إنها مظاهر كاذبة
السلام عليكم ورحمة الله
الجوهر - كلمة مهددّة بالانقراض وقد احلو مكانه المظهر الكاذب نعيش اليوم في عصر طغى به المظهر على الجوهر.
أصبح المظهر الخارجي المعيار الرئيسي في تحديد مكانة الفرد في المجتمع، كمثل البطيخة الكبيرة, تعطيك انطباعاً أنها حلوة المذاق ولكن لا لبّ فيها ولا طعم لها اللهم المظهر فقط.
هذه المصيبة الكبيرة يعاني منها الكثير الا من رحم ربي وهذا الوباء الاجتماعي يتفشى بشكل رهيب، وقد تستغربون ولكن نجد هذه المظاهر في مساجدنا فهنالك من يدخل الى المسجد في صلاة الجمعة وقد وصل متأخراً عمداً ورأسه مرفوع كأنه سفير لأمريكا فيتخطى الرقاب قدر المستطاع حتى يراه أكبر عدد من الناس ويرون قميصه الفاخر الذي اشتراه لسهراته الهابطة ولم ينس أن يضع مفتاح سيارته في جيب بنطاله ولوجو سيارة المرسيدس متدلياً في الخارج ناهيك عن نظارات الشمس التي تتخفى نظراته المتغطرسة من ورائها ولو سألته من هو آخر الأنبياء؟..
لقال لك آدم.
الفتيات
الملابس الضيقّة الفاضحة والشعر المنسدل والمكياج أبو 3.5 سنتيمتر والعطر الفواح الذي يفتن حتى الصراصير الهرمة والصوت الرقيق المنساب كانسياب قطرات الندى فوق أغصان الشجر، وفتاة عصرنا وما أدراك ما فتاة عصرنا, فهي تلك الفتاة التي تربّت في بيت يقولون به (سوري) و (بليز) و (هاي), تلك الفتاة التي لو قلت لها اقرأي سورة الفلق قالت لك (معلش أنا عندي حقوقي وحريتي) ولا تعرف غير هذه الجملة.
الله الله على المظهر ورحمك الله أيها الجوهر.
من كل 10 فتيات تجد فتاة واحدة مرتبطة بقراءة القرآن الكريم و 9 فتيات مرتبطات بالجوال.
فتاة اليوم هي فتاة ستار أكاديمي التي تنتظر فارس الأحلام ليقودها في حفلات جائزة الأوسكار, فتيات أحلام اليقظة, فتيات يحلّقن في الأوهام ولا يدرين أن شباب اليوم فاشلين، هذه هي قصة فتيات المظهر, فتيات بلا توجيه بلا محتوى بلا فهم صحيح للحياة.
فتيات لا يوجد عندهن بُعد نظر وإن وُجد فهو يقتصر على لون الفستان– (مين أحلى الوردي أم الابيض؟) وفي النهاية تختار الشفّاف.
الشباب
أما شباب اليوم فكثير منهم مستوطنون في المقاهي وسجائرهم بأفواههم – انظروا الينا أصبحنا رجالاً ولو حاولت أن تنصحهم ستنام تلك الليلة في المستشفى.
شباب تنحصر حياتهم في السيارة يقومون بغسلها وتلميعها يومياً ويشغلون الأغاني الأجنبية بصوت عالٍ انظروا الينا نحن شباب (موديرن) نحن شباب مايكل جاكسون وشاكيرا.
شباب يزورون الحلاق أسبوعياً لإحياء موضة القزع، شباب يبحثون عن زوجة عصرية ويا ليت تكون شقراء بيضاء ناضجة ممشوقة القامة ويفضّل لون العيون يكون أزرق فيتزوجها ويخرج معها الى السوق وكم تطيب أساريره عندما ينظر الناس اليه, لكنهم لا ينظرون اليه بل ينظرون لزوجته وهل تدري الى ماذا ينظرون بالضبط أيها الرخيص؟
شباب اليوم لا يعرفون من هو أسامة بن زيد ولكنهم يعرفون من هو فريد الأطرش, شباب خنع لا خير فيهم، تخيّل الآن لو تزوج هذا الشاب فتاة من الفقرة السابقة – الله الله على النسل القادم.
البنايات
جاري يملك بيتاً من 3 طوابق؟
سأبني بيتاً من 4 طوابق!
أنا أفضل منه فكيف يكون بيته أفضل من بيتي؟
طبعاً أنا لا أملك النقود لبناية هذا البيت ولكن البنك سيعطيني قرضاً ربويا سأقوم بتسديده خلال 20 سنة.
