تكون صغيرة بالإضافة ثم يدعو مبتدعها إلى القول بها والعمل على مقتضاها ، فيكون إثم ذلك كله عليه . 3- أن لا يفعلها في المواضع التي هي مجتمعات الناس أو المواضع التي تقام فيها السنن ، وتظهر فيها أعلام الشريعة ، فأما إظهارها في المجتمعات ممن يُقتدى به أو ممن يحسن الظن به، فذلك من أضر الأشياء على سنة الإسلام ؛ لأنه إما أن يقتدي العوام بصاحبها فيها ، وإذا اقتدى بصاحب البدعة الصغيرة كبرت بالنسبة إليه ، أو أن يتوهم الناس أن ما أظهره هو من شعائر الإسلام فكأنه بإظهاره لها يقول : هذه سنة فاتبعوها . 4-أن لا يستصغرها ولا يستحقرها،فإن ذلك استهانة بها،والاستهانة بالذنب أعظم من الذنب فكان ذلك سبباً لعظم ما هو صغير فإذا تحققت هذه الشروط ، فإن ذلك يرجى أن تكون صغيرتها صغيرة ، فإذا تخلف شرط منها أو أكثر ، صارت كبيرة ، أو خيف أن تكون كبيرة ، كما أن المعاصي كذلك . وبعد أن تكلمنا عن حكم البدع نورد بشكل موجز موقف السلف الصالح من البدع عموماً وتحذيرهم منها ، فمن ذلك : • قول ابن مسعود -رضي الله عنه - :(( الاقتصاد في السنة ، أحسن من الاجتهاد في البدعة )) . • وقول ابن عباس- رضي الله عنهما -: (( ما أتى على الناس عام إلا أحدثوا فيه بدعة ، وأماتوا فيه سنة حتى تحيا البدع ، وتموت السنن )) . • وكذلك قول ابن مسعود -رضي الله عنه - : ((اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم )) . • وقال معاذ بن جبل – رضي الله عنه - : (( إن من ورائكم فتناً يكثر فيها المال ، ويفتح فيها القرآن ، حتى يأخذه المؤمن والمنافق ، والرجل والمرأة والصغير والكبير ، والعبد والحر ، فيوشك قائل أن يقول : ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن ؟ ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره . فإياكم وما ابتدع ، فإن ما ابتدع ضلالة ، وأحذركم زيغة الحكيم ، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم ، وقد يقول المنافق كلمة الحق )) . فموقف السلف من البدع صريح وواضح ،وهو التحذير من البدع والحرص الشديد على التمسك بالسنة والاعتصام بها، ولهذا قال أئمة الإسلام؛ كسفيان الثوري وغيره ،أن البدع أحب إلى إبليس من المعصية ؛لأن البدعة لا يتاب منها ،والمعصية يتاب منها. ومعنى قولهم أن البدعة لا يتاب منها :أن المبتدع الذي يتخذ ديناً لم يشرعه الله ولا رسوله ،قد زين له سوء عمله فرآه حسناً، فهو لا يتوب ما دام يراه حسناً لأن أول التوبة العلم بأن فعله سيئ ليتوب منه أو بأنه ترك حسناً مأموراً به أمر إيجاب أو استحباب ليتوب ويفعله ، فما دام يرى فعله حسناً وهو سيء في نفسه الأمر فإنه لا يتوب . ولكن التوبة منه ممكنة وواقعة ، بأن يهديه الله ويرشده حتى يتبين له الحق كما هدى سبحانه وتعالى من هدى من الكفار والمنافقين ، وطوائف من أهل البدع والضلال . وسئل الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله - : ( الرجل يصوم ويعتكف أحب إليك ، أو يتكلم في أهل البدع ؟ فقال : إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه ، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل ) . وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – ( أن تحذير الأمة من البدع والقائلين بها واجب باتفاق المسلمين ) . وقال أيضاً – رحمه الله - : (إن أهل البدع شر من أهل المعاصي الشهوانية بالسنة والإجماع ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتال الخوارج ونهى عن قتال أئمة الظلم ، وقال في الذي يشرب الخمر : ((لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله )) . وقال في ذي الخويصرة : (( يخرج من ضئضيء هذا أقوام يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين- وفي رواية : ((من الإسلام )) - كما يمرق السهم من الرمية ، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، وقراءته مع قراءتهم ، أينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجراً عند الله لمن قتلهم يوم القيامة )) ........ ثم إن أهل المعاصي ذنوبهم : فعل بعض ما نُهوا عنه : من سرقة ، أو زنا ، أو شرب خمر ، أو أكل مال بالباطل . وأهل البدع ذنوبهم : ترك ما أمروا به من اتباع السنة وجماعة المؤمنين ، فإن الخوارج أصل بدعتهم أنهم لا يرون طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه فيما خالف ظاهر القرآن عندهم ، وهذا ترك واجب . وكذلك الرافضة لا يرونه عدالة الصحابة ومحبتهم ، والاستغفار لهم ، وهذا ترك واجب ...) . ثالثاً : أسباب نشأة البدع : الابتداع هو الإحداث في الدين ، والإحداث في الدين له أسباب عدة ، منها : 1. الجهل بأدوات الفهم . 2. الجهل بالمقاصد . 3. تحسين الظن بالعقل . 4. اتباع الهوى . 5. القول في الدين بغير علم وقبول ذلك من قائله . 6. الجهل بالسنة ، ويشمل : أ- الجهل بالتمييز بين الأحاديث المقبولة وغيرها . ب- الجهل بمكانة السنة من التشريع . 7. اتباع المتشابه . 8. الأخذ بغير ما اعتبره الشارع طريقاً لإثبات الأحكام. 9. الغلو في بعض الأشخاص . وقد تجتمع هذه الأسباب ، وقد تنفصل ، فإذا اجتمعت ،فتارة يجتمع منها اثنان ،وتارة يجتمع ثلاثة. وبذلك تتحدد الأسباب المؤدية إلى حدوث البدعة ، وهي : السبب الأول : الجهل بأدوات الفهم . لقد أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن عربياً،جار في ألفاظه ومعانيه وأساليبه على لسان العرب،وقد أخبر الله بذلك فقال سبحانه : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } ،وقال تعالى:{قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} ،وقال تعالى:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ*عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ*بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} وقال تعالى :{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} . فمن هذا نعلم أن القرآن نزل عربياً على رسول عربي لينذر العرب أولاً ، ثم ينذر الأمم كافة ، وأن الشريعة لا تفهم إلا إذا فهم اللسان العربي ، ويعبر عن هذا قول الله تعالى : {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً...... } . وإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم بعث للناس كافة فإن الله جعل جميع الأمم ، وعامة الألسنة في هذا الأمر ، تبعاً للِّسان العربي ، وإذا كان كذلك ، فلا يُفهم كتاب الله تعالى إلا من الطريق الذي نزل عليه ، وهو اعتبار ألفاظها ومعانيها وأساليبها . وأنها فيما فطرت عليه من لسانها ، لها دلالات وأدوات لفهم أدوات المقاصد والمعاني ، وهي : 1. الخطاب بالعام يرادُ به الظاهر ، مثاله :قوله تعالى :{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} . فهذا من العام الظاهر الذي لا خصوص فيه . 2. الخطاب بالعام يراد به العام من وجه والخاص من وجه ، مثاله : قوله تعالى :{يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} . فهذا عام لم يخرج عن أحد من الناس ؛ لأنَّ كل إنسان خلق من ذكر وأنثى ، عدا عيسى – عليه السلام- . ثم قال الله تعالى بعد ذلك : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } ، فهذا خاص ؛ لأنَّ التقوى إنما تكون من المكلف العاقل ، فكان في الآية عام وهو خلق الناس والشعوب والقبائل ، وكان فيها خاص وهو إن أكرمكم عند الله أتقاكم . 3. الخطاب بالعام يُراد به الخاص ، ومثاله قوله تعالى :{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} . فالمراد بالناس الآخرين الخصوص لا العموم ، وإلا فالمجموع لهم الناس ناس أيضاً ، وهم قد خرجوا ، لكن لفظ الناس يقع على ثلاثة منهم ، وعلى جميع الناس ، وعلى ما بين ذلك . 4. الخطاب بالظاهر يًُراد به غير الظاهر ، مثاله : قوله تعالى : {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} ، فإنهُ لمَّا قال :{كَانَتْ ظَالِمَةً} دلَّ على أن المراد أهلها . فإذا ثبت هذا ، فيجب على الناظر في الشريعة والمتكلم فيها أصولاً وفروعاً أمران : أحدهما : أن لا يتكلم في شيء من ذلك حتى عربياً أ و كالعربي ، عالماً بلسان العرب بالغاً فيه ما بلغ العرب،أو ما بلغ أئمة اللغة المتقدمون ، وليس المراد أن يكون حافظاً كحفظهم وجامعاً كجمعهم ، وأنَّما المراد أن يصير فهمه عربياً في الجملة . ثانيهما : إذا أشكل عليه لفظ في الكتاب أو في السنة ، فلا يقدمُ على القول فيه دون أن يستظهر بغيره ، ممن له علم بالعربية ، فقد يكون إماماً فيها ولكنه يخفى عليه الأمر في بعض الأوقات ، فالأولى في حقه الاحتياط ؛ إذ قد يذهب على العربي المحض بعض المعاني الخاصَّة حتى يسأل عنها ، كما خفي على ابن عباس – رضي الله عنهما – معنى : { فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ} حتى قال أحد الأعراب في خصومة في بئر : أنا فطرتها ، أي : أنا ابتدأتها . ومن الأمثلة على تحريف المعاني القرآنية للقصور في اللغة وفي فهم أساليها : قول من زعم أنه يجوز للرجل نكاح تسع من الحلائل ، مستدلاً بقوله تعالى : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ } ،حيث جمع أربعة إلى ثلاثة إلى اثنين فنتج تسعاً ولم يشعر بمعنى فعال ومفعل في كلام العرب وأن معنى الآية:(فانكحوا إن شئتم اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً ). السبب الثاني : الجهل بالمقاصد . مما يجب على الناظر في الشريعة الإسلامية أمران : الأمر الأول : أن يعتقد فيها الكمال لا النقصان،وأن يرتبط بها ارتباط طاعة وثقة وإيمان في عباداتها وعاداتها ومعاملاتها، وأن لا يخرج عنها؛ لأن الخروج عنها مروق من الدين ، لأنه قد ثبت كمالها وتمامها ، فالزائد عليها أو المنقص منها هو المبتدع . فالشريعة قد جاءت كاملة ، والدين قد أتمه الله ورضية لنا ، قال تعالى : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً} . والرسول صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين ، قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} . وقد جاء بالرسالة الجامعة الخاتمة ، فيستحيل أن يترك الله الناس بغير بيان ، وبغير مرشد وهو القائل سبحانه :{...مَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} .إلا إذا كان شرعه باقياً صالحاً كافياً كاملاً ، حجَّة على هذه الدهور إلى يوم القيامة ، وقد صرح سبحانه وتعالى بحفظه للرسالة ، حتى تكون الحجة سليمة بعيدة عن الشكوك والريب والظنون ، وتظل تعاليمها صافية ناصعة ، لا تمسها يد الإنسان ولا فكره السقيم وهواه الشارد ، فقال سبحانه :{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} . |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الإثنين 14 مارس 2011, 10:23 pm | |
| فبعد هذا كله ، يجب الانقياد لهذه الشريعة والاعتقاد الجازم بكمالها ووفائها بما تتطلبه الحياة دائماً وأبدأً إلى ما شاء الله . واعتقاد غير هذا ضرب من المروق والابتداع . الأمر الثاني : أن القرآن لا تضاد بين آياته ولا بين الأحاديث النبوية ، ولا بين أحدهما مع الآخر ، بل الجميع يصدر من نبع واحد ، ويخرج من مشكاة واحدة ، وينتظمه شرع واحد ، وغاية واحدة . فإذا جهل إنسان هذا ، أداة جهله إلى الشذوذ والخروج والابتداع ، وبيان ذلك : أن الكفار وهم أهل الفصاحة والبلاغة ، وأرباب البيان واللسان ، والمتربصين برسول الله صلى الله عليه وسلم لمحاولة إثبات أن ما جاء به من القرآن هو من عنده قد حاورا في بيان القرآن وسبكه ، وقد أخبر الله سبحانه عن ذلك فقال : {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} . وكذلك ما أخرجه البخاري عن سعيد بن جبير – رحمه الله – قال : قال رجل لابن عباس – رضي الله عنهما - : إني أجد في القرآن أشياء تختلف عليَّ ، قال -قوله تعالى-:{ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} ، قوله تعالى{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} ،قوله تعالى {...وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} ، قوله تعالى{رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} . فقد كتموا في هذه الآية، وقال تعالى : {....أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} إلى قوله :{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} . فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض ، ثم قال: {...َإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ....} إلى قوله : {.... طَائِعِينَ } . فذكر في هذه خلق الأرض قبل خلق السماء ، وقال تعالى : {...وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} ، {....عَزِيزاً حَكِيماً} ، {....سَمِيعاً بَصِيراً} . فكأنه كان ثم مضى . فقال ابن عباس – رضي الله عنهما - : { فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} ، في النفخة الأولى ثم ينفخ في الصور ، فصعق من في السموات ومن الأرض ، إلا من شاء الله ، فلا أنساب بينهم عند ذلك ، ولا يتساءلون . ثم في النفخة الآخرة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون . وأما قوله :{مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} ،وقوله :{ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً}: فإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم ، وقال المشركون: تعالوا نقول لم نكن مشركين ، فخُتم على أفواههم ، فتنطق أيديهم ، فعند ذلك عُرِف أن الله لا يُكتمُ حديثاً ،وعنده {.....يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} . وخلق الأرض في يومين ، ثم خلق السماء ، ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ، ثم دحا الأرض ، ودحوها أن أخرج منها الماء والمرعى ، وخلق الجبال والجمال والآكام وما بينهما في يومين آخرين ، فذلك قوله { دَحَاهَا}وقوله :{ خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ}، فجعلت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام ، وخلقت السموات في يومين . { وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً } : سمى نفسه ذلك قوله ، أي لم يزل كذلك ، فإن الله لم يرد شيئاً إلا أصاب به الذي أراد ، فلا يختلف عليك القرآن ، فإن كلا من عند الله .ا.هـ . السبب الثالث : تحسين الظن بالعقل : من أسباب حدوث البدع تحسين الظن بالعقل ، وبيان ذلك من ثلاثة وجوه : الوجه الأول : أن الله جعل للعقول في إدراكها حدّاً تنتهي إليه لا تتعداه،ولم يجعل لها سبيلاً إلى الإدراك في كل مطلوب ،ولو كانت كذلك لاستوت مع الباري سبحانه وتعالى في إدراك جميع ما كان وما يكون وما لا يكون ؛ إذ لو كان كيف يكون ؟ فعلم الله لا ينتهي ، وعلم العبد ينتهي ، وما ينتهي لا يساوي ما لا ينتهي . وقد دخل في هذه الكلية ذوات الأشياء جملة وتفصيلاً ، وصفاتها وأحوالها ، وأفعالها وأحكامها ، جملة وتفصيلاً . فالشيء الواحد من جملة الأشياء يعلمه الباري تعالى على التمام والكمال ،بحيث لا يعزب عن علمه مثقال ذرة لا في ذاته ولا في صفاته ، ولا في أحواله ولا في أحكامه ، بخلاف العبد ؛ فإنَّ علمه بذلك الشيء قاصر ناقص ، وهذا في الإنسان أمر مشاهد محسوس لا يرتاب فيه عاقل . إن المعلومات عند العلماء تنقسم إلى ثلاثة أقسام : 1- قسم ضروري : لا يمكن التشكيك فيه كعلم الإنسان بوجوده ، وأن الواحد أكثر من الاثنين . 2- وقسم لا يعلمه البتة إلا أن يُعلم به ، أو يجعل له طريق إلى العلم به : وذلك كعلم المغيبات عنه ، سواء كانت قريبة منه أو بعيدة عنه . 3- قسم نظري : يمكن أن يعلمه وممكن أن لا يعلمه ،وتلك هي الممكنات التي تدرك بواسطة لا بنفسها إلا أن يعلم بها إخباراً . وقد زعم أهل العقول أنفسهم أن النظريات لا يمكن الاتفاق عليها عادة ؛ لاختلاف القرائح والأنظار ،وإذا وقع الخلاف فيها، كان لابد من مخبر يأتي بالحق أو مجتهد يُبين الصواب ، وقد تعارضت الأدلة لتعارض العقول ؛ إذ لابد أن يكون أحد المجتهدين مصيباً والآخر على شبهة ، فلابد إذاً من إخبار يكون صادقاً لا يحتمل الكذب أو الضلال ، ولا يكون هذا إلا في الوحي والعلم الإلهي الذي يكون على يد رسول . إذن ، لا وثوق بالعقل ، ولا مناص من الرجوع إلى الوحي الإلهي . الوجه الثاني : لما ثبت قصور العقل في الإدراك والعلم ، ثبت أنه قد يحيط بشيء دون آخر ؛ لأن علمه غير محيط وشامل ، فما ادَّعى علمه لم يخرج عن تلك الأحكام الشرعية التي زعم أنه أدركها ؛لإمكان أن يدركها من وجه دون وجه ، وعلى حال دون حال،والدليل على ذلك : أحوال أهل الفترات فإنهم وضعوا أحكاماً على العباد بمقتضى السياسات ، لا تجد فيها أصلاً منتظماً ، وقاعدة مطردة على الشرع بعد ما جاء ، بل استحسنوا أموراً تجد العقول بعد تنويرها يالشرع تنكرها ، وترميها بالجهل والضلال ،مع الاعتراف بأنهم أدركوا بعقولهم أشياء قد وافقت وجاء الشرع بإقرارها وتصحيحها ، ومع أنهم كانوا أهل عقول باهرة ، وأنظار صافية وتدبيرات لدنياهم شاملة ، لكنها بالنسبة إلى ما لم يصيبوا فيه قليلة ، فلأجل هذا كله وقع الإعذار والإنذار ، وبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، لئلا يكون للناس على الله حجَّةً بعد الرسل ، والله الحجة البالغة ، والنعمة السابغة . فالإنسان مهما ظن أنه أتقن وأجاد وأبدع في أمر من الأمور إلا ويتبين له قصوره ، ويتمنى أن يعيد هذا العمل ويلحظ فيه ما غاب عنه ، وهذا يدل على القصور الذي يعتري العقل ، ولكن الشرع بخلاف ذلك ؛ لأنه من عند الحكيم الخبير ، الذي أحاط بكل شيء علماً ، وكل شيءٍ عنده بمقدار ، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال . الوجه الثالث : أن ما ندري علمه في الحياة ينقسم كما تقدم إلى : بدهي ، وضروري ،وغيره وهو النظر الكسبي ، والنظري لا يعرف إلا من طريق ضروري ، إما بواسطة أو بغير واسطة؛إذ قد اعترف الجميع أن العلوم المكتسبة لابد في تحصيلها من توسط مقدمتين معترف بهما، فإن كانتا ضروريتين فذاك، وإن كانتا مكتسبتين ، فلا بد في اكتساب كل واحدة منهما من مقدمتين ، وينظر فيهما كما تقدم،وكذلك إن كانت واحدة ضرورية وأخرى مكتسبة ،فلابد للمكتسبة من مقدمتين ، فإن انتهينا إلى ضرورتين فهو المطلوب، وإلا لزم التسلسل أو الدور وكلاهما محال . فإذاً ، لا يمكن أن نعرف غير الضروري إلا منهما مما عقلنا وعلمنا من مشاهدة باطنة كالألم واللذة ، أو بديهي للعقل كعلمنا بوجودنا ، وما أشبه ذلك مما هو معتاد لنا في هذه الدار ؛ لأننا لم يتقدم لنا علم إلا بما هو معتاد في هذه الدار . أما الشيء غير المعتاد ، فقبل النبوات لم يكن لنا به علم ولا معرفة ، فلما جاءت النبوات بما ليس لنا به علم ولا عادة لم نحل ما لم نعرف إلا على ما عرفنا ، ولذلك أنكر الناس هذا لأنهم لم يعرفوه ، كقلب العصا ثعباناً ، وفرق البحر . وعلى هذا ينبغي إدراك أمرين : الأول : أن العقل ما دام على هذه الصورة لا يجعل حاكماً بإطلاق ، وقد ثبت عليه حاكم بإطلاق وهو الشرع ، بل الواجب على العاقل أن يقدم ما حقه التقديم وهو الشرع ، ويؤخر ما حقه التأخير وهو نظر العاقل القاصر ؛لأنه لا يصح تقديم الناقص على الكامل ؛ لأنه خلاف المعقول والمنقول. الثاني : إذا وجد الإنسان في الشرع إخباراً يقتضي ظاهراً خرق العادة المألوفة التي لم يعرفها ولم يسبق له أن رآها ، أو علم بها علماً صحيحاً يصدق به ، فلا يجوز أن يقدم لأول وهلة الإنكار بإطلاق ، بل أمامه أحد أمرين : • إما أن يصدق به حسب ما جاء به،ويكل العلم فيه إلى عالمه،وهو ظاهر قوله تعالى{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} . • أن يتأوله على ما يمكن حمله عليه مع الإقرار بمقتضى الظاهر . والأمثلة على خوارق العادات كثيرة منها : وزن الأعمال ، وعذاب القبر ، وإنطاق الجوارح شاهدة على صاحبها ، ورؤية الله في الآخرة . فالحاصل : أنه لا ينبغي للعقل أن يتقدم بين يدي الشرع فإنه من التقدم بين يدي الله ورسوله . السبب الرابع : اتباع الهوى . يطلق الهوى على هوى النفس ،وهوى النفس : إراداتها ،والجمع : أهواء ،والهوى : محبة الإنسان الشيء وغلبته على قلبه . قال تعالى :{ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} ، أي : نهاها عن شهواتها ، وما تدعو إليه من معاصي الله عز وجل ، والهوى على إطلاقه لا يكون إلا مذموماً . ولذلك سمي أهل البدع ، أهل الأهواء ؛ لأنهم اتبعوا أهواءهم ،فلم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار إليها ،والتعويل عليها، حتى يصدروا عنها ، بل قدموا أهواءهم ، واعتمدوا على آرائهم ، ثم جعلوا الأدلة الشرعية منظوراً فيها من وراء ذلك . واتباع الهوى يتجلى في مظاهر عدة نتائجها عظيمة الخطر ، من هذه المظاهر : 1. الانحراف عن الصراط المستقيم ، يؤيد هذا قول الحق تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} ، وقول تعالى :{وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ} ، وقال تعالى : {وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} . فقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتبع الشريعة ولا يتبع الهوى ،ولا يركن إلى أهواء الناس ،فإنه إذا مال إلى أهوائهم انحرف عن الصراط المستقيم . 2. اتباع المتشابه وترك المحكم ؛ لأنَّ في المتشابه طلبتهم من التأويل ،وإرضاء ما في قلوبهم من شهوة ومرض وفتنة وفساد ، قال تعالى: {...فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} 3. التقيد بالشهوات والعمل لها ، والسير وراء مظاهر الحياة الزائفة وترك ما أمرهم الله سبحانه وتعالى به ، قال تعالى : {.....إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} . 4. صاحب الهوى أعمى أصم أبكم ، لا يرى خيراً ولا يسمع نصحاً ، ولا ينطق خيراً ، قال تعالى : {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ....} . 5. أن صاحب الهوى منافق ؛ لأنه يميل حيث يميل هواه فيظهر بمظهر الجد والحزم أمام الناس ، ولكنه يفعل ما يمليه عليه هواه ، وقد أحسن الله وصف أهل الأهواء بقوله تعالى :{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} . لهذا ، فإن صاحب الهوى معرض لكل هذه المظاهر الخطيرة مهلك لنفسه ولغيره ، ومن أجل ذلك ورد التحذير من اتباع الهوى في الكتاب والسنة . والأمثلة كثيرة على كون الإعراض عن الدليل والاعتماد على أصحاب الهوى سبب في حدوث البدع ، والخروج عن منهج الصحابة والتابعين والسلف الصالح ، فإنهم لما اتبعوا أهواءهم بغير علم ضلوا عن سواء السبيل . ومن هذه الأمثلة- وهو أشدها - :قول من جعل اتباع الآباء في أصل الدين ، هو المرجوع إليه دون غيره ، حتى ردُّوا بذلك براهين الرسالة ، وحجَّة القرآن ، ودليل العقل ، فقالوا :{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ } . فحين نُبِّهُوا على وجه الحجَّة بقوله تعالى :{أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ } ،لم يكن لهم جواب إلاَّ الإنكار، اعتماداً على اتباع الآباء ، واطراحاً لما سواه ولم يزل مثل هذا مذموماً في الشرائع ، كما حكي الله سبحانه وتعالى عن قوم نوح عليه السلام بقوله تعالى : {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} . وعن قوم إبراهيم-عليه السلام- بقوله تعالى : {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ*أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ* قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} . إلى آخر ذلك مما في معناه ، فكان الجميع مذمومين حين اعتبروا واعتقدوا أن الحقَّ تابع لهم ، ولم يلتفتوا إلى أنَّ الحق هو المقدَّمُ .
السبب الخامس : القول في الدين بغير علم وقبول ذلك من قائله . لقد حذَّر الله سبحانه وتعالى من القول بغير علم ، وجعل ذلك من المحرمات ، بل من أكبرها ، فقال في كتابه العزيز :{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} . فقد عطف الله سبحانه وتعالى القول بغير علم على الإشراك بالله وكفى بذلك ذمّاً وترهيباً . وقال تعالى :{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ...} . فالقول بغير علم كذب ، والكذب حرام ، واستجابة لدعوة الشيطان . وقد حذرنا الله تعالى من اتباعه فقال جل من قائل : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ *إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} . وقد وردت أحاديث تحذر من الفتوى أو الحكم بغير علم ، وخاصة فيها يتعلق بأمور الدين . قال صلى الله عليه وسلم:(( من أفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه )) . وقال عليه أفضل الصلاة والسلام : (( القضاة ثلاثة : واحد في الجنة ، واثنان في النار . فإما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار ، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار )) . والقولُ في الدِّين بغير علم إضلال،وعلى من أضلَّ إثمُ من وقع في الضلال بسبب إضلاله ، فضلاً عن إثمه ؛ لوقوعه في الضلال، قال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } . فيجب على من لا يعلم أن يقول : لا أدري ، أو أن يسأل غيره ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسْوةٌ حسنة، فعندما سُئِل عن شرِّ البقاع ، قال : (( لا أدري )) . وقال عليه الصلاة والسلام : (( ما أدري أتُبَّعٌ لعين هو أم لا ، وما أدري أعزير نبي هو أم لا )) . ولَمَّا سُئِل ابن عمر- رضي الله عنهما - عن مسألة فقال : (( لا علم لي بها ، فلما أدبر الرجل قال ابن عمر :نِعْم ما قال ابن عمر : سئِل عما لا يعلم فقال : لا علم لي به )) . فإذا مارس الجاهلُ العلم ، وأفتى في الدِّين ،وقع في البدعة قاصداً أو غير قاصد ،وكان مبتدعاً بادِّعائهِ العلم أولاً ،وبما استحدثه مما خالف الشرع بعد ذلك ، وانتشار ذلك سبب في قبض العلم ، وفشو الجهل والظلام ، قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ، ولكن يُقبضُ العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسُئِلُوا فأفتُوا بغير علم فضلُّوا وأضلًّوا )) على أن الجهل ليس قاصراً على من ليس عنده علم مطلقاً ، فإنه يشمل من عنده علم كثير ، ولكنه يتجاوز ما يعلم إلى ما لا يعلم ويتجرأ على ما لا يعرف ، بلا دليل واضح ، أو اجتهاد مقبول . وألوان الجهل كثيرة ، وكلهما تؤدي إلى إحداث البدع ؛ فمنها : الجهل بأساليب اللغة . ومنها : الجهل بالسنَّةِ ، وسنتكلم عنه في السبب التالي من أسباب الابتداع . السبب السادس : الجهل بالسنة : ويشمل : أ- الجهل بالتمييز بين الأحاديث المقبولة وغيرها . ب- الجهل بمكانة السنة من التشريع . أ- الجهل بالتمييز بين الأحاديث المقبولة وغيرها . ومعنى ذلك :الجهل بمصطلح الحديث،وعدم التفريق بين الأحاديث الصحيحة وبين الأحاديث الضعيفة والموضوعة أيضاً،ونتيجة لهذا الجهل اعتمد المبتدعة على الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والضعيفة ،كمصدر من مصادر التشريع، والحكم على الأمور المحدثة بأنها سنن . وقد اتفق العلماء على عدم الأخذ بالأحاديث الموضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعدم اعتبارها ، لا في فضائل الأعمال ولا غيرها ؛ لأنها ليست من الشرع ، وكذلك لما ورد في ذلك من الآثار . قال تعالى : {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ....} ، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار )) ، وقال-عليه السلام- : (( لا تكذبوا على فإنَّهُ من كذب على فليلج النار )) . وقد شدَّد العلماء في النكير على ذلك : قال الشيخ أبو محمد الجويني الشافعي: ( يكفر من تعمد الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم ولو لم يستحله ، والجمهور على أنه لا يكفر بذلك ،ولكنه يفسق وتُردّ رواياته كلها،ويبطل الاحتجاج بجميعها) . فكثير من البدع التي أُحدثت ، قد اعتمد محدثوها على أحاديث ضعيفة بل أكثرها موضوع ، كالذين اخترعوا أذكاراً وأدعية خاصة لبعض الشهور ، وتخصيص بعض الشهور بالصيام أو العمرة ، والتوسيع على أهل البيت في عاشوراء والاكتحال فيه والاختضاب ، وغير ذلك من البدع التي هي موضوع بحثنا هذا . فلو كان لهم علم بالسنة ، ما اعتمدوا على هذه الأحاديث الموضوعة التي سبق وذكرت أنه لا يعتمد عليها أبداً لا في الفضائل ولا في غيرها . أما من دعا إلى هذه البدع ، معتمداً على هذه الأحاديث الموضوعة مع علمه بأنها موضوعة، فهذا من أصحاب الهوى المتّبع الذين تقدم ذكرهم ومن المتبعين للمتشابه ، القاصدين هدم الإسلام ومحاربة أهله ، والتشويش على الناس في دينهم متخذين في ذلك أساليب مُقنَّعة ، ومن ثم تركهم للسنن ثم الواجبات ، مكتفين بما أحدث من هذه البدع . ب- الجهل بمكانة السنة من التشريع . إذا كان الجهل بقواعد الحديث- التي يتم على أساسها الحكم عليه بالقبول أو الردّ- قد أدّى إلى الوضع ،ودخول ما ليس من السنة فيها ، ومعارضة ما ثبت منها به ، فإن الجهل بمكانة السنة من الشرع قد أدَّى إلى الخروج عن حد الاتباع ، الذي وجهت الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة إليه ، تحت دعوى موافقة العقل ونحو ذلك . ومن أظهر المواقف الشائعة فيما يتصل بهذا الموضوع – موضوع إنكار ما ثبت بالسنة الصحيحة صريحاً واضحاً تحت زعم موافقة العقل – إنكار من أنكر رؤية الله في الآخرة ، أو نزول المسيح آخر الزمان ، أو عذاب القبر ونحو ذلك . وانقسم المبتدعة في موقفهم من السنة كأساس تشريعي إلى قسمين : 1- قسم أنكر ما عدا القرآن جملة وتفصيلاً . 2- وقسم أنكر أخبار الآحاد . أما القسم الأول : فقد استدلُّوا لما قالوا بـ : 1. أن في القرآن بياناً لكل شيء ولا حاجة معه إلى سواه ، قال تعالى :{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ } ، قال تعالى :{ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} . 2. قوله تعالى : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ، ولو كانت السنة حجة لتكفَّل الله بحفظها ، ولما حصر الحفظ في القرآن بتقديم الجار والمجرور . 3. أدلة منكري خبر الواحد : وما استدلُّوا به واهٍ لا حجة فيه؛ ذلك لأنَّ السنة إنما هي بيان للقرآن ، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} والعمل بالسنة ليس إلا عملاً بالقرآن ، واتباعاً لتوجيهه في الأخذ بها ، ثم إن السنة توضح في أحيان كثيرة ما يُراد من الآيات القرآنية ، وبدونها لا يمكن فهم المراد من القرآن وبالتالي لا يتيسر العمل بها . ومثال ذلك : ورد في القرآن الأمر بإقامة الصلاة على العموم ، وقد أخرجت السنة من ذلك النساء الحيض ، وحددت عدد الركعات ، وكيفية الأداء .... ونحو ذلك . وجاء القرآن بأحكام الميراث بين المسلمين عامة ، ومنعت السنة أن يرث قاتل ممن قتله . وفي الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه- قال :((لما نزلت {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } ، قال الصحابة: وأينا لم يظلم ؟! فنزلت : { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} )) . وقال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - : (( لعن الله الواشمات والمستوشمات ، والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى ، فقالت امرأة كانت تقرأ القرآن – أي تحفظه – تسمى أم يعقوب : ما هذا ؟ فقال عبد الله : ومالي لا ألعن من لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله ؟ قالت :والله لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدته ،فقال عبد الله : والله لئن قرأتيه وجدتيه : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} )) . وعن الحسن قال : بينما عمران بن حصين يحدث عن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم إذ قال له رجل : يا أبا نجيد ! حدثنا بالقرآن ، فقال له عمران : أنت وأصحابك يقرؤون القرآن ، أكنت محدثي عن الصلاة وحدودها ؟ أكتب محدثي عن الزكاة في الذهب والإبل والبقر وأصناف المال ، ولكن قد شهدتُ وغبت ، ثم قال : فرض علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزكاة كذا وكذا . فقال الرجل : أحييتني أحياك الله . قال الحسن : فما مات ذلك الرجل حتى صار من فقهاء المسلمين .......)) . وكان طاوس يصلي ركعتين بعد العصر ، فقال له ابن عباس : (( اتركهما . فقال : إنَّما نهى عنهما أن تُتخذا سُلَّما يوصل إلى الغرور ، فقال ابن عباس : فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن صلاة بعد العصر ، وما أدري أتعذب عليها أم تؤجر ؟ لأنَّ الله تعالى يقول :{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ..} )) . وقد ورد تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه البدعة ، وتنفيره منها : فعن أبي رافع – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والناس حوله : (( لا أعرفن أحدكم يأتيه أمر من أمري قد أمرت به أو نهيت عنه ، وهو متكئ على أريكته ، فيقول : ما وجدنا في كتاب الله عملنا به وإلا فلا )) . وأما ما استدلَّ به القائلون بهذه البدعة – إنكار السن – من الآيات ، فلا يفيد ما ادعَّوه ؛ لأنَّ بيان الكتاب لكل شيء إنما هو بحسب ما أشار إليه من أصول الأدلة ، التي يمكن معها فهم ما أجمله القرآن ، ومعرفة حكم ما لم يرد النص القرآني بحكمه صراحة . وأول هذه الأصول : السنة النبوية الشريفة . والمراد بالكتاب في قوله تعالى :{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } : هو اللوح المحفوظ . والحصر في قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ، ليس حقيقاً ؛ لأنّ الله حفظ أشياء غير القرآن ، وقال تعالى:{يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} ،قال تعالى:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ، أي : يحفظك. وأما استدلُّوا به من أدلة منكري خبر الواحد : فأدلة المنكرين لخبر الواحد والرد عليها تطول في مقامنا هذا ، ولاسيما أنه لا علاقة له بموضوع بحثنا ، ولكن من باب الفائدة نذكر خلاصة الرد عليهم : * قال الخطيب البغدادي : ( وعلى العمل بخبر الواحد كان كافة التابعين ، ومن بعدهم من الفقهاء الخالفين ، في سائر أمصار المسلمين إلى وقتنا هذا ، ولم يبلغنا عن أحد منهم إنكار لذلك ، ولا اعتراض عليه فثبت أن من دين جميعهم وجوبه ؛ إذ لو كان فيهم من كان لا يرى العمل به لنقل إلينا الخبر عنه بمذهبه فيه ، والله أعلم ) ا.هـ . يتبع إن شاء الله تعالى... |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الثلاثاء 15 مارس 2011, 5:50 am | |
| ومن الجهل بمكانة السنة من التشريع : تقديم غيرهم مما لا يثبت إلا بها عليها ، أو معارضتها به ، كالقياس والاستحسان ونحو ذلك ، أي: تقديم الرأي على النص . والاجتهاد في الشريعة الإسلامية لابد من اعتماده على النصِّ وتقديمه على كل ما سواه، فإذا ما وجد نص في مسألة وجب المصير إليه. وقد أرشدت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وكذلك الآثار عن السلف الصالح إلى هذا الأمر. قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} وقال تعالى: {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} وقال تعالى: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}. وفي الحديث : (( لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلاً حتى بدا فيهم أبناء سباياً الأمم ، فأفتوا بالرأي فضلُّوا وأضلُّوا )) . وعن ميمون بن مهران قال : كان أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – إذا ورد عليه حكم نظر في كتاب الله تعالى ،فإن وجد فيه ما يقضي به قضى به،وإن لم يجد في كتاب الله نظر في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فإن وجد فيها ما يقضي به قضى، فإن أعياه ذلك سأل الناس :هل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيه بقضاء ؟ فربما قام إليه القوم فيقولون : قضى فيه بكذا وكذا .فإن لم يجد سنة سنها النبي صلى الله عليه وسلم ،جمع رؤساء الناس فاستشارهم ، فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به ، وكان عمر – رضي الله عنه – يفعل ذلك ، فإذا أعياه أن يجد ذلك في الكتاب والسنة سأل : هل كان أبو بكر قضى فيه بقضاء ؟ فإن كان لأبي بكر قضاء قضى به ، وإلا جمع علماء الناس واستشارهم ، فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به . وفي حديث قبض العلم قال صلى الله عليه وسلم : ((... فيبقى ناس جهال يُستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضِلون )) . وقال ابن مسعود – رضي الله عنه - : (( لا يأتي عليكم زمان إلا وهو شر من الذي قبله ، أما إني لا أقول أمير خير من أمير ولا عام أخصب من عام ، ولكن فقهاؤكم يذهبون ثم لا تجدون منهم خلفاً ويجيء قوم يقيسون الأمور برأيهم )) . وقد اختلف العلماء في الرأي المقصود إليه بالذمِّ في الآثار المتقدمة فقالت طائفة : هو القول في الاعتقاد بمخالفة السنن ؛ لأنهم استعملوا آراءهم وأقيستهم في ردِّ الأحاديث،حتى طعنوا في المشهور منها الذي بلغ التواتر ؛كأحاديث الشفاعة ،وأنكروا أن يخرج أحد من النار بعد أن يدخلها،وأنكروا الحوض ، والميزان ، وعذاب القبر.....إلى غير ذلك من كلامهم في الصفات والعلم والنظر. وقال أكثر أهل العلم : الرأي المذموم الذي لا يجوز النظر فيه ولا الاشتغال به ، هو ما كان في نحو ذلك من ضروب البدع . قال أحمد بن حنبل – رحمه الله - : ( لا تكاد ترى أحداً نظر في الرأي إلا وفي قلبه دغل ) . وقال جمهور أهل العلم : الرأي المذموم في الآثار المذكورة ، هو القول في الأحكام بالاستحسان ، والتشاغل بالأغلوطات ، ورد الفروع بعضها إلى بعض ، دون ردّها إلى أصول السنن . والنظر في عللها واعتبارها ، فاستعمل فيها الرأي قبل أن تنزل وفرعت وشققت قبل أن تقع ، وتكلم فيها قبل أن تكون بالرأي المضارع للظن . ففي الاشتغال بهذا والاستغراق فيه تعطيل للسنن والبعث على جهلها ، وترك الوقوف على ما يلزم الوقوف عليه منها ومن كتاب الله عز وجل ومعانيه . السبب السابع : اتباع المتشابه : من أسباب الابتداع القوية : اتباع المتشابه ابتغاء الفتنة من العلماء المبتدعين ، وابتغاء تأويله من الجهلة المتعالمين . والأصل في بيان هذا السبب قوله تعالى :{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} .
وقسَّم الشاطبيّ المتشابه إلى قسمين : 1- حقيقي : وهو المراد بقوله تعالى :{مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}. وهو ما لم يجعل لنا سبيل إلى فهم معناه ، ولا نصب لنا دليل على المراد منه ،فإذا نظر المجتهد في أصول الشريعة وتقصاها وجمع أطرافها لم يجد فيها ما يحكم له معناه ، ولا ما يدل على مقصوده ومغزاه، ولا يكون إلا فيما لا يتعلق به تكليف سوى مجرد الإيمان به . 2- إضافي: وتشابهه من جهة أن الناظر قصر في الاجتهاد أو زاغ عن طريق البيان، اتباعاً للهوى فلا يصحّ أن ينسب الاشتباه إلى الأدلة،وإنَّما ينسب إلى الناظرين التقصير أو الجهل بمواقع الأدلة، فيطلق عليهم أنهم متبعون للمتشابه؛ لأنهم إذا كانوا على ذلك مع حصول البيان فما الظن بهم مع عدمه ومن هؤلاء : المعتزلة ، والخوارج ، وغيرهم . قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : ( والذي اقتضى شهرة القول عن أهل السنة ، بأن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله ظهور التأويلات الباطلة من أهل البدع ؛ كالجهمية ، والقدرية من المعتزلة وغيرهم ، فصار أولئك يتكلمون في تأويل القرآن برأيهم الفاسد ، وهذا أصل معروف لأهل البدع ، أنهم يفسرون القرآن برأيهم العقلي ، وتأويلهم اللغوي ، فتفاسير المعتزلة مملوءة بتأويل النصوص المثبتة للصفات والقدر على غير ما أراده الله ورسوله فإنكار السلف والأئمة هو لهذه التأويلات الفاسدة ،كما قال الإمام أحمد بن حنبل في ما كتبه في الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكَّت فيه من متشابه القرآن وتأوَّلته على غير تأويله ، فهذا الذي أنكره السلف والأئمة من التأويل . فجاء بعدهم قوم انتسبوا إلى السنة بغير خبرة تامة بها ، وبما يخالفها ظنُّوا أن المتشابه لا يعلم معناها إلا الله ، فظنُّوا أن معنى التأويل هو معناه في اصطلاح المتأخرين ، وهو : صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى المرجوح ، فصاروا في موضع يقولون وينصرون أن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله ثم يتناقضون في ذلك من وجوه : أحدهما :أنهم يقولون :النصوص تجري على ظواهرها ،ولا يزيدون على المعنى الظاهر منها ،ولهذا يبطلون كل تأويل يخالف الظاهر ، ويقرون المعنى الظاهر ،ويقولون مع هذا ،إنَّ له تأويلاً لا يعلمه إلا الله ، والتأويل عندهم ما يناقض الظاهر ، فكيف يكون له تأويل يخالف الظاهر ، وقد قرر معناه الظاهر ؟! . ومنها :أنا وجدنا هؤلاء كلهم لا يحتج عليهم بنص يخالف قولهم ، لا في مسألة أصلية ، ولا فرعية ، إلا تأوَّلُوا ذلك النص بتأويلات متكلفة مستخرجة من جنس تحريف الكلم عن مواضعه ، من جنس تأويلات الجهمية والقدرية للنصوص التي تخالفهم ، فأين هذا من قولهم : لا يعلم معاني النصوص المتشابهة إلا الله تعالى ؟!. وهذا أحمد بن حنبل إمام أهل السنة الصابر في المحنة . لما صنف كتابه في الرد على الزنادقة والجهمية ، فيما شكَّت فيه من متشابه القرآن ، وتأولته على غير تأويله ، تكلِّم على معاني المتشابه ، الذي اتبعه الزائغون ، ابتغاء الفتنة ، وابتغاء تأويله ، آية آية ، وبين معناها ، وفسَّرها ليبين فساد تأويل الزائغين، واحتجَّ على أن الله يُرى، وأن القرآن غير مخلوق، وأن الله فوق العرش، بالحجج العقلية والسمعية ، ورد ما احتجَّ به النفاة من الحجج العقلية والسمعية ، وبين معاني الآيات التي سمَّاها هو متشابهة ، وفسرها آية آية ، وحديثاً حديثاً، وبين فساد ما تأولها عليه الزائغون، وبين هو معناها، ولم يقل أحمد- رحمه الله-: أن هذه الآيات والأحاديث لا يفهم معناها إلا الله، ولا قال أحد له ذلك،بل الطوائف كلها مجتمعة على إمكان معرفة معناها، لكن يتنازعون في المراد كما يتنازعون في آيات الأمر والنهي ..... وكان الإمام أحمد-رحمه الله-ينكر طريقة أهل البدع الذين يفسِّرون القرآن برأيهم وتأويلهم من غير استدلال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة، والتابعين، الذين بلَّغهم الصحابة معاني القرآن، كما بلَّغُوهم ألفاظه، ونقلوا هذا كما نقلوا هذا، لكن أهل البدع يتأوَّلُون النصوص بتأويلات تخالف مراد الله ورسوله، ويدعون أن هذا هو التأويل الذي يعلمه الراسخون ، وهم مبطلون في ذلك ، لاسيما تأوّلات القرامطة والباطنية الملاحدة ، وكذلك أهل الكلام المحدث من الجهمية والقدرية وغيرهم. ولكن هؤلاء يعترفون بأنهم لا يعلمون التأويل ، وإنما غايتهم أن يقولوا : ظاهر هذه الآية غير مراد، ولكن يحتمل أن يُراد كذا، وأن يُراد كذا . ولو تأولها الواحد منهم بتأويل معين ، فهو لا يعلم أنه مُراد الله ورسوله ، بل يجوز أن يكون مراد الله ورسوله عندهم غير ذلك ؛ كالتأويلات التي يذكرونها في نصوص الكتاب والسنة كما يذكرونه في قوله تعالى :{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} ، و{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، و{ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} ، و { وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ } . وقوله صلى الله عليه وسلم : (( وينزل ربنا )) ) . السبب الثامن : الأخذ بغير ما اعتبره الشرع طريقاً لإثبات الأحكام : ومن أسباب حدوث البدع ، الأخذ بغير ما اعتبره الشرع طريقاً لإثبات الأحكام ، ويتمثل هذا في الاستناد إلى رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم في النوم ، وأخذ الأحكام عنه، ونشرها بين الناس ، أو العمل بها دون نظر إلى موافقتها للشريعة أو عدم الموافقة ، وهذا خطأ؛ لأنَّ الرؤيا من غير الأنبياء لا يحكم بها شرعاً على حال، حتى تعرض على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية، فإن سوغتها ،عُمِل بمقتضاها، وإلا وجب تركها والإعراض عنها،وإنَّما فائدتها البشارة أو النذارة خاصة،وأما استفادة الأحكام فلا فإن قيل : إن الرؤيا من أجزاء النبوة ، فلا ينبغي أن تهمل ، وأيضاً إن المخبر في المنام قد يكون النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قد قال : (( من رآني في المنام فقد رآني ، فإن الشيطان لا يتمثل بي )) . وإذا كان كذلك ، فإخباره في النوم كإخباره في اليقظة . فالجواب على ذلك بما يأتي : إن كانت الرؤيا من أجزاء النبوة فليست إلينا من كمال الوحي ، بل جزء من أجزائه ، والجزء لا يقوم مقام الكل في جميع الوجوه ، بل إنما يقوم مقامه في بعض الوجوه ، وقد صرفت إلى وجه البشارة والنذارة وهذا كاف . وأيضاً : فإنَّ الرؤيا التي هي جزء من أجزاء النبوة من شروطها أن تكون صالحة من الرجل الصالح ، وحصول الشرط مما ينظر فيه ، فقد تتوفر وقد لا تتوفر . وأيضاً : فهي منقسمة إلى الحلم ، وهو من الشيطان ، وإلى حديث النفس ، وقد تكون سبب هيجان بعض أخلاط ، فمتى تتعين الصالحة حتى يحكم بها ، وتترك غير الصالحة ؟ . ويلزم أيضاً على ذلك أن يكون تجديد وحي بحكم بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو منهي عنه بالإجماع . قال النووي – رحمه الله – في معنى حديث ((من رآني في المنام فقد رآني )): معنى الحديث : أن رؤيته صحيحة، وليست من أضغاث الأحلام وتلبيس الشيطان، ولكن لا يجوز إثبات حكم شرعي بها؛ لأن حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لما يسمعه الرائي ،وقد اتفقوا- جمهور المحدثين- على أن من شرط من تُقْبَلْ روايته وشهادته أن يكون متيقظاً ، لا مغفلاً ولا سيء الحفظ ، ولا كثير الخطأ ، مختلّ الضبط ، والنائم ليس بهذه الصفة فلم تقبل روايته، لاختلال ضبطه .هذا كله في منام يتعلق بإثبات حكم على خلاف ما يحكم به الولاة . أما إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأمره بفعل ما هو مندوب إليه ، أو ينهاه عن منهي عنه ، أو يرشده إلى فعل مصلحة ، فلا خلاف في استحباب العمل على وفقه ؛ لأنَّ ذلك ليس حكماً بمجرد المنام ،بل بما تقرر من أصل ذلك الشيء ، والله أعلم . فمما يجب الحذر منه ما يقع لبعض الناس وهو أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه ، فيأمره بشيء أو ينهاه عن شيء فينتبه من نومه فيُقْدمِ على فعله أو تركه بمجرد المنام دون أن يعرضه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى قواعد السلف – رحمهم الله – قال تعالى : {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} . ومعنى قوله :{فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ} أي : إلى كتاب الله ، ومعنى قوله : { وَالرَّسُولِ} ، أي : إلى الرسول في حياته ، وإلى سنته بعد وفاته، على ما قاله العلماء – رحمهم الله -، وإن كانت رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم حقاً لا شك فيها لقوله عليه الصلاة والسلام: ((من رآني في المنام فقد رآني ،فإن الشيطان لا يتمثل بي)) .لكن لم يكلف الله تعالى عباده بشيء مما يقع لهم في منامهم .قال عليه الصلاة والسلام :((رُفِع القلم عن ثلاثة..)) وعدَّ فيهم النائم حتى يستيقظ؛ لأنَّه إذا كان نائماً فليس من أهل التكليف،فلا يعمل بشيء يراه في نومه وجهٌ. الوجه الثاني : أن العلم والرواية لا يؤخذان إلا من متيقظ حاضر العقل ، والنائم ليس كذلك . الوجه الثالث : أن العمل بالمنام مخالف لقول صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم : ((تركتُ فيكم الثقلين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنتي )) . فجعل – عليه السلام – النجاة من الضلالة في التمسك بهذين الثقلين فقط لا ثالث لهما، ومن اعتمد على ما يراه في نومه فقد زاد لهما ثالثاً . فعلى هذا من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه وأمَرهُ بشيءٍ أو نهاهُ عن شيءٍ فيتعين عليه عرض ذلك على الكتاب والسنة؛ إذ أنه عليه الصلاة والسلام إنما كلف أمته باتباعهما .فإذا عرض رؤياه على شريعته صلى الله عليه وسلم فإن وافقتها علم أن الرؤيا حق ، وأن الكلام حق وتبقى الرؤيا تأنيساً له ،وإن خالفتها، عَلِم أن الرؤيا حق ، وأن الكلام الذي وقع له فيها ألقاه الشيطان له في ذهنه والنفس الأمارة ؛ لأنهما يوسوسان له في حال يقظته ، فكيف في حال نومه ! . ولو كان المنام مما يتعبد به لبيَّنهُ صلى الله عليه وسلم ، أو نبَّه عليه أو أشار إليه ولو مرة واحدة كما فعل في غيره . ويحكى أن شُريك بن عبد الله القاضي ، دخل على المهدي ، فلما رآه قال : علي بالسيف والنطع ، قال :ولِم يا أمير المؤمنين؟ قال : رأيت في منامي كأنك تطأ بساطي وأنت معرض عني ، فقصصت رؤياي على من عبرها، فقال لي: يُظهر لك طاعة ويضمر معصية ، فقال له شُريك : والله ما رؤياك برؤيا إبراهيم الخليل- عليه السلام- ولا أن معبرك بيوسف الصديق -عليه السلام - ، فبالأحلام الكاذبة تضرب أعناق المؤمنين ؟ فاستحيا المهدي ، وقال : اخرج عني . السبب التاسع : الغلو في بعض الأشخاص . ومن أسباب الابتداع أيضاً التغالي في تعظيم الشيوخ والأشخاص إلى درجة إلحاقهم بما لا يستحقونه ، فيزعم بعض الناس أنه لا ولي لله أعظم من فلان ، وربما أغلقوا باب الولاية دون سائر الأمة إلا هذا المذكور، وهذا باطل محض ، وبدعة فاحشة ؛ لأنَّهُ لا يمكن أن يبلغ المتأخرون أبداً مبالغ المتقدمين ،فخير القرون الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ، ثم الذين يلونهم ، وهكذا يكون الأمر أبداً إلى قيام الساعة ، فأقوى ما كان أهل الإسلام في دينهم وأعمالهم ويقينهم وأحوالهم في أول الإسلام ، ثم لا زال ينقص شيئاً فشيئاً إلى آخر الدنيا ، لكن لا يذهب الحق جملة ، بل لابد من طائفة تقوم به وتعتقده ، وتعمل بمقتضاه على حسبهم في إيمانهم لا ما كان عليه الأولون من كل وجه ؛ لأنه لو أنفق أحد المتأخرين وزن أُحُد ذهباً ما بلغ مدّ أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نصيفه ،وإذا كان كذلك في المال فكذلك في سائر شُعب الإيمان . ومن الناس من يزعم أن فلاناً من الناس مساوٍ للنبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه لا يأتيه الوحي ومن هؤلاء الشيعة الإمامية . ولولا الغلو في الدين والتكالب على نصر المذهب ، والتهالك في محبة المبتدع ، لما وسع ذلك عقل أحد ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع...)) الحديث . فهؤلاء غلوا كما غلت النصارى في عيسى- عليه السلام - ، حيث قالوا : إن الله هو المسيح ابن مريم ، فقال الله تعالى : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} . وقال صلى الله عليه وسلم:(( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، ولكن قولوا: عبد الله ورسوله )) .فالغلو في الأشخاص هو الذي جعل النصارى تقول إن عيسى هو الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة. قال تعالى : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} قال تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} قال تعالى : {وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} قال تعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} .والغلو هو الذي جعل اليهود تقول عزير ابن الله ، قال تعالى : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} ،الغلو والتغالي في الأشخاص من أسباب حدوث البدع ظهرت سابقاً وما زالت حتى عصرتنا الحاضر رابعاً : أول بدعة ظهرت في الإسلام : وأمَّا أوّل التفرق والابتداع في الإسلام ، فكان بعد مقتل عثمان بن عفان-رضي الله عنه-، وافتراق المسلمين ، فلما اتفق علي بن أبي طالب ومعاوية- رضي الله عنهما-على التحكيم، أنكرت الخوارج، وقالوا: لا حكم إلا الله، وفارقوا جماعة المسلمين، فأرسل إليهم ابن عباس- رضي الله عنهما- فناظرهم فرجع نصفهم، والآخرون أغاروا على ماشية الناس ، واستحلوا دماءهم ، فقتلوا ابن خباب ، وقالوا:كنا قتله ، فقاتلهم على- رضي الله عنه-. وأصل مذهبهم –الخوارج – تعظيم القرآن وطلب اتباعه ، لكن خرجوا عن السنة والجماعة ، فهم لا يرون اتباع السنة ، التي يظنون أنها تخالف القرآن ، كالرجم ونصاب السرقة وغير ذلك .... فضلُّوا ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم بما أنزل الله عليه ، والله قد أنزل عليه الكتاب والحكمة ، وجوزوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون ظالماً، فلم ينقادوا لحكم النبي صلى الله عليه وسلم ،ولا لحكم الأئمة بعده ، بل قالوا : إن عثمان وعلياً ومن والاهما قد حكموا بغير ما أنزل الله{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} فكفَّروا المسلمين بهذا وبغيره ، وتكفيرهم وتكفير سائر أهل البدع مبني على مقدمتين باطلتين: إحداهما : أن هذا يخالف القرآن . والثانية : أن من خالف القرآن يكفر ، ولو كان مخطئاً ، أو مذنباً معتقداَ للوجوب والتحريم ، وبإزاء الخوارج ظهرت الشيعة . غلوا في الأئمة وجعلوهم معصومين ، يعلمون كل شيء ، وأوجبوا الرجوع إليهم في جميع ما جاءت به الرسل ، فلا يعرجون لا على القرآن ولا على السنة ، بل على قول من ظنوه معصوماً . وانتهى الأمر إلى الائتمام بإمام معدوم لا حقيقة له ، فكانوا أضل من الخوارج .فإن أولئك يرجعون إلى القرآن وهو حق وإن غلطوا فيه ، وهؤلاء لا يرجعون إلى شيء بل إلى معدوم لا حقيقة له ، ثم إنما يتمسكون بما ينقل لهم عن بعض الموتى ، فيتمسكون بنقل غير مصدق ، عن قائل غير معصوم ، ولهذا كانوا أكذب الطوائف. والخوارج صادقون فحديثهم من أصح الحديث ، وحديث الشيعة من أكذب الحديث خامساً : أسباب انتشار البدع : انتشار البدع له أسباب عدة ، منها : 1- سكوت كثير من العلماء على تلك المبتدعات الضآلة ، والعوام إذا رأوا سكوت العالم على أمر حسبوا أن ذلك الأمر لا يخالف الشرع . وأدهى من ذلك ، أن بعض العلماء الذين فسدت نياتهم ، آثروا الدنيا على الآخرة ، فأخذوا يروِّجون تلك البدع ويحسنونها للمسلمين ، لينالوا الشهرة بينهم ، وتكون هذه الشهرة طريقاً لجمع المال وتحصيله منهم من طرق عدة ، ومن ثم الوصول إلى رئاستهم على أولئك المغفلين السذَّج الذين يحسبون أن كل بيضاء شحمة ، وكل سوداء تمرة . 2- عمل العالم بالبدعة وتقليد الناس له ، لوثوقهم بأنه لا يفعل إلا ما فيه الصواب ، وربما كان عمله على وجه المخالفة ، فيظن الناس أن ذلك مشروعاً . ولذلك قيل : لا تنظر إلى عمل العالم ،ولكن سله يصدقك . 3- تبني الحكام للبدعة ، وتأييدهم لها ، وعملهم على انتشارها ، لموافقتها أهواءهم ، كما حدث من المأمون ومن بعده في القول بخلق القرآن؛ وذلك أن المأمون كان قد استحوذ عليه جماعة من المعتزلة فأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل، وزيَّنُوا له القول بخلق القرآن،ونفي الصفات عن الله عز وجل،ولم يكن في الخلفاء قبله من بني أمية،وبني العباس خليفة إلا على مذهب السل ومنهاجهم. فقد قال الخليفة هارون الرشيد : ( بلغني أن بشراً المريسي زعم أن القرآن مخلوق ، عليَّ إن أظفرني الله به لأقتلنه قتلةً ما قتلتها أحداً قط ) . فكان بشر متوارياً أيام هارون نحواً من عشرين سنة حتى مات هارون ، فظهر ودعا إلى الضلالة ،وكان من المحنة ما كان . فلما ولي المأمون الخلافة ، اجتمع بجماعة من المعتزلة منهم بشر بن غياث المريسي ، فخدعوه وأخذ عنهم المذهب الباطل ، ودعا إليه ،وحمل الناس عليه قهراً ،فاستدعى نائبه ببغداد جماعة من أئمة الحديث، فدعاهم إلى ذلك فامتنعوا ، فتهددهم بالضرب وقطع الأرزاق، فأجاب أكثرهم مكرهين ، واستمر على الامتناع عن ذلك الإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح الجند يسابوري ، فحملا على بعير وسُيِّرا إلى الخليفة عن أمره بذلك وهما مقيدان متعادلان في محمل على بعير واحد،فلما كانا ببلاد الرحبة جاءهما رجل من الأعراب من عُبَّادهم، فسلم على الإمام أحمد وقال له:يا هذا ! إنك وافد الناس فلا تكن شؤماً عليهم ،وإنك رأس الناس اليوم، فإياك أن تحبيبهم إلى ما يدعونك إليه فيجيبوا ، فتحمل أوزارهم يوم القيامة ، وإن كنت تحب الله فاصبر على ما أنت فيه ، فإنه ما بينك وبين الجنة إلا أن تقتل ، وإنك إن لم تقتل تمت ، وإن عشت عشت حميداً . قال أحمد – رحمه الله - : وكان كلامه مما قوَّى عزمي على ما أنا فيه من الامتناع عن ذلك الذي يدعونني إليه . فلما اقتربا من جيش الخليفة ونزلوا دونه بمرحلة ، جاء خادم وهو يمسح دموعه بطرف ثوبه ، ويقول: يعز علي يا أبا عبد الله، إن المأمون قد سلّ سيفاً لم يسله قبل ذلك،وإنه يقسم بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ، ليقتلنك بذلك السيف ، قال : فجثى الإمام أحمد – رحمه الله – على ركبتيه ورمق بطرفه إلى السماء وقال : سيدي غرَّ حلمك هذا الفاجر حتى تجرأ على أوليائك بالضرب والقتل ، اللهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤنته ، قال : فجاءهم الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل، قال أحمد : أحمد : ففرحنا . واستمرت هذه المحنة واستمر دعمها من قبل الخليفة المعتصم بل قد أسرف في تعذيب الإمام أحمد بن حنبل ، وأوجعه ضرباً إلى درجة فقدان الوعي ، كل ذلك لأجل أن يوافقه على القول بخلق القرآن . واستمرت هذه المحنة حتى ولي المتوكل على الله الخلافة ، فاستبشر الناس بولايته ؛ لأنَّه كان محباً للسنة وأهلها ، ورفع المحنة عن الناس ، وكتب إلى الآفاق أن لا يتكلم أحد في القول بخلق القرآن . فلولا تبني هؤلاء الخلفاء لهذه البدعة لما وصلت إلى ما وصلت إليه ، ولما وصل الأمر إلى تعذيب الأئمة الأعلام بسب إنكارهم لهذه البدعة . وأمثال هؤلاء الخلفاء كثير قديماً وحاضراً ، ممن جعلوا تبني البدع طريقاً لإبعاد الناس عن دينهم الصحيح ، ومن ثم الرئاسة عليهم . ونشر مذاهبهم وعقائدهم الباطلة . 4- تحول البدع إلى عادة يصعب الانصراف عنها إلا بعد جهد كبير . 5- موافقة البدعة لأهواء النفوس وغرائز الناس التي حرص الدين على تنظيمها ، والحد من الانطلاق معها ، وعدم وجود مقاومة فعالة تمنع من انتشارها ، وامتداد أخطارها وتغلغلها في النفوس . فهذه بعض أسباب انتشار البدع . ذكرناها على وجه الإيجاز ؛ لأن القصد الإشارة وليس الاستيعاب . والله أعلم . سادساً : آثار البدع على المجتمع : لاشك أن للبدع آثار تظهر في المجتمعات التي تُقر تلك البدع ولا تنكرها، وليست هذه الآثار تشمل المجتمع كله، بل تخص من يقرّ بالبدعة أو يعمل بها ، أو يدعو إليها ويرغِّب الناس فيها ، ومن يقبل ذلك منه من الناس ، وتظهر هذه الآثار جليَّة على أفراد المبتدعين ومتبعيهم ، الذين هم جزء من المجتمع ، وعدم الإنكار عليهم ومحاربة بدعهم يجعل هذه الآثار تشمل المجتمع كله . وهذه الآثار والظواهر منها ما يخص أفراد المبتدعين ، ومنها ما يعم مجتمعهم . |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الثلاثاء 15 مارس 2011, 5:54 am | |
| وهذه الآثار على سبيل الإيجاز هي : 1- اتباع المتشابه : لأن المبتدع تفسد طبيعته ، ويترك طريق الصواب إلى طريق الضلال ، ويعرف ذلك من سيرتهم ومن منطقهم ، قال تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} .فأول أثر لذلك :اتباع المتشابه ،وقد نَّبه الله سبحانه وتعالى على ذلك بقوله:{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ} ومن أمثلة ذلك : استشهاد الخوارج على إبطال التحكيم بقوله تعالى : {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} . وقد قال صلى الله عليه وسلم : (( فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم )) . 2- إماتة السنَّة : ومن الآثار الضارة للبدعة : إماتة السنَّة ؛ لأنَّه ما ظهرت بدعة إلا وماتت سنة من السنن ، لأن البدعة لا تظهر وتشيع إلا بعد تخلي الناس عن السنة الصحيحة ، فظهور البدع علامة دالَّة على ترك السنة . قال ابن عباس رضي الله عنهما(( ما أتى على الناس عام إلا أحدثوا فيه بدعة وأماتوا فيه سنة، حتى تحيا البدع وتموت السنن)) 3- الجدل : من الآثار المترتبة على الوقوع في البدع: الجدل بغير حق، والخصومات في الدين،وقد حذََّّر الله سبحانه وتعالى من ذلك بقوله عز وجل :{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} . فقد نهى سبحانه وتعالى عن الفرقة والاختلاف ، بعد مجيء البينات ، الكتاب والسنة؛ حتى لا نكون كالأمم السابقة التي تفرقت واختلفت بسبب بدعهم وأهواءهم .وقال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً ، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ، ويكره لكم : قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال )) . وقال صلى الله عليه وسلم:((أبغض الرجال إلى الله الألد الخصِم)) والألد الخصم:أي شديد الخصومة، واللدد: الخصومة الشديدة 4- اتباع الهوى : ومن آثار البدع :اتباع أهلها لأهوائهم وعدم التقيد بما شرع الله .ولاشك أن هذا عين الضلال،قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} ، وقال تعالى :{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} .واتباع الهوى أمر باطن لا يظهر،ولكن يتبين بعرض أعمال صاحبه على الشرع ،فعند عرضها على الشرع نرى أنها لا تمثل إلا هوى صاحبها ، ولا تصدر إلا من مبتدع جاهل ، يقول في الأمور بغير علم ، وخاصة أمور الدين . 5- مفارقة الجماعة : ومن آثار البدع : مفارقة أهلها الجماعة ، وشق عصا الطاعة على جماعة المسلمين؛ لأنهم اعتمدوا على أهوائهم، ومن اتبع هواه خرج عن جادة الصواب ، وقد حذَّر الله من ذلك بقوله عز وجل:{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ.....} . وقال تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} ، وقال تعالى: {..وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} ،وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} . وقال صلى الله عليه وسلم : (( افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة ، وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة )) . وفي رواية : (( كلها في النار ، إلا واحدة : وهي الجماعة )) فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن وقوع الفرقة في أمته ، وسبب هذا الافتراق هو مخالفة أهل الأهواء الضالة ؛ كالقدرية ، والخوارج ، و الروافض وأمثالهم ؛ ما اتفق عليه أهل السنة والجماعة في أبواب العدل والتوحيد ، والوعد والوعيد ، والقدر والخير والشر ، والإدارة والمشيئة ، والرؤية والإدراك ، وصفات الله عز وجل وأسمائه .. وغير ذلك ، فسبب مفارقتهم لجماعة المسلمين هو إحداثهم للبدع التي ما أنزل الله بها من سلطان . 6- ضلال الناس : ومن آثار البدع : أن المبتدعة لا يقتصر ضلالهم على أنفسهم ، وإنما يشيعونه بين الناس ، ويدعون إليه قولاً وعملاً ، بالحجة الباطلة والتأويل الزائغ والهوى المتسلط ، فيتحملون إثمهم وإثم من عمل بهذه البدعة إلى يوم القيامة ، قال تعالى:{لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ....} الحديث . والمبتدعة قد ألَّفُوا الفرق وجمعوا الجماعات ، وساروا بهم في بدعهم بغير فهْم ، فأول ما يظهر أهل البدع يكونون أفراد ، ثم بعد ذلك يتجمع الناس حولهم مفتونين بهم ، مدافعين عن ضلالهم ، مشيعين ذلك بين الناس ، وليس ثمة دليل لديهم إلا اتباع الظن وما تهوى الأنفس ، وتقليد أئمتهم المبتدعة . 7- الاستمرار في البدع وعدم الرجوع عنها : ومن آثار البدع : أن صاحب البدعة إذا أصابه مرضها ، لا يرجع عن بدعته ، بل يستمر فيها ، مبعدة إياه عن طريق الحق ، حتى يصعب عليه الرجوع والتوبة ، إلا من رحم الله ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( إن بعدي من أمتي ،- أو سيكون بعدي من أمتي – قوماً يقرأون القرآن ولا يجاوز حلوقهم ، يمرقون من الدين كما يرق السهم من الرمية ، ثم لا يعودون فيه ، هم شرار الخلق والخليقة )) . فصاحب البدعة لا توبة له عن بدعته ، وإن خرج عنها فإنه يخرج إلى ما هو شر منها ، أو يُظهر الخروج عنها ويصر عليها باطناً ، وعدم توبة صاحب البدعة لها أسباب ، منها : 1. أن الدخول تحت التكاليف في الشريعة صعب على الأنفس ؛ لأنه أمر مخالف للهوى ،ومحاد للشهوات، فيثقل عليها جداً، لأن الحق ثقيل ، والنفس إنما تنشط بما يوافق هواها ، لا بما يخالفه ، وكل بدعة للهوى فيها مدخل ؛لأنها راجعة إلى نظر مخترعها وهواه ، لا إلى نظر الشارع وحجته . 2. أن المبتدع لابد له من تعلق بشبهة دليل ، ينسبها إلى الشارع ، ويدّعي أن ما ذكره هو مقصود الشارع فصار هواه مقصوداً بدليل شرعي في زعمه ، فكيف يمكن الخروج من ذلك ،وداعي الهوى مستمسك بأحسن ما يتمسك به ؟ وهو الدليل الشرعي في الجملة . 3. أن المبتدع يزيد في الاجتهاد لينال في الدنيا التعظيم والمال والجاه ، وغير ذلك من أصناف الشهوات ، قال تعالى : {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً *الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} . وقال تعالى : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} ، فسبب ما داخل أنفسهم من الهوى يجد المبتدعة في ذلك الالتزام والاجتهاد ، خفة ونشاط ، يستسهلون به الصعب ، ويرون أعمالهم أفضل من عمل غيرهم {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} .. سابعاً : وسائل الوقاية من البدع : للوقاية من البدع وسائل عدة ، نذكر منها على سبيل الإيجاز : 1- الاعتصام بالكتاب والسنة ،- بالإضافة إلى نشر ذلك وتبليغه للناس على أكبر قدر ممكن -: وقد جاءت أوامر الاعتصام بالكتاب والسنة صريحة في ذلك ، منها : قوله تعالى:{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} . وحبل الله هو القرآن ، وقال تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} ، وقال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} ، وقال تعالى : {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} . والآيات كثيرة في هذا الباب وحصرها ليس من السهولة بمكان ، والقصد التنبيه لا الحصر . وقال صلى الله عليه وسلم : (( لا حسد إلا في اثنتين: رجل علَّمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار ، فسمعه جار له فقال : ليتني أوتيت مثلما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل ....)) الحديث . وقال صلى الله عليه وسلم : (( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )) . وفي رواية: ((إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه )) . وقال صلى الله عليه وسلم : (( تعاهدوا القرآن ، فو الذي نفسي بيده لهو بيده لهو أشد تفصيا من الإبل في عقولها )) . وقال صلى الله عليه وسلم : ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب، ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ....)) . وقال تعالى :{ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } . والسنة بيان القرآن ، فكما تجب المحافظة على الكتاب – كما تقدم من الأدلة السابقة – فكذلك تجب المحافظة على بيانه . فالسنة – وهي بيان الكتاب – لا تقل أهمية عن القرآن . وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم وجوب تبليغ السنة ونشرها على أوسع نطاق ممكن ، فقال عليه الصلاة والسلام : ((بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار )) . وقال صلى الله عليه وسلم : (( ليبلغ الشاهد الغائب )) . وقال صلى الله عليه وسلم : (( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة )) . وقال صلى الله عليه وسلم : (( نضر الله امرءاً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره )) . فما تقدَّم من النصوص يدلُّ على وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة ، ونشر سنته ، ونشر سنته صلى الله عليه وسلم وتبليغها ؛ لأنَّ في ذلك وقاية من إحداث البدع وظهورها . 2- تطبيق السنة في سلوك الفرد وسلوك المجتمع : وذلك بتطبيق ما علمه الإنسان من السنة على سلوكه في جميع مجالات الحياة، فتطبيق السنة يجعل البدعة أمراً منكراً في المجتمع، تظهر ملامحها البشعة ومظهرها السيء ، وتدل بنفسها على ما تحمله من قبح وتهديد للإسلام والمسلمين ، فيجعل الناس ينفرون من البدع ، لعدم قبول الناس وموافقتهم لمرتكب البدعة ، ولما كان الصحابة – رضوان الله عليهم – يطبقون السنة في جميع تصرفاتهم وأفعالهم لم تظهر فيهم البدع ، وإذا ظهرت قُضي عليها مباشرة ؛ لأن المبتدع بفعله البدعة قد شذَّ عن المجتمع الذي يعيش فيه ، فتكون مقامته سهلة ، ولكن في آخر الزمان يختلف الوضع ، فيكون المتمسك بدين الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كالقابض على الجمر ، ويكون حيداً غريباً في مجتمعه ،كما قال عليه الصلاة والسلام : (( بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ غريباً ، فطوبى للغرباء )) . 3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : البدع في بدايتها تكون صغيرة ثم تكبر ، يبدعها فرد وسرعان ما يلتف حوله أهل الأهواء ، لموافقة هذه البدعة أهواءهم وشهوة أنفسهم ، أو أن هذه البدعة تريحهم من بعض تكاليف الشرع . فما هو الموقف الواجب اتخاذه ؟. الجواب على ذلك هو : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وقد أوجبه الله علينا بقوله تعالى :{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} . فقد أوجب الله علينا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الكفاية . فلا يجب على كل أحد بعينه ، فإذا لم يقم به يقوم بواجبه ، أثم كل قادر بحسب قدرته ؛ إذ هو واجب على كل إنسان بحسب قدرته ، كما قال صلى الله عليه وسلم :(( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان )) . والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الصفات التي جعل الله بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الأمم ، قال تعالى:{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ..} . قال أبو هريرة – رضي الله عنه - : (({كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلون في الإسلام )) . وفي قول أبو هريرة- رضي الله عنه- ما يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمعناهما الشامل ، يدخل فيهما الجهاد في سبيل الله والعمل على تبليغ رسالة الإسلام بشتى الوسائل الممكنة . وقد جعل الله سبحانه وتعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات المؤمنين ، ومما يتميزون به على غيرهم ، كما جعل الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف من صفات المنافقين ومما يميزهم عن غيرهم . فقال تعالى في وصف المؤمنين {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} . وقال جل وعلا واصفاً المنافقين :{ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} . ولا شك أن التحذير من البدع والنهي عنها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأن إحداث البدع ودعوة الناس إليها من الأمر بالمنكر الذي هو من خصائص المنافقين ومن تبعهم . وقد نص الله سبحانه وتعالى على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصائص الرسالة المحمدية ، وأهدافها البارزة ، قال تعالى :{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ......} . وقد أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث إلى عموم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشموله لكل مسلم، فقال-عليه السلام-:((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) .
