أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: 72- اسم الله: "البَاعِثُ" السبت 13 يناير 2018, 8:39 pm | |
|
72- اسم الله: "البَاعِثُ" =============== بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهمَّ لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنَّك أنت العليم الحكيم، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحقَّ حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا مِمَّنْ يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة المؤمنون... مع الدرس الثاني والسبعين من دروس أسماء الله الحُسنى، والاسم اليوم الباعث.. وقد ورد هذا الاسم في أحاديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الصحيحة التي ذكر فيها أسماء الله الحُسنى.
البعث في اللُغة.. الإثارةُ والإنهاض.. يقال: بعث بعيره فانبعث أي استنهضه فنهض.. أنهضه، وبعثه أرسله، وانبعث فلانٌ لشأنه أي سار لشأنه، بعث الناقة أثارها، بعث فلاناً من نومه أيقظه، البعث بعث الجنود إلى الغزو، البعث هو الجيش، البعث الإحياء من الله عزَّ وجلَّ، البعث: النشر.
هذا ما ورد في معاجم اللغة حول معنى كلمة البعث كمصدر في اللغة.
وأما الباعث في حقِّ الله تعالى.. فلهذا الاسم معانٍ كثيرة، ومن هذه المعاني أنَّ الله سبحانه وتعالى باعث الخلق يوم القيامة كما يقول في سورة الحجّ، قال تعالى: "وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)" (سورة الحج).
أي أنَّ الله سبحانه وتعالى يُنهض الموتى من قبورهم ليحاسبهم.
قال تعالى في سورة الزلزلة: "إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6)" (سورة الزلزلة).
هذا هو البعث.. فالمؤمن يؤمن بيوم البعث.
المعنى الآخر لاسم الباعث: أنَّ الله جلَّ جلاله باعث الرسل إلى الخلق.
يقول تعالى في سورة النحل: "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً" (سورة النحل).
إنهاض الناس من قبورهم باعث، وإرسال الرسل إلى الناس كافَّةً باعث.
"وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً"
والمعنى الثالث: أنَّه تعالى يبعث عباده على الأفعال المخصوصة أي أنَّ الله عزَّ وجل يُلهم الإنسان في حركاته وسكناته.. وذلك بالطبع لصالحه مكافأةً أو تأديباً..
قال تعالى: "هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ" (سورة يونس).
ألم يقل النبيُّ عليه الصلاة والسلام: ((حَدَّثَنَا حَيْوَةُ أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو ابْنِ الْعَاصِ يَقُولا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ)).
هذا التقليب لصالح العباد، فالإنسان أحياناً يُلهَم أن يتحرَّك، يُلهَم أن يسير في هذا الطريق، يُلهم أن يشتري، يُلهم أن يبيع، وقد يستجيب أحياناً لوسوسة الشيطان.
والله سبحانه وتعالى لا يسمح لفعلٍ إلا إذا كان فيه صالحٌ للعبد نفسه، الله تعالى يُقلِّب قلوب العباد بين إصبعيه.
فمثلاً لو أنَّ الإنسان اختار طريق الحق أو اختار طاعة الله عزَّ وجلَّ، أو اختار التوبة النصوح، ربُّنا سبحانه وتعالى يشرح له صدره، شَرْحُ صدره إعانةٌ لهذا العبد على طاعة ربِّه.
قال تعالى: "نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)" (سورة الكهف).
فالإنسان مثلاً إذا تحرَّك نحو الله قليلاً فالله سبحانه وتعالى يبارك حركته ويشجِّعه ويشرح له صدره ويُعينه على طاعته، ألم يُجمَع القرآن كلُّه في الفاتحة؟
ألم تُجمَع الفاتحة في آية؟. "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ".
ولو أنَّ الإنسان اختار طريق الباطل، أو طريق الشهوة، أو طريق المكاسب الماديَّة، أو طريق الأذى، فالله سبحانه وتعالى كيف يُعينه على أن يبتعد عن هذا القرار؟ يجعل صدرَّهُ ضيِّقاً حرجاً كأنَّما يصَّعد في السماء؟.
