سورة المُلك
{ تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ } * { ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ } * { ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ } * { وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ }
شرح الكلمات:
{ تبارك الذي بيده الملك } : أي تعاظم وكُثر خير الذي بيده الملك أجمع ملكاً وتصرفاً وتدبيراً.
{ وهو على كل شيء قدير } : أي وهو على إيجاد كل ممكن وإعدامه قدير.
{ الذي خلق الموت والحياة } : أي أوجد الموت والحياة فكل حيّ هو بالحياة التي خلق الله وكل ميت هو بالموت الذي خلق الله.
{ ليبلوكم أيكم أحسن عملا } : أي أحياكم ايختبركم أيكم يكون أحسن عملاً ثم يميتكم ويحييكم ليجزيكم.
{ وهو العزيز الغفور } : أي وهو العزيز الغالب على ما يريده الغفور العظيم المغفرة للتائبين.
{ طباقا } : أي طبقة فوق طبقة وهي السبع الطباق ولا تماس بينها.
{ ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت } : أي من تباين وعدم تناسب.
{ هل ترى من فطور } : أي مرتين مرة بعد مرة.
{ خاسئا وهو حسير } : أي ذليلاً مبعداً كالاً تعباً منقطعاً عن الرؤية إذ لا يرى خللا.
{ بمصابيح } : أي بنجوم مضيئة كالمصابيح.
{ رجوماً للشياطين } : أي مراجم جمع مرجم وهو ما يرجم به أي يرمى.
{ وأعتدنا لهم عذاب السعير } : أي وهيأنا لهم عذاب النار المسعرة الشديدة الاتقاد.
معنى الآيات:
قوله { تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير } مجد الرب تعالى نفسه وعظمها وأثنى عليها بما هو أهله من الملك والسلطان والقدرة والعلم والحكمة فقال عز وجل تبارك أي تعاظم وكثر خير الذي بيده الملك الحقيقي يحكم ويتصرف ويدير بعلمه وحكمته لا شريك له في هذا الملك والتدبير والسلطان. { وهو على كل شيء قدير } فما أراد ممكنا إلا كان، ولا أراد انعدام ممكن إلا انعدم. الذي خلق الموت والحياة لحكمة عالية لا باطلا ولا عبثاً كما يتصور الكافرون والملاحدة الدهريون بل { ليبلوكم أيكم أحسن عملاً } أي خلق الحياة بكل ما فيها، ليذكر ويشكر من عباده فمن ذكر وشكر وأحسن ذلك، أعد له جنات ينقله إليها بعد نهاية والعمل فيها، ومن لم يذكر ولم يشكر من عباده فمن وشكر ولم يحسن ذلك بأن لم يخلص فيه لله، ولم يؤده كما شرع الله أعد له ناراً ينقله إليها بعد نهاية الحياة الدنيا حياة العمل، إذ هذه الحياة للعمل، وحياة الآخرة للجزاء على العمل.
وقوله تعالى { وهو العزيز الغفور } ثناء آخر أثنى به تعالى على نفسه فأعلم أنه العزيز الغالب الذي لا يُحال بينه وبين ما يريد الغفور العظيم المغفرة إذ يغفر الذنوب للتائب ولو كانت مثل الجبال وزبد البحر. وقوله { الذي خلق سبع سموات طباقاً } هذا ثناء بعظيم القدرة وسعة العلم والحكمة خلق سبع سموات طباقاً سماء فوق سماء مطابقة لها ولكن من غير مماسة إذ ما بين كل سماء وأخرى هواء وفراغ مسيرة خمسمائة عام فالمطابقة المعادلة والمساواة في الجرم لا بوضع سماء على الأخرى كغطاء القدر مثلاً.
وقوله { ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت } أي من اختلاف أو تضاد وتباين والسماء فوقك فإنك لا تجد إلا الاتساق والانتظام لا تصدع ولا انفطار وإن شئت فارجع البصر وانظر هل ترى من فطور أي إنك لا ترى ذلك ثم ارجع البصر كرتين فإنك لا تجد تفاوتاً ولا تبايناً أبداً ولو نظرت الدهر كله كل ما في الأمر أن بصرك أيها الناظر الى السماء يرجع إليك خاسئا أي ذليلاً مبعداً من الأرض القريبة منها بمصابيح هي النجوم والكواكب.