وجعل-عليه الصلاة والسلام- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من واجب الجالسين على الطريق ، وبين أن ذلك من حقوق الطريق ، فقال عليه الصلاة والسلام : (( إياكم والجلوس على الطرقات )) . فقالوا : مالنا بد ، إنَّما هي مجالسنا نتحدث فيها ، قال : فإذا أتيتم إلى المجالس فأعطوا الطريق حقها )) . فقالوا : وما حق الطريق ؟.قال:((غض البصر ، وكف الأذى، وردّ السلام ، وأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر )) . وقال صلى الله عليه وسلم :(( إنكم منصورون ومصيبون ومفتوح لكم ، فمن أدرك ذاك منكم فليتق الله وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر ، ومن يكذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار )) . وقال عليه الصلاة والسلام : (( مثل القائم على حدود الله ، والمدهن فيها ، كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر، فأصاب بعضهم أعلاها ، وأصاب بعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها يصعدون فيستقون الماء ، فيصيبون على الذين في أعلاها، فقال الذين في أعلاها :لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا ، فقال الذين في أسفلها: فإنا ننقبها في أسفلها فنستقي ، فإن أخذوا على أيديهم فمنعوهم نجوا جميعاً ، وإن تركوهم غرقوا جميعاً )) ففي هذا الحديث تحذير منه صلى الله عليه وسلم عن عاقبة السكوت عن المنكرات والبدع، وقد مثَّل النبي صلى الله عليه وسلم بركاب السفينة – وما أحسن التمثيل – فإن سكوت المسلمين عن أهل المنكر والمبتدعة ، يؤدي إلى تفشي هذه المنكرات والبدع في المجتمعات ، مما يجعلهم مستحلين للعقوبة ، فإذا نزلت العقوبة شملت الفاعل والراضي بالفعل ، فالأول لمباشرته المنكر ، والثاني لسكوته عن الإنكار . وقد قال عليه الصلاة والسلام : (( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه فتدعونه فلا يستجيب لكم )) . ولكن قد يستدل بعض الناس بقوله تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} ، على أن الإنسان ليس مسئولاً إلا عن نفسه وتصرفاته ، ولا شأن له بالآخرين وما يفعلونه . فالجواب على ذلك ما قاله أبو بكر الصديق – رضي الله عنه– قال :(( يا أيها الناس ! إنكم تقرأون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه )) . فما تقدَّم من الآيات والأحاديث يدلُّ على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل شخص ؛ لا بعينه وإنَّما على الكفاية على حسب قدرته وطاقته ، وأنه من خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأن تركه من خصائص المنافقين ، وإذا ترك الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد جنوا على أنفسهم ، وصاروا مستحقين للعقوبة . ولا شك أن البدع من أكبر المنكرات التي يجب النهي عنها ، وأن التهاون في ذلك يساعد على انتشار البدع ، وتمسك الناس بها ، واعتقادهم أن هذه البدع لو كانت أمراً منكراً لنهى عنه الناس عامة والعلماء خاصة، وأن سكوت العلماء عن الإنكار دليل على موافقة هذا الأمر المبتدع للشرع ،إذ لو كان مخالفاً لحصل الإنكار. فالأمر بالمعروف وهو لزوم الكتاب والسنة ،والنهي عن المنكر من البدع والمعاصي ؛ من أهم أسباب الوقاية من البدع ، وله دور كبير في ذلك . جعلنا الله وإياكم من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، مخلصين ذلك لله وحده ، والله أعلم . 4- القضاء على أسباب البدع : وأسباب البدع سبق وتكلمنا عنها ، ويكون القضاء عليها بأمور عدة ، منها : أ- منع العامة من القول في الدين ، وعدم اعتبار آرائهم مهما كانت مناصبهم فيه . ب- الرد على ما يوجه إلى الدين من حملات ظاهرة أو خفية ، وكشف مظاهر الابتداع ، وتسليط الضوء عليها من القرآن والسنة لمنعها من التغلغل والانتشار . جـ- الاحتراز من كل خروج عن حدود السنة مهما قلّ أثره أو صغر أمره . د- صدّ تيارات الفكر العقائدي والتي لا حاجة للمسلم فيها ،بل وردّ النصّ بالتحذير منها ،كآراء غير المسلمين فيها يتصل بالعقيدة ، أو الأمور الغيبة ونحوها . قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} قال تعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ.} وقال صلى الله عليه وسلم:((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً وذراعاً ذراعاً حتى لو دخلوا جحر ضبِّ تبعتموهم)) قلنا: يا رسول!اليهود والنصارى؟.قال:((فمن ؟)) .فحذر النبي صلى الله عليه وسلم من اتباع سننهم والوقوع فيما وقعوا فيه، وتقليدهم من غير تبصر، وهذا علم من أعلام نبوته.فواقع الحال يشهد بأنا أصبحنا نقلدهم في كثير من الأشياء، حتى صار المسلمون يقيمون الاحتفالات بأعياد النصارى ، ونحو ذلك من التقليد الأعمى في كثير من الأمور، وقد ألف بعض العلماء المعاصرين كتاباً ذكر فيه جملة من الأمور التي وقع فيها المسلمون من مشابهة المشركين . فكثير من البدع إنما أحدثت تقليداً لليهود والنصارى وغيرهم . هـ- الاعتماد على الكتاب والسنة فقط في أمور العقيدة التي لا مجال للاجتهاد والاستحسان والقياس فيها . وعدم الاعتماد على ما يعده بعض أهل الضلال مستنداً كالعقل ونحوه . وما هو أوهى من ذلك كالمنامات ونحوها . و- ترك الخوض في المتشابه؛ لأن الخوض فيه علامة على أهل الزيغ والبدع . وسبب كل بلاء ومصيبة دخلت على المسلمين . فما ذكرناه هو بعض الأمور التي في اتباعها أثر كبير في القضاء على أسباب البدع ، وهذه الأمور لا تحقيق الهدف لوحدها ، وإنما لا من احتساب العلماء وطلاب العلم وبذل وسعهم ، في تطبيقها والدعوة إليها ، وحثّ على الالتزام بها . لكي تؤدي الغرض المطلوب ، والهدف المقصود ، والله الهادي إلى سواء السبيل . سابعاً : البدع الحولية : المراد بالبدع الحولية : هي البدع التي تقام كل حول مرة ، وفي نفس الميعاد ، ولا يمكن أن تتكرر في سنة واحدة . فمثلاً : بدعة الحزن عند الرافضة في يوم عاشوراء – العاشر من محرم – تقام كل سنة في هذا اليوم ولا علاقة لها بفرق الأيام بين سنة وأخرى ، فلا يمكن أن يجعلوا موسمهم هذا يوم التاسع من محرم ولا العشرين منه ، وإنما يقيمونه كل سنة في العشر من محرم . وكذلك بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان ، فإنه يحتفل بها في هذه الليلة بالذات من كل عام . وكذلك بالنسبة لبدعة صلاة الرغائب التي لا تتعلق بتاريخ معين،وإنما هي متعلقة بليلة أول جمعة من رجب، فربما كانت تلك الليلة ليلة اليوم الأول من رجب وربما كانت ليلة الثاني أو الثالث أو الرابع ......من شهر رجب فهي تتكرر كل عام في ليلة أول جمعة من رجب . والحول والسنة والعام ، معناها واحد . وقد وردت هذه الأسماء الثلاثة في كتاب الله تعالى ، قال تعالى:{لَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً} ، فأتى بذكر السنة والعام في آية واحدة ، وقال عز من قائل:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ...} . وقد تختص بالجدب ، والعام بالخصب ، قال تعالى :{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ} ، فعبَّر بالسنين عن الجدب . وقال تعالى :{ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} ، فعبَّر بالعام عن الخصب ، وقد وقع التعبير عن الخصب بالسنين أيضاً في قوله تعالى :{ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ.........} . أما الحول فإنه يقع على الخصب والجدب جميعاً . والسنة – الحول – على قسمين : طبيعة ، واصطلاحية . فالطبيعة : هي القمرية ، وأولها استهلال القمر في غرة المحرم وآخرها سلخ ذي الحجة من تلك السنة . وهي اثنا عشر شهراً هلالياً ،قال تعالى : {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } . وعدد أيامها : ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً ، وخمس وسدس يوم تقريباً ، ويجتمع من هذا الخمس والسدس يوم في كل ثلاث سنين ، فتصير السنة ثلاثمائة وخمسة وخمسون يوماً ، ويبقى من ذلك بعد اليوم الذي اجتمع شيء ، فيجتمع منه ومن خمس اليوم وسدسه في السنة السادسة يوم واحد .... وهكذا إلى أن يبقى الكسر أصلاً ، بأحد عشر يوماً عند تمام ثلاثين سنة ، وتسمى تلك السنين كبائس العرب . والاصطلاحية : هي الشمسية ، وشهورها اثنا عشر شهراً كما في السنة الطبيعية ، إلا أن كل طائفة راعت عدم دوران سنيها ، جعلت في أشهرها زيادة في الأيام إما جملة وإما متفرقة وسمتها نسيئاً . وعدد أيامها عند جميع الطوائف ، ثلاثمائة يوم وخمسة وستون يوماً وربع يوم ، فتكون زيادتها على العربية-الطبيعة-عشرة أيام وثمانية أعشار يوم ، وخمسة أسداس يوم . وفي كتابنا هذا سنتطرق للبدع التي تحدث في كل شهر من شهور السنة الهجرية ؛ مبتدئين بشهر محرم إلى شهر ذي الحجة ، وهناك بعض الشهور لم نطلع- حسب وسعنا- فيها على بدع ، فلذلك لم نوردها كشهر ربيع الثاني ، وشهري جمادى الأولى والثانية ، وذي القعدة . فنسأل الله العون والتوفيق ، إنه على كل شيء قدير . يتبع إن شاء الله تعالى... |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الثلاثاء 15 مارس 2011, 6:00 am | |
| الفصل الأول شهر المحرم المبحث الأول : بعض الآثار الواردة فيه . المبحث الثاني : البدعة فيه عند الرافضة . المبحث الثالث : بدعة الفرح فيه عند الناصبة.
المبحث الأول بعض الآثار الواردة فيه 1. عن أبي بكرة - رضي الله-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، والسنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حرم : ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان )) الحديث . متفق عليه . 2. عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال : قال رسول الله : (( أفضل الصيام بعد رمضان ، شهر الله المحرم ، وأفضل الصلاة بعد الفريضة ، صلاة الليل )) . 3. عن عائشة-رضي الله عنها- قالت : كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية ،فلما قد المدينة صامه وأمر بصيامه ، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء ، فمن شاء صامه ، ومن شاء تركه . متفق عليه . 4. عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ((ما هذا ؟ )) . قالوا : هذا يوم صالح . هذا يوم نجي الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى ، قال:(( فأنا أحق بموسى منكم ، فصامه وأمر بصيامه )) متفق عليه . 5. عن أبي موسى-رضي الله عنه- قال:كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((فصوموه أنتم )) متفق عليه . 6. عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنهما – يوم عاشوراء ، عام حجّ، على المنبر يقول: (( يا أهل المدينة ! أين علماؤكم ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((هذا يوم عاشوراء ، ولم يكتب الله عليكم صيامه ، وأنا صائم ، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر )) متفق عليه . 7. عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : (( ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضَّلة على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء ، وهذا الشهر – يعني شهر رمضان )) . 8. عن الرُّبّيع بنت معوذ – رضي الله عنها – قالت : أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار : ((من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه ، ومن أصبح صائماً فليصم )) قالت: فكنا نصومه بعد ونصوّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن ، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار . متفق عليه . 9. عن سلمة بن الأكوع – رضي الله عنه – قال : أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أسلم أن أذن في الناس أن من أكل فليصم بقية يومه،ومن لم يكن أكل فليصم ،فإن اليوم يوم عاشوراء.متفق عليه . 10. عن أبي قتادة-رضي الله عنه- :عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله، صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله، والسنة التي بعده ، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله )) . 11. ما رواه عبد بن عمر – رضي الله عنهما – أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه والمسلمون ، قبل أن يفترض رمضان ، فلما افترض رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن عاشوراء يوم من أيام الله ، فمن شاء صامه ، ومن شاء تركه )) . 12. عن جابر بن سمرة - رضي الله عنهما- قال : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بصيام يوم عاشوراء ، ويحثنا عليه ، ويتعاهدنا عنده ،فلما فرض رمضان ،لم يأمرنا ،ولم ينهنا ،ولم يتعاهدنا عنده )) . 13. عن ابن عمر-رضي الله عنهما- قال : (( صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه ، فلما فرض رمضان ترك ، وكان عبد الله لا يصومه إلا أن يوافق صومه )) . 14. ما روي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال : (( حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه ، قالوا : يا رسول الله ! إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( فإذا كان العام المقبل ، إن شاء الله ، صمنا اليوم التاسع )) . قال : فلم يأت العام المقبل حتى تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي رواية : (( لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع )) . 15. عن الحكم بن الأعرج قال : انتهيت إلى ابن عباس – رضي الله عنهما – وهو متوسد رداءه عند زمزم ، فقلت له : أخبرني عن صوم عاشوراء ؟ فقال : إذا رأيت هلال المحرم فاعدد ، وأصبح يوم التاسع صائماً . قلت : هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه ؟ قال : (( نعم )) . 16. عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: (( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء يوم العاشر)) . 17. عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود ، وصوموا قبله يوماً أو بعده يوماً )) . قال ابن قيم الجوزية : ( فمن تأمل مجموع روايات ابن عباس ، تبَّين له زوال الإشكال ، وسعة علم ابن عباس – رضي الله عنهما - ، فإنه لم يجعل عاشوراء هو اليوم التاسع ،بل قال للسائل:(( صم اليوم التاسع )) ، واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر الذي يعده الناس كلهم يوم عاشوراء ، فأرشد السائل إلى صيام التاسع معه ، وأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصومه كذلك، فإما أن يكون فعل ذلك هو الأولى ، وإما أن يكون حمل فعله على الأمر به ، وعزمه عليه في المستقبل ، ويدل على ذلك أنه هو الذي روى : (( صوموا يوماً قبله ويوماً بعده )) وهو الذي روى : ((أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء يوم العاشر )). وكل هذه الآثار عنه ، يصدق بعضها بعضاً ، ويؤيد بعضها بعضاً . فمراتب صومه ثلاث : أكملها : أن يُصام قبله يوم وبعده يوم ، ويلي ذلك أن يُصام التاسع والعاشر ، وعليه أكثر الأحاديث ، ويلي ذلك إفراد العاشر وجده بالصوم ، وأما إفراد التاسع فمن نقص فهم الآثار ، وعدم تتبع ألفاظها وطرقها ، وهو بعيد من اللغة والشرع ، والله الموفق للصواب ) ا.هـ . وقال الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله - : ( فإن اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام ، وإنما يفعل ذلك ليتيقن صوم التاسع والعاشر ) المبحث الثاني بدعة الحزن في شهر محرم عند الرافضة في اليوم العاشر من شهر محرم، وهو اليوم الذي عرف بـ( عاشوراء) أكرم الله سبحانه وتعالى الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - بالشهادة ، وذلك سنة 61هـ ، وكانت شهادته مما رفع الله بها منزلته ، وأعلى درجته ، فإنه هو وأخوه الحسن سيد ا شباب أهل الجنة ، والمنازل العالية لا تنال إلا بالبلاء، كما قال صلى الله عليه وسلم لما سُئِل : أي الناس أشد بلاءً؟ فقال :((الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل: يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه ، وإن كان في دينه رقّة خفف عنه ، ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض ، وليس عليه خطيئة )) . فكان الحسن والحسين-رضي الله عنهما- قد سبق لهما من الله سبحانه وتعالى ما سبق من المنزلة العالية، ولم يكن قد حصل لهما من البلاء ما حصل لسلفهما الطيب، فإنهما ولدا في عز الإسلام، وتربيا في عز وكرامة، والمسلمون يعظمونهما ويكرمونهما، ومات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستكملا سن التمييز، فكانت نعمة الله عليهما أن ابتلاهما بما يلحقها بأهل بيتهما، كما ابتلي من كان أفضل منهما، فإن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أفضل منهما وقد قُتِلَ شهيداً ، وكان مقتل الحسين مما ثارت به الفتن بين الناس،كما كان مقتل عثمان بن عفان-رضي الله عنه– من أعظم الأسباب التي أوجبت الفتن، وبسببه تفرقت الأمة إلى اليوم. فلما قتل عبد الرحمن بن ملجم أمير المؤمنين على بن أبي طالب-رضي الله عنه- وبايع الصحابة للحسن ابنه الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم:((إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) . فنزل عن الولاية ، وأصلح الله به بين الطائفتين ، ثم إنه مات-رضي الله عنه - ، وقامت طوائف كاتبوا الحسين ووعدوه بالنصر والمعاونة إذا قام بالأمر، ولم يكونوا من أهل ذلك، بل لما أرسل إليهم ابن عمه أخلفوا وعده، ونقضوا عهده ، وأعانوا عليه من عدوه أن يدفعوه عنه ، ويقاتلوه معه. وكان أهل الرأي والمحبة للحسين كابن عباس وابن عمر وغيرهما، قد أشاروا عليه بأن لا يذهب إليهم، ولا يقبل منهم، ورأوا أن خروجه إليهم ليس بمصلحة ، ولا يترتب عليه ما يسر ، وكان الأمر كما قالوا ، وكان أمر الله قدراً مقدوراً . فلما خرج الحسين- رضي الله عنه-ورأى أن الأمور قد تغيرت ، طلب منهم أن يدعوه يراجع ، أو يلحق ببعض الثغور ، أو يلحق بابن عمه يزيد ، فمنعوه هذا وهذا ، حتى يستأسر ، وقاتلوه ، فقاتلهم فقتلوه ، وطائفة ممن معه ، مظلوماً شهيداً شهادة أكرمه الله بها ، وألحقه بأهل بيته الطيبين الطاهرين ، وأهان بها من ظلمه ،واعتدى عليه. فأوجب ذلك شراً بين الناس ، فصارت طائفة جاهلة ظالمة : إمَّا ملحدة منافقة ، وإما ضالَّة غاوية ، تظهر موالاته وموالاة أهل بيته ، تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة ، وتظهر فيه شعار الجاهلية ، من لطم الخدود ، وشق الجيوب ، والتعزي بعزاء الجاهلية . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وصار الشيطان بسبب قتل الحسين – رضي الله عنه- يحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء ، من اللطم والصراخ ، والبكاء ، والعطش ، وإنشاء المراثي، وما يفضي إلى ذلك من سبّ السلف ولعنهم، وإدخال من لا ذنب له مع ذوي الذنوب ، حتى يسب السابقون الأولون ، وتقرأ أخبار مصرعه التي كثير منها كذب ، وكان قصد من سن ذلك ، فتح باب الفتنة والفرقة بين الأمة ، فإن هذا ليس واجباً ولا مستحباً باتفاق المسلمين ، بل إحداث الجزع والنياحة للمصائب القديمة ، من أعظم ما حرمه الله ورسوله ).ا.هـ . وهذا مخالف لشرع الله ؛ فالذي أمر به الله ورسوله في المصيبة- إن كانت جديدة-إنَّما هو الصبر،والاسترجاع والاحتساب ، كما قال تعالى:{....وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ *الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} . وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهلية)) . وقال صلى الله عليه وسلم : (( أنا برئ من الصالقة والحالقة والشاقة )) . وقال صلى الله عليه وسلم :(( النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة ، وعليها سربال من قطران ودرع من جرب )) . وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يصاب بمصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي ، واخلف له خيراً منها )) . إلا آجره الله في مصيبته وأخلفه خيراً منها . وقال صلى الله عليه وسلم: ((أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة على الميت )) . فكيف إذا انظم إلى ذلك ظلم المؤمنين ، ولعنهم وسبهم ، وإعانة أهل الشقاق والإلحاد على ما يقصدونه في الدين من الفساد ، وغير ذلك مما لا يحصيه إلا الله تعالى . فكان ما زينه الشيطان لأهل الضلال والغي ، من اتخاذ يوم عاشوراء مأتماً ، وما يصنعون فيه من الندب والنياحة ، وإنشاء قصائد الحزن ، ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير، والصدق فيها ليس فيه إلا تجديد الحزن والتعصب، وإثارة الشحناء والحرب، وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام والتوسل بذلك إلى سب السابقين الأولين ، وكثرة الكذب والفتن في الدين . ولم يعرف المسلمين أكثر كذباً وفتناً، ومعاونة للكفار على أهل الإسلام من هذه الطائفة الضالة الغاوية، فإنهم شر من الخوارج المارقين وأولئك قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : (( يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان )) . وهؤلاء يعانون اليهود والنصارى والمشركين على أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمته المؤمنين كما أعانوا المشركين من أعداء الإسلام على ما فعلوه ببغداد وغيرها ، بأهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ولد العباس بن عبد المطلب ، وغيرهم من أهل البيت والمؤمنين ، من القتل والسبي وخراب الديار ، وشر هؤلاء وضررهم على أهل الإسلام لا يحصيه الرجل الفصيح في الكلام . وهذه الطائفة هم الرافضة : الذين اشتهروا دون غيرهم من الطوائف بسبِّ الخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما-ولعنهما وبغضهما وتكفيرهما-والعياذ بالله ، ولهذا قيل للإمام أحمد : من الرافضي ؟ قال:( الذي يسبّ أبا بكر وعمر ) . وبهذا سميت الرافضة ، فإنهم رفضوا زيد بن علي لما تولى الخليفتين أبا بكر وعمر – رضي الله عنهما – لبغضهم لهما ، فالمبغض لهما هو الرافضي ، وقيل : إنما سموا رافضة لرفضهم أبا بكر وعمر- رضي الله عنهما –. وأصل الرفض من المنافقين الزنادقة ، فإنه ابتدعه عبد الله بن سبأ الزنديق ، وأظهر الغلو في علي-رضي الله عنه-؛ بدعوى الإمام بالنص ، وادَّعى العصمة له . ولهذا لما كان مبدأه من النفاق قال بعض السلف : حب أبي بكر وعمر إيمان ، وبغضهما نفاق ، وحب بني هاشم إيمان ، وبغضهم نفاق . وهذه الفرقة هي التي وصفها شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله : ( إن الرافضة أمة ليس لها عقل صريح ، ولا نقل صحيح ، ولا دين مقبول ، ولا دنيا منصورة ، بل هم من أعظم الطوائف كذباً وجهلاً، ودينهم يدخل على المسلمين كل زنديق ومرتد ، كما دخل فيهم النصيرية ، والإسماعيلية وغيرهم ، فإنهم يعمدون إلى خيار الأمة يعادونهم ، وإلى أعداء الله من اليهود والنصارى والمشركين يوالونهم، ويعمدون إلى الصدق الظاهر المتواتر يدفعونه، وإلى الكذب المختلق الذي يعلم فساده يقيمونه، فهم كما قال فيهم الشُّعبي-رحمه الله-وكان من أعلم الناس بهم-:لو كانوا من البهائم لكانوا حمراً، ولو كانوا من الطير لكانوا رخماً ) ا.هـ. . وأما في الوقت الحاضر : فيستقبل بعض المنتسبين إلى الإسلام في بعض البلدان شهر محرم بالحزن والهم والخرافات والأباطيل ؛ فيصنعون ضريحاً من الخشب ، مزيناً بالأوراق الملونة ويسمونه ضريح الحسين ، أو كربلاء ، ويجعلون فيه قبرين ، ويطلقون عليه اسم ( التعزية ) ، ويجتمع أطفال بملابس وردية أو خضر، ويسمونهم فقراء الحسين . وفي اليوم الأول من شهر تكنس البيوت وتغسل وتنظف ، ثم يوضع الطعام ، وتقرأ عليه فاتحة الكتاب ، وأوائل البقرة ، وسورة الكافرون ، والإخلاص ، والفلق ، والناس . ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويوهب ثواب الطعام للموتى . وفي خلال هذا الشهر تمنع الزينة ، فتضع النساء زينتهن ، ولا يأكل الناس اللحوم ، ولا يقيمون ولائم الأفراح، بل ولا يتم فيه عقود الزواج ، وتمنع الزوجة من زوجها إن كان لم يمض على زواجهما أكثر من شهرين ، ويكثر ضرب الوجوه والصدور ، وشق الجيوب والنياحة ، ويبدأ اللعن على معاوية وأصحابه ويزيد وسائر الصحابة . وفي العشر الأول من الشهر: تشعل النيران ، ويتواثب الناس عليها ، والأطفال يطوفون الطرقات ، ويصيحون : يا حسين يا حسين . وكل من يولد في هذا الشهر يعتبر شؤماً سيئ الطالع ، وفي بعض المناطق تدق الطبول والدفوف ، وتصدح الموسيقى وتنشر الرايات ، وينصب الضريح ويمر الرجال والنساء والصبيان من تحته، يتمسحون بالرايات ويتبركون، معتقدين أنهم بذلك لا يصيبهم مرض وتطوع أعمارهم . وفي بعض البلدان يخرج الناس في ليلة عاشوراء معصبين عيني الرجل يطوفون الطرقات ، فإذا ما قاربت الشمس على البزوغ عادوا إلى بيوتهم . وفي يوم عاشوراء تطهى أطعمة خاصة ، ويخرج أهل القرى والمدائن إلى مكان خاص يسمونه (كربلاء) فيطوفون حول الضريح الذي يقيمونه ويتبركون بالرايات وتدق الطبول وتضرع الدفوف، فإذا غربت الشمس دفن هذا الضريح ، أو ألقي في الماء ، وعاد الناس إلى بيوتهم ، ويجلس بعض الناس على الطرقات بمشروبات يسمونها(السلسبيل)، ويسقونها للناس بدون مقابل ، ويجلس بعض الوعاظ في الأيام العشر الأول فيذكرون محاسن الحسين، ومساوئ ينسبونها لمعاوية،ويزيد، ويصبون عليها وعلى أصحابها اللعنات. ويروون في فضل عاشوراء وشهر المحرم أحاديث موضوعة وضعيفة وروايات مكذوبة . وبعد أربعين يوماً من عاشوراء ، يحتفلون يوماً واحداً يسمونه الأربعين : يجمعون فيه الأموال ، ويشترون بها أطعمة خاصة يدعون الناس إليها . وهذه البدع تعمل في الهند والباكستان ، وفي البلدان التي يقطنها الشيعة ولاسيما إيران والعراق والبحرين . وإقامتهم لحفلات العزاء والنياحة والجزع ، وتصوير الصور، وضرب الصدور، وما أشبه ذلك مما يصدر منهم في يوم عاشوراء وما قبله من شهر محرم، إنما يعتقدون بذلك القربة إلى الله وتكفير السيئات والذنوب التي صدرت منهم في السنة كلها، ولم يعلموا أن فعلهم هذا مما يوجب الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى . وصدق الله تعالى القائل في محكم كتابه :{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ......} . وقال عز وجل من قائل :{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً *الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} .
***************************** المبحث الثالث بدعة الفرح في يوم عاشوراء عند النواصب تقدم في المبحث السابق ، ذكر بدعة الحزن في يوم عاشوراء عند الرافضة ، وفي هذا المبحث سنتكلم - إن شاء الله - عن الذين عارضوا الرافضة ، فجعلوا يوم عاشوراء موسم فرح ، وهم النواصب المتعصبين على الحسين وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ومن الجهَّال الذين قابلوا الفاسد بالفاسد ، والكذب بالكذب ، والشر بالشر ، والبدعة بالبدعة ، فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء ؛ كالاكتحال ، والاختضاب ، وتوسيع النفقات على العيال ، وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة ، ونحو ذلك مما يُفعل في الأعياد والمواسم ، فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسماً كمواسم الأعياد والأفراح . وكان أول ظهورهم على زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لما أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : بعث علي -رضي الله عنه- إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة ، فقسمها بين الأربعة : الأقرع بن حابس الحنظلي ثم المجاشعي ، وعيينة بن بدر الفزاري ، وزيد الطائي ، ثم أحد بني نبهان ، وعلقمة بن علاثة العامري ، أحد بني كلاب . فغضبت قريش والأنصار ، قالوا : يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا! . قال : (( إنَّما أتألفهم )) ، فأقبل رجل غائر العينين ، مشرف الوجنتين ، ناتئ الجبين ، كث اللحية محلوق ، فقال : اتق الله يا محمد ! ، فقال : (( من يطع الله إذا عصيت ؟ أيأمنني الله على أهل الأرض ولا تأمنوني ؟ )) . فسأله رجل قتله – أحسبه خالد بن الوليد – رضي الله عنه- فمنعه ، فلما ولَّى قال : (( إن من ضئضئ هذا – أو في عقب هذا – قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان ، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)) . وفي رواية لمسلم : بينما نحن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسماً ، أتاه ذو الخويصرة -وهو رجل من بني تميم- فقال: يا رسول الله! اعدل! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ويلك ،ومن يعدل إن لم أعدل ، قد خبت وخسرت إن لم أعدل )) فقال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه - : يا رسول الله! ائذن لي فيه أضرب عنقه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، ويقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيء – وهو القدح – ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء ، سبق الفرث والدم . آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة ، أو مثل البضعة تدردر ، يخرجون على حين فرقة من الناس )) . قال أبو سعيد : فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأشهد أن علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- قاتلهم وأنا معه،فأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد فأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعت قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وكانت الكوفة بها قوم من الشيعة المنتصرين للحسي ، وكان رأسهم المختار بن عبيد الكذاب. وقوم من الناصبة المبغضين لعلي – رضي الله عنه- وأولاده ، منهم الحجاج بن يوسف الثقفي ، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( سيكون في ثقيف كذاب ومبير)) . فكان ذلك هو الكذاب وهذا الناصبي هو المبير ، فأحدث أولئك الحزن ، وأحدث هؤلاء السرور وهذه بدعة أصلها من المتعصبين بالباطل على الحسين- رضي الله عنه -وتلك بدعة أصلها من المتعصبين بالباطل له ، وكل بدعة ضلالة ، ولم يستحب أحد من الأئمة الأربعة وغيرهم لا هذا ولا هذا ، ولا في شيء من استحباب ذلك حجَّة شرعية . ولا شك في أن النواصب ،وكذلك الرافضة ،مبتدعون في فعلهم هذا مخطئون ،خارج عن السنة ؛لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين،تمسكوا بها، وعضُّو عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة )) . ولم يسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون في يوم عاشوراء شيئاً من هذه الأمور، لا شعائر الحزن والترح، ولا شعائر السرور والفرح ، ولكنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، وجد اليهود تصوم عاشوراء ، فقال : ((ما هذا ؟)).فقالوا: هذا يوم نجَّى الله فيه موسى -عليه السلام- من الغرق فنحن نصومه . فقال :((نحن أحق بموسى منكم)). فصامه وأمر بصيامه . وكانت قريش أيضاً تعظمه في الجاهلية . واليوم الذي أمر الناس بصيامه كان يوماً واحداً فإنه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة في شهر ربيع الأول ، فلما كان في العام القابل ، صام يوم عاشوراء ، وأمر بصيامه ، ثم فرض شهر رمضان ذلك العام فنسخ صوم عاشوراء – أي وجوبه – . وقد تنازع العلماء : هل كان صوم ذلك اليوم واجباً ، أو مستحباً ؟ على قولين مشهورين ، أصحهما: أنه كان واجباً، ثم إنه بعد ذلك كان يصومه من يصومه استحباباً ، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم العامة بصيامه، بل كان يقول: ((هذا يوم عاشوراء ، وأنا صائم فيه ، فمن شاء صام )) متفق عليه . وقال عليه الصلاة والسلام : (( صوم يوم عاشوراء يكفر سنة ، وصوم يوم عرفة يكفر سنتين )). ولما كان آخر عمره صلى الله عليه وسلم وبلغه أن اليهود يتخذونه عيداً قال: ((لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع)) ؛ ليخالف اليهود ولا يشابههم في اتخاذه عيداً . وكان من الصحابة والعلماء من لا يصومه ، ولا يستحب صومه ، بل يكره إفراده بالصوم ، كما نقل ذلك عن طائفة من العلماء ، ومن العلماء من يستحب صومه . والصحيح أنه يستحب لمن صامه ، أن يصوم معه التاسع ؛ لأن هذا آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم لقوله :((لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع )) . فهذا الذي سنَّهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما سائر الأمور : مثل اتخاذ طعام خارج عن العادة إما حبوب وإما غير حبوب ، أو تجديد لباس ، أو توسيع نفقة ، أو اشتراء حوائج العام ذلك اليوم ، أو فعل عبادة مختصة كصلاة مختصة به . أو قصد الذبح ، أو ادخار لحوم الأضاحي ليطبخ بها الحبوب ، أو الاكتحال ، أو الاختضاب ، أو الاغتسال ، أو التصافح ، أو التزاور ، أو زيارة المساجد والمشاهد ، ونحو ذلك . فهذه من البدع المنكرة التي لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون ، ولا استحبها أحد من أئمة المسلمين المشهورين . فيجب على الإنسان ، طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، واتباع دينه وسبيله ، واقتفاء هداه ودليله . وعليه أن يشكر الله على ما عظمت به النعمة . قال تعالى :{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} . وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)) . . يتبع إن شاء الله تعالى... |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الثلاثاء 15 مارس 2011, 6:04 am | |
| الفصل الثاني شهر صفر المبحث الأول : بعض الآثار الواردة فيه . المبحث الثاني : بدعة التشاؤم به .
المبحث الأول بعض الآثار الواردة فيه 1. عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لا عدوى ولاصفر ولا هامة )) ، فقال أعرابي : يا رسول الله ! فما بال إبلي تكون في الرمل كأنها الظباء ، فيأتي البعير الأجرب فيدخل بينها يجربها؟فقال: (( فمن أعدى الأول )) متفق عليه 2. عن أبي هريرة -رضي الله عنه-عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولاصفر)) متفق عليه . وفي رواية لمسلم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا عدوى ، ولا غول ، ولا صفر )) . 3. عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( لا يعدي شيء شيئاً ))، فقال أعرابي : يا رسول الله ! البعير أجرب الحشفة ندبنه فيجرب الإبل كلها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( فمن أجرب الأول ؟ لا عدوى ولا صفر ، خلق الله كل نفس فكتب حياتها ورزقها ومصائبها )) . 4. عن ابن عباس- رضي الله عنهما – قال : ((كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ، ويجعلون المحرم صفر ، ويقولون : إذا برأ الدبر ، وعفا الأثر ، وانسخ صفر ، حلَّت العمرة لمن اعتمر . قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة ، فتعاظم ذلك عندهم ، فقالوا:يا رسول الله !أي الحل ؟. قال:(( حل كله)) . 5. قال أبو داود : قُرئ على الحارث بن مسكين وأنا شاهد : أخبركم أشهب ، قال سُئل مالك عن قوله : (( لا صفر)) قال : إن أهل الجاهلية كانوا يُحلُّون صفر ، يُحلونه عاماً ويُحرمونه عاماً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا صفر )) . 6. قال البخاري في صحيحه : باب (( لا صفر )) ، (وهو داء يأخذ البطن ) .
*********************************
المبحث الثاني بدعة التشاؤم بصفر ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم (( لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولاصفر)) . واختلف العلماء في قوله (( لا عدوى )) ، فهل المراد النهي أو النفي ؟. قال ابن قيم الجوزية:(هذا يحتمل أن يكون نفياً ، أو يكون نهياً ، أي :لا تتطيروا ، ولكن قوله في الحديث : (( لا عدوى ولاصفر ولا هامة)) يدل على أن المراد النفي ،وإبطال هذه الأمور التي كانت الجاهلية تعانيها، والنفي في هذا أبلغ من النهي ؛لأن النفي يدل على بطلان ذلك ، وعدم تأثيره ،والنهي إنما يدل على المنع منه )ا.هـ . وقال ابن رجب : ( اختلفوا في معنى قوله : ((لا عدوى))، وأظهر ما قيل في ذلك : أنه نفي لما كان يعتقده أهل الجاهلية، من أن هذه الأمراض تعدي بطبعها، من غير اعتقاد تقدير الله لذلك، ويدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم:((فمن أعدى الأول))، يشير إلى الأول إنما جرب بقضاء الله وقدره ،فكذلك الثاني وما بعده ) ا.هـ . قال الله تعالى : {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا........ } . وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ((ولا صفر )) ، فاختلف في تفسيره : أولاً : قال كثير من المتقدمين : الصفر داء في البطن . يقال : أنه دود فيه كبار كالحيات ، وهو أعدى من الجرب عند العرب ، فنفى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، وممن قال بهذا من العلماء : (ابن عيينة ، والإمام أحمد ، والإمام البخاري ، والطبري ) . وقيل : المراد بالصفر : الحية ، لكن المراد بالنفي نفي ما كانوا يعتقدون أن من أصابه قتله ، فردّ الشارع ذلك بأن الموت لا يكون إلا إذا فرغ الأجل . وقد جاء هذا التفسير عن جابر وهو أحد رواة حديث : (( ولاصفر)) . ثانياً : وقالت طائفة : بل المراد بصفر هو شهر صفر . ثم اختلفوا في تفسيره على قولين : أ- أن المراد نفي ما كان أهل الجاهلية يفعلونه في النسيء فكانوا يحلون المحرم، ويحرمون صفر مكانه،وهذا قول الإمام مالك ب- أن المراد أهل الجاهلية كانوا يستشئمون بصفر ويقولون أنه شهر مشئوم ، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك . ورجَّح هذا القول ابن رجب الحنبلي . ويجوز أن يكون المراد هو الدواب التي في البطن ، والتي هي أعدى من الجرب بزعمهم ، وأن يكون المراد تأخير الحرم إلى صفر وهو ما يسمى بالنسيء ، وأن الصفرين جميعاً باطلان لا أصل لهما ، ولا تصريح على واحد منهما . وكذلك يجوز أن يكون المراد هو نفي التشاؤم بصفر ؛لأن التشاؤم صفر من الطيرة المنهي عنها ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا طيرة )) . لقوله صلى الله عليه وسلم : ((طيرة شرك ، طيرة شرك)) . ويكون قوله : (( ولا صفر ))من باب عطف الخاص على العام ، وخصَّه بالذكر لاشتهاره . فالنفي- والله أعلم- يشمل جميع المعاني التي فسر العلماء بها قوله صلى الله عليه وسلم (( لا صفر ))والتي ذكرتها ؛ لأنها جميعاً باطلة لا أصل لها ولا تصريح على واحد منها . فكثير من الجهال يتشاءم بصفر ، وربما ينهى عن السفر فيه ، وقد قال بعض هؤلاء الجهال : ذكر بعض العارفين أنه ينزل في كل سنة ثلاثمائة وعشرون ألفاً من البليات ،وكل ذلك في يوم الأربعاء الأخير من صفر ، فيكون ذلك اليوم أصعب أيام السنة كلها ، فمن صلى في ذلك اليوم أربع ركعات ، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة ، وسورة الكوثر سبع عشرة مرة والإخلاص خمس عشرة مرة ، والمعوذتين مرة ، ويدعو بعد السلام بهذا الدعاء ، حفظه الله بكرمه من جميع البليات التي تنزل في ذلك اليوم ولم تحم حوله بلية في تلك السنة ، وهذا هو الدعاء : (( بعد البسملة....... اللهم يا شديد القوة ، ويا شديد المحال ، يا عزيز ، يا من ذلت لعزتك جميع خلقك. اكنفني من شر خلقك ، يا محسن يا مجمل يا متفضل ، يا منعم يا متكرم ، يا من لا إله إلا أنت ، ارحمني برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم بسر الحسن وأخيه وجده وأبيه وأمه وبنيه ، اكفني شر هذا اليوم وما ينزل فيه يا كافي المهمات ويا دافع البليات ، فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين )) . وكذلك ما يفعله بعض الناس في اجتماعهم في آخر أربعاء من شهر صفر بين العشاءين في بعض المساجد ، ويتحلقون إلى كاتب يرقم لهم على أوراق آيات السلام السبعة على الأنبياء ؛ كقوله تعالى : {سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} . ثم يضعونها في الأواني،ويشربون من مائها،ويعتقدون أن سر كتابتها في هذا الوقت،ثم يتهادونها إلى البيوت. ونظير هذا تشاؤم بعض الناس في بعض الأقطار الإسلامية من عيادة المريض يوم الأربعاء وتطيرهم منه . ولا شك التشاؤم بصفر أو بيوم من أيامه هو من جنس الطيرة المنهي عنها : فقد قال صلى الله عليه وسلم:((لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة ، ولاصفر)) . وقال صلى الله عليه وسلم (( لا عدوى،ولا طيرة ، ويعجبني الفأل)) قالوا :وما الفأل ؟ قال :(( كلمة طيبة)) . وقال عليه الصلاة والسلام ((طيرة شرك ، طيرة شرك)) . وقال صلى الله عليه وسلم : (( من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك )) ، قالوا : فما كفارة ذلك ؟ قال : (( أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك ، ولا طير إلا طيرك ، ولا إله غيرك )) .......إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في النهي عن الطيرة . وتخصيص الشؤم بزمان دون زمان ؛ كشهر صفر وغيره صحيح ، لأن الزمان كله خلق الله تعالى ، وفيه تقع أفعال بني آدم ، فكل زمان شغله المؤمن بطاعة الله فهو زمان مبارك عليه ، وكل زمان شغله العبد بمعصية الله فهو مشؤم عليه . فالشؤم في الحقيقة هو معصية الله تعالى ، واقتراف الذنوب، فإنها تسخط الله عز وجل، فإذا سخط على عبده ، شقي في الدنيا والآخرة ، كما أنه إذا رضي عن عبده سعد في الدنيا والآخرة . فالعاصي مشؤم على نفسه، وعلى غيره، فإنه لا يؤمن أن ينزل عليه عذاب فيعم الناس، خصوصاً من لم ينكر عليه عمله، فالبُعد عنه متعين . أما قوله صلى الله عليه وسلم :(( لا عدوى،ولا طيرة ، والشؤم في ثلاث : المرأة ، والدار ، والدابة )) . فقد اختلف العلماء فيه : أ- فروي عن عائشة – رضي الله عنها – أنها أنكرت هذا الحديث أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم : إنما قال : (( كان أهل الجاهلية يقولون : الطيرة في المرأة والدار والدابة )) ، ثم قرأت عائشة :{ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} . وقال معمر : سمعت من يفسر هذا الحديث يقول : ( شؤم المرأة إذا كانت غير ولود ، وشؤم الفرس إذا لم يغز عليه في سبيل الله ، وشؤم الدار جار السوء ) ب- ومنهم من قال: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((لا شؤم،وقد يكون اليمن في الدار والمرأة والفرس)) . والتحقيق :أن يقال في إثبات الشؤم في هذه الثلاث ما ورد في النهي عن إيراد المريض على الصحيح ، والفرار من المجذوم ، ومن أرض الطاعون : أن هذه الثلاث أسباب يقدر الله تعالى بها الشؤم واليمن ويقرنه. والشؤم بهذه الثلاثة إنما يلحق من تشاءم بها،فسيكون شؤمها عليه ، ومن توكل على الله ولم يتشاءم ولم يتطير ، لم يكن مشؤومة عليه ، ويدلُّ على ذلك حديث أنس – رضي الله عنه - :(( الطيرة على من تطير )) . وقد يجعل الله سبحانه وتعالى تطير العبد ، وتشاؤمه سبباً لحلول المكروه ، كما يجعل الثقة به ، والتوكُّل عليه وإفراده بالخوف والرجاء من أعظم الأسباب التي يدفع بها الشر المتطير به ، وسر هذا أن الطيرة إنما تتضمن الشرك بالله تعالى ، والخوف من غيره ،وعدم التوكل عليه والثقة به ،فكان صاحبها غرضاً لسهام الشر والبلاء ، فيتسرع نفوذها ؛ لأنّه لم يتدرع بالتوحيد والتوكل ، والنفس لابد أن تتطير ، ولكن المؤمن القوي الإيمان يدفع موجب تطيره بالتوكل على الله ، فإن من توكل على الله وحده كفاه من غيره ، قال تعالى : { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ *إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } . . قال ابن الجوزية :(فإخباره صلى الله عليه وسلم بالشؤم أنه يكون في هذه الثلاثة، ليس فيه إثبات الطيرة التي نفاها، وإنما غايته أن الله سبحانه ، قد يخلق منها أعياناً مشؤمة على من قاربها وسكنها وأعياناً مباركة لا يلحق من قاربها منها شؤم ولا شر ،وهذا كما يعطي سبحانه الوالدين ولداً مباركاً ،يريان الخير على وجهه ، ويعطي غيرهما ولداً فكذلك الدار والمرأة والفرس.والله سبحانه خالق الخير والشر من قارنها ، وحصول اليمن له والبركة ، ويخلق بعض ذلك نحوساً يتنحس بها من قارنها ، وكل ذلك بقضائه وقدره ،كما خلق سائر الأسباب ، وربطها بمسبباتها المتضادة والمختلفة ، فكما خلق المسك وغيره من حامل الأرواح الطيبة ، ولذذ بها من قارنها من الناس ، وخلق ضدها وجعلها سبباً لإيذاء من قارنها من الناس ، والفرق بين هذين النوعين يدرك بالحس، فكذلك في الديار والنساء والخيل ، فهذا لون والطيرة الشركية لون آخر . ولهذا يشرع لمن استفاد زوجة أو أمة أو دابة ، أن يسأل الله تعالى من خيرها ، وخير ما جبلت عليه، ويستعيذ به من شرها وشر ما جبلت عليه ،كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك ينبغي لمن سكن داراً أن يفعل ذلك ، وقد أمر صلى الله عليه وسلم قوماً سكنوا داراً فقلَّ عددهم ، وقلَّ مالهم أن يتركوها ذميمة . فترك ما لا يجد الإنسان فيه بركة، من دار أو زوجة أو دابة، منهي عنه، وكذلك من اتّجر في شيء فلم يربح فيه، لقوله صلى الله عليه وسلم : (( إذا كان لأحدكم رزق في شيء فلا يدعه حتى يتغير له أو يتنكر له )) . فالتطير والتشاؤم بوقت أو شخص أو دار أو غير ذلك ، من الشرك كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث السابق ذكرها . والتشاؤم من الاعتقادات الجاهلية التي انتشرت – وللأسف الشديد – بين كثير من جهال المسلمين ، نتيجة جهلهم بالدين عموماً ، وضعف عقيدة التوحيد فيهم خصوصاً ، وسبب ذلك الجهل ،ونقص التوحيد ، وضعف الإيمان ، هو عدم انتشار الوعي الصحيح فيهم ، ومخالطة أهل البدع والضلال ، وقلة من يرشدهم ويبين لهم الطريق المستقيم ، وما يجب اعتقاده ، وما لا يجوز اعتقاده ، وما هو شرك أكبر يخرج المسلم عن الملة الإسلامية وما هو شرك أصغر ،وما هو ذريعة إلى الشرك ينافي كمال التوحيد ، ويوصل الفاعل في النهاية إلى الشرك الأكبر ، الذي لا يغفر الله لصاحبه إن مات ولم يتب ، ويكون مخلداً في النار ، وتحبط جميع أعماله الصالحة ، كما قال تعالى : {..... إنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} . وقال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} . . ومع ذلك لا زال كثير من الناس يتشاءمون من شهر صفر ، ومن السفر فيه ،فلا يقيمون فيه مناسبة ولا فرحاً ، فإذا جاء في نهاية الشهر ، احتفلوا في الأربعاء الأخير ، احتفالاً كبيراً ،فأقاموا الولائم والأطعمة المخصوصة والحلوى ، خارج القرى والمدن ، وجعلوا يمشون على الأعشاب للشفاء من الأمراض . وهذا لا شك أنه من الجهل الموقع في الشرك – والعياذ بالله – ومن البدع الشركية ، ويتوقف بالدرجة الأولى على سلامة العقيدة . فهذه الأمور لا تصدر إلا ممن يشوب اعتقاده بعض الأمور الشركية ، التي يجر بعضها بعضاً كالتوسلات الشركية ، والتبرك بالمخلوقين ، والاستغاثة بهم . أما من أنعم الله عليه بسلامة العقيدة ، وصحتها ، فإنه دائماً متوكِّل على الله ، معتمدٌ عليه ، موقنٌ بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وأن التشاؤم والطيرة ، واعتقاد النفع أو الضر في غير الله ، ونحو ذلك كله من الشرك الذي هو من أشد الظلم ، قال تعالى : {........ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} . والتشاؤم مما ينافي تحقيق التوحيد ، وتحقيق التوحيد منه ما يكون واجباً ، ومنه ما يكون مندوباً . فالواجب : تخليصه وتصفيته عن شوائب الشرك والبدع والمعاصي ، فالشرك ينافيه بالكلية ، والبدع تنافي كماله الواجب ، والمعاصي تقدح فيه وتنقص ثوابه . فلا يكون العبد محققاً التوحيد حتى يسلم من الشرك بنوعيه ويسلم من البدع والمعاصي . والمندوب : تحقيق المقربين ، وهو انجذاب الروح إلى الله محبة وخوفاً ، وإنابة وتوكلاً ، ودعاءً وإخلاصاً وإجلالاً وهيبة ، وتعظيماً وعبادةً، فلا يكون في قلبه شيء لغير الله، ولا إرادة لما حرَّم الله، ولا كراهة لما أمر الله، وذلك هو حقيقة لا إله إلا الله . قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد – باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ، وذكر فيه حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( عرضت على الأمم، فأخذ النبي يمر معه الأمة ، والنبي يمر معه النفر ، و النبي يمر معه العشرة ، و النبي يمر معه الخمسة ،النبي يمر وحده ، فنظرت فإذا سواد كثير ، قلت:يا جبريل! هؤلاء أمتي ؟ قال :لا ولكن انظر إلى الأفق ،فنظرت فإذا سواد كثير قال : هؤلاء أمتك قال : هؤلاء أمتك، وهؤلاء سبعون ألفاً قدّامهم لا حساب عليهم ولا عذاب. قلت : ولِم ؟ قال : كانوا لا يكتوون ، ولا يسترقون ، ولا يتطيِّرون ، وعلى ربهم يتوكلون ........)) الحديث . فذكر الرسول صلى الله عليه وسلم من صفات الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب ، الذين لا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون ، والتوكل على الله هو الأصل الجامع الذي تفرعت عنه هذه الأفعال . فخلاصة الكلام أن التشاؤم بصفر وغيره من الأزمنة ونحو ذلك ، من البدع الشركية ، التي يجب تركها والابتعاد عنها ، لما ورد في ذلك من الترغيب والترهيب . والله أعلم .
************************************
الفصل الثالث شهر ربيع الأول* • بدعة الاحتفال بالمولد النبوي : ويشمل على ستة مباحث : المبحث الأول : أول من أحدث هذه البدعة . المبحث الثاني : حالة المجتمع في ذلك العصر . المبحث الثالث : بعض الشبه التي عرضت للقائلين بهذه البدعة والجواب عنها . المبحث الرابع : طريقة إحياء المولد . المبحث الخامس : حقيقة محبته صلى الله عليه وسلم . المبحث السادس : موقف أهل السنة من هذه البدعة .
المبحث الأول أول من أحدث هذه البدعة مضت القرون المفضلة الأولى ، والثاني والثالث ، ولم تسجل لنا كتب التاريخ أن أحداً من الصحابة ، أو التابعين ، أو تابعيهم ومن جاء بعدهم- مع شدة محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، كونهم أعلم الناس بالسنة ، وأحرص الناس على متبعة شرعه صلى الله عليه وسلم احتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم . وأول من أحدث هذه البدعة هم بني عبيد القداح الذين يسمون أنفسهم بالفاطميين ، وينتسبون إلى ولد علي أبي طالب- رضي الله عنه-،وهم في الحقيقة من المؤسسين لدعوة الباطنية ، فجدهم هو ابن ديصان المعروف بالقداح، وكان مولى لجعفر بن محمد الصادق، وكان من الأهواز وأحد مؤسسي مذهب الباطنية، وذلك بالعراق،ثم رحل إلى المغرب،وانتسب في تلك الناحية إلى عقيل بن أبي طالب، وزعم أنه من نسله ، فلما دخل في دعوته قوم من غلاة الرافضة،ادعى أنه من ولد محمد بن إسماعيل بن جعفر بن جعفر الصادق ، فقبلوا ذلك منه، مع أن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق مات ولم يعقب ذرية ، وممن تبعه: حمدان قرمط، وإليه تنسب القرامطة ، ثم لما تمادت بهم الأيام ، ظهر المعروف منهم بسعيد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن ميمون بن ديصان القداح،فغيَّر اسمه ونسبه وقال لأتباعه:أنا عبيد الله بن الحسن بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق فظهرت فتنته بالمغرب . قال البغدادي : ( وأولاده اليوم مستولون على أعمال مصر )ا.هـ . وقال ابن خلِّكان : ( وأهل العلم بالأنساب من المحققين ينكرون دعواه في النسب ) ا.هـ . وفي سنة 402هـ كتب جماعة من العلماء والقضاء ، والأشراف والعدول والصالحين والفقهاء والمحدثين ، محاضر تتضمن الطعن والقدح في نسب الفاطميين – العبيديين – وشهدوا أن الحاكم بمصر هو : منصور بن نزار الملقب بـ(( الحاكم ))- حكم الله عليه بالبوار والخزي والدمار- ابن معد بن إسماعيل بن عبد الله بن سعيد- لا أسعده الله -،فإنَّهُ لما صار إلى بلاد المغرب تسمى بعبيد الله ، وتلقب بالمهدي ، وأن من تقدم من سلفه أدعياء خوارج ، لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- ولا يعلمون أحداً من أهل بيوتات على بن أبي طالب-رضي الله عنه- توقف عن إطلاق القول في أنهم خوارج كذبه ، وقد كان هذا الإنكار لباطلهم شائعاً في الحرمين ، وفي أول أمرهم بالمغرب ، منتشراً انتشاراً يمنع أن يدلس أمرهم على أحد ، أو يذهب وهم إلى تصديقهم فيما ادَّعوه ، وأن هذا الحاكم بمصر- هو وسلفه-كفار فساق فجار ، ملحدون زنادقة ، معطلون ، وللإسلام جاحدون ، ولمذهب المجوسية والوثنية معتقدون ، قد عطَّلُوا الحدود ، وأباحوا الفروج ، وأحلوا الخمر ، وسفكوا الدماء ، وسَبُّوا الأنبياء ، ولعنوا السلف، وادَّعُوا الربوبية،وكتب في سنة اثنتين وأربعمائة للهجرة ، وقد كتب خطه في المحضر خلق كثير ا.هـ. وقد صنَّف القاضي الباقلاني كتاباً في الردِّ على هؤلاء وسماه :(كشف الأسرار وهتك الأستار).بيَّن فيه فضائحهم وقبائحهم، وقال فيهم : هم قوم يظهرون الرفض ، ويبطنون الكفر المحض . وقد سُئِل شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- عنهم ، فأجاب بأنهم من أفسق الناس ، ومن أكفر الناس، وأن من شهد لهم بالإيمان والتقوى ، أو بصحة النسب ، فقد شهد لهم بما لا يعلم ، وقد قال تعالى : { وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ......} . وقال تعالى : {.....إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } . وهؤلاء القوم يشهد عليهم علماء الأمة ، وأئمتها ، وجماهيرها ، أنهم كانوا منافقين زنادقة ، يظهرون الإسلام ، ويبطنون الكفر ، فالشاهد لهم بالإيمان ، شاهد لهم بما لا يعلمه ؛ إذ ليس معه شيء يدلّ على إيمانهم ، مثل ما مع منازعيه ما يدل على نفاقهم وزندقتهم . وكذلك النسب : قد علم أن جمهور الأمة تطعن في نسبهم ، ويذكرون أنهم من أولاد المجوس أو اليهود ، هذا مشهور من شهادة علماء الطوائف من الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، وأهل الحديث ، وأهل الكلام ، وعلماء النسب ، والعامة ، وغيرهم . وهذا أمر قد ذكره عامة المصنفين لأخبار الناس وأيامهم ، حتى بعض من قد يتوقف في أمرهم ؛ كابن الأثير الموصلي في تاريخه ونحوه ، فإنَّه ذكر ما كتبه علماء المسلمين بخطوطهم في القدح في نسبهم . وأما جمهور المصنفين من المتقدمين والمتأخرين ، حتى القاضي ابن خلكان في تاريخه ، فإنهم ذكروا بطلان نسبهم ، وكذلك ابن الجوزية ، وأبو شامة ،وغيرهم من أهل العلم بذلك.حتى صنَّف العلماء في كشف أسرارهم، وهتك أستارهم؛كالقاضي أبي بكر الباقلاني في كتابه المشهور في كشف أسرارهم وهتك أستارهم،وذكر أنهم من ذرية المجوس، وذكر من مذاهبهم ما بيَّن فيه أن مذاهبهم شر من مذاهب اليهود والنصارى، بل ومن مذاهب الغالية الذين يدَّ إلهية عليّ أو نبوته، فهم أكفر من هؤلاء، وكذلك ذكر القاضي أبو يعلى في كتابه (المعتمد) فصلاً طويلاً في شرح زندقتهم وكفرهم ، وكذلك ذكر أبو حامد الغزالي- رحمه الله- في كتابه الذي سمَّاه ( فضائل المستظهرية ، وفضائح الباطنية ) قال : ( ظاهر مذهبهم الرفض ، وباطنه الكفر المحض ) . وكذلك القاضي عبد الجبار بن أحمد ، وأمثاله من المعتزلة المتشيعة الذين لا يفضلون على عليِّ غيره ، بل يفسِّقون من قاتله ولم يتب من قتاله . يجعلون هؤلاء من أكابر المنافقين الزنادقة ، فهذه مقالة المعتزلة في حقهم ، فكيف تكون مقالة أهل السنة والجماعة ؟!! ، والرافضة الإمامية ، مع أنهم أجمل الخلق ، وأنهم ليس لهم عقل ولا نقل ، ولا دين صحيح ، ولا دنيا منصورة – يعلمون أن مقالة هؤلاء الزنادقة المنافقين ويعلمون أن مقالة هؤلاء الباطنية شرّ من مقالة الغالية الذين يعتقدون إلهية على – رضي الله عنه - . وأما القدح في نسبهم فهو مأثور عن جماهير علماء الأمة من علماء الطوائف . وهؤلاء -بنو عبيد القدح-ما زالت علماء الأمة المأمونون علماً وديناً يقدحون في نسبهم ودينهم، لا يذمونهم بالرفض والتشيع ،فإن لهم في هذا شركاء كثيرين ،بل يجعلونهم من القرامطة الباطنية،الذين منهم الإسماعيلية والنصيرية ، وأمثالهم من الكفار المنافقين الذين كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، والذين أخذوا بعض قول المجوس وبعض قول الفلاسفة. فمن شهد لهم بصحة نسب أو إيمان، فأقل ما في شهاداته أنه شاهد بلا علم، قاف ما ليس له به علم ، وذلك حرام باتفاق الأمة، بل ما ظهر عنهم من الزندقة والنفاق ، ومعاداة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم : دليل على بطلان نسبهم الفاطمي ، فإن من يكون من أقارب النبي صلى الله عليه وسلم القائمين بالخلافة في أمته ، لا تكون معاداته لدينه كمعادة هؤلاء ، فلم يعرف في بني هاشم ، ولا بني أمية : من كان خليفة وهو معاد لدين الإسلام ، فضلاً عن أن يكون معادياً كمعاداة هؤلاء، بل أولاد الملوك الذين لا دين لهم آدم، الذي بعثه الله بالهدى ودين الحق كيف دينه هذه المعاداة ؟!. ولهذا نجد جميع المأمونين على دين الإسلام باطناً وظاهراً معادين لهؤلاء، إلا من هو زنديق عدو لله ورسوله ، أو جاهل لا يعرف ما بعث به رسوله ، وهذا مما يدل على كفرهم، وكذبهم في نسبهم .ا.هـ . فأوّل من قال بهذه البدعة الاحتفال بالمولد النبوي – هم الباطنية الذين أرادوا أن يُغيِّروا على الناس دينهم ، وأن يجعلوا فيه ما ليس منه ؛ لإبعادهم عمَّا هو من دينهم ، فإشغال الناس بالبدع طريق سهل لإماتة السنة والبُعْد عن شريعة الله السمحة ، وسنته صلى الله عليه وسلم المطهرة . |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الثلاثاء 15 مارس 2011, 6:15 am | |
| وكان دخول العبيديين مصر سنة 362هـ ، في الخامس من رمضان ، وكان ذلك بداية حكمهم لها . وقيل : يوم الثلاثاء لسبع خلون من شهر رمضان سنة 362هـ ، فبدعة الاحتفال بالموالد عموماً ،ومولد النبي صلى الله عليه وسلم خصوصاً ، إنَّما ظهرت في عهد العبيديين ، ولم يسبقهم أحدٌ إلى ذلك . قال المقريزي : (ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعياداً ومواسم تتسع بها أحوال الرعية ، وتكثر نعمهم . وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم وهي : موسم رأس السنة ، وموسم أول العام ، ويوم عاشوراء ، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم ، ومولد علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – ومولد الحسن ، ومولد الحسين عليهما السلام ، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام ، ومولد الخليفة الحاضر ، وليلة أول رجب ، وليلة نصفه ، وليلة أول شعبان ، وليلة نصفه ، وموسم ليلة رمضان ، وغرة رمضان ، وسماط رمضان ، وليلة الختم ، وموسم عيد الفطر ، وموسم عيد النحر ، وعيد الغدير ،وكسوة الشتاء ، وكسوة الصيف ، وموسم فتح الخليج ، ويوم النوروز ، ويوم الغطاس ، ويوم الميلاد ، وخميس العدس ، وأيام الركوبات ).ا.هـ . ثم تكلم عن كل موسم ، ومراسم الاحتفال فيه . فهذه شهادة ظاهرة واضحة من المقريزي- وهو من المثبتين انتسابهم إلى ولد علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- ومن المدافعين عنهم - أن العبيديين هم سبب البلاء على المسلمين ، وهم الذين فتحوا باب الاحتفالات البدعية على مصراعيه ، حتى أنهم كانوا يحتفلوا بأعياد المجوس والمسيحيين كالنوروز ،والغطاس، والميلاد، وخميس العدس، وهذا من الأدلة على بعدهم عن الإسلام، ومحاربتهم له ، وإن لم يجهروا بذلك ويظهروه . ودليل أيضاً على أن إحياءهم للموالد الستة المذكورة-ومنها المولد النبوي-، ليس محبة له صلى الله عليه وسلم وآله كما يزعمون ، وكما يظهرون للعامة والسذَّج من الناس ، وإنما قصدهم بذلك نشر خصائص مذهبهم الإسماعيلي الباطني ، وعقائدهم الفاسدة بين الناس ، وإبعادهم عن الدين الصحيح ، والعقيدة السليمة بابتداعهم هذه الاحتفالات ، وأمر الناس بإحيائها ، وتشجيعهم على ذلك ، وبذل الأموال الطائلة في سبيل ذلك . فخلاصة ما سبق أن أول من احتفل بالمولد النبوي هم بنو عبيد القداح ( الفاطميون ) ، ويدلُّ على ذلك : ما ذكره المقريزي في خططه – وسبق وذكرته – وما ذكره القلقشندي في صبح الأعشى . وقد رجع هذا وأخذ به جماعة من العلماء المتأخرين وصرَّحُوا به . وأمَّا ما ذكره أبو شامة في كتابه ( الباعث على إنكار البدع والحوادث ): من ثنائه على الاحتفال بالمولد النبوي ، وأنه من أحسن ما ابتدع في زمانه ، وأن أول من احتفل بذلك بالموصل ، والشيخ عمر بن محمد الملا أحد الصالحين المشهورين ، وبه اقتدى في ذلك صاحب إربل : فلا يدلُّ على أن أول من احتفل بالمولد النبوي ، هو صاحب إربل ؛ لأمرين : أحدهما : أن أبا شامة – رحمه الله – قيَّد هذه الأولوية بقوله : (أول من فعل ذلك بالموصل) . فكلامه يدلُّ على أن أول من احتفل بالمولد النبوي في الموصل هو صاحب إربل اقتداءً بالشيخ عمر بن محمد الملا ، وليس فيه دلالة على أن أول من احتفل بالمولد النبوي على الإطلاق هو صاحب إربل . ولكن السيوطي-رحمه الله- أطلق ذلك في كتابه (حُسن المقصد في عمل المولد )- الذي ضمنه كتابه الحاوي- فقال :(وأوَّلُ من أحدث فعل ذلك- الاحتفال بالمولد النبوي- صاحب إربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبرى بن زين الدين علي بن بكتكين ، أحد الملوك الأمجاد ).ا.هـ . وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وهذه البدعة- الاحتفال بالمولد- أول من أحدثها أبو سعيد كوكبوري في القرن السادس الهجري ) .ا.هـ . وقال الشيخ حمود التويجري : ( إن الاحتفال بالمولد بدعة في الإسلام أحدثها سلطان إربل في آخر القرن السادس من الهجرة ، أو في أول القرن السابع ) .ا.هـ . فإذا عرفنا ذلك، فلا شكَّ أن العبيديين هم أول من احتفل بالمولد النبوي، حسب ما ورد في كتب التاريخ والسير؛ لأنَّ العبيديين دخلوا مصر وأسسوا ملكهم في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري ، واستمرت دولتهم القرن الخامس، ونصف القرن السادس الهجري . فقد دخل المعز معد بن إسماعيل القاهرة في سنة 362هـ في رمضان ، وكان ذلك بداية حكمهم في مصر . وقيل : في سنة 363هـ . وكان آخر خليفة فيهم هو العاضد ، توفي سنة 567هـ . وأما مظفر الدين صاحب إربل ، فلولادته كانت في سنة 549هـ . وتوفي سنة 630هـ . فهذا دليلٌ قاطعٌ على العبيديين سبقوا صاحب إربل – الملك المظفر – بالاحتفال بالمولد النبوي . فصاحب إربل ليس أول من احتفل بالمولد النبوي ، وإنما سبقه إلى ذلك العبيديون بحوالي قرنين من الزمان ، وهذا لا يمنع أن يكون صاحب إربل هو أول من احتفل بالمولد النبوي في الموصل ؛ لأنَّ احتفالات العبيديين كانت في دولتهم – وهي في مصر كما ذُكِرَ في كتب التاريخ - ، والله أعلم .