كما ورد في قوله تعالى: "فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125)" (سورة الأنعام).
فهنا وقفة دقيقة.. إن اتخذت قراراً صحيحاً شرح الله لك صدرك وهو بهذا أعانك على متابعة هذا القرار، وإن اتخذت قراراً خاطئاً ضيَّق الله عليك نفسَك.
"يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ".
لعلَّك ترتدع عن متابعة هذا القرار. فالله سبحانه وتعالى حينما جعل قلوب العباد بين إصبعيه ما جعلها كذلك إلا ليعين عباده على الخير، وليبعدهم عن الشرِّ، فالباعث أحياناً هذا الانشراح، والمثبِّط هذا الضيق، فالله سبحانه وتعالى يبعث عباده على الأفعال المخصوصة.
هناك معنى آخر: إنَّ الله سبحانه وتعالى أمر ونهى وكلَّف، وأعطى الإنسان حريَّة الاختيار، ولو أن الإنسان اتخذ قراراً خاطئاً وتابع خطأه إلى ما لا نهاية حتى جاءه الموت وهو متلبِّسٌ بالمعصية والكفر، لاستحقَّ جهنَّم إلى أبد الآبدين، هذا محض العدل، ولكنَّ الله سبحانه وتعالى رحيم يربِّي هذا العبد، فلو أنَّه اتخذ قراراً خاطئاً وأراد أن يُؤدِّبه بعثه إلى عملٍ يستحقُّ عليه عقاباً شديداً.. إذا أراد ربُّك إنفاذ أمرٍ أخذ من كلِّ ذي لبٍ لُبَّه.
فمثلاً: إذا اتخذ إنسانٌ قراراً في أن يؤذي الناس، كأن يَغُشَّهم في بضاعته، وأن يغتصب بعض أموالهم، وحاز هذا المال ؛ فلو أنَّ الله تركه إلى نهاية المطاف لاستحقَّ النار، لكنه يتحرَّك حركةً خاطئة فيبعثه إلى عملٍ يستحقُّ عليه العقوبة كي يؤدَّب.
قال تعالى: "فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)" (سورة الأنعام).
إذاً إنَّ الله تعالى يبعث عباده على الأفعال المخصوصة إما تحقيقاً لاختيارهم، أو تأديباً لهم، أو مكافأةً لهم، فلو إنساناً أدَّى زكاة ماله يبعثه لشراء صفقةٍ رابحة، يُعوِّض عليه كلَّ ما دفع، و إنسان آخر بخل أن يُزكِّي ماله يبعثه إلى صفقةٍ خاسرة.
فالله عزَّ وجلَّ يبعث.. بالمعنى الأول يُحقق لك اختيارك، وبالمعنى الثاني يُكافئك على حسن اختيارك أو يؤدِّبك على سوء اختيارك، هذا التسيير الأول.. لتحقيق الاختيار.. أما الثاني لدفع ثمن الاختيار.
التسيير الأول هو أن تحقق اختيارك.. أما التسيير الثاني تسيير تربوي فإما أن يشجع وإما أن يعاقب، وهذا هو معنى يبعث عباده على الأفعال المخصوصة.
يبعث مَنْ في القبور.. ينهضهم.
يبعث الأنبياء والمرسلين.. يرسلهم.
يبعث عباده على الأفعال المخصوصة.. أي يخلق الإرادات والدواعي في قلوبهم.
والمعنى الرابع.. أنَّ الله سبحانه وتعالى يبعث عباده عند العجز بالمعونة والإغاثة.
فالإنسان بين حالين لا ثالث لهما، حال الاعتداد بالنفس كما حدث للصحابة الكرام يوم حنين.
قال تعالى: "وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئا" (سورة التوبة الآية: 25).