وجعلناها أي النجوم رجوماً للشياطين ترجم بها الملائكة شياطين الجن الذين يريدون استراق السمع من كلام الملائكة حتى لا يفتنوا الناس في الأرض عن دين الله عز وجل. وقوله تعالى { وأعتدنا لهم عذاب السعير } أي وهيأنا للشياطين عذاب السعير يعذبون به يوم القيامة كسائر الكافرين من الإنس والجن.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- تقرير ربوبية الله تعالى بعرض دلائل القدرة والعلم والحكمة والخير والبركة وهي موجبة لألوهيته أي عبادته دون من سواه عزوجل.
2- بيان الحكمة من خلق الموت والحياة.
3- بيان الحكمة من خلق النجوم وهي في قول قتادة رحمه الله: أن الله جل ثناؤه إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصال: زينة لسماء الدنيا، ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها.
{ وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ } * { تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ } * { قَالُواْ بَلَىٰ قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ } * { وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِيۤ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { فَٱعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ }
شرح الكلمات:
{ كفروا بربهم } : أي لم يؤمنوا به فلم يعبدوه.
{ إذا ألقوا فيها } : أي في جهنم ألقتهم الملائكة فيها وذلك يوم القيامة.
{ سمعوا لها شهيقا } : أي سمعوا لجهنم صوتاً منكراً مزعجاً كصوت الحمار.
{ وهي تفور تكاد تميز من الغيظ } : أي تغلي تكاد تتقطع من الغيظ غضباً على الكفار.
{ سألهم خزنتها } : سؤال توبيخ وتقريع وتأنيب.
{ ألم يأتكم نذير } : أي رسول ينذركم عذاب الله يوم القيامة؟.
{ وقلنا ما نزل الله من شيء } : أي كذبنا الرسل وقلنا لهم ما نزل الله مما تقولون لنا من شيء.
{ إن أنتم إلا في ضلال كبير } : أي ما أنتم أيها الرُسل إلا في ضلال كبير أي خطأ عقلي وتصور نفسي باطل.
{ لو كنا نسمع أو نعقل } : أي وبخوا أنفسهم بأنفسهم وقالوا لو كنا في الدنيا نسمع أو نعقل لآمنا وعبدنا الله وما كنا اليوم في أصحاب السعير.
معنى الايات:
لما ذكر تعالى في الآيات السابقة أنه أعد للشياطين مسترقي السمع من الملائكة في السماء عذاب السعير عطف عليه قوله { وللذين كفروا بربهم } أي جحدوا ألوهيته ولقاءه فما عبدوه ولا آمنوا به من الإنس والجن عذاب جهنم وبئس المصير هي أي يصيرون إليها وينتهون الى عذابها بها شرائها الحميم وطعامها الضريع والزقوم. وقوله تعالى في وصف ما يجري في النار { إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً } إذا ألقي الكافرون في النار سمعوا شهيقاً أي صوتاً منكراً مزعجاً كصوت الحمار إذا شهق أو نهق. { وهي تفور } تغلي { تكاد تميز } أي تقرب أن تتقطع من الغيظ الذي هو شدة الغضب وغضبها من غضب الرب مالكها لما غضب الجبار غضبت لغضبه، وكل مؤمن بالله عارف به يغضب لما يغضب له ربه ويرضى به ربه. وقوله تعالى { كلما ألقي فيها فوج } أي جماعة { سألهم خزنتها } أي الملائكة الموكلون بالنار وعذابها وهم الزبانية وعددهم تسعة عشر ملكاً سألوهم سؤال توبيخ وتقريع لأنهم يعلمون ما يسألونهم عنه { ألم يأتكم نذير } أي رسول في الدنيا يدعوكم الى الإيمان والطاعة؟ فيجيبون قائلين { بلى } قد جاءنا نذير ولكن كذبنا الرسل وقلنا لهد رداً على دعوتهم { ما نزّل الله من شيء } أي مما تقولون وتدعوننا إليه { إن أنتم إلا في ضلال كبير } أي وقلنا لهم ما أنتم أيها الرسل إلا في ضلال عقلي وخطأ تصوري كبير. ثم رجعوا إلى أنفسهم يوبخونها بما أخبر تعالى به عنهم في قوله { وقولوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير } قال تعالى { فاعترفوا بذنبهم فسحقاً } أي بعداً بعداً من رحمة الله { لأصحاب السعير } أي سعير جهنم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- تقرير عقيدة البعث والجزاء ببيان ما يجري فيها من عذاب وعقاب.