******************************** المبحث الثاني حالة المجتمع في ذلك العصر كانت سياسة العبيديين موجهة إلى غاية واحد، هي العمل بكل جدِّ وإخلاص لحمل الناس على اعتناق مذهبهم، وجعله سائداُ في كافة أنحاء الديار المصرية ، وغيرها من البلاد التي كانوا يحكمونها ، والمجاورة لهم . فقد كان عبد العزيز يعطف على النصارى واليهود ، كما كان أبوه – المعز معد أبو تميم – قبله ، ولكن العزيز كان أكثر عطفاً على النصارى ، لِما كان بينه وبينهم من صلة النسب . ورفع العزيز عيسى بن نسطورس إلى كرسي الوزارة ، كما عيَّن منشأ اليهود ، والياً على الشام ، فأظهر ابن نسطورس ومنشأ محاباة جليَّة لبني ملتهم ، فعينوهم في مناصب الدولة بعد أن أقصوا المسلمين عنها ، فقدم المسلمون الاحتجاجات على تلك المحاباة التي أظهرها الخليفة لغير المسلمين وبلغ من حال هؤلاء الساخطين أن كتبت امرأة إلى العزيز : بالذي أعز اليهود بمنشأ، والنصارى بعيسى بن نسطورس ، وأذل المسلمين بك ألا كشفت ظلامتي . فأمر بالقبض على ابن نسطورس، وكتب إلى الشام بالقبض على منشأ وغيره من الموظفين اليهود، وأمر برد الدواوين والأعمال إلى الكتاب المسلمين ، وعيَّن القضاة للإشراف على أعمالهم في جميع أنحاء الدولة، لكن الأمير ست الملك ابنة الخليفة شفعت لابن نسطورس فردّ العزيز الوزارة إليه ثانية،وشرط عليه استخدام المسلمين في الحكومة . ولقد تقلد أهل الكتاب أرقى المناصب وأعلاها في عهد العزيز (365-376) ، وشغلوا في عهد المستنصر (427-487) ، ومن جاء بعده من الخلفاء ، معظم المناصب المالية في الدولة ، بل تقلَّدُوا الوزارة أيضاً . ولم تقتصر هذه المعاملة على ما تقدم، فقد ولع بعض الخلفاء العبيديين: كالحافظ مثلاً(524-544هـ)بزيارة أديرة النصارى، وكان الآمر ( 495- 524هـ ) يعطي الرهبان في بعض الأديرة عشرة آلف درهم كلما خرج للصيد ، بل قد ازدادت موارد الكنائس المصرية زيادة عظيمة في عهد العبيديين . فقد كان العبيديون يعاملون النصارى معاملة تنطوي على العطف والرعاية والمحاباة، فإذا كان هذا موقفهم من اليهود والنصارى فما موقفهم من أهل السنة ؟! لقد عمل العبيديون على لعن الخلفاء الثلاثة- أبي بكر ، وعمر ، وعثمان -رضي الله عنهم أجمعين- وغيرهم من الصحابة ؛ إذ عدّوهم أعداءً لعلي -رضي الله عنه-، وتفشت فضائل علي وأولاده من بهده على السكة وعلى جدران المساجد، وكان الخطباء يلعنون الصحابة على كافة منابر مصر . وقد ألزم العبيديون جميع الموظفين المصريين أن يعتنقوا المذهب العبيدي الباطني ، كما حتم على القضاة أن يصدروا أحكامهم وفق قوانين هذا المذهب . بل إن الحصول على مناصب الدولة مشروط بالتحول إلى المذهب الشيعي ، مما دفع بعض الذميين إلى اعتناق الإسلام ، واتخاذ التشيع مذهباً لهم . وكان من عدائهم للسنة وأهلها: أن أمر العزيز بقطع صلاة التراويح من جميع البلاد المصرية، وذلك سنة 372هـ. وكذلك في سنة 393هـ قبض على ثلاثة عشر رجلاً، وضربوا وشهروا على الجمال، وحبسوا ثلاثة أيام، من أجل أنهم صلُّوا صلاة الضحى. وفي سنة 381هـ ضرب رجل بمصر ، وطيف به المدينة من أجل أنه وجد عنده كتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس -رحمه الله-. وفي سنة 395هـ في شهر صفر كتب على سائر المساجد ، وعلى الجامع العتيق بمصر ،من ظاهره وباطنه، ومن جميع جوانبه ، وعلى أبواب الحوانيت ، والحجر ، وعلى المقابر ، سبّ السلف ولعنهم ، ونقش ذلك ، ولون بالأصباغ والذهب ، وعمل ذلك على أبواب الدور ، والقياسر وأكره الناس على ذلك . فكان لعن السنيين تفيض به ألسنة الناس من على المنابر في كافة أنحاء مصر طوال الحكم العبيدي تقريباً ، حتى أن العاضد – آخر الخلفاء العبيديين – كان شديد التشيع ، متغالياً في سبّ الصحابة- رضوان الله عليهم- وإذا رأى سنياً استحل دمه . وأشد من ذلك كله أن الحاكم العبيدي قد ادَّعى الألوهية ، فأمر الناس أن يقوموا على أقدامهم صفوفاً إذا ذكر الخطيب على المنبر اسمه ،إعظاماً لذكره ،واحتراماً لاسمه،وقد فُعِل ذلك في سائر ممالكه ،حتى في الحرمين الشريفين ، وكان قد أمر أهل مصر على الخصوص إذا قاموا عند ذكره خروا سجداً له ، حتى أنه ليسجد بسجودهم من في الأسواق من الرعاع وغيرهم ، ممن كان لا يصلي الجمعة ، وكانوا يتركون السجود لله في يوم الجمعة وغيره ، ويسجدون للحاكم ، حتى أن قوماً من الجهال إذا رأوه يقولون له : يا واحدنا يا واحدنا، يا محيي يا مميت . وأمر السودان أن يحرقوا مصر وينهبوا ما فيها من الأموال ، والمتاع ، والحريم ، فامتثلوا لأمره ، وسبوا النساء ، وفعلوا فيهن الفاحشة ، والمنكرات ، وأحرقوا ثلث مصر ، ونهبوا نصفها . فما تقدَّم يعطي فكرة موجزة عن حالة المجتمع في عهد العبيديين ، الذي هم أول من ابتدع الاحتفال بالموالد ، وسبق وذكرت أن احتفالاتهم تلك ليست نابعة من محبة للرسول صلى الله عليه وسلم وآله؛لأنَّ من بدر منه ما سبق ذكره آنفاً- وإن ادَّعى محبته- صلى الله عليه وسلم ومحبة آله ،فليس صادقاً ولا يعقل أن يصدر منه ذلك. وإنما كان هدفهم الوحيد هو بلوغ أغراضهم السياسية، ونشر مذهبهم الإسماعيلي الباطني، واستمالة عامة الناس بإقامة الاحتفالات التي تتجلى فيها مظاهر الكرم ، والهدايا النفسية من النقود ، والجوائز للشعراء ، وكتَّاب القصر ، والعلماء ، وكذلك الإحسان للفقراء ، وإقامة الولائم . وكل هذه الأمور جديرة بأن تستميل كثيراً من الناس إلى اعتناق مذهبهم . وبما أن نفقاتهم تلك على الاحتفالات والولائم كان القصد منها محاربة دين الله ورسوله ، وإبعاد الناس عن العقيدة الصحيحة ، والمنهج السليم ، فقد ابتلاهم الله بالجوع ونقص الأموال والثمرات . فالبرغم من رخاء مصر ، وعظم ثرائها ،والأموال التي كانت تفيض بها خزائن العبيديين ، والتي كانوا ينفقونها على ملذاتهم ، وقصورهم ، وبطانتهم الفاسدة ، واحتفالاتهم وموالدهم البدعية ، فقد حصل لأهل مصر من المجاعة ما تحدثت به كتب التاريخ ، ومن ذلك ما ذكره ابن الجوزي في ( المنتظم) فقال في حوادث سنة 462هـ - وهي من سني خلافة المستنصر -: ( وفي ذي القعدة ورد من مصر والشام عدد كثير من رجال ونساء ، هاربين من الجرف والغلاء ، وأخبروا أن مصر لم يبق بها كبير أحد من الجوع والموت ، وأن الناس أكل بعضهم بعضاً ، وظُهِرَ على رجل قد ذبح عدة من الصبيان والنساء وطبخ لحومهم وباعها ، وحفر حفيرة دفن فيها رؤوسهم وأطرافهم ، فقتل . وأكلت البهائم فلم يبق إلا ثلاثة أفراس لصاحب مصر – المستنصر -بعد ألوف من الكراع ، وماتت الفيلة ، وبيع الكلاب بخمسة دنانير ، وأوقية زيت بقيراط ، واللوز والسكر بوزن الدراهم ، والبضة بعشرة قراريط ، والراوية من الماء بدينار لغسل الثياب ، وخرج وزير صاحب مصر إلى السلطان ، فنزل عن بغلته وما معه إلا غلام واحد لعدم ما يطعم الغلمان ، فدخل ، وشُغِل الركابي عن البلغة لضعف قوته فأخذها ثلاثة أنفس ومضوا بها فذبحوها وأكلوها ، فأنهى ذلك إلى صاحب مصر فتقدم بقتلهم وصلبهم ، فصُلِبُوا ، فلما كان من الغد وجدت عظامهم مرمية تحت خشبهم وقد أكلهم الناس، وباع رجل داراً بمصر كان ابتاعها بتسعمائة ديناراً فاشترى بها دون الكارة من الدقيق).ا.هـ . فخلاصة الكلام : أن العبيديين لما دخلوا مصر وأرادوا نشر مذهبهم الباطني ، متخذين التشيع ستاراً يحجب أنظار الناس عن حقيقة دعوتهم، استعملوا في سبيل ذلك شتى الوسائل:فأغروا العامة ورعاع الناس بالهدايا والولائم والاحتفالات كأداة من أدوات نشر مذهبهم ، وبالمقابل استعملوا القتل والسجن والأذى لمن عارضهم من أهل السنة المدركين لحقيقة دعوتهم. فعامة الناس كانوا متطلعين إلى هذه الاحتفالات البدعية لحاجتهم لما يُنْفق فيها من الأموال، ولرغبتهم في ترويح أنفسهم، والاستجابة لهواها.والخوف من السلطان ومن يعلم بدعية هذه الاحتفالات وغيرها من المحدثات لا يستطيع الإنكار لما ينتظره من القمع والتعذيب . فكان مناخاً مناسباً لانتشار البدع ، وتعويد الناس عليها ، وتعليقهم بها ، لما يعلموا من وراء ذلك من الترغيب والترهيب من السلطان الظالم . بالإضافة إلى أنهم كانوا يشعرون في قرارة أنفسهم -والله أعلم- بأنهم أدعياء على النسب الشريف ، فظنُّوا- وتحقق ظنهم – أن إقامة الموالد للنبي صلى الله عليه وسلم وآله تثبت للناس صحة نسبهم وانتسابهم إلى آل البيت ، فابتدعوا تلك الموالد وأنفقوا عليها الأموال الطائلة ، والله أعلم .
******************************
المبحث الثالث بعض الشبه التي عرضت للقائلين بهذه البدعة والجواب عنها . لما أحدثت بدعة الاحتفال بالمولد النبوي في عهد العبيديين ، وفشت وانتشرت بين الناس لوجود الفراغ الروحي والبدني معاً ، وترك المسلمون الجهاد وتأصلت هذه البدعة في النفوس، وأصبحت جزءاً من عقيدة كثير من أهل الجهل ، لم يجد بعض أهل العلم كالسيوطي -رحمه الله– بُدا من محاربة تبريرها بالبحث عن شبه يمكن أن يُستشهد بها على جواز بدعة المولد هذه ، وذلك إرضاء للعامة والخاصة أيضاً من جهة ، وتبريراً لرضى العلماء بها ، وسكوتهم عن إنكارها لخوفهم من الحكام والعوام من جهة أخرى . ومن هذه الشبه : 1- الشبهة الأولى : قال اليسوطي- رحمه الله - :(وقد استخرج له- أي المولد -إمام الحفاظ أبو الفضل أحمد بن حجر- العسقلاني- أصلاً من السنة ، واستخرجت له أنا أصلاً ثانياً .... فقد سُئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل أحمد بن حجر – العسقلاني – عن عمل المولد ، فأجاب بما نصه : ( أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة ، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها ، فمن تحرى في عملها المحاسن ، وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا . قال : وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو :ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء ، فسألهم فقالوا : هو يوم أغرق الله فيه فرعون ، ونجَّى موسى ، فنحن نصومه شكراً لله تعالى ،فُيستفاد منه فعل الشكر لله على ما منَّ به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة ، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة- عليه السلام - في ذلك اليوم . وعلى هذا ، فينبغي أن يُتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى - عليه السلام-في يوم عاشوراء ، ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر، بل توسع قومٌ فنقلوه إلى يوم من السنة وفيه ما فيه، فهذا ما يتعلق بأصل عمله...).ا.هـ . الجواب عن هذه الشبهة : من وجوه : الوجه الأول : أن ابن حجر-رحمه الله- صرح في بداية جوابه أن أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح، من القرون الثلاثة، وهذا كافٍ في ذمِّ الاحتفال بالمولد ؛ إذا لو كان خيراً لسبق إليه الصحابة والتابعون ، وأئمة العلم والهدى من بعدهم .
الوجه الثاني : أن تخريج ابن حجر في فتواه عمل المولد على حديث صوم عاشوراء ، لا يمكن الجمع بينه وبين جزمه أول تلك الفتوى بأن ذلك العمل بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة ، فإن عدم عمل السلف الصالح بالنص على الوجه الذي يفهمه منه من بعدهم، يمنع اعتبار ذلك الفهم صحيحاً؛ إذا لو كان صحيحاً لم يعزب عن فهم السلف الصالح،ويفهمه من بعدهم. كما يمنع اعتبار ذلك النص دليلاً عليه ؛ إذا لو كان دليلاً عليه لعمل به السلف الصالح ، فاستنباط ابن حجر الاحتفال بالمولد النبوي من حديث صوم يوم عاشوراء ،مخالف لما أجمع عليه السلف ، من ناحية فهمه، ومن ناحية العمل به ، وما خالف إجماعهم فهو خطأ ؛ لأنهم لا يجتمعون إلا على هدى . وقد بسط الشاطبي – رحمه الله – الكلام على تقرير هذه القاعدة في كتابه الموافقات في أصول الأحكام . الوجه الثالث : أن تخريج بدعة المولد على صيام يوم عاشوراء ، إنما هو من التكلُّف المردود ؛ لأنَّ العبادات مبناها على الشرع والاتباع ، لا على الرأي والاستحسان والابتداع . الوجه الرابع : أن صيام يوم عاشوراء قد فعله النبي صلى الله عليه وسلم ، ورغب فيه ، بخلاف الاحتفال بمولده ، واتخاذه عيداً ، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ، ولم يرغّب فيه ، ولو كان في ذلك شيء من الفضل لبين ذلك لأمته لأنَّهُ صلى الله عليه وسلم لا خير إلا وقد دلَّهم عليه ، ورغَّبهم فيه، ولا شر إلا وقد نهاهم عنه وحذَّرهم منه، والبدع من الشر الذي نهاهم عنه، وحذرهم منه. قال صلى الله عليه وسلم : (( وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)) . قال صلى الله عليه وسلم : (( أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة)) . . 2- الشبهة الثانية : قال السيوطي – رحمه الله – بعد ذكره تخريج ابن حجر عمل المولد على صوم يوم عاشوراء : وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر وهو : ما أخرجه البيهقي عن أنس – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة . مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع ولادته ، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية ، فُيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين وتشريعاً لأمته ، كما كان يصلي على نفسه ،لذلك فيستحب لنا أيضاً إظهار الشكر بمولده بالاجتماع، وإطعام الطعام ، ونحو ذلك من وجوه القربات ، وإظهار المسرات . الجواب عن هذه الشبهة : أن هذا الحديث لم يثبت عند أهل العلم : أ-فقد قال عبد الرزاق في مصنفه:أنبأنا عبد الله بن محرر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عقَّ عن نفسه بعد النبوة قال ابن قيم الجوزية بعد إيراده هذا الحديث وعزوه إلى عبد الرزاق في مصنفه قال عبد الرزاق : ( إنَّما تركوا ابن محرر لهذا الحديث ) . ب- وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري : أن هذا الحديث لا يثبت ، ونسبه للبزار ، وقال : قال البزار : تفرد به عبد الله – محرر – وهو ضعيف . جـ - قال النووي في المجموع شرح المهذب: وأما الحديث الذي ذكره في عق النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه فرواه البيهقي بإسناده عن عبد الله بن محرر- بالحاء المهملة ، والراء المكررة - ، عن قتادة ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة . وهذا حديث باطل ، وعبد الله بن محرر ضعيف متفق على ضعفه ، وقال الحفاظ : متروك . والله أعلم . د- قال الذهبي في ميزان الاعتدال- بعد أن ذكر ترجمة عبد الله بن المحرر ،وكلام الحفاظ فيه ،وأنه متروك، وليس بثقة – ومن بلاياه – عبد الله بن المحرر – روى عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعدما بُعِث . 3- الشبهة الثالثة : قال السيوطي: ثم رأيت إمام القرَّاء الحافظ شمس الدين ابن الجزري قال في كتابه المسمى (عرف التعريف بالمولد الشريف)ما نصه: ( قد رؤي أبو لهب بعد موته في النوم ، فقيل له ما حالك ؟ فقال : في النار،إلا أنه يخفف عني كل ليلة اثنين، وأمص بين أصبعي ماء بقدر هذا- وأشار لرأس أصبعه-وأن ذلك بإعتاقي لثويبة ،عندما بشرتني بولادة النبي صلى الله عليه وسلم وبإرضاعها له .فإذا كان أبو لهب الكافر ، الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحة ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم به ،فما حال المسلم الموحد من أمة النبي صلى الله عليه وسلم يسر بمولده ، ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته صلى الله عليه وسلم لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنات النعيم ) .ا.هـ . الرد على هذه الشبهة : أن هذا الخبر رواه البخاري مرسلاً في باب :{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ } ، و(( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)) من صحيحة،بعد أن ذكر الحديث بسنده عن عروة بن الزبير، أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها أنها قالت : يا رسول الله ! انكح أختي بنت أبي سفيان ،فقال : (( أو تحبين ذلك ؟)) .فقلت : نعم ، لست لك بِمُخلية ، وأحب من شاركني في خير أختي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن ذلك لا يحل لي )) . قلت : فإنا نُحدَّث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة . قال : (( بنت أم سلمة ؟ )) . قلت : نعم . فقال : (( لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلَّت لي ، إنها لابنة أخي من الرضاعة ، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة ، فلا تعرضن على بناتكن ولا أخواتكنّ )) . قال عروة : وثويبة مولاة لأبي لهب ، وكان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر حيبة ، قال له : ماذا لقيت ؟ قال : أبو لهب : لم ألق بعدكم ، غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة . قال الحافظ ابن حجر : وفي الحديث دلالة على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة ، لكنه مخالف لظاهر القرآن ، قال تعالى : { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} . وأجيب عن هذا من وجوه منها : أ- أن الخبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدثهُ به – كما تقدم - . ب- وعلى تقدير أن يكون موصلاً ، فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجة فيه ، ولعلَّ الذي رآها لم يكن إذ ذاك أسلم بعد فلا يحتج به . ج- أن ما ورد في مرسل عروة هذا من إعتاق أبي لهب ثويبة كان قبل إرضاعها النبي صلى الله عليه وسلم، وما ذكره ابن الجزري من أنه أعتقها عندما بشرته بولادة النبي صلى الله عليه وسلم : يخالف ما عند أهل السير من أن إعتاق أبي لهب إياها كان بعد ذلك الإرضاع بدهر طويل . قال ابن سعد : ( وأخبرنا محمد بن عمر – الواقدي – عن غير واحد من أهل العلم ، وقالوا : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلها وهو بمكة، وكانت خديجة تكرمها ، وهي يومئذٍ مملوكة، وطلبت إلى أبي لهب أن تبتاعها منه لتعتقها، فأبي أبو لهب، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، أعتقها أبو لهب ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث إليها بصلة وكسوة ، حتى جاءه خبرها أنها قد تُوفيت سنة سبع مرجعة من خيبر ). وقال الحافظ ابن عبد البر في ترجمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكره إرضاع ثويبة للرسول صلى الله عليه وسلم: ( وأعتقها أبو لهب بعدما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ) ا.هـ . وقال ابن الجوزي : ( وكانت ثويبة تدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما تزوج خديجة فيكرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكرمها خديجة ، وهي يومئذٍ أمة ، ثم أعتقها أبو لهب ) ا.هـ . د- أنه لم يثبت من طريق صحيح أن أبا لهب فرح بولادة النبي صلى الله عليه وسلم ولا أن ثويبة بشرته بولاته ، ولا أنه أعتق ثويبة من أجل البشارة بولادة النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم ذلك – فكل هذا لم يثبت ، ومن ادّعى ثبوت شيء من ذلك ، فعليه إقامة الدليل على ما ادَّعاه، ولن يجد إلى الدليل الصحيح سبيلاً., يتبع إن شاء الله تعالى... |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الثلاثاء 15 مارس 2011, 6:25 am | |
| الشبهة الرابعة : ومن الشبه التي استند إليها القائلون بالاحتفال بالمولد النبوي: ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة الذي جاء فيه: وسئل عن صوم الاثنين ؟ . قال :(( ذاك يوم ولدت فيه ، ويوم بعثت )) أو (( أنزل عليه فيه )) . فقالوا : هذا دليل أنه صلى الله عليه وسلم كان يعظم يوم مولده ، وكان يعبر عن هذا التعظيم بالصوم ، وهذا في معنى الاحتفال به . الجواب عن هذه الشبهة : أ- أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصم يوم ولادته ، وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول – إن صح أنه كذلك - ، وإنما صام يوم الاثنين الذي يتكرر مجيئه في كل شهر أربع مرات ، وبناء على هذا فتخصيص يوم الثاني عشر من ربيع الأول ، بعمل ما دون يوم الاثنين من كل أسبوع ، يعتبر استدراكاً على الشارع ، وتصحيحاً لعلمه ، وما أقبح هذا إن كان !!!- والعياذ بالله - . ب- أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخص يوم الاثنين بالصيام ، بل كان يتحرى صيام الاثنين والخميس ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( تُعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس ، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم )) . فالاستدلال بصوم يوم الاثنين على جواز الاحتفال ببدعة المولد في غاية التكلف والبعد. ج- إذا كان المراد من إقامة المولد هو شكر الله تعالى على نعمة ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه ، فإن المعقول والمنقول يحتم أن يكون الشكر من نوع ما شكر الرسول صلى الله عليه وسلم ربه به ، وهو الصوم وعليه فلنصم كما صام ، غير أن أرباب الموالد لا يصومونه ؛ لأنَّ الصيام فيه مقاومة لشهوات النفس بحرمانها من لذة الطعام والشراب ، وهم يريدون ذلك-الطعام والشراب- فتعارض الغرضان، فآثروا ما يحبون على ما يحب الله، وهذا بعينه أعظم الزلل عند أهل البصرة. د- أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يضف إلى الصيام احتفالاً كاحتفال أرباب الموالد ، من تجمعات ومدائح وأنغام وطعام وشراب ، أفلا يكفي الأمة ما كفى نبيها ويسعها ما وسعه ؟ وهل يقدر عاقل أن يقول : لا . وإذن فلم الافتيات على الشارع ، والتقدم بالزيادة عليه ، والله سبحانه وتعالى يقول : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} . ويقول تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ، وقال صلى الله عليه وسلم : ((إياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلاله)) . وقال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله حد حدوداً فلا تعتدوها، وفرض لكم فرائض فلا تضيعوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها ، وترك أشياء في غير نسيان ولكن رحمة لكم فاقبلوها ولا تبحثوا عنها )) . 5- الشبهة الخامسة : ومن الشبه التي استند إليها القائلون بالاحتفال بالمولد النبوي قولهم :إن الفرح به صلى الله عليه وسلم مطلوب بأمر القرآن، من قوله تعالى :{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} . فالله أمرنا أن نفرح بالرحمة والنبي صلى الله عليه وسلم أعظم الرحمة ، قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } . . الجواب عن هذه الشبهة : أ- أن الاستدلال بهذه الآية على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي ، من قبيل حمل كلام الله تعالى على ما لم يحمله عليه السلف الصالح، والدعاء إلى العمل به على غير الوجه الذي مضوا عليه، في العمل به ، وهذا أمرٌ لا يليق؛ لما بينه الشاطبي في كتابه (الأدلة الشرعية من الموافقات ) وهو أن الوجه الذي يثبت عن السلف الصالح العمل بالنص عليه ، لا يقبل ممن بعدهم دعوى دلالة النص عليه . قال: إذ لو كان دليلاً عليه لم يعزب عن فهم الصحابة والتابعين ثم يفهمه هؤلاء، فعمل الأولين كيف كان مصادقاً لمقتضى هذا المفهوم، ومعارضاً له ، ولو كان ترك العمل ، فما عمل به المتأخرين من هذا القسم مخالف لإجماع الأولين وكل من خالف الإجماع فهو مخطئ ، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة، فما كانوا عليه من فعل أو ترك فهو السنَّة والأمر المعتبر، وهو الهدى ، وليس ثم إلا صواب أو خطأ ، فكل من خالف السلف الأولين فهو على خطأ، وهذا كاف... وكثير ما تجد أهل البدع والضلالة يستدلُّون بالكتاب والسنة يحملونها مذاهبهم ، ويغبرون بمشتبهاتهما في وجوه العامة ، ويظنون أنهم على شيء ، ولذلك أمثلة كثيرة : منها : استدلال التناسخية على صحة ما زعموا بقوله تعالى:{ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} . واستدلال كل من اخترع بدعة ،أو استحسن محدثة لم تكن في السلف الصالح ،بأن السلف اخترعوا أشياء لم تكن في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم : ككتب المصحف ، وتصنيف الكتب ، وتدوين الدواوين ، وتضمين الصناع ، وسائر ما ذكره الأصوليون في أصل المصالح المرسلة ، فخلطوا وغلطوا، واتبعوا ما تشابه من الشريعة ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويلها ، وهو كله خطأ على الدين ، واتباع لسبيل الملحدين، فإن هؤلاء الذين أدركوا هذه المدارك، وعبروا على هذه المسالك ، إما أن يكونوا قد أدركوا من فهم الشريعة ما لم يفهمه الأولون أو حادوا عن فهمها، وهذا الأخير هو الصواب؛ إذ المتقدمون من السلف الصالح كانوا على الصراط المستقيم ، ولم يفهموا من الأدلة المذكورة وما أشبهها إلا ما كانوا عليه ، وهذه المحدثات لم تكن فيهم ، ولا عملوا بها ، فدل على أن تلك الأدلة لم تتضمن هذه المعاني المخترعة بحال ، وصار عملهم بخلاف ذلك دليلاً إجماعياً على أن هؤلاء في استدلالاهم وعملهم مخطئون ومخالفون للسنة ...... الخ . ب- أن كبار المفسرين قد فسَّرُوا هذه الآية الكريمة ، ولم يكن في تفسيرهم أن المقصود بالرحمة في هذه الآية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما المقصود بالفضل والرحمة المفروح بهما ، ما عنته الآية السابقة لهذه الآية ، وهو قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} . قال ابن جرير في تفسيره :(القول في تأويل قوله تعالى :{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} قال أبو جعفر :يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : (( قُلْ)) يا محمد لهؤلاء المكذبين بك، وبما أنزل إليك من عند ربك . ((بِفَضْلِ اللَّهِ)) أيها الناس الذي تفضل به عليكم وهو الإسلام ، فبينه لكم ، ودعاكم إليه . ((وَبِرَحْمَتِهِ)) التي رحمكم بها فأنزلها إليكم فعلَّمكم ما لم تكونوا تعلمون من كتابه ، فبصركم بها معالم دينكم وذلك القرآن (( فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ))يقول: فإن الإسلام الذي دعاهم إليه، والقرآن الذي أنزله عليهم، خير مما يجمعون من حطام الدنيا وكنوزها ) .ا.هـ. وقال القرطبي – رحمه الله – في (( الجامع لأحكام القرآن )) : قوله تعالي :{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}. قال أبو سعيد الخدري وابن عباس – رضي الله عنهم - : فضل الله القرآن ، ورحمته الإسلام . وعنهما أيضاً : فضل الله القرآن ، ورحمته أن جعلكم من أهله . وعن الحسن ، والضحاك ، ومجاهد ، وقتادة : فضل الله الإيمان،ورحمته القرآن - على العكس من القول الأول ) ا.هـ . وقال ابن كثير – رحمه الله – في تفسير : (يقول الله تعالى ممتناً على خلقه بما أنزله من القرآن العظيم ، على رسوله الكريم : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} ، أي : زاجر عن الفواحش .{وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}أي:من الشبه والشكوك، وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس .{ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ} أي : يحصل به الهداية والرحمة من الله تعالى ، وإنما ذلك للمؤمنين به والمصدِّقين الموقنين بما فيه ، كقوله تعالى{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً} ، قوله تعالى{.. قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ..... } ، قوله تعالى{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} ، أي : بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق ، فليفرحوا فإنَّهُ أولى ما يفرحون به ) ا.هـ . وقال ابن قيم الجوزية في تفسير يقوله تعالى{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}:(وقد دارت أقوال السلف ، على أن فضل الله ورحمته : الإسلام والسنة) ا.هـ . وقال ابن عبد الهادي في الصارم المنكي في الرد على السبكي:(...ولا يجوز إحداث تأويل في آية، أو في سنة لم يكن على عهد السلف ولا عرفوه ، ولا بيَّنُوه للأمة ،فإن هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا، وضلوا عنه ، واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر فكيف إذا كان التأويل يخالف تأويلهم ويناقضه ؟ .....) ا.هـ . والشبه التي استند إليها القائلون بالاحتفال بالمولد النبوي كثيرة ، وليس هذا مجال حصرها ؛ لأن استقصاءها والإحاطة بها ، تحتاج إلى مؤلف منفرد خاص بها ، والقصد هنا هو الإشارة والتنبيه إلى بعض هذه الشبه، وقد ذكرت بشكل موجز ردود العلماء على هذه الشُّبه ، وأنه ليس في أي واحدة منها دليل على جواز الاحتفال بالمولد النبوي .ولكن القائلين بهذه البدعة أرادوا إضفاء الصبغة الشرعية على هذا الأمر المبتدع ، فاستشهدوا بهذه الأدلة، وفسَّرُوها بما يوافق هواهم ، وعقيدتهم الفاسدة، فكانوا كما قال تعالى : {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} - والله أعلم -.
****************************************
المبحث الرابع طريقة إحياء المولد قال المقريزي في (( الخطط )) يصف جلوس الخليفة في الموالد الستة : (( فإذا كان اليوم الثاني عشر من ربيع الأول ، تقدَّم – الخليفة – بأن يعمل في دار الفطرة : عشرون قناطراً من السكر اليابس حلواء يابسة من طرائفها ، وتعبأ في ثلاثمائة صينية من النحاس ، وهو مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، فتفرق تلك الصواني في أرباب الرسوم من أرباب الرتب ، وكل صينية في قوارة ، من أول النهار إلى ظهره ، فأول أرباب الرسوم قاضي القضاة، ثم داعي الدعاة ، ويدخل في ذلك القراء بالحضرة والخطباء ، والمتصدرون بالجوامع ، وقومة المشاهد ........ فإذا صلَّى الخليفة،ركب قاضي القضاة،والشهود بأجمعهم إلى الجامع الأزهر ، ومعهم أرباب تفرقة الصواني، فيجلسون مقدار قراءة الختمة الكريمة ، ثم يستدعى قاضي القضاة ومن معه ، وقد كنست الطريق ، ورشت بالماء رشاً خفيفاً، وفرش تحت المنظرة الرمل الأصفر ، فيقربون من المنظرة ويترجلون قبل الوصل إليها بخطوات ، فيجتمعون تحت المنظرة دون الساعة الزمانية بسمت وتشوف لانتظار الخليفة، فتفتح إحدى الطاقات ،فيظهر منها وجهه-الخليفة-وما عليه من المنديل وعلى رأسه عدة من الأستاذين المحنكين، وغيرهم من الخواص ، ويفتح بعض الأستاذين طاقة ويخرج منها رأسه ويده اليمنى في كمه ويشير به قائلاً : أمير المؤمنين يرد عليكم السلام . فيسلم بقاضي القضاة أولاً بنعوته ، وبصاحب الباب بعده كذلك،وبالجماعة الباقية جملة جملة من غير تعيين أحد،فيستفتح قراء الحضرة بالقراءة، ويكونون قياماً في الصدر، وجوههم للحاضرين ، وظهورهم إلى حائط المنظرة، فيقدم خطيب الجامع الأنور المعروف بجامع الحاكم ، فيخطب كما يخطب فوق المنبر،إلى أن يصل إلى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : وإن هذا يوم مولده إلى ما من الله به على ملَّة الإسلام من رسالته ،ثم يختم كلامه بالدعاء للخليفة ، ثم يؤخر ، ويقدم خطيب الجامع الأزهر، فيخطب كذلك ، ثم خطيب الجامع الأقمر فيخطب كذلك ، والقراء في خلال خطابة الخطباء ، يقرأون !!! . فإذا انتهت خطابة ، أخرج الأستاذ رأسه ويده في كمه من طاقته ،وردّ على الجماعة السلام ،ثم تغلق الطاقتان فتنفض الناس، ويجري أمر الموالد الخمسة الباقية على هذا النظام ، إلى حين فراغها على عدتها من غير زيادة ولا نقص )) ا.هـ . وقال ابن خلكان في وصف احتفال مظفر الدين أبو سعيد كوكبوري صاحب إربل بالمولد النبوي : (( وأما احتفاله بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنَّ الوصف يقصر عن الإحاطة به ،لكن نذكر طرفاً منه: وهو أن أهل البلاد كانوا قد سمعوا بحسن اعتقاده فيه ، فكان في كل سنة يصل إليه من البلاد القريبة من إربل خلق كثير من الفقهاء والصوفية والوعاظ والقراء والشعراء ، ولا يزالون يتواصلون من المحرم إلى أوائل شهر ربيع الأول ، ويتقدم مظفر الدين بنصب قباب من الخشب، كل قبة أربع أو خمس طبقات ،ويعمل مقدار عشرين قبة أو أكثر، منها قبة له ، والباقي للأمراء وأعيان دولته لكل واحد قبة، فإذا كان أول صفر زيَّنُوا تلك القباب بأنواع الزينة الفاخرة المستجملة، وقعد في كل قبة جوق من المغاني، وجوق من أرباب الخيال، ومن أصحاب الملاهي ، ولم يتركوا طبقة من تلك الطباق في كل قبة حتى رتبُوا فيها جوقاً ، وتبطل معايش الناس في تلك المدة ، وما يبقى لهم شغل إلا التفرج والدوران عليهم .....، فكان مظفر الدين ينزل كل يوم بعد صلاة العصر ، ويقف عليها قبة قبة إلى آخرها ، ويسمع غناءهم ، ويتفرج على خيالاتهم، وما يفعلونه في القباب، ويبيت في الخانقاه ، ويعمل السماع ، ويركب عقيب صلاة الصبح يتصيد ، ثم يرجع إلى القلعة قبل الظهر. هكذا يعمل كل يوم إلى ليلة المولد.وكان يعمله سنة في ثامن الشهر، والسنة في الثاني عشر؛ لأجل الاختلاف الذي فيه ،فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيئاً كثيراً زائداً على الوصف، وزفها بجميع ما عنده من الطبول والمغاني والملاهي، حتى يأتي بها إلى الميدان،ثم يشرعون في نحرها، وينصبون القدور ، ويطبخون الألوان المختلفة ، فإذا كانت ليلة المولد عمل السماعات بعد أن يصلي المغرب في القلعة ، ثم ينزل وبين يديه الشموع المشتعلة شيء كثير ، وفي جملتها شمعتان أو أربع -أشك في ذلك- من الشموع الموكبية ، التي تحمل كل واحدة منها على بغل ، ومن ورائها رجل يسندها ،وهي مربوطة على ظهر البغل ، حتى ينتهي إلى الخانقاه . فإذا كان صبيحة يوم المولد أنزل الخلع من القلعة إلى الخانقاه على أيدي الصوفية على يد كل واحد منهم بقجة ، وهم متتابعون ، كل واحد وراء الآخر ، فينزل من ذلك شيء كثير لا أتحقق عدده ، ثم ينزل إلى الخانقاه ، وتجتمع الأعيان والرؤساء ، وطائفة كبيرة من بياض الناس ، وينصب كرسي للوعَّاظ ، وقد نصب لمظفر الدين برج خشب له شبابيك إلى الموضع الذي في غاية الاتساع ، ويجتمع فيه الجند ، ويعرضهم ذلك النهار ، وهو تارة ينظر إلى عرض الجند وتارة إلى الناس والوعاظ ، ولا يزال كذلك حتى يفرغ الجند من عرضهم ، فعند يقدم السماط في الميدان للصعاليك ، ويكون سماطاً عاماً فيه من الطعام والخير شيء كثير لا يحد ولا يوصف ، ويمد سماطاً ثانياً في الخانقاه للناس المجتمعين عند الكرسي ، وفي مدة العرض ، ووعظ الوعاظ يطلب واحداً واحداً من الأعيان والرؤساء ، والوافدين لأجل هذا الموسم ، من الفقهاء والوعاظ والقراء والشعراء، ويخلع على كل واحد ، ثم يعود إلى مكانه فإذا تكامل ذلك كله ، حضروا السماط وحملوا منه لمن يقع التعيين على الحمل إلى داره ، ولا يزالون على ذلك إلى العصر أو بعدها ، ثم يبيت تلك الليلة هناك ، ويعمل السماعات إلى بكرة ...... هكذا يعمل في كل سنة ، وقد لخصت صورة الحال، فإن الاستقصاء يطول ، فإذا فرغوا من هذا الموسم ،تجهز كل إنسان للعودة إلى بلده فيدفع لكل شخص شيئاً من النفقة )) ا.هـ . وقال ابن كثير في ترجمة المظفر كوكبوري : (قال السبط : حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد ، كان يمد ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي ، وعشرة آلاف دجاجة ، ومائة ألف زبدية ، وثلاثين ألف صحن حلوى ، قال : وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية فيخلع عليهم،ويطلق لهم، ويعمل للصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم، وكان يصرف على المولد في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار ، وكانت له دار ضيافة للوافدين من أي جهة على أي صفة ، فكان يصرف على هذه الدار في كل سنة مائة ألف دينار ) ا.هـ . وقال السندوبي في وصف الاحتفال بالمولد النبوي في القاهرة سنة 1250هـ- في هذا العهد كان العالم الإنجليزي (ادوارد وليم لين ) يزور القاهرة فشاهد الاحتفال بالمولد النبوي -، فوصفه وصفاً شيقاً ...... (( قال- وليم لين- (( في أول ربيع الأول والشهر الثالث من شهور السنة الهجرية ، يبدأ الاستعداد للاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وأكبر ساحات هذا الاحتفال شأناً : الجزء الجنوبي الغربي المعروف ببركة الأزبكية ، وفي هذه الساحة أقيمت صيوانات كثيرة للدراويش ، وفيها يجتمعون كل ليلة للقيام بحلقات الذكر ما دام الاحتفال بالمولد ، وبين هذه الصيوانات ينصب صاري يثبت بالحبال ويعلق فيه من القناديل اثنا عشر أو أكثر ، وحول هذا الصاري تقوم حلقة الذكر ، وهي تتكون عادة من نحو خمسين أو ستين درويشاً . وفي اليوم الثاني من الشهر ينتهون من إقامة معالم الاحتفال ومعداته – في العادة – ثم يشرعون في اليوم التالي في مظاهر الاحتفال ليلاً ونهاراً إلى الليلة الثانية عشرة من الشهر ، وهي ليلة المولد الكبرى .... ففي النهار يتسلى الناس في الساحة الكبرى بالاستماع إلى الشعراء ، والتفرج على الحواة ونحوه . أما الغواني فقد أكرهتهن الحكومة من عهد قريب على التوبة وترك مهنتهن من رقص ونحوه ، فلا أثر لهن في احتفال هذه السنة ، وكن في الموالد السابقة من أكثر العالمين في الاحتفال اجتذاباً للمتفرجين !!!..... أما في الليل فتضاء الشوارع المحيطة بساحة المولد، بقناديل كثيرة، تعلق غالباً في فوانيس من الخشب، ومن دكاكين المأكولات ، ونصبات الحلوى ما يبيت مفتوحاً طوال الليل ، وكذلك القهاري التي قد يكون في بعضها ، وفي غيرها من الأماكن : شعراء ومحدثون ، ينصت إليهم كل من أراد من المارة . أما في الليلتين الأخيرتين فيكون المولد أكثر زحاماً وأسباب التفرج والمسليات أعظم منها في الليالي السابقة . ثم وصف المؤلف الإنجليزي – ادوارد وليم لين – مجلساً كاملاً من مجالس الذكر التي تعمل في الموالد وغيرها فقال : وفي ليلة المولد الكبرى ذهبت إلى الساحة الرئيسة ، فرأيت ذكراً قوامه ستين درويشاً ، حول صاري ، وكان ضوء كافياً لإنارة الساحة ، وكان الدرويش حول الصاري من طوائف مختلفة وكانوا يقولون : [يا الله] ثم يرفعون رؤوسهم ، ويصفقون جميعاً بأيديهم أمام وجوههم ، وكان داخل حلقة الذكر خلق كثير قد جلسوا على الأرض ، ولبث الذكيرة يذكرون على هذا النحو مقدار نصف ساعة، ثم انقسموا جماعات، كل جماعة من خمسة أو ستة، ولكنهم بقوا يكونون حلقة واسعة، ثم أمسك أفراد كل جماعة بعضهم ببعض كل منهم ، ما عدا الأول قد وضع ذراعه اليمنى على ظهر من يليه يساراً ، ويده على الكتف اليسرى – كتف من يليه – ثم اتجهوا إلى النظارة-المتفرجين-خارج الحلقة ، وأخذوا يذكرون (الله) بصوت أجش عميق ، وهم في هذه الحالة يتقدمون إلى الأمام خطوة ، ثم إلى الوراء خطوة ، مع تحرك كل منهم قليلاً إلى اليسار فكانت الحلقة كلها تدور ولكن ببطء شديد ، وكان كل منهم يمد يده اليمنى نحو النظارة خارج الحلقة مشيراً بالتحية ، وهؤلاء أو أغلبهم كانوا يردون السلام على الذكيرة ، وأحياناً كان بعضهم يقبل اليد الممتدة إليه إذا قابلت وجهه متى كانوا قريبين منهم.......، ومن الوائد المتبعة عندهم أن يسكت من في الصواوين من الذكيرة ، متى كان الذكر حول الصاري )) ا.هـ . وقال السندوبي – أيضاً – في كتابه (( تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي )) : (( ومن الليالي الغر التي لا أنساها ما حييت، ليلة الثاني عشر من ربيع الأول سنة 1364هـ الموافق 24فبراير سنة 1945م والتي تُعدُّ بحق مثالاً لما يجب أن يكون عليه الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف في كل عام : فقد شهدت في ساحة المولد معالم الزينة التي تأخذ بالألباب، ومظاهر الاحتفال التي بدت في شكل فخم، ونظام جليل هناك ، وفي هذا الميدان المترامي الأطراف ، أُقيم السرادق الملكي البديع ، وقد تجلَّى في زخارفه وماس في أستاره ومطارفه ، وفرش بالطنافس الثمينة، وصفت في رحابه الأرائك المحلاة بالذهب، وانتثرت في جنباته النمارق الموصوفة، واسترسلت في ساحته الكلل الحريرية ، ورفعت على سواريه الأعلام الملكية، وعلقت في مداخله المصابيح الباهرة الأنوار ، وفي سماواته الثريات الآخذة بالأبصار، كما فُرشت أرض الميدان بالرمل الأصفر والأحمر ، ووقف على أبوابه رجال الحرس الملكي في ملابسهم المزركشة... ووفد على هذه السرادق وزراء الدولة، وشيخ الأزهر ، وطوائف العلماء!!، ووكلاء الوزارات، وكبار الموظفين، وكبراء الأمة، وأعيان الناس، من ذوي المراتب والألقاب، وجميع هؤلاء قد وقف في جلال ووقار، انتظاراً لتشريف حضرة الملك المعظم ، أو من ينتدب للإنابة عنه في حضور الاحتفال. وقبيل الظهر بساعة بينما هذا الجمع الحاشد في الانتظار .... وصل الركب الملكي الفخم ، وقد أقبل جلالته بوجهه المشرق على هذه الجموع ، مشيراً بيده الكريمة إشارة التحية والسلام ، واستقبله بعد ذلك كبار الشخصيات الموجودة في السرادق.....، وعندما وصلت المركبة الملكية قبالة السرادق الملكي العظيم، سمعت طلقات المدافع تدوي تحية الملك ، وتعالت أصوات قوات الجيش هاتفة بحياته ، ثم أخذت الموسيقى تصدح بأنغامها الشجية بالسلام الملكي ...... ، وبعد الانتهاء من عرض الجيش تقدمت بين يدي الملك مشايخ الطرق الصوفية برجالها ومريديها ، حاملين لأعلامهم وشاراتهم ، وكل شيخ يمر بين يديه يقف هنيهة لقراءة الفاتحة ، وتلاوة بعض الأدعية المأثورة بطريقتهم المعروفة في القراءة والدعاء ،ثم يهتفون جميعاً بحياة الفاروق ثلاثاً. ولما انتهى مرور أصحاب الطرق ، عاد الملك إلى السرادق الملكي ، حيث قدمت صنوف الحلوى ، وأنواع المرطبات ، فتناول منها جميع الحاضرين وبعد فترة قصيرة بارح جلالته السرادق الملكي قاصداً تشريف سرادق السادة البكرية ، وما إن أشرف عليه حتى نهض شيخ مشايخ الطرق الصوفية ، وحوله جماعة من كبار المشايخ لاستقبال جلالته بما يليق بمقامه الكريم ، ثم ألقيت قصة المولد الشريف ، وما إن وصل القارئ إلى ذكر مولده صلى الله عليه وسلم حتى نهض الملك واقفاً إجلالاً وإعظاماً لهذه الذكرى الكريمة وبوقوفه وقف الجمع الحاشد في كمال الخشوع والإكرام، وعند الانتهاء من إلقاء القصة والدعاء للملك ، بدأ القرَّاء في تلاوة ما يتيسر من القرآن الكريم ، بترتيل حسن ، وتنغيم مطرب جميل!!! وجميع القراء من مشهوري المجودين، ومذكوري الملحنين !!، وأصحاب الأصوات الشجية ، والأنغام العذبة الندية ، ثم تقدم الخدم والفراشون بصواني الحلوى ، وأكواب المرطبات إلى بين يدي الملك ليتناول منها ما يشاء ، كما أديرت بعد ذلك على سائر الحاضرين فتناول كل أحد منهم ما لذَّ وطاب ، وفي أثناء إلقاء القصة الشريفة لم تنقطع المدافع عن دويها المطلق بنظام محكم ، وترتيب بديع ، كما أخذ المذيع بالراديو في ترديد القصة من أبواقه لإسماع الجمهور ، وبعد ذلك نهض الملك وقرأ الفاتحة ، وشاركه في قراءتها جميع الحاضرين)) ا.هـ . وقال السندوبي – أيضاً – في معرض كلامه عن المولد سنة 1366هـ : ((وفي صبيحة يوم اثنا عشر من ربيع الأول عطلت أعمال الحكومة في وزاراتها ودواوينها ومصالحها، كما عطلت الأعمال في الدوائر المالية والتجارية احتفالاً بذكرى المولد النبوي الشريف على جاري العادة )) ا.هـ. فما تقدم من النصوص التي وصفت طريقه إحياء المولد النبوي في عصور مختلفة ، يؤكد لنا أن هذه الاحتفالات ليست إلا تلبية لشهوات ورغبات النفوس المريضة من الناس، ومراسم هذه الاحتفالات من الأكل والشرب وإنشاد القصائد،واختلاط النساء بالرجال، وأعمال اللهو وما يؤول على القائمين على هذه الاحتفالات من الأموال، والعطايا والهدايا، خير شاهد على ما ذكرت. فليس القصد كما يدعُون تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم والفرح بذكرى مولده ، وإحياء ذكره ، وإثبات محبتهم له صلى الله عليه وسلم بتلك الاحتفالات المبتدعة . وكون هذه الاحتفالات أمر محدث مبتدع فهذا كاف في ذمِّها ، والتحذير منها، لاسيما وأن من ابتدعها إنما ابتدعها بسوء نية، كما تقدم بيان ذلك . وربَّما شذَّ عن هذه القاعدة أناس فعلوا ذلك عن حسن نية ولكن حسن النية لا يبيح الابتداع في الدين ، فمن قبلنا من الملل كانوا يبتدعون قي دينهم أموراً بقصد التعظيم وحسن النية ،حتى صارت أديانهم غير ما جاءت به رسلهم ، ولو تساهل سلفنا الصالح كما تساهلوا ،وكما تساهل الخلف الذين اتبعوا سننهم شبراً بشبراً وذراعاً بذراع ،لضاع أصل ديننا ، لاسيما وأن هذه الاحتفالات لا تخلو من الشرك الأكبر وهو التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به ، ودعاؤه ، واللجوء إليه ، ومن المعلوم أن الشرك الأكبر مُخْرِجٌ من الملة . ولكن الله تكفل بحفظ هذا الدين ، وجعل السلف الصالح من تبع نهجهم وآثارهم سبب هذا الدين . ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم الحقيقة والصادقة هي طاعته فيما أمر ، وترك ما نهى عنه وزجر ، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع ، وتعظيمه يكون بالصلاة عليه ، والالتزام بسنته ، والعمل بها ، والذبِّ عنها ، كما سنوضح ذلك في المبحث التالي – إن شاء الله – والله أعلم . يتبع بمشيئة الله تعالى ... |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الثلاثاء 15 مارس 2011, 6:31 am | |
| المبحث الخامس حقيقة محبته صلى الله عليه وسلم اختلف الناس في تفسير محبة الله ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم وكثرت عباراتهم في ذلك وليست تراجع في الحقيقة إلى اختلاف مقال ، ولكنها اختلاف أحوال : فقال سفيان : ( المحبة اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم كأنه التفت إلى قوله تعالى :{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . وقال بعضهم : محبة الرسول صلى الله عليه وسلم اعتقاد نصرته ، والذب عن سنته ، والانقياد لها ، وهيبة مخالفته . وقال بعضهم : المحبة دوام الذكر للمحبوب . وقال آخر : إيثار المحبوب . وقال بعضهم : المحبة : مواطأة القلب لمراد الرب ، يحب ما أحب ويكره ما كره . وقال آخر : المحبة : ميل القلب إلى موافق له. وأكثر العبارات المتقدمة إشارة إلى ثمرات المحبة دون حقيقتها . وحقيقة المحبة: الميل إلى ما يوافق الإنسان، وتكون موافقته له إما لاستلذاذه بإدراكه ،كحب الصور الجميلة، والأصوات الحسنة، والأطعمة والأشربة اللذيذة وأشباهها ، مما كل طبع مائل إليها لموافقتها له ، أو لاستلذاذه بإدراكه بحاسة عقله وقلبه معاني باطنة شريفة ، كمحبة الصالحين والعلماء وأهل المعروف ، والمأثور عنهم السير الجميلة والأفعال الحسنة ، فإن طبع الإنسان مائل إلى الشغف بأمثال هؤلاء حتى يبلغ التعصب بقوم ، والتشيع من أمة في آخرين ، ما يؤدي إلى الجلاء عن الأوطان ، وهتك الحرم ، واخترام النفوس . أو يكون حبه إياه لموافقته له من جهة إحسانه له ، وإنعامه عليه ،وقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها . فإذا تقرر هذا : نظرت هذه الأسباب كلها في حقه صلى الله عليه وسلم فعلمت أنه صلى الله عليه وسلم جامع لهذه المعاني الثلاثة الموجبة للمحبة: أما جمال الصورة ، والظاهر ، وكمال الأخلاق ، والباطن فهو أعلى الناس فيها قدراً، وأكملهم محاسن وفضلاً . وأما إحسانه وإنعامه على أمته ، فقد ذكره الله في كتابه العزيز في مواطن عدَّة ، والتي وصفه الله-سبحانه وتعالى- بأمور ، منها: رأفته بأمته ، ورحمته لهم ، وهدايته إياهم ، وشفقته عليهم ، واستنقاذهم به من النار ، وأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم ، ورحمة للعالمين ، ومبشراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه ،وسراجاً منيراً ويتلوا عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويهديهم إلى صراط مستقيم . فأي إحسان أجل قدراً ، وأعظم خطراً ، من إحسانه إلى جميع المؤمنين ؟ وأي إفضال أعم منفعة ، وأكثر فائدة من إنعامه – بعد الله – سبحانه وتعالى – على كافة المسلمين ؛ إذ كان ذريعتهم إلى الهداية ، ومنقذهم من العماية ، وداعيهم إلى الفلاح ، ووسيلتهم إلى ربهم ، وشفيعهم والمتكلم عنهم والشاهد لهم ، فقد استبان لك أنه صلى الله عليه وسلم مستوجب للمحبة الحقيقية شرعاً ؛ لما ورد في ذلك من النصوص ، كقوله تعالى :{ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } . وقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)) . وقوله صلى الله عليه وسلم:(( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما...)) الحديث وقوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب – رضي الله عنه- لما قال له عمر : يا رسول الله ! ، لأنت أحبّ إليَّ من كل شيء إلا من نفسي ، فقال صلى الله عليه وسلم: (( لا ، والذي نفسي بيده ، حتى أكون أحب إليك من نفسك )) . فقال عمر : فإنه الآن والله لأنت أحبّ إليَّ من نفسي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( الآن يا عمر )) . وكذلك هو مستوجب للمحبة الحقيقية عادة وجبلة بما ذكرناه آنفاً لإفاضته الإحسان ، وعمومه الإجمال ، فإذا كان الإنسان يحب من منحه في دنياه مرة أو مرتين معروفاً ، أو استنقذه من هلكة أو مضرة- مدة التأذي قليل منقطع - فمن كان سبباً لمنحه ما لا يبيد من النعيم ، وسبباً لوقايته مما لا يفنى من عذاب الجحيم أولى بالحب . وقال ابن بطال والقاضي عياض وغيرهما – رحمه الله عليهم - المحبة ثلاثة أقسام: محبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الولد ، ومحبة مشاكلة واستحسان كمحبة سائر الناس ، فجمع صلى الله عليه وسلم أصناف المحبة في محبته ، قال ابن بطال – رحمه الله - : ومعنى الحديث أن من استكمل الإيمان علم أن حق النبي صلى الله عليه وسلم آكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين ؛ لأن به صلى الله عليه وسلم استنقذنا من النار ، وهدينا من الضلال . فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم من تظهر علامة ذلك عليه ، ومن علامات حبه صلى الله عليه وسلم : أ- الاقتداء به صلى الله عليه وسلم ، واستعمال سنته ، واتباع أقواله وأفعاله ، وامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه ، والتأدب بآدابه ، في عسره ويسره ، ومنشطه ومكرهه ، وشاهد هذا قوله تعالى :{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . ب- إيثار ما شرعه عليه الصلاة والسلام ، وحض عليه ، على هوى نفسه ، وموافقة شهواته ، قال تعالى :{ وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ... } . ج- كثرة الذكر له صلى الله عليه وسلم فمن أحب شيئاً أكثر من ذكره ، قال تعالى :{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} . د- ومن علامات محبته صلى الله عليه وسلم :محبة من أحب النبي- عليه والسلام- من آل بيته وصحابته من المهاجرين والأنصار ، وعداوة من عاداهم ، وبغض من أبغضهم ،فمن أحب شيئاً أحب من يحبه. قال صلى الله عليه وسلم:((الله الله في أصحابي ، لا تتخذوهم غرضاً بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه)) . وقال صلى الله عليه وسلم:(( آية الإيمان حب الأنصار ، وآية النفاق بُغض الأنصار)) . وقال – عليه الصلاة والسلام - : (( الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ، ولا يبغضهم إلا منافق ، فمن أحبهم أحبه الله ، ومن أبغضهم أبغضه الله )) . ه- ومن علامات محبته صلى الله عليه وسلم : بُغض من أبغض الله ورسوله ومعاداة من عاداه، ومجانبة من خالف سنته ، وابتداع في دينه ، واستثقاله كل أمر يخالف شريعته ، قال تعالى :{ لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} . و- ومنها : أن يحب القرآن الذي أُنزل عليه صلى الله عليه وسلم ويحب سنته ويقف عند خدودها ، قال سهل بن عبد الله : ( علامة حب الله حب القرآن ، وعلامة حب القرآن حب النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلامة حب النبي صلى الله عليه وسلم حب السنة ، وعلامة حب السنة حب الآخرة ، وعلامة حب الآخرة بُغض الدنيا ، وعلامة بُغض الدنيا ألاَّ يدَّخر منها إلا زاداً وبلغة إلى الآخرة) . وإذا استعرضنا هذه العلامات ، وجدنا أن الذين ابتدعوا الاحتفال بالمولد النبوي ، لم تظهر عليهم أي علامة من هذه العلامات ، ولم يتَّصفوا بإحداها ، بل كانوا يتصفون بضدها . فلم يقتدوا به صلى الله عليه وسلم في القول والفعل ، ولم يمتثلوا أمره بلزوم السنة ، ونهيه عن الإحداث في الدين ، بل اطرحوا سنته جانباً ، وقدموا ما تهوى أنفسهم وما يشتهونه على ما أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ، واشتغلوا بالمعاصي والملذات عن ذكره صلى الله عليه وسلم ، وسبُّوا صحابته وأنصاره- بل كفَّرُوهم - ، وجاهروا بذلك ، وقرَّبُوا أعداء الله ورسوله ، وأظهروا لهم المودة ، وولوهم أمور المسلمين ، فهل يبقى أدنى شك في كذبهم فيما يزعمون من أن إقامتهم للمولد النبوي لأجل محبتهم له صلى الله عليه وسلم، وتعظيم ذكراه؟؟!!؛لأن المحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما تكون بطاعته فيما أمر ، والابتعاد عمَّا نهى عنه والانقياد للشرع الذي جاء به ، فلا يعبد الله إلا بما شرع ، وكذلك الإكثار من الصلاة والسلام عليه ، والتمسك بسنته ، والعمل بها ، والاقتداء به صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله ، وتقديم قوله على كل قول ، فإنَّهُ لا أحد من الأمة معصوم من الخطأ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فيجب أن يؤخذ قوله كله ولا يُردّ منه شيء ، وأمور الدين إنَّما العمدة فيها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا مكان للاعتماد على الهوى والاستحسان من غير دليل شرعي . قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} ، والله أعلم
*****************************
المبحث السادس موقف أهل السنة من هذه البدعة اتفق العلماء من السلف الصالح-رحمهم الله- على أن الاحتفال بالمولد النبوي وغيره من المواسم غير الشرعية ، أمر محدث مبتدع في الدين ، ولم يؤثر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أصحابة ، ولا عن التابعين وتابعيهم ، ولا علماء الأمة المشهورين ؛ كالأئمة الأربعة ونحوهم . وسنذكر فيما يلي بعض أقوال السلف الصالح في هذا الشأن ، ملحقين بها أقوال بعض المتأخرين من علماء الأمة : *قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول ، التي يقال إنها المولد ، أو بعض ليالي رجب ، أو ثامن عشر ذي الحجة ، أو أول جمعة من رجب ، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار ، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ، ولم يفعلوها ، والله سبحانه وتعالى أعلم ) ا.هـ . * وقال – أيضاً – في (( اقتضاء الصراط المستقيم )) : (( فصل . ومن المنكرات في هذا الباب : سائر الأعياد والمواسم المبتدعة ، فإنها من المنكرات المكروهات سواء بلغت الكراهة التحريم، أو لم تبلغه؛ وذلك أن أعياد أهل الكتاب والأعاجم نهي عنها؛ لسببين: أحدهما : أن فيها مشابهة الكفار . والثاني : أنها من البدع . فما أحدث من المواسم و الأعياد هو منكر ، وإن لم يكن فيها مشابهة لأهل الكتاب ؛ لوجهين : أحدهما : أن ذلك داخل في مسمى البدع والمحدثات ، فيدخل فيما رواه مسلم في صحيحه عن جابر – رضي الله عنهما – قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خطب احمرت عيناه ، وعلا صوته ، واشتد غضبه ، حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ، ويقول : (( بُعثت أنا والساعة كهاتين – ويقرن بين أصبعيه : السبابة والوسطى – ويقول : (( أما بعد ،فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة )) وفي رواية للنسائي : ((وكل بدعة ضلالة في النار)) وفيما رواه مسلم – أيضاً – في الصحيح عن عائشة – رضي الله عنها – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) . وفي لفظ في الصحيحين :(( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) . وفي الحديث الصحيح الذي رواه أهل السنن عن العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إنه من يعش منكم فسير اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ،تمسكوا بها، وعضُّو عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة )) . وهذه قاعدة قد دلت عليها السنة والإجماع ، مع ما في كتاب الله من الدلالة عليها أيضاً . قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ...} . فمن ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله أو أوجبه بقوله أو بفعله ، من غير أن يشرعه الله ، فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله ، ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذ شريكاً لله ، شرع من الدين ما لم يأذن به الله ......... إلى أن قال-والكلام في ذم البدع لما كان مقرراً في غير هذا الموضوع لم نطل النفس في تقريره،بل نذكر بعض أعيان هذه المواسم: فصل : قد تقدم أن العيد يكون اسماً لنفس المكان ، ولنفس الزمان ، ولنفس الاجتماع ، وهذه الثلاثة قد أحدث منها أشياً : أما الزمان فثلاثة أنواع ، ويدخل فيها بعض أعياد المكان والأفعال : • أحدها : يوم لم تعظمه الشريعة الإسلامية أصلاُ ، ولم يكن له ذكر في السلف ولا جرى فيه ما يوجب تعظيمه ، مثل : أول خميس من رجب ، وليلة تلك الجمعة التي تسمى الرغائب . • النوع الثاني : ما جرى فيه حادثة كما كان يجري في غيره ،من غير أن يوجب ذلك جعله موسماً، ولا كان السلف يعظمونه: كثامن عشر ذي الحجة الذي خطب النبي صلى الله عليه وسلم فيه بغدير خم مراجعة من حجة الوداع ..... وكذلك ما يحدثه بعض الناس: إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى-عليه السلام-،وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع – من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً مع اختلاف الناس في مولده ، فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له ، وعدم المانع فيه لو كان خيراً ، ولو كان خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف - رضي الله عنهم- أحق به منا ،فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا ،وهم على الخير أحرص،وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته،وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطناً وظاهراً ، ونشر ما بعث به ، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان ، فإن هذه طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار،والذين اتبعوهم بإحسان،وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حرَّاصاً على أمثال هذه البدع-مع ما لهم فيها من حُسن القصد والاجتهاد الذي يرجى لهم بهما المثوبة - تجدهم فاترين في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم عما أُمروا بالنشاط فيه ، وإنما هم بمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلي فيه ،أو يصلي فيه قليلاً ،وبمنزلة من يتخذ المسابيح والسجادات المزخرفة، وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تُشرع ،ويصحبها من الرياء والكِبْر ،والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها)) ا.هـ . • وقال الشاطبي في((الاعتصام)) بعد أن عرف البدعة بأنها :طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه : (وقوله في الحد : [ تضاهي الشرعية ] ، يعني : أنها : أنها تشابه الطريقة الشرعية ، من غير أن تكون في الحقيقة كذلك ، بل هي مضادة لها من أوجه متعددة ، منها: وضع الحدود كالناذر للصيام قائماً لا يقعد ، ضاحياً لا يستظلّ والاختصاص في الانقطاع للعبادة ، والاقتصاد من المأكل والملبس على صنف من غير علَّة . ومنها : التزام الكيفيات والهيئات المعينة ، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد ، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً ، وما أشبه ذلك ...... إلخ ) ا.هـ . • وقال ابن الحاج في (( المدخل )) : ( فصل في المولد : ومن جملة ما أحدثوه من البدع ، مع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات ، وأظهر الشعائر ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من المولد ، وقد احتوى على بدع ومحرمات جملة . فمن ذلك : استعمالهم المغاني ، ومعهم آلات الطرب من الطار المصرصر والشبابة وغيرهم ذلك ، مما جعلوه آلة السماع ...... ، فانظر – رحمنا الله وإياك – إلى مخالفة السنة المطهرة ما أشنعها وأقبحها ، وكيف تجر إلى المحرمات ، ألا ترى أنهم لما خالفوا السنة المطرة ، وفعلوا المولد ، لم يقتصروا على فعله ، بل زادوا عليه ما تقدم ذكره من الأباطيل المتعددة ، فالسعيد السعيد من شدَّ يده على امتثال الكتاب والسنة والطريق الموصلة إلى ذلك ، وهي اتباع السلف الماضين – رضوان الله عليهم أجمعين - ؛ لأنهم أعلم بالسنة منَّا ، إذ هم أعرف بالمقال ، وأفقه بالحال .......)ا.هـ . • وقال الشيخ تاج الدين عمر بن علي اللخمي المشهور بالفاكهاني – بعد حمد الله والثناء عليه بما هو أهل له ، والصلاة والسلام على نبيا محمد عبد الله ورسوله وآله وصحبه أجمعين : ( أما بعد ، فإنه تكرر سؤال جماعة من المباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الأول ويسمونه المولد ، هل له أصل في الشرع ؟ أو هو بدعة وحدث في الدين ؟ وقصدوا الجواب عن ذلك مبيناً ، والإيضاح عنه معيناً ، فقلت وبالله التوفيق : لا أعلم لهذا المولد أصلاً في الكتاب ولا سنة ، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة ، الذين هم القدوة في الدين ، المتمسكون بآثار المتقدمين ، بل هو بدعة أحدثها البطالون ، وشهوة نفس اعتنى بها الأكَّالُون ، بدليل أنا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا : إما أن يكون واجباً ، أو مندوباً ، مباحاً ، أو مكروهاً ، أو محرماً ، وليس بواجب إجماعاً ، ولا مندوباً ؛ لأنَّ حقيقة المندوب ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه ، وهذا لم يأذن فيه الشرع ، ولا فعله الصحابة ولا التابعون ولا العلماء المتدينون فيما علمت ، وهذا جوابي عنه بين يدي الله تعالى إن عنه سئلت ، ولا جائز أن يكون مباحاً ؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين ، فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً أو حراماً وحينئذٍ يكون الكلام فيه في فصلين والتفرقة بين حالين : * أحدهما : أن يعمله رجل من عين ماله لأهله وأصحابه وعياله ،لا يجاوزون في ذلك الاجتماع على أكل الطعام ،ولا يقترفون شيئاً من الآثام ،وهذا الذي وصنفاه بأنه بدعة مكروهة وشناعة ؛ إذا لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة ، الذي هم فقهاء الإسلام ، وعلماء الأنام ، سُرُج الأزمنة، وزين الأمكنة. * والثاني : أن تدخله الجناية ، وتقوى به العناية ، حتى يعطي أحدهم الشيء ونفسه تتبعه ، وقلبه يؤلمه ويوجعه ، لما يجد من ألم الحيف ، وقد قال العلماء : أخذ المال بالحياء كأخذ بالسيف . لاسيما إذا انضاف إلى ذلك شيء من الغناء ، مع البطون الملأى، بآلات الباطل من الدفوف والشبابات ، واجتماع الرجال مع الشباب المرد ، والنساء الفاتنات ، إما مختلطات بهم أو مشرفات ، والرقص بالتثني والانعطاف ، والاستغراق في اللهو ونسيان يوم المخالف ، وكذلك النساء إذا اجتمعن على انفرادهنَّ رافعات أصواتهم بالتهنيك والتطريب في الإنشاد ، والخروج في التلاوة والذكر عن المشروع والأمر المعتاد ، غافلات عن قوله تعالى :{ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} . وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان ، ولا يستحسنه ذوو المروءة الفتيان ، وإنما يحلو ذلك لنفوس موتى القلوب ، وغير المستقلين من الآثام والذنوب ، وأزيدك أنهم يرونه من العبادات ، لا من الأمور المنكرات المحرمات ، فإنَّا لله وإنا إليه راجعون . (( بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ ...)) . هذا مع أن الشهر الذي ولِدَ فيه صلى الله عليه وسلم- وهو ربيع الأول- هو بعينه الشهر الذي تُوفي فيه، فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه ،وهذا ما علينا أن نقول ومن الله تعالى نرجو حُسن القبول ) ا.هـ . • وقال محمد عبد السلام خضر الشقيري في كتابه (( السنن والمبتدعات )) : ( في شهر ربيع الأول وبدعة المولد فيه : لا يختص هذا الشهر بصلاة ولا ذكر ولا عبادة ولا نفقة ولا صدقة ، ولا هو موسم من مواسم الإسلام كالجمع والأعياد التي رسمها لنا الشارع – صلوات الله وتسليماته عليه ، وعلى سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين -، ففي هذا الشهر ولِد صلى الله عليه وسلم ، وفيه تُوفي ، فلماذا يفرحون بميلاده ولا يحزنون لوفاته ؟! فاتخاذ مولده موسماً ، والاحتفال به بدعة منكرة ، وضلالة لم يرد بها شرع ولا عقل ، ولو كان في هذا خير فكيف يغفل عنه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي – رضوان الله عليهم - ، وسائر الصحابة والتابعين وتابعيهم ، والأئمة وأتباعهم ؟ لا شك أن ما أحدثه المتصوفون الأكَّالون البطَّالُون أصحاب البدع ، وتبع الناس بعضهم بعضاً فيه إلا من عصمه الله ، ووفقه لفهم حقائق الإسلام ، ثم أي فائدة تعود ، وأي ثواب في هذه الأمور الباهظة، التي تعلق بها هذه التعاليق ، وتنصب بها هذه السرادقات ، وتضرب بها الصواريخ ؟ وأي رضا لله في اجتماع الرقاصين والرقاصات والطبالين والزمَّارين ، واللصوص والنشالين ، والحاوي والقرادتي ، وأي خير في اجتماع ذوي العمائم الحمراء والخضراء والصفراء والسوداء، أهل الإلحاد في أسماء الله، والشخير والنخير والصفير بالغابة ، والدقّ بالبازات والكاسات ، والشهيق والنعيق [ بأح أح يا ابن المرة ، أم أم ،أن أن، سابينها يا رسول الله ، يا صاحب الفرح المدا آد يا عم يا عم اللّع اللْع ] كالقرود ، ما فائدة هذا كله ؟! فائدته سخرية الإفرنج بنا وبديننا ، وأخذ صور هذه الجماعات لأهل أوروبا ،فيفهمون أن محمداً صلى الله عليه وسلم – حاشاه حاشاه – كان كذلك هو وأصحابه ، فإنا للهِ وإنا إليه راجعون . ثم هو خراب ودمار ، فوق ما فيه الناس من فقر وجوع وجهل وأمراض ، فلماذا لا ننفق هذه الأموال الطائلة في تأسيس مصانع يعمل فيها الألوف من العاطلين ؟أو لماذا لا ننفق هذه النفقات الباهظة في إيجاد آلات حربية نقاوم بها أعداء الإسلام والأوطان ؟ وكيف سكت العلماء على هذا البلاء والشر ، بل وأقروه ؟ ولماذا سكتت الحكومة الإسلامية على هذه المخازي وهذه النفقات التي ترفع البلاد إلى أعلى عليين ؟ فإما أن يزيلوا هذا المنكر وإما وصمتهم بالجهالة )ا. هـ . • وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في جواب على سؤال عن حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهل فعله أحد من أصحابه أو التابعين وغيرهم من السلف الصالح : ( لا شك أن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم من البدع المحدثة في الدين ، بعد أن انتشر الجهل في العالم الإسلامي ، وصار للتضليل والإضلال ، والوهم والإيهام مجال عميت فيه البصائر ، وقوي فيه سلطان التقليد الأعمى ، وأصبح الناس في الغالب لا يرجعون إلى ما قام الدليل على مشروعيته ، وإنما يرجعون إلى ما قاله فلان وارتضاه علان ، فلم يكن لهذه البدعة المنكرة أثر يذكر لدى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا لدى التابعين ، وتابعيهم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها ، وعضُّو عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة )) . وقال – عليه السلام – أيضاً- : ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) . وفي رواية : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) . وإذا كان مقصدهم من الاحتفال بالمولد النبوي تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإحياء ذكره، فلا شك أن تعزيره وتوقيره يحصل بغير هذه الموالد المنكرة، وما يصاحبها من مفاسد وفواحش ومنكرات، قال الله تعالى:{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } . فذكره مرفوع في الأذان والإقامة ، والخطب والصلوات ، وفي التشهد والصلاة عليه في الدعاء وعند ذكره ، فلقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( البخيل من ذُكرت عنده فلم يصل علي )) . وتعظيمه يحصل بطاعته فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وألاَّ يُعبد الله إلا بما شرع . فهو أجل من أن تكون ذكراه سنوية فقط ، ولو كان هذه الاحتفالات خيراً نحضاً ، أو راجحاً لكان السلف الصالح – رضي الله عنهم – أحق بها منا ، فإنهم كانوا أشدّ منا محبة وتعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم على الخير أحرص ، ولكن قد لا يتجاوز أمر أصحاب هذه الموالد ما ذكره بعض أهل العلم : من أن الناس إذا اعترتهم عوامل الضعف والتخاذل والوهن ، راحوا يعظمون أئمتهم بالاحتفالات الدورية،دون ترسم مسالكهم المستقيمة؛لأن تعظيمهم هذا لا مشقة على فيه النفس الضعيفة، ولا شك أن التعظيم الحقيقي هو طاعة المعظم ، والنصح له ، والقيام بالأعمال التي يقوم بها أمره ، ويعتز بها دينه، إن كان رسولاً، وملكه إن كان ملكاً . وقد كان السلف الصالح أشد ممن بعدهم تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم ، ثم للخلفاء الراشدين من بعده ، وناهيك ببذل أموالهم وأنفسهم في هذا السبيل ،إلا أن تعظيمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين ، لم يكن كتعظيم أهل هذه القرون المتأخرة ، ممن ضاعت منهم طريقة السلف الصالح في الاهتداء والاقتداء ،وسلكوا طريق الغواية والضلال في مظاهر التعظيم الأجوف ،ولا ريب أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحقّ الخلق بكل تعظيم يناسبهم ، إلاَّ أنه ليس من تعظيمه أن نبتدع في دينه بزيادة أو نقص ،أو تبديل أو تغيير لأجل تعظيمه به ، كما أنه ليس من تعظيمه- عليه الصلاة والسلام - أن نصرف له شيئاً مما لا يصلح لغير الله من أنواع التعظيم والعبادة ........ والخلاصة : أن الاحتفال بالمولد من البدع المنكرة ، وقد كتبنا فيها رسالة مستقلَّة فيها مزيد تفصيل ... والله ولي التوفيق )ا.هـ . يتبع بإذن الله تعالى... |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الثلاثاء 15 مارس 2011, 6:34 am | |
| فمن خلال هذه الشواهد من آثار السلف الصالح ، ومن على نهجهم ، يتبين لنا أنهم اتفقوا على أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة محدثة ، لم تؤثر على الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من أصحابه- رضوان الله عليهم - ، ولا عن التابعين وتابعيهم ومن تبعهم من الأئمة الأعلام من سلفنا الصالح- رحمة الله عليهم . والبدعة مهما عمل الناس بها ، ومهما مرَّت عليها الأزمنة والعصور ، ومهما عمل بها أو رضي بها من يدَّعي العلم ، لا يمكن أن تكون في يوم من الأيام سنَّة يؤجر على فعلها . والذين يحتفلون بهذه الموالد قد آثروا أقوال علماء الغواية والجهالة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإن استشهدوا بهما فهم يؤولون معانيهما على ما يوافق شهواتهم وهوى أنفسهم ، ويدلُّ على ذلك تعصبهم لأقوال مشايخهم الذي ضلُّوا وأضلُّوا ،ولو كانوا يبحثون عن الحق ،لسألوا أهل العلم واستفسروا منهم ، وفحصوا الأدلة والبراهين ، وإذا اتضح لهم الطريق المستقيم اتبعوه ، ولكن المكابرة سلاح الجاهل يطعن به نفسه . وصدق الله العظيم القائل في محكم كتابه : {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ* وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ* أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} . والقائل سبحانه وتعالى :{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً *وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً *أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً * وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً* فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } . والقائل – أيضاً -في محكم كتابه : { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} . وهل قام الذين يحتفلون بالموالد بكل تعاليم الإسلام كبيرها وصغيرها من الأركان والفروض والواجبات والسنن ،حتى يبحثوا عن بدعة حسنة- كما يزعمون- رغبة في زيادة الأجر والثواب من الله؟! الله أكبر!!!. نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق إلى صراطه المستقيم ، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه إنه ولي ذلك والقادر عليه ، والله أعلم .