وحال الافتقار إلى الله مثلما حدث للصحابة الكرام في بدر.
قال تعالى: "وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ" (سورة آل عمران الآية: 123).
أنت بين حال الاعتداد بالنفس أن تقول: أنا، وبين حال الافتقار إلى الله أن تقول: الله، إن قلت: أنا تخلَّى عنك، "فلم تغن عنكم شيئاً".
"وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ".
والحالة الثانية حال أن تقول: الله.. وعندها يتولاَّك الله بالرعاية والتوفيق.
في حياة كلٍ منا كل يوم عشرات الدروس، إن قلت: أنا تخلَّى الله عنك، وإن قلت: الله: تولاَّك ورعاك وأيَّدك ونصرك وأعانك وألهمك وحفظك ودافع عنك، شتَّان بين أن تقول: الله، وبين أن تقول: أنا، ولا يخفى عليكم أنَّ.. أنا، ونحن، ولي، وعندي أربع كلماتٍ مهلكات.
فقد قالها إبليس فأهلكه الله في سورة ص مخاطباً ربه: "قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ" (سورة ص).
وقال قوم سبأ فأهلكهم الله تعالى: "قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ" (سورة النمل الآية: 33).
وقال فِرعون فأهلكه الله: "أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ" (سورة الزخرف الآية: 51).
وقال قارون فأهلكه الله: "إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي" (سورة القصص الآية: 78).
المعنى الرابع.. أنَّ الله سبحانه وتعالى يبعث عباده عند العجز بالمعونة والإغاثة، وعند الذنب بقبول التوبة.
هذا مُجمل المعاني التي وردت في الكتاب والسنَّة عن اسم الباعث. وقيل: الباعث..
الذي يبعث مَن في القبور، باعثُ السّاكنِ، ساكنٌ يبعثه الله فيتحرَّك، كلُّ شيءٍ ساكن يبعثه الله فيتحرَّك، فالنبات في الشتاء ساكن يكون حطباً، ويأتي الربيع فيبعثه الله فيزهر ويورق ويُثمر، بعض الحيوانات تنام في الشتاء ويأتي فصل الصيف فيبعثها الله.
البذرة.. فيها رُشيم، فيها جُذَير، فيها سُويق، فيها حياةٌ يمكن أن تُخزِّنها آلاف السنوات، القمح الذي وجد في الأهرامات زُرِع فأنبت وقد مضى عليه ستَّة آلاف عام، فلما وضعت هذه البذرة في الأرض بعثها الله، نبتت..
وهذا معنى اسم الباعث مطلقاً..
باعث الساكن، شيء ساكن فيتحرَّك.
باعث الهمم.. فالإنسان أحياناً تضعف نفسه فإذا استعان بالله عزَّ وجلَّ أعطاه همةً، وأعطاه قوةً وأعطاه اندفاعاً، لذلك فالمؤمن الصادق يدعو ويقول: "اللهمَّ تبرَّأت من حولي وقوَّتي والتجأت إلى حولك وقوَّتك ياذا القوَّة المتين".
يقول الإمام الغزاليّ: "الباعث.. هو الذي يحيي الخلق يوم النشور ويبعث من في القبور، ويحصِّل ما في الصدور".
كلُّ أعمالك مسجَّلةٌ عليك، سوف نُبعث ونراها أمامنا واحدةً واحدة.
قال تعالى: "اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14)" (سورة الإسراء).
والبعث هو النشأة الآخرة، فالنشأة الأولى في الدنيا، والنشأة الآخرة يوم القيامة.
أيُّها الإخوة... قال بعض العلماء: "الإنسان أحياناً يتوهَّم أنَّ الموت عدمٌ وأنَّ البعث إيجادٌ ابتداءً"، والحقيقة غير ذلك، الإنسان يموت ولكنَّه في القبر إما أن يكون من أهل النعيم، وإما أن يكون من أهل الجحيم، إما أن يكون القبر روضةً من رياض الجنَّة، وإما أن يكون القبر حُفرةً من حُفر النيران.
