| 1- صفة القبر الشرعي | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: ما هي صفة القبر الشرعي؟ السبت 07 أكتوبر 2017, 7:01 pm | |
| أولاً: صـفـة الـقـبـــر المشــروع س: ما هي صفة القبر الشرعي؟ 1- أن يعمق ويُوسَّع ويُحسَّن: أ- ففي مسند الإمام أحمد عن رجل من الأنصار قال: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جنازةِ رجلٍ من الأنصار وأنا غلامٌ مع أبي، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حَفِرة القبر، فجعل يوصي -وفي رواية: يومئ إلى- الحَافِر ويقـول: أوسع من قبل الرأس، وأوسع من قبل الرجلين، لرُبَّ عِذْقٍ له في الجنَّة".
ب- وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي بسند صحيح من حديث هشام بن عامر قال: "لمَّا كان يوم أُحُد أصيب من أصيب من المسلمين، وأصاب الناس جراحات، فقلنا: يا رسول الله! الحفرُ علينا لكل إنسانٍ شديدٍ، فكيف تأمرنا؟ فقال: "احْفِرُوا وأَوْسِعوا وأعْمِقُوا وأحْسِنُوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر، وقدموا أكثرهم قرآناً، قال: فكان أبي ثالث ثلاثة، وكان أكثرهم قرآنا فقُدِّم.
فظاهر الأمر في الحديثين يفيد وجوب ما ذُكر فيهما من الإعماق والتوسعة والإحسان، والمعروف عن الشافعية وغيرهم استحباب الإعماق، وأما ابن حزم فقد صرح في المحلى بفرضيته.
قال الشوكاني -رحمه الله- في الحديث السابق: فيه دليل علي مشروعية إعماق القبر وإحسانه، وقد اُخْتُلف في حد الإعماق:
- فقال الشافعي -رحمه الله-: قامة (أي طول الإنسان).
- وقال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: إلى السُّرَّة.
- وقال مالك -رحمه الله-: لا حد لعمقه.
- وجاء عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: "أَعمِقُوا القبر إلى قدر قامته وبسطه".
- وقال الإمام يحيى -رحمه الله-: إلى الثدي، وأقله ما يُوَارَى به الميت ويُمنع من السِّباع.
فإن مقصد الدفن هو
مواراة الإنسان بحيث لا تصل إليه السِّباع التي تنبش القبور، وعدم خروج الرائحة التي تؤذي الأحياء.
جاء في شرح منتهى الإرادات "فصل في دفن الميت": ويُسَنُّ أن يُعمَّق ويُوسَّع القبر بلا حد؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- في قتلى أُحُدٍ: "احفِروا وأوسِعوا وأعمِقوا".
قال الترمذي: حسن صحيح؛ لأن التعميق أبعد لظهور الرائحة، وأمنع للوحوش.
ـ والتوسيع: الزيادة في الطول والعرض، والتعميق -بالعين المهملة-: الزيادة في النزول، ويكفي (في التعميق) ما يمنع السباع والرائحة؛ لأنه يحصل به المقصود، وسواء الرجل أو المرأة. أهـ
والأقرب للصواب أن نقول: إنه لم يرد في إعماق القبر تقدير معين، فيكون الإعماق والحفر بلا إفراط ولا تفريط، ويحصل به المقصود.
2- أن يكون لحداً أو شقاً (واللحد أفضل): أ ـ فقد أخرج أبو داود والنسائي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللَّحد لنا والشق لغيرنا". (والحديث ضعيف وله شواهد يرتقي بها إلى الحسن، بل صححه الألباني في صحيح النسائي).
• ومعني اللحد: الميل، وذلك إنما يكون في الأرض المتماسكة الصلبة التي لا ينهار ترابها وذلك بأن يُحْفر القبر، ثم يُحْفَر في أسلفه من جانبه الذي يلي القبلة.
وجاء في شرح مسلم (7/35)، وعون المعبود (6/122): أن اللحد: هو الشق تحت الجانب القبلي من القبر بقدر ما يسع الميت.
وقال الحافظ في الفتح (3/273): قال أهل اللغة: أصل اللحد: من الميل والعدول عن الشيء، وقيل للمائل عن الدِّين مُلْحِدْ، وسمِّيَ اللحد: لأنه شق يعمل في جانب القبر فيميل عن وسط القبر بحيث يسع الميت. أهـ
وأما الشق: فهو أن يحفر القبر، ثم يوضع الميت في أسفل الحفرة، ويعرش فوقه باللَّبِن أو الخشب ونحوه ثم يوضع فوقه التراب.
وجاء في عون المعبود (6/123): أن الشق: هو أن يحفر وسط أرض القبر ويبني حافتاه باللَّبِن أو غيره، ويوضع الميت بينهما ويُسَقَّفْ عليه.
ومعنى "اللحد لنا": أي هو الذي نؤثره ونختاره أيها المسلمون. (قاله المناوي).
ومعنى "الشق لغيرنا": أي من الأمم السابقة، فاللحد من خصوصيات هذه الأمة، وفي الحديث السابق دليل على أفضلية اللحد، وليس فيه نهي عن الشق.
قال النووي -رحمه الله- في المجموع: أجمع العلماء أن الدَّفْن في اللحد والشق جائزان، ولكن اللحد أفضل إن كانت الأرض صلبة لا ينهار ترابها، فاللحد أفضل لأنه اختيار الله لنبيه، وأنه سبحانه لا يختار لنبيه إلا الأفضل، وإن كانت الأرض رخوة تنهار فالشق أفضل.
ب ـ وأخرج ابن ماجة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "لما تُوفِّي النبي -صلى الله عليه وسلم-: كان بالمدينة رجل يُلْحِد وآخر يُضْرِح، فقالوا: نتستخير ربنا ونبعث إليهما: فأيهما سبق تركناه، فأَرْسِلْ إليهما فسبق صاحب اللحد فلحدوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-".
جـ ـ وعند الطحاوي في مشكل الآثار عن عائشة ـرضي الله عنهاـ: "دخل قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- العباسُ وعليٌ والفضلُ وسوَّي لحدهُ رجل من الأنصار، وهو الذي سوَّى لحود قبور الشهداء يوم بدر".
د ـ وفي صحيح مسلم من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال في مرضه الذي هلك فيه: "ألحدوا لي لَحْداً وانصبوا علي اللَّبِن نصباً كما صُنِع برسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
قال النووي ـرحمه الله- في شرح مسلم: في هذا الحديث استحباب اللحد ونصب اللَّبِن، وأنه فُعِلَ ذلك برسول الله -صلى الله عليه وسلم- باتفاق الصحابة رضي الله عنهم.