*******************************
الفصل الرابع شهر رجب المبحث الأول : بعض الآثار الواردة فيه . المبحث الثاني : ويحتوي علي مطلبين . المطلب الأول : تعظيم الكفار لشهر رجب . المطلب الثاني : عتيرة رجب . المبحث الثالث : بدعة تخصيصه بالصيام أو القيام وحكم العمرة فيه والزيارة الرجبية . المبحث الرابع : بدعة صلاة الرغائب . المبحث الخامس : بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج .
المبحث الأول بعض الآثار الواردة فيه 1. عن أبي بكرة – رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، والسنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حرم : ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان .... )) الحديث . متفق عليه . 2. عن مجاهد قال :(( دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد ، فإذا عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-جالس إلى حجرة عائشة ، وإذا ناس يصلون في المسجد صلاة الضحى ، قال : فسألناه عن صلاتهم ، فقال : بدعة . ثم قال له : كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أربعاً ، إحداهن في رجب ، فكرهنا أن نرد عليه . قال : وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة فقال عروة : يا أماه يا أم المؤمنين ، ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن ؟ قالت : ما يقول ؟ قال : يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع مرات إحداهن في رجب . قالت :يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده ، وما اعتمر في رجب قط )) . 3. عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا فرع ولا عتيرة )) . والفرع أول النتاج ، كانوا يذبحونه لطواغيتهم ، والعتيرة في رجب . 4. عن أسامة بن زيد – رضي الله عنهما – قال : قلت يا رسول الله لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان . قال : (( ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم )) . 5. عن مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم انطلق فأتاه بعد سنة وقد تغيرت حاله وهيئته فقال : يا رسول الله أما تعرفني ؟ قال : (( ومن أنت )) ؟ قال : أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول .قال:((فما غيرك ، وقد كنت حسن الهيئة ))؟.... قال صلى الله عليه وسلم :(( صم من الحرم واترك،صم من الحرم واترك ،صم من الحرم واترك)) وقال بأصبعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها . 6. عن عثمان بن حكيم الأنصاري قال:سألت سعيد بن جبير عن صوم رجب؟ونحن يومئذ في رجب،فقال:سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما-يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم . 7. عن ابن عمر – رضي الله عنهما - : أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربعاً إحداهن في رجب . 8. عن أبي المليح قال:نبيشة :نادي رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم :إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب ، فما تأمرنا ؟ قال : (( اذبحوا لله في أي شهر كان وبروا الله عز وجل وأطعموا )) . 9. عن يحيى بن زرارة بن كريم بن الحارث بن عمرو الباهلي قال : سمعت أبي يذكر أنه سمع جده الحارث بن عمرو لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ...... فقال رجل من الناس : يا رسول الله العتائر والفرائع ؟ قال : (( من شاء عتر ومن شاء لم يعتر ، ومن شاء فرع ومن شاء لم يفرع ، وفي الغنم أضحيتها )) وقبض أصابعه إلا واحدة . 10. عن مخنف بن سليم قال : كنا وقوفاً مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فسمعته يقول : (( يا أيها الناس على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة هل تدرون ما العتيرة ؟ هي التي تسمونها الرجبية )) . 11. عن أبي رزين لقيط بن عامر العقيلي قال : قال يا رسول الله إنا كنا نذبح ذبائح في الجاهلية في رجب فنأكل ونطعم من جاءنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا بأس به )) . 12. عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة .....وسئل عن العتيرة فقال : (( العتيرة حق )) . 13. عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام رجب . 14. عن أنس بن مالك قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال : (( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان ، وبارك لنا في رمضان )) . وكان يقول : (( ليلة الجمعة غراء ويومها أزهر )) . قال ابن حجر : لم يرد في فضل شهر رجب ، ولا في صيامه ، ولا في صيام شيء منه معين ، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة ، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذلك رويناه من غيره ا.هـ . ثم ذكر بعد ذلك مجموعة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة نذكر بعضها بشكل موجز : فمن الضعيف : * حديث : (( إن في الجنة نهراً يقال له رجب ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل من صام يوماً من رجب سقاه الله من ذلك النهر )) . * وحديث : (( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان)) . * وحديث : (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصم بعد رمضان إلا رجباً وشعبان )) . ومن الأحاديث الموضوعة : * حديث : (( رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي )) . * وحديث : (( فضل رجب على سائر الشهور كفضل القرآن على سائر الأذكار .....)) . * وحديث :((رجب شهر الله الأصم،من صام من رجب يوماً إيماناً واحتساباً استوجب رضوان الله الأكبر)) * وحديث:(( من صام ثلاثة أيام من رجب كتب الله له صيام شهر ومن صام سبعة أيام أغلق عنه سبعة أبواب من النار... )) * وحديث :(( من صلى المغرب في أول ليلة من رجب ثم صلى بعدها عشرين ركعة ، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب ، وقل هو الله أحد مرة ، ويسلم فيهن عشر تسليمات ، أ تدرون ما ثوابه ؟ ......قال : حفظه الله في نفسه وأهله وماله وولده ، وأجير من عذاب القبر ،وجاز على الصراط كالبرق بغير حساب ولا عذاب)) * وحديث : ((من صام من رجب وصلى فيه أربع ركعات .... لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له )) . * وحديث صلاة الرغائب :(( رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي ... ولكن لا تغفلوا عن أول ليلة جمعة من رجب فإنها ليلة تسميها الملائكة الرغائب ، وذلك أنه إذا مضى ثلث الليل لا يبقى ملك مقرب في جميع السموات والأرض ، إلا ويجتمعون في الكعبة وحواليها ، فيطلع الله عز وجل عليهم اطلاعة فيقول : ملائكتي سلوني ما شئتم ، فيقولون : يا ربنا حاجتنا إليك أن تغفر لصوم رجب ، فيقول الله عز وجل: قد فعلت ذلك . ثم قال صلى الله عليه وسلم : وما من أحد يصوم يوم الخميس ، أول خميس في رجب ، ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة ، يعني ليلة الجمعة ، ثنتي عشرة ركعة …....)) الخ. * وحديث :(( من صلى ليلة النصف من رجب أربع عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة الحمد مرة ، وقل هو الله أحد عشرين مرة ...... )) الخ. * وحديث :(( إن شهر رجب شهر عظيم ، من صام منه يوماً كتب الله له صوم ألف سنة ..........)) الخ . فما تقدم جزء يسير من الأحاديث الموضوعة في فضل شهر رجب والقصد الإشارة والتنبيه على عدم خصوصية شهر رجب بصوم أو صلاة ونحو ذلك من العبارات ، وما ذكر فيه الكفاية ، وما لم يذكر فليراجع في الكتب التي ذكرت فيها الأحاديث الموضوعة ، والله الهادي إلى سواء السبيل ............- والله أعلم - .
*********************************** المبحث الثاني المطلب الأول : تعظيم الكفار لشهر رجب . رجب في اللغة مأخوذ من رجبَ الرجلَ رجَبا ، وَرَجَبَه يرجُبُه رَجْباً ورُجُوباً ، ورجَّبه وَتَرجَّبه وأَرجْبَهَ كلهُّ : هابه وعظمه ، فهو مَرْجُوبٌ . ورجب : شهر سموه بذلك لتعظيمهم إياه في الجاهلية عن القتال فيه، ولا يستحلِّون القتال فيه، والترجيب التعظيم ، والراجب المعظم لسيده . وذكر بعض العلماء أن لشهر رجب أربعة عشر اسماً : شهر الله ، ورجب ، رجب مضر ، منّصل الأسنة ، الأصم منفس ، مطهر ، مقيم ، هرم ، مقشقش ، مبريء ، فرد ، الأصب ، مُعلّى ، وزاد بعضهم: رجم، منصل الآل وهي الحربة، منزع الأسنة . وقد فسر بعض العلماء بعض هذه الأسماء بما يلي : 1. رجب : لأنه كانُ يرجَّب في الجاهلية أي يُعظم . 2. الأصم : لأنهم كانوا يتركون القتال فيه ، فلا يسمع فيه قعقعة السلاح ، ولا يسمع فيه صوت استغاثة . 3. الأصب : لأن كفار مكة كانت تقول : إن الرحمة تصب فيه صباً . 4. رجم : بالميم لأن الشياطين ترجم فيه : أي تطرد . 5. الهرم : لأن حرمته قديمة من زمن مضر بن نزار بن معد بن عدنان . 6. المقيم : لأن حرمته ثابتة لم تنسخ ، فهو أحد الأشهر الأربعة الحرم . 7. الُمعلّى : لأنه رفيع عندهم فيما بين الشهور . 8. منصل الأسنة : ذكره البخاري عن أبي رجاء العطاردي . 9. منصل الآل : أي الحرب . 10. المبريء : لأنه كان عندهم في الجاهلية من لا يستحل القتال فيه بريء من الظلم والنفاق . 11. المقشقش : لأن به كان يتميز في الجاهلية المتمسك بدينه ، من المقاتل فيه المستحل له . 12. شهر العتيرة : لأنهم كانوا يذبحون فيه العتيرة ، وهي المسماة الرجبية نسبه إلى رجب . 13. رجب مضر : إضافة إلى مضر لأنهم كانوا متمسكين بتعظيمه ، بخلاف غيرهم ، فيقال إن ربيعة كانوا يجمعون بدله رمضان ، وكان من العرب من يجعل في رجب وشعبان ، ما ذكر في المحرم وصفر ، فيحلون رجباً ويحرمون شعباً . وقال صلى الله عليه وسلم : (( ورجب مضر الذي بين جماد وشعبان )) . فقيده بهذا التقييد مبالغة في إيضاحه ، وإزالة اللبس عنه قالوا : وقد كان بين مضر وبين ربيعة ، اختلاف في رجب ، فكانت مضر تجعل رجباً هذا الشهر المعروف الآن ، وهو الذي بين جمادي وشعبان ، وكانت ربيعة تجعله رمضان ، فلهذا إضافة النبي صلى الله عليه وسلم إلى مضر ، وقيل لأنهم كانوا يعظمونه أكثر من غيرهم . فكل هذه الأسماء التي أطلقت على شهر رجب ، تدل على تعظيم الكفار لهذا الشهر ، وربما كان تعظيم مضر لشهر رجب أكثر من تعظيم غيرهم له ، فلذلك أضيف إليهم . وكان أهل الجاهلية يتحرون الدعاء فيه على الظالم وكان يستجاب لهم ، ولهم في ذلك أخبار مشهورة قد ذكرها ابن أبي الدنيا في كتاب مجابي الدعوة وغيره . وقد ذكر ذلك لعمر بن الخطاب – رضي الله عنه -، فقال عمر : إن الله كان يصنع بهم ذلك ليحجز بعضهم عن بعض ، وإن الله جعل الساعة موعدهم ، والساعة أدهى وأمر . وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن خرشه بن الحر قال : رأيت عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-يضرب أكف الناس في رجب ، حتى يضعوها في الجفان ، ويقول : كلوا فإنما هو شهر كان يعظمه أهل الجاهلية . المطلب الثاني : عتيرة رجب . فسر العلماء عتيرة رجب بعد تفسيرات ، منها : قال أبو عبيدة : ( وأما العتيرة فإنها الرجبية ، وهي ذبيحة كانت تذبح في رجب ، يتقرب بها أهل الجاهلية .... وذلك أن العرب في الجاهلية كانوا إذا طلب أمراً نذر لئن ظفر به ليذبحن من غنمه في رجب كذا وكذا ، وهي العتائر ) . وذكر ابن منظور : ( أن الرجل كان يقول في الجاهلية : إن بلغت إبلي مائة عترت عنها عتيرة ، فإذا بلغت مائة ضنّ بالغنم فصاد ظبياً فذبحه ) . وقال أبو داود : ( والعتيرة في العشر الأول من رجب ) . وقال الخطابي :(العتيرة: تفسيرها في الحديث أنها شاة تذبح في رجب، وهذا هو الذي يشبه معنى الحديث، ويليق بحكم الدين ). وأما العتيرة التي كانت تعترها الجاهلية فهي الذبيحة التي كانت تذبح للأصنام فيصب دمها على رأسها. والعتر: بمعنى الذبح) . والصحيح – إن شاء الله تعالى – أنهم كانوا يذبحونها في رجب من غير نذر ، وجعلوا ذلك سنة فيما بينهم كالأضحية في الأضحى ، وكان منهم من ينذرها ، كما قد ينذر الأضحية ،بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم ((على كل أهل بيت أضحاة وعتيرة )) .وهذا الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام تقريراً لما كان في الجاهلية ، وهو يقتضي ثبوتها بغير نذر ثم نسخ بعد ، ولأن العتيرة لو كانت هي المنذورة لم تكن منسوخة ، فإن الإنسان لو نذر ذبح شاة في أي وقت لزمه الوفاء بنذره . حكم العتيرة : اختلف العلماء في حكم العتيرة على أقوال : القول الأول : أن العتيرة مستحبة ، والدليل على ذلك ما تقدم من الأحاديث الدالة على الأمر بها ، وأنها حق . وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ((لا فرع ولا عتيرة )) .أي لا عتيرة واجبة قوله صلى الله عليه وسلم : (( إذبحوا لله في أي وقت كان )) . أي إذبحوا إن شئتم ، واجعلوا الذبح لله في أي شهر كان ، لا أنها في رجب دون غيره من الشهور . وهذا قول الشافعي – رحمه الله - . قال النووي : وقد نص الشافعي – رحمه الله – في سنن حرملة أنها إن تيسرت كل شهر كان حسناً ، فالصبح الذي نص عليه الشافعي – رحمه الله – واقتضته الأحاديث أنهما – الفرع والعتيرة – لا يكرهان بل يستحبان هذا مذهبنا .ا.هـ . القول الثاني : أنها لا تستحب ، وهل تكره ؟ : فيه وجهان : الوجه الأول : تكره العتيرة لقوله صلى الله عليه وسلم : ((لا فرع ولا عتيرة )) الوجه الثاني : لا تكره للأحاديث السابقة بالترخص فيها . وأجابوا عن قوله صلى الله عليه وسلم : ((لا فرع ولا عتيرة )). بثلاثة أوجه : أحدها : أن المراد نفي الوجوب – كجواب الشافعي – رحمه الله – السابق . الثاني : أن المراد نفي ما كانوا يذبحونه لأصنامهم . الثالث: أن المراد أنها ليست كالأضحية في الاستحباب أو ثواب إراقة الدم . وقد نسب النووي هذا القول : إلى ابن كج والدارمي من الشافعية . القول الثالث : أنها لا تسن . والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ((لا فرع ولا عتيرة )). الذي رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – وهذا الحديث متأخر على الأمر بها فيكون ناسخاً .
ودليل تأخره أمران : 1. أنه من رواية أبي هريرة وهو متأخر الإسلام ، فإن إسلامه في سنة فتح خيبر وهي السنة السابعة من الهجرة . 2. أن الفرع والعتيرة كان فعلهما أمراً متقدماً على الإسلام ، فالظاهر بقاؤهم عليه إلى حين نسخه ، واستمرار النسخ من غير رفع له . ولو قدرنا تقدم النهي عن الأمر بهما ، لكانت نسخت ثم نسخ ناسخها وهذا خلاف الظاهر . إذا ثبت هذا فإن المراد بالخبر نفي كونها سنة ، لا تحريم فعلها ولا كراهته . ذكر هذا القول ابن قدامة في الشرح الكبير وقال: هذا قول علماء الأمصار ، سوى ابن سيرين ، فإنه كان يذبح العتيرة في رجب ويروي فيها شيئاً . وقد قال بالنسخ أبو عبيد القاسم بن سلام ، وذكر النووي أن القاضي عياض يقول : إن الأمر بالفرع والعتيرة منسوخ عن جماهير العلماء . القول الرابع : النهي عن العتيرة ، وأنها باطلة: قال ابن قيم الجوزية: وقال ابن المنذر-بعد أن ذكر الأحاديث في عتيرة رجب- : وقد كانت العرب تفعل ذلك في الجاهلية ، وفعله بعض أهل الإسلام ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما ، ثم نهى عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :((لا فرع ولا عتيرة )). فانتهى الناس عنهما لنهيه إياهم عنها ، ومعلوم أن النهي لا يكون إلا عن شيء قد كان يفعل، ولا نعلم أن أحداً من أهل العلم يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان نهاهم عنهما ثم أذن فيهما، والدليل على أن الفعل كان قبل النهي قوله في حديث نبيشة:(( إنا كن نعتر عتيرة في الجاهلية، إنا كنا نفرع في الجاهلية)) . وفي إجماع عوام علماء الأمصار على عدم استعمالهم ذلك، وقوف عن الأمر بهما مع ثبوت النهي عن ذلك بيان لما قلنا ..ا.هـ . وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ : قوله (( ولا تسن الفرعة والعتيرة ))وفيما أفهم الآن أنه أقرب إلى التحريم . قوله (( والمراد بـ((لا فرع ولا عتيرة )) نفي كونهما سنة )) أي خلافاً لما يراه بعض أهل الجاهلية من أن ذلك سنة ، هذا معنى كلام بعضهم . لكن النفي يفيد البطلان كـ((لا عدوى ولا طيرة )) أفلا يكون((لا فرع ولا عتيرة )) إبطال لذلك ؟! . فالأصل سقوط ذلك ، ولا حاجة إلى تأويل ، بل هو ساقط بالإسقاط النبوي ، سقط سنة وفعلاً . هذا مع دلالة ((من تشبه بقوم فهو منهم)) .مع دلالة أن الرسول صلى الله عليه وسلم منع من مشابهة الجاهلية. ثم إن هذا من باب العبادات ، والعبادات توقيفية ، فلو لم ينفها صلى الله عليه وسلم كانت منتفية ، فإن أمور الجاهلية كلها منتفية ، لا يحتاج إلى أن ينصص على كل واحد منها . قوله : (( ولا يكرهان )) هذا تصريح بعدم الكراهية ، وبعض الأصحاب قال بالكراهة ، والذي نفهم أنه حرام ، وهذا بالنسبة إلى تخصيصهم ذبح أول ولد تلده الناقة – الفرع - ، والذبح في العشر الأول من رجب -العتيرة - ، أما إن كان مثل ما يفعله الجاهلية لآلهتهم فهو شرك . ا.هـ . والذي يترجح عندي –والله أعلم – هو القول بالبطلان ، لاتفاق جمهور العلماء على أن ما ورد في العتيرة منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم : ((لا فرع ولا عتيرة )).وأن اللام في هذا الحديث تفيد النفي قياساً على قوله صلى الله عليه وسلم : ((لا عدوى ولا طيرة )). ولما في العتيرة من التشبه بأهل الجاهلية ، وهذا منهي عنه ، ولأن الذبح عبادة ، والعبادات توفيقية . ولكن ليس هذا معناه أنه لا يجوز الذبح عموماً في شهر رجب ولكن المراد بالنهي هو ما ينويه الذابح أن هذه الذبيحة هي عتيرة رجب ، أو انه ذبحها تعظيماً لشهر رجب ونحو ذلك . – والله أعلم - . يتبع بحول الله تعالى... |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الثلاثاء 15 مارس 2011, 4:26 pm | |
| المبحث الثالث بدعة تخصيص شهر رجب بالصيام أو القيام وحكم العمرة فيه والزيارة الرجبية من الأمور المبتدعة في شهر رجب: تخصيصه بالصيام أو القيام ، والمخصصين له استندوا إلى أحاديث بعضها ضعيف ، وكثير منها موضوع والتي سبق وذكرنا بعضاً منها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية أما تخصيص رجب وشعبان جميعاً بالصوم ، أو الاعتكاف ، فلم يرد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء ولا عن أصحابه ، ولا أئمة المسلمين، بل قد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان، ولم يكن يصوم من السنة أكثر مما يصوم من شعبان ، من أجل شهر رمضان ) . وأما صوم رجب بخصوصه فأحاديثه كلها ضعيفة ، بل موضوعة،لا يعتمد أهل العلم على شيء منها ، وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل ، بل عامتها من الموضوعات المكذوبات ، وأكثر ما روي في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل رجب يقول : (( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان)) . وقد روى ابن ماجه في سننه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ((نهى عن صيام رجب)). وفي إسناده نظر. لكن صح أن عمر بن الخطاب كان يضرب أيدي الناس ليضعوا أيديهم في الطعام في رجب ، ويقول : لا تشبهوه برمضان . ودخل أبو بكر فرأى أهله قد اشتروا كيزانا للماء واستعدوا للصوم فقال : ما هذا ؟ فقالوا: رجب. فقال: أتريدون أن تشبهوه برمضان ؟ وكسر تلك الكيزان . فمتى أفطر بعضاً لم يكره صوم البعض . وفي المسند وغيره حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (( أنه أمر بصوم الأشهر الحرم )) . وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، فهذا في صوم الأربعة جميعاً ، لا من تخصص رجب .ا.هـ . وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- ( أن تعظيم شهر رجب من الأمور المحدثة التي ينبغي اجتنابها ، وأن اتخاذ شهر رجب موسماً بحيث يفرد بالصوم مكروه عن الأمام أحمد – رحمه الله – وغيره ) . وقال ابن رجب : ( وأما الصيام فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أصحابه ، ولكن روي عن أبي قلابة قال : (( في الجنة قصر لصوام رجب )) قال البيهقي : أبو قلابة من كبار التابعين ، لا يقول مثله إلا عن بلاغ ) . وإنما ورد في صيام الأشهر الحرم كلها حديث مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((صم من الحرم واترك)) ، قالها ثلاثاً : خرجه أبو داود وغيره ، وخرجه ابن ماجه وعنده (( صم أشهر الحرم )). وقد كان بعض السلف يصوم الأشهر الحرم كلها منهم : ابن عمر والحسن البصري ، وأبو إسحاق السبيعي . وقال الثوري : الأشهر الحرم أحب إلى أن أصوم فيها . وجاء في حديث خرجه ابن ماجه أن أسامة بن زيد كان يصوم الأشهر الحرم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم - : (( صم شوالاً )) ، فترك أشهر الحرم وصام شوالاً حتى مات . وفي إسناده انقطاع . وخرج ابن ماجه أيضاً بإسناد فيه ضعف عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام رجب . والصحيح وقفه على ابن عباس . ورواه عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم – مرسلاً . وروى عبد الرازق في كتابه عن داود بن قيس عن زيد بن أسلم ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم قوم يصومون رجباً فقال: (( أين هم من شعبان )) .ا.هـ . وقال ابن رجب أيضاً : وعن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يريان أن يفطر منه أياماً . وكرهه أنس أيضاً ، وسعيد بن جبير . وكره صيام رجب كله : يحيى بن سعيد الأنصاري ، والإمام أحمد – رحمه الله – وقال : يفطر منه يوماً أو يومين ، وحكاه عن ابن عمر وابن عباس . وقال الشافعي – رحمه الله – في القديم : ((أكره أن يتخذ الرجل شهر صوم شهر يكمله كما يكمل رمضان )) ، واحتج بحديث عائشة – رضي الله عنها - : ((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل شهراً قط إلا رمضان )) .وقال: كذلك يوماً من الأيام وقال إنما كرهته أن لا يتأسى رجل جاهل ، فيظن أن ذلك واجب ، وإن فعل فحسن وتزول كراهة إفراد رجب بالصوم ، بأن يصوم معه شهراً آخر تطوعاً عند بعض أصحابنا (الحنابلة) مثل أن يصوم الأشهر الحرم ، أو يصوم رجب وشعبان ، وقد تقدم عن ابن عمر – رضي الله عنهما – وغيره صيام الأشهر الحرم . والمنصوص عن أحمد –رحمه الله - : ( أنه لا يصومه بتمامه إلا من صام الدهر ) . وروي عن ابن عمر- رضي الله عنهما- ما يدل عليه : فإنه بلغه أن قوماً أنكروا عليه أنه حرم صوم رجب فقال : كيف بمن يصوم الدهر ؟ . وهذا يدل على أنه لا يصام رجب إلا مع صوم الدهر . وروي يوسف بن عطية عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم بعد رمضان إلا رجباً وشعبان . ويوسف ضعيف جداً . ا.هـ . وقال ابن قيم الجوزية في هديه صلى الله عليه وسلم في صيام التطوع: لم يصم الثلاثة الأشهر سرداً -رجب وشعبان ورمضان -كما يفعله بعض الناس ، ولا صام رجباً قط ، ولا استحب صيامه ، بل روي عنه النهي عن صيامه ذكره ابن ماجه . ا.هـ . وقال أبو شامة :وذكر الشيخ أبو الخطاب في كتاب أداء ما وجب من وضع الوضاعين في رجب عن المؤتمن بن أحمد الساجي الحافظ قال : (( كان الإمام عبد الله الأنصاري شيخ خراسان لا يصوم رجب وينهى عن ذلك ويقول : ما صح في فضل رجب ولا صيامه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء وقد رويت كراهة صومه عن جماعة من الصحابة ، منهم أبو بكر وعمر- رضي الله عنهما -، وكان يضرب بالدرة صوامه )). وروي ذلك الفاكهي في كتاب مكة له، وأسند الإمام المجمع على عدالته، المتفق على إخراج حديثه وروايته، أبو عثمان سعيد بن منصور الخراساني قال :حدثنا سفيان عن مسعر عن وبرة عن خرشة بن الحر أن عمر ابن الخطاب-رضي الله عنه-كان يضرب أيدي الرجال في رجب ،إذا رفعوها عن طعامه حتى يضعوها فيه ، ويقول : إنما هو شهر كان أهل الجاهلية يعظمونه .قال وهذا سند مجمع على عدالة رواته . فالصيام جنة ، وفعل خير ، وعمل بر ، لا لفضل صوم هذا الشهر قال : فإن قيل : أليس هذا هو استعمال خير ؟ . قيل الخير ينبغي أن يكون مشروعاً من النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا علمنا أنه كذب خرج أنه من المشروعية ، وإنما كانت تعظيمه مضر في الجاهلية ، كما قال أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه-، وضرب أيدي الذين كانوا يصومونه وكان ابن عباس حبر القرآن يكره صيامه . وقال فقيه القيروان ، وعالم أهل زمانه بالفروع : أبو محمد بن زيد : وكره ابن عباس صيام رجب كله ، خيفة أن يرى الجاهل أنه مفترض .ا.هـ . وقال الطرطوشي : يكره صيام رجب على أحد ثلاثة أوجه : أحدها : إذا خصه المسلمون بالصوم في كل عام ، حسب العوام ومن لا معرفة له بالشريعة مع ظهور صيامه أنه فرض كرمضان . الثاني : أو أنه سنة ثابتة خصه رسول الله صلى الله عليه وسلم كالسنن الراتبة . الثالث : أو أن الصوم فيه مخصوص بفضل ثواب على سائر الشهور ، جار مجري صوم عاشوراء ، وفضل آخر الليل على أوله في الصلاة ، فيكون من باب الفضائل لا من باب السنن والفرائض ، ولو كان من باب الفضائل لسنه صلى الله عليه وسلم ، أو فعله ولو مرة في العمر كما فعل في صوم عاشوراء ، وفي الثلث الغابر من الليل . ولما لم يفعل بطل كونه مخصوصاً بالفضيلة ، ولا هو فرض ولا سنة باتفاق ، فلم يبق لتخصيصه بالصيام وجه ، فكره صيامه والدوام عليه ، وحذراً من أن يلحق بالفرائض والسنن الراتبة عند العوام . فإن أحب امرؤ أن يصومه على وجه تؤمن فيه الذريعة ، وانتشار الأمر-حتى لا يعد فرضاً أو سنة-فلا بأس بذلك .ا.هـ . فمما تقدم من كلام هؤلاء العلماء من السلف الصالح يتبين لنا أن شهر رجب لا يخصص ولم يخصص بصيام دون غيره من الأشهر ، وكذلك تخصيصه بالصيام تعظيم له ، وتعظيم شهر رجب فيه تشبه بأهل الجاهلية ، ومن تشبه بقوم فهو منهم . وتخصيصه بالصيام بدعة لأنه لم يأمر به صلى الله عليه وسلم ولم يفعله، ولا خلفاؤه الراشدون ، ولا التابعون، ولا السلف الصالح، وكل ما ورد في صيامه من النصوص فقد اتفق جمهور على أنها موضوعة إلا القليل منها ضعيف جداً لا يصلح الاحتجاج به . وقد صح عن ابن عباس أنه كان ينهى عن صيام رجب كله لئلا يتخذ عيداً . وصح عنه أيضاً قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان .فإذا ليس لتخصيص شهر رجب بالصوم أصل – والله أعلم - . وأما تخصيصه بالعمرة فيه فقد روى ابن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب ، فأنكرت ذلك عائشة – رضي الله عنها – وهو يسمع فسكت . واستحب الاعتمار في رجب عمر بن الخطاب وغيره ، وكانت عائشة تفعله وابن عمر أيضاً . ونقل ابن سيرين عن السلف أنهم كانوا يفعلونه ، فإن أفضل الأنساك أن يؤتى بالحج في سفرة ، والعمرة في سفرة أخرى في غيره أشهر الحج ، وذلك من إتمام الحج والعمرة المأمور به . وهذا رأي جمهور الصحابة كعمر وعثمان وعلى وغيرهم .ا.هـ . فكلام ابن رجب-رحمه الله - يدل على أن العمرة في رجب مستحبة واستدل على ذلك باستحباب عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-العمرة في رجب . وفعل عائشة- رضي الله عنها- لها ، وابن عمر أيضاً ، وهذا هو القول الأول . وروى البيهقي في سننه عن سعيد بن المسيب أن عائشة – رضي الله عنها – كانت تعتمر في آخر ذي الحجة من الجحفة ، وتعتمر في رجب من المدينة ، وتهل من ذي الحليفة . القول الثاني : أن تخصيص شهر رجب بالعمرة لا أصل له ، قال ابن العطار : ومما بلغني عن أهل مكة زادها الله شرفاً اعتياد كثيرة في رجب ، وهذا مما لا أعلم له أصلاً ، بل ثبت في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( عمرة في رمضان تعدل حجة )) .ا.هـ . وذكر الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ أن العلماء أنكروا تخصيص شهر رجب بكثرة الاعتمار . والذي يترجح عندي- والله أعلم- أن تخصيص شهر رجب بالعمرة ليس له أصل ، لأنه ليس هناك دليل شرعي على تخصيصه بالعمرة فيه ، مع ثبوت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رجب قط كما تقدم. ولو كان لتخصيصه بالعمرة فضل لدل أمته عليه- وهو الحريص عليهم-كما دلهم على فضل العمرة في رمضان ونحو ذلك . وأما ما ورد أن عمر بن الخطاب استحب العمرة في رجب فلم أقف على سنده . وأما ما نقله ابن سيرين عن السلف ، أنهم كانوا يفعلونه فليس في ذلك دليل على تخصيصه بالعمرة ، لأنه ليس قصدهم-والله أعلم – تخصيص شهر رجب بالعمرة ، وإنما القصد – والله أعلم – هو الإتيان بالحج في سفرة والعمرة في سفرة أخرى ، رغبة في إتمام الحج والعمرة المأمور به ، كما وضح ذلك ابن رجب في معرض كلامه عما نقله ابن سيرين عن السلف. وإما ما رواه البيهقي عن عائشة – رضي الله عنها – من أنها كانت تعتمر في ذي الحجة وفي رجب ، فيمكن الجواب عنه: بأنه موقوف على عائشة ، وكذلك يحتمل أن فعلها هذا جمع بين السنة في الاعتمار في أشهر الحج كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وبين فضل الإتيان بالحج في سفرة والعمرة في سفرة أخرى . ولو كان لتخصيص شهر رجب بالعمرة فضل أو مزية لذكرته - عائشة – رضي الله عنها – عندما أنكرت على ابن عمر قوله : أن النبي صلى الله عليه وسلم – اعتمر في رجب – والفضل كله في الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رجب قط . والله أعلم . قال أبو شامة : (( ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها بها الشرع ، بل يكون جميع أفعال البر مرسلة في جميع الأزمان ليس لبعضها على بعض فضل ، إلا ما فضله الشرع وخصه بنوع من العبادة ، فإن كان ذلك ، اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها ، كصوم يوم عرفة وعاشوراء ، والصلاة في جوف الليل ، والعمرة في رمضان ، ومن الأزمان ما جعله الشرع مفضلاً فيه جميع أعمال البر كعشر ذي الحجة ، وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، أي العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر ، ليس فيها ليلة القدر ، فمثل ذلك يكون أي عمل من أعمال البر حصل فيها ، كان له الفضل على نظيره في زمن آخر)) . فالحاصل : أن المكلف ليس له منصب التخصيص ، بل ذلك إلى الشارع ا.هـ . – والله أعلم - . ****************************** المبحث الرابع بدعة صلاة الرغائب صلاة الرغائب من البدع المحدثة في شهر رجب ، وتكون في ليلة أول جمعة من رجب بين صلاة المغرب والعشاء ، يسبقها صيام الخميس الذي هو أول خميس في رجب . والأصل فيها حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورد فيه صفتها وأجرها على النحو التالي : صفتها عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-:(( رجب شهر الله، وشعبان شهري ،ورمضان شهر أمتي...، وما من أحد يصوم يوم الخميس ، أول خميس في رجب ، ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة ، يعني ليلة الجمعة ، ثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة ، و {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} ثلاث مرات و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} اثنتي عشرة مرة ، يفصل بين كل ركعتين بتسليمه ، فإذا فرغ من صلاته صلى عليَّ سبعين مرة، ثم يقول : اللهم صلى على محمد النبي الأمي وعلى آله ، ثم يسجد فيقول في سجوده : سبوح قدوس رب الملائكة والروح سبعين مرة ، ثم يرفع رأسه فيقول : رب اغفر لي وارحم وتجاوز عما تعلم ، إنك أنت العزيز الأعظم ، سبعين مرة ، ثم يسجد الثانية فيقول مثل ما قال في السجدة الأولى ، ثم يسأل الله تعالى حاجته فإنها تقضى . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده ما من عبد ولا أمة صلى هذه الصلاة ، إلا غفر الله تعالى له جميع ذنوبه ، وإن كانت مثل زبد البحر ، وعدد ورق الأشجار ، وشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ، فإذا كان في أول ليلة في قبره ، جاء بواب هذه الصلاة فيجيبه بوجه طلق ، ولسان ذلق ، فيقول له : حبيبي أبشر فقد نجوت من كل شدة ، فيقول : من أنت فو الله ما رأيت وجهاً أحسن من وجهك ، ولا سمعت كلاماً أحلى من كلامك ، ولا شممت رائحة أطيب من رائحتك ، فيقول له : يا حبيبي أنا ثواب الصلاة التي صليتها في ليلة كذا في شهر كذا جئت الليلة لأقضي حقك ، وأونس وحدتك ، وأرفع عنك وحشتك، فإذا نفخ في الصور أظللت في عرصة القيامة على رأسك ، وأبشر فلن تعدم الخير من مولاك أبداً )) . قال ابن الجوزي:(ولقد أبدع من وضعها فإنه يحتاج من يصليها أن يصوم، وربما كان النهار شديد الحر، فإذا صام ولم يتمكن من الأكل حتى يصلي المغرب ، ثم يقف فيها ، ويقع ذلك التسبيح الطويل ، والسجود الطويل ، فيتأذى غاية الإيذاء ، وإني لأغار لرمضان ، والصلاة التراويح كيف زوحم بهذه؟! بل هذه عند العوام أعظم وأجل، فإنه يحضرها من لا يحضر الجماعات) .ا.هـ . وقال الغزالي بعد أن أورد حديث أنس في صفة صلاة الرغائب ، وسماها صلاة رجب:(فهذه صلاة مستحبة !! وإنما أوردناها في هذا القسم-ما يتكرر من الرواتب بتكرر السنين صلاة رجب وشعبان، وإن كانت رتبتها لا تبلغ رتبة التراويح وصلاة العيد، لأن هذه الصلاة نقلها الآحاد ولكني رأيت أهل القدس بأجمعهم يواظبون عليها، ولا يسمحون بتركها فآحببت إيرادها) !!ا.هـ. وصلاة الرغائب أول ما أحدثت ببيت المقدس ، وذلك بعد ثمانين وأربعمائة للهجرة ،ولم يصلها أحد قبل ذلك. فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعلها ، ولا أحد من أصحابه- رضوان الله عليهم -، ولا التابعين ، ولا السلف الصالح -رحمه الله عليهم - . حكمها : لا شك في بدعية صلاة الرغائب، لاسيما أنها أحدثت بعد القرون المفضلة، فلم يفعلها الصحابة ولا التابعون ولا تابع التابعين، ولا السلف الصالح – رحمهم الله- وكانوا على الخير أحرص ممن جاء بعدهم . وقد جرى بين العز بن عبد السلام وابن الصلاح مساجلة علمية جيدة من خلالها يتأكد لنا بدعية هذه الصلاة المحدثة . فقد أكد الإمام العز بن عبد السلام أن صلاة الرغائب موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذب عليه ، وأنها مخالفة للشرع من وجوه يختص العلماء ببعضها ، وبعضها يعم العالم والجاهل . فأما ما يختص به العلماء فضربان : الأول : أن العالم إذا صلى كان موهماً للعامة أنها من السنن ، فيكون كاذباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان الحال الذي قد يقوم مقام لسان المقام . الثاني : أن العالم إذا فعلها كان متسبباً إلى أن تكذب العامة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولوا : هذه سنة من سنن ، والتسبب إلى الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز . وأما ما يعم العالم والجاهل فمن وجوه : الوجه الأول : أن فعل البدع مما يغري المبتدعين الواضعين بوضعها وافترائها ، والإغراء بالباطل والإعانة عليه ممنوع في الشرع واطراح البدع والموضوعات زاجر عن وضعها وابتداعها ، والزجر عن المنكرات من أعلى ما جاءت به الشريعة . الوجه الثاني : أنها مخالفة لسنة السكون في الصلاة ، من جهة أن فيها تعديد لسورة الإخلاص ، وسورة القدر ، ولا يتأتى عده في الغالب إلا بتحريك بعض أعضائه . الوجه الثالث : أنها مخالفة لسنة خشوع القلب وخضوعه وحضوره في الصلاة ،وتفريغه لله تعالى، وملاحظة جلاله وكبريائه ، والوقوف على معاني القراءة والذكر ، فإنه إذا لا حظ عدد السور بقلبه ، كان متلفتاً عن الله تعالى،معرضاً عنه بأمر لم يشرعه في الصلاة ،والالتفات بالوجه قبيح شرعاًَ ،فما الظن بالالتفات عنه بالقلب الذي هو المقصود الأعظم . الوجه الرابع : أنها مخالفة لسنة النوافل ، فإن السنة فيها أن فعلها في البيوت أفضل من فعلها في المساجد ، إلا ما استثناه الشرع كصلاة الاستسقاء والكسوف وقد قال صلى الله عليه وسلم:((صلاة الرجل في بيته أفضل من صلاته في المسجد إلا المكتوبة)) . الوجه الخامس : أنها مخالفة لسنة الانفراد بالنوافل ، فإن السنة فيها الانفراد ، إلا ما استثناه الشرع ، وليست هذه البدعة المختلفة على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه . الوجه السادس : أنها مخالفة للسنة في تعجيل الفطر ، إذ قال صلى الله عليه وسلم - : ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر )) . الوجه السابع : أنها مخالفة للسنة في تفريغ القلب عن الشواغل المقلقة قبل الدخول في الصلاة ، فإن هذه الصلاة يدخل فيها وهو جوعان ظمآن ، ولاسيما في أيام الحر الشديد ، والصلوات لا يدخل فيها مع وجود شاغل يمكن رفعه . الوجه الثامن : أن سجدتيها مكروهتان ، فإن الشريعة لم ترد بالتقرب إلى الله تعالى بسجدة منفردة لا سبب لها ، فإن القرب لها أسباب وشرائط وأوقات وأركان لا تصح بدونها ، فكما لا يتقرب إلى الله بالوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار ، والسعي بين الصفا والمروة من غير نسك واقع في وقته بأسبابه وشرائطه ،فكذلك لا يتقرب إليه بسجدة منفردة ،وإن كانت قربة ،إلا إذا كان لها سبب فكذلك لا يتقرب إلى الله عز وجل بالصلاة والصيام في كل وقت وأوان وربما تقرب الجاهلون إلى الله تعالى بما هو مبعد عنه من حيث لا يشعرون . الوجه التاسع : لو كانت السجدتان مشروعتين ، لكان مخالفاً للسنة في خشوعهما وخضوعهما ، بما يشتغل به من عدد التسبيح فيهما بباطنه ، أو بظاهره ، أو بباطنه وظاهرة. الوجه العاشر : أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تختصموا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ، ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام ، إلا أن تكون في صوم يصومه أحدكم )) . الوجه الحادي عشر : أن في ذلك مخالفة للسنة فيما اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم في أذكار السجود ، فإنه لما نزل قوله سبحانه وتعالى{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} . قال : (( اجعلوها في سجودكم )) . وقوله : ((سبوح قدوس )) وإن صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يصح أنه أفرادها بدون (( سبحان ربي الأعلى )) ، ولا أنه وظفها على أمته ، ومن المعلوم أنه لا يوظف إلا أولى الذكرين ، وفي قوله : ((سبحان ربي الأعلى )) من الثناء مالي في قوله : (( سبوح قدوس )) . ا.هـ . ثم قال العز بن عبد السلام:(ومما يدل على ابتداع هذه الصلاة أن العلماء الذين هم أعلام الدين، وأئمة المسلمين من الصحابة والتابعين ، وتابعي التابعين ، وغيرهم ممن دون لكتب في الشريعة ، مع شدة حرصهم على تعليم الناس الفرائض والسنن ، لم ينقل عن أحد منهم أنه ذكر هذه الصلاة ، ولا دونها في كتابه ، ولا تعرض لها في مجالسه، والعادة تحيل أن تكون مثل هذه سنة وتغيب عن هؤلاء الذين هم أعلام الدين ، وقدوة المؤمنين ، وهم الذين إليهم الرجوع في جميع الأحكام من الفرائض والسنن والحلال والحرام.... ولما صح عند السلطان الكامل- رحمه الله- أنها من البدع المفتراه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطلها من الديار المصرية ، فطوبى لمن تولى شيئاً من أمور المسلمين ، فأعان على إماتة البدع وإحياء السنن . وليس لأحد أن يستدل بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( الصلاة خير موضوع )) . فإن ذلك مختص بصلاة لا تخالف الشرع بوجه من الوجوه ، وهذه الصلاة مخالفة للشرع من الوجوه المذكورة ، وأي خير في مخالفة الشريعة؟ ولمثل ذلك قال صلي الله عليه وسلم : ((شر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلاله)) . وفقنا الله للإجابة والابتاع وجنبنا الزيغ والابتداع . وقد بلغني أن رجلين ممن تصدى للفتيا مع بعدهما عنها،وسعيا في تقرير هذه الصلاة،وأفتيا بتحسنها، وليس ذلك ببعيد مما عهد من خطلهما وزللهما ، فإن صح ذلك عنهما ، فما حملهما على ذلك إلا أنهما قد صلياها مع الناس ، مع جهلهما بما فيها من المنهيات ، فخافا وفرقا إن نهيا عنها أن يقال لهما : فلم صليتماها ؟ فحملهما اتباع الهوى على أن حسنا ما لم تحسنه الشريعة المطهرة ، نصرة لهواهما على الحق ، ولو أنهما رجعا إلى الحق وآثراه على هواهما ، وأفتيا بالصواب ، لكان الرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} . والعجب كل العجب لمن يزعم أنه من العلماء ويفتي بأن هذه الصلاة موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم يسوغ موافقة وضاعها عليها ، وهل ذلك إلا إعانة للكذابين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن اتبع الهوى ضل عن سبيل الله،كما نص عليه القرآن . ثم أفتيا بصحتها مع اختلاف أصحاب الشافعي- رضي الله عنهم-في صحة مثلها،فإن من نوى صلاة ووصفها في نيته بصفة ، فاختلفت تلك الصفة هل تبطل صلاته من أصلها ،أو تنعقد نفلاً ؟فيه خلاف مشهور . وهذه الصلاة بهذه المثابة ، فإن من يصليها يعتقد أنها من السنن الموظفة الراتبة ، وهذه الصفة مختلفة عنها ، فأقل مراتبها أن تجري على الخلاف . والحمد لله رب العالمين .ا.هـ . وقد رد ابن الصلاح على كلام العز بن عبد السلام السابق ، وناقشة فيه وتوصل إلى أن صلاة الرغائب غير ملحقة بالبدع المنكرة فقال : سألتم أرشدكم الله وإياي عن ما رمه بعض الناس من إزالة صلاة الرغائب وتعطيلها ، ومنع الناس من عبادة اعتادوها في ليلة شريفة ،ولاشك في تفضيلها ، واحتجاجه لذلك بأن الحديث الوراد بها ضعيف بل موضوع ، ودعواه أنه يلزم من ذلك رفعها ، وإلحاقها بالأمر المطرح المدفوع ، وغلوه في ذلك وإسرافه ، وغلو الناس في مشاقته وخلافه ، حتى ضرب له المثل بقوله ذلك بقوله تبارك وتعالى { أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّ } إلى قوله تعالى { كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}. فرغبتهم في أن أبين الحق في ذلك وأوضحه، وأزيف الزائف منه وأزحزحه، فاستعنت بالله تبارك وتعالى على ذلك واستخرجه، وأوجزت القول فيه واختصرته ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ،فأقول :هذه الصلاة شاعت بين الناس بعد المائة الرابعة ولم تكن تعرف . وقد قيل : إن منشأها من بيت المقدس صانها الله- تبارك وتعالى- والحديث الوارد بها بعينها وخصوصها ضعيف ساقط الإسناد عن أهل الحديث، ثم منهم من يقول :هو موضوع ، وذلك نظنه، ومنهم من يقتصر على وصفه بالضعف،ولا يستفاد له صحة من ذكر رزين بن معاوية إياه في كتابه في تجريد الصحاح ولا من ذكر صاحب كتاب الإحياء له فيه ، واعتماده عليه ، لكثرة ما فيهما من الحديث الضعيف ، وإيراد رزين مثله في مثل كتابه من العجب . ثم إنه لا يلزم من ضعف الحديث ، بطلان صلاة الرغائب والمنع منها ، لأنه داخلة تحت مطلق الأمر الوارد في الكتاب والسنة بمطلق الصلاة ، فهي إذاً مستحبة بعمومات نصوص الشريعة الكثيرة،الناطقة باستحباب مطلق الصلاة،ومنها ما رويناه في صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(( الصلاة نور )) . وما رويناه من حديث ثوبان ، وعبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((استقيموا ولن تحصوا ، واعملوا أن خير أعمالكم الصلاة )) .