2- بيان أن تكذيب الرسل كفر موجب للعذاب، وتكذيب العلماء كتكذيب الرسل بعدهم أي في وجوب العذاب المترتب على ترك طاعة الله ورسوله.
3- بيان أن ما يقوله أهل النار في إعترافهم هو ما يقوله الملاحدة اليوم في ردهم على العلماء بأن التدّين تأخر عقلي ونظر رجعي.
4- تقرير أن الكافر اليوم لا يسمع ولا يعقل أي سماعاً ينفعه وعقلاً عن المهالك باعتراف أهل النار إذ قالوا { لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير }.
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } * { وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } * { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ }
شرح الكلمات:
{ يخشون ربهم بالغيب } : أي يخافونه وهو غائبون عن أعين الناس فلا يعصونه.
{ لهم مغفرة وأجر كبير } : أي لذنوبهم وأجر كبير هو الجنة.
{ ألا يعلم من خلق } : أي كيف لا يعلم سركم كما يعلم جهركم وهو الخالق لكم فالخالق يعرف مخلوقه.
{ وهو اللطيف الخبير } : أي بعبادة الخبير بهم وبأعمالهم.
{ ذلولاً } : أي سهلة للمشي والسير عليها.
{ فامشوا في مناكبها } : أي في جوانبها ونواحيها.
{ وإليه النشور } : أي إليه وحدة مهمة نشركم أي أحياءكم من قبوركم للحساب والجزاء.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى جزاء الكافرين وأنه عذاب السعير رغب في الإيمان والطاعة للنجاة من السعير فقال { إن الذين يخشون ربهم بالغيب } أي يخافونه وهم لا يرونه، وكذا وهم في غيبة عن الناس فيطيعونه ولا يعصونه هؤلاء لهم مغفرة لما فرط من ذنوبهم وأجر كبير عند ربهم أي الجنة. ولما قال بعض المشركين في مكة لا تجهروا بالقول فيسمعكم إله محمد فيطلعه على قولكم قال تعالى رداً عليهم وتعليما { وأسروا قولكم أو اجهروا به } فإنه يعلم السر وما هو أخفى منه كحديث النفس وخواطرها { إنه عليم بذات الصدور } أي بما هو مكنون مستور في صدور الناس { ألا يعلم من خلق } أي كيف لا يعلم وهو اللطيف بهم الخبير بأحوالهم وأعمالهم. وقوله تعالى { هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً } أي سهلة فامشوا في مناكبها جوانبها ونواحيها شرقاً وغرباً وكلوا من رزقه الذي خلق لكم، وإليه وحده نشوركم أي إحيائكم واخراجكم من قبوركم ليحاسبكم ويجزيكم على إيمانكم وطاعتكم بخير الجزاء وهو الجنة ونعيمها، وعلى كفر من كفر منكم وعصى بشر الجزاء وهو النار وعذابها.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- فضيلة الإيمان بالغيب ومراقبة الله تعالى في السر والعلن.
2- مشروعية السير في الأرض لطلب الرزق من التجارة والفلاحة وغيرهما.
3- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
{ أَأَمِنتُمْ مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } * { أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } * { وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ } * { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ }
شرح الكلمات:
{ أن يخسف بكم الأرض } : أي يجعلها بحيث تغورون فيها وتصبحون في جوفها.
{ فإذا هي تمور } : أي تتحرك وتضطرب حتى يتم الخسف بكم.
{ أن يرسل عليكم حاصباً } : أي ريحاً عاصفاً نرميكم بالحصباء فتهلكون.
{ كيف نذير } : أي كان عاقبة انذاري لكم بالعذاب على ألسنة رسلي.
{ فكيف كان نكير } : أي إنكاري عليهم الكفر والتكذيب والجواب كان إنكاراً حقاً واقعاً موقعه.
{ صآفات } : أي باسطات أجنحتها.
{ ويقبضن } : أي ويمسكن أجنحتهن.
{ ما يمسكهن إلا الرحمن } : أي حتى لا يسقطن على الأرض حال البسط للأجنحة والقبض لها.