وقال النووي أيضاً -رحمه الله-: واللّحد بفتح اللام وضمها معروف وهو: الشق تحت الجانب القبلي من القبر، وفي الحديث (يقصد حديث سعد بن أبي وقاص) دليل لمذهب الشافعي والأكثرين في أن الدفن في اللحد أفضل من الشق إذا أمكن اللحد. وأجمعوا علي جواز اللحد والشق. أهـ
هـ ـ أخرج الحـاكم في المستدرك، والطبراني في الأوسط بسند صحيـح عن أبيّ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لما تُوفِّي آدم غسلته الملائكة بالماء وتراً، وألحدوا له، وقالوا: هذه سنة آدم في ولده" (صحيح الجامع: 5207).
3- أن يُرفع القبر عن الأرض قليلاً نحواً من شبرٍ، ولا يسوَّى بالأرض: وذلك ليتميَّزَ فيُصَانُ ولا يُهان: وذلك للحديث الذي أخرجه ابن حبان والبيهقي من حديث جابر -رضي الله عنه- قال: "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أُلحِد له لحدٌ، ونصب عليه اللَّبِن نصباً، ورفع قبره من الأرض نحواً من شبرٍ" (حديث حسن).
وهذه الزيادة عن الأرض بمقدار شبر سببها أن جسم الميت شغل جزءاً وحيزاً من القبر، فعند الدفن وعودة التراب يبقى التراب الذي أُخرج من اللحد والذي شغله جسم الميت فيكون هذا الارتفاع، وعلى هذا لا يُستحب رفع القبر بأكثر من ترابه، وهذا ما نص عليه الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ.
قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ في كتابه "الأم"(1/463): "وأحِبُّ أن لا يُزاد في القبر تراب من غيره، وليس بأن يكون فيه تراب من غيره بأس؛ لأنه إذا زيد فيه تراب من غيره ارتفع جداً، وإنما أحب أن يُشخَص على وجه الأرض شبرا أو نحوه".
قال النووي -رحمه الله- كما في المجموع: اتفق أصحاب الشافعي علي استحباب الرفع بالقدر المذكور.
4- أن يكون مُسنَّماً: لما أخرجه البخاري من حديث سُفْيَان التَّمَّار قال: "رأيت قَبْرَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وقبر أبي بكرٍ وعمرَ مُسَنَّماً".
- والمُسَنَّمُ: هو المرتفع من وسطه ومائل عن جانبه، أي مثل سنمة الجمل.
قال ابن القيم -رحمه الله- كما في زاد المعاد: وقبره -صلى الله عليه وسلم- مُسَنَّم مبطوح ببطحاء العَرْصَة الحمراء، لا مبني ولا مُطَيَّنٌ، وهكذا كان قبر صاحبيه. (أي ملقى فيه البطحاء وهو الحصى الصغير).
ويدل على هذا ما رواه أبو داود عن القاسم بن محمد قال: "قلت لعائشة: يا أُمَّهْ اكشفي لي عن قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه، فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مُشرفة ولا لاطِئة، مبطوحةٍ ببطحاء العَرصة الحمراء" "ضعيف".
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 4:27 am عدل 2 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: أيُّهُمَا أفضل التسطيح في القبر أم التسنيم؟ السبت 07 أكتوبر 2017, 8:00 pm | |
| س: أيُّهُمَا أفضل التسطيح في القبر أم التسنيم؟ • ذهب بعض أهل العلم: إلى أن السُّنَّة في القبر التسطيح.
ـ جاء في صحيح البخاري عن سفيان التَّمَّار: "أنه رأى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- مُسَنَّماً" -أي مرتفعاًـ.
ـ قال البيهقي -رحمه الله-: "لا حجة في هذا الأثر؛ لاحتمال أن قبره -صلى الله عليه وسلم- لم يكن مسنَّماً بل كان مسطحاً في أول الأمر، ثم لما بني جدار القبر في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة من قِبَلِ الوليد بن عبد الملك صيروها مرتفعة، وبهذا يجمع بين الروايات، ويرجح التسطيح لأمره -صلى الله عليه وسلم- علياً أن لا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه.
ـ وقال الحافظ في الفتح (3/328-329): وقول سفيان التَّمَّار لا حجة فيه كما قال البيهقى؛ لاحتمال أن قبره -صلى الله عليه وسلم- لم يكن في الأول مسنَّماً.
ويرجح التسطيح لِمَا رواه مسلم من حديث فضالة بن عبيد: "انه أمر بقبر فسُوِّي، ثم قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمر بتسويتها".
ـ وقال الشوكاني -رحمه الله- بعد أن ذكر التسطيح والتسنيم: والأرجح أن الأفضل التسطيح.
• لكن ذهب جمهور أهل العلم: إلى أن التسنيم أفضل، وهذا هو الراجح.
جاء في "كشف القناع شرح متن الإقناع": فصل: ويُستحب رفع القبر عن الأرض قدر شبر؛ ليُغرف أنه قبر فيُتوقَّى، ويُترحَّم على صـاحبه، وقد روى الشافعي عن جابر: -رضي الله عنه- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رُفع قبره عن الأرض قدر شبر".
ـ وجاء في شرح منتهى الإرادات فصل "في دفن الميت": وتسنيم القبر أفضل من تسطيحه؛ لقول سفيان التَّمَّار: "رأيتُ قبرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسنَّماً" "رواه البخاري" وعن الحسن مثله؛ ولأن التسطيح أشبه ببناء أهل الدنيا إلا مَن دُفن بدار حرب، إن تعذَّر نقله من دار الحرب فتسويته -أي القبر- بالأرض وإخفاؤه أفضل من تسنيمه خوفاً من أن يظهر عليه فيُنبش، فيُمثَّل به. أهـ
ـ وجاء في كتاب "المغني": فصل:
وتسنيم القبر أفضل من تسطيحه، وبه قال مالك، وأبو حنيفة، والثوري.
وقال الشافعي:
تسطيحه أفضل، قال: وبلغنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سطَّح قبر ابنه إبراهيم، وعن القاسم قال: "رأيت قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعُمر مُسطَّحة"، ولنا ما روى سفيان التَّمَّار، أنه قال: "رأيتُ قبرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسنَّماً" "رواه البخاري"، وعن الحسن مثله؛ ولأن التسطيح يشبه أبنية أهل الدنيا، وهو أشبه بشعار أهل البدع فكان مكروهاً، وحديثنا (حديث سفيان التَّمَّار) أثبت من حديثهم وأصح؛ فكان العمل به أولى. أهـ
ـ وذهب الشيخ الألباني -رحمه الله-: إلى أن السُّنَّة في القبر التسنيم وليست التسوية.