والدليل قوله تعالى: "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)" (سورة آل عمران).
الموت ليس فناءً ونهايةً ومن ثم يوم القيامة فيه بدءٌ جديدٌ لا -بل هناك حياة برزخية.
ألم يقل الله عزَّ وجلَّ: "النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)" (سورة غافر).
مضى على عذابهم أكثر من ستَّة آلاف عام وإلى يوم القيامة غُدوّاً وعشياً، هذه الآية أصلٌ في عذاب القبر أو عذاب البرزخ مطلقاً.
أيُّها الإخوة... الموتى إما أن يكونوا أشقياء، وإما أن يكونوا سعداء، إن كانت أعمالهم سيِّئة كانوا أشقياء في القبر وإلى يوم القيامة، وإن كانت أعمالهم صالحة كانوا سعداء في القبر وإلى يوم القيامة، لذلك فإن القبر كما قلت قبل قليل روضةٌ من رياض الجنَّة، أو حفرةٌ من حفر النيران.
ورد في بعض الأحاديث الشريفة: ((أنَّ روح الميِّت ترفرف فوق النعش تقول.. يا أهلي يا ولدي لا تلعبنَّ بكم الدنيا كما لعبت بي، جَمَعْتُ المالَ مِمَّا حّلَّ وحَرُمَ فأنفقتُهُ في حِلِّهِ وفي غير حِلِّهِ، فالهناءَ لكم والتَّبِعَةَ عَلَيَّ)).
الإنسان بعد الموت كما ورد في السنَّة والسيرة يسمع ويرى، ألم يخاطب النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قتلى بدر قال: يا فلان يا فلان سمَّاهم بأسمائهم واحداً واحداً، قال: إني وجدتُّ ما وعدني ربِّي حقاً، فهل وجدتم ما وعد ربُّكم حقا؟ ولما قيل له: يا رسول الله كيف تُنادي قوماً قد جيَّفوا!! فقال عليه الصلاة والسلام: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنَّهم لا يجيبونني.
((قالت عَائِشَةَ لَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأُولَئِكَ الرَّهْطِ فَأُلْقُوا فِي الطُّوَى عُتْبَةُ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابُهُ وَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ جَزَاكُمُ اللَّهُ شَرًّا مِنْ قَوْمِ نَبِيٍّ مَا كَانَ أَسْوَأَ الطَّرْدِ وَأَشَدَّ التَّكْذِيبِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تُكَلِّمُ قَوْمًا جَيَّفُوا فَقَالَ مَا أَنْتُمْ بِأَفْهَمَ لِقَوْلِي مِنْهُمْ أَوْ لَهُمْ أَفْهَمُ لِقَوْلِي مِنْكُمْ)) (مسند الإمام أحمد).
إذاً الإنسان يحيى فإذا جاء الموت.. أي عمليَّة انفصال نفسه عن جسده عن روحه.. روح الإنسان هي القوَّة المحرِّكة، وجسده وِعاؤه، ونفسه ذاته. النفس خالدةٌ إلى أبد الآبدين، إما في جنَّات النعيم وإما في أعماق الجحيم.
قال تعالى: "وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)" (سورة الزخرف).
فأنت خُلقت لتبقى، إما في نعيمٍ مقيم وهذا ما نرجوه إن شاء الله تعالى، وإما في جحيمٍ لا يُطاق ولا يُحتمل، فلذلك عندما يُؤثر الإنسان الدنيا على الآخرة يكون أحمق وغبياً.
مَن آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً، ومن آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً.