جاري الآخر مسكين بيته مكوّن من غرفتين فقط وهذا المسكين يخرج كل فجر من بيته ماشياً فهو لا يملك سيارة ولا أعلم أين يذهب في هذه الساعة المبكرّة, وهذا الفقير دائما أراه مبتسماً بالرغم من الفقر الشديد الذي يعيشه، فعلاً أمره غريب!
هذه قصة شباب اليوم الذين أصبحوا رجال اليوم.
الأعراس
سمعتُ أكثر من مرة عن شاب صالح أراد أن يتزوج من فتاة طيبّة ولكن أهله وأهلها من قطيع المظاهر الخارجية ولا يريدون سماع كلمة (عرس إسلامي) فتجد الاب يقول لابنه: (هل أنت مجنون ؟) (تريد أن تفضحني مع الناس؟) وقد يكون الزواج مهدداً بالفسخ اذا أصرّ الشاب أو الفتاة على العرس الاسلامي.
وهذه الأعراس تقام على نغمات الأغاني الساقطة أو على أبيات الشعر التي تمدح الأغنياء فقط ناهيك عن لحظة استقبال الزوار فاذا كان الزائر مُعرضاً عن ذكر الله ولكن نقوده كثيرة سيلاقونه بالترحيب الشديد (هلا والله هلا والله حياك الله تفضل تفضل والله نورت الحفل تفضل على وجبة العشاء هلا والله حيوه أطعموه أكرموه هلا والله…) أما لو كان تقياً متواضعاً سيلاقونه بفتور (وعليكم السلام تفضل).
ويبدأ الحفل وتبدأ الفراقيع والألعاب النارية بالتطاير وتقدّم وجبات الطعام باسراف ويُرمى نصفها للمزابل أكرمكم الله.
باكراً, بعد انتهاء الحفل يجلس الرجل مع زوجته وسيجارته بفمه فتقول الزوجة: ديون الحفل كبيرة ووصلت الى 300 الف ريال فيهز الرجل رأسه ويجيب (لا يهم) (المهم أنه لم ننفضح أمام الناس وكنا عند حسن ظن الجميع) فتقول الزوجة لزوجها (صدقت) (الحمد لله الذي وفقنا وستر علينا).
الكذب الاحترافي
أما الكذب فحدّث ولا حرج.
فلان يكذب على فلان حتى يظهر بصورة (مشرفّة) أمامه، أنا راتبي 20 ألف ووظيفتي مدير عام وتجد أن راتبه لا يتعدى ال 4 الاف ورتبته موظف عادي.
ما العيب في هذا ؟ ولماذا الكذب؟ ولماذا التغطرس؟ هل مرتبة الفرد تتحدّد وفقاً لوظيفته وراتبه؟ لو خيروك بين راتب 3 الاف ريال وتكون حافظاً للقرآن وبين راتب 60 ألف ريال وبينك وبين الدين أميال فماذا تختار؟.
حصل لي موقف قبل عدة أعوام عندما لاقيت شاباً من أيام الدراسة الجامعية وسألته كيف حاله ولم أسأله ماذا يعمل اليوم حتى لا أحرجه ان كان لم يوفّق بايجاد وظيفة ملائمة فتلقائياُ بدأ يحدثني عن نفسه وقال أنه مدير جناح في إحدى المستشفيات المشهورة وكلامه لا أساس له من الصحة وكل هذا من أجل الظهور بشكل لائق.
أصبح الكذب وسيلة رخيصة للتغلّب على الجوهر الفارغ، والكل يكذب على الكل وحبل الكذب طوله كطول المسافة التي بينك وبين شاشة الحاسوب أمامك.
الثمر
الحمد لله حمداً كثيراً على نعمه.
حتى الثمر لم يسلم من مصيبة المظهر.
أصبح ثمر اليوم جميل المنظر ولكن طعمه اختفى. أصبحت عمليات التهجين في المختبرات تهتم بمنظر الثمرة الخارجي على حساب طعمها.
يأتي الزبون الى السوق فيرى الثمار الكبيرة بألوانها الجميلة فيغره منظرها ولا يتردد بالشراء. أصبح الهدف من التهجين تجاري بحت وأصبحنا نسمع عن المزارع الطبيعية التي لا يستعملون بها الأسمدة, الكيماويات وعمليات التهجين وثمرها يكون ذو شكل عادي لكنه لذيذ المذاق وهذه الثمار تباع بأسعار عالية ولا يشتريها الا الأغنياء، هذه هي قصة الجوهر والمظهر.
اللهم اجعلنا ممن يفقهون ويعملون بقولك وممن يورثون الجنان ويُبشرون بروح وريحان واهدا الى ما فيه طاعتك ومرضاتك وما يقربنا الى الجنة من قول وعمل آمين.