فقد أخرج الإمام مسلم باب "الأمر بتسوية القبر" وأحمد وأبو داود والنسائي عن ثمامة بن شقي قال: "خرجنـا مع فضـالة بن عبيـد الأنصاري إلى أرض الروم، وكان عاملاً لمعـاوية ـ وفي رواية: غزونا أرض الروم، وعلى ذلك الجيش فضالة بن عبيد الأنصـاري ـ، فأصيب ابن عمٍ له، فصلَّى عليه فضالة وقام على حفرته حتى واراه، فلما سوَّينا عليه حفرته قال: "اخفوا عنه"، وفي لفظ: "خففوا عنه" ـ فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمرنا بتسوية القبور".
قال الألباني -رحمه الله- معلقاً على هذا الحديث: "الظاهر من حديث فضالة: كان يأمرنا بتسوية القبور بالأرض بحيث لا ترفع إطلاقاً، قال: هذا الظاهر غير مراد قطعاً بدليل أن السنة هي الرفع للقبر فوق الأرض بمقدار شبر، كما مرت الإشارة إليه، ويؤيد هذا في الحديث نفسه، قول فضالة: "خففوا" أي: التراب، فلم يأمر بإزالة التراب عنه بالكلية. 5- أن يُعَلَّم بحجرٍ ونحوه: وذلك ليُدفن إليه مَنْ يموت من أهله.
وذلك لما أخرجه أبو داود والبيهقي عن المطلب بن أبي وداعة -رضي الله عنه- قال: "لما مات عثمان بن مظعون أُخرج بجنازته فدُفِن، أمَر النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً أن يأتيه بحجر فلم يستطع حمله، فقام إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحَسَر عن ذراعية ثم حملها فوضعها عند رأسه، وقال: أتعلم بها قبر أخي وأُدفِنُ إليه من مات من أهلي".
تنبيه: ما يتوارد علي ألسنة البعض أنه لا يُبنى القبر بشيء مسَّه النار لا دليل عليه، والصحيح أنه لا بأس باستخدام مثل هذه الأحجار في اللحود. (فتاوى اللجنَّة الدائمة: 908).
لكن يُستَحبُ استخدام الأحجار التي لم تمسها النار تفاؤلاً، فقد ذكر ابن قدامة -رحمه الله- في "المغني" عن إبراهيم النخعي أنه قال: كانوا يستحبون اللَّبِن ويكرهون الخشب ويكره الآجر؛ لأنه من بناء المترفين، وسائر ما مسته النار، تفاؤلاً بأن لا تمسّه النار (أي تفاؤلاً أن لا تمس الميت النار). أهـ
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 4:28 am عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: الممنوع فعله بالنسبة للقبر السبت 07 أكتوبر 2017, 8:09 pm | |
| * ثانياً: الممنــــــوع فعــــــله بالنســــبة للقـــــبر س: ما هي الأمور التي يُمْنَعُ فعلها بالنسبة للقبر؟
1- جعل القبر غرفة علي ظهر الأرض يوضع فيها الميت: وهذا خلاف السنة، فالأصل الدفن في باطن الأرض، لقوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا {25} أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} (المرسلات 25 ـ26).
قال الطبري -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: ألم نجعل الأرض تكفت أحياءكم في المساكن والمنازل، فتضمَّهم فيها وتجمعهم، وأمواتكم في بطونها في القبور فيدفنون فيها. أهـ باختصار.
ونقل ابن كثير في تفسير هذه الآية عن الشعبي ومجاهد وقتادة أنهم قالوا: بطنها لأمواتكم، وظهرها لأحيائكم. أهـ
وجاء في كتاب "حاشية رد المحتار" الجزء الثاني: ويكره الدفن في الفساقي (وهو بيت فوق الأرض يدفن فيه جماعة).
وجاء في الحلية: وما يفعله جهلة الحفَّارين من نبش القبور التي لم تبلِ أصحابها، وإدخال الميت عليهم فهو من المنكر الظاهر، وهتك لحُرمة الميت وتفريق أجزائه، فالحذر من هذا. أهـ
والسُّنَّة كما مرَّ بنا أن يكون القبر لحداً أو شقاً، واللحد أفضل.
وسُئل فضيـلة الشيخ ابن بـاز ـ-رحمه الله- هذا السؤال في فتـاوى "نور على الدرب" (1/282) وفيه: " في مصر يبنون القبور فوق سطح الأرض، والأغنياء يبنون القبور، أما الفقراء فإنهم يُدفنون في القبور القديمة، وكثيراً ما نشاهد أجسامهم من خلال القبور القديمة المُهدَّمَة، وأصبحت هذه عادة، وقد فكَّرت في بناء عدة قبور للفقراء في قريتي، ولكني ترددت؛ لأن السنة النبوية تُحتِّم بدفن المسلم تحت التراب، وأقنعت الناس جميعهم بذلك، ولكنهم لم يستجيبوا، فهل لي أن أبني قبوراً للفقراء فوق سطح الأرض تمشياً مع العادة، أم لا يجوز ذلك؟ ولو بنيتها فهل لي أجر وثواب؟... أرجو إفادتي.
فأجاب فضيلة الشيخ -رحمه الله-: "السُّنَّة الحفر في الأرض للقبور، فيُحفر فيها ويُعمَّق فيها، هذا إذا كانت الأرض صالحة، فإذا كانت الأرض صالحة فالسنة أن يحفر فيها ويعمق الحفر إلى نصف الرجل.
يعني فوق العورة، ويُجعل لحد يكون جهة القبلة، يكون فيه الميت، هذه هي السنة.
لكن لو كانت الأرض رديئة لا تتماسك وضعيفة فلا بأس أن تضبط بالحجارة ونحوها، فيحفروا حفراً وتضبط بالحجر أو بالألواح حتى لا ينهدم، فلا بأس به عند الحاجة، أما البناء فلا يجوز، ولكن يُحفر له في الأرض ويضبط التراب بألواح أو بحجارة حتى يستقر التراب فوق ذلك، هذه هي السُّنة، الدفن في الأرض لا بالبناء.
أما البناء فلا يجوز، لِمَا ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قـال:" نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُجَصَّصَ القبر، وأن يُقْعَدُ عليه، وأن يُبْنَى عليه".