معنى الآيات:
يقول تعالى واعظاً عباده ليؤمنوا له ويعبدوه وحده فيكملوا ويسعدوا أأمنتم من في السماء الذي هو العلو المطلق وهو الله عزوجل في عليائه فوق عرشه بائن من خلقه أن يخسف بكم الأرض لتهلكوا كلكم في جوفها فإذا هي حال الخسف تمور أي تتحرك وتضطرب حتى تغورو في بطنها والجواب لم يأمنوا ذلك فكيف إذا يصرون على الشرك والتكذيب للرسول وقوله { أم أمنتم من في السماء } وهو الله عز وجل أن يرسل عليكم حاصباً أو ريحاً تحمل الحصباء والحجارة فتهلكهم { فستعلمون كيف نذير } إي إنذاري لكم الكفر والتكذيب أي انه حق وواقع مقتضاه وقوله تعالى { ولقد كذب الذين من قبلهم } كعاد وثمود وغيرهما أي كذبوا رسلي بعدما أنكروا عليهم الشرك والكفر فأهلكناهم { فكيف كان نكير } أي إنكاري لهم كان حقاً وواقع المقتضى وقوله تعالى { أو ألم يروا الى الطير فوقهم صآفات } أي باسطات أجنحتهن ويقبضنها ما يمسكهن في حالة البسط أو القبض إلا الرحمن أنكره المشركون وقالوا وما الرحمن وهم يعيشون في رحمته التي وسعت كل شيء وهو متجلية حتى في الطير تحفظه من السقوط والتحطيم أي أينكرون ألوهية الله ورحمته ولم يروا إلى الطير وهي صافات وقابضات أجنحتها ولا يمسكها أحد من الناس فمن يمسكها إذاً؟ إنه الرحمن جل جلاله وعظم سلطانه بما شاء من السنن والنواميس التي يحكم بها خلقه ويدبر بها ملكوته أن أمر المشركين في كفرهم بالله لعجب وقوله { إنه بكل شيء بصير } سواء عنده السابح في الماء والسارح في الغبراء والطائر في السماء والمستكن في الأحشاء.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- تحذير المعرضين عند الله وإنذارهم بسوء العواقب إن استمروا على إعراضهم فإن الله قادر على أن يخسف بهم الأرض أو يرسل عليهم حاصباً من السماء وليس هناك من يؤمنهم ويجيرهم بحال من الأحوال. إلا إيمانهم وإسلامهم الله عز وجل.
2- في الهالكين الأولين عير وعظات لمن له قلب حي وعقل يعقل به.
3- من آيات الله في الآفاق الدالة على قدرة الله وعلمه ورحمته الموجبة لعبادته وحدة طيران الطير في السماء وهو يبسط جناحيه ويقبضهما ولا يسقط إذ المفروض أن يبقى دائماً يخفق بجناحيه يدفع نفسه فيطير بمساعدة الهواء أما إن قبض أو بسط المفروض أنه يسقط ولكن الرحمن عز وجل يمسكه فلا يسقط.
{ أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنِ ٱلْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ } * { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ } * { أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { قُلْ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } * { قُلْ هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلْ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِنْدَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ }
شرح الكلمات:
{ جند لكم } : أي أعوان لكم.
{ من دون الرحمن } : أي غيره تعالى يدفع عنكم عذابه.
{ إن الكافرون } : أي ما الكافرون.
{ إلا في غرور } : غرهم الشيطان بأن لا عذاب ينزل بهم.
{ أن أمسك رزقه } : أي إن أمسك الرحمن رزقه؟ لا أحد غير الله يرسله.
{ بل لجوا في عتو ونفور } : أي أنهم لم يتأثروا بذلك التبكيت بل تمادوا في التكبر والتباعد عن الحق.
{ أفمن يمشي مكباً } : أي واقعاً على وجهه.
{ أمن يمشي سوياً } : أي مستقيماً.
{ والأفئدة } : أي القلوب.
{ قليلاً ما تشكرون } : أي شكركم قليل.
{ ذرأكم في الأرض } : أي خلقكم في الأرض وإليه تحشرون لا إلى سواء.
{ متى هذا الوعد } : أي الذي تعدوننا وهو يوم القيامة.
{ قل إنما العلم عند الله } : أي علم مجيئه عند الله لا غير.
{ فلما رأوه زلفة } : أي لما رأوه العذاب قريباً منهم في عرصات القيامة.
{ سيئت وجوه الذين كفروا } : أي تغيرت مسودة.