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الثلاثاء 15 مارس 2011, 4:32 pm | |
| وأخص من ذلك بما نحن فيه ما رواه الترمذي في كتابه تعليقاً من حديث عائشة -رضي الله عنها- ولم يضعفه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((من صلى بعد المغرب عشرين ركعة بني الله له بيتاً في الجنة)) . فهذا مخصوص بما بين المغرب والعشاء ، فهو يتناول صلاة الرغائب من جهة أن اثنتي عشرة داخلة في عشرين ركعة ، وما فيها من الأوصاف الزائدة ، يوجب نوعية وخصوصية غير مانعة من الدخول في هذا العموم ، على ما هو معروف عند أهل العلم ، فلو لم يرد حديث أصلاً بصلاة الرغائب بعينها ووصفها ، لكان فعلها مشروعاً لما ذكرنا . وكم من صلاة مقبولة مشتملة على وصف خاص ، لم يرد بوصفها ذلك نص خاص من كتاب ولا سنة ، ثم لا يقال: إنها بدعة. ولو قال قائل أنها بدعة لقال مع ذلك بدعة حسنة ، لكونها راجعة إلى أصل من الكتاب أو السنة . ومن أمثال هذا ما لو صلى إنسان في جنح الليل مثلا خمس عشرة ركعة بتسليمه واحدة ، وقرأ في كل ركعة آية من خمس عشرة سورة على التوالي ، خص كل ركعة منها بدعاء خاص ، فهذه صلاة مقبولة غير مردودة ، وليس لأحد أن يقول : هذه صلاة مبتدعة مردودة . فإنه لم يرد بها على هذه الصفة كتاب ولا سنة ، ولو وضع لها حديثاً بإسناد رواها به ، لأبطلنا الحديث وأنكرناه ، ولم ننكر الصلاة ، فكذلك الأمر في صلاة الرغائب من غير فرق – والله أعلم - . ولهذا شوهدا ونظائر لا تحصي من سائر أحكام الشريعة ، نعم ما يكون من ذلك صفته الزائدة منكراً يردها شيء من أصول الشريعة ، فذلك الذي يحكم بكونه من البدع المذمومة ، والحوادث المردودة ، والذي يتوهم فيه صلاة الرغائب أنه كذلك ، أمور نذكرها ونبين بالدليل الواضح كونها سالمة من ذلك إن شاء الله تعالى : أحدهما : ما فيها من تكرار السور . وجوابه : أن ذلك ليس من المكروه المنكر ، فقد ورد نحو ذلك ، وورد في بعض الأحاديث تكرار سورة الإخلاص ، فإن لم نستحبه ، لم نعده من المكروه المنكر ، لعدم دليل قوي على ذلك . وما ورد عن بعض أئمة الحديث من كراهة نحو ذلك ،فمحمول على الكراهة ، التي هي بمعني ترك الأولى ، فإن الكراهة قد أطلقت على معان ، وذلك أحدها والله أعلم . الثاني : السجدتان الفردتان عقيب هذه الصلاة . وقد اختلف أئمتنا في كراهة مثل ذلك ، فإن كان المنازع يختار قول من يكرهها فسبيله أن يتركها فحسب، لا أن يترك الصلاة من أصلها، وهكذا الأمر في تكرار السورة ، سواء بقي على الصلاة اسمها المعروف لبقاء معظمها ، أو لم يبق ، لكون المقصود إبقاء الناس على ما اعتادوه ، ومن شغل هذا الوقت بالعبادة ، وصيانتهم من الترك لا إلى خلف – والله أعلم - . الثالث : ما فيها من التقييد بعدد خاص من غير قصد . وهذا قريب راجع إلى ما سبق الكلام عليه ، وهو كمن يتقيد بقراءة سبع القرآن أو ربعه كل يوم ، وكتقيد العابدين بأورادهم التي يختارونها لا يزيدون عليها ولا ينقصون . – والله أعلم - . الرابع : أن ما فيها من عدد السور والتسبيح وغيرهما مكروه لإشغاله القلب . وجوابه :أن ذلك غير مسلم ، وهو يختلف باختلاف القلوب وأحوال الناس . وقد روي عدّ الآيات في الصلاة عن عائشة – رضي الله عنها – وطاووس ، وابن سيرين وسعيد بن جبير ، والحسن ، وابن أبي ملكية ، في عدد كثير من السلف . وقال الشافعي-رحمه الله -:(لا بأس بعد الآي في الصلاة، نقله عنه صاحب جمع الجوامع في منصوصاته من غير خلاف، وحكاه ابن المنذر عن مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق والثوري ، وغيرهم ، ويشهد له من الحديث صلاة التسبيح -والله أعلم- . الخامس : فعلها جماعة مع أن الجماعة في النوافل مخصوصة بالعيدين ، والكسوفين ، والاستسقاء ، وصلاة التراويح ووترها . وجوابه : أن الحكم في ذلك . أن الجماعة لا تسن إلا في هذه الستة ، لا أن الجماعة منهي عنها في غيرها من النوافل . وفي مختصر الربيع عن الشافعي-رضي الله عنهما-أنه قال:(لا بأس بالإمامة في النافلة، ومن الدليل عليه ما رويناه في الصحيحين عن ابن عباس – رضي الله عنهما - : ((أنه بات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ، فلما قام يصلي صلاته من الليل قام ابن عباس – رضي الله عنهما – يصلي خلفه ، ووقف عن يساره فأداره إلى يمينه )) . وفي رواية مسلم التصريح بأنه قام يصلي متطوعاً من الليل . وثبت عن أنس – رضي الله عنه - : (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم في دارهم في غير وقت الصلاة ، فصلى به وبأم سليم وأم حرام )) . وفي رواية لأبي داود ((فصلى بنا ركعتين تطوعاً )) . وفي الصحيحين نحوه عن عتبان بن مالك الأنصاري – رضي الله عنهم - - والله أعلم - . السادس : أن هذه الصلاة صارت شعاراً ظاهراً حادثاً ، ويمتنع إظهار شعار ظاهر في الدين . وجوابه : أن حاصل ذلك يرجع إلى أنها عبادة لها أصل في الشريعة، ظهرت وكثرت الرغبات فيها ، وهذا لا يوجب أن يعكر عليها باجتثاثها من أصلها ،فإن ما اختص به علماء المسلمين في علم الفقه،وسائر علوم الدين من التأصيل ، والتفصيل ، والتفريغ ، والتدقيق ، والتصنيف ،والتدريس ، شعار ظاهر حدث في الدين لم يكن في صدر الإسلام ، فلم لا نقول : إن ذلك مبتدع ينبغي اجتنابه ، وشعار محدث يتعين اجتثاثه .- والله أعلم - . وقد احتج المنازع بأشياء أخر لا تساوي الذكر ، ومما يجاب به عنها أن يقال له : صل هذه الصلاة ، وتجنب وجنب فيها ما زعمت أنه محذور كما بيناه فيما سبق ، وهو معتمد منها بقوله : إن في ذلك اختصاص ليلة الجمعة بالقيام ، وهو منهي عنه،وهذا ليس بشيء،لأنه ليس بلازم من حال من يصلي صلاة الرغائب، أن يدع في باقي لياليه صلاة الليل ، ومن لم يدع ذلك لم يكن مخصصاً ليلة الجمعة بالقيام ، وهذا واضح -والله أعلم-. فقد وضح بما بيناه وأصلناه أن صلاة الرغائب غير ملتحقة بالبدع المنكرة!! وأن الحوادث ذوات وجوه مختلفة مشتبهة، فمن لم يميز كان بصدد إلحاق الشيء منها بغير نظير !! – والله تعالى أعلم - . فهذا بيان شاف ، يتضاءل له – إن شاء الله تعالى – خلاف المخالف ، ويتبدل به وصفه إذ لم يعاند ، بوصف الموافق المؤلف ، ولا يبقي له بعده إلا جعجعة لا طائل وراءها ، وقعقعة وابهامات لا يغتر بها إلا شر ذمة فسدت أهواؤها ، وما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وحسبنا الله وحده لا شريك له ونعم الوكيل .ا.هـ . ثم فند العز بن عبد السلام رد ابن صلاح بقوله : (( حمداً لله الذي لا إله إلا هو ، وصلاة على نبيه محمد وآله . فإني لما أنكرت صلاة الرغائب الموضوعة ، وبينت مخالفتها للسنن المشروعة ، من الجهات التي ذكرتها في تعليق ذلك ، انتهض بعض الناس معارضاً لذلك، ساعياً في تحسينها وتقريرها، لإلحاقها بالبدع الحسنة من جهة كونها صلاة ، وإنما أنكرتها لمجموع صفاتها وخصائصها ، التي بعضها يقتضي التحريم ، وبعضها يقتضي مخالفتها للسنن ، فأخذ يشنع على أني منعت الناس من عبادة ، وأنا لم أنكر ذلك لكونها عبادة ، وإنما أنكرتها لصفاتها ، ناهياً عما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتدياً بما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلوات في الأوقات المكروهات ، فإنه لم ينه عن ذلك لمجرد كونها صلاة ، وخشوعاً، وذكراً ، وتلاوة؟ وإنما نهى عنها لأمر تختص به ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم بن الحجاج (( أنه نهى عن اختصاص ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي )) . وقد شرط واضح هذه البدعة فيها ، أن توقع في الليلة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اختصاصها بالقيام )) . فويل لمن جعل ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة إلى الله تعالى . ثم قال : اعتادها الناس في ليلة شريفة لا شك في تفضيلها. فجعل اعتياد من لا علم له حجة في فعل بدعة منهي عنها، وإنما يفعلها عوام الناس،ومن لم يرسخ قدمه في علم الشريعة، ثم أخطأ في القطع بتفضيلها ،فإنه أراد بكونها ليلة جمعة واقعة في رجب، فمتى ثبت تفضيل هذه الليلة على سواها ؟ وإن أراد مجرد كونها ليلة جمعة فقد أخطأ بإيهامه أنها مقيدة برجب!! وأخطأ أيضاً في تعبيره عن المبالغة في نصرة الدين وإماتة البدع، بلفظ السرف والغلو . وأما المثل الذي ذكره في قوله تعالى{ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّ}إلى قوله تعالى{ كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} . فذلك تحريف لكتاب الله تعالى ، ووضع له في غير مواضعه ، فإن الآية نزلت في إنكار أبي جهل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة المأمور بها ، وإنكار صلاة الرغائب إنكار لصلاة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ، فإذن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم – على مقتضى قوله – قد نهى عبداً إذا صلى فيما نحن فيه، وفي نهيه عن الصلوات في الأوقات المكروهات . وكذلك حرف في قوله تعالى :{ كَلَّا لا تُطِعْهُ.......} الآية ، لأن الناهي عن هذه الصلاة ونظائرها هو الرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيكون على تأويله قد أمرنا الله أن لا نطيع رسوله صلى الله عليه وسلم فيما نهى عنه من الصلوات . وذكر أنه استخار الله تعالى في ذلك ، وقد ظهر أنه لم يخر له ، لأنه لو خار له لأفهمه الحق وألهمه الصواب. ثم اعترف أنها بدعة موضوعة، فنحتج عليه إذاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)). وقد استثنين البدع الحسنة من ذلك ، وهي كل بدعة لا تخالف السنن ، بل توافقها، فيبقى ما عداها على عموم قول صلى الله عليه وسلم: ((وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة )). وليست صلاة الرغائب في معنى ما استثنى حتى تلحق بها قياساً . وأما استدلاله بقوله صلى الله عليه وسلم قال : (( الصلاة نور )) . وبقوله صلى الله عليه وسلم قال : ((واعملوا أن خير أعمالكم الصلاة )) . فلا يصح ، لأن ذلك مخصوص بالإجماع بكل صلاة لم يتوجه إليها نهي ، وأما ما نهى عنه الشرع فليس بنور ، بل هو ظلمة ، وليس بخير الأعمال إذ لا خير في مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نور في معصية{ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} . (( ورب حامل فقه ليس بفقيه )) . وأما استلالاً بما أخرجه الترمذي تعليقاً من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: ((من صلى بعد المغرب عشرين ركعة بني الله له بيتاً في الجنة)) . فإن كان عالماً بأن المعلق لا حجة فيه فكيف يستدل بما لا حجة فيه ، وإن ظن أن مثله حجة ، فمذهبه الذي ينتمي إليه ويعتمد عليه لا يقتضي ذلك ، مع أن هذا الحديث قد أسنده ابن ماجه في سننه ، وفي إسناده يعقوب بن الوليد المديني وهو كذاب وضاع على ما ذكره أحمد بن حنبل وغيره من أئمة الحديث . فوا عجباً لمن يترك ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الحديث الذي لا وزن له . وأما إدراجه صلاة الرغائب في هذا الحديث فلا يستقيم ، لأن هذا الحديث- لو صح-لم تندرج فيه هذه الصلاة ، فإنه خرج مخرج الترغيب ، والترغيب مقيد بعشرين ركعة فلا يتحقق فيما دونها . وأما ما ذكره من إحداث الصلوات التي توقع على أوصاف خاصة ، فجوابه أن الأوصاف ضربان : أحدهما : ما يقتضي الكراهة كصفة صلاة الرغائب ، فتلك بدعة مكروهة . الثاني : مالا يقتضي الكراهة فيكون من البدع الحسنة ، والمثال الذي ذكرناه مندرج في هذا الضرب . وأما قوله في هذا المثال : لو وضع لهذه الصلاة حديثاً لأنكرناه ولم ننكر الصلاة ، فكذلك الأمر في صلاة الرغائب من غير فرق . فجوابه : أن الفرق من وجوه : أحدها : أن صلاة الرغائب بخصوصياتها توهم العامة أنها سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو الواقع ، بخلاف الصلاة في المثال المذكور . الثاني :أن تعاطي صلاة الرغائب يوقع العامة في أن يكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينسبوه إلى أنه سنها بخصوصياتها ، فيكون متعاطيها منتسباً إلى الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف الصلاة التي مثل بها . الثالث : أن تعاطي صلاة الرغائب مما يغري الواضعين بالوضع ، لنفاق كذبهم وعمومه ، بخلاف ما مثل به. الرابع : أن تعاطيها بخصوصها يتضمن سنن كثيرة بخلاف ما مثل به . الخامس : أن صلاة الرغائب في حق من يعتقد أنها سنة راتبة يجب تخريج صحتها على الخلاف ، فيمن وصف الصلاة في نيته بصفة فاختلفت ، ولا خلاف في صحة الصلاة في المثال المضروب . ثم قد ناهض حكمه بأنها من البدع الحسنة بقوله : إن الصفة الزائدة إذا كانت منكرة يردها شيء من أصول الشريعة ، فهي من البدع المذمومة ، والحوادث المردودة ، وتعاطي صلاة الرغائب كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان الحال ،وتسبب إلى الكذب عليه ،وإغراء للواضعين بالوضع ،وكل ذلك مما ترده أصول الشريعة . وأما نسبته المنكر لصلاة الرغائب إلى أنه أنكر تكرار السور ، فلم ينكر تكرار السور ، وإنما أنكر شغل القلب عن الخشوع بعدها . وأما قوله : فليس ذلك من المكروه المنكر ، فقد ورد نحو ذلك . فجوابه : أنه إن أراد بما ورد تسبيحات الركوع والسجود ، وتكبيرات العيد فالفرق من وجهين : أحدهما : أن ذلك عدد قليل يتأتى تعاطيه مع ملاحظة الخشوع . والثاني : أن ذلك العدد مما ثبتت شرعيته في الصلاة ، فإن كان الخشوع لا يتأتى معه وجب تقديمه على الخشوع ، فقدمنا أحد مأموري الشرع على الآخر بخلاف العد في صلاة الرغائب فإنه طويل غير مشروع ، فإذا تعاطاه المصلى كان تاركاً للخشوع المشروع بأمر غير مشروع . وأما ما ورد في بعض الأحاديث من تكرار سورة الإخلاص، فإن لم يصح هذا الحديث فلا حجة فيه ، وإن صح فإن دل على الجواز فنحن لا ننكر الجواز ، وإن دل على الاستحباب فإن لم يتأتى معه الخشوع ، كان الشرع مقدماً له على الخشوع ، وإن تأتى معه الخشوع صار كتسبيحات الركوع .
وإذ لم يدل على الاستحباب كان مكروهاً ، لما فيه من تفويت مقصود الصلاة ، وإعراض القلب عن الله تعالى ، مع أن مجرد التكرار لا يشعر بالتعديد فكم من مكرر غير معدد فإن كان قد عبر عن التعديد بالتكرير فسوء عبارة تنبيء عن المقصود . وأما تأويله كراهة بعض أئمة الحديث لذلك بأنه محمول على ترك الأولى ، فمخالفة للظاهر بغير دليل ، فإن الكراهة ظاهرة في المنهي الذي لا إثم في فعله بغلبة الاستعمال ، فحملها على ترك الأولى تأويل بغير دليل. وأما قوله في السجدتين عند من يرى كراهتها :أن سبيله أن يتركهما فحسب.فهذا لا يستقيم ،لأن الإنكار إنما وقع على صلاة الرغائب بخصائصها وتوابعها ، ولواحقها ، ولا يلزم من إنكار المركب بعض أجزائه . وأما حرص هذا المسكين على إبقائها ، أو إبقاء بدلها فذلك حرص منه على مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم فيها ، أو في بدلها ، إذا نهى صلى الله عليه وسلم عن تخصيص ليلة الجمعة بقيام ، كأنه يقول: إن لم يأت بصلاة الرغائب المكروهة من وجوه ، فليأت بمكروه آخر ، يقوم مقامها ، حتى لا يخلو من مخالفة الرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! . وأما نسبته المنكر إلى أنه أنكر تقييدها بعدد خاص !! فهذا افتراء وتقول . وأما نقله عن جماعة من العلماء أنهم أجازوا عدّ الآيات، فنحن لا ننكر الجواز، ولا يصلح استشهاده بصلاة التسبيح إذ لم تثبت عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم،فلا تسقط الخشوع الذي ثبت في الشرع أنه من سنن الصلاة،بما لم يثبت من ملاحظة العدد. وأما قوله : يجوز الاقتداء في نوافل الصلوات . فنحن ما منعنا الجواز، وإنما قلنا السنة فيها الانفراد، إلا ما استثني مع أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، ولم يجعله شعاراً متكرراً وأما استشهاده باقتداء ابن عباس – رضي الله عنهما – برسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل فلا يصح ، لأن التهجد كان واجباً على الرسول الله صلى الله عليه وسلم ، عند الشافعي – رحمه الله – فلم يقع الاقتداء في نفل ، وأما ما روي أنه قام يصلي متطوعاً ، فذاك ظن من الراوي . [ قلت : بل هو يقين ، جزم به راويه وهو ابن عباس- رضي الله عنهما-وساقه كما ساق سائر الحديث ، جازماً به . ويجاب عن ذلك : بأن فعل الصلوات فرضاً كانت أو نفلاً ، فذا أو جماعة موقوف على بيان صاحب الشريعة صلوات الله وسلامه عليه ، قال-عليه السلام-(( صلوا كما رأيتموني أصلي )) ، والتجميع في النوافل جائز عند العلماء من غير مدوامة على ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أم في النافلة في بيته وبيت غيره ولم يفعل ذلك في المساجد ولا في المواضع المشهورة ، إلا ما ورد عنه في صلاة التراويح ، فلا يتعدى ما شرعه عليه الصلاة والسلام إلا بدليل . ولم يثبت في صلاة الرغائب دليل حتى يقاس على النوافل المشروعة ، وإذا بطلت في نفسها فكيف تقاس على ما هو مشروع ؟!] . وأما حديث أنس وعتبان بن مالك-رضي الله عنهما- فالفرق بينها وبين صلاة الرغائب أن الاقتداء في صلاة الرغائب ، يوهم العامة أنها سنة ، وشعار في الدين ، بخلاف ما وقع في حديث أنس وعتبان – رضي الله عنهما – فإنه نادر فلا يوهم العامة أنه من السنة ، بل يوهم الجواز وذلك متفق عليه . وأما نسبته المنكر إلى أنه قال :إن هذه الصلاة صارت شعاراً ظاهراً حادثاً في الدين ، فهذا تقول منه وافتراء. وأما تشبيهه هذه الصلاة بما أحدثه الفقهاء في تدوين أصول الفقه ، وفروعه والكلام على مآخذه ، ودقائقه ، وحقائقه . فلا يصح ، لأنا قد بينا أن الصلاة الرغائب منهي عنها من الوجوه المذكورة ، فكيف يقاس ما صح النهي عنه في السنة ، على ما وقع الإجماع على الأمر به ؟! . وأما قوله : وقد احتج المنازغ بأشياء أخر لا تساوي الذكر ، فالعجز عن الجواب عنها أوجب ذلك ، وإنما إيهام للعامة أنه ترك الجواب مع القدرة عليه ، وإما لشذوذ ذلك عن فهمه. وكم من عائب قولا صحيحاً وآفته من الفهم السقيم وأما جوابه على ذلك بأن يقال لمنكر هذه الصلاة : صلها واجتنب ما فيها مما زعمت أنه محذور ، فلا يصح ، لأن الإنكار إنما وقع على صلاة الرغائب بخصائصها ، ولو تركت خصائصها لخرجت عن أن تكون صلاة الرغائب المنكرة . وأما ما ذكره على الحديث الصحيح في النهي عن تخصيص ليلة الجمعة بالقيام ، وقوله ، إن ذلك لا يطرد في حق من يقومها، ويقوم غيرها . فلا يصح لأنه سوغ صلاة الرغائب على الإطلاق لمن خصص ، ولمن لم يخصص ، ونحن نقول: وقعت كراهتها من وجوه ، إذا فقد بعضها استقل الباقي بالنهي والكراهة . وأما قوله : إن الحوادث ذوات وجوه مشتبهة فمن لم يميز كان بصدد إلحاق الشيء منها بغير نظيره . فهذه شهادة منه على نفسه بعدم التمييز . وأما تفاصحة بذكر الجعجعة والقعقعة ، فلا يخفى ما فيه من التكلف والركاكة ، ومن اتبع هواه أراده . ثم إني ظفرت للمذكور بفتيين قد أجاب فيهما قبل ذلك بما يوافق ، وإن كان قد أخطأ في أمور لا تتعلق بما نحن فيه . صورة أحدهما : بسم الله الرحمن الرحيم . ما تقول السادة الفقهاء الأئمة-رضي الله عنهم- في الصلاة المدعوة بصلاة الرغائب ، هل هي بدعة في الجماعات أم لا ؟ وهل ورد فيها حديث صحيح أم لا ؟ أفتونا مأجورين . وجوابه : اللهم وفق وارحم . حديثها موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بدعة حدثت بعد أربعمائة من الهجرة ، ظهرت بالشام ، وانتشرت في سائر البلاد ، ولا بأس أن يصليها الإنسان ، بناء على أن الإحياء فيما بين العشائين مستحب كل ليلة ، ولا بأس بأن يصليها الإنسان مطلقاً . أما أن تتخذ الجماعة فيها سنة ، وتتخذ هذه الصلاة من شعائر الدين الظاهرة فهذا من البدع المنكرة ، ولكن ما أسرع الناس إلى البدع ، والله أعلم وكتب ابن الصلاح .ا.هـ . وقال ابن عبد السلام - : ولا يخفى ما في هذا الجواب من موافقة الصواب ، ولا ما فيه من الاختلال . والصورة الثانية : بسم الله الرحمن الرحيم . ما تقول السادة الفقهاء أئمة الدين-رضي الله عنهم- فيمن ينكر على من يصلي في ليلة الرغائب ونصف شعبان ، ويقول : أن الزيت الذي يشغل فيها حرام وتفريط ، ويقول : أن ذلك بدعة ومالهما فضل ولا ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيهما فضل ولا شرف فهل هو على الصواب أو على الخطأ ؟ أفتونا-رضي الله عنكم-. وجوابه : اللهم وفق وارحم . أما الصلاة المعروفة في ليلة الرغائب فهي بدعة ، وحديثها المروي موضوع ، وما حدثت إلا بعد أربعمائة سنة من الهجرة ، وليس لليلتها تفضيل على أشباهها من ليالي الجمع . وأما ليلة النصف من شعبان فلها فضيلة ، وإحياؤها بالعبادة مستحب، ولكن على الانفراد من غير جماعة ، واتحاد الناس لها ولليلة الرغائب موسماً وشعاراً بدعة منكرة ، وما يزيدونه فيهما عن الحاجة والعادة من الوقيد ونحوه ، فغير موافق للشريعة ، والألفية التي تصلى في ليلة النصف لا أصل لها ولأشباهها . ومن العجب حرص الناس على المبتدع في هاتين الليلتين ، وتقصيرهم في المؤكدات الثانية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله المستعان وهو يعلم . كتب ابن الصلاح . قال ابن عبد السلام : ( فأظهر الله تعالى ما الرجل منطو عليه ، ومصغ إليه ) . نسأل الله عز وجل أن يعصمنا من أمثال ذلك ، وأن يعافيه مما ابتلاه به ، فمثله فليرحم، وحسبنا الله ونعم الوكيل . والحمد لله وحده ، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه ،وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .ا.هـ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : ( وأما صلاة الرغائب فلا أصل لها ، بل هي محدثة ، فلا تستحب لا جماعة ولا فراداى ، فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تختص ليلة الجمعة بقيام ، أو يوم الجمعة بصيام. والأثر الذي ذكر فيها كذب موضوع باتفاق العلماء ، ولم يذكره أحد من السلف والأئمة أصلاً ) .ا.هـ . وقال أيضاً : ( صلاة الرغائب بدعة باتفاق أئمة الدين ، لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه، ولا استحبها أحد من أئمة الدين كمالك ، والشافعي ، وأحمد ، وأبي حنيفة ،-رحمهم الله- والثوري ، والأوزاعي، والليث وغيرهم ، والحديث المروي فيها كذب بإجماع أهل المعرفة بالحديث ) .ا.هـ . وسئل عن صلاة الرغائب : هل هي مستحبة أم لا ؟ فأجاب : ( هذه الصلاة لم يصلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه ، ولا التابعين ، ولا أئمة المسلمين ، ولا رغب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من السلف، ولا الأئمة، ولا ذكروا لهذه الليلة فضيلة تخصها، والحديث المروي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بذلك ، ولهذا قال المحققون : إنها مكروهة غير مستحبة والله أعلم ) .ا.هـ . وسئل النووي – رحمه الله – عن صلاة الرغائب ، وصلاة نصف شعبان هل لهما أصل ؟ فأجاب : الحمد لله ، هاتان الصلاتان لم يصلهما النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه – رضي الله عنهم – ولا أحد من الأئمة الأربعة المذكورين – رحمهم الله - ، ولا أشار أحد منهم بصلاتهما ، ولم يفعلهما أحد ممن يقتدي به ، ولم يصح عن النبي منها شيء ولا عن أحد يقتدي به ، وإنما أحدثت في الأعصار المتأخرة وصلاتهما من البدع المنكرات ، والحوادث الباطلات ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( إياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ضلالة )) . وفي الصحيحين عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد)) . وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) . وينبغي لكل أحد أن يمتنع عن هذه الصلاة ، ويحذر منها ، وينفر عنها ويقبح فعلها ، ويشيع النهي عنها ، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)) . وعلى العلماء التحذير منها ، والإعراض عنها أكثر مما على غيرهم ، لأنه يقتدى بهم . ولا يغترن أحد بكونها شائعة يفعلها العوام وشبههم ، فإن الاقتداء إنما يكون برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما أمر به لا بما نهى عنه ، وحذَّر منه ...... أعاذنا الله من المبتدعات ، وحمانا من ارتكاب المخالفات .-والله أعلم - ا.هـ .
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الثلاثاء 15 مارس 2011, 8:25 pm | |
| وسئل النووي أيضاً عن صلاة الرغائب هل هي سنة أم بدعة ؟. فأجاب : (( هي بدعة قبيحة منكرة أشد إنكار ، مشتملة على منكرات فيتعين تركها والإعراض عنها ، وإنكارها على فاعلها، وعلى ولي الأمر- وفقه الله تعالى- منع الناس من فعلها: فإنه ، راع ، وكل راع مسئول عن رعيته . وقد صنف العلماء كتباً في إنكارها وذمها ، وتسفيه فاعلها ، ولا يغتر بكثرة الفاعلين لها في كثير من البلدان ، ولا بكونها مذكورة في قوت القلوب وإحياء علوم الدين ونحوهما ، فإنها بدعة باطلة ، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد )) ثم ذكر بعض الأحاديث الواردة في الفتوى السابقة ..... وقد أمر الله تعالى عند التنازع بالرجوع إلى كتابه فقال : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } . ولم يأمر باتباع الجاهلين ، ولا بالاغترار بغلطات المخطئين - والله أعلم - ا.هـ . وقال ابن قيم الجوزية ( وكذلك أحاديث صلاة الرغائب ليلة أول جمعة من رجب كلها كذب مختلق على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .ا .هـ . فمما تقدم يتضح للقارئ الكريم أن الصلاة تكون في أول جمعة من رجب ، والتي تسمى الرغائب ، بدعة منكرة ، لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد من خلفائه ، ولم يستحبها صحابته والتابعون ، والأئمة المشهورون ، مع أنهم أحرص الناس على الخير ، وفضائل الأعمال ، وهذا الحكم صدر عن جملة من العلماء المتفق على جلالة قدرهم وسعة علمهم ، وكذلك الحديث الوارد فيها فإنه موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم باتفاق أئمة الحديث ، فلم يبق لمدعي فضيلتها من حجة – والله أعلم - .
**********************************
المبحث الخامس بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج الاحتفال بالإسراء والمعراج من الأمور البدعية، التي نسبها الجهال إلى الشرع ، وجعلوا ذلك سنة تقام في كل سنة، وذلك في ليلة سبع وعشرين من رجب ، وتفننوا في ذلك بما يأتونه في هذه الليلة من المنكرات وأحدثوا فيها من أنواع البدع ضروباً كثيرة ، كالاجتماع في المساجد ،وإيقاد الشموع والمصابيح فيها ، وعلى المنارات ، والإسراف في ذلك ، واجتماعهم للذكر والقراءة ، وتلاوة قصة المعراج المنسوبة إلى ابن عباس ، والتي كلها أباطيل وأضاليل ، ولم يصح منها إلا أحرف قليلة ، وكذلك قصة ابن السلطان الرجل المسرف الذي لا يصلي إلا في رجب ، فلما مات ظهرت عليه علامات الصلاح ، فسئل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( إنه كان يجتهد ويدعو في رجب )) . وهذه قصة مكذوبة مفتراه ، تحرم قراءتها وروايتها إلا للبيان . وكذلك ما يفرشونه من البسط والسجادات وغيرهما ، ومنها أطباق النحاس فيها الكيزان والأباريق وغيرهما ، كأن بيت الله تعالى بيتهم ، والجامع إنما جعل للعبادة ،لا للفراش والرقاد والأكل والشرب ،وكذلك اجتماعهم في حلقات ، كل حلقة لها كبير يقتدون به في الذكر والقراءة ، وليت ذلك لو كان ذكراًَ أو قراءة ،لكنهم يلعبون في دين الله تعالى ، فالذاكر منهم في الغالب لا يقول (( لا إله إلا الله )) بل يقول :لا يلاه يلله. فيجعلون عوض الهمزة ياء وهي ألف قطع جعلوها وصلاً ، وإذا قالوا سبحان الله يمطونها ويرجعونها ، حتى لا تكاد تفهم، والقارئ يقرأ القرآن فيزيد فيه ما ليس فيه، وينقص منه ما هو فيه، بحسب تلك النغمات، والترجيعات التي تشبه الغناء الذي اصطلحوا عليه على ما قد علم من أحوالهم الذميمة . ثم في تلك الليلة من الأمر العظيم أن القارئ يبتدئ بقراءة القرآن والآخر ينشد الشعر، أو يريد أن ينشده ، فيسكتون القارئ، أو يهمون بذلك ، أو يتركون هذا في شعره ، وهذا في قراءته، لأجل تشوف بعضهم لسماع الشعر وتلك النغمات الموضوعة أكثر . فهذه الأحوال من اللعب في الدين ، أن لو كان خارج المسجد منعت ، فكيف بها في المسجد ؟! . ثم إنهم لم يقتصروا على ذلك ، بل ضموا إليه اجتماع النساء والرجال في الجامع ، مختلطين بالليل ، وخروج النساء من بيوتهن على ما يعلم من الزينة والكسوة والتحلي . وعندما يحتاج بعضهم إلى قضاء الحاجة فإنه يفعل ذلك في مؤخر الجامع ، وبعض النساء يستحين أن يخرجن لقضاء حاجتهن فيدور عليهن إنسان بوعاء فيبلن فيه، ويعطينه على ذلك شيئاً، ويخرجه من المسجد ، ثم يعود كذلك مراراً ، والبول في المسجد في وعاء حرام ، مع ما فيه من القبح والشناعة . وبعضهم يخرج إلى السكك القريبة من المسجد فيفعلون ذلك فيها ، ثم يأتي الناس إلى صلاة الصبح، فيمشون إلى الجامع فتصيب أقدامهم النجاسة أو نعالهم، ويدخلون بها المسجد فيلوثونه، ودخول النجاسة في المسجد فيها ما فيها من عظيم الإثم ، وقد ورد في النخامة في المسجد أنها خطيئة، هذا وهي طاهرة باتفاق ، فكيف بالنجاسة المجمع عليها. إلى غير ذلك من الأمور العظيمة التي ترتكب باسم الدين ، ودعوى تعظيم بعض الأمور التي يزعمون أن تعظيمها دليل محبة للرسول صلى الله عليه وسلم . وهذه الاحتفالات في ليلة سبع وعشرين من رجب ، والتي يزعمون أنها ليلة الإسراء والمعراج باطلة من أساسها ، لأنه لم يثبت أنه أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة بالذات . قال ابن قيم الجوزية وأما السؤال الثاني ، فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – عن رجل قال : ليلة الإسراء أفضل من ليلة القدر ، وقال آخر : بل ليلة القدر أفضل فأيهما المصيب ؟ . فأجابه : الحمد لله ، أما القائل بأن ليلة الإسراء أفضل من ليلة القدر ، فإن أراد أن تكون الليلة التي أسري فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم ونظائرها من كل عام، أفضل لأمة محمد صلى الله عليه وسلم من ليلة القدر، بحيث يكون قيامها ، والدعاء فيها أفضل منه في ليلة القدر فهذا باطل، لم يقله أحد من المسلمين، وهو معلوم الفساد بالاطراد من دين الإسلام، هذا إذا كانت ليلة الإسراء تعرف عينها ، فكيف ولم يقم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عشرها ، ولا على عينها، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة ، ليس فيها ما يقطع به ، ولا شرع للمسلمين تخصيص الليلة التي يظن أنها ليلة الإسراء بقيام ولا غيره ، بخلاف ليلة القدر ) .ا.هـ. فقد اختلف العلماء في تحديد الليلة التي أسري فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم . قال ابن حجر العسقلاني : ( وقد اختلف في وقت المعراج فقيل : كان قبل المبعث ، وهو شاذ ، إلا إن حمل على أنه وقع حينئذ في المنام ) . وذهب الأكثر إلى أنه كان بعد المبعث ، ثم اختلفوا : فقيل : قبل الهجرة بسنة.قال ابن سعد وغيره .وبه جزم النووي ، وبالغ ابن حزم فنقل الإجماع فيه-فيكون في شهر ربيع الأول-. وهو مردود ، فإن في ذلك اختلافاً كثيراً ، يزيد على عشرة أقوال منها ما حكاه ابن الجوزي أنه كان قبلها بثمانية أشهر- فيكون في رجب-، وقيل بستة أشهر- فيكون في رمضان- وحكي هذا الثاني أبو الربيع بن سالم ، وحكي ابن حزم مقتضى الذي قبله ، لأنه قال : كان في رجب سنة اثنتي عشرة من النبوة ، وقيل : بأحد عشر شهراً، جزم به إبراهيم الحربي حيث قال: كان في ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة ، ورجحة ابن المنير في شرح السيرة لابن عبد البر وقيل: قبل الهجرة بسنة وشهرين، حكماه ابن عبد البر . وقيل : بسنة وثلاثة أشهر حكاه ابن فارس . وقيل : بسنة وخمسة أشهر قاله السدي ، وأخرجه من طريقة الطبري والبيهقي،فعلى هذا كان في شوال،أو في رمضان على إلغاء الكسرين منه ومن ربيع الأول،و به جزم الواقدي،وعلى ظاهره ينطبق ما ذكره ابن قتيبة. وحكاه ابن عبد البر أنه كان قبلها بثمانية عشر شهراً . وعند ابن سعد عن ابن أبي سبرة أنه كان في رمضان ، قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً . وقيل كان في رجب حكاه ابن عبد البر ، وجزم به النووي في الروضة . وقيل قبل الهجرة بثلاث سنين حكاه ابن الأثير . وحكي عياض وتبعه القرطبي والنووي عن الزهري أنه كان قبل الهجرة بخمس سنين ،ورجحه عياض ومن تبعه ) .ا.هـ . فما تقدم من أقوال العلماء، وما ذكروه في ليلة الإسراء والمعراج من الخلاف، مصداق قول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-أنه لم يقم دليل معلوم لا على شهرها ، ولا على عشرها ، ولا على عينها ، بل النقول منقطعة مختلفة ، ليس فيها ما يقطع به . قال ابن رجب : (وقد روي أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة ، ولم يصح شيء من ذلك ، فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في أول ليلة منه، وأنه بعث في السابع والعشرين منه ، وقيل: في الخامس والعشرين، ولا يصح شيء من ذلك) .ا.هـ. وقال أبو شامة : ( وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب ، وذلك عند أهل التعديل والجرح عين الكذب ) .ا.هـ . حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج : أجمع السلف الصلح على أن اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية من البدع المحدثة التي نهى عنها صلى الله عليه وسلم (( إياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة )) بقوله صلى الله عليه وسلم (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )). بقوله صلى الله عليه وسلم: (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) . فالاحتفال بليلة الإسراء والمعراج بدعة محدثة لم يفعلها الصحابة والتابعون ، ومن تبعهم من السلف الصالح ، وهم أحرص الناس على الخير والعمل الصالح . قال ابن قيم الجوزية : (( قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : ولا يعرف عن أحد من المسلمين أن جعل لليلة الإسراء فضيلة على غيرها ، لاسيما على ليلة القدر ، ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور ولا يذكرونها ، ولهذا لا يعرف أي ليلة كانت )) . وإن كان الإسراء من أعظم فضائله صلى الله عليه وسلم ومع هذا فلم يشرع تخصيص ذلك الزمان ، ولا ذلك المكان ، بعبادة شرعية، بل غار حراء الذي ابتديء فيه بنزول الوحي، وكان يتحراه قبل النبوة،لم يقصده هو ولا أحد من الصحابة بعد النبوة مدة مقامه بمكة، ولا خصَّ اليوم الذي أنزل فيه الوحي بعبادة ولا غيرها، ولا خص المكان الذي ابتديء فيه بالوحي ولا الزمان بشيء. ومن خص الأمكنة والأزمنة من عنده بعبادات لأجل هذا وأمثاله، كان من جنس أهل الكتاب الذين جعلوا زمان أحوال المسيح مواسم وعبادات كيوم الميلاد ، ويوم التعميد ، وغير ذلك من أحواله . وقد رأى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- جماعة يتبادرون مكاناً يصلون فيه فقال : ما هذا؟ قالوا : مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد ؟! إنما هلك من كان قبلكم بهذا ، فمن أدركته فيه الصلاة فليصل وإلا فليمض .ا.هـ . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:((وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال أنها ليلة المولد ، أو بعض ليالي رجب ، أو ثامن عشر ذي الحجة ، أو أول جمعة من رجب ، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار ، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها ، والله سبحانه وتعالى أعلم .ا.هـ . وقال ابن الحاج :((ومن البدع التي أحدثوها فيه أعني في شهر رجب ليلة السابع والعشرين منه التي هي ليلة المعراج..... .ا.هـ . ثم ذكر كثيراً من البدع التي أحدثوها في تلك الليلة من الاجتماع في المساجد ، والاختلاط بين النساء والرجال ، وزيادة وقود القناديل فيه ، والخلط بين قراءة القرآن وقراءة الأشعار بألحان مختلفة ، وذكر الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج ضمن المواسم التي نسبوها إلى الشرع وليست منه . وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ-رحمه الله-(( في رده على دعوة وجهت لرابطة العالم الإسلام لحضور أحد الاحتفالات بذكري الإسراء والمعراج ، بعد أن سئل عن ذلك : هذا ليس بمشروع ، لدلالة الكتاب والسنة والاستصحاب والعقل : أما الكتاب : فقد قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} .قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} . والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه،والرد إلى الرسول هو الرجوع إليه في حياته،وإلى سنته بعد موته.قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} قال تعالى:{لْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وأما السنة : فالأول : ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة- رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)).وفي رواية لمسلم:(( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) . الثاني : روى الترمذي وصححه ، وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن العرباض بن سارية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)). الثالث:روى الإمام أحمد والبزار عن غضيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة)) إلا أنه قال : ((ما من أمة ابتدعت بعد نبيها بدعة إلا أضاعت مثلها من السنة )) . الرابع : روى ابن ماجه وابن أبي عاصم عن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( أبي الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته)) .ورواه الطبراني إلا أنه قال:((إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته )) . وأما الاستصحاب : فهو هنا استصحاب العدم الأصلي . وتقرير ذلك أن العبادات توقيفية ، فلا يقال : هذه العبادة مشروعة إلا بدليل من الكتاب والسنة والإجماع ، ولا يقال : إن هذا جائز من باب المصلحة المرسلة ، أو الاستحسان ، أو القياس ، أو الاجتهاد ، لأن باب العقائد والعبادات والمقدرات كالمواريث والحدود لا مجال لذلك فيها . وأما المعقول : فتقريره أن يقال : لو كان هذا مشروعاً لكان أولى الناس بفعله محمد صلى الله عليه وسلم . هذا إذا كان التعظيم من أجل الإسراء والمعراج، وإن كان من أجل الرسول الله صلى الله عليه وسلم وإحياء ذكره كما يفعل في مولده صلى الله عليه وسلم فأولى الناس به أبو بكر- رضي الله عنه- ثم عمر ثم عثمان ثم علي -رضي الله عنهم- ثم من بعدهم الصحابة على قدر منازلهم عند الله ، ثم التابعون ومن بعدهم من أئمة الدين ، ولم يعرف عن أحد منهم شيء من ذلك فيسعنا ما وسعهم ) ا.هـ . ثم ساق – رحمه الله – كلام ابن النحاس في كتابه تنبيه الغافلين حول بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج ، جاء فيه : ( أن الاحتفال بهذه الليلة بدعة عظيمة في الدين ، ومحدثات أحدثها إخوان الشياطين ) . وذكر الشيخ محمد بن إبراهيم في فتوى أخرى : (أن الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج أمر باطل، وشيء مبتدع، وهو تشبه باليهود والنصارى في تعظيم أيام لم يعظمها الشرع ، وصاحب المقام الأسمى رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي شرع الشرائع ، وهو الذي وضع ما يحل وما يحرم ثم إن خلفاءه الراشدين ، وأئمة الهدى من الصحابة والتابعين لم يعرف عن أحد منهم أنه احتفل بهذه الذكرى،ثم قال:المقصود أن الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج بدعة،فلا يجوز ولا يجوز المشاركة فيه) ا.هـ وأفتى-رحمه الله-:(بأن من نذر أن يذبح ذبيحة في اليوم السابع والعشرين من رجب من كل سنة فنذره لا ينعقد لاشتماله على معصية ، وهي أن شهر رجب معظم عند أهل الجاهلية ، وليلة السابع والعشرين منه يعتقد بعض الناس أنها ليلة الإسراء والمعراج، فجعلوها عيداً يجتمعون فيه ، ويعملون أموراً بدعية ، وقد نهى الرسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوفاء بالنذر في المكان الذي يفعل فيه أهل الجاهلية أعيادهم ، أو يذبح فيه لغير الله فقال صلى الله عليه وسلم للذي نذر أن ينحر إبلاً ببوانة : (( هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟ قالوا : لا. قال : فهل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ قالوا : لا . فقال صلى الله عليه وسلم : أوف بنذرك ، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ، ولا فيما لا يملك ابن آدم )) . وقال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز-رحمه الله -: (وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج، لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها ، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها ، ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه – رضي الله عنهم – لم يحتفلوا بها ، ولم يخصوها بشيء ، ولو كان الاحتفال بها أمراً مشروعاً لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة إما بالقول أو الفعل ، ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر ، ولنقله الصحابة – رضي الله عنهم – إلينا فقد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم كل شيء تحتاجه الأمة ، ولم يفرطوا في شيء من الدين ، بل هم السابقون إلى كل خير ، فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعاً لكانوا أسبق الناس إليه ، والنبي صلى الله عليه وسلم هو أنصح الناس للناس، وقد بلغ الرسالة غاية البلاغ ، وأدى الأمانة ، فلو كان تعظيم هذه الليلة والاحتفال بها من دين الإسلام لم يغفله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكتمه ، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أن الاحتفال بها وتعظيمها ليسا من الإسلام في شيء، وقد أكمل الله لهذه الأمة دينها ، وأتم عليها النعمة ، وأنكر على من شرع في الدين ما لم يأذن به الله ، قال سبحانه وتعالى في كتابه المبين من سورة المائدة :{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً } ,وقال عز وجل في سورة الشورى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة التحذير من البدع ، والتصريح بأنها ضلالة تنيبها للأمة على عظيم خطرها ، وتنفيراً لهم من اقترافها .ا.هـ . ثم أورد – رحمه الله تعالى – بعض الأحاديث الواردة في ذم البدع مثل قوله صلى الله عليه وسلم ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)). قوله صلى الله عليه وسلم:(( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) . قوله صلى الله عليه وسلم : (( أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة )) وقوله صلى الله عليه وسلم : (( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة )) . فما ذكر من كلام العلماء وما استدلوا به من الآيات والأحاديث فيه الكفاية ، ومقنع لمن يطلب الحق في إنكار هذه البدعة، هي بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج ، وأنها ليست من دين الإسلام في شيء ، وإنما هي زيادة في الدين ، وشرع لم يأذن به الله ، وتشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى في زيادتهم في دينهم ، وابتداعهم فيه ما لم يأذن به الله ، وأن لازمها التنقص للدين الإسلامي ، واتهامه بعدم الكمال ، ولا يخفى ما في ذلك من الفساد العظيم ، والمنكر الشنيع ، والمصادمة لقوله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ، والمخالفة الصريحة لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم المحذرة من البدع ، ومما يؤسف له أن هذه البدعة قد فشت في كثير من الأمصار في العالم الإسلامي ، حتى ظنها بعض الناس من الدين ، فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين جميعاً ، ويمنحهم الفقه في الدين ، ويوفقنا وإياهم للتمسك بالحق ، والثبات عليه ، وترك ما خالفه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبيناً محمد وآله وصحبه أجمعين .
*****************************
الفصل الخامس شهر شعبان المبحث الأول : بعض الآثار الواردة فيه . المبحث الثاني : بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان . المبحث الثالث : بدعة الصلاة الألفية .
المبحث الأول بعض الآثار الواردة فيه 1. عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم ، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان ، وما رايته أكثر صياماً منه في شعبان )) متفق عليه . 2. عن أبي سلمة أن عائشة -رضي الله عنها-حدثته قالت:((لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً أكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كله )) ، وكان يقول : (( خذوا من العمل ما تطيقون ، فإن الله لا يمل حتى تملوا ، وأحب الصلاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما دوام عليه وإن قلت ، وكان إذا صلى صلاة دوام عليها )) متفق عليه . 3. عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأله – أو سأل رجلاً وعمران يسمع -فقال : (( يا فلان أما صمت من سرر هذا الشهر ؟)) . قال : أظنه يعني رمضان ، قال الرجال: لا يا رسول الله . قال : (( فإذا أفطرت فصم يومين )) متفق عليه . 4. عن أبي سلمة قال : سمعت عائشة – رضي الله عنها – تقول : (( كان يكون علي الصوم من رمضان ، فما استطيع أن أقضيه إلا في شعبان )) متفق عليه . 5. عن عبد الله بن أبي قيس أنه سمع عائشة تقول : كان أحب الشهور إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان )) . 6. عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) . 7. عن أبي هريرة – رضي الله عنه –عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((لا يتقدمنَّ أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم )) متفق عليه . 8. عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت:((ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان)) 9. عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال : قلت يا رسول الله لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ قال صلى الله عليه وسلم: (( ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم )) . 10. عن أنس-رضي الله عنه- قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الصوم أفضل بعد رمضان ؟ قال : (( شعبان لتعظيم رمضان ، قال فأي الصدقة أفضل ؟ قال : الصدقة في رمضان )) . 11. عن عائشة -رضي الله عنها- قالت فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فخرجت فإذا هو بالبقيع ، فقال صلى الله عليه وسلم: (( أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله ؟ )) قلت : يا رسول الله ظننت أنك أتيت بعض نسائك ، فقال : (( إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب )) . 12. عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه ، إلا لمشرك أو مشاحن )) . 13. عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إذ كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا ، فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له! ألا مسترزق فأرزقه !ألا مبتلى فأعافيه! ألا كذا ألا كذا،حتى يطلع الفجر)) وقد ورد في فضل شهر شعبان والصلاة فيه أحاديث حكم عليها الحفاظ بأنها موضوعة منها : قوله صلى الله عليه وسلم : (( رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي.......)). وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ((يا علي من صلى مائة ركعة في ليلة النصف من شعبان، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب و ((قل هو الله أحد )) عشر مرات . قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا علي ما من عبد يصلي هذه الصلوات إلا قضى عز وجل له كل حاجة طلبها تلك الليلة .......)) الحديث . وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:((من صلى ليلة النصف من شعبان ثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة((قل هو الله أحد)) ثلاثين مرة ، لم يخرج حتى يرى مقعده من الجنة....)) - والله أعلم . |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الثلاثاء 15 مارس 2011, 8:29 pm | |
| المبحث الثاني بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان روي عن عكرمة -رحمه الله- أنه قال في تفسير قوله تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} : أن هذه الليلة هي ليلة النصف من شعبان ، يبرم فيها أمر السنة ، وينسخ الأحياء من الأموات ، ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم أحد ، ولا ينقص منهم أحد . قال ابن كثير-رحمه الله- في تفسير قوله تعالى :{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} : يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة ، وهي ليلة القدر كما قال عز وجل :{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر} ، وكان ذلك في شهر رمضان كما قال تبارك وتعالى :{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } . وقد ذكرنا الأحاديث الواردة في ذلك في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته . ومن قال إنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة فقد أبعد النجعة ، فإن نص القرآن في رمضان ا.هـ . فللعلماء في قوله تعالى :{ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} قولان : أحدهما : أنها ليلة القدر وهو قول الجمهور . الثاني : أنها ليلة النصف من شعبان ، قاله عكرمة . والراجح -والله أعلم- ما ذهب إليه جمهور العلماء من أن هذه الليلة المبارك هي ليلة القدر ، لا ليلة النصف من شعبان ، لأن الله سبحانه وتعالى أجملها في قوله :{ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}. وبينها في سورة البقرة بقوله:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } وبقوله تعالى:{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر} . فدعوى أنها ليلة النصف من شعبان لاشك أنها دعوى باطلة ، لمخالفتها النص القرآني الصريح ، ولاشك أن كل ما خالف الحق فهو باطل، والأحاديث التي يوردها بعضهم في أنها من شعبان المخالفة لصريح القرآن لا أساس لها، ولا يصح سند شيء منها كما جزم به العربي وغير واحد من المحققين، فالعجب كل العجب من مسلم يخالف نص القرآن الصريح بلا مستند من كتاب ولا سنة صحيحة . قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( في معرض كلامه عن الأوقات الفاضلة التي قد يحدث فيها ما يعتقد أنه له فضيلة وتوابع ذلك، ما يصير منكراً ينهى عنه : ومن هذا الباب ليلة النصف من شعبان فقد روي في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة ، وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة ، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه أحاديث صحيحة . ومن العلماء من السلف من أهل المدينة وغيرهم من الخلف من أنكر فضلها ، وطعن في الأحاديث الواردة فيها كحديث إن الله يغفر لأكثر من عدد غنم كلب ))، وقال لا فرق بينها وبين غيرها . لكن الذي عليه أكثر أهل العلم ، أو أكثرهم من أصحابنا وغيرهم على تفضيلها ، وعليه يدل نص أحمد، لتعدد الأحاديث الواردة فيها ، وما يصدق ذلك من الآثار السلفية، وقد روي بعض فضائلها في المسانيد والسنن وإن كان قد وضع فيها أشياء أخر) ا.هـ وقال الحافظ ابن رجب : (وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادات ، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها ، وقد قيل إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية ، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قبله ووافقهم على تعظيمها، منهم طائفة من عبّاد أهل البصرة وغيرهم ، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم عطاء وابن أبي مليكة ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة ، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم ، وقالوا ذلك كله بدعة . واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين : أحدهما : أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد ، كان خالد بن معدان ، ولقمان بن عامر ، وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتمون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك ، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك ، وقال في قيامها في المساجد : ليس ذلك ببدعة . نقله عنه حرب الكرماني في مسائله . والثاني : أنه قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم ، وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى .ا.هـ . فالحاصل أن جمهور العلماء اتفقوا على كراهة الاجتماع في المساجد ليلة النصف من شعبان للصلاة والدعاء ، فإحياء ليلة النصف من شعبان في المساجد على سبيل المداومة كل سنة ، أو كل فترة بدعة محدثة في الدين. وأما صلاة الإنسان فيها لخاصة نفسه في بيته ، أو في جماعة خاصة فللعلماء فيه قولان : الأول :أن ذلك بدعة وهو قول أكثر علماء الحجاز ومنهم عطاء وابن أبي مليكة، ونقل عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم . الثاني : أنه لا يكره صلاة الإنسان لنفسه في بيته ، أو في جماعة خاصة ،- في ليلة النصف من شعبان - . وهو قول الأوزاعي ، واختيار الحافظ ابن رجب ، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية . والذي يترجح عندي – والله أعلم – ما ذهب إليه أصحاب القول الأول – أن ذلك بدعة - . ويمكن الجواب عن قول أصحاب الثاني – القول بعدم الكراهة – بعدة وجوه منها : الوجه الأول : أنه ليس هناك دليل على فضل هذه الليلة ، ولم يثبت- حسب اطلاعي المحدود- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أحياها ،ولا عن أحد من أصحابه- رضوان الله عليهم -،ولا عن التابعين- رحمة الله عليهم- عدا من اشتهر عنهم تفضيلها وأحياؤها وهم الثلاثة الذين ذكرهم ابن رجب – ولو فعلوه لاستشهد بفعلهم من فضلها وأحياها ، وإنما هو أمر محدث بعدهم ، فهو أمر مبتدع ، وليس له أصل من الكتاب أو السنة أو الإجماع . قال أبو شامة : ( وقال الحافظ أبو الخطاب بن دحية – في كتاب ما جاء في شهر شعبان : قال أهل التعديل والتجريح : ليس في فضل ليلة النصف من شعبان حديث صحيح ) .ا.هـ . وذكر ابن رجب ( أن قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، وثبت فيها عن طائفة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام ) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز : ( وقد ورد في فضلها -ليلة النصف من شعبان- أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها، وأما ما ورد في فضل الصلاة فيها فكله موضوع كما نبه على ذلك كثير من أهل العلم) .ا.هـ. الوجه الثاني : أن الحافظ ابن رجب وهو الذي نقل تفضيل بعض التابعين لهذه الليلة وإحياءهم لها في المساجد ذكر أن مستندهم في ذلك ما بلغهم من آثار إسرائيلية ، ومتى كانت الآثار الإسرائيلية مستنداً ؟!. وذكر أيضاً أن الناس أخذوا عنهم فضلها وتعظيمها فمتى كان عمل التابعي حجة ؟! . الوجه الثالث : أن العلماء المعاصرين للقائلين بفضل ليلة النصف من شعبان قد أنكروا عليهم ذلك ، ولو كان للمفضلين دليل لاحتجوا به على المنكرين عليهم ، ولكن لم ينقل عنهم ذلك ، لاسيما وأن من المنكرين عليهم عطاء بن أبي رباح الذي كانت إليه الفتيا في زمانه . والذي قال فيه ابن عمر -رضي الله عنهما - : تجمعون لي المسائل وفيكم ابن أبي رباح . الوجه الرابع : أن قوله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه ، إلا لمشرك أو مشاحن)) . ليس فيه دليل على تخصيص ليلة النصف من شعبان بفضل من دون الليالي الأخرى، لأنه ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له)) . فاطلاعه سبحانه وتعالى على خلقه ، وغفرانه لهم ، ليس متوقف على ليلة معينة في السنة ، أو ليالي معدودة . الوجه الخامس : أن من اختار القول بأنه لا يكره صلاة الإنسان فيها لخاصة نفسه ، لم يدعم اختياره بالدليل ، ولو كان هناك دليل لذكره ، ومن أنكر ذلك استدل بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) وعموم الأحاديث والآثار الدالة على النهي عن البدع والتحذير منها . قال الشيخ ابن باز-رحمه الله-:( وأما ما اختاره الأوزاعي -رحمه الله- من استحباب قيامها للأفراد ، واختيار الحافظ ابن رجب لهذا القول فهو غريب وضعيف،لأن كل شيء لم يثبت بالأدلة الشرعية كونه مشروعاً لم يجز للمسلم أن يحدثه في دين الله، سواء فعله مفرداً أو في جماعة ، وسواء أسره أو أعلنه لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) . وغيره من الأدلة الدالة على إنكار البدع والتحذير منها ) .ا.هـ . وقال أيضاً بعد أن ذكر جملة من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم حول ما ورد في ليلة النصف من شعبان: ومما تقدم من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم، يتضح لطالب الحق أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها، وتخصيص يومها بالصيام بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم ، وليس له أصل في الشرع المطهر ، بل هو مما حدث في الإسلام بعد عصر الصحابة – رضي الله عنهم - ، ويكفي طالب الحق في هذا الباب وغيره قول الله عز وجل:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} .وما جاء في معناها من الآيات ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) وما جاء في معناه من الأحاديث ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( لا تختصموا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن تكون في صوم يصومه أحدكم )) فلو كان تخصيص شيء من الليالي بشيء من العبادة جائزا ، لكانت ليلة الجمعة أولى من غيرها ، لأن يومها هو خير يوم طلعت عليه الشمس بنص الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من تخصيصها بقيام من بين الليالي ، دل ذلك على أن غيرها من الليالي من باب أولى لا يجوز تخصيص شيء منها بشيء من العبادة ، إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص ، ولما كانت ليلة القدر وليالي رمضان يشرع قيامها والاجتهاد فيها ، نبه صلى الله عليه وسلم على ذلك وحث الأمة على قيامها ، وفعل ذلك بنفسه ،كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه)) فلو كانت ليلة النصف من شعبان، أو ليلة أول جمعة من رجب، أو ليلة الإسراء والمعراج يشرع تخصيصها باحتفال أو شيء من العبادة لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الأمة ولم يكتموه عنهم ، وهم خير الناس، وأنصح الناس بعد الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- ، ورضي الله عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم-وأرضاهم ، وقد عرفت آنفاً من كلام العلماء أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه – رضي الله عنهم – شيء في فضل ليلة أول جمعة من رجب ، ولا في فضل ليلة النصف من شعبان ، فعلم أن الاحتفال بهما بدعة محدثة في الإسلام ، وهكذا تخصيصها بشيء من العبادة بدعة منكرة .... ا.هـ .- والله أعلم – وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبيناً محمد وآله وصحبه أجمعين .
**************************************
المبحث الثالث الصلاة الألفية المبتدعة في شعبان أول من أحدثها : أول من أحدث الصلاة الألفية في ليلة النصف من شعبان رجل يعرف بابن أبي الحمراء من أهل نابلس ، قدم على بيت المقدس سنة 448هـ وكان حسن التلاوة ، فقام فصلى في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان فأحرم خلفه رجل ، ثم انضاف إليهما ثالث ورابع ، فما ختمها إلا وهم في جماعة كثيرة . ثم جاء في العام القابل فصلى معه خلق كثير، وشاعت في المسجد وانتشرت الصلاة في المسجد الأقصى، وبيوت الناس ومنازلهم، ثم استقرت كأنها سنة . صفتها : هذه الصلاة المبتدعة تسمى بالألفية لقراءة سورة الإخلاص فيها ألف مرة، لأنها مائة ركعة، يقرأ في كل ركعة سورة الإخلاص عشر مرات . وقد رويت صفة هذه الصلاة ، والأجر المترتب على أدائها ، من طرق عدة ذكرها ابن الجوزي في الموضوعات ثم قال : ( هذا حديث لا نشك أنه موضوع ، وجمهور رواته في الطرق الثلاثة مجاهيل وفيهم ضعفاء بمرة ، والحديث محال قطعاً ) .ا.هـ . وقال الغزالي في الإحياء : ( وأما صلاة شعبان : فليلة الخامس عشر منه يصلى مائة ركعة ، كل ركعتين بتسليمه ، ويقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة (( قل هو الله أحد)) ) .ا.هـ . حكمها : اتفق جمهور العلماء على أن الصلاة الألفية ليلة النصف من شعبان بدعة . فألفية النصف من شعبان لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه ، ولا استحبها أحد من أئمة الدين الأعلام كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والثوري والأوزاعي والليث وغيرهم – رحمة الله عليهم جميعاً – وكذلك فإن الحديث الوارد فيها موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث .وأعلم أخي المسلم أن مثل هذه الاحتفالات كالاحتفال بليلة النصف من شعبان ، وليلة الإسراء والمعراج المزعومة ، وليلة الرغائب، يكون فيها من الأمور المبتدعة والمحرمة الشيء الكثير ، والتي تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة ، وقد فصل العلامة ابن الحاج هذه البدع والمحرمات في هذه الاحتفالات فنلخص من كلامه ما يأتي : 1. تكلف النفقات الباهظة ، وهو إسراف يعملونه باسم الدين وهو بريء منه . 2. الحلاوات المحتوية على الصور المحرمة شرعاً . 3. زيادة وقود القناديل وغيرها ، وفي زيادة وقودها إضاعة المال ، لاسيما إذا كان الزيت من الوقف فيكون ذلك جرحاً في حق الناظر، لاسيما إذا كان الواقف لا يذكره ، وإن ذكره لم يعتبر شرعاً، وزيادة الوقود مع ما فيه من إضاعة المال كما تقدم سبب لاجتماع من لا خير فيه، ومن حضر من أرباب المناصب الدينية عالماً بذلك فهو جرحة في حقه إلا أن يتوب ، وأما إن حضر ليغير وهو قادر بشرط فيا حبذا . 4. حضور النساء وما فيه من المفاسد . 5. إتيانهم الجامع واجتماعهم فيه ، وذلك عبادة غير مشروعة . 6. ما يفرشونه من البسط والسجادات وغيرها . 7. أطباق النحاس فيها الكيزان والأباريق وغيرهما ، كأن بيت الله تعالى بيتهم ، والجامع إنما جعل للعبادة ، لا للفراش والرقاد والأكل والشرب . 8. ومن هذه البدع والمحرمات السقاؤون ، وفي ذلك من المفاسد جملة منها :البيع والشراء لأنهم يأخذون الدراهم ، وضرب الطاسات بما يشبه صوت النواقيس ، ورفع الصوت في المسجد وتلويثه ، وتخطي رقاب الناس ، وكلها منكرات . 9. اجتماعهم حلقات ، كل حلقة لها كبير، يقتدون به في الذكر والقراءة وليت ذلك لو كان ذكراً أو قراءة، لكنهم يلعبون في دين الله تعالى فالذاكر منهم في الغالب لا يقول : (لا إله إلا الله ) بل يقول : (لا يلاه يلله ) فيجعلون عوض الهمزة ياء وهي ألف قطع جعلوها وصلاً وإذا قالوا سبحان الله ) يمططونها ويرجعونها حتى لا تكاد تفهم ، والقارئ يقرأ القرآن فيزيد فيه ما ليس منه ، وينقص منه ما هو فيه ، بحسب تلك النغمات والترجيعات التي تشبه الغناء والأصوات التي اصطلحوا عليها، على ما قد علم من أحوالهم الذميمة ، وهذا منكر يحف به عدة منكرات . 10. ومن الأمور العظيمة فيها أن القارئ يبتدئ بقراءة القرآن والآخر ينشد الشعر ، أو يريد أن ينشده ، فيسكتون القارئ أو يهمون بذلك ، أو يتركون هذا في شعره وهذا في قراءته ، لأجل تشوف بعضهم لسماع الشعر وتلك النغمات الموضوعة أكثر ، فهذه الأحوال من اللعب في الدين أن لو كانت خارج المسجد منعت ، فكيف بها في المسجد ؟ . 11. حضور الوالدان الصغار وما يتبع من لغطهم وتنجيسهم المسجد . 12. خروج النساء في هذه الليلة-ليلة النصف من شعبان- إلى القبور-مع أن زيارة النساء للقبور محرمة شرعاً- ومع بعضهن الدف يضربن به ، وبعضهن يغنين بحضرة الرجال ورؤيتهم لهن متجاهرين بذلك، لقلة حيائهن ، وقلة من ينكر عليهن . 13. اختلاط النساء بالرجال عند القبور ، وقد رفع النساء جلبان الحياء والوقار عنهن ، فهن كاشفات الوجوه والأطراف . 14. أنهم أعظموا تلك المعاصي بفعلها عند القبور التي هي موضع الخشية والفزع والاعتبار ، والحث على العمل الصالح ، لهذا المصرع العظيم المهول أمره ، فردوا ذلك للنقيض ، وجعلوه موضع فرح ومعاصي كحال المستهزئين . 15. إهانة الأموات من المسلمين وأذيتهم بفعل المنكرات بجانب قبورهم . 16. أن بعضهم يقيمون خشبة عند رأس الميتة أو الميت ، ويكسون ذلك العمود من الثياب ما يليق به عندهم . فإن كان الميت عالماً أو صالحاً صاروا يشكون له ما نزل بهم ويتوسلون به ، وإن كان من الأهل أو الأقارب صاروا يتحدثون معه ويذكرون له ما حدث لهم بعده ، وإن كان عروساً أو عروسة كسوا كل واحد منهما ما كان يلبسه في حال فرحة ، ويجلسون يتباكون ويبكون ويتأسفون . وكسوتهم لهذه الخشبة تشبه في الظاهر بالنصارى في كسوتهم لأصنامهم ، والصور التي يعظمونها في مواسمهم ، ومن تشبه بقوم فهو منهم . 17. أنهم اتصفوا بسبب ما ذكره بصفة النفاق ، لأن الفارق صفته قصد المعصية وإظهارها في الصورة أنها طاعة . 18. اللغو في المسجد وكثرة الكلام بالباطل وهو منكر شديد . 19. جعل المسجد كأنه دار شرطة لمجيء الوالي والمقدمين والأعوان ، وفرش البسط ، ونصب الكرسي للوالي ليجلس عليه في مكان معلوم ، وتوقد بين يديه المشاعل الكثيرة في صحن الجامع ، ويقع منها بعض الرماد ، وربما وقع الضرب بالعصا والبطح لمن يشتكي في الجامع ، أو تأتيه – الوالي – الخصوم من خارج الجامع وهو فيه ، هذا كله في ليلة النصف من شعبان ، وإذا وقعت هذه الأشياء في الجامع فلابد من رفع الأصوات من الخصوم والجند وغيرهم ، بل اللغط واقع لكثرة الخلق فيه ، فكيف به إذا انضم إلى الشكاوي وأحكام الوالي ؟! . 20. اعتقادهم أن فعل هذه المنكرات والبدع المحرمات إقامة حرمة لتلك الليلة ، ولبيت الله عز وجل ، وأنهم أتوه ليعظموه ، وبعضهم يرى أن ذلك من القرب وهذا أشد . وسبق وذكرت أن هذه البدع والمنكرات تختلف باختلاف الزمان والمكان ، فالاحتفالات في الوقت الحاضر تكاد لا تخلو من كثير من هذه المنكرات وإن اختلف الشكل والهيئة . 21. ويضاف إلى هذه البدع أيضا :الدعاء المعروف الذي يطلب فيه من الله تعالى أن يمحو من أم الكتاب شقاوة من كتبه شقياً ...... الخ . ونصه ما يلي : اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا ذا الطول والإنعام ، لا إله إلا أنت ، ظهر اللاجئين ، وجار المستجيرين ، وأمان الخائفين ، اللهم أن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقياً أو محروماً ، أو مطروداً أو مقتراً عليَّ في الرزق ، فامح اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني ، وطردي وإقتار رزقي ، وأثبتني عندك في أم الكتاب سعيداً مرزوقاً موفقاً للخيرات ، فإنك قلت وقولك الحق في كتابك المنزل ، على لسان نبيك المرسل : {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } . إلهي بالتجلي الأعظم في ليلة النصف من شهر شعبان المكرم ، التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم أسألك أن تكشف عنا البلاء ما نعلم وما لا نعلم ، وما أنت به أعلم إنك أنت الأعز الأكرم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم )) . وهذا الدعاء ليس له أصل صحيح في السنة، كما هو الحال في صلاة النصف من شعبان ، فلم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، ولا عن السلف-رضوان الله عليهم أجمعين- أنهم اجتمعوا في المساجد من أجل هذا الدعاء في تلك الليلة ، ولا تصح نسبة هذا الدعاء إلى بعض الصحابة. وربما شرطوا لقبول هذا الدعاء قراءة سورة(يس)،وصلاة ركعتين قبله،يفعلون القراءة والصلاة والدعاء ثلاث مرات ، يصلون المرة الأولى بنية طول العمر ، والثانية بنية دفع البلايا ، والثالثة بنية الاستغناء عن الناس ، واعتقدوا أن هذا العمل من الشعائر الدينية، ومن مزايا ليلة النصف من شعبان وما تختص به، حتى اهتموا به أكثر من اهتمامهم بالواجبات والسنن فتراهم يسارعون إلى المساجد قبيل الغروب من هذه الليلة، وفيهم تاركوا الصلاة ، معتقدين أنه يجبر كل تقصير سابق عليه، وأنه يطيل العمر ويتشاءمون من فوته . فالاجتماع لقراءة هذا الدعاء بالطريقة المتبعة والمعروف عندهم ، وجعل ذلك شعيره من شعائر الدين ، من البدع التي تحدث في ليلة النصف من شعبان . صحيح أن الدعاء والتضرع إلى الله تعالى مطلوب في كل وقت ومكان ، لكن لا على هذا الوجه المخترع ، فلا يتقرب إلى الله بالبدع ، وإنما يتقرب إليه تعالى بما شرع . 22. ومن البدع المنكرة في الاحتفالات بليلة النصف من شعبان كثيرة الوقيد فالمحدث لهذه البدعة راغب في دين المجوسية ، لأن النار معبودة وأول ما حدث ذلك في زمن البرامكة ، فأدخلوا في دين الإسلام ما يموهون به على الطغام ، وهو جعلهم الإيقاد في شعبان كأنه من سنن الإيمان ، ومقصودهم عبادة النيران ، وإقامة دينهم وهو أخسر الأديان ، حتى إذا صلى المسلمون وركعوا وسجدوا كان ذلك إلى النار التي أوقدوها . فزيادة الوقود فيه تشبه بعبدة النار في الظاهر – وإن لم يعتقدوا ذلك – لأنَّ عبدة النار يوقدونها حتى إذا كانت في قوتها وشعشعتها اجتمعوا إليها بنية عبادتها،ولا شك أن التشبه بأهل الأديان الباطلة منهي عنه . والله أعلم .
*************************************
الفصل السادس شهر رمضان المبحث الأول : فضل هذا الشهر وما ورد فيه . المبحث الثاني : بعض البدع التي تقام في هذا الشهر . أولاً : قراءة سورة الأنعام . ثانياً : بدعة صلاة التراويح بعد المغرب . ثالثاً : بدعة صلاة القدر . رابعاً :بدعة القيام عند ختم القرآن في رمضان بسجدات القرآن كلها في ركعة . خامساً : بدعة سرد آيات الدعاء . سادساً : بدعة الذكر بعد التسليمتين من صلاة التراويح . سابعاً : بعض بدع ليلة ختم القرآن . ثامناً : بدعة التسحير . تاسعاً : البدع المتعلقة برؤية هلال رمضان . عاشراً : بدعة حفيظة رمضان . أحد عشر : بدعة قرع النحاس آخر الشهر . إثنا عشر : بدعة وداع رمضان . ثلاثة عشر : بدعة الاحتفال بذكرى غزوة بدر .
المبحث الأول فضل هذا الشهر وما ورد فيه يعتبر شهر رمضان من أعظم مواسم المسلمين ، فهو شهر الصوم الذي هو الركن الرابع من أركان الإسلام ، قد فضله الله بأن أنزل فيه كتابه الكريم ، وجعل فيه ليلة خيراً من ألف شهر . وقد ورد في فضله وفضل العبادات فيه آثار كثيرة نذكر منها على النحو التالي : أولاً : وجوب صوم شهر رمضان : 1. عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ،وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحج، وصوم رمضان)) متفق عليه . 2. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزاً يوماً للناس، فأتاه رجل فقال: ما الإيمان؟ قال: (( الإيمان أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وبلقائه ، ورسله، وتؤمن بالبعث . قال : ما الإسلام؟ قال : الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان. قال: ما الإحسان؟ قال : أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك . قال: متى الساعة ؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل. وسأخبرك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربها، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان. في خمس لا يعلمهن إلا الله. ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} الآية ثم أدبر فقال: ردوه فلم يروا شيئاً ، فقال : هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم )). متفق عليه.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الثلاثاء 15 مارس 2011, 8:43 pm | |
| 3. عن طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- أن أعرابياً جاء إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس:((فقال: يا رسول ، أخبرني ماذا فرض الله عليَّ من الصلاة ؟ فقال : الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئاً . فقال : أخبرني ماذا فرض الله عليَّ من الصيام ؟ فقال : شهر رمضان إلا أن تطوع شيئاً. فقال : أخبرني ماذا فرض الله عليَّ من الزكاة ؟ قال : فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام . فقال : والذي أكرمك بالحق ، لا أتطوع شيئاً ولا أنقص مما فرض الله علىَّ شيئاً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفلح إن صدق ، أو دخل الجنة أن صدق )) متفق عليه . 4. حديث ابن عباس – رضي الله عنهما - : إن وفد عبد القيس لما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من القوم -أو من الوفد ؟- قالوا : ربيعة قال: مرحباً بالقوم -أو الوفد- غير خزايا ولا ندامى. فقالوا: يا رسول الله، إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا، وندخل به الجنة، وسألوه عن الأشربة . فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع : أمرهم بالإيمان بالله وحده ، قال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، ولإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام رمضان ، وأن تعطوا من المغنم الخمس ...... ))الحديث متفق عليه . 5. عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال : يا محمد أتانا رسولك ! فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك ؟قال : (( صدق )) . قال فمن خلق السماء .... إلى أن قال – وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا . قال : (( صدق)) . قال : فبالذي أرسلك ، آلله أمرك بهذا ؟ قال : (( نعم )) ...... قال : والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لئن صدق ليدخلن الجنة )) . 6. عن عائشة-رضي الله عنها- قريش كانت تصومه يوم عاشوراء في الجاهلية ،ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيامه، حتى فرض رمضان وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((من شاء فليصمه ، ومن شاء أفطره )). متفق عليه . 7. عن سلمة بن الأكوع – رضي الله عنه – قال : لما نزلت { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} . كان من أراد أن يفطر ويفتدي ، حتى نزلت هذه الآية التي بعدها فنسختها . متفق عليه . وفي رواية لمسلم أنه قال: كنا في رمضان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء صام، ومن شاء فطر فافتدى بطعام مسكين حتى أنزلت هذه الآية { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} . . ثانياً : فضل شهر رمضان : 8. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة )). وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء ، وغلقت أبواب جهنم ، وسلسلت الشياطين )) . 9. عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : ((ما صام النبي صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً قط غير رمضان ، ويصوم حتى يقول القائل : لا والله لا يفطر ، ويفطر حتى يقول القائل : لا والله لا يصوم))متفق عليه . 10. عن عائشة – رضي الله عنها – قالت :((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ، ويفطر حتى نقول لا يصوم ، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان ، وما رايته أكثر صياماً منه في شعبان )) متفق عليه . 11. عن عبد الله بن شقيق قال : (( قلت لعائشة – رضي الله عنها - : هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً معلوماً سوى رمضان ؟ قالت : (( والله إن صام شهراً معلوماً سوى رمضان، حتى مضى لوجهه، و لا أفطر حتى يصيب منه)) . وفي رواة قالت : (( وما رأيته صام شهراً كاملاً منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان )) . 12. عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : (( الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات ما بينهن ، إذا اجتنب الكبائر )) . 13. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن ، وغلقت أبواب النيران فلم يفتح منها باب ، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ، والله عتقاء من النار وذلك كل ليلة )) . 14. عن أبي بكرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((شهران لا ينقصان ، شهر عيد : رمضان وذو الحجة )) متفق عليه . 15. عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتاكم رمضان . شهر مبارك ، فرض الله عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء ، وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه مردة الشياطين ، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم )) . 16. عن أبي هريرة – رضي الله عنه –عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يتقدمنَّ أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين ، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم )) متفق عليه .
ثالثاً : فضل العبادات فيه : 17. عن أبي هريرة- رضي الله عنه-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه . 18. عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه . 19. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن أعربياً أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال : دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة. قال : ((تعبد الله لا تشرك به شيئاً ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان . قال : والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا . فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم : من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا )) متفق عليه . 20. عن أبي قتادة – رضي الله عنه - : أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كيف تصوم ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى عمر -رضي الله عنه- غضبه ، رضينا بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد نبياً ، نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، فجعل عمر -رضي الله عنه-يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه....ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ثلاث من كل شهر ، ورمضان إلى رمضان ، فهذا صيام الدهر كله ...... الحديث )) . 21. عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر )) . 22. عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أفضل الصيام بعد رمضان ، شهر الله المحرم ، وأفضل الصلاة بعد الفريضة ، صلاة الليل )) . 23. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصلِّ علىَّ ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك أبواه فلم يدخلاه الجنة)) . 24. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( من آمن بالله وبرسوله ، وأقام الصلاة ، وصام رمضان ، كان حقاً على الله أن يدخله الجنة جاهد في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي ولد فيها ....الحديث)) . 25. عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال : ((كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل-عليه السلام- يلقاه كل ليل في رمضان حتى ينسخ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ، فإذا لقيه جبريل -عليه السلام- كان أجود بالخير من الريح المرسلة )) متفق عليه . 26. عن ابن عباس – رضي الله عنهما - : (( لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجته قال لأم سنان الأنصارية :((ما منعك من الحج ؟ قالت : أبو فلان تعني زوجها – كان له ناضحان حج على أحدهما والآخر يسقي أرضاً لنا .قال : فإن عمرة في رمضان تقضي حجة معي )) متفق عليه . 27. عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال:(( كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير ، فقلت: يا نبي الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار. قال :((لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت ....الحديث)) رابعاً : صلاة التراويح : 28. عن عائشة أم المؤمنين-رضي الله عنها- ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس ، ثم صلى من القابلة فكثر ، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: (( قد رأيت الذي صنعتم، ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم وذلك في رمضان )). متفق عليه . وفي رواية (( ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها)) . 29. عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة – رضي الله عنها - : كيف كان صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ؟ فقالت : ((ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على أحد عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلى أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلى ثلاثاً . فقلت : يا رسول الله أتنام قبل أن توتر ؟ قال : ((يا عائشة إن عيني تنامان ، ولا ينام قلبي )) . متفق عليه . 30. عن عبد الرحمن بن عبد القادرّي أنه قال :((خرجت مع عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أُبي بن كعب ، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، قال عمر: نعم البدعة هذه ، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون -يريد آخر الليل- وكان الناس يقومون أوله )) . خامساً : العشر الأواخر : 31. عن عائشة - رضي الله عنها- قالت ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره ، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله )) متفق عليه . 32. عن عائشة-رضي الله عنها-قالت((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر، مالا يجتهد في غيره)) سادساً : الاعتكاف : 33. عن أبي سلمة قال : انطلقت إلى أبي سعيد الخدري فقلت : ألا تخرج بنا إلى النخل نتحدث ؟ فخرج . فقال : قلت : حدثني ما سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر ؟ قال : (( اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر الأول من رمضان واعتكفنا معه ، فأتاه جبريل فقال : إن الذي تطلب أمامك . قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً صبيحة عشرين من رمضان فقال : (( من كان اعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم فليرجع فإني أريت ليلة القدر، وإني نُسّتُها ، وإنها في العشر الأواخر في وتر ، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء . وكان سقف المسجد جريد النخل، وما نرى في السماء شيئاً ، فجاءت قزعة فأمرنا ، فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرنبته تصديق رؤياه )) متفق عليه . 34. عن عائشة – رضي الله عنها – زوج النبي صلى الله عليه وسلم: (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، حتى توفاه الله تعالى ، ثم اعتكف أزواجه من بعده )) متفق عليه . 35. عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان )) متفق عليه . 36. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال((كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً )). 37. عن أبي كعب -رضي الله عنه- ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، فسافر سنة فلم يعتكف ، فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين يوماً )). سابعاً : ليلة القدر : 38. عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان )) متفق عليه . وفي رواية للبخاري (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان ويقول: تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان )). 39. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(( أريت ليلة القدر ، ثم أيقظني بعض أهلي فُنسيتها . فالتمسوها في العشر الغوابر)) . 40. عن ابن عباس – رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى ، في سابعة تبقى ، في خامسة تبقي )) . 41. عن ابن عباس – رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :((هي في العشر الأواخر ، في تسع يمضين ، أو في سبع يبقين )) . 42. عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال : ((خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة )) . 43. عن ا بن عمر – رضي الله عنهما- قال ((أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر ، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر )) متفق عليه . 44. عن عبد الله بن أنيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها ، وأراني صبيحتها أسجد في ماء طين)) ، فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه . 45. عن عيينة بن عبد الرحمن قال : حدثني أبي قال : ذكرت ليلة القدر عند أبي بكرة فقال : ما أنا بملتمسها لشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في العشر الأواخر، فإني سمعته يقول :(( التمسوها في تسع يبقين ، أو سبع يبقين، أو خمس يبقين ، أو ثلاث أو آخر ليلة )) . قال : وكان أبو بكرة يصلي في العشرين من رمضان كصلاته في سائر السنة فإذا دخل العشر اجتهد . 46. عن زر بن حبيش قال : سألت أبي بن كعب -رضي الله عنه- فقلت : إن أخاك ابن مسعود يقول : (( من يقم الحول يصب ليلة القدر )) . فقال : - رحمه الله – أراد أن لا يتكل الناس . أما إنه قد علم أنها في رمضان ، وأنها في العشر الأواخر ، وأنها ليلة سبع وعشرين ، ثم حلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين . فقلت : بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر ؟. قال : ((بالعلامة ، أو بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها )) . 47. عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال : (( صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان ، فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبع، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ، فلما كانت السادسة لم يقم بنا ، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل ، فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لو نفّلتنا قيام هذه الليلة ، قال : فقال :(( إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة )). قال : فلما كانت الرابعة لم يقم ، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح . قال : قلت وما الفلاح ؟ قال : السحور ، ثم لم يقم بنا بقية الشهر )) . ثامناً : الإفطار فيه للمسافر : 48. عن ابن عباس- رضي الله عنهما- (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ الكديد أفطر ، فأفطر الناس )) متفق عليه . 49. عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال : ((خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في يوم حار، حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وابن رواحة)) متفق عليه . 50. عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : (( كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم )) متفق عليه . وعلى كثرة ما ورد في فضل شهر رمضان من الأحاديث الصحيحة ، إلا أن هناك بعض الأحاديث الموضوعة في فضل شهر رمضان ، والتي تظهر فيها المبالغة جليه واضحة ، وهذه الأحاديث الموضوعة كثيرة منها : حديث: (( لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى، ولكن قولوا شهر رمضان)) .حديث:((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نادي الجليل رضوان خازن الجنة فيقول: لبيك وسعديك....-وفيه أمره بفتح الجنة وأمر مالك بتغليق النار-)) .حديث : (( لو علم العباد ما في رمضان لتمنت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها )) .حديث :(( إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله إلى خلقه الصيام ، وإذا نظر الله إلى عبد لم يعذبه...)) . حديث : (( إن لله تبارك وتعالي ليس بتارك أحداً من المسلمين صبيحة أول يوم من شهر رمضان إلا غفر له)) .حديث: ((إن الله تبارك وتعالى في كل ليلة من رمضان عند الإفطار ألف ألف عتيق من النار)) .حديث: ((لو أذن الله لأهل السموات والأرض أن يتكلموا لبشروا صوام شهر رمضان بالجنة)) حديث: ((إذا سلمت الجمعة سلمت الأيام ، وإذا سلم رمضان سلمت السنة)) .وحديث: (( من أفطر يوماً من رمضان فليهد بدنه ، فإن لم يجد فليطعم ثلاثين صاعاً من تمر للمساكين )) . حديث : ((من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة ولا عذر له ، كان عليه أن يصوم ثلاثين يوماً ومن أفطر يومين كان عليه ستون ومن أفطر ثلاثاً كان عليه تسعون يوماً )) . حديث : (( رجب شهر الله ، وشعبان شهري ، ورمضان شهر أمتي ......))الحديث وحديث: (( من صلى في آخر جمعة من رمضان الخمس الصلوات المفروضة في اليوم والليلة ، قضت عنه ما أخل به من صلاة سنته )) . إلى غير ذلك من الأحاديث الباطلة – والله أعلم - .
************************************
المبحث الثاني بعض البدع التي تقام في هذا الشهر شهر رمضان شهر مبارك ، وفضائله كثيرة، وقد شرع فيه من الأعمال والقرب الشيء الكثير، ولكن المبتدعة المعارضين لقوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } أحدثوا بدعاً في هذا الشهر الفضيل ، وأرادوا بها إشغال الناس عن القرب المشروعة، ولم يسعهم ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته -رضوان الله عليهم- ، ومن تبعهم بإحسان من السلف الصالح- رحمة الله عليهم-، الذين كانوا أحرص الناس على الخير -فلا وسع الله عليهم في الدنيا ولا في الآخرة- فزادوا في الدين ما ليس منه ، وشرعوا ما لم يأذن به الله ، ومن هذه البدع : أولاً : قراءة سورة الأنعام : مما ابتدع في قيام رمضان في الجماعة ، قراءة سورة الأنعام جميعها في ركعة واحدة ، يخصونها بذلك في آخر ركعة من التراويح ليلة السابع أو قبلها . فعل ذلك ابتداعاً بعض أئمة المساجد الجهال مستشهداً بحديث لا أصل له عند أهل الحديث ، ولا دليل فيه أيضاً، إنما يروى موقوفاً على علي وابن عباس، وذكره بعض المفسرين مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم في فضل سورة الأنعام بإسناد مظلم عن أبي بن كعب -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( نزلت سورة الأنعام جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك ، لهم زجل بالتسبيح والتحميد )) . فاغتر بذلك من سمعه من عوام المصلين . وعلى فرض صحة الحديث فليس فيه دلالة على استحباب قراءتها في ركعة واحدة ، بل هي من جملة سور القرآن ، فيستحب فيها ما يستحب في سائر السور ، والأفضل لمن استفتح سورة في الصلاة وغيرها أن لا يقطعها بل يتمها إلى آخرها ، وهذه كانت عادة السلف . وورد غي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة الأعراف في صلاة المغرب ، وإن كان فرقها في الركعتين . وكذلك ما ثبت في الصحيحين عن جابر -رضي الله عنه- أنه قال: ((أقبل رجل بناضحين -وقد جنح الليل- فوافق معاذاً يصلي، فترك ناضحه وأقبل على معاذ ، فقرأ بسورة البقرة -أو النساء- فانطلق الرجل، وبلغه أن معاذاً نال منه ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه معاذ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((يا معاذ ، أفتّان أنت- أو أفاتن أنت- أو أفاتن- ثلاث مرات، فلولا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها ، والليل إذا يغشى، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة)) . فكون قراءة سورة الأنعام كلها في ركعة واحدة في صلاة التراويح بدعة ، ليس من جهة قرائتها كلها ، بل من وجوه أخرى : الأول : تخصيص ذلك بسورة الأنعام دون غيرها من السور، فيوهم ذلك أن هذا هو السنة فيها دون غيرها، والأمر بخلاف ذلك. الثاني : تخصيص ذلك بصلاة التراويح دون غيرها من الصلاة ، وبالركعة الأخيرة منها دون ما قبلها من الركعات . الثالث : ما فيه من التطويل على المأمومين ، ولاسيما من يجهل أن ذلك من عادتهم ، فينشب في تلك الركعة ، فيقلق ويضجر ويتسخط بالعبادة . الرابع : ما فيه من مخالفة السنة من تقليل القراءة في الركعة الثانية عن الأولى ، فقد ثبت في الصحيحين (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ، ويقصر في الثانية ، ويسمع الآية أحياناً ..... وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح ويقصر في الثانية )) . وقد عكس صاحب هذه البدعة الأمر ، فإنه يقرأ في الركعة الأولى نحو آيتين من آخر سورة المائدة ، ويقرأ في الثانية سورة الأنعام كلها ، بل يقرأ في تسع عشرة ركعة نحو نصف حزب المائدة، ويقرأ في الركعة الموفية عشرين بنحو حزب ونصف حزب، وفي هذا ما فيه من البدعة ومخالفة الشريعة . وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمة الله- عما يصنعه أئمة هذا الزمان من قراءة سورة الأنعام في رمضان في ركعة واحدة ليلة الجمعة هل هي بدعة أم لا ؟ . فأجاب – رحمة الله – ( نعم بدعة ، فإنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين ، ولا غيرهم من الأئمة أنهم تحروا ذلك ، وإنما عمدة من يفعله ما نقل عن مجاهد وغيره من أن سورة الأنعام نزلت جملة مشيعة بسبعين ألف ملك فاقرأوها جملة لأنها نزلت جملة ، وهذا استدلال ضعيف ، وفي قرائتها جملة من الوجوه المكروهة أمور منها : أن فاعل ذلك يطول الركعة الثانية من الصلاة على الأولى تطويلاً فاحشاً والسنة تطويل الأولى على الثانية كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنها : تطويل آخر قيام الليل على أوله . وهو بخلاف السنة ، فإنه كان يطول أوائل ما كان يصليه من الركعات على أواخرها ، والله أعلم ) .ا.هـ . ثانياً : بدعة صلاة التراويح بعد المغرب : وهذه البدعة من فعل الرافضة، لأنهم يكرهون صلاة التراويح، ويزعمون أنها بدعة أحدثها عمر بن-رضي الله عنه-، ومعروف موقفهم من عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فيدخل في ذلك ما يزعمون أنه أحدثه . فإذا صلوها قبل العشاء الآخرة لا تكون هي صلاة التراويح .
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الثلاثاء 15 مارس 2011, 8:47 pm | |
| وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: عن من يصلي التراويح بعد المغرب: هل هو سنة أم بدعة؟ وذكروا أن الإمام الشافعي – رحمه الله – صلاها بعد المغرب ، وتممها بعد العشاء الآخرة؟ . فأجاب -رحمة الله– (الحمد لله رب العالمين. السنة في التراويح أن تصلى بعد العشاء الآخر، كما اتفق على ذلك السلف والأئمة. والنقل المذكور عن الشافعي-رحمة الله- باطل، فما كان الأئمة يصلونها إلا بعد العشاء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد خلفائه الراشدين، وعلى ذلك أئمة المسلمين، لا يعرف عن أحد أنه تعمد صلاتها قبل العشاء ، فإن هذه تسمى قيام رمضان ،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله فرض عليكم صيام رمضان ، وسننت لكم قيامه ، فمن صامه وقامه غفر له ما تقدم من ذنبه )) .وقيام الليل في رمضان وغيره إنما يكون بعد العشاء ، وقد جاء مصرحاً به في السنن (( أنه لما صلى بهم قيام رمضان صلى بعد العشاء )) . وكان النبي صلى الله عليه وسلم قيامه بالليل هو وتره ، يصلي بالليل في رمضان وغير رمضان إحدى عشرة ركعة ، أو ثلاث عشرة ركعة ، لكن كان يصليها طوالاً ، فلما كان ذلك يشق على الناس قام بهم أُبي بن كعب في زمن عمر بن الخطاب عشرين ركعة ، يوتر بعدها ، ويخفف فيها القيام ، فكان تضعيف العدد عوضاً عن طول القيام ، وكان بعض السلف يقوم أربعين ركعة فيكون قيامها أخف ، ويوتر بعدها بثلاث ، وكان بعضهم يقوم بست وثلاثين ركعة يوتر بعدها ، وقيامهم المعروف عنهم بعد العشاء الآخر ..... فمن صلاه قبل العشاء فقد سلك سبيل المبتدعة المخالفين للسنة ، والله أعلم ) ا.هـ . ثالثاً : بدعة صلاة القدر : وصفتها : أنهم يصلون بعد التراويح ركعتين في الجماعة، ثم في آخر الليل يصلون تمام مائة ركعة ، وتكون هذه الصلاة في الليلة التي يظنون ظناً جازماً ليلة القدر ، ولذلك سميت بهذا الاسم . وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن حكمها ، وهل المصيب من فعلها أو تركها ؟ وهل هي مستحبة عن أحد من الأئمة أو مكروهة ، وهل ينبغي فعلها والأمر بها أو تركها والنهي عنها ؟ . فأجاب -رحمه الله- ( الحمد لله ، بل المصيب هذا الممتنع من فعلها والذي تركها ، فإن هذه الصلاة لم يستحبها أحد من أئمة المسلمين ، بل هي بدعة مكروهة باتفاق الأئمة ، ولا فعل هذه الصلاة لا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة، ولا التابعين ، ولا يستحبها أحد من أئمة المسلمين ، والذي ينبغي أن تترك وينهى عنه ) ا. هـ . رابعاً :بدعة القيام عند ختم القرآن في رمضان بسجدات القرآن كلها في ركعة : قال أبو شامة : (وابتدع بعضهم أيضاً جمع آيات السجدات ، يقرأ بها في ليلة ختم القرآن وصلاة التراويح ، ويسبح بالمأمومين في جميعها ) . وقال ابن الحاج: (وينبغي له –الإمام- أن يتجنب ما أحدثه بعضهم من البدع عند الختم، وهو أنهم يقومون بسجدات القرآن كلها فيسجدونها متوالية في ركعة واحدة أو ركعات. فلا يفعل ذلك في نفسه وينهى عنه غيره، إذاً أنه من البدع التي أحدثت بعد السلف . وبعضهم يبدل مكان السجدات قراءة التهليل على التوالي ، فكل آية فيها ذكر (لا إله إلا الله ) أو (لا إله إلا هو) قرأها إلى آخر الختمة ، وذلك من البدع أيضاً ) .ا.هـ . وقال ابن النحاس: (ومنها -البدع والمنكرات- القيام عند ختم القرآن في رمضان بسجدات القرآن كلها في ركعة أو ركعات ، أو الآيات المشتملة على التهليل من أول القرآن إلى آخره ، وهذا كله بدعة أحدثت، فينبغي أن تُغير وتُرد ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) )ا.هـ. خامساً : بدعة سرد آيات الدعاء : ومن البدع التي أحدثت في رمضان بدعة سرد جميع ما في القرآن من آيات الدعاء ، وذلك في آخر ركعة من التراويح ، بعد قراءة سورة الناس فيطول الركعة الثانية على الأولى ، مثل تطويل بقراءة سورة الأنعام . وكذلك الذين يجمعون آيات يخصونها بالقراءة ويسمونها آيات الحرس ولا أصل لشيء من ذلك، فليعلم الجميع أن ذلك بدعة، وليس شيء منها من الشريعة ، بل هو مما يوهم أنه من الشرع وليس منه . سادساً : بدعة الذكر بعد التسليمتين من صلاة التراويح : ومما أحدث في هذا الشهر الفضيل : الذكر بعد كل تسليمتين من صلاة التراويح ، ورفع المصلين أصواتهم بذلك ، وفعل ذلك بصوت واحد ، فذلك كله من البدع . وكذلك قول المؤذن بعد ذكرهم المحدث هذا: الصلاة يرحمكم الله. فهذا أمر محدث أيضاً، لم يرو أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ولا أقره . وكذلك الصحابة والتابعون والسلف الصالح ، فالإحداث في الدين ممنوع ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ثم الخلفاء بعده ثم الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- ولم يفعلوا شيئاً من هذا ، فليسعنا ما وسعهم ، فالخير كله في الاتباع ، والشر كله في الابتداع . سابعاً : بعض بدع ليلة ختم القرآن : ومما أحدث في هذا الشهر العظيم : رفع الصوت بالدعاء بعد ختم القرآن ، ويكون هذا الدعاء جماعياً ، أو كل يدعو لنفسه، ولكن بصوت عال، مخالفين بذلك قوله تعالى{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} .وهذا الشهر العظيم موضع خشوع وتضرع وابتهال ، ورجوع إلى سبحانه وتعالى بالتوبة النصوح الصادقة مما قارفه من الذنوب ، والسهو والغفلات والتقصير في الطاعة فينبغي أن يبذل الإنسان جهده، كل على قدر حاله، ويدعو الله بالأدعية الصحيحة المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين والسلف الصالح ، والتي تخلو تماماً من دعاء غير الله أو التوسل به . وسرية الدعاء أحرى للإخلاص فيه ، بعيداً عن الرياء والسمعة ، فعندما رفع الصحابة أصواتهم بالدعاء قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ((يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم . فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً، إنه معكم، إنه سميع قريب، تبارك اسمه، وتعالى جده )) . وفي رواية لمسلم : (( والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلة أحدكم )) . ومن البدع التي أحدثت في ليلة ختم القرآن : 1. اجتماع المؤذنين تلك الليلة فيكبرون جماعة في حال كونهم في الصلاة، لغير ضرورة داعية إلى السمع الواحد، فضلاً عن جماعة، بل بعضهم يسمعون ولا يصلون، وهذا فيه ما فيه من القبح والمخالفة لسنة السلف الصالح -رحمه الله عليهم-. 2. أنه إذا خرج القارئ من الموضع الذي صلى فيه، أتوه ببغلة أو فرس ليركبها، ثم تختلف أحوالهم في صفة ذهابه إلى بيته، فمنهم من يقرأ القرآن بين يديه ، كما يفعلونه أمام جنائزهم من عاداتهم الذميمة ، والمؤذنون يكبرون بين يديه كتكبير العيد . قال ابن الحاج: ( قال القاضي أبو الوليد بن رشد -رحمه الله تعالى-: كره مالك قراءة القرآن في الأسواق والطرق لوجوه ثلاثة : أحدها : تنزيه القرآن وتعظيمه من أن يقرأه وهو ماش في الطرق والأسواق، لما قد يكون فيها من الأقذار والنجاسات. الثاني : أنه إذا قرأ القرآن على هذه الأحوال لم يتدبره حق التدبر . الثالث : لما يخشي أن يدخله ذلك فيما يفسد نيته )ا.هـ . 3. سير الفقراء الذاكرين بين يدي القارئ ، إلى أن يصل إلى بيته ، ومنهم من يعوض ذلك بالأغاني ، وهو أشدُّ هذه الأمور وإن كانت كلها ممنوعة . 4. ضرب الطبل والأبواق والدف أو الطار أمام القارئ أثنا سيره إلى بيته . 5. وربما جمع بعضهم الأمور السابقة كلها أو أكثرها ، ويكون في ذلك من اللهو واللعب ما هو ضد المطلوب في هذه الليلة ، من الاعتكاف على الخير ، وترك الشر والمباهاة والفخر ونحو ذلك . 6. عمل بعض أنواع الأطعمة والحلاوات لهذه المناسبة . 7. زيادة وقود القناديل الكثيرة الخارجة عن الحد المشروع ، ولما في ذلك من إضاعة المال ، والسرف والخيلاء . 8. استعمال الشمع للوقود في أوان من ذهب أو فضة ، ولا يخفى تحريم استعمالهما لعدم الضرورة إليهما 9. تعليق ختمه عند الموضع الذي يختمون فيه، فمنهم من يتخذها من الشقق الحرير الملونة ، ومنهم من يتخذها من غيرها، لكنها ملونة أيضاً، ويعلقون فيها القناديل، وما في ذلك من السرف والخيلاء وإضاعة المال والرياء والسمعة واستعمال الحرير . 10. ومنم من يستعير القناديل من مسجد آخر وهي وقف عليه ، فلا يجوز إخراجها منه ، ولا استعمالها في غيره . 11. أن هذا الاجتماع يفضي إلى اجتماع أهل الريب والشك والفسوق ، وممن لا يرضى حاله، حتى جرّ ذلك إلى اختلاط النساء بالرجال في موضع واحد ولا يخفى ما في ذلك من الضرر العظيم . 12. كثرة اللغط في المسجد ورفع الأصوات فيه والقيل والقال، إذ أنه يكون الإمام في الصلاة، وكثير من الناس يتحدثون ويخوضون في أشياء ينزه المسجد عن بعضها . 13. اعتقاد بعض العلماء أن هذا الاجتماع بما فيه من البدع ، إظهار لشعائر الإسلام، ولا يخفى ما يجلب هذا الأمر من الضرر العظيم ، وتكثير سواد أهل البدع ، ويكون حضور هؤلاء العلماء حجة إن كانوا قدوة للقوم ، بأن ذلك جائز غير مكروه ، فيقولون : لو كان بدعة لم يحضره العالم فلان ، ولم يرض به . فإنا لله وإنا إليه راجعون . والإثم في هذا من فعله أو أمر به أو استحسنه أو رضي به أو أعان عليه بشيء أو قدر على تغييره فلم يفعل . 14. إحضار الكيزان وغيرها من أواني الماء في المسجد حين الختم ، فإذا ختم القارئ شربوا ذلك الماء ، ويرجعون به إلى بيوتهم فيسقونه لأهليهم ومن شاءوا على سبيل التبرك ، وهذه بدعة لم تنقل عن أحد من السلف-رحمة الله عليهم- . 15. تواعدهم للختم ، فيقولون : فلان يختم في ليلة كذا وفلان يختم في ليلة كذا ، ويعرض ذلك بعضهم على بعض ، ويكون ذلك بينهم بالنوبة – أي بالتناوب-، حتى صار ذلك كأنه ولائم تعمل ، وشعائر تظهر ، فلا يزالون كذلك غالباً من انتصاف شهر رمضان إلى آخر الشهر ، وهذا أمر محدث لم يؤثر على السلف الصالح -رحمة الله عليهم - . فهذه بعض المنكرات والبدع التي أحدثت في ليلة الختم، ولما كانت مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفائه، وما عليه السلف الصالح زينها الشيطان وأتباعه في نفوسهم ، وسول لهم الإصرار على فعلها ، وجعل ذلك من شعائر الدين ، ولو فرضنا جدلاً أن هذه الأمور المحدثة مطلوبة شرعاً لأدعى هؤلاء المبتدعة المشقة في فعلها ، وعجزهم عنها ، ولتهاونوا بها ، ولكن صدق الله العظيم القائل في محكم كتابه : { أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} . – والله أعلم -. ثامناً : بدعة التسحير : التسحير من الأمور المحدثة التي لم تكن على عهده صلى الله عليه وسلم ولم يأمر به ، وليس من فعل الصحابة أو التابعين أو السلف الصالح -رحمة الله عليهم أجمعين- ولأجل أنه أمر محدث اختلفت فيه عوائد الناس ، ولو كان مشروعاً ما اختلفت فيه عوائدهم . ففي الديار المصرية يقول المؤذنون بالجامع: تسحروا كلوا واشربوا أو ما أشبه ذلك ، ويقرؤن قوله تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} الآية.ويكررون ذلك مراراً عديدة،ثم يسقون على زعمهم ويقرؤن قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً}إلى قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً} . والقرآن العزيز ينبغي أن ينزه عن موضع بدعة ، أو على موضع بدعة ، ثم ينشدون في أثناء ذلك القصائد ، ويسحرون أيضاً بالطبلة يطوف بها بعضهم على البيوت ، ويضربون عليها ، هذا الذي مضت عليه عادتهم ، وكل ذلك من البدع . وأما أهل الإسكندرية ، وأهل اليمن ، وبعض أهل المغرب ، فيسحرون بدق الأبواب على أصابع البيوت ، وينادون عليهم: قوموا كلوا ، وهذا نوع آخر من البدع نحو ما تقدم . وأما أهل الشام فإنهم يسحرون بدق الطار والغناء والرقص واللهو واللعب ، وهذا شنيع جداً ، وهو أن يكون شهر رمضان الذي جعله الشارع صلى الله عليه وسلم للصلاة والصيام ، والتلاوة والقيام ، قابلوه بضد الإكرام والاحترام ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . وأما بعض أهل المغرب فإنهم يفعلون قريباًَ من فعل أهل الشام ، وهو أنه إذا كان وقت السحور عندهم ، ويضربون بالنفير على المنار ، ويكررونه سبع مرات ، ثم بعده يضربون بالأبواق سبعاً أو خمساً ، فإذا قطعوا حرم الأكل إذ ذاك عندهم . والعجيب أنهم يضربون بالنفير والأبواق في الأفراح التي تكون عندهم، ويمشون بذلك في الطرقات، فإذا مروا على باب مسجد سكتوا وأسكتوا ، ويخاطب بعضهم بعضاً بقولهم : احترموا بيت الله تعالى فيكفون حتى يجوزوه ، فيرجعوا إلى ما كانوا عليه ، ثم إذا دخل شهر رمضان، الذي هو شهر الصيام والقيام، والتوبة والرجوع إلى الله تعالى من كل رذيلة، يأخذون فيه النفير والأبواق، ويصعدون بها على المنار في هذا الشهر الكريم ، ويقابلونه بضد ما تقدم ذكره . وهذا يدل على أن فعل التسحير بدعة بلا شك ولا ريب ، إذ أنها لو كانت مأثورة لكانت على شكل معلوم لا يختلف حالها، في بلد دون آخر كما تقدم . فيتعين على من قدر من المسلمين عموماً التغيير عليهم ، وعلى المؤذن والإمام خصوصاً ، كل منهم يغير ما في إقليمه إن قدر على ذلك بشرطه ، فإن لم يستطع ففي بلده ، فإن لم يستطع ففي مسجده . ومسألة التسحير هذه لم تدع ضرورة إلى فعلها وإذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد شرع الأذان الأول للصبح دالاً على جواز الأكل والشرب والثاني دالاً على تحريمها ، فلم يبق أن يكون ما يعمل زيادة عليهما إلا بدعة ؛ لأن المؤذنين إذا أذنوا مرتين انضبطت الأوقات وعلمت .
تاسعاً : البدع المتعلقة برؤية هلال رمضان : ومن المحدثات في شهر رمضان ، ما تفعله العامة في بعض البلدان الإسلامية ، من رفع الأيدي إلى الهلال عند رؤيته يستقبلونه بالدعاء قائلين : ( هل هلالك، جل جلالك، شهر مبارك). نحو ذلك ، مما يعرفه له أصل في الشرع ، بل كان من عمل الجاهلية وضلالاتهم . والذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى الهلال قال :(( اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلام والإسلام، ربي وربك الله)) . فما يفعله بعض الناس عند رؤية الهلال من الإتيان بهذا الدعاء ، والاستقبال ورفع الأيدي، ومسح وجوههم بدعة مكروهة لم تعهد في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه-رضوان الله عليهم- ولا السلف الصالح-رحمة الله عليهم . ومن ذلك أيضاً ما تفعله العوام ، وأرباب الطرق من الطواف في أول ليلة من رمضان في العواصم وبعض القرى -المسمى بالرؤية- فإنه لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أصحابه ولا أحد من السلف الصالح ، مع اشتماله على قراءة الأوراد والأذكار ، والصلوات مع اللغط والتشويش بضرب الطبول ، واستعمال آلات الملاهي ، وزعقات النساء والأحداث وغير ذلك، مما هو مشاهد في بعض البلدان والأقطار الإسلامية . عاشراً : بدعة حفيظة رمضان : ومن البدع المنكرة التي أحدثت في هذا الشهر الكريم ، كتب الأوراق التي يسمونها (حفائظ) في آخر جمعة من رمضان ، ويسمون هذه الجمعة بالجمعة اليتيمة ، فيكتبون هذه الأوراق حال الخطبة ، ومما يكتب فيها قولهم ( لا آلاء إلا آلاؤك سميع محيط علمك كعسهلون وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ) . ويعتقد هؤلاء الجهال المبتدعة أنها تحفظ من الحرق والغرق والسرقة والآفات . فلا شك في بدعية هذا الأمر، لما في ذلك من الإعراض عن استماع الخطبة بل والتشويش على الخطيب وسامعيه، وذلك ممنوع شرعاً كما لا يخفى ، ولا خير في ذلك ولا بركة ، فإنما يتقبل الله من المتقين لا من المبتدعين . وقد يكتب فيها كلمات أعجمية قد تكون دالة على مالا يصح ، أو فيها كفر بالله ، ولم ينقل هذا عن أحد من أهل العلم، وذلك- والله أعلم- من بدع الدجالين التي زينهوها للعامة البسطاء الجهال ، ولذلك لا تقع إلا في القرى المتأخرة ، والبلدان التي تكثر فيها البدع ، فيجب النهي عنها ، والتحذير منها ، مثلها في ذلك مثل جميع البدع التي تشغل الناس عما أوجبه الله عليهم من الفروض والواجبات .
أحد عشر : بدعة قرع النحاس آخر الشهر : ومن البدع المحدثة في شهر رمضان بدعة القرع على النحاس ونحوه آخر يوم من رمضان ، عند غروب الشمس ، يأمر الناس بذلك أولادهم ، ويعلمونهم كلمات يقولونها حالة القرع ، تختلف باختلاف البلدان ، ويزعمون أن ذلك يطرد الشياطين التي هاجت في هذا الوقت ، لخروجها من السجن ، وخلاصها من السلاسل التي كانت مقيدة بها في شهر الصوم ، قاتل الله الجهل كيف يؤدي بالناس إلى هذه المهازل اثنا عشر : بدعة وداع رمضان : ومن البدع المحدثة في شهر رمضان المبارك : أنه إذا بقي من رمضان خمس ليال، أو ثلاث ليال يجتمع المؤذنون، والمتطوعون من أصحابهم ، فإذا فرغ الإمام من سلام وتر رمضان ، تركوا التسبيح المأثور ، وأخذوا يتناوبون مقاطيع منظومة في التأسف على انسلاخ رمضان ، فمتى فرغ أحدهم من نشيد مقطوعة بصوته الجهوري ، أخذ رفقاؤه بمقطوعة دورية ، باذلين قصارى جهدهم في الصيحة والصراخ بضجيج يصم الآذان ، ويسمع الصم ، ويساعدهم على ذلك جمهور المصلين . ولعلم الناس بأن تلك الليالي هي ليالي الوداع ، ترى الناس في أطراف المساجد ، وعلى سدده وأبوابه ، وداخل صحنه ، النساء والرجال والشباب والولدان ، بحالة تقشعر لقبحها الأبدان ، وقد اشتملت هذه البدعة على عدة منكرات منها . 1. رفع الأصوات بالمسجد ، وهو مكروه كراهة شديدة . 2. التغني والتطرب في بيوت الله ، التي لم تشيد إلا للذكر والعبادة . 3. كون هذه البدعة مجبلة للنساء والأولاد والرعاع ، الذين لا يحضرون إلا بعد انقضاء الصلاة للتفرج والسماع . 4. اختلاط النساء بالرجال . 5. هتك حرمة المسجد ، لاتساخه وتبذله بهؤلاء المتفرجين ، وكثرة الضوضاء والصياح من أطرافه ، إلى غير ذلك ، مما لو رآه السلف الصالح لضربوا على أيدي مبتدعيه – وهذا هو الواجب على كل قادر على ذلك – وقاوموا بكل قواهم من أحدث فيه ، نسأل الله تعالى العون على تغيير هذا الحال بمنه وكرمه . ومن الأمور المحدثة المتعلقة بوداع رمضان، ما يفعله بعض الخطباء في آخر جمعة من رمضان ، من ندب فراقه كل عام ، والحزن على مضيه ، وقوله: لا أوحش الله منك يا شهر كذا وكذا . ويكرر هذه الوحشيات مسجعات مرات عديدة ، ومن ذلك قوله: لا أوحش الله منك يا شهر المصابيح، لا أوحش الله منك يا شهر المفاتيح.فتأمل هدنا الله وإياك لما آلت إليه الخطب، لاسيما خطبة آخر هذا الشهر الجليل ، الناس فيه بحاجة ماسة إلى آداب يتعلمونها لما يستقبلهم من صدقة الفطر ، ومواساة الفقراء ، والاستمرار على ما ينتجه الصوم من الأمور الفاضلة ، والآثار الحميدة ، وتجنب البدع وغير ذلك مما يقتضيه المقام .
ثلاثة عشر : بدعة الاحتفال بذكرى غزوة بدر : ومما أحدث في هذا الشهر المبارك الاحتفال بذكرى غزوة بدر ، وذلك أنه إذا كامن ليلة السابع عشر من شهر رمضان اجتمع الناس في المساجد وأغلبهم من العامة، وفيهم من يدعي العلم، فيبدأون احتفالهم بقراءة آيات من الكتاب الحكيم،ثم ذكر قصة بدر وما يتعلق بها من الحوادث، وذكر بطولات الصحابة-رضوان الله عليهم- والغلو فيها، وانشاء بعض القصائد المتعلقة بهذه المناسبة. وفي بعض البلدان الإسلامية تحتفل الدولة رسمياً بهذه المناسبة فيحضر الاحتفال أحد المسئولين فيها . ولا يخفى ما يصاحب هذه الاحتفالات من الأمور المنكرة كالاجتماع في المساجد لغير ما عبادة شرعية، أو ذكر مشروع، وما يصاحب هذه الاجتماعات من اللغط والتشويش ونحو ذلك من الأمور التي تصان بيوت الله عنها ، وكذلك دخول بعض الكفار إلى المسجد كالمختصين منهم في مجال مكبرات الصوت ، أو الإضاءة ، أو الصحافة والإعلام ، وكذلك دخول المصورين للمسجد لتصوير هذه المناسبة ، بالإضافة إلى اعتبار هذا الاجتماع سنة تقام في مثل هذا اليوم ، أو هذه الليلة في كل عام . فتخصيص هذه الليلة -ليلة السابع عشر من رمضان– بالاجتماع والذكر وإلقاء القصائد ، وجعلها موسماً شرعياً ، ليس له مستند من الكتاب ولا من السنة ، ولم يؤثر عن الصحابة-رضوان الله عليهم- أو التابعين أو السلف الصالح -رحمهم الله- ، أنهم احتفلوا بهذه المناسبة في هذه الليلة أو في غيرها . قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : (( وللنبي صلى الله عليه وسلم -خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة : مثل يوم بدر ، وحنين ، والخندق ، وفتح مكة ، ووقت هجرته ، ودخوله للمدينة ، وخطب متعددة يذكر فيها قواعد الدين .ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ أمثال تلك الأيام أعياداً ، وإنما يفعل مثل هذا النصارى ، الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى – عليه السلام – أعياداً ، أو اليهود ، وإنما العيد شريعة ، فما شرعه الله أتبع ، وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه .ا.هـ . والاشتغال بهذه الأمور وأمثالها من الأمور المحدثة ، سبب في ابتعاد الناس عما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لهم من إحياء ليالي رمضان بالصلاة والذكر . ومن أعظم البلاء على المسلمين ترك المشروع وفعل الأمر المحدث المبتدع – والله أعلم - .
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الثلاثاء 15 مارس 2011, 8:54 pm | |
| الفصل السابع شهر شوال المبحث الأول : بعض الآثار الواردة فيه . المبحث الثاني : بدعة التشاؤم من الزواج فيه المبحث الثالث : بدعة عيد الأبرار .
المبحث الأول بعض الآثار الواردة فيه 1. عن أبي أيوب -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فذلك صيام الدهر )) . 2. عن عائشة -رضي الله عنها-قالت : (( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان ، فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله ، فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء ، فأذنت لها فضربت خباء،فلما رأته زينب بنت جحش ضربت خباء آخر، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم رأي الأخبية فقال : ما هذا ؟ فأخبر . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : البر ترون بهن؟ فترك الاعتكاف ذلك الشهر ، ثم اعتكف عشراً من شوال )) متفق عليه . 3. عن ثوبان -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام رمضان فشهر بعشرة أشهر ، وصيام ستة أيام بعد الفطر فذلك تمام صيامه السنة )) . 4. عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : (( تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم في شوال ، وأدخلت عليه في شوال ، فأي نسائه كانت أحظى عنده مني )) . فكانت تستحب أن تدخل نساءها في شوال . 5. عن عبد الله بن مسلم القرشي عن أبيه قال : سألت – أو سُئِل- النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام الدهر، فقال: (( إن لأهلك عليك حقاً ، صم رمضان والذي يليه ، وكل أربعاء وخميس ، فإذاً أنت قد صمت الدهر )) . 6. عن محمد بن إبراهيم : أن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- كان يصوم أشهر الحرم ، فقال له رسول صلى الله عليه وسلم : (( صم شوالاً . فترك أشهر الحرم ، ثم لم يزل يصوم شوالاً حتى مات . 7. عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال شهدت العيد مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: ((هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما : يوم فطركم من صيامكم ، واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم )) . متفق عليه . 8. عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: (( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الفطر ويوم النحر ..)) الحديث . متفق عليه . 9. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الأضحى ويوم الفطر )) 10. عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية ، فقال : (( إن الله تبارك وتعالى قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الفطر ويوم النحر)) . 11. عن ابن عمر- رضي الله عنهما-أنه كان يقول :((من اعتمر في أشهر الحج : في شوال ، أو في ذي القعدة ، أو في ذي الحجة ... )) الخ قوله . 12. قال ابن عباس -رضي الله عنهما- :(( وأشهر الحج التي ذكر الله تعالى: شوال، وذو القعدة , وذو الحجة...)).ا. هـ . وقد ورد في ليلة عيد الفطر ويومه أحاديث موضوعة ، منها : حديث أن من صلى ليلة الفطر مائة ركعة ، يقرأ في كل ركعة الحمد مرة ، وقل هو الله أحد عشرة مرات ......الخ ) . وحديث : ( من صلى يوم الفطر بعدما يصلي عيده أربع ركعات ، يقرأ في أول ركعة بفاتحة الكتاب ... فكأنما قرأ كل كتاب نزله الله على أنبيائه ..... ) . وحديث : ( من السنة اثنتا عشرة ركعة بعد عيد الفطر ، وست ركعات بعد عيد الأضحى) . وحديث : ( من أحيا الليالي الأربع وجبت له الجنة : ليلة التروية ، وليلة عرفة ، وليلة النحر ، وليلة الفطر ) . وحديث : ( من صام صبيحة يوم الفطر فكأنما صام الدهر ) ، والله أعلم .
****************************************
المبحث الثاني بدعة التشاؤم من الزواج فيه قال ابن منظور : (وشوال : من أسماء الشهور معروف ، اسم الشهر الذي يلي رمضان ، وهو أول أشهر الحج ) . قيل : سمي بتشويل لبن الإبل ، وهو توليه وإدباره ، وكذلك حال الإبل في اشتداد الحر وانقطاع الرطب .....وكانت العرب تطير من عقد المناكح فيه، وتقول : إن المنكوحة تمتنع من ناكحها كما تمتنع طروقة الجمل إذا لقحت وشالت بذنبها، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم طيرتهم، و قالت عائشة-رضي الله عنها-:((تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم في شوال، وبنى بي في شوال ، فأي نسائه كانت أحظى عنده مني )) .ا.هـ . فالسبب الذي جعل العرب في الجاهلية يتشاءمون من الزواج في شهر شوال : هو اعتقادهم أن المرأة تمتنع من زوجها كامتناع الناقة التي شولت بذنبها بعد اللقاح من الجمل . قال ابن كثير-رحمه الله-( وفي دخوله صلى الله عليه وسلم بها – بعائشة- رضي الله عنها- في شوال ردّ لما يتوهمه بعض الناس من كراهية الدخول بين العيدين خشية المفارقة بين الزوجين ، وهذا ليس بشيء ) ا.هـ . فالتشاؤم من الزواج في شهر شوال أمر باطل ؛ لأن التشاؤم عموماً من الطيرة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها بقوله: ((لا عدوى ولا طيرة )) .وقال – عليه السلام - : ((طيرة شرك)) . فمثله مثل التشاؤم بشهر صفر . وقد تقدم الكلام عن ذلك . قال النووي – رحمه الله – في شرحه لحديث عائشة –رضي الله عنها-: ( فيه استحباب التزويج والتزوج والدخول في شوال، وقد نص أصحابنا على استحبابه ، واستدلُّوا بهذا الحديث . وقصدت عائشة بهذا الكلام ردُّ ما كانت الجاهلية عليه ، وما يتخيله بعض العوام اليوم،من كراهة التزويج والدخول في شوال، وهذا باطل لا أصل له وهو من آثار الجاهلية ، كانوا يتطيرون بذلك لما في اسم شوال من الإشالة والرفع .......) .ا.هـ .
******************************************* المبحث الثالث بدعة عيد الأبرار ومن الأمور المحدثة المبتدعة في شهر شوال : بدعة عيد الأبرار ، وهو اليوم الثامن من شوال . فبعد أن يتم الناس صوم شهر رمضان ، ويفطروا اليوم الأول من شهر شوال-وهو يوم عيد الفطر- يبدأون في صيام الستة أيام الأول من شهر شوال ، وفي اليوم الثمن يجعلونه عيداً يسمونه عيد الأبرار . قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : ( وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد ، أو بعض ليالي رجب ، أو ثامن عشر ذي الحجة ، أو أول جمعة من رجب ، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار : فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ، ولم يفعلوها . والله سبحانه وتعالى أعلم ) ا.هـ . وقال أيضاً : ( وأما ثامن شوال : فليس عيداً لا للأبرار ولا للفجار ، ولا يجوز لأحد أن يعتقده عيداً ، ولا يحدث فيه شيئاً من شعائر الأعياد ) ا.هـ . ويكون الاحتفال بهذا العيد في أحد المساجد المشهور فيختلط النساء بالرجال ، ويتصافحون ويتلفظون عند المصافحة بالألفاظ الجاهلية ، ثم يذهبون بعد ذلك إلى صنع بعض الأطعمة الخاصة بهذه المناسبة .
************************************** الفصل الثامن شهر ذي الحجة المبحث الأول : بعض الآثار الواردة فيه . المبحث الثاني : بدعة التعريف . المبحث الثالث : بدعة عيد غدير خم .
المبحث الأول بعض الآثار الواردة فيه 1. عن أبي بكرة – رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، والسنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حرم : ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان .... )) الحديث . متفق عليه . 2. عن أبي بكرة -رضي الله-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(( شهران لا ينقصان ، شهرا عيد : رمضان وذو الحجة )) متفق عليه . 3. عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- : (( أن رجلاً من اليهود قال له : يا أمير المؤمنين آية في كتابهم تقرؤونها ، لو علينا معشر اليهود نزلت لا تخذنا ذلك اليوم عيداً . قال : أي آية ؟ قال:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً } . قال عمر -رضي الله عنه- قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة ، يوم جمعة ))متفق عليه . 4. عن ابن عباس – رضي الله عنهما- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر )) ، فقالوا : يا رسول الله ! ولا الجهاد في سبيل الله ؟ . فقال رسول صلى الله عليه وسلم : (( و لا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ، فلم يرجع من ذلك بشيء )) 5. عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: (( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الفطر ويوم النحر .. )) الحديث . متفق عليه . 6. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الأضحى، ويوم الفطر )) .متفق عليه . 7. مولى ابن أزهر قال : شهدت العيد مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: (( هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما : يوم فطركم من صيامكم ، واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم )) . متفق عليه . 8. عن أم الفضل بنت الحارث :(( أنَّ ناساً تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم : هو صائم . وقال بعضهم : ليس بصائم .فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره ، فشربه )) متفق عليه 9. عن ميمونة- رضي الله عنها-:(( أن الناس شكوا في صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ، فأرسلتُ إليه بحلاب وهو واقف في الموقف ،فشرب منه والناس ينظرون )) متفق عليه . 10. عن عائشة-رضي الله عنها- قالت:((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً في العشر قط)) 11. عن أم سلمة – رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي ، فلا يمس من شهره وبشره شيئاً )) . 12. عن أبي قتادة – رضي الله عنه - : أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كيف تصوم ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم .... ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ثلاث من كل شهر ، ورمضان إلى رمضان ، فهذا صيام الدهر كله ، صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله ، والسنة التي بعده ،وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله)) . 13. عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة . فيقول : أراد هؤلاء ؟ )) . 14. عن عقبة بن عامر – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام التشريق ، عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب )) . 15. عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية ، فقال : (( إن الله تبارك وتعالى قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الفطر ويوم النحر)) . 16. عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أنه دخل على أبيه عمرو بن العاص -رضي الله عنه- فوجده يأكل . قال : فدعاني . قال : فقلت : إني صائم . فقال : (( هذه الأيام التي نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهن، وأمرن بفطرهن)). قال مالك هي أيام التشريق ) 17. عن أبي نجيح قال : سُئِل ابن عمر – رضي الله عنهما – عن صوم يوم عرفة فقال : (( حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه ، وحججت مع أبي بكر فلم يصمه ،وحججت مع عمر فلم يصمه ، وحججت مع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه ، ولا آمر به ، ولا أنهى عنه )) . 18. عن عبد الله بن قرط عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر،ثم يوم القر )) 19. عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حجّ ، فقال : (( أي يوم هذا ؟)) . فقالوا : يوم النحر ، قال : (( هذا يوم الحج الأكبر )) . 20. عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( أمرت بيوم الأضحى عيداً جعله الله لهذه الأمة ... ))الحديث . 21. عن أبي هريرة – رضي الله عنه – (( أن أبا بكر الصديق – رضي الله عنه – بعثه في الحجة التي أمره النبي صلى الله عليه وسلم عليها قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس : لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان)) . وفي رواية لأبي داود : (( ويوم الحج الأكبر يوم النحر والحج الأكبر الحج )) . 22. عن ابن عباس- رضي الله عنهما – قال : ((كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ، ويجعلون المحرم صفراً ، ويقولون : إذا برأ الدبر ، وعفا الأثر ، وانسخ صفر ، حلَّت العمرة لمن اعتمر . قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا:يا رسول الله! أي الحل؟ قال:(( حل كله)) متفق عليه . 23. عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أنه كان يقول : (( من اعتمر في أشهر الحج : في شوال ، أو ذي القعدة ، أو في ذي الحجة ... ))الأثر . 24. قال ابن عباس- رضي الله عنهما-:(( وأشهر الحج التي ذكر الله تعالى : شوال ، وذو القعدة , وذو الحجة ..)) الأثر . 25. عن ابن عباس – رضي الله عنهما –{وَالْفَجْرِ } قال :فجر النهار ، {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} )) قال : عشر الأضحى . 26. عن جابر – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن العشر عشر الأضحى ، والوتر يوم عرفة ، والشفع يوم النحر)) . وقد ورد في فضل بعض الأعمال في شهر ذي الحجة بعض الأحاديث الموضوعة ، نذكر منها: حديث:(من صام العشر فله بكل يوم صوم شهر ، وله بصوم يوم التروية سنة،وله بصوم يوم عرفة سنتان) وحديث :(من صام آخر يوم من ذي الحجة ،وأول يوم من المحرم ، فقد ختم السنة الماضية ،وافتتح للسنة المستقبلة بصوم ، جعله الله كفارة خمسين سنة ) . وحديث: (من صلى يوم عرفة بين الظهر والعصر أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة، وقل هو الله أحد خمسين مرة ، كتب الله له ألف ألف حسنة ....الخ ) . وحديث: (من صلى يوم عرفة ركعتين يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب ثلاث مرات...إلا قال الله عز وجل: أشهدكم أني قد غفرت له) .وحديث: (من صلى ليلة النحر ركعتين يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب خمس عشرة مرة، وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة....جعل الله اسمه في أصحاب الجنة....الخ) وحديث : (إذا كان يوم عرفة غفر الله للحاج ، فإذا كان ليلة المزدلفة غفر الله للتجار.... الخ) ...إلى غير ذلك من الأحاديث الباطلة التي لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم – والله أعلم- .
المبحث الثاني بدعة التعريف المراد بالتعريف : هو اجتماع غير الحاج في المساجد عشية يوم عرفة ، في غير عرفة ، يفعلون ما يفعله الحاج يوم عرفة من الدعاء والثناء . وأول من جمع الناس يوم عرفة في المساجد هو ابن عباس – رضي الله عنهما - ، وذلك في مسجد البصرة . وقيل إن أول من عرف بالكوفة مصعب بن الزبير . قال ابن كثير – رحمه الله – في ترجمة ابن عباس – رضي الله عنهما -: ( وهو أول من عرف بالناس في البصرة ، فكان يصعد المنبر ليلة عرفة ويجتمع أهل البصرة حوله ، فيفسر شيئاً من القرآن ، ويذكر الناس ، من بعد العصر إلى الغروب ، ثم ينزل فيصلي بهم المغرب )ا.هـ . حكم التعريف : اختلف العلماء في حكم التعرف في المساجد يوم عرفة : 1- قال ابن وهب: ( سألت مالكاً عن الجلوس يوم عرفة ، يجلس أهل البلد في مسجدهم ، ويدعو الإمام رجالاً يدعون الله تعالى للناس إلى الشمس فقال : ما نعرف هذا ، وإن الناس عندنا اليوم ليفعلونه )ا.هـ . قال ابن وهب – أيضاً - : ( وسمعت مالكاً يسأل عن جلوس الناس في المسجد عشية عرفة بعد العصر ، واجتماعهم للدعاء، فقال : ليس هذا من أمر الناس ، وإنَّما مفاتيح هذه الأشياء من البدع )ا.هـ . وقال مالك – أيضاً - : ( وأكره أن يجلس أهل الآفاق يوم عرفة في المساجد للدعاء، ومن اجتمع إليه الناس للدعاء فلينصرف، ومقامه في منزل أحب إليَّ ، فإذا حضرت الصلاة رجع فصلى في المسجد)ا.هـ . وروى ابن وضاح عن أبي حفص المدني قال: اجتمع الناس يوم عرفة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، يدعون بعد العصر، فخرج نافع مولى ابن عمر من دار آل عمر ، فقال : أيها الناس إن الذي إن الذي أنتم عليه بدعة ، وليست بسنة ، إنا أدركنا الناس ولا يصنعون مثل هذا ، ثم رجع فلم يجلس ، ثم خرج الثانية ففعل مثلها ثم رجع )ا.هـ . وروى أيضاً عن ابن عون قال:(شهدت إبراهيم النخعي سُئلَ عن اجتماع الناس عشية عرفة، فكرهه، وقال: محدث) ا.هـ . وروى أيضاً عن سفيان قال : (ليست عرفة إلا بمكة ، ليس في هذه الأمصار عرفة ) ا.هـ . وقال الحارث بن مسكين : (كنت أرى الليث بن سعد ينصرف بعد العصر يوم عرفة ، فلا يرجع إلى قرب المغرب )ا.هـ . قال الطرطوشي : فاعلموا- رحمكم الله – أن هؤلاء الأئمة علموا فضل الدعاء يوم عرفة، ولكن علموا أن ذلك بموطن عرفة، لا في غيرها ولا منعوا من خلا بنفسه فحضرته نية صادقة أن يدعو الله تعالى ، وإنما كرهوا الحوادث في الدين ، وأن يظن العوام أن من سنَّة يوم عرفة بسائر الآفاق الاجتماع والدعاء ، فيتداعى الأمر إلى أن يدخل في الدين ما ليس منه . وقد كنت ببيت المقدس ، فإذا كان يوم عرفة حشر أهل السواد وكثير من أهل البلد ، فيقفون في المسجد ، مستقبلين القبلة مرتفعة أصواتهم بالدعاء، كأنه موطن عرفة ، وكنت أسمع سماعاً فاشياً منهم أن من وقف ببيت المقدس أربع وقفات ، فإنها تعدل حجَّة ، ثم يجعلونه ذريعة إلى إسقاط فريضة الحج إلى بيت الله الحرام )ا.هـ . وروى البيهقي عن شعبة قال : سألت الحكم وحماداً عن اجتماع الناس يوم عرف في المساجد فقالا : ( هو محدث ) . وروى كذلك عن إبراهيم – النخعي – قال : ( هو محدث ) . 2- وقال أبو شامة : فإن ابن عباس -رضي الله عنهما- حضرته نية فقعد فدعا، وكذلك الحسن من غير قصد الجمعية، ومضاهاة لأهل عرفة ، وإيهام العوام أن هذا شعار من شعائر الدين المنكر ، إنَّما هو ما اتَّصف بذلك -والله أعلم- أن تعريف ابن عباس قد صار على صورة أخرى غير مستنكر . ذكر ابن قتيبة في غريبه قال في حديث ابن عباس أن الحسن ذكره فقال : كان أول من عرف بالبصرة صعد المنبر فقرأ البقرة وآل عمران وفسَّرهما حرفاً حرفاً . قلت : - والقول لأبي شامة - : فتعريف ابن عباس – رضي الله عنهما – كان على هذا الوجه فسَّر للناس القرآن ، فإنما اجتمعوا لاستماع العلم ، وكان ذلك عشية عرفة ، فقيل عرَّف ابن عباس بالبصرة ، لاجتماع الناس له كاجتماعهم بالموقف . وعلى الجملة : (فأمر التعريف قريب إلا إذا جرَّ مفسدة ، كما ذكره الطرطوشي في التعريف ببيت المقدس )ا.هـ . قال ابن قدامة : (قال القاضي : ولا بأس بالتعريف عشية عرفة بالأمصار ، وقال الأثرم : سألت أبا عبد الله عن التعريف في الأمصار ، يجتمعون في المساجد يوم عرفة. قال : أرجو أن لا يكون به بأس ، قد فعله غير واحد . قال أحمد – رحمه الله - : لا بأس به ،إنما هو دعاء وذكر الله ، فقيل له : تفعله أنت ؟ قال : أما أنا فلا ) ا.هـ . وقد تعقب الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رواية الأثرم عن الإمام أحمد – رحمهم الله – بقوله : (وحينئذ الراجح هو عدم فعله ؛ لأنَّ هذه عبادة اختصت بمكان وهو عرفة ، ولا يلحق غيره به ، فإلحاق مكان بمكان في عبادة ، زيادة في الشرع ، فالذي عليه العمل أنه بدعة )ا.هـ . قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : ( ومن هذا – المتابعة في السنَّة – وضع ابن عمر يده مقعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وتعريف ابن عباس بالبصرة، وعمرو بن حريث بالكوفة ، فإن هذا لما لم يكن مما فعله سائر الصحابة ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم شرعه لأمته ، لم يمكن أن يُقال هذا سنَّة مستحبة ، بل غايته أن يًُقال : هذا مما ساغ فيه اجتهاد الصحابة ، أو مما لا ينكر علي فاعله ؛ لأنَّه مما يسوغ فيه الاجتهاد ، لا لأنه سنة مستحبة سنها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته . أو يقال في التعريف : إنه لا بأس به أحياناً لعارض إذا لم يجعل سنة راتبة . وهكذا يقول أئمة العلم في هذا وأمثاله : تارة يكرهونه ، وتارة يسوغون فيه الاجتهاد ، وتارة يرخصون فيه إذا لم يتخذ سنة ، ولا يقول عالم بالسنة : إن هذه سنة مشروعة للمسلمين ، فإن ذلك إنَّما يقال فيما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ ليس لغيره أن يسن ولا أن يشرع ، وما سنَّة خلفاؤه الراشدون ، فإنما سنُّوه بأمره ، فهو من سننه .... )ا.هـ . وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أن المداومة في الجماعات على غير السنن المشروعة بدعة : كالأذان في العيدين، والقنوت في الصلوات الخمس أو البردين منها ، والتعريف المداوم عليه في الأمصار .... فإن مضاهاة غير المسنون بالمسنون بدعة مكروهة ، كما دلَّ عليه الكتاب والسنَّة والآثار والقياس ) . وقال -أيضاً-: ( فصل: وقد يحدث في اليوم الفاضل مع العيد العلمي المحدث ، العيد المكاني، فيغلظ قبح هذا ، ويصير خروجاً عن الشريعة ، فمن ذلك : ما يفعل يوم عرفة مما لا أعلم بين المسلمين خلافاً في النهي عنه، وهو قصد قبر بعض من يحسن به الظن يوم عرفة ، والاجتماع العظيم عند قبره ، كما يفعل في بعض أرض المشرق والمغرب ، والتعريف هناك كما يفعل في عرفات، فإن هذا النوع من الحج المبتدع الذي لم يشرعه الله ،ومضاهاة للحج الذي شرعه الله ، واتخاذ القبور أعياداً . وكذلك السفر إلى بيت المقدس للتعريف فيه ، فإن هذا أيضاً ضلال بيِّن ، فإن زيادة بيت المقدس مستحبة مشروعة للصلاة فيه والاعتكاف ،وهو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، لكن قصد إتيانه في أيام الحج هو المكروه، فإن ذلك تخصيص وقت معين بزيارة بيت المقدس ، ولا خصوص لزيارته في هذا الوقت على غيره . ثم فيه أيضاً مضاهاة للحج إلى المسجد الحرام، وتشبيه له بالكعبة، ولهذا أفضى إلى ما لا يشك مسلم في إنه شريعة أخرى، غير شريعة الإسلام ، وهو ما قد يفعله بعض الضلاَّل من الطواف بالصخرة ، أو من حلق الرأس هناك أو من قصد النسك هناك ، وكذلك ما يفعله بعض الضلال من الطواف بالقبة التي بجبل الرحمة بعرفة ، كما يُطاف بالكعبة .
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الثلاثاء 15 مارس 2011, 9:56 pm | |
| فأما الاجتماع في هذا الموسم لإنشاد الغناء، أو الضرب بالدف بالمسجد الأقصى ونحوه، فمن أقبح المنكرات من جهات أخرى، منها : • فعل ذلك في المسجد ،فإن ذلك فيه ما نهي عنه خارج المساجد ، فكيف بالمسجد الأقصى!!!. • ومنها : اتخاذ الباطل ديناَ . • ومنها : فعله في الموسم . فأما قصد الرجل مسجد بلده يوم عرفة للدعاء والذكر ، فهذا هو التعريف في الأمصار الذي اختلف العلماء فيه ففعله ابن عباس ، وعمرو بن حريث من الصحابة ، وطائفة من البصريين والمدنيين ، ورخص فيه أحمد – وإن كان مع ذلك لا يستحبه- . هذا هو المشهور عنه ، وكرهه طائفة من الكوفيين والمدنيين ، كإبراهيم النخعي ، وأبي حنيفة ، ومالك ..... وغيرهم . ومن كرهه قال : هو من البدع ، فيندرج في العموم لفظاً ومعنى . ومن رخَّص فيه قال : فعله ابن عباس بالبصرة ، حين كان خليفة لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، ولم ينكر عليه ، وما يفعله في عهد الخلفاء الراشدين من غير إنكار، لا يكون بدعة، لكن ما يُزاد على ذلك من رفع الأصوات الرفع الشديد في المساجد بالدعاء ،وأنواع من الخطب والأشعار الباطلة ، مكروه في هذا اليوم وغيره . والفرق بين هذا التعريف المختلف فيه ، وتلك التعريفات التي لم يختلف فيها : أنَّ في تلك قصد بقعة بعينها للتعريف فيها، كقبر الصالح ، أو كالمسجد الأقصى ، وهذا تشبيه بعرفات ، بخلاف مسجد المصر ، فإنه قصد له بنوعه لا بعينه ، ونوع المساجد مما شرع قصدها ، فإن الآتي إلى المسجد ليس قصده مكاناً معيناً لا يتبدل اسمه وحكمه ، وإنما الغرض بيت من بيوت الله ، بحيث لو حوِّل ذلك المسجد لتحوَّل حكمه ، ولهذا لا تتعلق القلوب إلا بنوع المسجد لا بخصوصه . وأيضاً ، فإنَّ شد الرحال إلى مكان للتعريف فيه ، مثل الحج ، بخلاف المصر . ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا تُشدًّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدي هذا )) .هذا مما لا أعلم فيه خلافاً . فقد نهى النبي صلى اله عليه وسلم عن السفر إلى غير المساجد الثلاثة ، ومعلوم أن إتيان الرجل مسجد مصره إما واجب كالجمعة ، وإما مستحب كالاعتكاف فيه . وأيضاً ، فإن التعريف عند القبر اتخاذ له عيداً ، وهذا بنفسه محرم ، سواء كان فيه شد للرحل أو لم يكن ، وسواء كان في يوم عرفة أو في غيره ، وهو من الأعياد المكانية مع الزمانية )ا.هـ . فمما تقدَّم يتضح لي – والله أعلم – أن التعريف نوعان : الأول : اتفق العلماء على كراهته ، وكونه بدعة وأمراً باطلاً ، وهو الاجتماع في يوم عرفة عند القبور ، أو تخصيص بقعة بعينها للتعريف فيها كالمسجد الأقصى ، وتشبيه هذه الأماكن بعرفات ؛ لأنَّ ذلك يعتبر حجاً مبتدعاً ، ومضاهاة للحج الذي شرعه الله ، واتخاذاً للقبور أعياداً ، حتى وصل بهم الأمر إلى أن زعموا أن من وقف ببيت المقدس أربع وقفات فإنها تعدل حجة ثم يجعلون ذلك ذريعة إلى إسقاط الحج إلى بيت الله الحرام ، كما ذكر ذلك الطرطوشي في كتابه (( الحوادث والبدع )) . وهذا هو النوع الذي قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : ( لا أعلم بين المسلمين خلافاً في النهي عنه ) ا.هـ . الثاني : ما اختلف العلماء فيه ، وهو قصد الرجل مسجد بلده يوم عرفة للدعاء والذكر . فقال بعضهم : محدث وبدعة . وقال بعضهم : لا بأس به . والذي يترجح عندي – والله أعلم – أن قصد الرجل مسجد بلده يوم عرفة للدعاء والذكر : بدعة. وأما من رخص فيه ؛ مستنداً إلى فعل ابن عباس له ، وغيره من الصحابة والتابعين ، فيمكن الجواب عن ذلك من وجهين : * الأول: أن فعل الصحابي لا يقوى على معارضة النصوص الصريحة ، التي ورد فيها النهي عن الإحداث في الدين ، وهي كثيرة، منها : قوله صلى الله عليه وسلم : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) . وقوله- عليه الصلاة والسلام - : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) . وقوله صلى الله عليه وسلم : (( وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ..)) ...إلى غير ذلك من النصوص الثابتة التي صرحت بالنهي عن الإحداث في الدين . * الثاني : أنه لم يكن قصد ابن عباس – والله أعلم – أن يجتمع الناس للدعاء والاستغفار ، مضاهاة لأهل عرفة ، وأن ذلك من شعائر الدين ، كما بيَّن ذلك أبو شامة في كتابه ((الباعث)) . وإنَّما كان اجتماع الناس لسماع تفسيره للقرآن ، لاسيما وهو أعلم أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالتأويل بعد نبيها عليه الصلاة والسلام ، فلم يرد أنهم اجتمعوا للدعاء والاستغفار . وكذلك لم يرد -حسب اطلاعي المحدود- أن ابن عباس -رضي الله عنهما-كرر هذا الفعل مرة أخرى . فكيف بمن اتخذ ذلك سنَّة مشروعة ، يفعلونها كل عام !!!. وقد أشرت آنفاً إلى ذكر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – الذي ورد فيه أن المداومة في الجماعات على غير السنن المشروع بدعة ، ومثل لذلك بالتعريف المداوم عليه في الأمصار – والله أعلم - .
*************************
المبحث الثالث بدعة غدير خم المطلب الأول : حديث غدير خم . عن زيد بن أرقم -رضي الله عن- قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يُدعى خما بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثني عليه ، ووعظ وذكر ، ثم قال : (( أما بعد ، ألا أيها الناس ! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به)). فحثَّ على كتاب الله ورغب فيه . ثم قال : (( وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ..)) الحديث . وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فنزلنا بغدير خم ، فنودي فينا الصلاة جامعة ، وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي -رضي الله عنه- فقال : ((ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ )) . قالوا : بلى . قال : (( ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه ؟ )) . قالوا : بلى . قال : فأخذ بيد علي فقال : (( من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه )) . قال : فلقيه عمر بعد ذلك فقال له : هنيئاً يا ابن أبي طالب ! أصبحت وأمسيت ولي كل مؤمن ومؤمنة )) . وروى الحاكم في المستدرك عن زيد بن أرقم – رضي الله عنه- قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهينا إلى غدير خم ، فأمر بروح فكسح في يوم ما أتى علينا يوم كان أشد حراً منه ، فحمد الله وأثنى عليه وقال : (( يا أيها الناس! إنه لم يبعث نبي قط إلا ما عاش نصف ما عاش الذي كان قبله ، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم ما لن تضلوا بعده : كتاب الله عز وجل )). ثم قام فأخذ بيد علي رضي الله عنه-فقال :((يا أيها الناس !من أولى بكم من أنفسكم ؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم . قال : (( من كنت مولاه فعلي مولاه )) . المطلب الثاني : أول من أحدث هذه البدعة . أول من أحدث بدعة عيد غدير خم هو معز الدولة بن بويه ، وذلك في سنة 352هـ ببغداد . قال ابن كثير في حوادث سنة 352هـ : ( وفي عشر ذي الحجة منها أمر معز الدولة بن بويه بإظهار الزينة في بغداد ، وأن تفتح الأسواق بالليل كما في الأعياد ، وأن تضرب الذبابات والبوقات ، وأن تشعل النيران في أبواب الأمراء ، وعند الشرط ، فرحاً بعيد الغدير- غدير خم- فكان وقتاً عجيباً مشهوداً ، وبدعة شنيعة ظاهرة منكرة )ا.هـ . وقال المقريزي : (اعلم أن عيد الغدير لم يكن عيداً مشروعاً ، ولا عمله أحد من سالف الأمة المقتدى بهم ، وأول ما عرف في الإسلام بالعراق أيام معز الدولة على بن بويه، فإنه أحدثه في سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة فاتخذه الشيعة من حينئذٍ عيداً) ا.هـ . ويعتبر عيد ((غدير خم )) من الأعياد والمواسم التي كان العبيديون – ناصري البدعة – يقيمونها ويرعونها ، ويحافظون عليها، وذلك لإثبات تشيعهم ومحبتهم لآل البيت ، الذي يدَّعُون الانتساب إليهم !! . وأول ما أُقيم الاحتفال بهذا العيد المبتدع في مصر في الثامن عشر من ذي الحجة سنة 362هـ) المطلب الثالث : حكم هذا العيد . لا شك في أن جعل الثامن عشر من ذي الحجة عيداً وموسماً من المواسم التي يحتفل الناس بها ، ويفرحون بقدومها ، ويخصُّونها بشيء من القرب كالإعتاق والذبح ونحو ذلك : بدعة باطلة ، وأساسها الذي اعتمدت عليه أمرٌ باطل لا شك في بطلانه ، وهو زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة سنة عشرة للهجرة ، وهو قافلٌ -عليه الصلاة والسلام- من حجة الوداع ، أوصى بالخلافة لعلي بن أبي طالب – رضي الله عنه – بمكان يسمى غدير خم . وهذا يدلُّ دلالة واضحة على أن المبتدعين لهذا العيد ، والمعظمين له هم الشيعة ، فهم يفضلونه على عيدي الفطر والأضحى، ويسمونه بالعيد الأكبر . قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - ، في كلامه عن أنواع الأعياد الزمانية المبتدعة ، والتي قد يدخل فيها بعض بدع أعياد المكان والأفعال : (النوع الثاني :ما جرى فيه حادثة كما كان يجري في غيره ،من غير أن يوجب ذلك جعله موسماً ، ولا كان السلف يعظمونه ، كثامن عشر ذي الحجة، الذي خطب النبي صلى الله عليه وسلم فيه بغدير خم مرجعه من حجة الوداع، فإنه صلى الله عليه وسلم خطب فيه خطبة وصَّى فيها باتباع كتاب الله ، ووصَّى فيها بأهل بيته ، كما روى ذلك مسلم في صحيحة عن زيد بن أرقم -رضي الله عنه-. فزاد بعض أهل الأهواء في ذلك ، حتى زعموا أنه عهد إلى علي – رضي الله عنه – بالخلافة بالنص الجلي ، بعد أن فرش له، وأقعده على فراش عالية ، وذكروا كلاماً وعملاً قد علم بالاضطراب أنه لم يكن من ذلك شيء ، وزعموا أن الصحابة تمالؤا على كتمان هذا النص ، وغصبوا الوصي حقه ، وفسَّقوا وكفَّرُوا إلا نفراً قليلاً . والعادة التي جبل الله عليها بني آدم ، ثم ما كان القوم عليه من الأمانة والديانة ، وما أوجبته شريعتهم من بيان الحق ، يوجب العلم اليقيني بأن مثل هذا اليوم عيداً محدث لا صل له ، فلم يكن في السلف لا من أهل البيت ولا من غيرهم ، من اتخذ ذلك اليوم عيداً ، حتى يحدث فيه أعمالاً ؛ إذ الأعياد شريعة من الشرائع ، فيجب فيها الاتباع لا الابتداع ، وللنبي صلى الله عليه وسلم خُطبٌ وعهودٌ ووقائع في أيام متعددة : مثل يوم بدر ، وحنين ، والخندق ، وفتح مكة ، ووقت هجرته ، ودخوله المدينة ، وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين ، ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ أمثال تلك الأيام أعياداً . وإنَّما يفعل مثل هذا النصارى ، الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام – أعياداً ، أو اليهود . وإنما العيد شريعة ، فما شرعه الله اتبع ، وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه )ا.هـ . وقد أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بأن اتخاذ يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة عيداً. بدعة ، لم يفعلها السلف، ولم يستحبوها ، وأن ذلك موسم غير شرعي ، وإنما هو من المواسم المبتدعة - والله أعلم –
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الأربعاء 16 مارس 2011, 7:43 am | |
| وما جاء في معناه من الأحاديث ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( لا تختصموا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن تكون في صوم يصومه أحدكم )) فلو كان تخصيص شيء من الليالي بشيء من العبادة جائزا ، لكانت ليلة الجمعة أولى من غيرها ، لأن يومها هو خير يوم طلعت عليه الشمس بنص الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من تخصيصها بقيام من بين الليالي ، دل ذلك على أن غيرها من الليالي من باب أولى لا يجوز تخصيص شيء منها بشيء من العبادة ، إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص ، ولما كانت ليلة القدر وليالي رمضان يشرع قيامها والاجتهاد فيها ، نبه صلى الله عليه وسلم على ذلك وحث الأمة على قيامها ، وفعل ذلك بنفسه ،كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه)) فلو كانت ليلة النصف من شعبان، أو ليلة أول جمعة من رجب، أو ليلة الإسراء والمعراج يشرع تخصيصها باحتفال أو شيء من العبادة لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الأمة ولم يكتموه عنهم ، وهم خير الناس، وأنصح الناس بعد الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- ، ورضي الله عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم-وأرضاهم ، وقد عرفت آنفاً من كلام العلماء أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه – رضي الله عنهم – شيء في فضل ليلة أول جمعة من رجب ، ولا في فضل ليلة النصف من شعبان ، فعلم أن الاحتفال بهما بدعة محدثة في الإسلام ، وهكذا تخصيصها بشيء من العبادة بدعة منكرة .... ا.هـ .- والله أعلم – وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبيناً محمد وآله وصحبه أجمعين . ************************************** المبحث الثالث الصلاة الألفية المبتدعة في شعبان أول من أحدثها : أول من أحدث الصلاة الألفية في ليلة النصف من شعبان رجل يعرف بابن أبي الحمراء من أهل نابلس ، قدم على بيت المقدس سنة 448هـ وكان حسن التلاوة ، فقام فصلى في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان فأحرم خلفه رجل ، ثم انضاف إليهما ثالث ورابع ، فما ختمها إلا وهم في جماعة كثيرة . ثم جاء في العام القابل فصلى معه خلق كثير، وشاعت في المسجد وانتشرت الصلاة في المسجد الأقصى، وبيوت الناس ومنازلهم، ثم استقرت كأنها سنة . صفتها : هذه الصلاة المبتدعة تسمى بالألفية لقراءة سورة الإخلاص فيها ألف مرة، لأنها مائة ركعة، يقرأ في كل ركعة سورة الإخلاص عشر مرات . وقد رويت صفة هذه الصلاة ، والأجر المترتب على أدائها ، من طرق عدة ذكرها ابن الجوزي في الموضوعات ثم قال : ( هذا حديث لا نشك أنه موضوع ، وجمهور رواته في الطرق الثلاثة مجاهيل وفيهم ضعفاء بمرة ، والحديث محال قطعاً ) .ا.هـ . وقال الغزالي في الإحياء : ( وأما صلاة شعبان : فليلة الخامس عشر منه يصلى مائة ركعة ، كل ركعتين بتسليمه ، ويقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة (( قل هو الله أحد)) ) .ا.هـ . حكمها : اتفق جمهور العلماء على أن الصلاة الألفية ليلة النصف من شعبان بدعة . فألفية النصف من شعبان لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه ، ولا استحبها أحد من أئمة الدين الأعلام كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والثوري والأوزاعي والليث وغيرهم – رحمة الله عليهم جميعاً – وكذلك فإن الحديث الوارد فيها موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث .وأعلم أخي المسلم أن مثل هذه الاحتفالات كالاحتفال بليلة النصف من شعبان ، وليلة الإسراء والمعراج المزعومة ، وليلة الرغائب، يكون فيها من الأمور المبتدعة والمحرمة الشيء الكثير ، والتي تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة ، وقد فصل العلامة ابن الحاج هذه البدع والمحرمات في هذه الاحتفالات فنلخص من كلامه ما يأتي : 1. تكلف النفقات الباهظة ، وهو إسراف يعملونه باسم الدين وهو بريء منه . 2. الحلاوات المحتوية على الصور المحرمة شرعاً . 3. زيادة وقود القناديل وغيرها ، وفي زيادة وقودها إضاعة المال ، لاسيما إذا كان الزيت من الوقف فيكون ذلك جرحاً في حق الناظر، لاسيما إذا كان الواقف لا يذكره ، وإن ذكره لم يعتبر شرعاً، وزيادة الوقود مع ما فيه من إضاعة المال كما تقدم سبب لاجتماع من لا خير فيه، ومن حضر من أرباب المناصب الدينية عالماً بذلك فهو جرحة في حقه إلا أن يتوب ، وأما إن حضر ليغير وهو قادر بشرط فيا حبذا . 4. حضور النساء وما فيه من المفاسد . 5. إتيانهم الجامع واجتماعهم فيه ، وذلك عبادة غير مشروعة . 6. ما يفرشونه من البسط والسجادات وغيرها . 7. أطباق النحاس فيها الكيزان والأباريق وغيرهما ، كأن بيت الله تعالى بيتهم ، والجامع إنما جعل للعبادة ، لا للفراش والرقاد والأكل والشرب . 8. ومن هذه البدع والمحرمات السقاؤون ، وفي ذلك من المفاسد جملة منها :البيع والشراء لأنهم يأخذون الدراهم ، وضرب الطاسات بما يشبه صوت النواقيس ، ورفع الصوت في المسجد وتلويثه ، وتخطي رقاب الناس ، وكلها منكرات . 9. اجتماعهم حلقات ، كل حلقة لها كبير، يقتدون به في الذكر والقراءة وليت ذلك لو كان ذكراً أو قراءة، لكنهم يلعبون في دين الله تعالى فالذاكر منهم في الغالب لا يقول : (لا إله إلا الله ) بل يقول : (لا يلاه يلله ) فيجعلون عوض الهمزة ياء وهي ألف قطع جعلوها وصلاً وإذا قالوا سبحان الله ) يمططونها ويرجعونها حتى لا تكاد تفهم ، والقارئ يقرأ القرآن فيزيد فيه ما ليس منه ، وينقص منه ما هو فيه ، بحسب تلك النغمات والترجيعات التي تشبه الغناء والأصوات التي اصطلحوا عليها، على ما قد علم من أحوالهم الذميمة ، وهذا منكر يحف به عدة منكرات . 10. ومن الأمور العظيمة فيها أن القارئ يبتدئ بقراءة القرآن والآخر ينشد الشعر ، أو يريد أن ينشده ، فيسكتون القارئ أو يهمون بذلك ، أو يتركون هذا في شعره وهذا في قراءته ، لأجل تشوف بعضهم لسماع الشعر وتلك النغمات الموضوعة أكثر ، فهذه الأحوال من اللعب في الدين أن لو كانت خارج المسجد منعت ، فكيف بها في المسجد ؟ . 11. حضور الوالدان الصغار وما يتبع من لغطهم وتنجيسهم المسجد . 12. خروج النساء في هذه الليلة-ليلة النصف من شعبان- إلى القبور-مع أن زيارة النساء للقبور محرمة شرعاً- ومع بعضهن الدف يضربن به ، وبعضهن يغنين بحضرة الرجال ورؤيتهم لهن متجاهرين بذلك، لقلة حيائهن ، وقلة من ينكر عليهن . 13. اختلاط النساء بالرجال عند القبور ، وقد رفع النساء جلبان الحياء والوقار عنهن ، فهن كاشفات الوجوه والأطراف . 14. أنهم أعظموا تلك المعاصي بفعلها عند القبور التي هي موضع الخشية والفزع والاعتبار ، والحث على العمل الصالح ، لهذا المصرع العظيم المهول أمره ، فردوا ذلك للنقيض ، وجعلوه موضع فرح ومعاصي كحال المستهزئين . 15. إهانة الأموات من المسلمين وأذيتهم بفعل المنكرات بجانب قبورهم . 16. أن بعضهم يقيمون خشبة عند رأس الميتة أو الميت ، ويكسون ذلك العمود من الثياب ما يليق به عندهم . فإن كان الميت عالماً أو صالحاً صاروا يشكون له ما نزل بهم ويتوسلون به ، وإن كان من الأهل أو الأقارب صاروا يتحدثون معه ويذكرون له ما حدث لهم بعده ، وإن كان عروساً أو عروسة كسوا كل واحد منهما ما كان يلبسه في حال فرحة ، ويجلسون يتباكون ويبكون ويتأسفون . وكسوتهم لهذه الخشبة تشبه في الظاهر بالنصارى في كسوتهم لأصنامهم ، والصور التي يعظمونها في مواسمهم ، ومن تشبه بقوم فهو منهم . 17. أنهم اتصفوا بسبب ما ذكره بصفة النفاق ، لأن الفارق صفته قصد المعصية وإظهارها في الصورة أنها طاعة . 18. اللغو في المسجد وكثرة الكلام بالباطل وهو منكر شديد . 19. جعل المسجد كأنه دار شرطة لمجيء الوالي والمقدمين والأعوان ، وفرش البسط ، ونصب الكرسي للوالي ليجلس عليه في مكان معلوم ، وتوقد بين يديه المشاعل الكثيرة في صحن الجامع ، ويقع منها بعض الرماد ، وربما وقع الضرب بالعصا والبطح لمن يشتكي في الجامع ، أو تأتيه – الوالي – الخصوم من خارج الجامع وهو فيه ، هذا كله في ليلة النصف من شعبان ، وإذا وقعت هذه الأشياء في الجامع فلابد من رفع الأصوات من الخصوم والجند وغيرهم ، بل اللغط واقع لكثرة الخلق فيه ، فكيف به إذا انضم إلى الشكاوي وأحكام الوالي ؟! . 20. اعتقادهم أن فعل هذه المنكرات والبدع المحرمات إقامة حرمة لتلك الليلة ، ولبيت الله عز وجل ، وأنهم أتوه ليعظموه ، وبعضهم يرى أن ذلك من القرب وهذا أشد . وسبق وذكرت أن هذه البدع والمنكرات تختلف باختلاف الزمان والمكان ، فالاحتفالات في الوقت الحاضر تكاد لا تخلو من كثير من هذه المنكرات وإن اختلف الشكل والهيئة . 21. ويضاف إلى هذه البدع أيضا :الدعاء المعروف الذي يطلب فيه من الله تعالى أن يمحو من أم الكتاب شقاوة من كتبه شقياً ...... الخ . ونصه ما يلي : اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا ذا الطول والإنعام ، لا إله إلا أنت ، ظهر اللاجئين ، وجار المستجيرين ، وأمان الخائفين ، اللهم أن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقياً أو محروماً ، أو مطروداً أو مقتراً عليَّ في الرزق ، فامح اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني ، وطردي وإقتار رزقي ، وأثبتني عندك في أم الكتاب سعيداً مرزوقاً موفقاً للخيرات ، فإنك قلت وقولك الحق في كتابك المنزل ، على لسان نبيك المرسل : {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } . إلهي بالتجلي الأعظم في ليلة النصف من شهر شعبان المكرم ، التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم أسألك أن تكشف عنا البلاء ما نعلم وما لا نعلم ، وما أنت به أعلم إنك أنت الأعز الأكرم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم )) . وهذا الدعاء ليس له أصل صحيح في السنة، كما هو الحال في صلاة النصف من شعبان ، فلم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، ولا عن السلف-رضوان الله عليهم أجمعين- أنهم اجتمعوا في المساجد من أجل هذا الدعاء في تلك الليلة ، ولا تصح نسبة هذا الدعاء إلى بعض الصحابة. وربما شرطوا لقبول هذا الدعاء قراءة سورة(يس)،وصلاة ركعتين قبله،يفعلون القراءة والصلاة والدعاء ثلاث مرات ، يصلون المرة الأولى بنية طول العمر ، والثانية بنية دفع البلايا ، والثالثة بنية الاستغناء عن الناس ، واعتقدوا أن هذا العمل من الشعائر الدينية، ومن مزايا ليلة النصف من شعبان وما تختص به، حتى اهتموا به أكثر من اهتمامهم بالواجبات والسنن فتراهم يسارعون إلى المساجد قبيل الغروب من هذه الليلة، وفيهم تاركوا الصلاة ، معتقدين أنه يجبر كل تقصير سابق عليه، وأنه يطيل العمر ويتشاءمون من فوته . فالاجتماع لقراءة هذا الدعاء بالطريقة المتبعة والمعروف عندهم ، وجعل ذلك شعيره من شعائر الدين ، من البدع التي تحدث في ليلة النصف من شعبان . صحيح أن الدعاء والتضرع إلى الله تعالى مطلوب في كل وقت ومكان ، لكن لا على هذا الوجه المخترع ، فلا يتقرب إلى الله بالبدع ، وإنما يتقرب إليه تعالى بما شرع . 22. ومن البدع المنكرة في الاحتفالات بليلة النصف من شعبان كثيرة الوقيد فالمحدث لهذه البدعة راغب في دين المجوسية ، لأن النار معبودة وأول ما حدث ذلك في زمن البرامكة ، فأدخلوا في دين الإسلام ما يموهون به على الطغام ، وهو جعلهم الإيقاد في شعبان كأنه من سنن الإيمان ، ومقصودهم عبادة النيران ، وإقامة دينهم وهو أخسر الأديان ، حتى إذا صلى المسلمون وركعوا وسجدوا كان ذلك إلى النار التي أوقدوها . فزيادة الوقود فيه تشبه بعبدة النار في الظاهر – وإن لم يعتقدوا ذلك – لأنَّ عبدة النار يوقدونها حتى إذا كانت في قوتها وشعشعتها اجتمعوا إليها بنية عبادتها،ولا شك أن التشبه بأهل الأديان الباطلة منهي عنه . والله أعلم . ************************************* الفصل السادس شهر رمضان المبحث الأول : فضل هذا الشهر وما ورد فيه . المبحث الثاني : بعض البدع التي تقام في هذا الشهر . أولاً : قراءة سورة الأنعام . ثانياً : بدعة صلاة التراويح بعد المغرب . ثالثاً : بدعة صلاة القدر . رابعاً :بدعة القيام عند ختم القرآن في رمضان بسجدات القرآن كلها في ركعة . خامساً : بدعة سرد آيات الدعاء . سادساً : بدعة الذكر بعد التسليمتين من صلاة التراويح . سابعاً : بعض بدع ليلة ختم القرآن . ثامناً : بدعة التسحير . تاسعاً : البدع المتعلقة برؤية هلال رمضان . عاشراً : بدعة حفيظة رمضان . أحد عشر : بدعة قرع النحاس آخر الشهر . إثنا عشر : بدعة وداع رمضان . ثلاثة عشر : بدعة الاحتفال بذكرى غزوة بدر . المبحث الأول فضل هذا الشهر وما ورد فيه يعتبر شهر رمضان من أعظم مواسم المسلمين ، فهو شهر الصوم الذي هو الركن الرابع من أركان الإسلام ، قد فضله الله بأن أنزل فيه كتابه الكريم ، وجعل فيه ليلة خيراً من ألف شهر . وقد ورد في فضله وفضل العبادات فيه آثار كثيرة نذكر منها على النحو التالي : أولاً : وجوب صوم شهر رمضان : 1. عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ،وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحج، وصوم رمضان)) متفق عليه . 2. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزاً يوماً للناس، فأتاه رجل فقال: ما الإيمان؟ قال: (( الإيمان أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وبلقائه ، ورسله، وتؤمن بالبعث . قال : ما الإسلام؟ قال : الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان. قال: ما الإحسان؟ قال : أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك . قال: متى الساعة ؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل. وسأخبرك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربها، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان. في خمس لا يعلمهن إلا الله. ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} الآية ثم أدبر فقال: ردوه فلم يروا شيئاً ، فقال : هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم )). متفق عليه. 3. عن طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- أن أعربياً جاء إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس:((فقال: يا رسول ، أخبرني ماذا فرض الله عليَّ من الصلاة ؟ فقال : الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئاً . فقال : أخبرني ماذا فرض الله عليَّ من الصيام ؟فقال : شهر رمضان إلا أن تطوع شيئاً. فقال : أخبرني ماذا فرض الله عليَّ من الزكاة ؟ قال : فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام . فقال : والذي أكرمك بالحق ، لا أتطوع شيئاً ولا أنقص مما فرض الله علىَّ شيئاً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفلح إن صدق ، أو دخل الجنة أن صدق )) متفق عليه . 4. حديث ابن عباس – رضي الله عنهما - : إن وفد عبد القيس لما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من القوم -أو من الوفد ؟- قالوا : ربيعة قال: مرحباً بالقوم -أو الوفد- غير خزايا ولا ندامى. فقالوا: يا رسول الله، إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا، وندخل به الجنة، وسألوه عن الأشربة . فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع : أمرهم بالإيمان بالله وحده ، قال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، ولإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام رمضان ، وأن تعطوا من المغنم الخمس ...... ))الحديث متفق عليه . 5. عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال : يا محمد أتانا رسولك ! فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك ؟قال : (( صدق )) . قال فمن خلق السماء .... إلى أن قال – وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا . قال : (( صدق)) . قال : فبالذي أرسلك ، آلله أمرك بهذا ؟ قال : (( نعم )) ...... قال : والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لئن صدق ليدخلن الجنة )) . 6. عن عائشة-رضي الله عنها- قريش كانت تصومه يوم عاشوراء في الجاهلية ،ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيامه، حتى فرض رمضان وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((من شاء فليصمه ، ومن شاء أفطره )). متفق عليه . 7. عن سلمة بن الأكوع – رضي الله عنه – قال : لما نزلت { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} . كان من أراد أن يفطر ويفتدي ، حتى نزلت هذه الآية التي بعدها فنسختها . متفق عليه . وفي رواية لمسلم أنه قال: كنا في رمضان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء صام، ومن شاء فطر فافتدى بطعام مسكين حتى أنزلت هذه الآية { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} . . ثانياً : فضل شهر رمضان : 8. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة )). وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء ، وغلقت أبواب جهنم ، وسلسلت الشياطين )) . 9. عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : ((ما صام النبي صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً قط غير رمضان ، ويصوم حتى يقول القائل : لا والله لا يفطر ، ويفطر حتى يقول القائل : لا والله لا يصوم))متفق عليه . 10. عن عائشة – رضي الله عنها – قالت :((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ، ويفطر حتى نقول لا يصوم ، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان ، وما رايته أكثر صياماً منه في شعبان )) متفق عليه . 11. عن عبد الله بن شقيق قال : (( قلت لعائشة – رضي الله عنها - : هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً معلوماً سوى رمضان ؟ قالت : (( والله إن صام شهراً معلوماً سوى رمضان، حتى مضى لوجهه، و لا أفطر حتى يصيب منه)) . وفي رواة قالت : (( وما رأيته صام شهراً كاملاً منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان )) . 12. عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : (( الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات ما بينهن ، إذا اجتنب الكبائر )) . 13. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن ، وغلقت أبواب النيران فلم يفتح منها باب ، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ، والله عتقاء من النار وذلك كل ليلة )) . 14. عن أبي بكرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((شهران لا ينقصان ، شهر عيد : رمضان وذو الحجة )) متفق عليه . 15. عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتاكم رمضان . شهر مبارك ، فرض الله عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء ، وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه مردة الشياطين ، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم )) . 16. عن أبي هريرة – رضي الله عنه –عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يتقدمنَّ أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين ، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم )) متفق عليه .
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الأربعاء 16 مارس 2011, 7:48 am | |
| ثالثاً : فضل العبادات فيه : 17. عن أبي هريرة- رضي الله عنه-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه . 18. عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه . 19. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن أعربياً أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال : دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة. قال : ((تعبد الله لا تشرك به شيئاً ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان . قال : والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا . فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم : من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا )) متفق عليه . 20. عن أبي قتادة – رضي الله عنه - : أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كيف تصوم ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى عمر -رضي الله عنه- غضبه ، رضينا بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد نبياً ، نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، فجعل عمر -رضي الله عنه-يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه....ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ثلاث من كل شهر ، ورمضان إلى رمضان ، فهذا صيام الدهر كله ...... الحديث )) . 21. عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر )) . 22. عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أفضل الصيام بعد رمضان ، شهر الله المحرم ، وأفضل الصلاة بعد الفريضة ، صلاة الليل )) . 23. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصلِّ علىَّ ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك أبواه فلم يدخلاه الجنة)) . 24. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( من آمن بالله وبرسوله ، وأقام الصلاة ، وصام رمضان ، كان حقاً على الله أن يدخله الجنة جاهد في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي ولد فيها ....الحديث)) . 25. عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال : ((كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل-عليه السلام- يلقاه كل ليل في رمضان حتى ينسخ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ، فإذا لقيه جبريل -عليه السلام- كان أجود بالخير من الريح المرسلة )) متفق عليه . 26. عن ابن عباس – رضي الله عنهما - : (( لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجته قال لأم سنان الأنصارية :((ما منعك من الحج ؟ قالت : أبو فلان تعني زوجها – كان له ناضحان حج على أحدهما والآخر يسقي أرضاً لنا .قال : فإن عمرة في رمضان تقضي حجة معي )) متفق عليه . 27. عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال:(( كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير ، فقلت: يا نبي الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار. قال :((لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت ....الحديث)) رابعاً : صلاة التراويح : 28. عن عائشة أم المؤمنين-رضي الله عنها- ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس ، ثم صلى من القابلة فكثر ، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: (( قد رأيت الذي صنعتم، ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم وذلك في رمضان )). متفق عليه . وفي رواية (( ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها)) . 29. عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة – رضي الله عنها - : كيف كان صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ؟ فقالت : ((ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على أحد عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلى أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلى ثلاثاً . فقلت : يا رسول الله أتنام قبل أن توتر ؟ قال : ((يا عائشة إن عيني تنامان ، ولا ينام قلبي )) . متفق عليه . 30. عن عبد الرحمن بن عبد القادرّي أنه قال :((خرجت مع عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أُبي بن كعب ، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، قال عمر: نعم البدعة هذه ، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون -يريد آخر الليل- وكان الناس يقومون أوله )) . خامساً : العشر الأواخر : 31. عن عائشة - رضي الله عنها- قالت ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره ، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله )) متفق عليه . 32. عن عائشة-رضي الله عنها-قالت((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر، مالا يجتهد في غيره)) سادساً : الاعتكاف : 33. عن أبي سلمة قال : انطلقت إلى أبي سعيد الخدري فقلت : ألا تخرج بنا إلى النخل نتحدث ؟ فخرج . فقال : قلت : حدثني ما سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر ؟ قال : (( اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر الأول من رمضان واعتكفنا معه ، فأتاه جبريل فقال : إن الذي تطلب أمامك . قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً صبيحة عشرين من رمضان فقال : (( من كان اعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم فليرجع فإني أريت ليلة القدر، وإني نُسّتُها ، وإنها في العشر الأواخر في وتر ، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء . وكان سقف المسجد جريد النخل، وما نرى في السماء شيئاً ، فجاءت قزعة فأمرنا ، فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرنبته تصديق رؤياه )) متفق عليه . 34. عن عائشة – رضي الله عنها – زوج النبي صلى الله عليه وسلم: (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، حتى توفاه الله تعالى ، ثم اعتكف أزواجه من بعده )) متفق عليه . 35. عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان )) متفق عليه . 36. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال((كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً )). 37. عن أبي كعب -رضي الله عنه- ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، فسافر سنة فلم يعتكف ، فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين يوماً )). سابعاً : ليلة القدر : 38. عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان )) متفق عليه . وفي رواية للبخاري (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان ويقول: تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان )). 39. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(( أريت ليلة القدر ، ثم أيقظني بعض أهلي فُنسيتها . فالتمسوها في العشر الغوابر)) . 40. عن ابن عباس – رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى ، في سابعة تبقى ، في خامسة تبقي )) . 41. عن ابن عباس – رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :((هي في العشر الأواخر ، في تسع يمضين ، أو في سبع يبقين )) . 42. عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال : ((خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة )) . 43. عن ا بن عمر – رضي الله عنهما- قال ((أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر ، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر )) متفق عليه . 44. عن عبد الله بن أنيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها ، وأراني صبيحتها أسجد في ماء طين)) ، فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه . 45. عن عيينة بن عبد الرحمن قال : حدثني أبي قال : ذكرت ليلة القدر عند أبي بكرة فقال : ما أنا بملتمسها لشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في العشر الأواخر، فإني سمعته يقول :(( التمسوها في تسع يبقين ، أو سبع يبقين، أو خمس يبقين ، أو ثلاث أو آخر ليلة )) . قال : وكان أبو بكرة يصلي في العشرين من رمضان كصلاته في سائر السنة فإذا دخل العشر اجتهد . 46. عن زر بن حبيش قال : سألت أبي بن كعب -رضي الله عنه- فقلت : إن أخاك ابن مسعود يقول : (( من يقم الحول يصب ليلة القدر )) . فقال : - رحمه الله – أراد أن لا يتكل الناس . أما إنه قد علم أنها في رمضان ، وأنها في العشر الأواخر ، وأنها ليلة سبع وعشرين ، ثم حلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين . فقلت : بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر ؟. قال : ((بالعلامة ، أو بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها )) . 47. عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال : (( صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان ، فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبع، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ، فلما كانت السادسة لم يقم بنا ، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل ، فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لو نفّلتنا قيام هذه الليلة ، قال : فقال :(( إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة )). قال : فلما كانت الرابعة لم يقم ، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح . قال : قلت وما الفلاح ؟ قال : السحور ، ثم لم يقم بنا بقية الشهر )) . ثامناً : الإفطار فيه للمسافر : 48. عن ابن عباس- رضي الله عنهما- (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ الكديد أفطر ، فأفطر الناس )) متفق عليه . 49. عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال : ((خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في يوم حار، حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وابن رواحة)) متفق عليه . 50. عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : (( كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم )) متفق عليه . وعلى كثرة ما ورد في فضل شهر رمضان من الأحاديث الصحيحة ، إلا أن هناك بعض الأحاديث الموضوعة في فضل شهر رمضان ، والتي تظهر فيها المبالغة جليه واضحة ، وهذه الأحاديث الموضوعة كثيرة منها : حديث: (( لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى، ولكن قولوا شهر رمضان)) .حديث:((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نادي الجليل رضوان خازن الجنة فيقول: لبيك وسعديك....-وفيه أمره بفتح الجنة وأمر مالك بتغليق النار-)) .حديث : (( لو علم العباد ما في رمضان لتمنت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها )) .حديث :(( إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله إلى خلقه الصيام ، وإذا نظر الله إلى عبد لم يعذبه...)) . حديث : (( إن لله تبارك وتعالي ليس بتارك أحداً من المسلمين صبيحة أول يوم من شهر رمضان إلا غفر له)) .حديث: ((إن الله تبارك وتعالى في كل ليلة من رمضان عند الإفطار ألف ألف عتيق من النار)) .حديث: ((لو أذن الله لأهل السموات والأرض أن يتكلموا لبشروا صوام شهر رمضان بالجنة)) حديث: ((إذا سلمت الجمعة سلمت الأيام ، وإذا سلم رمضان سلمت السنة)) .وحديث: (( من أفطر يوماً من رمضان فليهد بدنه ، فإن لم يجد فليطعم ثلاثين صاعاً من تمر للمساكين )) . حديث : ((من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة ولا عذر له ، كان عليه أن يصوم ثلاثين يوماً ومن أفطر يومين كان عليه ستون ومن أفطر ثلاثاً كان عليه تسعون يوماً )) . حديث : (( رجب شهر الله ، وشعبان شهري ، ورمضان شهر أمتي ......))الحديث وحديث: (( من صلى في آخر جمعة من رمضان الخمس الصلوات المفروضة في اليوم والليلة ، قضت عنه ما أخل به من صلاة سنته )) . إلى غير ذلك من الأحاديث الباطلة – والله أعلم - . ************************************ المبحث الثاني بعض البدع التي تقام في هذا الشهر شهر رمضان شهر مبارك ، وفضائله كثيرة، وقد شرع فيه من الأعمال والقرب الشيء الكثير، ولكن المبتدعة المعارضين لقوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } أحدثوا بدعاً في هذا الشهر الفضيل ، وأرادوا بها إشغال الناس عن القرب المشروعة، ولم يسعهم ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته -رضوان الله عليهم- ، ومن تبعهم بإحسان من السلف الصالح- رحمة الله عليهم-، الذين كانوا أحرص الناس على الخير -فلا وسع الله عليهم في الدنيا ولا في الآخرة- فزادوا في الدين ما ليس منه ، وشرعوا ما لم يأذن به الله ، ومن هذه البدع : أولاً : قراءة سورة الأنعام : مما ابتدع في قيام رمضان في الجماعة ، قراءة سورة الأنعام جميعها في ركعة واحدة ، يخصونها بذلك في آخر ركعة من التراويح ليلة السابع أو قبلها . فعل ذلك ابتداعاً بعض أئمة المساجد الجهال مستشهداً بحديث لا أصل له عند أهل الحديث ، ولا دليل فيه أيضاً، إنما يروى موقوفاً على علي وابن عباس، وذكره بعض المفسرين مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم في فضل سورة الأنعام بإسناد مظلم عن أبي بن كعب -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( نزلت سورة الأنعام جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك ، لهم زجل بالتسبيح والتحميد )) . فاغتر بذلك من سمعه من عوام المصلين . وعلى فرض صحة الحديث فليس فيه دلالة على استحباب قراءتها في ركعة واحدة ، بل هي من جملة سور القرآن ، فيستحب فيها ما يستحب في سائر السور ، والأفضل لمن استفتح سورة في الصلاة وغيرها أن لا يقطعها بل يتمها إلى آخرها ، وهذه كانت عادة السلف . وورد غي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة الأعراف في صلاة المغرب ، وإن كان فرقها في الركعتين . وكذلك ما ثبت في الصحيحين عن جابر -رضي الله عنه- أنه قال: ((أقبل رجل بناضحين -وقد جنح الليل- فوافق معاذاً يصلي، فترك ناضحه وأقبل على معاذ ، فقرأ بسورة البقرة -أو النساء- فانطلق الرجل، وبلغه أن معاذاً نال منه ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه معاذ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((يا معاذ ، أفتّان أنت- أو أفاتن أنت- أو أفاتن- ثلاث مرات، فلولا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها ، والليل إذا يغشى، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة)) . فكون قراءة سورة الأنعام كلها في ركعة واحدة في صلاة التراويح بدعة ، ليس من جهة قرائتها كلها ، بل من وجوه أخرى : الأول : تخصيص ذلك بسورة الأنعام دون غيرها من السور، فيوهم ذلك أن هذا هو السنة فيها دون غيرها، والأمر بخلاف ذلك. الثاني : تخصيص ذلك بصلاة التراويح دون غيرها من الصلاة ، وبالركعة الأخيرة منها دون ما قبلها من الركعات . الثالث : ما فيه من التطويل على المأمومين ، ولاسيما من يجهل أن ذلك من عادتهم ، فينشب في تلك الركعة ، فيقلق ويضجر ويتسخط بالعبادة . الرابع : ما فيه من مخالفة السنة من تقليل القراءة في الركعة الثانية عن الأولى ، فقد ثبت في الصحيحين (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ، ويقصر في الثانية ، ويسمع الآية أحياناً ..... وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح ويقصر في الثانية )) . وقد عكس صاحب هذه البدعة الأمر ، فإنه يقرأ في الركعة الأولى نحو آيتين من آخر سورة المائدة ، ويقرأ في الثانية سورة الأنعام كلها ، بل يقرأ في تسع عشرة ركعة نحو نصف حزب المائدة، ويقرأ في الركعة الموفية عشرين بنحو حزب ونصف حزب، وفي هذا ما فيه من البدعة ومخالفة الشريعة . وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمة الله- عما يصنعه أئمة هذا الزمان من قراءة سورة الأنعام في رمضان في ركعة واحدة ليلة الجمعة هل هي بدعة أم لا ؟ . فأجاب – رحمة الله – ( نعم بدعة ، فإنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين ، ولا غيرهم من الأئمة أنهم تحروا ذلك ، وإنما عمدة من يفعله ما نقل عن مجاهد وغيره من أن سورة الأنعام نزلت جملة مشيعة بسبعين ألف ملك فاقرأوها جملة لأنها نزلت جملة ، وهذا استدلال ضعيف ، وفي قرائتها جملة من الوجوه المكروهة أمور منها : أن فاعل ذلك يطول الركعة الثانية من الصلاة على الأولى تطويلاً فاحشاً والسنة تطويل الأولى على الثانية كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنها : تطويل آخر قيام الليل على أوله . وهو بخلاف السنة ، فإنه كان يطول أوائل ما كان يصليه من الركعات على أواخرها ، والله أعلم ) .ا.هـ . ثانياً : بدعة صلاة التراويح بعد المغرب : وهذه البدعة من فعل الرافضة، لأنهم يكرهون صلاة التراويح، ويزعمون أنها بدعة أحدثها عمر بن-رضي الله عنه-، ومعروف موقفهم من عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فيدخل في ذلك ما يزعمون أنه أحدثه . فإذا صلوها قبل العشاء الآخرة لا تكون هي صلاة التراويح . وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: عن من يصلي التراويح بعد المغرب: هل هو سنة أم بدعة؟ وذكروا أن الإمام الشافعي – رحمه الله – صلاها بعد المغرب ، وتممها بعد العشاء الآخرة؟ . فأجاب -رحمة الله– (الحمد لله رب العالمين. السنة في التراويح أن تصلى بعد العشاء الآخر، كما اتفق على ذلك السلف والأئمة. والنقل المذكور عن الشافعي-رحمة الله- باطل، فما كان الأئمة يصلونها إلا بعد العشاء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد خلفائه الراشدين، وعلى ذلك أئمة المسلمين، لا يعرف عن أحد أنه تعمد صلاتها قبل العشاء ، فإن هذه تسمى قيام رمضان ،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله فرض عليكم صيام رمضان ، وسننت لكم قيامه ، فمن صامه وقامه غفر له ما تقدم من ذنبه )) .وقيام الليل في رمضان وغيره إنما يكون بعد العشاء ، وقد جاء مصرحاً به في السنن (( أنه لما صلى بهم قيام رمضان صلى بعد العشاء )) . وكان النبي صلى الله عليه وسلم قيامه بالليل هو وتره ، يصلي بالليل في رمضان وغير رمضان إحدى عشرة ركعة ، أو ثلاث عشرة ركعة ، لكن كان يصليها طوالاً ، فلما كان ذلك يشق على الناس قام بهم أُبي بن كعب في زمن عمر بن الخطاب عشرين ركعة ، يوتر بعدها ، ويخفف فيها القيام ، فكان تضعيف العدد عوضاً عن طول القيام ، وكان بعض السلف يقوم أربعين ركعة فيكون قيامها أخف ، ويوتر بعدها بثلاث ، وكان بعضهم يقوم بست وثلاثين ركعة يوتر بعدها ، وقيامهم المعروف عنهم بعد العشاء الآخر ..... فمن صلاه قبل العشاء فقد سلك سبيل المبتدعة المخالفين للسنة ، والله أعلم ) ا.هـ . ثالثاً : بدعة صلاة القدر : وصفتها : أنهم يصلون بعد التراويح ركعتين في الجماعة، ثم في آخر الليل يصلون تمام مائة ركعة ، وتكون هذه الصلاة في الليلة التي يظنون ظناً جازماً ليلة القدر ، ولذلك سميت بهذا الاسم . وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن حكمها ، وهل المصيب من فعلها أو تركها ؟ وهل هي مستحبة عن أحد من الأئمة أو مكروهة ، وهل ينبغي فعلها والأمر بها أو تركها والنهي عنها ؟ . فأجاب -رحمه الله- ( الحمد لله ، بل المصيب هذا الممتنع من فعلها والذي تركها ، فإن هذه الصلاة لم يستحبها أحد من أئمة المسلمين ، بل هي بدعة مكروهة باتفاق الأئمة ، ولا فعل هذه الصلاة لا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة، ولا التابعين ، ولا يستحبها أحد من أئمة المسلمين ، والذي ينبغي أن تترك وينهى عنه ) ا. هـ . رابعاً :بدعة القيام عند ختم القرآن في رمضان بسجدات القرآن كلها في ركعة : قال أبو شامة : (وابتدع بعضهم أيضاً جمع آيات السجدات ، يقرأ بها في ليلة ختم القرآن وصلاة التراويح ، ويسبح بالمأمومين في جميعها ) . وقال ابن الحاج: (وينبغي له –الإمام- أن يتجنب ما أحدثه بعضهم من البدع عند الختم، وهو أنهم يقومون بسجدات القرآن كلها فيسجدونها متوالية في ركعة واحدة أو ركعات. فلا يفعل ذلك في نفسه وينهى عنه غيره، إذاً أنه من البدع التي أحدثت بعد السلف . وبعضهم يبدل مكان السجدات قراءة التهليل على التوالي ، فكل آية فيها ذكر (لا إله إلا الله ) أو (لا إله إلا هو) قرأها إلى آخر الختمة ، وذلك من البدع أيضاً ) .ا.هـ . وقال ابن النحاس: (ومنها -البدع والمنكرات- القيام عند ختم القرآن في رمضان بسجدات القرآن كلها في ركعة أو ركعات ، أو الآيات المشتملة على التهليل من أول القرآن إلى آخره ، وهذا كله بدعة أحدثت، فينبغي أن تُغير وتُرد ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) )ا.هـ.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الأربعاء 16 مارس 2011, 8:43 am | |
| خامساً : بدعة سرد آيات الدعاء : ومن البدع التي أحدثت في رمضان بدعة سرد جميع ما في القرآن من آيات الدعاء ، وذلك في آخر ركعة من التراويح ، بعد قراءة سورة الناس فيطول الركعة الثانية على الأولى ، مثل تطويل بقراءة سورة الأنعام . وكذلك الذين يجمعون آيات يخصونها بالقراءة ويسمونها آيات الحرس ولا أصل لشيء من ذلك، فليعلم الجميع أن ذلك بدعة، وليس شيء منها من الشريعة ، بل هو مما يوهم أنه من الشرع وليس منه . سادساً : بدعة الذكر بعد التسليمتين من صلاة التراويح : ومما أحدث في هذا الشهر الفضيل : الذكر بعد كل تسليمتين من صلاة التراويح ، ورفع المصلين أصواتهم بذلك ، وفعل ذلك بصوت واحد ، فذلك كله من البدع . وكذلك قول المؤذن بعد ذكرهم المحدث هذا: الصلاة يرحمكم الله. فهذا أمر محدث أيضاً، لم يرو أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ولا أقره . وكذلك الصحابة والتابعون والسلف الصالح ، فالإحداث في الدين ممنوع ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ثم الخلفاء بعده ثم الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- ولم يفعلوا شيئاً من هذا ، فليسعنا ما وسعهم ، فالخير كله في الاتباع ، والشر كله في الابتداع . سابعاً : بعض بدع ليلة ختم القرآن : ومما أحدث في هذا الشهر العظيم : رفع الصوت بالدعاء بعد ختم القرآن ، ويكون هذا الدعاء جماعياً ، أو كل يدعو لنفسه، ولكن بصوت عال، مخالفين بذلك قوله تعالى{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} .وهذا الشهر العظيم موضع خشوع وتضرع وابتهال ، ورجوع إلى سبحانه وتعالى بالتوبة النصوح الصادقة مما قارفه من الذنوب ، والسهو والغفلات والتقصير في الطاعة فينبغي أن يبذل الإنسان جهده، كل على قدر حاله، ويدعو الله بالأدعية الصحيحة المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين والسلف الصالح ، والتي تخلو تماماً من دعاء غير الله أو التوسل به . وسرية الدعاء أحرى للإخلاص فيه ، بعيداً عن الرياء والسمعة ، فعندما رفع الصحابة أصواتهم بالدعاء قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ((يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم . فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً، إنه معكم، إنه سميع قريب، تبارك اسمه، وتعالى جده )) . وفي رواية لمسلم : (( والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلة أحدكم )) . ومن البدع التي أحدثت في ليلة ختم القرآن : 1. اجتماع المؤذنين تلك الليلة فيكبرون جماعة في حال كونهم في الصلاة، لغير ضرورة داعية إلى السمع الواحد، فضلاً عن جماعة، بل بعضهم يسمعون ولا يصلون، وهذا فيه ما فيه من القبح والمخالفة لسنة السلف الصالح -رحمه الله عليهم-. 2. أنه إذا خرج القارئ من الموضع الذي صلى فيه، أتوه ببغلة أو فرس ليركبها، ثم تختلف أحوالهم في صفة ذهابه إلى بيته، فمنهم من يقرأ القرآن بين يديه ، كما يفعلونه أمام جنائزهم من عاداتهم الذميمة ، والمؤذنون يكبرون بين يديه كتكبير العيد . قال ابن الحاج: ( قال القاضي أبو الوليد بن رشد -رحمه الله تعالى-: كره مالك قراءة القرآن في الأسواق والطرق لوجوه ثلاثة : أحدها : تنزيه القرآن وتعظيمه من أن يقرأه وهو ماش في الطرق والأسواق، لما قد يكون فيها من الأقذار والنجاسات. الثاني : أنه إذا قرأ القرآن على هذه الأحوال لم يتدبره حق التدبر . الثالث : لما يخشي أن يدخله ذلك فيما يفسد نيته )ا.هـ . 3. سير الفقراء الذاكرين بين يدي القارئ ، إلى أن يصل إلى بيته ، ومنهم من يعوض ذلك بالأغاني ، وهو أشدُّ هذه الأمور وإن كانت كلها ممنوعة . 4. ضرب الطبل والأبواق والدف أو الطار أمام القارئ أثنا سيره إلى بيته . 5. وربما جمع بعضهم الأمور السابقة كلها أو أكثرها ، ويكون في ذلك من اللهو واللعب ما هو ضد المطلوب في هذه الليلة ، من الاعتكاف على الخير ، وترك الشر والمباهاة والفخر ونحو ذلك . 6. عمل بعض أنواع الأطعمة والحلاوات لهذه المناسبة . 7. زيادة وقود القناديل الكثيرة الخارجة عن الحد المشروع ، ولما في ذلك من إضاعة المال ، والسرف والخيلاء . 8. استعمال الشمع للوقود في أوان من ذهب أو فضة ، ولا يخفى تحريم استعمالهما لعدم الضرورة إليهما 9. تعليق ختمه عند الموضع الذي يختمون فيه، فمنهم من يتخذها من الشقق الحرير الملونة ، ومنهم من يتخذها من غيرها، لكنها ملونة أيضاً، ويعلقون فيها القناديل، وما في ذلك من السرف والخيلاء وإضاعة المال والرياء والسمعة واستعمال الحرير . 10. ومنم من يستعير القناديل من مسجد آخر وهي وقف عليه ، فلا يجوز إخراجها منه ، ولا استعمالها في غيره . 11. أن هذا الاجتماع يفضي إلى اجتماع أهل الريب والشك والفسوق ، وممن لا يرضى حاله، حتى جرّ ذلك إلى اختلاط النساء بالرجال في موضع واحد ولا يخفى ما في ذلك من الضرر العظيم . 12. كثرة اللغط في المسجد ورفع الأصوات فيه والقيل والقال، إذ أنه يكون الإمام في الصلاة، وكثير من الناس يتحدثون ويخوضون في أشياء ينزه المسجد عن بعضها . 13. اعتقاد بعض العلماء أن هذا الاجتماع بما فيه من البدع ، إظهار لشعائر الإسلام، ولا يخفى ما يجلب هذا الأمر من الضرر العظيم ، وتكثير سواد أهل البدع ، ويكون حضور هؤلاء العلماء حجة إن كانوا قدوة للقوم ، بأن ذلك جائز غير مكروه ، فيقولون : لو كان بدعة لم يحضره العالم فلان ، ولم يرض به . فإنا لله وإنا إليه راجعون . والإثم في هذا من فعله أو أمر به أو استحسنه أو رضي به أو أعان عليه بشيء أو قدر على تغييره فلم يفعل . 14. إحضار الكيزان وغيرها من أواني الماء في المسجد حين الختم ، فإذا ختم القارئ شربوا ذلك الماء ، ويرجعون به إلى بيوتهم فيسقونه لأهليهم ومن شاءوا على سبيل التبرك ، وهذه بدعة لم تنقل عن أحد من السلف-رحمة الله عليهم- . 15. تواعدهم للختم ، فيقولون : فلان يختم في ليلة كذا وفلان يختم في ليلة كذا ، ويعرض ذلك بعضهم على بعض ، ويكون ذلك بينهم بالنوبة – أي بالتناوب-، حتى صار ذلك كأنه ولائم تعمل ، وشعائر تظهر ، فلا يزالون كذلك غالباً من انتصاف شهر رمضان إلى آخر الشهر ، وهذا أمر محدث لم يؤثر على السلف الصالح -رحمة الله عليهم - . فهذه بعض المنكرات والبدع التي أحدثت في ليلة الختم، ولما كانت مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفائه، وما عليه السلف الصالح زينها الشيطان وأتباعه في نفوسهم ، وسول لهم الإصرار على فعلها ، وجعل ذلك من شعائر الدين ، ولو فرضنا جدلاً أن هذه الأمور المحدثة مطلوبة شرعاً لأدعى هؤلاء المبتدعة المشقة في فعلها ، وعجزهم عنها ، ولتهاونوا بها ، ولكن صدق الله العظيم القائل في محكم كتابه : { أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} . – والله أعلم -. ثامناً : بدعة التسحير : التسحير من الأمور المحدثة التي لم تكن على عهده صلى الله عليه وسلم ولم يأمر به ، وليس من فعل الصحابة أو التابعين أو السلف الصالح -رحمة الله عليهم أجمعين- ولأجل أنه أمر محدث اختلفت فيه عوائد الناس ، ولو كان مشروعاً ما اختلفت فيه عوائدهم . ففي الديار المصرية يقول المؤذنون بالجامع: تسحروا كلوا واشربوا أو ما أشبه ذلك ، ويقرؤن قوله تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} الآية.ويكررون ذلك مراراً عديدة،ثم يسقون على زعمهم ويقرؤن قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً}إلى قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً} . والقرآن العزيز ينبغي أن ينزه عن موضع بدعة ، أو على موضع بدعة ، ثم ينشدون في أثناء ذلك القصائد ، ويسحرون أيضاً بالطبلة يطوف بها بعضهم على البيوت ، ويضربون عليها ، هذا الذي مضت عليه عادتهم ، وكل ذلك من البدع . وأما أهل الإسكندرية ، وأهل اليمن ، وبعض أهل المغرب ، فيسحرون بدق الأبواب على أصابع البيوت ، وينادون عليهم: قوموا كلوا ، وهذا نوع آخر من البدع نحو ما تقدم . وأما أهل الشام فإنهم يسحرون بدق الطار والغناء والرقص واللهو واللعب ، وهذا شنيع جداً ، وهو أن يكون شهر رمضان الذي جعله الشارع صلى الله عليه وسلم للصلاة والصيام ، والتلاوة والقيام ، قابلوه بضد الإكرام والاحترام ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . وأما بعض أهل المغرب فإنهم يفعلون قريباًَ من فعل أهل الشام ، وهو أنه إذا كان وقت السحور عندهم ، ويضربون بالنفير على المنار ، ويكررونه سبع مرات ، ثم بعده يضربون بالأبواق سبعاً أو خمساً ، فإذا قطعوا حرم الأكل إذ ذاك عندهم . والعجيب أنهم يضربون بالنفير والأبواق في الأفراح التي تكون عندهم، ويمشون بذلك في الطرقات، فإذا مروا على باب مسجد سكتوا وأسكتوا ، ويخاطب بعضهم بعضاً بقولهم : احترموا بيت الله تعالى فيكفون حتى يجوزوه ، فيرجعوا إلى ما كانوا عليه ، ثم إذا دخل شهر رمضان، الذي هو شهر الصيام والقيام، والتوبة والرجوع إلى الله تعالى من كل رذيلة، يأخذون فيه النفير والأبواق، ويصعدون بها على المنار في هذا الشهر الكريم ، ويقابلونه بضد ما تقدم ذكره . وهذا يدل على أن فعل التسحير بدعة بلا شك ولا ريب ، إذ أنها لو كانت مأثورة لكانت على شكل معلوم لا يختلف حالها، في بلد دون آخر كما تقدم . فيتعين على من قدر من المسلمين عموماً التغيير عليهم ، وعلى المؤذن والإمام خصوصاً ، كل منهم يغير ما في إقليمه إن قدر على ذلك بشرطه ، فإن لم يستطع ففي بلده ، فإن لم يستطع ففي مسجده . ومسألة التسحير هذه لم تدع ضرورة إلى فعلها وإذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد شرع الأذان الأول للصبح دالاً على جواز الأكل والشرب والثاني دالاً على تحريمها ، فلم يبق أن يكون ما يعمل زيادة عليهما إلا بدعة ؛ لأن المؤذنين إذا أذنوا مرتين انضبطت الأوقات وعلمت . تاسعاً : البدع المتعلقة برؤية هلال رمضان : ومن المحدثات في شهر رمضان ، ما تفعله العامة في بعض البلدان الإسلامية ، من رفع الأيدي إلى الهلال عند رؤيته يستقبلونه بالدعاء قائلين : ( هل هلالك، جل جلالك، شهر مبارك). نحو ذلك ، مما يعرفه له أصل في الشرع ، بل كان من عمل الجاهلية وضلالاتهم . والذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى الهلال قال :(( اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلام والإسلام، ربي وربك الله)) . فما يفعله بعض الناس عند رؤية الهلال من الإتيان بهذا الدعاء ، والاستقبال ورفع الأيدي، ومسح وجوههم بدعة مكروهة لم تعهد في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه-رضوان الله عليهم- ولا السلف الصالح-رحمة الله عليهم . ومن ذلك أيضاً ما تفعله العوام ، وأرباب الطرق من الطواف في أول ليلة من رمضان في العواصم وبعض القرى -المسمى بالرؤية- فإنه لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أصحابه ولا أحد من السلف الصالح ، مع اشتماله على قراءة الأوراد والأذكار ، والصلوات مع اللغط والتشويش بضرب الطبول ، واستعمال آلات الملاهي ، وزعقات النساء والأحداث وغير ذلك، مما هو مشاهد في بعض البلدان والأقطار الإسلامية . عاشراً : بدعة حفيظة رمضان : ومن البدع المنكرة التي أحدثت في هذا الشهر الكريم ، كتب الأوراق التي يسمونها (حفائظ) في آخر جمعة من رمضان ، ويسمون هذه الجمعة بالجمعة اليتيمة ، فيكتبون هذه الأوراق حال الخطبة ، ومما يكتب فيها قولهم ( لا آلاء إلا آلاؤك سميع محيط علمك كعسهلون وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ) . ويعتقد هؤلاء الجهال المبتدعة أنها تحفظ من الحرق والغرق والسرقة والآفات . فلا شك في بدعية هذا الأمر، لما في ذلك من الإعراض عن استماع الخطبة بل والتشويش على الخطيب وسامعيه، وذلك ممنوع شرعاً كما لا يخفى ، ولا خير في ذلك ولا بركة ، فإنما يتقبل الله من المتقين لا من المبتدعين . وقد يكتب فيها كلمات أعجمية قد تكون دالة على مالا يصح ، أو فيها كفر بالله ، ولم ينقل هذا عن أحد من أهل العلم، وذلك- والله أعلم- من بدع الدجالين التي زينهوها للعامة البسطاء الجهال ، ولذلك لا تقع إلا في القرى المتأخرة ، والبلدان التي تكثر فيها البدع ، فيجب النهي عنها ، والتحذير منها ، مثلها في ذلك مثل جميع البدع التي تشغل الناس عما أوجبه الله عليهم من الفروض والواجبات .