فإذا كنت تريد الإحسان إلى الناس فاحفر لهم حفراً مناسبة وتحيي السنة بذلك، ولا توافقهم على ما أحدثوا من البناء، بل المؤمن يُحيي السنة ويدعو إليها، ويصبر على ما في ذلك من المشقة هكذا ينبغي للمؤمن. أهـ
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 4:28 am عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: ممنوع تجصيص القبر السبت 07 أكتوبر 2017, 8:20 pm | |
| 2- تجصيص القبر وهو طلي القبور بالكِلس (أي الجير) وذلك لأنه نوع زينة ـ ومعني التجصيص: أن يوضع فوقه الجصّ (الجبس أو الجير)، أو أن يُكسى القبر بأحجار أو برخام... ونحو ذلك.
قال ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ: فالصحيح أن تجصيصها والبناء عليها حرام.
فقد أخرج الإمام مسلم من حديث جابر -رضي الله عنه- قال:
"نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُجَصَّصَ القبر، وأن يُقْعَدُ عليه، وأن يُبْنَى عليه [أو يُزَاد عليه أو يُكْتَب عليه]"، (والزيادة التي بين القوسين عند أبي داود والنسائي).
وفي راوية أخرى عند مسلم من حديث جابر أيضاً قال: "نُهي عن تَقْصِيص القبور"
قال النووي ـ رحمه الله ـ في شرح هذا الحديث (4/53): ـ والتقصيص: بالقاف وصادين مهملتين هو التجصيص
ـ والقَصَّة: بفتح القاف وتشديد الصاد هي الجص.
وفي هذا الحديث كراهة تجصيص القبر والبناء عليها وتحريم القعود، والمراد بالقعود: الجلوس عليه.
هذا مذهب الشافعي وجمهور العلماء.
قال الصنعاني ـ رحمه الله ـ في سبل السلام (1/424): الحديث دليل مع تحريم الثلاثة المذكورة؛ لأن الأصل في النهي التحريم، وذهب الجمهور إلى أن النهي في البناء والتجصيص للتنزيه، والقعود للتحريم، وهو جمع بين الحقيقة والمجاز، ولا يعرف ما الصارف عن حمل الجميع علي الحقيقة التي هي أصل النهي. أهـ
وفي نيل الأوطار (2/85): يقول الشوكاني بالتحريم. وقال ابن حزم ـ رحمه الله ـ كما في المحلى: لا يحل أن يجصص القبر. أهـ
وقال الشيخ سيد سابق ـ رحمه الله ـ: والتجصيص: هو الطلاء بالجص، وهو الجير المعروف، وقد حمل الجمهور النهي على الكراهة، وحمله ابن حزم على التحريم، وقيل الحكمة في ذلك: أن القبر للبلى لا للبقاء، وأن تجصيصه من زينة الدنيا، ولا حاجة للميت إليها، وذكر بعضهم: أن الحكمة في النهي عن تجصيص القبور كون الجص أُحْرِق بالنار. أهـ
تنبيه: اختلف أهل العلم في تطيين القبور
فذهب البعض: إلى المنع.
قال محمد تلميذ أبي حنيفة في كتابه "الآثار صـ 45": "لا نرى أن يُزاد على ما خرج من القبر، ونكره أن يُجصص أو أن يُطين، أو أن يُجْعل عنده مسجداً".
رخَّص بعض أهل العلم: منهم الحسن البصري في تطيين القبور، وقال الشافعي: لا بأس أن يُطين القبرُ، قال الشوكاني في نيل الأوطار: وحكي في البحر عن الهادي والقاسم: أنه لا بأس بالتطيين لئلا ينطمس، وبه قال الإمام يحيى، وأبو حنيفة. أهـ
والقصد من التطيين تماسك التراب حتى لا يبعثره الرياح فينطمس القبر وتذهب معالمه فيُوطأ ويُهان.
ملاحظة: هناك حديث ذكره صاحب مسند الفردوس عن الحاكم أنه روى من طريق ابن مسعود مرفوعاً: "لا يزال الميت يسمع الأذان ما لم يُطيَّن قبره".
قال الحافظ في التلخيص صـ165 إسناده باطل، فإنه من رواية محمد بن القاسم الطايكاني، وقد رموه بالوضع.
وهناك رواية أخرى ذكرها الحافظ في نفس المصدر وسكت عنها: رواها أبو بكر النَّجار من طريق جعفر بن محمد عن أبيه: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رفع قبره من الأرض شبراً، وطُين بطين الأحمر من العرصة".
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 4:30 am عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: ممنوع البِناء علي القبر السبت 07 أكتوبر 2017, 8:28 pm | |
| 3- البِناء علي القبر: وهي من المنكرات التي نهى عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فقد أخرج الإمـام أحمد والنسـائي وأبو يعلى وأبو داود والترمذي وابن مـاجة عن جابر -رضي الله عنه- قال:
"نهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُبْنَى علي القبر".
وكان صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- يعملون بهذا حتى كانوا يوصون ألا يُبنى على قبورهم.
كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد بسند جيد عن أبي بردة قال: "أوصى أبو موسى حين حضره الموت فقال: إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا المشي، ولا يتبعني مجمر، ولا تجعلوا في لحدي شيئاً يحول بيني وبين التراب، ولا تجعلوا على قبري بناءً، وأشهدكم أني برئ من كل حالقةٍ، أو سالقةٍ، أو خارقةٍ (1)، قالوا: أوسمعت فيه شيئاً؟ قال: نعم. من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
ـ الحالقة: هي التي تحلق شعرها عند المصيبة. ـ السالقة: التي ترفع صوتها. ـ الخارقة: التي تخرق ثيابها عند المصيبة.
وفي هذا إشارة إلى النهي عن اتخاذ البناء علي القبر، سواء كان بناء مساجد أو منازل أو قباب... أو غيرها، وهي من البدع التي انتشرت في ديار المسلمين.
قال النووي ـ رحمه الله ـ: ولا فرق أن يكون البناء قبة أو بيتاً... أو غيرها.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "[ لعن ] قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".
ولولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً.
وأخرج البخاري عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: "لما اشتكى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكرت بعض نسائه كنيسة رأتها بأرض الحبشة يقال لها مارية، وكانت أم سلمة وأم حبيبة ـ رضي الله عنهما ـ أتيتا أرض الحبشة فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها، فرفع رأسه فقال: أولئك إذا مات منهم الرجل الصالح بنوا علي قبره مسجداً ثم صوَّروا فيه تلك الصورة، أولئك شرار الخلق عند الله".
فالبناء علي القبور سنة من سنن اليهود والنصارى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في الفتاوى (22/194): اتفق الأئمة أنه لا يبنى مسجد علي قبر.
وأخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد".
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد: "يجب هدم القباب التي بنيت على القبور؛ لأنها أسست على معصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
وقال أيضاً: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هدم مسجد الضرار، ففي هذا دليل على هدم ما هو أعظم فساداً منه كالمساجد المبنية على القبور، فإن حكم الإسلام فيها أن تهدم كلها حتى تسوى بالأرض، وهي أولى بالهدم من مسجد الضرار.
