62- اسم الله: "العظيم"
==========
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الاسم الثاني والستين من أسماء الله الحُسنى، والاسم هو اسم العظيم.
هذا الاسم قد أورده النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حديثيه الشهيرين الذين ذكر فيهما أسماء الله الحُسنى.
وأما المعنى اللُغوي لكلمة العظيم:
فإذا اشترك شيئان في قاسم مشترك، ورجح الأول نُسمِّي الأول عظيماً.
إذا كان أحدهما زائداً على الآخر في ذلك المعنى المشترك، سُمي الزائد عظيماً، نقول هذا جسمٌ عظيم.. أي له أبعاد.. له طولٌ أطول، وعرضٌ أعرض، وعمقٌ أعمق، نقول هذا الشيء عظيم.
أيّها القارىء الكريم... يمكن أن نقول:
فلانٌ عظيمٌ في العلم، أي يتمتَّع بعلمٍ غزير، ونقول فلانٌ عظيمٌ في المال، وفلانٌ عظيمٌ في الملك، وقد نقول عظيمُ القرية أي سيِّدها، والعظيم مشتقٌ من العظم.. والعَظْمُ ؛ هو الضخامة والعزُّ والمجد والكبرياء.. لا زلنا في اللغة.. الشيءُ العظيم الشيءُ القوي، الشيءُ الضخم، الشيءُ العزيز، الشيءُ الماجد، ذو الكبرياء.
أما إذا قلنا:
إنَّ الله سبحانه وتعالى عظيم، فمعنى ذلك: أنه عظيمٌ في وجوده.
المخلوقات موجودة، فالجبل موجود، والبحر موجود، والسهل موجود، والإنسان كذلك موجودٌ، والحيوانات موجودة، والنبات موجود، لكن هذه الموجودات جميعاً سبقها عدم، وسوف تنتهي إلى عدم.
أمَّا إذا قلنا:
إنَّ الله عظيمٌ في وجوده؛ أي؛ وجوده أزليٌ أبديٌ، لا شيء قبله، ولا شيء بعده، هو الحيُّ الباقي على الدوام.
موضوع الفناء موضوعٌ يتَّصف به الخلق، بينما موضوعُ البقاء من صفات الخالق.
موضوع الحداثة من صفات الخلق، أما موضوع القدم من صفات الخالق.
أنت موجود والله موجود، وشتَّان بين الوجودين.
أولاً:
وجود الإنسان يسبقه عدم وينتهي إلى عدم، هو حادثٌ فانٍ، لكنَّ الشيء الأهم أنَّ وجود الإنسان مفتقرٌ إلى شروطٍ لا يملكها، فمن منا يملك استمرار وجوده؟ لا أحد فقد قال تعالى: "إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)" (سورة الزمر).
وجود الإنسان متعلِّقٌ بشروط، لو منعت عنه الهواء يموت، لو منعت عنه الماء يموت، ولو منعت عنه الطعام إلى أمدٍ معلوم يموت، لو حرمته من الزوجة يختلَّ توازنه، لو حرمته من الأولاد يشعر بالقلق، وجود الإنسان وجودٌ قائم على غيره، على شروطٍ لا يملكها، لكنَّ وجود الله سبحانه وتعالى ذاتي لذلك قال تعالى: "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2)" (سورة الإخلاص).
فشتَّان بين الوجودين:
فالله سبحانه وتعالى عظيمٌ في وجوده، عظيمٌ في علمه، عِلْمنَا الآن في هذا المكان، لا يمكن أن يتجاوز الجدران، ماذا يجري في الشارع؟ لا نعلم، ماذا في البيت؟ لا نعلم علمه محدود متعلِّق بالحواس الخمس، ومتعلِّق بالحواجز، لكنَّ علم الله سبحانه وتعالى علمٌ مطلق تعلَّق بكلِّ ممكن فقد قال تعالى: "وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16)" (سورة الحجرات).
"وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ".
علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
فالله سبحانه وتعالى عظيمٌ في وجوده، عظيمٌ في علمه، عظيمٌ في قدرته، هو على كلِّ شيءٍ قدير، لا يعجزه شيءٌ في السماوات ولا في الأرض.
تصور إنساناً ينضوي تحت ظلِّ القدير، هل يخشى قوياً؟ إذا كان الله معك فمَنْ عليك؟ وإذا كان عليك فمَنْ معك؟ يا ربِّ ماذا فقد مَنْ وجدك؟ وماذا وجد مَنْ فقدك؟
الله عزَّ وجلَّ عظيمٌ في وجوده؛ وجودهُ أزلي أبدي ذاتي.
عظيمٌ في علمه؛ بكلِّ شيءٍ عليم.. يعلم الظاهر والباطن، ما جلا وما خفي، يعلم دبيب النملة السمراء على الصخرة الصمّاء في الليلة الظلماء، إنه بكلِّ شيءٍ عليم.
على كلِّ شيءٍ قدير عظيمٌ في قدرته، فمثلا بحسب علم الأطبّاء يقال لك: هذا مرضٌ عضال لا شفاء منه.
الإنسان أحياناً يتوجَّه إلى الله عزَّ وجلَّ بالدعاء ؛ فتقف هذه الخلايا التي تنمو نمواً عشوائياً، وينحسر المرض، ويظهر الله آياته.. عظيمٌ في قدرته.
عظيمٌ في قهره؛! سبحان مَنْ قهر عباده بالموت، قهر الجبابرة، قهر الطّغاة، قهر الذين نازعوه الكبرياء والعظمة.
عظيمٌ في سلطانه، عظيم في قهره، فالله عزَّ وجلَّ سلطانه ممتدٌ إلى أيِّ مكان، وفي أيِّ زمان ومع أيَ مخلوق.. يعني مدير الدائرة، سلطانه على موظَّفيه في أثناء الدوام، أما إذا تغيّبوا في البيت فسلطانه عليهم لا يزيد عن أن يحسم من رواتبهم، أما سلطان الله على الإنسان؛ كلُّ أجهزته بيد الله، وكلُّ أعضائه بيد الله، كلُّ حواسِّه بيد الله، ذاكرته بيد الله، ودسَّامات قلبه، وكليته بيد الله، يعني أن الإنسان إذا استيقظ صباحاً، ورأى أنَّه قد سُمح له أن يعيش يوماً جديداً، وأنَّه معافىً في جسمه، فهذه نعمةٌ لا يعرفها إلا مَنْ فقدها، الكليتان تعملان بانتظام، جهاز الهضم بانتظام، البنكرياس يفرز الأنسولين، القلب ينبض ثمانين نبضة في الدقيقة، الدسَّامات في القلب لا تسمح للدم أن يرجع، فإذا رجع الدم إلى القلب أجرة العملية الجراحيّة لإصلاح ذلك تبلغ ستمائة ألف من الليرات، وقد تنجح وقد لا تنجح، وقد تجرى في القطر أو في خارج القطر، هذا إذا رجع الدم إلى القلب، فمَنْ ضبط الدسّامات؟ فنحن تحت ألطاف الله عزَّ وجلَّ.
يقولون:
أصيب فجأةً بعمى ألوان.. فتجده على إشارة المرور الحمراء ينطلق بسيّارته بدلاً من الوقوف، إذا أصيب الإنسان بعمى الألوان يمنع فوراً من قيادة السيّارة، وأنتم تسمعون.. وما أكثر الأمراض، وما أكثر الخلل الذي يصيب بعض الأجهزة، أو بعض الأعضاء، فالله سبحانه وتعالى عظيم، عظيمٌ في سلطانه.
يعني أنت لِكونك جسماً ونفساً.. فأحياناً تشعر بانقباض، وأحياناً ينشرح صدرك، وأحياناً يضيق صدرك، أحياناً تتفاءل، وأحياناً تتشاءم، أحياناً يعروك الهمَّ: فإذا قصَّر العبد في العبادة ابتلاه الله بالهمِّ والحزن.
أحياناً تضعف معنويّاتك، تضعف أمام عدوِّك، وأحياناً يقوِّيك عليه، جسمك بيده، ونفسك بيده، ومن حولك بيده، وتجارتك بيده، وزوجتك بيده، وأولادك بيده.. قال بعضهم: أعرف مقامي عند ربّي من أخلاق زوجتي، قد يسلس قيادها وقد لا يسلس!!
أيّها الإخوة القراء الكرام:
الله عظيمٌ في وجوده، عظيمٌ في علمه، عظيمٌ في قدرته، عظيمٌ في قهره، عظيمٌ في سلطانه، عظيمٌ في نفاذ حكمه.. قد يتمنّى الإنسان مثلا مئات الحاجات والأشياء فلا تتحقق، ولكنَّ الله سبحانه وتعالى فعالٌ لما يريد، إذا أراد شيئاً يقول: كن فيكون.
كلُّ شيءٍ وقع أراده الله، كلُّ شيءٍ أراده الله وقع، أي أنَّ هذا العظيم، أيُنسى؟ أيُنْصَرَفُ عنه؟ أيُعْرَضُ عنه؟
أرى لزاماً عليَّ أن أقول هذه الكلمة:
لا يليق بالإنسان أن يكون لغير الله، وما أكثر الناس الذين يعبدون عباداً لله من دون الله، إما أن تكون عبداً لله.. فعبد الله حُرّ، وإما أن تكون عبداً لعبدٍ لئيم!!
وأشدُّ الناس خسارةً مَنْ ربط مصيره بمصير إنسان، لأنَّ هذا الإنسان لا يملك له نفعاً ولا ضرّاً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشورًا، ولا رِزقاً ولا عطاءً ولا حرماناً.
أرسل أحد الولاة إلى سيِّدنا عمر بن عبد العزيز رسالةً قال فيها:
يا أمير المؤمنين إنَّ أُناساً قد اغتصبوا مالاً ليس لهم، لستُ أقدر على استخراجه منهم، إلا أن أمسَّهم بالعذاب، فإن أذنت لي فعلته.
فقال هذا الخليفة الراشد:
يا سبحان الله.. أتستأذنني في تعذيب بشر؟ وهل أنا لك حصنٌ من عذاب الله؟ وهل رضائي عنك يُنجيك من سَخَطِ الله؟ أقم عليهم البيِّنة، فإن قامت فخذهم بالبيِّنة، فإن لم تقُم فادعهم إلى الإقرار، فإن أقرّوا فخذهم بإقرارهم، فإن لم يُقرّوا فادعهم لحلف اليمين، فإن حلفوا فأطلق سراحهم، وايمُ الله لأن يلقوا الله بخيانتهم، أهون من أن ألقى الله بدمائهم، هل أنا لك حصنٌ من عذاب الله؟
أيُّها القارىء الكريم... قيل:
العظيم عظيمٌ لأنَّ العقول لا تصل إلى كنه صمديَّته.
أيام يكون شيء عظيماً، لكن يُحاط به علماً، تُدْرَكُ أبعادهُ، لكن إذا قلت: إنَّ الله عظيم.. العقول عاجزة عن أن تصل إلى كُنه صمديَّته، لذلك لا يعرف اللهَ إلا اللهُ، وليس هناك نبيٌ بما فيهم سيِّد الأنبياء والمرسلين عرف الله المعرفة المطلقة، هو أعرفنا بالله؛ لكنَّ اللهَ لا يعرفه إلا اللهُ.
فالعظيم؛ هو الذي تعجز العقول عن أن تُدرك صمديَّته، وتعجز الأبصار عن أن ترى كما قال بعض العلماء: سُرادقات عزَّته.
الآن هناك نقطة دقيقة المعنى جداً.. من الممكن أن يحيط البشر إنساناً عادياً بهالةٍ عظيمة، فبعض شعوب آسيا المتخلِّفة يأتون كاهناً من كُهَّانهم بطفل فيسمونه إلهاً، ويُحاط بالتعظيم، والإجلال والإكبار والتقديس،.. فصار هذا الطفل عند كبره إلهاً لهم، ويعظّمه الناس، فهو عظيمٌ لأنَّ الناس عظَّموه، أما هو في ذاته ليس بعظيم.
أما إذا قلت:
إنَّ الله عظيم؛ لا لأنَّ العباد عظَّموه، لا لكن؛ لأنَّه عظيمٌ في ذاته، هو مستغنٍ عن تعظيم العباد له.
ففي الحديث القدسي:
((عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ)) (صحيح مسلم).
أحياناً لشدّة ما يُحاط الإنسان بالتعظيم؛ يبدو للناس عظيماً، لكنَّ الله سبحانه وتعالى ليس كذلك، فهو عظيمٌ، سواء أَعظَّمه الناس أو لم يُعظِّموه، أعرفوه أم لم يعرفوه، أقدَّسُوه أم لم يُقدِّسُوه.
فقد تجد إنساناً يقال لك عنه:
هذا عظيمٌ في المال، أي حجمه المالي كبير، إسأل وتحقَّق عن ماله فتجده مئتي مليون، أصبح محدوداً، أو يبلغ ماله ثلاثمائة، أو أربعمائة، أو ثمانمائة، أو ألف مليون، أو أربعة آلاف مليون، فقد تحدد الرقم، لكن إذا قلت إنَّ الله عظيم، العلماء يقولون: "لا حدود لعظمته".
عظمته لا نهائيَّة، وليس في الإسلام كلمة تُعبِّر عن هذا الإطلاق كقولك: الله أكبر، مهما عرفت من قدرته فهو أكبر، مهما عرفت من علمه فهو أكبر، مهما عرفت من رحمته فهو أكبر، مهما عرفت من سلطانه فهو أكبر، مهما عرفت من جلاله فهو أكبر.
وقيل:
العظيم.. هو الذي ليس لعظمته بداية، على مستوى البشر يقولون لك: فلان هذا كان لا يملك شيئاً.. الآن عظيم بماله، وقد كان فقيراً، معنى هذا أنّ العظمة البشرية لها بداية.. فلان ملك، لقد كان جندياً في بداية أمره مثلا، فلان دكتور من أساطين العلم، كان جاهلاً من قبل ذلك، فلهذه العظمة بداية، إذا قلت: إنَّ الله عظيم.. فليس لعظمته بداية، ولا لجلاله نهاية، هذا معنى أن يكون الله عظيماً.
وقيل:
العظيم الذي لا تهتدي العقول لوصف عظمته، ولا تحيط بكنهه بصيرة، أي يستحيل أن تحيط بعظمة الله، من المعاني الدقيقة جداً التي يمكن أن تفسِّر قوله تعالى: "وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ" (سورة غافر).
ما ذنب النبي عليه الصلاة والسلام؟ وقد قال تعالى:
"لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ" (سورة الفتح).
وقد قال تعالى كذلك:
"لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ" (سورة التوبة).
"لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ".
ما الذنب الذي ارتكبه النبي؟!
قال بعض العلماء:
"هذه خاصَّةٌ برسول الله، لأنّه كلَّما عرف جانباً من عظمة الله، استحي من المعرفة السابقة، وكلَّما ارتقت معرفته بالله رأى أنَّه أذنب في حقِّ الله، حينما عرفه أقلَّ مما ينبغي".
إذا كنت مثلاً ولله المثل الأعلى.. تتصوَّر إنساناً يحمل شهادة الليسانس ثم تفاجأ بأنَّه يحمل الماجستير، ظننته يحمل ماجستيرًا ثم تفاجأ أنه يحمل دكتوراه، ظننته يحمل دكتوراه ثم تفاجأ بأنَّ له ثلاثين مؤلّفاً بعض هذه المؤلَّفات فريد نوعها في العالم، فكلَّما أدركت جانباً من علمه تكشَّف لك علمٌ لا تعرفه.
إذاً أنت تشعر أنَّك مقصِّرٌ في معرفته، فربّما كان ذنب النبيُّ عليه الصلاة والسلام، أنَّه كلَّما تكشَّف له جانبٌ من عظمة الله عزَّ وجلَّ، شعر أنَّ معرفته السابقة هي ذنبٌ وقع فيه فلزمه الاستغناء جراء ذلك.
وبعد:
فإنّ كلمة عظيم وردت في مواضع من القرآن الكريم:
الموضع الأول:
"اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)" (سورة البقرة).
أما الآية الثانية:
"لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)" (سورة الشورى).
الآية الثالثة:
"فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)" (سورة الواقعة).
الآية الرابعة:
"إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)" (سورة الحاقّة).
أيها القراء الكرام...
ما من مخلوقٍ من بني البشر إلا ما ندر إلا وهو يؤمن بالله، لكنَّ الإيمان الذي يُنَجِّي هو أن تؤمن بالله العظيم، إن آمنت أنَّه عظيم؛ استحييت أن تعصيه، وكبر عليك أن تُعرض عنه.
العبرة أن تؤمن بالله العظيم، إنَّك إن لم تؤمن بالله العظيم، لن تُطيع الله عزَّ وجلَّ، اسأل هؤلاء الناس الذين يَعصُون اللهَ عزَّ وجلَّ ليلاً ونهاراً في كسب أموالهم، وفي علاقاتهم بالنساء، وفي عدوانهم على الآخرين، وفي انحيازهم لمصالحهم، اسأل هؤلاء الناس: ألا تؤمن بوجود الله؟ فستجده يقول لك: أعوذ بالله أنا مؤمن.