أحد عشر : بدعة قرع النحاس آخر الشهر : ومن البدع المحدثة في شهر رمضان بدعة القرع على النحاس ونحوه آخر يوم من رمضان ، عند غروب الشمس ، يأمر الناس بذلك أولادهم ، ويعلمونهم كلمات يقولونها حالة القرع ، تختلف باختلاف البلدان ، ويزعمون أن ذلك يطرد الشياطين التي هاجت في هذا الوقت ، لخروجها من السجن ، وخلاصها من السلاسل التي كانت مقيدة بها في شهر الصوم ، قاتل الله الجهل كيف يؤدي بالناس إلى هذه المهازل اثنا عشر : بدعة وداع رمضان : ومن البدع المحدثة في شهر رمضان المبارك : أنه إذا بقي من رمضان خمس ليال، أو ثلاث ليال يجتمع المؤذنون، والمتطوعون من أصحابهم ، فإذا فرغ الإمام من سلام وتر رمضان ، تركوا التسبيح المأثور ، وأخذوا يتناوبون مقاطيع منظومة في التأسف على انسلاخ رمضان ، فمتى فرغ أحدهم من نشيد مقطوعة بصوته الجهوري ، أخذ رفقاؤه بمقطوعة دورية ، باذلين قصارى جهدهم في الصيحة والصراخ بضجيج يصم الآذان ، ويسمع الصم ، ويساعدهم على ذلك جمهور المصلين . ولعلم الناس بأن تلك الليالي هي ليالي الوداع ، ترى الناس في أطراف المساجد ، وعلى سدده وأبوابه ، وداخل صحنه ، النساء والرجال والشباب والولدان ، بحالة تقشعر لقبحها الأبدان ، وقد اشتملت هذه البدعة على عدة منكرات منها . 1. رفع الأصوات بالمسجد ، وهو مكروه كراهة شديدة . 2. التغني والتطرب في بيوت الله ، التي لم تشيد إلا للذكر والعبادة . 3. كون هذه البدعة مجبلة للنساء والأولاد والرعاع ، الذين لا يحضرون إلا بعد انقضاء الصلاة للتفرج والسماع . 4. اختلاط النساء بالرجال . 5. هتك حرمة المسجد ، لاتساخه وتبذله بهؤلاء المتفرجين ، وكثرة الضوضاء والصياح من أطرافه ، إلى غير ذلك ، مما لو رآه السلف الصالح لضربوا على أيدي مبتدعيه – وهذا هو الواجب على كل قادر على ذلك – وقاوموا بكل قواهم من أحدث فيه ، نسأل الله تعالى العون على تغيير هذا الحال بمنه وكرمه . ومن الأمور المحدثة المتعلقة بوداع رمضان، ما يفعله بعض الخطباء في آخر جمعة من رمضان ، من ندب فراقه كل عام ، والحزن على مضيه ، وقوله: لا أوحش الله منك يا شهر كذا وكذا . ويكرر هذه الوحشيات مسجعات مرات عديدة ، ومن ذلك قوله: لا أوحش الله منك يا شهر المصابيح، لا أوحش الله منك يا شهر المفاتيح.فتأمل هدنا الله وإياك لما آلت إليه الخطب، لاسيما خطبة آخر هذا الشهر الجليل ، الناس فيه بحاجة ماسة إلى آداب يتعلمونها لما يستقبلهم من صدقة الفطر ، ومواساة الفقراء ، والاستمرار على ما ينتجه الصوم من الأمور الفاضلة ، والآثار الحميدة ، وتجنب البدع وغير ذلك مما يقتضيه المقام . ثلاثة عشر : بدعة الاحتفال بذكرى غزوة بدر : ومما أحدث في هذا الشهر المبارك الاحتفال بذكرى غزوة بدر ، وذلك أنه إذا كامن ليلة السابع عشر من شهر رمضان اجتمع الناس في المساجد وأغلبهم من العامة، وفيهم من يدعي العلم، فيبدأون احتفالهم بقراءة آيات من الكتاب الحكيم،ثم ذكر قصة بدر وما يتعلق بها من الحوادث، وذكر بطولات الصحابة-رضوان الله عليهم- والغلو فيها، وانشاء بعض القصائد المتعلقة بهذه المناسبة. وفي بعض البلدان الإسلامية تحتفل الدولة رسمياً بهذه المناسبة فيحضر الاحتفال أحد المسئولين فيها . ولا يخفى ما يصاحب هذه الاحتفالات من الأمور المنكرة كالاجتماع في المساجد لغير ما عبادة شرعية، أو ذكر مشروع، وما يصاحب هذه الاجتماعات من اللغط والتشويش ونحو ذلك من الأمور التي تصان بيوت الله عنها ، وكذلك دخول بعض الكفار إلى المسجد كالمختصين منهم في مجال مكبرات الصوت ، أو الإضاءة ، أو الصحافة والإعلام ، وكذلك دخول المصورين للمسجد لتصوير هذه المناسبة ، بالإضافة إلى اعتبار هذا الاجتماع سنة تقام في مثل هذا اليوم ، أو هذه الليلة في كل عام . فتخصيص هذه الليلة -ليلة السابع عشر من رمضان– بالاجتماع والذكر وإلقاء القصائد ، وجعلها موسماً شرعياً ، ليس له مستند من الكتاب ولا من السنة ، ولم يؤثر عن الصحابة-رضوان الله عليهم- أو التابعين أو السلف الصالح -رحمهم الله- ، أنهم احتفلوا بهذه المناسبة في هذه الليلة أو في غيرها . قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : (( وللنبي صلى الله عليه وسلم -خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة : مثل يوم بدر ، وحنين ، والخندق ، وفتح مكة ، ووقت هجرته ، ودخوله للمدينة ، وخطب متعددة يذكر فيها قواعد الدين .ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ أمثال تلك الأيام أعياداً ، وإنما يفعل مثل هذا النصارى ، الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى – عليه السلام – أعياداً ، أو اليهود ، وإنما العيد شريعة ، فما شرعه الله أتبع ، وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه .ا.هـ . والاشتغال بهذه الأمور وأمثالها من الأمور المحدثة ، سبب في ابتعاد الناس عما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لهم من إحياء ليالي رمضان بالصلاة والذكر . ومن أعظم البلاء على المسلمين ترك المشروع وفعل الأمر المحدث المبتدع – والله أعلم - . ***************************** الفصل السابع شهر شوال المبحث الأول : بعض الآثار الواردة فيه . المبحث الثاني : بدعة التشاؤم من الزواج فيه المبحث الثالث : بدعة عيد الأبرار . المبحث الأول بعض الآثار الواردة فيه 1. عن أبي أيوب -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(( من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فذلك صيام الدهر )) . 2. عن عائشة -رضي الله عنها-قالت : (( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان ، فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله ، فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء ، فأذنت لها فضربت خباء،فلما رأته زينب بنت جحش ضربت خباء آخر، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم رأي الأخبية فقال : ما هذا ؟ فأخبر . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : البر ترون بهن؟ فترك الاعتكاف ذلك الشهر ، ثم اعتكف عشراً من شوال )) متفق عليه . 3. عن ثوبان -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام رمضان فشهر بعشرة أشهر ، وصيام ستة أيام بعد الفطر فذلك تمام صيامه السنة )) . 4. عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : (( تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم في شوال ، وأدخلت عليه في شوال ، فأي نسائه كانت أحظى عنده مني )) . فكانت تستحب أن تدخل نساءها في شوال . 5. عن عبد الله بن مسلم القرشي عن أبيه قال : سألت – أو سُئِل- النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام الدهر، فقال: (( إن لأهلك عليك حقاً ، صم رمضان والذي يليه ، وكل أربعاء وخميس ، فإذاً أنت قد صمت الدهر )) . 6. عن محمد بن إبراهيم : أن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- كان يصوم أشهر الحرم ، فقال له رسول صلى الله عليه وسلم : (( صم شوالاً . فترك أشهر الحرم ، ثم لم يزل يصوم شوالاً حتى مات . 7. عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال شهدت العيد مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: ((هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما : يوم فطركم من صيامكم ، واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم )) . متفق عليه . 8. عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: (( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الفطر ويوم النحر ..)) الحديث . متفق عليه . 9. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الأضحى ويوم الفطر )) 10. عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية ، فقال : (( إن الله تبارك وتعالى قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الفطر ويوم النحر)) . 11. عن ابن عمر- رضي الله عنهما-أنه كان يقول :((من اعتمر في أشهر الحج : في شوال ، أو في ذي القعدة ، أو في ذي الحجة ... )) الخ قوله . 12. قال ابن عباس -رضي الله عنهما- :(( وأشهر الحج التي ذكر الله تعالى: شوال، وذو القعدة , وذو الحجة...)).ا. هـ . وقد ورد في ليلة عيد الفطر ويومه أحاديث موضوعة ، منها : حديث أن من صلى ليلة الفطر مائة ركعة ، يقرأ في كل ركعة الحمد مرة ، وقل هو الله أحد عشرة مرات ......الخ ) . وحديث : ( من صلى يوم الفطر بعدما يصلي عيده أربع ركعات ، يقرأ في أول ركعة بفاتحة الكتاب ... فكأنما قرأ كل كتاب نزله الله على أنبيائه ..... ) . وحديث : ( من السنة اثنتا عشرة ركعة بعد عيد الفطر ، وست ركعات بعد عيد الأضحى) . وحديث : ( من أحيا الليالي الأربع وجبت له الجنة : ليلة التروية ، وليلة عرفة ، وليلة النحر ، وليلة الفطر ) . وحديث : ( من صام صبيحة يوم الفطر فكأنما صام الدهر ) ، والله أعلم .
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الأربعاء 16 مارس 2011, 8:47 am | |
| المبحث الثاني بدعة التشاؤم من الزواج فيه قال ابن منظور : (وشوال : من أسماء الشهور معروف ، اسم الشهر الذي يلي رمضان ، وهو أول أشهر الحج ) . قيل : سمي بتشويل لبن الإبل ، وهو توليه وإدباره ، وكذلك حال الإبل في اشتداد الحر وانقطاع الرطب .....وكانت العرب تطير من عقد المناكح فيه، وتقول : إن المنكوحة تمتنع من ناكحها كما تمتنع طروقة الجمل إذا لقحت وشالت بذنبها، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم طيرتهم، و قالت عائشة-رضي الله عنها-:((تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم في شوال، وبنى بي في شوال ، فأي نسائه كانت أحظى عنده مني )) .ا.هـ . فالسبب الذي جعل العرب في الجاهلية يتشاءمون من الزواج في شهر شوال : هو اعتقادهم أن المرأة تمتنع من زوجها كامتناع الناقة التي شولت بذنبها بعد اللقاح من الجمل . قال ابن كثير-رحمه الله-( وفي دخوله صلى الله عليه وسلم بها – بعائشة- رضي الله عنها- في شوال ردّ لما يتوهمه بعض الناس من كراهية الدخول بين العيدين خشية المفارقة بين الزوجين ، وهذا ليس بشيء ) ا.هـ . فالتشاؤم من الزواج في شهر شوال أمر باطل ؛ لأن التشاؤم عموماً من الطيرة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها بقوله: ((لا عدوى ولا طيرة )) .وقال – عليه السلام - : ((طيرة شرك)) . فمثله مثل التشاؤم بشهر صفر . وقد تقدم الكلام عن ذلك . قال النووي – رحمه الله – في شرحه لحديث عائشة –رضي الله عنها-: ( فيه استحباب التزويج والتزوج والدخول في شوال، وقد نص أصحابنا على استحبابه ، واستدلُّوا بهذا الحديث . وقصدت عائشة بهذا الكلام ردُّ ما كانت الجاهلية عليه ، وما يتخيله بعض العوام اليوم،من كراهة التزويج والدخول في شوال، وهذا باطل لا أصل له وهو من آثار الجاهلية ، كانوا يتطيرون بذلك لما في اسم شوال من الإشالة والرفع .......) .ا.هـ . ******************************************* المبحث الثالث بدعة عيد الأبرار ومن الأمور المحدثة المبتدعة في شهر شوال : بدعة عيد الأبرار ، وهو اليوم الثامن من شوال . فبعد أن يتم الناس صوم شهر رمضان ، ويفطروا اليوم الأول من شهر شوال-وهو يوم عيد الفطر- يبدأون في صيام الستة أيام الأول من شهر شوال ، وفي اليوم الثمن يجعلونه عيداً يسمونه عيد الأبرار . قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : ( وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد ، أو بعض ليالي رجب ، أو ثامن عشر ذي الحجة ، أو أول جمعة من رجب ، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار : فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ، ولم يفعلوها . والله سبحانه وتعالى أعلم ) ا.هـ . وقال أيضاً : ( وأما ثامن شوال : فليس عيداً لا للأبرار ولا للفجار ، ولا يجوز لأحد أن يعتقده عيداً ، ولا يحدث فيه شيئاً من شعائر الأعياد ) ا.هـ . ويكون الاحتفال بهذا العيد في أحد المساجد المشهور فيختلط النساء بالرجال ، ويتصافحون ويتلفظون عند المصافحة بالألفاظ الجاهلية ، ثم يذهبون بعد ذلك إلى صنع بعض الأطعمة الخاصة بهذه المناسبة . *************************************** الفصل الثامن شهر ذي الحجة المبحث الأول : بعض الآثار الواردة فيه . المبحث الثاني : بدعة التعريف . المبحث الثالث : بدعة عيد غدير خم . المبحث الأول بعض الآثار الواردة فيه 1. عن أبي بكرة – رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، والسنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حرم : ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان .... )) الحديث . متفق عليه . 2. عن أبي بكرة -رضي الله-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(( شهران لا ينقصان ، شهرا عيد : رمضان وذو الحجة )) متفق عليه . 3. عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- : (( أن رجلاً من اليهود قال له : يا أمير المؤمنين آية في كتابهم تقرؤونها ، لو علينا معشر اليهود نزلت لا تخذنا ذلك اليوم عيداً . قال : أي آية ؟ قال:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً } . قال عمر -رضي الله عنه- قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة ، يوم جمعة ))متفق عليه . 4. عن ابن عباس – رضي الله عنهما- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر )) ، فقالوا : يا رسول الله ! ولا الجهاد في سبيل الله ؟ . فقال رسول صلى الله عليه وسلم : (( و لا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ، فلم يرجع من ذلك بشيء )) 5. عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: (( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الفطر ويوم النحر .. )) الحديث . متفق عليه . 6. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الأضحى، ويوم الفطر )) .متفق عليه . 7. مولى ابن أزهر قال : شهدت العيد مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: (( هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما : يوم فطركم من صيامكم ، واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم )) . متفق عليه . 8. عن أم الفضل بنت الحارث :(( أنَّ ناساً تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم : هو صائم . وقال بعضهم : ليس بصائم .فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره ، فشربه )) متفق عليه 9. عن ميمونة- رضي الله عنها-:(( أن الناس شكوا في صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ، فأرسلتُ إليه بحلاب وهو واقف في الموقف ،فشرب منه والناس ينظرون )) متفق عليه . 10. عن عائشة-رضي الله عنها- قالت:((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً في العشر قط)) 11. عن أم سلمة – رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي ، فلا يمس من شهره وبشره شيئاً )) . 12. عن أبي قتادة – رضي الله عنه - : أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كيف تصوم ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم .... ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ثلاث من كل شهر ، ورمضان إلى رمضان ، فهذا صيام الدهر كله ، صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله ، والسنة التي بعده ،وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله)) . 13. عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة . فيقول : أراد هؤلاء ؟ )) . 14. عن عقبة بن عامر – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام التشريق ، عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب )) . 15. عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية ، فقال : (( إن الله تبارك وتعالى قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الفطر ويوم النحر)) . 16. عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أنه دخل على أبيه عمرو بن العاص -رضي الله عنه- فوجده يأكل . قال : فدعاني . قال : فقلت : إني صائم . فقال : (( هذه الأيام التي نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهن، وأمرن بفطرهن)). قال مالك هي أيام التشريق ) 17. عن أبي نجيح قال : سُئِل ابن عمر – رضي الله عنهما – عن صوم يوم عرفة فقال : (( حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه ، وحججت مع أبي بكر فلم يصمه ،وحججت مع عمر فلم يصمه ، وحججت مع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه ، ولا آمر به ، ولا أنهى عنه )) . 18. عن عبد الله بن قرط عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر،ثم يوم القر )) 19. عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حجّ ، فقال : (( أي يوم هذا ؟)) . فقالوا : يوم النحر ، قال : (( هذا يوم الحج الأكبر )) . 20. عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( أمرت بيوم الأضحى عيداً جعله الله لهذه الأمة ... ))الحديث . 21. عن أبي هريرة – رضي الله عنه – (( أن أبا بكر الصديق – رضي الله عنه – بعثه في الحجة التي أمره النبي صلى الله عليه وسلم عليها قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس : لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان)) . وفي رواية لأبي داود : (( ويوم الحج الأكبر يوم النحر والحج الأكبر الحج )) . 22. عن ابن عباس- رضي الله عنهما – قال : ((كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ، ويجعلون المحرم صفراً ، ويقولون : إذا برأ الدبر ، وعفا الأثر ، وانسخ صفر ، حلَّت العمرة لمن اعتمر . قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا:يا رسول الله! أي الحل؟ قال:(( حل كله)) متفق عليه . 23. عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أنه كان يقول : (( من اعتمر في أشهر الحج : في شوال ، أو ذي القعدة ، أو في ذي الحجة ... ))الأثر . 24. قال ابن عباس- رضي الله عنهما-:(( وأشهر الحج التي ذكر الله تعالى : شوال ، وذو القعدة , وذو الحجة ..)) الأثر . 25. عن ابن عباس – رضي الله عنهما –{وَالْفَجْرِ } قال :فجر النهار ، {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} )) قال : عشر الأضحى . 26. عن جابر – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن العشر عشر الأضحى ، والوتر يوم عرفة ، والشفع يوم النحر)) . وقد ورد في فضل بعض الأعمال في شهر ذي الحجة بعض الأحاديث الموضوعة ، نذكر منها: حديث:(من صام العشر فله بكل يوم صوم شهر ، وله بصوم يوم التروية سنة،وله بصوم يوم عرفة سنتان) وحديث :(من صام آخر يوم من ذي الحجة ،وأول يوم من المحرم ، فقد ختم السنة الماضية ،وافتتح للسنة المستقبلة بصوم ، جعله الله كفارة خمسين سنة ) . وحديث: (من صلى يوم عرفة بين الظهر والعصر أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة، وقل هو الله أحد خمسين مرة ، كتب الله له ألف ألف حسنة ....الخ ) . وحديث: (من صلى يوم عرفة ركعتين يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب ثلاث مرات...إلا قال الله عز وجل: أشهدكم أني قد غفرت له) .وحديث: (من صلى ليلة النحر ركعتين يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب خمس عشرة مرة، وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة....جعل الله اسمه في أصحاب الجنة....الخ) وحديث : (إذا كان يوم عرفة غفر الله للحاج ، فإذا كان ليلة المزدلفة غفر الله للتجار.... الخ) ...إلى غير ذلك من الأحاديث الباطلة التي لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم – والله أعلم- . المبحث الثاني بدعة التعريف المراد بالتعريف : هو اجتماع غير الحاج في المساجد عشية يوم عرفة ، في غير عرفة ، يفعلون ما يفعله الحاج يوم عرفة من الدعاء والثناء . وأول من جمع الناس يوم عرفة في المساجد هو ابن عباس – رضي الله عنهما - ، وذلك في مسجد البصرة . وقيل إن أول من عرف بالكوفة مصعب بن الزبير . قال ابن كثير – رحمه الله – في ترجمة ابن عباس – رضي الله عنهما -: ( وهو أول من عرف بالناس في البصرة ، فكان يصعد المنبر ليلة عرفة ويجتمع أهل البصرة حوله ، فيفسر شيئاً من القرآن ، ويذكر الناس ، من بعد العصر إلى الغروب ، ثم ينزل فيصلي بهم المغرب )ا.هـ . حكم التعريف : اختلف العلماء في حكم التعرف في المساجد يوم عرفة : 1- قال ابن وهب: ( سألت مالكاً عن الجلوس يوم عرفة ، يجلس أهل البلد في مسجدهم ، ويدعو الإمام رجالاً يدعون الله تعالى للناس إلى الشمس فقال : ما نعرف هذا ، وإن الناس عندنا اليوم ليفعلونه )ا.هـ . قال ابن وهب – أيضاً - : ( وسمعت مالكاً يسأل عن جلوس الناس في المسجد عشية عرفة بعد العصر ، واجتماعهم للدعاء، فقال : ليس هذا من أمر الناس ، وإنَّما مفاتيح هذه الأشياء من البدع )ا.هـ . وقال مالك – أيضاً - : ( وأكره أن يجلس أهل الآفاق يوم عرفة في المساجد للدعاء، ومن اجتمع إليه الناس للدعاء فلينصرف، ومقامه في منزل أحب إليَّ ، فإذا حضرت الصلاة رجع فصلى في المسجد)ا.هـ . وروى ابن وضاح عن أبي حفص المدني قال: اجتمع الناس يوم عرفة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، يدعون بعد العصر، فخرج نافع مولى ابن عمر من دار آل عمر ، فقال : أيها الناس إن الذي إن الذي أنتم عليه بدعة ، وليست بسنة ، إنا أدركنا الناس ولا يصنعون مثل هذا ، ثم رجع فلم يجلس ، ثم خرج الثانية ففعل مثلها ثم رجع )ا.هـ . وروى أيضاً عن ابن عون قال:(شهدت إبراهيم النخعي سُئلَ عن اجتماع الناس عشية عرفة، فكرهه، وقال: محدث) ا.هـ . وروى أيضاً عن سفيان قال : (ليست عرفة إلا بمكة ، ليس في هذه الأمصار عرفة ) ا.هـ . وقال الحارث بن مسكين : (كنت أرى الليث بن سعد ينصرف بعد العصر يوم عرفة ، فلا يرجع إلى قرب المغرب )ا.هـ . قال الطرطوشي : فاعلموا- رحمكم الله – أن هؤلاء الأئمة علموا فضل الدعاء يوم عرفة، ولكن علموا أن ذلك بموطن عرفة، لا في غيرها ولا منعوا من خلا بنفسه فحضرته نية صادقة أن يدعو الله تعالى ، وإنما كرهوا الحوادث في الدين ، وأن يظن العوام أن من سنَّة يوم عرفة بسائر الآفاق الاجتماع والدعاء ، فيتداعى الأمر إلى أن يدخل في الدين ما ليس منه . وقد كنت ببيت المقدس ، فإذا كان يوم عرفة حشر أهل السواد وكثير من أهل البلد ، فيقفون في المسجد ، مستقبلين القبلة مرتفعة أصواتهم بالدعاء، كأنه موطن عرفة ، وكنت أسمع سماعاً فاشياً منهم أن من وقف ببيت المقدس أربع وقفات ، فإنها تعدل حجَّة ، ثم يجعلونه ذريعة إلى إسقاط فريضة الحج إلى بيت الله الحرام )ا.هـ . وروى البيهقي عن شعبة قال : سألت الحكم وحماداً عن اجتماع الناس يوم عرف في المساجد فقالا : ( هو محدث ) . وروى كذلك عن إبراهيم – النخعي – قال : ( هو محدث ) . 2- وقال أبو شامة : فإن ابن عباس -رضي الله عنهما- حضرته نية فقعد فدعا، وكذلك الحسن من غير قصد الجمعية، ومضاهاة لأهل عرفة ، وإيهام العوام أن هذا شعار من شعائر الدين المنكر ، إنَّما هو ما اتَّصف بذلك -والله أعلم- أن تعريف ابن عباس قد صار على صورة أخرى غير مستنكر . ذكر ابن قتيبة في غريبه قال في حديث ابن عباس أن الحسن ذكره فقال : كان أول من عرف بالبصرة صعد المنبر فقرأ البقرة وآل عمران وفسَّرهما حرفاً حرفاً . قلت : - والقول لأبي شامة - : فتعريف ابن عباس – رضي الله عنهما – كان على هذا الوجه فسَّر للناس القرآن ، فإنما اجتمعوا لاستماع العلم ، وكان ذلك عشية عرفة ، فقيل عرَّف ابن عباس بالبصرة ، لاجتماع الناس له كاجتماعهم بالموقف . وعلى الجملة : (فأمر التعريف قريب إلا إذا جرَّ مفسدة ، كما ذكره الطرطوشي في التعريف ببيت المقدس )ا.هـ . قال ابن قدامة : (قال القاضي : ولا بأس بالتعريف عشية عرفة بالأمصار ، وقال الأثرم : سألت أبا عبد الله عن التعريف في الأمصار ، يجتمعون في المساجد يوم عرفة. قال : أرجو أن لا يكون به بأس ، قد فعله غير واحد . قال أحمد – رحمه الله - : لا بأس به ،إنما هو دعاء وذكر الله ، فقيل له : تفعله أنت ؟ قال : أما أنا فلا ) ا.هـ . وقد تعقب الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رواية الأثرم عن الإمام أحمد – رحمهم الله – بقوله : (وحينئذ الراجح هو عدم فعله ؛ لأنَّ هذه عبادة اختصت بمكان وهو عرفة ، ولا يلحق غيره به ، فإلحاق مكان بمكان في عبادة ، زيادة في الشرع ، فالذي عليه العمل أنه بدعة )ا.هـ . قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : ( ومن هذا – المتابعة في السنَّة – وضع ابن عمر يده مقعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وتعريف ابن عباس بالبصرة، وعمرو بن حريث بالكوفة ، فإن هذا لما لم يكن مما فعله سائر الصحابة ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم شرعه لأمته ، لم يمكن أن يُقال هذا سنَّة مستحبة ، بل غايته أن يًُقال : هذا مما ساغ فيه اجتهاد الصحابة ، أو مما لا ينكر علي فاعله ؛ لأنَّه مما يسوغ فيه الاجتهاد ، لا لأنه سنة مستحبة سنها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته . أو يقال في التعريف : إنه لا بأس به أحياناً لعارض إذا لم يجعل سنة راتبة . وهكذا يقول أئمة العلم في هذا وأمثاله : تارة يكرهونه ، وتارة يسوغون فيه الاجتهاد ، وتارة يرخصون فيه إذا لم يتخذ سنة ، ولا يقول عالم بالسنة : إن هذه سنة مشروعة للمسلمين ، فإن ذلك إنَّما يقال فيما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ ليس لغيره أن يسن ولا أن يشرع ، وما سنَّة خلفاؤه الراشدون ، فإنما سنُّوه بأمره ، فهو من سننه .... )ا.هـ . وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أن المداومة في الجماعات على غير السنن المشروعة بدعة : كالأذان في العيدين، والقنوت في الصلوات الخمس أو البردين منها ، والتعريف المداوم عليه في الأمصار .... فإن مضاهاة غير المسنون بالمسنون بدعة مكروهة ، كما دلَّ عليه الكتاب والسنَّة والآثار والقياس ) . وقال -أيضاً-: ( فصل: وقد يحدث في اليوم الفاضل مع العيد العلمي المحدث ، العيد المكاني، فيغلظ قبح هذا ، ويصير خروجاً عن الشريعة ، فمن ذلك : ما يفعل يوم عرفة مما لا أعلم بين المسلمين خلافاً في النهي عنه، وهو قصد قبر بعض من يحسن به الظن يوم عرفة ، والاجتماع العظيم عند قبره ، كما يفعل في بعض أرض المشرق والمغرب ، والتعريف هناك كما يفعل في عرفات، فإن هذا النوع من الحج المبتدع الذي لم يشرعه الله ،ومضاهاة للحج الذي شرعه الله ، واتخاذ القبور أعياداً . وكذلك السفر إلى بيت المقدس للتعريف فيه ، فإن هذا أيضاً ضلال بيِّن ، فإن زيادة بيت المقدس مستحبة مشروعة للصلاة فيه والاعتكاف ،وهو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، لكن قصد إتيانه في أيام الحج هو المكروه، فإن ذلك تخصيص وقت معين بزيارة بيت المقدس ، ولا خصوص لزيارته في هذا الوقت على غيره . ثم فيه أيضاً مضاهاة للحج إلى المسجد الحرام، وتشبيه له بالكعبة، ولهذا أفضى إلى ما لا يشك مسلم في إنه شريعة أخرى، غير شريعة الإسلام ، وهو ما قد يفعله بعض الضلاَّل من الطواف بالصخرة ، أو من حلق الرأس هناك أو من قصد النسك هناك ، وكذلك ما يفعله بعض الضلال من الطواف بالقبة التي بجبل الرحمة بعرفة ، كما يُطاف بالكعبة .
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الأربعاء 16 مارس 2011, 8:53 am | |
| الفصل التاسع مشابهة المسلمين للكفار في أعيادهم: المبحث الأول: الاحتفال بعيد ميلاد المسيح. المبحث الثاني: الاحتفال بالنيروز. المبحث الثالث: الاحتفال بأعياد الميلاد. المبحث الرابع: الاحتفالات والأعياد المحدثة. المبحث الخامس: الاحتفال برأس السنة الهجرية. المبحث السادس: الاحتفال برأس القرن الهجري. المبحث السابع: الاحتفال بذكرى بعض العلماء. المبحث الثامن: مشروعية مخالفة أهل الكتاب. تمهيد لا يخفى على كل مسلم أن الله سبحانه وتعالى بعث نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الخلق ، على فترة من الرسل ، وقد مقت أهل الأرض عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب ماتوا- أو أكثرهم- قبيل مبعثه -عليه السلام-، والناس قسمين: 1. كتابي معتصم بكتاب ، وهذا الكتاب إما مبدَّل ، وإما مبدع منسوخٌ ، ودين دارس ، بعضه مجهول ، وبعضه متروك . 2. وأمي من عربي أو عجمي ، مقبل على عبادة ما استحسنه وظنَّ أنه ينفعه : من نجم ، أو وثن ، أو قبر ، أو تمثال ، أو غير ذلك . والناس في جاهلية جهلاء ، أعلمهم من عنده قليل من العلم الموروث عن الأنبياء المتقدمين ، وقد اشتبه حقه بباطله ، فيشتغل بعمل قليله مشروع وأكثره مبتدع . فهدى الله الناس بدعوته صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من البينات والهدى ، حتى حصل لأمته المؤمنين عموماً ، - ولأولي العلم منهم خصوصاً – من العلم النافع ، والعمل الصالح ، والأخلاق العظيمة ، والسنن المستقيمة ما يفوق ما عند جميع الأمم علماً وعملاً . فكان دين الإسلام ، الذي بُعث به – عليه الصلاة والسلام – هو الصراط المستقيم ، الذي أوجب الله عليهم أن يسألوه أن يهديهم إليه كل يوم في صلاتهم ، ووصفه بأنه صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، غير المغضوب عليهم ولا الضالين . فالمغضوب عليهم هم اليهود ، الذين قال الله فيهم:{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ...} .وقال فيهم سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ .... } . وهم المنافقون الذين تولوا اليهود . باتفاق أهل التفسير ،وسياق الآية يدلُّ على ذلك. قال تعالى:{ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ... } ففي الآيات السابقة بيان بأن اليهود هم المغضوب عليهم . والضالين : هم النصارى الذين قال الله تعالى فيهم : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ ... } إلى قوله عز وجل : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} . وهذا خطاب للنصارى كما دلَّ عليه السياق ، ولهذا نهاهم عن الغلو ، وهو مجاوزة الحدّ ، كما نهاهم في قوله تعالى : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ .... }الآية . واليهود مقصرون عن الحق ، والنصارى غالون فيه . فكفر اليهود أصله من جهة عدم العمل بعلمهم ، فهم يعلمون الحق ولا يتبعونه عملاً ، أو لا قولاً ولا عملاً . وكفر النصارى من جهة علمهم بلا علم، فهم يجتهدون في أصناف العبادات بلا شريعة من الله، ويقولون على الله مالا يعلمون. ولهذا كان السلف : سفيان بن عيينة وغيره يقولون : إن من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى . ومع أن الله قد حذَّرنا سبيلهم، فقضاؤه -عزَّ وجل- نافذ بما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما سبق في علمه، حيث قال فيما خرجاه في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً وذراعاً ذراعاً حتى لو دخلوا جحر ضبِّ تبعتموهم ))، قلنا : يا رسول! اليهود والنصارى؟ . قال: ((فمن ؟)) . ورواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع)) . فقيل: يا رسول الله! كفارس والروم؟. فقال: ((ومن الناس إلا أولئك)) . فأخبر- عليه والسلام- أنه سيكون في أمته مضاهاة لليهود والنصارى ، وهم أهل الكتاب ، ومضاهاة لفارس والروم ، وهم الأعاجم . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن التشبه بهؤلاء وهؤلاء ، وليس هذا إخباراً عن جميع الأمة ، بل قد تواتر عن صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله ، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم ، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك )) . وأخبر -عليه والصلاة والسلام- : أن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة . فعلم بخبره الصدق القاطع الأكيد أن في أمته قوماً مستمسكون بهديه ، الذي هو دين الإسلام محضاً ، وقوم منحرفون إلى شعبة من شعب اليهود أو إلي شعبة من شُعب النصارى ، وإن كان الرجل لا يكفر بكل انحراف ، بل وقد لا يفسق أيضاً بل قد يكون الانحراف كفراً ، وقد يكون فسقاً ، وقد يكون معصية ، وقد يكون خطأ . وهذا الانحراف أمر تتقاضاه الطباع ، ويزينه الشيطان ، فلذلك أمر الله سبحانه وتعالى عباده بدوام دعاء الله سبحانه وتعالى بالهداية إلى الاستقامة التي لا يهودية فيها ، ولا نصرانية أصلاً . وقد ابتلى الله هذه الأمة بكثير من الأمور التي في فعلها تشبه بأهل الكتاب والأعاجم ، وسأتكلم عما يتعلق بموضوع كتابي ، وهو تشبه المسلمين بالكفار في أعيادهم واحتفالاتهم ، وذلك على وجه الإيجاز : المبحث الأول الاحتفال بعيد ميلاد المسيح جرت عادة النصارى على الاحتفال بعيد ميلاد المسيح.وهذا العيد يكون في اليوم الذي يزعمون أنه ولد فيه المسيح ابن مريم، وهو يوم 24 كانون الأول (ديسمبر ) آخر شهر في السنة الميلادية . وسنتهم في ذلك كثرة الوقود، وتزيين الكنائس، وكذلك البيوت والشوارع والمتاجر، ويستعملون فيه الشموع الملونة، والزينات بأنواعها . ويحتفلون بهذا العيد شعبياً ورسمياً ، ويعتبر إجازة رسمية في جميع الدولة التي تدين بالمسيحية ، وكذلك في غيرها من البلدان ، بل في بعض البلاد الإسلامية يعتبر يوم عيد ميلاد المسيح إجازة رسمية ، ويحتفل الناس بهذه المناسبة . والاحتفال بعيد ميلاد المسيح أمر مُحدث مبتدع في المسيحية ، فاتخاذ يوم ميلاد المسيح عيداً بدعة أحدثت بعد الحواريين ، فلم يعهد ذلك عن المسيح ، ولا عن أحد من الحواريين . وقد ابتلى الله كثيراً من المسلمين في بعض البلدان الإسلامية بالاحتفال بهذه المناسبة . ولم يتوقف الاحتفال فيه على المسيحيين فقط ، بل يشاركهم فيه بعض المسلمين ، الذين دعاهم إلى ذلك الخضوع لشهوات النفس ، والهوى ، والشيطان ؛ لما يحصل في هذه الاحتفالات من اختلاط النساء بالرجال ، ونزع جلباب الحياء بالكلية ، وشُرْب المسكرات ، ورقص النساء مع الرجال ، وما يحدث في هذه الاحتفالات من الأمور التي في ذكرها خدش لكرامة المتحدث بها - عافانا الله وإياكم مما ابتلاهم به -. وكذلك حب التقليد الأعمى للنصارى ، واعتبار ذلك من باب التطور والتقدم ، وأن مشاركة المسيحيين في احتفالاتهم صورة من صور الحضارة ، لذلك يبادرون إلى حضور هذه الاحتفالات ، ويقدمون التهاني للنصارى بهذه المناسبة ، مع أن النصارى لا يهنئونهم بعيدين الفطر والأضحى . وهذا كله بسبب ضعف الوازع الديني ، وأنهم مسلمون بالاسم لا بالدين والعقيدة ؛ لأن في فعلهم ذلك مخالفة لنهيه صلى الله عليه وسلم عن التشبه بالكفار خصوصاً ، ونهيه عن المعاصي التي تُرْتَكب في هذه الاحتفالات عموماً . وقد قال الله تعالى : {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} . ولاشك أن حضور هذه الاحتفالات ، والإهداء للنصارى فيها ، من أعظم صور المودة لأعداء الله ورسوله ، فهذا مما يوجب نفي الإيمان عنهم كما ورد في هذه الآية. والنصوص في هذا الشأن كثيرة ، وليس هذا مجال ذكرها. والله أعلم. *********************** المبحث الثاني الاحتفال بالنيروز النيروز ، أو النوروز : هو أول يوم من أيام السنة عند الفرس المجوس . يكون في أول فصل الربيع من كل سنة . وهذا اليوم يوم عيد فارسي مجوسي من أعياد عَّباد النار. وهو من أعظم أعيادهم ، يقال : إن أول من اتخذه جمشيد أحد ملوك الفرس الأُول ، ويُقال فيه : جمشاد ، ومعنى جم : القمر ، وشاد الشعاع أو الضياء . وسبب اتخاذهم لهذا العيد : أن طهومرت لما هلك ملك بعده جمشاد فسمي اليوم الذي ملك فيه نوروز ؛ أي اليوم الجديد . ومن الفرس من يزعم أن النيروز اليوم الذي خلق الله عز وجل فيه النور ، وأنه كان معظم القدر عند جمشاد . وبعضهم يزعم أنه أول الزمان الذي ابتدأ فيه الفلك بالدوران ، ومدته عندهم ستة أيام ، أولها اليوم الأول من شهر ( أفريدون ماه) الذي هو أول شهور سنتهم، ويسمون اليوم السادس النوروز الكبير ؛ لأن الأكاسرة كانوا يقضون في الأيام الخمسة حوائج الناس ، ثم ينتقلون إلى مجالس أنسهم مع خواصهم . وكان من عادتهم فيه : أن يأتي الملك من الليل رجل جميل الوجه ، قد أرصد لما يفعله ، فيقف على الباب حتى يصبح ، فإذا أصبح دخل على الملك من غير استئذان ، فإذا رآه الملك يقول له : من أنت ؟ ومن أين أقبلت ؟ وأين تريد ؟ وما أسمك ؟ ولأي شيء وردت ؟ وما معك ؟ فيقول : أنا المنصور ، واسمي المبارك ، ومن قبل الله أقبلت ، والملك السعيد أردت ، وبالهناء والسلامة وردت، ومعي السنة الجديدة. ثم يجلس ، ويدخل بعده رجل معه طبق من فضة، وفيه حنطة، وشعير، وجلبان ، وحمص، وسمسم، وأرز – من كل واحد سبع سنابل ، وتسع حبات – وقطعة سكر ، ودينار ودرهم جديدان ، فيضع بين يدي الملك ، ثم تدخل عليه الهدايا ، ثم يدخل عليه الناس حسب مراتبهم ، وقربهم من الملك ، ثم يقدم للملك رغيف كبير مصنوع من تلك الحبوب ، موضوع في سلة ، فيأكل منه ويطعم من حضره ، ثم يقول : هذا يوم جديد ، من شهر جديد ، من عام جديد، من زمان جديد، يحتاج أن تجدد فيه ما أخلق من الزمان ، وأحق الناس بالفضل والإحسان الرأس على سائر الأعضاء ، ثم يخلع على وجوه دولته، ويصلهم ، ويفرق فيهم ما حمل إليه من هدايا ، ومن عادة عوام الفرس رفع النار في ليلته ورش الماء في صبيحته . فأكثر ما يفعلونه في هذا العيد هو كثرة وقود النيران – لأنَّها معبودهم- وكثرة رش الماء ، فيجتمع الناس في الشوارع والساحات ، وقرب الأنهار والبحيرات ، مختلطين رجالهم ونساؤهم ، وترتفع أصواتهم، ويشربون الخمر ظاهراً بينهم في الطرقات، ويتراش الناس بالماء ، وبالماء والخمر ، ويستخفون بحرمات الناس الذين لا يشاركونهم هذا الاحتفال ، فيرشُّونهم بالماء ممزوجاً بالأقذار ... إلى غير ذلك من أمور الفسق والفساد . وللأسف الشديد ، ليس هذا متوقفاً على الأعاجم فقط ، وإنَّما يشاركهم من يدَّعي الإسلام في بلادهم ، وفي غيرها من البلاد، ولاسيما الملوك والرؤساء والوزراء والتجار والأعيان، ويظهرون من الابتهاج والسرور والاحتفالات، والزينات والتهاني ما يفوق الوصف ، ويكون احتفالهم وفرحهم به وتعظيمهم له، أكثر من احتفالهم وفرحهم وتعظيمهم لعيدي الأضحى والفطر . ويتجلى اهتمام من يدعي الإسلام بالاحتفال بالنيروز في تقليده للأعاجم في جميع ما يعملونه من أكل المأكولات التي تعمل في هذه المناسبات خاصة كالهريسة وغيرها من مآكلهم في النيروز . وكذلك بل بعضهم بعضاً بالماء وإلقائه في الماء، وخرجهم من البساتين ، ورمي بعضهم بعضاً في بِركِها، وفي البحر وغيره، مع ما يتعدى ضرر ذلك إلى الغرباء والمساكين من الرجال والنساء، وأذاهم ، ممن لا يشاركهم في هذه الاحتفالات . فالاحتفال بالنيروز من أعياد الملحدين ، وتقليدهم لا يجوز شرعاً ، فلا يجوز للمسلم أن يحضر تلك الاحتفالات ، ولا أن يهنئهم على هذا العيد ، ومن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته ، ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تُقْبل هديته ، خصوصاً إذا كانت الهدية مما يُستعان بها على التشبه بهم . والاحتفال بالنيروز عند غير الأعاجم ، ليس المقصود منه تعظيم النار التي هي معبود الفرس ، ولا محبة لديانتهم ، ولا حباً في تقليدهم ، وإنَّما الذي دعاهم إلى ذلك الشيطان الذي استولى على نفوسهم وعقولهم ، فزيَّن لهم ارتكاب المعاصي ، وفعل ما النساء بالرجال ، وشرب الخمور ، وكثرة الهرج والمرج ، وتساقط الأخلاق والآداب ، والتصرفات الحيوانية ، بل ربما كان عند الحيوانات من الغيرة على محارمها أكثر مما عندهم{...إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} . فجمعوا بين إثم تقليد الكفار المنهي عنه ، وبين الإثم المترتب على فعل المحرمات . ومن عادة الذين اتخذوا إلههم هواهم الميل إلى التصرفات الخارجة عن حدود الدين ، وحدود الشرف والفضيلة ، كلما وجدوا إلى ذلك سبيلاً ، فيحرصون على حضور الاجتماعات والاحتفالات ، التي تتوفر فيها أنواع المعاصي ؛ لكونها تلبي شهوات نفوسهم المريضة – والعياذ بالله – {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} . والله الهادي إلى سواء السبيل . ****************************** المبحث الثالث الاحتفال بأعياد الميلاد ومن الأمور التي تشبَّه المسلمون فيها بالكفار ، الاحتفال بأعياد الميلاد . فقد جرت عادة النصارى أن يحتفلوا بكل سنة تمر من حياتهم ، وهو أمر محدث في شريعتهم . فيحتفل الوالدان بمرور سنة على ميلاد ابنهما ، وفي السنة الثانية يحتفلون بمرور سنتين على ميلاده ..... وهكذا. وكذلك الأب والأم يحتفلون بعيد ميلادهم على هذا النحو . وعادتهم في مثل هذا الاحتفال : إقامة الزينات الملونة في أنحاء البيت ، ودعوة الأقارب والأصدقاء والجيران ، فيصطحب كل منهم هدية لصاحب هذا العيد . ويحرص والدي الطفل أو الزوج – إذا كان العيد لزوجته والعكس – على إحضار هدية خاصة بهذه المناسبة ، وعادة ما يكون هذا الاحتفال ليلاً . ومن ضمن استعداداتهم تجهيز الحلويات والمشروبات الخاصة بهذه المناسبة ، وخاصة قطعة من الكعك الخاص ، والتي تكون عادة بشكل دائري ، وتختلف أحجامها ومقاساتها حسب الحالة الاجتماعية ، وعمر المحتفل بميلاده ، ويغرس في هذه الكعكة الخاصة عدد من الشموع تكون بعدد سني المحتفل بميلاده إن كان صغيراً ، وبعدد العقود إذا كان كبيراً ، فمثلاً : إذا كان عمره ثلاث سنوات وضعوا ثلاث شمعات ، وإذا كان كبيراً وعمره خمسين سنة مثلاً وضعوا خمس شمعات ، على أساس كل عقد من عمره له شمعة واحدة. وعادة تكون هذه الكعكة الخاصة موضوعة على مائدة تحيط بها الأنواع الأخرى من الحلويات والمشروبات ، فتكون في وسط المائدة . ثم يوقدون الشموع المغروسة في قطعة الكعك ، ثم يجتمع المحتفلون حول المائدة ، ويكون المحتفل بميلاده في وسطهم قابلاً للشموع ثم يطفئ هذه الشموع بنفخه إياها، ويشاركه الحاضرون . ومعنى أنه قضى من عمره قدر هذه الشموع . ويولي الناس الاحتفال بأعياد الميلاد اهتماماً يفوق الوصف، لحرصهم على تقليد الأعاجم، مع أن هذا من المشابهة المنهي عنها، وفعلهم هذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم : (( لتتبعن سنن من كل قبلكم ...))الحديث ومن مظاهر هذا الاهتمام : الإعلان عن ذلك في الصحف والمجلات ، الإسراف في صنع الزينات والمأكولات والمشروبات ، وتباهي الناس في ذلك ومفاخرة بعضهم بعضاً في هذا المجال . أما الأمور التي سنَّها الرسول صلى الله عليه وسلم والتي منها : العقيقة ، وهي ما يذبح عن المولود ذكراً أو أنثى ، فلا يولونها أي اهتمام ، وإنَّما هي سنَّة من السنن التي كادت أن تندرس بسبب كثرة البدع ، والإعراض عن السنن . وهي التي قال فيها صلى الله عليه وسلم : (( مع الغلام عقيقة ، فأهريقوا عنه دماً ،وأميطوا عنه الأذى )) . وقال صلى الله عليه وسلم: (( كل غلام رهينة بعقيقته ، تذبح عنه يوم سابعه ، ويسمى فيه ، ويحلق رأسه )) .وقال أيضاً: (( عن الغلام شاتان مكافئتان ، وعن الجارية شاة )) . وقال أيضاً: (( عن الغلام شاتان ، وعن الأنثى واحدة ، ولا يضركم ذكرانا كن أو إناثاً )) ......... إلى غير ذلك من الأدلة التي تدلُّ على استحباب العق عن المولود . فهذه سنة المصطفى – عليه الصلاة والسلام - ، قد تركها الكثير من الناس ولهم في فعلها الأجر العظيم ، وتشبهوا بالكفار في الاحتفال بأعياد الميلاد ، فقدموا ما يحصل به العقاب ، على ما ينالوا به الثواب . والسبب في ذلك ضعف الإيمان ، والجهل ، والتقليد الأعمى ، وقلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتكاسل بعض العلماء، وطلاب العلم في محاربة هذه المحدثات البدعية ، التي ليس من شأنها إلا القضاء على السنن لتحل محلها البدع ، فيحصل للناس بذلك الفساد في دينهم وأخلاقهم ، وليس بعد ذلك مصيبة . حمانا الله وإياكم من كل شرِّ ، وأصلح لنا ديننا ودنيانا وآخرتنا ، إنه سميع مجيب . والله أعلم .
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية الأربعاء 16 مارس 2011, 9:01 am | |
| المبحث الرابع الاحتفالات والأعياد المحدثة من الأمور التي تشبه المسلمون فيها بالكفار في هذا الوقت ، وضعهم بعض الأعياد والاحتفالات المحدثة ، والتي تكون معرضة للمحو والتغيير في كل فترة ، لأنها من وضع البشر ، وليست تشريعاً من الله ، وحسب ما تراه الدول وحكامها . فتتخذ بعض الحكومات يوماً معيناً تجعله عيداً بمناسبة ثورتها أو استقلالها ، وبعد أن يتغير الحكم والحكومة بسبب ثورة أخرى يجعل العيد والاحتفال في تاريخ الثورة الجديدة ، ويترك الاحتفال بالثورة الأولى ، فهذه الأعياد حسب رغبة من يضعها ، إن شاء استمرت ، وإن شاء عطلت ، وكفى بذلك مهزلة !!!. وأفقدوا الأعياد قيمتها عند الناس ، بأن جعلوا لكل شيء عيداً – وما المانع إذا كان إحداث العيد متوقفاً على رغبة فئة من الناس- . وهذه الأعياد والاحتفالات تختلف من دولة لأخرى ، فلكل بلد مجموعة من الأعياد تختص بها ، منها ما يكون رسمياً فتعطل فيه الدوائر الحكومية والمدارس ، ومنها ما يختص بفئة دون فئة كعيد الأم ، وعيد العمال مثلاً ، ومنها ما هو شكلي كعيد الشجرة ،....... وهكذا . وبعض الدول تجعل لهذه المناسبات نشرة خاصة يعرفها الناس كلهم ويتمشون عليها . وأكثر البلدان الإسلامية في الوقت الحاضر تجد لها على الأقل عشرة أعياد سنوية فأكثر، مع أن أعياد المسلمين كما هو معروف عيدان فقط: عيد الفطر ، وعيد الأضحى ، ويضاف إليهما عيد الأسبوع وهو يوم الجمعة . فمن شرع الباقي؟!.: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ }. ومن الأمثلة على هذه الأعياد : عيد النصر، عيد العلم ، عيد الأم ، عيد الثورة ، عيد السلام، عيد الجلاء ، عيد العمال ، عيد الوحدة، عيد الأحزاب ، عيد الدستور .... إلى غير ذلك . والعيد الذي تكاد تتفق فيه كثير من البلدان في جميع أنحاء العالم هو العيد الوطني ، أو عيد الاستقلال ، أو عيد الجلوس ، ونحو ذلك . ويقام في اليوم الذي يوافق بداية الحكم في كل دولة ، أو بداية استقلال الدولة عن حكم المستعمرين . ولا شك أن اتخاذ مثل هذه الأعياد والاحتفالات بدعة في نفسه ، ومحرم ، وشرع دين لم يأذن به الله . ***************************** المبحث الخامس الاحتفال برأس السنة الهجرية في بداية كل سنة هجرية تحتفل بعض الدول الإسلامية بعيد رأس السنة فتعطل الأعمال في اليوم السابق له ، واليوم اللاحق له. وليس لاحتفالهم هذا أي مستند شرعي ، وإنّما هو حب التقليد والمشابهة لليهود والنصارى في احتفالاتهم . وأول من احتفل برأس السنة الهجرية -حسب اطلاعي المحدود – هم ناصري البدعة حكام الدولة العبيدية -الفاطمية- في مصر. ذكر ذلك المقريزي في خططه ضمن الأيام التي كان العبيديون يتخذونها أعياداً ومواسماً . قال :(موسم رأس السنة : وكان للخلفاء الفاطميين اعتناء بليلة أول المحرم في كل عام ؛ لأنها أول ليالي السنة وابتداء أوقاتها...) ا.هـ . ثم ذكر الرسوم المتبقية في هذا الموسم ، وذكر بعده موسم أول العام وعنايتهم به . وعيد رأس السنة من أعياد اليهود التي نطقت بها التوراة ، ويسمونه رأس هيشا ، أي عيد رأس الشهر ، وهو أول يوم من تشرين ، ينزل عندهم منزلة عيد الأضحى عند المسلمين ، ويقولون : إن الله عز وجل أمر إبراهيم بذبح إسحاق ابنه - عليهما السلام – فيه ، وفداه بذبح عظيم . فجاء النصارى فقلدوا اليهود ، وصاروا يحتفلون بليلة رأس السنة الميلادية . ولهذا الاحتفال عندهم مراسم خاصة ، وذلك أنه في تلك الليلة- ليلة أول يوم من العام الجديد– يجتمع المحتفلون ويسهرون على موائد الأكل والشرب المباحة والمحرمة ، في أماكن عامة للأكل والشرب والرقص واللهو . فإذا جاءت الساعة الثانية عشرة- بالتوقيت الزوالي- وهو منتصف الليل ، أُطفئت الأنوار ، فيقبل كل شخص من بجانبه مدة تزيد عن خمس دقائق ،وتكون الأماكن مرتبة بحيث يكون كل رجل بجانبه امرأة ، سواء كان يعرفها أو لا يعرفها ، ويعلم كل واحد منهما أن الآخر سيقبله في الوقت الذي تطفأ فيه الأنوار، وليس المقصود من إطفاء الأنوار الستر، بل يعبرون بذلك عن نهاية عام، وبداية عام جديد. فلذلك تجد كثيراً من شباب المسلمين وشيبهم يحرصون على حضور هذه الاحتفالات ، سواء في بلادهم ، أو في بلاد الغرب أو الشرق ، لكن لا تفوتهم هذه المراسم ، ويخسرون في سبيل ذلك المال الكثير ، ويعتبرون ذلك فرصة يجب أن تُنتهز؛ لأنَّها – كما يزعمون – من ليالي العمر التي لا تُنسى !!!. ولم يتوقف الاحتفال بها على النصارى فقط ، بل صارت كثير من البلدان الإسلامية ، والتي ربما يوجد بها نسبة من النصارى ولو قليلة ، يحتفل العامة فيها بعيد رأس السنة الميلادية . وسرى التقليد إلى أن احتفلوا أيضاً برأس السنة الهجرية ، ولكن المراسم تختلف . ولا شك أن في هذا الاحتفال – الاحتفال برأس السنة الهجرية – أمر مُحدث مُبتدع ، لم يُؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه –رضوان الله عليهم-، ولا عن السلف الصالح من التابعين وتابعيهم وأعلام الأمة وعلمائها من الأئمة الأربعة وغيرهم – رحمة الله عليهم -. ولكن حدث ذلك بعد القرون المفضلة ، بعدما اختلط المسلمون بغيرهم من اليهود والنصارى، ودخل في الإسلام من يريد بذلك أن يفسد على المسلمين دينهم، فصاروا يحتفلون بأعياد اليهود والنصارى، وهذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: (( لتتبعن سنن من كل قبلكم ...))الحديث . وقد اخترع بعض المبتدعة دعاء لليلتي أول يوم من السنة وآخرها، وصار العامة في بعض البلدان الإسلامية يرددونه مع أئمتهم في بعض المساجد، وهذا الدعاء لم يُؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أصحابه ، ولا عن التابعين ، ولم يرو في مسند من المسانيد . وهذا نصه : اللهم ما عملته في هذه السنة مما نهيتني عنه ولم ترضه ، ونسيته ولم تنسه ، وحلمت عليَّ في الرزق بعد قدرتك على عقوبتي ، ودعوتني إلى التوبة بعد جراءتي على معصيتك ، اللهم إني استغفرك منه فاغفر لي ، وما عملته فيها من عمل ترضاه ووعدتني عليه الثواب فأسألك يا كريم ، يا ذا الجلال والإكرام أن تقبله مني ، ولا تقطع رجائي منك يا كريم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . ويقولون : فإن الشيطان يقول : قد تعبنا معه سائر السنة ، فأفسد عملنا في واحدة ، ويحثوا التراب على وجهه. ويسبق هذا الدعاء صلاة عشر ركعات ، يقرأ في كل ركعة الفاتحة ، ثم آية الكرسي عشر مرات، والإخلاص عشر مرات. ولا يخفى على طالب العلم أن الدعاء عبادة ، والعبادات توقيفية ، وهذا الدعاء لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يُذكر عن أحد من الصحابة – رضي الله عنهم – كما تقدَّم . ومما أحدث أيضاً في يومي آخر السنة وأولها صيامهما ، واستند المبتدعة إلى حديث : ( من صام آخر يوم من ذي الحجة ، وأول يوم من الحرم ، فقد ختم السنة الماضية ، وافتتح السنة المستقبلة بصوم جعل الله له كفارة خمسين سنة) *************************** البحث السادس الاحتفال برأس القرن الهجري ومما أُحدث في القرون الأخيرة : الاحتفال برأس القرن الهجري ،وذلك كما حدث في بداية القرن الخامس عشر الهجري، فقد احتفلت بعض البلاد الإسلامية بهذه المناسبة ، وأقيمت المحافل الخطابية، وتبادل بعضهم التهاني بهذه المناسبة، وطبعت بعض الكتب مصدرة بعبارة ( بمناسبة الاحتفال بالقرن الخامس عشر الهجري)، وليس الاعتراض على طبع الكتب ، فنشر الكتب من تبليغ العلم ، لاسيما إذا كانت سلفية ، أو ذات منهج سلفي ، ولكن الاعتراض على جعل بداية القرن موسماً من المواسم التي يحتفل الناس بها ، فالاحتفال برأس القرن الهجري أمر محدث مبتدع ، والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الإحداث في الدين . فالاحتفال برأس القرن الهجري منهي عنه من وجهين : الوجه الأول : النهي عن الاحتفال به قياساً على الاحتفال برأس السنة؛وسبق أن عرفنا أن عيد رأس السنة من أعياد اليهود، وقلدهم فيه النصارى ثم المسلمون ، والتشبه بالكفار قد نهى عنه الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ، والرسول صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة . وما دام الأصل منهي عنه ، فكذلك يكون الفرع، فيكون الاحتفال برأس القرن الهجري من الأمور المنهي عنها؛ لأنَّ الاحتفال به فيه مشابهة لأهل الكتاب . الوجه الثاني : النهي عنه لكونه أمراً محدثاً مبتدعاً ؛ لأنَّهُ لم يؤثر عن السلف الصالح من التابعين وتابعيهم ، وعلماء الأمة المشهورين كالأئمة الأربعة وغيرهم ، ولا من جاء بعدهم ، أنه احتفل برأس القرن الهجري ، ولم يرد في كتب التاريخ -حسب اطلاعي المحدود- أن أحداً من العلماء أو الحكام احتفل برأس قرن من القرون ، ولو كان خيراً لسبقنا إليه من هو أحرص منا على الخير وهم السلف الصالح - رحمة الله عليهم- . وقد وردت النصوص بالنهي عن الأمور المحدثة المبتدعة ، ومنها : قوله صلى الله عليه وسلم :(( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) . وقوله – عليه الصلاة والسلام - : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) ، أي : مردود عليه . فلا يشك طالب الحق المنصف ، أن هذا الاحتفال داخل في الاحتفالات البدعية المنهي عنها ؛ لكونها محدثة في الدين (( وكل محدثة بدعة )) ، ولمشابهة أهل الكتاب في احتفالاتهم وأعيادهم ((ومن تشبه بقوم فهو منهم )) . – والله أعلم- . المبحث السابع الاحتفال بذكرى بعض العلماء ومن الأمور المحدثة التي ظهرت في بعض المجتمعات الإسلامية، الاحتفال بذكرى بعض الموتى، وخاصة العلماء، وهذا الاحتفال يكون في التاريخ الموافق لتاريخ وفاة المحتفل بذكراه ، وربما كان هذا الاحتفال بعد موته بسنة أو أكثر . وهذا الاحتفال يختلف من شخص لآخر : فإن كان من عامة الناس ، أو ممن ينتسبون إلى العلم وإن كانوا جهَّالاً، فبعد مرور أربعين يوماً على وفاته، يحتفل أهله بذكرى وفاته ، ويسمونها ( الأربعين ) ، فيجمعون الناس في مخيمات خاصة ، أو بيت المتوفى ويحضرون من يقرأ القرآن ، ويعدون وليمة كوليمة العرس ، ويزينون المكان بالأنوار الساطعة ، وبالفرش الوثيرة ، وينفقون النفقات الباهظة ، وغرضهم من ذلك كله المباهاة والرياء ، ولا شك في حرمة ذلك ، لما فيه من إضاعة مال الميت لغير غرض صحيح ، ولا يفيد الميت بشيء، ويعود بالخسارة على أهله. هذا إذا لم يكن في الورثة قاصر ، فما بالك إذا كان فيهم قاصر!!!. وقد يتكلفون ذلك بالقرض بطريق الربا- نعوذ بالله من سخطه- . قال ابن الجوزي -رحمه الله- : ( وكان من هديه صلى الله عليه وسلم ، تعزية أهل الميت ، ولم يكن من هديه أن يجتمع للعزاء ويقرأ له القرآن ، لا عند قبره ولا عند غيره ، وكل هذا بدعة حادثة مكروهة ) 1.هـ . وقال علي محفوظ – رحمه الله - : ( فما يعمله الناس اليوم من اتخاذ الأطعمة للمعزين، والنفقات التي تنفق في ليالي المآتم ، وما يتبعها مثل ليالي الجمع والأربعين، كله من البدع المذمومة ، المخالفة لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح من بعده )ا.هـ فهذا الاحتفال أمر محدث مبتدع ، لم يُؤثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه -رضي الله عنهم- ، ولا عن السلف الصالح -رحمهم الله-.والسنة في ذلك: أن يُصنع الطعام لأهل الميت ويرسل إليهم، لا أن يصنعونه هم ويدعون الناس إليه، وقد قال – عليه الصلاة والسلام – لما جاءه نعي جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- : (( اصنعوا لآل جعفر طعاماً فإنه قد جاءهم ما يشغلهم )) . وقال جرير بن عبد الله البجلي:(كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة) ا.هـ . أما إذا كان المحتفل بذكراه من العلماء ، ففي اليوم الذي يوافق تاريخ وفاته ، بعد مرور سنة أو سنين معينة ، يعمل له احتفال خاص ، ويعهد إلى مجموعة من الباحثين كتابة بعض البحوث في سيرته وشخصيته ، ومنهجه في التأليف ، وكل ما يتعلق به ، ثم تلقى في هذا الاحتفال ، وتطبع كتبه ، أو المهم والمشهور منها ، وتوزع أو تُنشر في الأسواق إحياء لذكراه بزعمهم ، وبياناً لجهوده في سبيل نشر العلم والتأليف ونحو ذلك . وإذا كان من الملوك أو السلاطين أو الرؤساء ، فيحتفل بهذه المناسبة ، ويتكلم كبار المحتفلين عن مآثره وجهوده في الحكم ، وربما صدر بعض الكتب عنه بهذه المناسبة . ومن الناس من يذهب إلى قبره ، ويضع عليه الورود ، ويقرأ على روحه الفاتحة ، وكل هذه بدع ما أنزل الله بها من سلطان . وليس في نشر كتب العالم، والكتابة في سيرته، ومنهجه في التأليف وطباعة كتبه، بأس، بل هذا مطلوب إن كان يستحق ذلك، ولكن لا يخصص ذلك بزمن معين ، ولا يكون مصحوباً باحتفالات ومهرجانات خطابية ونحو ذلك ، وكذلك الملوك والحكَّام . فالاحتفال بذكرى بعض الموتى كالعلماء والحكام ، وبعض العامة ونحوهم ، أمر محدثٌ مبتدع ، وكفى بهذا ذماً له . فإنه لا أحد أوسع علماً منه صلى الله عليه وسلم ، ولا أفضل طريقة في الدعوة إلى الدين ، ولا أشرف مقاماً ، ولا أعظم منزلة منه- عليه الصلاة والسلام- فهو أفضل الخلق على الإطلاق ، ومع ذلك لم يحتفل الصحابة -رضوان الله عليهم- بذكراه- مع أنه لا يمكن أن يحب مخلوق مخلوقاً كمحبة الصحابة – رضوان الله عليهم – للرسول صلى الله عليه وسلم ولا التابعين ، ولا تابعيهم، ولا السلف الصالح -رحمة الله عليهم- ولو كان في ذلك خيراً لسبقونا إليه . فتقدير العلماء لا يكون بالاحتفال بذكراهم ، بل يكون بالحرص على الاستفادة مما كتبوا وألفوا ، عن طريق النشر والقراءة ، والتعليق والشروح ، ونحو ذلك . هذا إذا كانوا يستحقون ذلك، بسيرهم على المنهج السلفي الصحيح، والبُعد عن منهج الفرق الضالة، أو التأثر بالغرب ونحوهم. والعلماء من السلف الصالح ومن جاء بعدهم، قد حفظت ذكراهم ورواياتهم،وما أظهروه للناس من العلم، فالعالم يموت ويفارق الدنيا ، ويبقى علمه يتناقله الناس جيلاً بعد جيل . وبسبب ما استفاد الناس من علمهم ، صاروا يترحمون عليهم ، ويَدْعُونَ لهم بالأجر والمثوبة ، وهذا أعظم إظهار لذكراهم . أما الاحتفال بذكراهم ، والتبرك بزواياهم وآثارهم، والطواف بقبورهم، فكل ذلك من البدع ، التي قد يصل بعضها إلى درجة الإشراك بالله -نعوذ بالله من ذلك - . ولو أن هؤلاء العلماء – الذين يُحتفل بذكراهم ويُتبرك بزواياهم – أحياء لأنكروا على من يفعل هذه الأمور . ولكن بعض الناس قد أغواه هواه والشيطان ، والداعون إلى البدع لدنيا يصيبونها ، أو منصب يترأسون الناس به ، فانزلق في متاهات البدع التي لا خلاص منها، إلا بالرجوع إلى كتاب الله -عز وجل- وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم والوقوف عليهما، وعلى ما أجمع عليه علماء الأمة ، وترك ما أحدث من البدع ، التي هي شر في ذاتها ، وتؤدي إلى شرٍّ أعظم ، وبَلِيَّةٍ أكبر . فنسأل الله لنا ولهم الهداية إلى صراطه المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وأن يباعد بيننا وبين طريق المغضوب عليهم وطريق الضَّالين ، إنه على كل شيء قدير . ********************* المبحث الثامن مشروعية مخالفة أهل الكتاب لا يخفى على كل مسلم أن التشبه بأهل الكتاب حرام ،- سواء في عاداتهم أو أعيادهم أو أخلاقهم أو غير ذلك-؛ لأنَّ التشبه بهم يدل على نوع مودة ومحبة وموالاة ، وإن لم يجاهر المتشبه بذلك ، وإن لم يورث نوع مودة ومحبة ، فهو على الأقل مظنة المودة فيكون محرماً من هذا الوجه سداً للذريعة ، وحسماً لعادة حب الكافرين والولاء لهم ، فضلاً عن كونه محرماً من وجوه أخرى ، بالنصوص الواردة وغيرها . وكلما كانت المشابهة أكثر ، كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتم ، حتى يؤول الأمر إلى أن لا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالعين فقط. بعكس المتمسكين بهدي الإسلام، والبعيدين عن مشابهة الأمم الأخرى ، فهم أكثر نفرة وأقل مودة لغير المسلمين. والتشبه بأهل الكتاب لا يقتصر على المودة الظاهرة بين المسلم والكافر ، بل قد يصل إلى الأمور الاعتقادية والفكرية الباطنية ، وهذا أخطر من سابقه ؛ لأن المسلم الذي يقلِّد الكفار في الظاهر ، يقوده ذلك إلى التأثر باعتقاداتهم الباطنية ، وذلك عن طريق الاستدراج الخفي شيئاً فشيئاً . فأكثر من تعلموا في ديار الغرب ، أو عاشوا بعض الوقت عندهم ، تجدهم يعشقون حياتهم الغربية ، ويحاولون بقدر الإمكان تقليدهم في كثير من الأمور لشدة إعجابهم بهم ، فيأتون من عندهم وقد حملوا أفكاراً واعتقادات غريبة عن الإسلام ، بل بعضها ربما ينافي العقيدة الإسلامية الصحيحة – هدانا الله وإياهم -. ومن الأمور التي تساهل بها بعض المسلمين ، وسارعوا إلى التشبه بالأمم الأخرى فيها: الأعياد والاحتفالات البدعية -التي هي موضوع كتابنا- فأحدثوا من البدع في هذا المجال الشيء الكثير ، مما حدا بشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن يؤلف كتاباً كاملاً في النهي عن مشابهة أهل الكتاب ، وخاصة في أعيادهم ، سمَّاه ( اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ). فقال -رحمه الله- بعد حمد الله والثناء عليه بما هو أهله ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وبعد : فإني كنت قد نهيت إمَّا مبتدئاً أو مجيباً عن التشبه بالكفار في أعيادهم ، وأخبرت ببعض ما في ذلك من الأثر القديم ، والدلالة الشرعية ، وبينت بعض حكمة الشرع في مجانبة الكفار -من الكتابيين والأميين- وما جاءت به الشريعة من مخالفة أهل الكتاب والأعاجم .... ثم بلغني بأُخرة أن من الناس من استغرب ذلك واستبعده، لمخالفة عادة قد نشأوا عليها،وتمسكوا في ذلك بعمومات وإطلاقات اعتمدوا عليها ، فاقتضاني بعض الأصحاب أن أعلِّق في ذلك ما يكون فيه إشارة إلى أصل هذه المسألة، لكثرة فائدتها، وعموم المنفعة بها ، ولما قد عمَّ كثيراً من الناس من الابتلاء بذلك ، حتى صاروا في نوع جاهلية ، فكتبت ما حضرني الساعة ، مع أنه لو استوفى ما في ذلك من الدلائل ، وكلام العلماء ، واسْتقْريتُ الآثار في ذلك ، لوجد فيه أكثر مما كتبته )ا.هـ . ويعتبر كتاب شيخ الإسلام -رحمه الله- هذا ، من أحسن ما أُلف في هذا الباب ، فقد ذكر فيه تحريم مشابهة الكفار بالأدلة: من الكتاب والسنة والإجماع والآثار والاعتبار. فذكر من الآيات القرآنية ما ينيف على ثلاثين آية ، وقرر بعد كل آية وجه دلالتها على ذلك ، ثم ذكر من الأحاديث النبوية الدَّالة على تحريم مشابهة أهل الكتاب ما يقارب مائة حديث ، وأعقب كل حديث بذكر وجه دلالته على ذلك ، ثم ذكر الإجماع على التحريم ، ثم ذكر الآثار ، ثم ذكر من الاعتبار ما في بعضه الكفاية . فما أجلّ هذا الكتاب وأكبر فائدته .
|
|
| |
| رسالة ماجيستير رائعة عن البدع الحولية | |
|