وقد جاء في صحيح مسلم من حديث أبى الهياج الأسدي قال: " قال لي عليٌ بن أبى طالب -رضي الله عنه-: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته ـ وفي رواية: ـ ولا صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته".
قال الصنعاني ـ رحمه الله ـ في سبل السلام (1/424): الحديث دليل على تحريم البناء على القبر.
وقال ابن حزم ـ رحمه الله ـ (577): لا يحل أن يُبْنَى على القبر.
وفي فتوى رقم: (2526) في 23/11/1982 لفضيلة الشيخ عبد اللطيف عبد الغني حمزة مفتي مصر، بعد أن ساق بعض الأحاديث ما نصه: "من هذه الأحاديث وغيرها يتبيَّن النَّهي عن البناء على القبور، سواء كان هذا البناء متعلقاً بالميت كالقبة، أو بالحي كحجرة أو مدرسة أو خباء أو مسجد أو بيوت للاستراحة فيها عند الزيارة وغيرها، أو ما كان على نفس القبر ليرتفع من أن يوطأ كما يفعله كثير من الناس، وقد حمله الأئمة على الكراهة إذا لم يقصد به الزينة والتفاخر؛ وإلا كان حراماً.
وقال فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم ـ شيخ الأزهر ـ في فتوى له: "اعلم أنه يحرم رفع البناء على القبر لو للزينة، ويكره للإحكام بعد الدفن، بل تكره الزيادة العظيمة من التراب على القبر؛ لأنه بمنزلة البناء وهو منهي عنه. (فتوى رقم 2517 بتاريخ 2/7/1928، فتاوى الأزهر).
وقال في فتوى له أخرى أيضاً، نقلاً عن ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: " لا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر؛ بل أيهما طرأ على الآخر منع منه، وكان الحكم للسابق. (فتوى رقم 3171، بتاريخ 22/6/1940، فتاوى الأزهر). وقد أفتى العلمـاء بهدم المسـاجد والقبـاب التي بنيت على المقـابر( )
قال ابن الحجر الهيتمي في "الزواجر عن اقتراف الكبـائر": " قـال بعض الحنـابلة: قصد الرجل الصلاة عند القبر متبركاً بها عين المحاداة لله ورسوله، وإبداع دين لم يأذن به الله للنهي عنها ثم إجماعاً، فإن أعظم المحرمات وأسباب الشرك الصلاة عندها، واتخاذها مساجد أو بناؤها عليها.
والقول بالكراهة محمولاً على غير ذلك؛ إذ لا يُظن بالعلماء تجويز فعل تواتر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن فاعله. وتجب المبادرة لهدمها وهدم القباب التي على القبور؛ إذ هي أضر من مسجد الضرار؛ لأنها أُسست على معصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه نهى عن ذلك، وأمر -صلى الله عليه وسلم- بهدم القبور المشرفة، وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر، ولا يصح وقفه ونذره ".أهـ ، وأقره عليه المحقق الآلوسي في "روح المعانى (5/31)".
وصرح ابن حجر الهيتمى في كتابه "الزواجر": إن الواجب على ملوك المسلمين وأمرائهم وولاتهم أن يهدموا هذه القباب ويبدءوا بقبة الإمام الشافعي.
وذكر ابن كثير -رحمه الله- في تاريخه (1/315) في حوادث سنة 236هـ: فيها أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي بن أبي طالب، وما حوله من المنازل والدور، ونُودى في الناس: "مَنْ وجد هنا بعد ثلاثة أيام ذُهب به إلى المطبق (السجن) . أهـ.
وقال القاضي ابن كج: ولا يجوز أن تجصص القبور، ولا أن يبنى عليها قباب، ولا غير قباب، والوصية بها باطلة.
وقال الأذرعي: وأما بطلان الوصية ببناء القباب وغيرها من الأبنية وإنفاق الأموال الكثيرة، فلا ريب في تحريمه.
وقال الزيلعي في شرح الكنز: ويكره أن يبنى على القبر.
وذكر قاضي خان: أنه لا يجصص القبر ولا يبنى عليه، وذلك للحديث.
والمراد بالكراهة عند الحنفية: كراهة التحريم.
وذكر ذلك ابن نجيم في شرح الكنز.
ويقول العلامة الشوكاني -رحمه الله- كما في "شرح الصدور في تحريم رفع القبور" صـ 8: اعلم أنه قد اتفق الناس سابقهم ولاحقهم، وأولهم وآخرهم من لدن الصحابة -رضي الله عنهم- إلى هذا الوقت، أن رفع القبور والبناء عليها من البدع التي ثبت النهي عنها، واشتد وعيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لفاعلها، ولم يخالف في ذلك أحد من المسلمين. أهـ وقد وجه سؤال إلى لجنة الفتوى بالأزهر الشريف وفيه: "دُفن شخص بطابق علوي، ودُفن قبلاً والده بالطابق الأرضي من المقبرة، ويُراد نقل الأول إلى مقام شُيِّد له، وبالأرض رطوبة ضاربة بالجدران ظاهرة للعيان، حتى إن الجدران لا تُمسك مواد البناء فيها (الأسمنت) فهل من أئمة المسلمين من يجيز نقل الميت بعد دفنه؟
فكان الجواب التالي: اطّلعت اللجنة على هذا، وتفيد بأنه إذا كان الحال كما ذكر به جاز نقل هذا الميت إلى مكان آخر، ولكن لا يجوز شرعاً نقله على ضريح أو قبة كما يصنعه بعض الناس لِمَنْ يعتقدون فيه الولاية والصلاح، فإن هذا نهى عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد روى مسلم وغيره عن أبي الهياج الأسدي"حيان بن حصين" عن علي -رضي الله عنه- قال: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ألا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سوَّيته".
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُجَصَّصَ القبر، وأن يُقْعَدُ عليه، وأن يُبْنَى عليه" (رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود).
وعند الترمذي بلفظ: "نهى أن يُبنى على القبر أو يُزاد عليه، أو يُجَصَّصَ أو يُكتب عليه".
قال الشوكاني في شرحه للحديث الأول: "ومن رَفْع القبور الداخل تحت الحديث دخولاً أولياً: القُبَب، والمشاهد المعمورة على القبور ...".
إلى أن قال: "وكم سَرَىَ عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام، منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام، وعظم ذلك، فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر، فجعلوها مقصداً لطلب قضاء الحوائج، وملجأً لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم، وشدُّوا إليها الرحال، وتمسحوا بها، واستغاثوا.
وبالجملة: فإنهم لم يدعوا شيئاً مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه، فإنا لله وإنا إليه راجعون..." إلى آخر ما قال في صفحة 325 من الجزء الثالث..
وجملة القول: أن اللجنة ترى تحريم نقل هذا الميت إلى ضريح أو قبرٍ ذي قبة، للأحاديث التي ذكرها الشوكاني وغيره، وهي مفاسد تمسّ العقيدة وتخل بالإيمان الصحيح. أهـ وُجِّهَ هذا السؤال لفضيلة الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ وفيه: لاحظت عندنا على بعض القبور عمل صبَّة بالأسمنت بقدر متر طولاً في نصف متر عرضاً، مع كتابة اسم الميت عليها، وتاريخ وفاته، وبعض الجمل مثل: "اللهم ارحم فلان بن فلان"... وهكذا فما حكم مثل هذا العمل؟
فأجاب الشيخ -رحمه الله-: لا يجوز البناء على القبور لا بصبة ولا بغيرها، ولا تجوز الكتابة عليها، لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من النهي عن البناء عليها والكتابة عليها، فقد روى مسلم من حديث جابر -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُجَصَّصَ القبر، وأن يُقْعَدُ عليه، وأن يُبْنَى عليه".
ـ وزاد الترمذي: "وأن يُكتَب عليه".
ولأن ذلك نوع من أنواع الغلو فوجب منعه، ويعاد تراب القبر عليه ويرفع قدر شبر تقريباً حتى يعرف أنه قبر هذه هي السنة في القبور التي درج عليها رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ـرضي الله عنهم ـ ولا يجوز اتخاذ المساجد عليها، ولا كسوتها، ولا وضع القباب عليها " أهـ باختصار (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة: 4/429).
شبهة والرد عليها: قد يقول أصحاب القباب على القبور: أنتم تقولون: إنه لا يجوز البناء على القبر قباب أو غيرها، وهذا قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليه قبَّة.
والجواب على هذا: يقول الشيخ أحمد بن عبد الحميد العباس في كتابه: "عمدة الأخبار في مدينة المختار صـ122": "ومن ذلك أنه لَمَّا كان عام ثمانية وسبعين وستمائة هجرية أمر السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي والد السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ببناء قبة على الحُجْرةِ الشريفةِ، ولم يكن قبل هذا التاريخ عليها قُبَّة، ولا لها بناء مرتفع".
وقال زين الدين المراغى المتوفَّى سنة عشرة وثمانمائة في كتابه "تحقيق النصرة بتخليص معالم دار الهجرة" صـ81: اعلم أنه لم يكن قبل حريق المسجد ولا بعده على حجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- الشريفة قبَّة، بل كان ما حول حجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- في السَّطح مقدار نصف قامة مبنى بالآجر تميز الحجرة الشريفة على بقية السطح إلى سنة ثمان وسبعين وستمائة في أيام الملك المنصور قلاوون الصالحي... إلخ. (أي نفس كلام الشيخ أحمد بن عبد الحميد السابق).
هذا وقد وجه سؤال للجنَّة الدائمة (فتوى رقم:8263) وفيه: س: هناك مَنْ يحتجُّون ببناء القبة الخضراء على القبر الشريف بالحرم النبوي على جواز بناء القِبَابِ على باقي القبور: كالصالحين وغيرهم، فهل يصح هذا الاحتجاج أم ماذا يكون الرد عليهم؟
الجواب: لا يصح الاحتجاج ببناء الناس قبَّة على قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- على جواز بناء قباب على قبور الأموات, صالحين أو غيرهم؛ لأن بناء أولئك الناس القبَّة على قبره -صلى الله عليه وسلم- حرام يأثم فاعله لمخالفته ما ثبت عن أبي الهياج الأسدي قال: "قال لي عليٌ بن أبى طالب -رضي الله عنه-: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته".
وفي رواية: "ولا صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته".
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُجَصَّصَ القبر، وأن يُقْعَدُ عليه، وأن يُبْنَى عليه" (رواهما مسلم في صحيحه).
فلا يصح أن يحتجَّ أحدٌ بفعل بعض الناس المُحرَّم على جواز مثله من المُحرَّمات؛ لأنه لا يجوز معارضة قول النبي -صلى الله عليه وسلم- بقول أحد من الناس أو فعله؛ لأنه المُبَلِّغ عن الله سبحانه، والواجب طاعته والحذر من مخالفة أمره، يقول الله -عز وجل-: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر: 70).
وغيرها من الآيات الآمرة بطاعة الله وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ ولأن بناء القبور واتخاذ القباب عليها من وسائل الشرك بأهلها, فيجب سد الذرائع المُوَصِّلة للشرك. (اللجنَّة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء).
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 4:30 am عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: ممنوع الكتابة على القبر السبت 07 أكتوبر 2017, 9:47 pm | |
| 4- الكتابة على القبر: والكتابة على القبور منهي عنها.
فقد أخرج الإمام مسلم عن جابر -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تُجَصَّصَ القبور، وأن يُكْتَب عليها، وأن يُبْنَى عليها، وأن تُوطَأ".
وعند أبي داود: "نهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُكْتَب على القبر شيء".
فظاهر الأحاديث التحريم، إلا أن الشافعية والحنابلة صرحوا بالكراهة فقط.
قال النووي -رحمه الله-: قال أصحابنا: وسواء كان المكتوب على القبر في لوح عند رأسه كما جرت عادة بعض الناس، أم غيره فكله مكروه لعموم الحديث.
وقال النووي أيضاً كما في المجموع (5/250): قال الشافعي والأصحاب: يُكره أن يجصص القبر، وأن يُكْتَب عليه اسم صاحبه... أو غير ذلك، وأن يُبْنَى عليه، وهذا لا خلاف فيه عندنا، وبه قال مالك وأحمد وأبو داود وجماهير العلماء. أهـ
وقال ابن رشد: كَرِهَ مالك البناء على القبر وجعل البلاطة المكتوبة، وهو من بدع أهل الطول، أحدثوه إرادة الفخر والمباهاة والسُّمعة، وهو مما لا اختلاف عليه.
وقد سئل الشيخ مقبل -رحمه الله- عن الكتابة على القبر فقال: "هي بدعة لأنها لم تكن موجودة على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-".
تنبيه: استثنى بعض العلماء كتابة اسم الميت، لا على وجه الزخرفة بل للتعرف قياساً على وضع النبي -صلى الله عليه وسلم- الحجر على قبر عثمان بن مظعون.
وكذلك أجازوا ما يكتبه البعض على باب المقابر لمعرفة ملكية الأرض؛ لعدم التعدي عليها (كما يُفْعَل بالديار المصرية، حيث إن المقابر منها لكل عائلة تخصها تُمَلِّكها الدولة لهم).
فهذه تكون من الأمور الجائزة للضرورة، ولكن لا يكتب على القبر ثناء الميت، ككتابة: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً} (الفجر: 27ـ28).
أو كتابة "المرحوم فلان" أو "المغفور له فلان"… وهكذا، فهذا منهي عنه.
جاء في "الشرح الممتع" (5/460) عن الشيخ السعدي -رحمه الله- قال: "المراد بالكتابة ما كان يفعلونه في الجاهلية من كتابات المدح والثناء، لأن هذه هي التي يكون بها المحظور، أما التي بقصد الإعلام فإنها لا تُكره. أهـ
هذا وقد وُجِّهَ سؤال إلى اللجنَّة الدائمة فتوى رقم (2927) وفيه: س: ما حكم البناء على القبور وتزيينها بالرخام... وغير ذلك من كتابة آية أو آيات على القبور؟
الجواب: يحرُم بناء المساجد على القبور، ورفع القباب عليها لِمَا أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".
ولما في ذلك من الغلو فيمن دفن بها، ولا يجوز رفعها إلا بقدر ما يُعْرَف أن هنا قبراً، حتى يُحَافَظ عليه من المشي فوقه، أو قضاء الحاجة عليه.
فقد ثبت عن عليٍ -رضي الله عنه- في صحيح مسلم أنه قال لأبي الهياج الأسدي: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته".
وكذلك يحرم تزيينها بالرخام ونحوه، لما ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يُجَصَّصَ القبر، وأن يُقْعَدُ عليه، وأن يُبْنَى عليه".
ولما في ذلك من الغلو في تعظيم من دُفِنَ بها، وذلك ذريعة إلى الشرك وتحرُم كتابة أية أو آيات من القرآن أو جملة منه على جدران القبور، لما في ذلك من امتهان القرآن وانتهاك حرمته, واستعماله في غير ما أُنزِل من أجله, من التعبد بتلاوته, وتدبره, واستنباط الأحكام منه, والتحاكم إليه... كما تحرم الكتابة على القبور مطلقاً ولو بغير القرآن؛ لعموم نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الكتابة عليها. وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم. (اللجنَّة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء).
وسُئِلَ الشيخ ابن باز -رحمه الله-: هل يجوز وضع قطعة من الحديد أو " لافتة "على قبر الميت مكتوب عليها آيات قرآنية، بالإضافة إلى اسم الميت وتاريخ وفاته... إلخ.
فأجاب فضيلته: لا يجوز أن يُكتب على قبر الميت لا آيات قرآنية ولا غيرها، لا في حديدة ولا في لوح ولا في غيرهما، لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث جابر -رضي الله عنه-: "أنه -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يُجَصَّصَ القبر، وأن يُقْعَدُ عليه، وأن يُبْنَى عليه" (رواه الإمام مسلم).
زاد الترمذي والنسائي بإسناد صحيح: "وأن يُكتَب عليه" (فتاوى وتنبيهات ونصائح صـ 230).
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 4:33 am عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: ممنوع كسوة القبر السبت 07 أكتوبر 2017, 9:58 pm | |
| 5- ستر القبر بالقماش (كسوة القبر): وهذا أمر منهيٌّ عنه، وهو خلاف السُّنَّة.
ففي صحيح مسلم من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله تعالى لم يأمرنا فيما رزقنا أن نكسُو الحجارةَ واللَّبِن والطين" (صحيح الجامع: 1804).
لأن الكسوة تحجب منظر القبر، وتحول دون العظة والاعتبار المقصودَيْنِ من زيارة القبور؛ ولأنها غلو في تعظيم القبور؛ والإسلام ينهى عن الغلو. ولأنها إضاعة للمال؛ والإسلام ينهي عن إضاعة المال، ولأن كسوة القبر تؤدى إلى الفتنة والوقوع في عبادة القبور.
قال الشيخ سيد سابق -رحمه الله-: لا يحل ستر الأضرحة لما فيه من العبث وصرف المال في غير غرض شرعي، وتضليل العامة.
وروى البخاري -رحمه الله- تعليقاً: أن ابن عمر -رضي الله عنهما- رأى فُسطاطاً على قبر عبد الرحمن، فقال: انزعه يا غلام، فإنما يظله عمله".
ـ الفسطاط: خيمة أو بيت من شعر.
وأخرج عبد الرزّاق وابن أبي شيبة عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "أنه أوصى أن لا يضربوا على قبره فسطاطاً".
وروي عن ابن أبي شيبة وابن عساكر مثله: عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.
وقال محمد بن كعب: "هذه الفساطيط التي على القبور مُحدثة". (رواه ابن أبي شيبة).
وعن سعيد بن المسيب أنه قال في مرضه الذي مات فيه: "إذا ما مِتُّ فلا تضربوا على قبري فسطاطاً".
ولا يُعْرَف في دين الإسلام أن قبراً يُكْسَى، إنما التي تُكسى في دين الإسلام هي الكعبة وهي بيت الله، فلا يشبه بها القبر وهو بيت المخلوق.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 4:34 am عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: ممنوع تعلية القبر ورفعه السبت 07 أكتوبر 2017, 10:44 pm | |
| 6- تعلية القبر ورفعه: وهذا أمر منهي عنه، وليس من الإسلام في شيء، بل هو أمر محدث على خلاف السنة.
فقد أخرج الإمام مسلم عن ثمامة بن شُقَي قال: كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس, فُتوفِّي صاحبٌ لنا، فأمر فضالة بن عبيد بتسوية قبره, ثم قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمر بتسويتها".
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن شرحبيل بن حسنة قال: "رأيت عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يأمر بتسوية القبور، فقيل له: هذا قبر أم عمرو بنت عثمان ! فأمر به فسوي".
وأخرج ابن سعد عن عمرو بن شرحبيل قال: "لا ترفعوا جدثي -يعني القبر- فإني رأيت المهاجرين يكرهون ذلك".
وأخرج الإمام مسلم من حديث أبي الهيَّاج الأسدي قال: قال لي عليٌ بن أبى طالب -رضي الله عنه-: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته".
وفي رواية: "ولا صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته".
قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: أكره أن يُرفع القبر إلا بقدر ما يُعرف أنه قبر؛ لكيلا يُوطأ ولا يُجلس عليه.
وقال أيضاً: وأحب ألا يُزاد في القبر من تراب وغيره، وإنما أحب أن يشخص على وجه الأرض شبراً أو نحوه، وأحب أن لا يبنى ولا يجصَّص، فإن ذلك يشبه الزينة والخيلاء، وليس الموت موضع واحد منهما، ولم أرَ قبور المهاجرين والأنصار مجصَّصة، وقد رأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يُبنى على القبور، ورأيت من الولاة مَن يهدم ما بُني في المقابر، ولم أرَ الفقهاء يعيبون عليه ذلك.
قال الشوكاني ـ رحمه الله ـ في شرح هذا الحديث في نيل الأوطار (2/83): والظاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم، وقد صرح بذلك أصحاب أحمد، وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك. وقال الشوكاني أيضاً: "واعلم أنه قد اتفق الناس سابقهم ولاحقهم، وأولهم وآخرهم من لدن الصحابة -رضي الله عنهم- إلى هذا الوقت، أن رفع القبور والبناء عليها بدعة من البدع التي ثبت النهي عنها، واشتدَّ وعيد رسول الله لفاعلها".
قال النووي ـرحمه الله- في شرح الحديث السابق: قوله: "يأمر بتسويتها"، وفي الرواية الأخرى: "ولا قبراً مشرفاً إلا سويته" فيه أن السُّنة أن القبر لا يُرفع على الأرض كثيراً، ولا يُسَنَّم، بل يرفع نحو شبر ويسطّح.
وقال ابن حزم في المحلى مسألة (577): لا يحل أن يُبْنَى على القبر, ولا أن يُجَصَّص، ولا أن يُزاد على ترابه شيء ويهدم كل ذلك.
قال ابن القيم -رحمه الله- كما في زاد المعاد (1/524): ولم يكن من هديه -صلى الله عليه وسلم- تعلية القبور ولا بناؤها بآجر ولا بحجر ولا لَبِن ولا تشييدها ولا تطييبها، ولا بناء القباب عليها، فكل هذا بدع مكروهة مخالفة لهديه -صلى الله عليه وسلم- وقد بعث علىٌ بن أبي طالب إلى اليمن أن لا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه، ولا صورة إلا طمسها، فسنته -صلى الله عليه وسلم- تسوية القبور المشرفة.أهـ
ـ الآجر: الطوب الأحمر.
قال الشوكاني -رحمه الله- في نيل الأوطار (4/131): ومن رَفْعِ القبور الداخل تحت الحديث دخولاً أوَّلياً القُبَب والمشاهدُ المعمورة على القبور وأيضاً هو من اتخاذ القبور مساجد، وقد لعن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فاعل ذلك.
وكم قد نشأ عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام منها: اعتقاد الجهلة بها كاعتقاد الكفار للأصنام، وعَظُمَ ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر، فجعلوها مقصداً لطلب قضاء الحوائج، وملجأً لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم، وشدوا إليها الرحال، وتمسحوا واستغاثوا.
وبالجملة: أنهم لم يَدَعُوا شيئاً مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد مَنْ يغضب لله، ويغار حَمِيَّةً للدين الحنيف لا عالماً ولا متعلماً ولا أميراً ولا وزيراً ولا مليكاً.
وقد توارد إلينا من الأخبار مما لا يُشَكُّ معه أن كثيراً من هؤلاء القُبُوريِّين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجراً، فإذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك أو الولي الفلاني تلعثم وتلكَّأ وأَبَى واعترف بالحق. وهذا من أبين الأدلة الدَّالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك مَنْ قال: "إن الله تعالى ثاني اثنين، أو ثالث ثلاثة".
فيا علماء الدين، ويا ملوك المسلمين أيُّ رِزْءٍ للإسلام أشد من الكفر؟!!
وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله؟!
وأي مصيبة يُصَابُ بها المسلمون تعدل هذه المصيبة؟!!
وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك واجباً؟!! لقد أسمعتَ لو نـادَيْتَ حيــاً ولكن لا حيــاةَ لـمـن تُنـادِي ولو ناراً نفَخْتَ بها أضاءت ولكن أنتَ تنْفُــخُ في رمــادِ
وقد أشار العلامة الشوكاني -رحمه الله-: "إلى أن رفع القبور والبناء عليها سبب في عبادة القبور، فقال -رحمه الله- كما في "شرح الصدور بتحريم رفع القبور" صـ17: فلا شك ولا ريب أن السبب الأعظم الذي نشأ منه هذا الاعتقاد في الأموات هو ما زَيَّنَهُ الشيطانُ للناس من رفع القبور ووضع الستور عليها وتجصيصها وتزيينها بأبلغ زينة، وتحسينها بأكمل تحسن، فإن الجاهل إذا وقعت عينه على قبر من القبور قد بنيت عليه قبة فدخلها، ونظر على القبور الستور الرائعة، والسرج المتلألئة، وقد سطعت حوله مجامر الطيب، فلاشك ولا ريب أنه يمتلىء قلبه تعظيماً لذلك القبر، ويضيق ذهنه عن تصور ما لهذا الميت من المنزلة، ويدخله من الروعة والمهابة ما يزرع في قلبه من العقائد الشيطانية التي هي من أعظم مكائد الشيطان للمسلمين وأشد وسائله إلى ضلال العباد ما يزلزله عن الإسلام قليلاً قليلاً، حتى يطلب من صاحب القبر ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه، فيصير في عداد المشركين.
وقد أفتى الشيخ عبد المجيد سليم -رحمه الله-: "أن مَنْ أوصى بعد موته أن يُرفع بناء قبره، أو توضع فوقه قبة، أو شيء من هذا القبيل، فإن الوصية باطلة، ولا يجوز العمل على تنفيذها لمخالفتها الأحاديث الصحيحة" (فتاوى دار الإفتاء المصرية).
وللحديث بقية -إن شاء الله تعالى- مع "ما يجوز فعله عند القبر". وبعد...، فهذا آخر ما تيسَّر جمعُه في هذه الرسالة... نسأل الله أن يكتب لها القبول، وأن يتقبَّلها منا بقبول حسن، كما أسأله سبحانه أن ينفع بها مؤلفها وقارئها ومَنْ أعان علي إخراجها ونشرها.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا وما كان فيها من صواب فمن الله وحده، وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وهذا بشأن أي عمل بشري يعتريه الخطأ والصواب، فإن كان صواباً فادع لي بالقبول والتوفيق، وإن كان ثمّ خطأ فاستغفر لي.
وإن وجدت العيب فسد الخللا جــلَّ مَــنْ لا عيب فيـه وعـلا
فاللهم اجعل عملي كله صالحاً ولوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه نصيب والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا والله تعالى أعلى وأعلم...
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. |
|
| |
| 1- صفة القبر الشرعي | |
|