{ هذا الذي كنتم به تدعون } : أي هذا العذاب الذي كنتم بإنذاره تكذبون وتطالبون بهد تحدياً منكم.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في مطلب هداية كفار قريش فقال تعالى مخاطباً لهم { أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن؟ } أي من هذا الذي هو جند لكم أيها المشركون بالله تعالى ينصركم من دون الرحمن أن أراد الرحمن بكم سوءاً فيدفعه عنكم. وقوله تعالى { إن الكافرون إلا في غرور } أي ما الكافرون إلا في غرور أوقعهم الشيطان فيه زين لهم الشرك ووعدهم ومناهم أنه لا حساب ولا عقاب، وان آلهتهم تشفع لهم وقوله تعالى { أمن هذا الذي يرزقكم أن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور } أي أي من هذا الذي يطعمكم ويسقيكم ويأتي بأقواتكم أن أمسك الله ربكم رزقه عنكم فلو قطع عليكم المطر ما أتاكم به أحد غير الله. وقوله تعالى { بل لجوا في عتو ونفور } أي انهم لم يتأثروا بهذا التبكيت والتأنيب بل تمادوا في الكبر والبتاعد عن الحق.
وقوله تعالى { أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أم من يمشي سوياً على صراط مستقيم؟ } هذا مثل ضربه الله تعالى للمشرك والموحد تبياناً لحالهما وتحقيقاً لواقع مذهبهما فقال أفمن يمشي مكباً أي واقعاً على وجهه هذا هو المشرك الذي سيكب على وجهه في جهنم أهدى أمن يمشي سوياً أي مستقيماً على صراط مستقيم أي طريق مستقيم هذا هو الموحد فأيهما أهدى؟ والجواب قطعاً الذي يمشي سوياً على صراط مستقيم إذاً النتيجة أن الموحد مهتد والمشرك ضال. وقوله تعالى { قل هو الذي أنشاكم } أي خلقكم { وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة } أي القلوب أي وأنتم لا تنكرون ذلك فمالكم إذا لا تشكرون المنعم عليكم بهذه النعم وذلك الإيمان به وبرسوله وطاعته وطاعة رسوله إنكم ما تشكرون إلا قليلاً وهو اعترافكم بأن الله هو المنعم لا غير.
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ ٱللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ ٱلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } * { قُلْ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ }
شرح الكلمات:
{ قل أرأيتم } : أي أخبروني.
{ ومن معي } : أي من المؤمنين.
{ أو رحمنا } : أي لم يهلكنا.
{ فمن يجير الكافرين } : أي فمن يحفظ ويقي الكافرين العذاب.
{ قل هو الرحمن } : أي قل هو الرحمن الذي أدعوكم إلى عبادته.
{ إن أصبح ماؤكم غوراً } : أي غائراً لا تناله الدلاء ولا تراه العيون.
{ بماء معين } : أي تراه العيون لجريانه على الأرض.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في مطلب هداية كفار قريش فقال تعالى لرسوله قل لهؤلاء المشركين الذين تمنوا موتك وقالوا نتربص به ريب المنون قل لهم { أرأيتم } أي أخبروني { إن أهلكني الله ومن معي } من المؤمنين، { أو رحمنا } فلم يهلكنا بعذاب { فمن يجير الكافرين من عذاب أليم؟ } والجواب: لا أحد إذاً فماذا تنتفعون بهلاكنا. وقوله تعالى { قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا } أي قل يا رسولنا لهؤلاء المشركين قل هو الرحمن الذي يدعوكم الى عبادته وحده وترك عبادة غيره آمنا به وعلينا توكلنا أي اعتمدنا عليه وفوضنا أمرنا إليه فستعلمون في يوم ما من هو في ضلال ممن هو على صراط مستقيم. وقوله { قل أرأيتم أن أصبح ماؤكم غوراً } أي غائراً { فمن يأتيكم بماء معين } أي قل لهؤلاء المشركين يا رسولنا تذكيراً لهم أخبروني أن أصبح ماؤكم الذي تشربون منه (بئر زمزم) وغيرها غائراً لا تناله الدلاء ولا تراه العيون. فمن يأتيكم بماء معين غير الله تعالى؟ والجواب لا أحد إذا فلم لا تؤمنون به وتوحدونه في عبادته وتتقربون إليه بالعبادات التي شرع لعبادة أن يعبدوه بها؟
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- بيان ما كان عليه المشركون من عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنوا موته.
2- وجوب التوكل على الله عز وجل بعد الإيمان.
3- مشروعية الحجاج لإحقاق الحق وإبطال الباطل.