36- اسم الله: "الولي"
=============
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الاسم السادس والثلاثين من أسماء الله الحسنى ألا وهو اسم الولي، الله سبحانه وتعالى ولي الذين آمنوا، وهو من أقرب الأسماء إلى المؤمن، والحياة كما ترون محفوفة بالمخاطر، يمكن أن تنقلب حياة الإنسان إلى كتلة من الشقاء لأتفه الأسباب فمن هي الجهة التي تحمي المؤمن وتحفظه وتربيه وترشده وترعاه وتؤيده وتنصره وتدافع عنه وتوقظه وتلفت نظره؟ الله هو الولي، هذا الاسم ورد في القرآن الكريم في آيات كثيرة جداً، أول هذه الآيات وأوضحها: "اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" [البقرة: الآية 257].
يعني فصاحب الأسماء الحسنى خالق الكون الرب المسير العليم الحكيم الرحيم الغني القوي، هذه الذات الكاملة هذه الذات التي لا حدود لقدرتها ولا لرحمتها ولا لقوتها ولا لغناها الله هو ذاته على علوِّه وعظمته وجلاله، الله ولي الذين آمنوا، مثلا يمكن أن يكون بقصر العدل آلاف المحامين إلا أربعة أو خمسة في قمة هؤلاء، إذا سألت واحداً له قضية مَن محاميك؟ يقول لك فلان يذكر اسمه بملء فمه ويفتخر، المحامي الفلاني اللامع القدير المتمرس الخبير القوي صاحب الحجة صاحب الإطلاع هو وكيلي، ألا تكفينا آية؟ ألا تكفينا هذه الآية أنك إذا آمنت وإذا استقمت يصبح خالق الكون وليك ، خالق السماوات والأرض هل لك خصوم؟ كلهم بيده، حركتهم وأفكارهم وخططهم وقوتهم وأسلحتهم، كلها بيد الله عز وجل، فإذا كنت مع الله عز وجل من يستطيع أن يقف في وجهك؟ من يستطيع أن يكيد لك؟ من يستطيع أن ينال منك؟ من يستطيع أن يقهرك؟ من يستطيع أن يحيف عليك؟ ألا تكفينا هذه الآية؟ "اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" [البقرة: الآية 257].
ما عليك إلا أن تؤمن، دعونا نقترب من طبيعة الحياة، هذا الذي له صلة بشخص قوي يعتز به، ويثني عليه، ويحتمي به، ويهدد به، ويستعلي به ويتطاول به، يقول لك، معي رقم هاتفه وهو الذي قال لي خبِّرني عند كل بادرة، والله عز وجل الذي رفع السماوات بغير عمدٍ يقول: لك إذا آمنت بي فأنا وليك، وأنا أُدافع عنك وأنا أنصرك، وأنا أحفظك وأُؤيِّدك وأنا أحميك وأنت بِعيني.
"وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ" [الطور: الآية 48].
"الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور" الكفر ظلمات بعضها فوق بعض، متاهات تُرّهات أضاليل أكاذيب حقائق مُزوَّرة، أفكار هدامة تناقضات تمزقات، أفكار مهترئة لا تقف على قدميها، هذا هو الكفر أباطيل وظلمات، المعاصي ظلمة، الكفر ظلمة، الشرك ظلمة، فهذا مشرك على عاصٍ على ملحد على فاسق على منافق على منحرف على دجال على أناني على صاحب حظ، الله قال ظلمات بعضها فوق بعض، أما المؤمن يخرجه من الظلمات إلى النور، نور الحق، نور الهدى نور المنهج نور معرفة حقيقة الحياة وحقيقة الكون وحقيقة الإنسان وماذا قبل الدنيا؟ وماذا في الدنيا؟ وماذا بعد الدنيا؟
هذه هي الآية:
"اللَّهُ ولي الذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ" [ سورة البقرة ].
سيدنا يوسف ماذا فعل به إخوته؟ ألقَوْه في غيابة الجب، تآمروا على قتله، حسدوه ضاقت نفوسهم به، ومع أن الله عز وجل مكنهم أن يضعوه في غيابة الجب، ومع أن الله عز وجل أقدرهم على أن يضعوه في قعر بئر، لكن انظروا إذا كان الله ولي المؤمن كيف يكون المصير؟ صار عزيز مصر هذا الذي أُلقي في البئر لِيَموت يقيناً، كيف أن الله ألْهَم قافلة وأحوجها إلى الماء وأرسلت واردها فأدلى دلوه.
"وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ" [يوسف: الآية 19].
"قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة"
وباعوه في مصر واشتراه العزيز وقال لامرأته أكرمي مثواه ، إذا الله عز وجل تولى أمرك ، واللهِ الذي لا إله إلا هو لا تستطيع قوى الأرض مجتمعةً أن ينالوا منك، وإذا تخلى الله عنك تنقضي الحياة على أتفه سبب، يموت حَتْفَ أنْفِه، ماذا قال سيدنا يوسف حينما توجَّه إلى الله جل وَعَلاَ؟، قال: "رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ" [يوسف: الآية 101].
"أنت وَلِييِّ في الدنيا والآخرة"
فيا أخي المؤمن ناج ربك، قل له: يا رب ليس لي رب إلا أنت أنت وليي، حسبي الله ونعم الوكيل، لا حول ولا قوة إلا بالله، رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً، أليس لك مع الله ساعة مناجاة وابتهال وتضرع وخشوع وإقبال ودعاء؟ هكذا ناجِهِ وتوسل إليه، لا تعتمد على زوجتك ولا على ولدك ولا على أخيك ولا على صديقك ولا على صحتك ولا على مالك.
أحد أطباء أمريكا الذين يُشار إليهم بالبنان، ومن اختصاص القلب، بعد دراسة طويلة وخبرات واسعة وتدريب، وجد أن الجري خير وقاية للقلب، فنشر المقالات وألقى المحاضرات وألف الكتب ومارس الجري، واعتمد على الجري دون الله فمات وهو يجري أجل، الجري مفيد، وموته وهو يجري لا يُلغي قيمة الجريٍ، لكنك إذا اعتمدت على شيء أوتيت منه، يُؤتى الحَذِرُ من مأمنه، تجد طبيباً ذا اختصاص بجهاز الهضم من الطراز الأول مُصابٌ بِقَرْحَة لأنه يتوهَّم أنه طبيب يعلم ما ينبغي وما لا ينبغي اعتمد على علمه ولم يعتمد على الله عز وجل فأُصيب في اختصاصه وهذا من حكمة الله عز وجل.
أيها القراء؛ الأكارم أكاد أقول هناك حالتان لا ثالثة لهما:
-وأنا واللهِ أعني ما أقول- أنت بين حالتين: إما أن يتولى الله أمرك، وإما أن يكلك إلى نفسك: يتولى الله أمرك إذا كنت عبداً له وافتقرت إليه وتوكّلت عليه وأقبلت عليه، ويتخلى عنك أو يكلك إلى نفسك إذا قلت: أنا.
ولا أدل على ذلك من قصتين شهيرتين عظيمتين قرآنيتين لمعركتين من معارك رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" [آل عمران: الآية123].
وقوله تعالى: "لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ" [التوبة: الآية 25].
أنت في عملك وفي بيتك وفي اختصاصك ومع زوجتك وجيرانك ومع دراستك وكسبك للمال، حينما تعتمد على الله يتولى الله أمرك وحينما تعتمد على نفسك يكلك الله إليها، قال سيدنا يوسف: أنت ولي في الدنيا والآخرة دعاء لطيف، والمؤمنون ماذا يقولون؟
"ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" [البقرة: من الآية 52].
الإيمان ليس كلاما تسمعه ولا أفكاراً تعتقدها ولا طقوسا تؤديها، الإيمان اتصال بالله، وأن تكون حسن العلاقة مع الله عز وجل، تسأله وتناجيه تدعوه وتتوكل عليه ترجوه تستغفره.
"ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ" [الأنعام: الآية 62].
ما معنى كلمة الحق؟
أي لا مولى بحق إلا الله ، فالناس لضعف إيمانهم ولشركهم الخفي يعتقدون أن زيداً أو عُبيداً قوي ويَدْعَمُهم ويأخذ بِيَدهم ويحفظهم ،هذا ولي باطل ، الولي الحق هو الله جلَّ في علاه . أيُّ جهة دون الله إذا اتخذتها ولياً فأنت مبطل لأن الذي اتخذته ولياً باطل والباطل لا يقوم على قدميه ، زائل " ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ،اسمعوا قوله تعالى: "ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ" [محمد: الآية 11].
مثلهما مثل طفلين أحدهما بلا أب ولا أم ولا مال ولا بيت ، ينام بالطرقات و بالحدائق قلبه ممتلىء خوفاً، وآخر له أب مقتدر وعالم وديِّن وغني وللطفل غرفة خاصة به، إذا مرض يؤخذ فوراً إلى الطبيب، ويقدم له أحسن دواء وأرقى مستشفى ، إذا لم يحرز قصب السبق بالرياضيات يوفر له أساتذة يأتونه إلى البيت هذا الطفل له أب ولي يقوم عليه والآخر دون أب ولا أم ولا جهة تحميه ، حالته تعيسة جداً هذا معنى قوله تعالى: "ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ" [محمد: الآية 11].
ولله المثل الأعلى، فالكافر لا ولي له لأنه رفض أن يكون الله وليه وأدار ظهره للدينِ والقرآن، والحياة كلها مفاجآت؛ تجد إنساناً بأعلى مكان وأعلى مرتبة وفجأةً يصبح أشلاء قال تعالى: "ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ" [محمد: الآية 11].
وقال تعالى:
"َلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" [يونس: الآية62].
والمعنى الأول للولي هو المُتَولي ، والمتولي هو الذي يقوم بالأمر كولي اليتيم يرعاه بدراسته وصحته وجسمه وغدائه وطعامه وأخلاقه وعلمه ، أيُّ خلل يسارع إلى معالجته يعطيه ويحفظه ويُوليه ، الولي مِن الفعل تولى ، وتولى الأمر : دَبَّرَهُ وأقام عليه ، إذْ يستحيل أن يكون الابن بدمشق والأب بلندن ويربي الأب ابْنَهُ تربيةً جيِّدة فالقرب من لوازم الولي ؟ أجل ، القرب، لذلك قال عليه الصلاة والسلام "أيَّةُ امرأة قَعَدَت على بيْت أوْلادِها فهي معي في الجنة، ولا تستطيع المرأة أن تربي أولادها وهي غائبة عنهم لا طعام ولا عناية ولا غسيل ولا نظافة ولا تربية ولا دراسة ، فالولي هو المُرَبِي الذي يتولى شؤون عبده كلها ، حاله كحال الصحة، فإذا الإنسان خالف منهج صحته هناك أجهزة الإنذار لا يموت مباشرة، فأجهزة الإنذار تنبهه ، هذا أهمل أسنانه تأتيه آلام فالآلام جرس إنذار مبكِر، فربنا عز وجل تولى تربية أجسامنا ؛ فهذا النسيج اللحمي يلتئم حسب الظاهر من تلقاء نفسه ، لكن لولا أن الله سبحانه وتعالى صممه بطريقة يلتئم بها لما التأم ، هل سمعت مرةً أن شخصاً انكسرت سيارته والتأم الانكسار وحده؟! هل يتم هذا بعالم السيارات؟ أما بعالم البشر فممكن، إذْ وظيفة الطبيب العظمي أن يضع العظمة بجانب العظمة وانتهى دوره ويتولى الله جل في علاه اِلتئامَ العَظْمَتَين إذْ الخلايا العظمية بعد اكتمال نُمُوِّ الإنسان تنام وتدخل في سُبات : ثلاثين سنة، خمسين سنة ، فإذا حصل كسر تستيقظ ويَلْتئِم الكسر، فالله هو الولي ، يتولى أمورك يعتني بك ويربيك ويلاحظ أحوالك إقبالك وإدبارك وانحرافك واستقامتك وإخلاصك ورياءك ؛ بل إن الإنسان يُعالج في كل ثانية ، لا يحدث شيء على وجه الأرض إلا بحكمة مطلقة وخير مطلق ومعالجة مطلقة ، وهذا هو معنى الله ولي الذين آمنوا" وهو ولي كل خلقه حتى الكافر، فالكافر يُتَولى ولكن بطريقة أخرى.
المعنى الثاني لكلمة ولي:
الناصر، قوله تعالى: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" [التوبة: الآية 71].
ينصر بعضهم بعضاً، وقوله تعالى: "نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ" [فصلت: الآية 31].
أيْ ننصركم على عدوكم في الدنيا والآخرة، وأولياء السلطان أنصاره، فالمعنى الأول: الولي هو المربي الذي يتولى أمر عباده جميعاً،
والمعنى الثاني الولي:
الناصر.
والمعنى الثالث:
المُحِبُّ، والدليل قوله تعالى: "اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" [البقرة: الآية 257].
أيْ يحبهم، إذاً هو يرعاكم وينصركم ويحبكم، لكن لو فتحنا كتب اللغة على معنى الولي لَوَجدنا أن الولي يُطلق على المُعْتِق والمُعْتَقِ أيْ على السيِّد والعَبْد في وقت واحدٍ وعلى الناصِر وعلى الجار وعلى ابن العم وعلى الحليف وعلى القّيِّم بالأمر، فهذه المعاني المتباعدة المختلفة أليس لها خيط يضمها جميعاً؟ قالوا المعنى الذي يجمعها جميعاً؛ الولي: القريب والدليل حينما قال الله عز وجل: "أولى لك فأولى" [القيامة: الآية 34].
و معنى أولى لك فأولى أيْ اقترب منك ما أنذرك الله به، ويكاد أن يتحقق، أيضاً قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" [التوبة: الآية 123].
فكل معاني الولاية تصل فيما بينها أواصر معنى واحد يجمعها،
وهو أن الله جل في عُلاه مع عباده والدليل قوله تعالى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" [الحديد: الآية 4].
هذه المعية العامة وقوله تعالى:
"إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" [التوبة: الآية 36].
هذه المعية الخاصة، موضوع القرب يحتاج إلى تفصيل.
إذا أمسك أحدهم مذياعاً موصولاً بمأخذ كهربائي وضمه إلى صدره وجعله بين جوانحه واشتد عليه أيهما أقرب إلى المذياع الذي ضمه بين جوانحه أم الكهرباء التي يعمل بها ؟ الكهرباء الذي تغذيه ولذلك: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" [ق: الآية 16].
"ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" فمهما شعرت أنَّ زوجتك أو ابنك أو جارك أو شريكك قريب، فالله عز وجل أقرب إليك من نفسك: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ" [الأنفال: الآية 24].
"واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه"
فالمراقبة أساسها الشعور أن الله معك أحياناً بالصيف يرتدي الإنسان قميصاً داخلياً فإذا طُرق بابه، فأول شيء يفعله أن يرتدي عباءته ويستحي أن يظهر أمام الضيف بقميص داخلي، من أرقى أحوال المؤمن حال المراقبة، فيوقن أن الله معه في خلوته وجلوته وفي سفره وحضره، والإيمان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، هذا هو حال المؤمن مع الله ، هو حال الإحساس أن الله معه يستحي من الله عز وجل، لذلك فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما رأى مستأجراً استأجر أجيراً فأراد أن يغتسل فاغتسل أمام الناس عُرياناً فقال له النبي عليه الصلاة والسلام خذْ أَجاَرَتَكَ لا حاجة لنا بك إني أراك لا تستحي من الله ، بلغني أنه في بعض الدول التي تؤمن أنه (لا إله) والتي أزالها الله، أن طالبًا جامعيًا ذهب ليدرس في جامعتها فوجد مراحيضها بلا حواجز فمئة طالب يدخلون إلى هذا البهو الكبير، يقضون حوائجهم أمام بعضهم بعضاً، والحمامات كذلك كلهم لا يستحيون من الله، فالإنسان يظهر حياؤه في ستر عورته ويحرص على أن يظهر أمام الناس بأجمل مظهر، أما هذا الذي لا يبالي ولا يرعوي فهو إنسان لا يستحي من الله، قال له خذ أجارتك لا حاجة لنا بك، فإنني أراك لا تستحي من الله، فهذا نبينا عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق وحبيب الحق ما رُئِيَ مادًّا رجليه قط في كل حياته، فالله قريب قريب وهو الولي الحميد، تُوكل تربية ابنك إلى معلم يكون قاسياً يضربه ضرباً مبَرِّحاً أو بالعكس يهمله، قد يكون هناك معلم يدخل إلى الصف يُلقي درساً ولا يعطي وظيفة، فالطالب طيلة السنة مستمع، والمعلم ألقى الدروس والطلاب في واد وهو في واد، ما أمسك بيده قلماً ولا شرح بيتاً شعرياً مثلاً فهذا الطفل لا تنمو قدراته العلمية إذْ نمو العلم بالممارسة، فهذا ولي غير حميد.