إني وجدت ما وعدني ربِّي حقا، فهل وجدتُّم ما وعد ربُّكم حقاً؟ خاطبهم.. أحدهم ألِّف كتاباً اسمه الحياة بعد الموت.. وكان الباعث على تأليف هذا الكتاب أنَّ مريضاً توقَّف قلبه أمداً طويلاً ثم عاد ونبض، فذكر هذا الإنسان كيف أنَّه تصوَّر أعماله كلَّها، وكيف أنَّ نفسه ابتعدت عن جسده، وكيف أنَّه ندم على أعماله السيِّئة، هذا الوصف جعل مؤلِّف الكتاب يتحرَّك إلى أكثر المشافي وأراد أن يأخذ تقارير مشابهةً عن هذه الحالات، وقام بجمع هذه التقارير وألَّفها في كتاب.
والمُلخَّص.. أنَّ الإنسان حينما يموت تبتعد نفسه عن جسده، المؤمن يستعرض حياته كلَّها طيلة حياته، ويُقيِّم أعماله كلَّها وفق مقياسٍ واحد هو مدى ما ينفع بها عباد الله، ويرى أن أعماله ولو عظمت إن لم ينتفع بها أحد فلا قيمة لها فإن خير عباد الله أنفعهم للناس.
فالإنسان حينما يُدقق، أو حينما َيعلمُ علم اليقين أنَّه سوف يدخل في القبر، وأنَّ هذا القبر حياةٌ برزخيَّة تسبق الحياة الأُخرويَّة، وأنَّ هذه الحياة في القبر نعيمٌ أو جحيم ينبغي ان يعُدَّ ألف مرَّة قبل أن يقترف المعصية.
الإمام القُشيري يقول: "الباعث.. هو الذي يبعث الخواطر الخفيَّة في الأسرار، فمن دواعٍ ما يبعثها إلى الحسنات، ومِنْ دواعٍ ما يبعثها إلى السيِّئات".
كما قلت قبل قليل.. العمل أساسه إرادة، الإرادة تتحرَّك بالباعث والباعث هو الله سبحانه وتعالى يبعثنا إلى أعمالٍ اخترناها صالحة، أو إلى أعمالٍ اخترناها سيِّئة، فلذلك حينما قال الله عزَّ وجلَّ: "لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ" (سورة البقرة).
"لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ".
ما هو الكسبُ؟ أنت حينما تقول: أنا سأُصلِّي هذا هو الباعث، هذا هو الكسب.
الله سبحانه وتعالى يُمِدُّك بقوةٍ منه، فالله جلَّ جلاله حينما يراك تريد أن تُصلِّي يعينك على آداء الصلاة، هو الذي يحقق أفعال العباد، الأفعال بيد الله، والإنسان يملك الانبعاث، يملك الإرادة، يملك الاختيار، يملك الكسب، وما سوى ذلك من خلق الله عزَّ وجلَّ وهذه هي عقيدة أهل السُنَّة والجماعة.
وقيل: "الباعث... هو الذي يبعث الهمم إلى الترقّي في ساحات التوحيد".
فالإنسان أحياناً إذا وصل إلى مستوى معيَّن ولم يتجاوزه إلى مستوىً أعلى قد يصاب بالسأم والضجر والملل.. من لم يكن في زيادة فهو في نقصان، فقرار الهُدى قرارٌ مستمرٌ فكلَّما ازددت علماً ارتقيت عند الله، وكلَّما ارتقيت عند الله ارتفع مستوى عملك، وكلَّما ارتفع مستوى عملك زاد إقبالك، فهي سلسلة متتابعة، فالذي يبقى في مرتبةٍ واحدة هذا معرَّض بأن يقول: مللت، والله سبحانه وتعالى لا يملّ حتى تملّوا، فإذا لم يكن هناك ازدياد علمي ورقي علمي فلن يكون رقي عملي، ولن يكون هناك عمل صالح ترقى به.
وربَّما انعكس هذا سلباً على مكانة الإنسان عند الله عزَّ وجلَّ.
وقيل: الباعث.. "هو الذي يبعثك على عليَّات الأمور"، أي إذا أراد ربُّك إظهار فضله عليك خلق الفضل ونسبه إليك.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 28 أبريل 2021, 11:31 pm عدل 1 مرات |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |