46- اسم الله: "الجليل"
==============
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الاسم السادس والأربعين من أسماء الله الحسنى: والاسم هو الجليل، أكثر الإخوة المؤمنين؛ إذا قالوا الله، قالوا بعدها جل جلاله.
وذلك من أدب المؤمنين مع ربّهم وسلامة فطرتهم.
وفي اللغة:
جَلَّ يَجِلُّ أيْ عظم قدره.
والجليل:
هو مَنْ له الجلالة والعِزُّ والغنى والنزاهة.
والجليل:
هو العظيم الذي يتنزه عمَّا لا يليق به.
والجليل:
كاشف القلوب بِأوصاف جلاله -قد يطَّلِع قلب المؤمن، قد يكشف قلب المؤمن بِإذن الله عن بعض أوصاف جلال الله- فهو سبحانه يكشف للقلوب المنيبة بعض أوصاف جلاله، ويكشف للأسرار بعض نعوت جماله.
وكل ما في العالم من؛ جلال وكمال وحسنٍ وبهاء؛ فهو من أنوار ذاته، وآثار صِفاته.
كلمة جلّ جلاله:
أيْ عظم قدره وتنزَّه عمَّا لا يليق به.
وقال بعض العلماء:
الجليل:
هو المستَحِق للأمر والنهي، فهو وحده الذي يأمر وينهى، هو الذي يُشرِّع.
والجليل:
هو الذي يصغُر دونه كل جليل، ويتّضِعُ معه كل رفيع.
وقيل الجليل:
الذي جلَّ قدره في قلب العارف بالله.
الجليل:
هو الذي جلّ قدره في قلوب العارفين -لو شققتَ على قلب المؤمن لرأيت فيه تعظيماً لله لا حدود له وخشيةً لله لا حدود لها- ولقد عظم خطره في قلوب المحبين يعني:
لو قال تِيهاً جُز على جمر الغضا لمــررتُ ممتَثِلاً ولم أتوقفِ
أو كان مَنْ يرضى بِخَدِّيَ مَوطِئاً لَوَضَعْتهُ أرضاً ولم اسْتنكف
***
هذا إذا كان إنسانٌ يحب مخلوقاً، فكيف إذا كان المُحب مُحباً لله عز وجل؟
قال العلماء:
هو الذي جلّ قدره في قلوب العارفين، وعظم خطره في نفوس المحبين، الجليل هو المستحق للأمر والنهي الذي يصغر دونه كل جليل، ويتَّضع معه كل رفيع، كاشف الأسرار بِنعوت جماله.
أيها القارىء الكريم:
والجليل هو الذي جَلَّ في علوّ صفاته، وتعذَّر بِكِبرِيائه أن يُعرَف كمال جلاله؛ فَعَظَمته أعظم من أن تُعرف، أو أن يُحاط بها.
أحياناً تلتَقي بِإنسان عِدّة لِقاءات فتكشِف بها كل جوانبه، وتسْتَوعِب كل إمكاناته لكن لا يمكن لِمخلوقٍ أن يحيط بِقدْر الله عز وجل.
ولقد تحدّث بعض الأئمة عن الفرق بين الجليل، والكبير، والعظيم.
فذَكر الإمام الغزالي
أن الجليل:
"هو الموصوف بِنُعوت الجلال -ونعوت الجلال، الغِنى، والمُلك، والتقديس، والعلم، والقدرة".
فهُناك بعض الصِّفات تُحدِث في النفس تعظيماً.
الجليل:
هو الموصوف بِنعوت الجلال، والجامع لِصفاتها جميعها، وهو الجليل المطلق، والجليل المطلق هو الله تعالى.
والكبير:
هو الذي يرجع في صفاته إلى كمال الذات.
فهناك كمال للذات وكمال للصفات - مجموع الصفات التي ترتبط بِكمال الذات: الكبير.
ومجموع الصفات التي تتعلق بِكمال الصفات: الجليل.
وأما العظيم:
فهو الذي جمع صفات كمال الذات، وصفات كمال الأفعال.
إنّ الإنسان حينما يذكر الله سبحانه وتعالى يحب أن يُعَبِّر عن تعظيمه له فكان هذا الاسم جل جلاله حيث ما ذُكِر اسم الله العَلَم على الذات يُذكر بعد اسم الذات أي يقول المؤمن بعد اسم العَلم على الذات كلمة الجليل أو كلمة جلَّ جلاله.
حينما يُدْرِك الإنسان الصِّفات الظاهرة بِعَيْنِه فهذا هو البصر؛ بِبَصَرك تدرك الجمال الظاهر، وبِبَصيرتك تُدْرك الجمال الباطن.
أحياناً تستمِتع بفِعلٍ كامل؛ هو في حدِّ ذاته جميل والجمال ليس متعلِّقاً بِالنواحي المادِّية فَحَسْب، بل قد يمتدّ إلى النواحي المعنوية، فالمَوقِف الكامل، هو من زاوية موقِف كامل ومن زاوية أخرى هو موقِفٌ جميل.
تقول:
فُلان يتمتَّع بِجمال الخُلق.
لذلك قال بعض العلماء:
إن صِفات الحق أقسام؛ صِفات الجلال وهي العظمة والعِزّة والكِبرياء والتقديس، وكلها ترجِع إلى معنى الجليل، وصِفات الجمال؛ وهي صِفات اللُّطف والكرم والحنان والعَفْو والإحسان؛ وهذه هي صِفات الجمال.
إذا اجتمعت أيها القارىء الكريم ببعض مَنْ ذهبوا لأداء فريضة الحج يقولون لك: كنت وأنا في مكة المكرَّمة أشعُر بِالجلال، فإذا ذهبت إلى المدينة المنوَّرة أشعر بِالجمال، فهناك صِفات الجلال، وصِفات الكمال.
صِفات الجلال؛ صِفات العظمة والعِزّة والكِبرياء والتقديس، كلها ترجع إلى معنى الجليل.
وصِفات الجمال؛ هي صفات اللُّطف، والكرم، والحنان، والعَفْو، والإحسان، وكلها ترجع إلى معنى الجميل.
يقول بعض العلماء:
صِفات الكمال هي الأوصاف الذاتية التي دونها جميع العقول والأرواح، مثل اسمه القدوس، وصِفات ظاهرها جمال وباطِنها جلال مثل اسم المُعطي المُنعم، وصِفات ظاهرها جلال وباطِنها جمال مثل اسم النافع والضار.
سأُوَضّح هذا بِشكلٍ مُفصّل:
إن الإنسان إذا أخذ من عطاء الله ولم يستَقِم على أمر الله، ولم يُوَظِّف هذا العطاء في الحق فوراء هذا جلال، أي قد يكون هناك عِقاب، أو شيء يدعو إلى الخوف.
وهناك صِفات ظاهرها جلال، وباطِنها جمال؛ أحياناً ربنا يوقِع الضَّرر بإنسان لكن هذا الضرر ينتهي به إلى التوبة، والإقبال على الله.
فالله سبحانه وتعالى له صِفات جلال، وله صِفات جمال، وله صِفات ظاهرها جلال وباطِنها جمال، فإذا أعطاك فهذا شيء جميل لكن إذا لم يكن مع هذا العطاء استِقامة سيكون بعد هذا العطاء تأديب.
فيِأتي الجمال أولاً والجلال ثانياً.
أما إذا جاء التأديب فالإنسان يخاف، ويشعر بِالرهبة، وأنّ الله تعالى كبير، وأنه ينبغي أن يُرْهَب جانِبه، وبعد هذه الرهبة يأتي الجمال.
لذلك قالوا:
حينما نقول الضَّار النَّافع، والمُعطي المانع، والخافض الرَّافع، والمُعز المُذل؛ هذه الأسماء ينبغي أن تُذكر معاً لأن الله سبحانه وتعالى لا يضر إلا لِيَنْفع، ولا يأخذ إلا لِيُعطي كما ورد في بعض الأحاديث: ((إن هذه الدنيا دار اِلْتِواء لا دار استِواء، ومنزل تَرَحٍ لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لِرخاء ولم يحزن لِشقاء)).
قد جعلها دار بلوى، وجعل الآخرةَ دارَ عقبى، فجعل بلاء الدنيا لِعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بَلْوى الدنيا عِوَضاً فَيأخذ لِيُعطي، ويبتَلي لِيَجزي.
ينبغي أن تعتقد كما ورد في القرآن الكريم أن أسماء الله تعالى كلها حُسنى، حتى اسم الجبّار، القهار المنتقم هي أسماء لله حُسنى، لو عرفْت حقيقتها لَذابت نفسك محبَّة لله عز وجل لكن هناك أسماء متعلِّقة بالجلال وأخرى بِالجمال وهناك أسماء ظاهرها جلال وباطِنها جمال، وله أسماء ظاهرها جمال وباطِنها جلال والعكس.
يقول بعض العلماء:
"الجليل هو المستحق لأوصاف العُلُوِّ والرِّفعة."
ويقول بعض العلماء:
"واعْلَم أنه تعالى يُكاشِف القلوب مرَّةً بِوَصف جلاله".
فَأحْياناً يشعر الإنسان بِحالٍ طيِّبة وسُرور وانْطِلاق وبِفَرْحة؛ فالله جل جلاله يتجلّى عليه باسم الجميل.
وأحياناً يشعر بالخوف والقلق على مصيره هل له عند الله المكانة التي يتمنَّاها؟ وهل عملُه كما يُرضي الله عز وجل؟ وهل نواياه بِالشكل الذي يرضى الله عنه؟.
أحياناً يقع الإنسان في موقف أقرب إلى الخَشْية منه إلى الطُّمأنينة فإذا تجلى الله على الإنسان بِاسم الجليل امتلأ القلب خَشْيَةً.
وإذا تجلّى اللهُ على عبده باسم الجميل امتلأ القلب فرحةً، وربنا عز وجل يُقَلِّب هذا القلب البشري بين الخشية وبين الطُمأنينة، إن ازدادت طمأنينته يُخيفُه، وإن ازداد خوفه يُطَمْئنه.